نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
الأحد 17 تشرين الثّاني 2019
العدد 46
الأحد (22) بعد العنصرة
اللّحن 5- الإيوثينا 11
أعياد الأسبوع: *17: غريغوريوس العجائبيّ أسقف قيصريّة الجديدة *18: الشّهيدان بلاطن ورومانس *19: النّبيّ عوبديا، الشّهيد برلعام *20: تقدمة عيد الدّخول (دخول السّيّدة إلى الهيكل)، القدّيس غريغوريوس البانياسي، القدّيس بروكلس بطريرك القسطنطينيّة *21: عيد دخول سيّدتنا والدة الإله إلى الهيكل *22: الرّسول فيليمن ورفقته، الشّهيدة كيكيليّا ومن معها، البارّ يعقوب (آفيا) *23: القدّيس أمفيلوخيوس أسقف إيقونيّة، غريغوريوس أسقف أكراغندينون.
كلمة الرّاعي
دخول والدة الإله إلى الهيكل
ودخولنا إلى الهيكل
كلّ مؤمن، في طفوليّته، يُدخله والدَيه إلى الهيكل، بحسب تقليد كنيستنا اللّيتورجيّ. هذا الدّخول استعداد وتحضير للدّخول في الهيكل الرّوحيّ، جسد مسيح-الكنيسة. غاية دخولنا في الكنيسة أن يدخل الله هيكل جسدنا لنصير نحن كنيسته وهيكله ...
* * *
في العهد القديم، وبحسب الشّريعة، كان الطّفل البكر مُكرَّسًا لله، مفروزًا لهيكل الرَّبّ: ”قَدِّسْ لِي كُلَّ بِكْرٍ، كُلَّ فَاتِحِ رَحِمٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، مِنَ النَّاسِ وَمِنَ الْبَهَائِمِ. إِنَّهُ لِي“ (خروج 13: 2). لكنّ الرَّبّ افتدى أبكار بني إسرائيل باللّاويّين، لذلك صار من الواجب بحسب النّاموس أن يُفتَدى البكر بذبيحةٍ في الهيكل: ”وَهَا إِنِّي قَدْ أَخَذْتُ اللاَّوِيِّينَ مِنْ بَيْنِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، بَدَلَ كُلِّ بِكْرٍ فَاتِحِ رَحِمٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَيَكُونُ اللاَّوِيُّونَ لِي“ (عدد 3: 12).
* * *
نَذْرُ يواكيمَ وحنّةَ كان أن يُقدّما مولودهما البكر، الّذي غسل عار عقرهما أمام اليهود، إلى الرَّبّ ... إلى الهيكل ...، كما فعلت حنَّة أم صموئيل النّبيّ لمّا نذرت للرَّبّ (أنظر: 1 صموئيل 1: 11)، ووعدت: ”مَتَى فُطِمَ الصَّبِيُّ آتِي بِهِ لِيَتَرَاءَى أَمَامَ الرَّبِّ وَيُقِيمَ هُنَاكَ إِلَى الأَبَدِ ...“ (1 صم 1: 22).
ماذا يعني كلام حنّة أم صموئيل بأنّه ”يُقِيمَ هُنَاكَ إِلَى الأَبَدِ“؟! ... من كُرِّس للرَّبّ فهو له إلى دهر الدّاهرين أي كلّ الوجود في هذه الدّنيا وفي ملكوت السّماوات ... التّكريس هو أمر نهائيّ ليس محدودًا بهذا العالم. المكرَّس لا يُقيم في ما لله فقط بل، بالأحرى، يصير هو ما لله والله مقيم فيه إلى الأبد ... إذا حفظ الأمانة ... أمّا إذا لم يحفظها فحسابه لا قياس له في الألم ”فَكُلُّ مَنْ أُعْطِيَ كَثِيرًا يُطْلَبُ مِنْهُ كَثِيرٌ، وَمَنْ يُودِعُونَهُ كَثِيرًا يُطَالِبُونَهُ بِأَكْثَرَ ...“ (لوقا 12: 48).
* * *
في أيّامنا هذه، لم يعد مبدأ تكريس البكر للرَّبّ قائمًا في وجدان المسيحيّين، لا بل كلّ مبدأ التّكريس بات يُتعاطى معه بانحراف. النّاس يعتقدون أنّ الفاشلون أو غيرُ المكتَملين هم الّذين يتوجّهون إلى الرّهبنة أو الكهنوت. قليلون، اليوم، هم الأهل الّذين يرون في تكريس أحد أبنائهم بركة لهم. الكلّ يريد أولاده أن يكونوا ناجحين في العالم، لكن، هل من يهتمّ بنجاح أولاده في علاقتهم بالله؟! ... وهل من يشجّع أولاده على الاستجابة لنداء الرَّبّ لهم ليصيروا خُدَّامًا وشهودًا له؟! ...
على المسيحيّين أن يعودوا إلى روح الكنيسة الأولى، إلى روح الشّهادة النّابعة من الإيمان بالله ومحبّته فوق كلّ شيء: ”إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَيَّ وَلاَ يُبْغِضُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَامْرَأَتَهُ وَأَوْلاَدَهُ وَإِخْوَتَهُ وَأَخَوَاتِهِ، حَتَّى نَفْسَهُ أَيْضًا، فَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ لِي تِلْمِيذًا ...“ (لوقا 14: 26). معنى هذا أنّ على المؤمن أن ينكر ذاته بالكلّيّة حتّى يحبَّها، ولكي يتخلّى عن تعلّقه المرضيّ بشخصه عليه أن يكره ويبغض كلّ روح تملُّك تجاه أهله وعائلته أوَّلًا لكيما يصل إلى التّحرُّر من الأنا المريضة الّتي تتحكّم بحياته. هذا أمرٌ صعب، لا بل يبدو مستحيلًا! ... لكن ”غير المُستَطَاع عند الناس مُستَطَاع عند الله“ (لوقا 18: 27). من يُكرِّس ذاته لأحبّائه ليستملكهم ويقيّد خيارات حياتهم فهو لا يُحبّ سوى ذاته، لأنّه حيث المحبّة الحقيقيّة هناك الحرّيّة، وحيث الحرّيّة فهناك روح الرَّبّ حاضر وفاعل ...
* * *
”قَبْلَمَا صَوَّرْتُكَ فِي الْبَطْنِ عَرَفْتُكَ، وَقَبْلَمَا خَرَجْتَ مِنَ الرَّحِمِ قَدَّسْتُكَ“ (ارمياء 1: 5). هكذا والدة الإله مريم، الّتي اصطفاها الله لتصير أمًّا له عبر تجسُّد ”الكلمة“ منها ومن الرّوح القدس، صارت نموذجًا لنا. والدَيها كرّساها لهيكل الرَّبّ كون الله عرفها هيكلًا له، ليأخذ من جسدها جسدًا لابنه الوحيد فيصير الإنسان بيسوع هيكل الله الوحيد. كلّ من اعتمد على اسم الثّالوث القدّوس هو في هيكل الله وهيكل له، وبالتّالي هو مكرَّس ليكون مطرحًا لتجلّي مجد العَليّ. على كلّ مؤمن أن يعيَ هذا السّرّ (mystery) الكائن فيه وينطلق من هذا الكشف ليحقِّق وجوده. كلّما ازداد شوق الحبّ لله كلّما تخلّى الإنسان عن كلّ شيء لأجل الله، وهكذا يدخل في التّكريس الأكمل لأنّ الرَّبّ يقول: ”إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَكُونَ كَامِلًا فَاذْهَبْ وَبعْ أَمْلاَكَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ، وَتَعَالَ اتْبَعْنِي ...“ (متّى 19: 21).
ومن استطاع أن يَقبَل فليَقبَل! ...
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما
طروباريّة القيامة (باللَّحن الخامس)
لِنُسَبِّحْ نحنُ المُؤمنينَ ونسجُدْ للكلمة. المُساوي للآبِ والرُّوحِ في الأزَليّةِ وعدمِ الابتداء. المَوْلودِ مَنَ العذراء لِخلاصِنا. لأنّه سُرَّ بالجَسَدِ أن يَعلُوَ على الصَّليب. ويحتمِلَ المَوْت. ويُنهِضَ المَوْتى بقيامتِهِ المَجيدة.
طروباريّة القدّيس غريغوريوس العجائبيّ أسقف قيصريّة الجديدة (باللَّحن الثّامن)
أيّها الأب غريغوريوس، لقد نلتَ لقبَكَ بتقويماتِكَ، لتيَقُّظِكَ في الصّلواتِ ومواظبتك على صنع العَجائب وأعمال الرحمة، فتشفّع إلى المسيح الإله أن يُنيرَ نفوسنا، لئلّا ننام في الخطايا إلى الموت.
قنداق دخول السّيّدة إلى الهيكل (باللّحن الرّابع)
إنَّ الهيكلَ الكُلِّيُّ النّقاوَة، هيكلَ المُخلِّصِ، البتولَ الخدرَ الجزيلَ الثَّمَن، والكنزَ الطّاهرَ لمجدِ الله، اليومَ تَدخُلُ إلى بيتِ الرَّبّ، وتُدخِلُ معها النّعمةَ الّتي بالرُّوحِ الإلهيّ، فلتُسَبِّحْهَا ملائكةُ الله، لأنّها هي المظلّةُ السّماويّة.
الرّسالة (غل 6: 11– 18)
أنت يا ربُّ تحفَظُنا وتستُرُنا مِن هذا الجيل
خلِّصني يا ربُّ، فإنَّ البارَّ قد فَني
يا إخوة، أنظُروا ما أعظمَ الكتاباتِ الّتي كتبتُها إليكم بيَدِي، إنَّ كُلَّ الّذينَ يُريدون أن يُرضُوا بحسَبِ الجسَدِ يُلزِمونكم أن تَخْتَتِنُوا، وإنَّما ذلكَ لئلَّا يُضطَهدوا من أجلِ صليب المسيح. لأنَّ الذينَ يَختَتِنون هُم أنفسُهم لا يحفَظون النّاموسَ، بل إنَّما يُريدون أن تَختَتِنوا ليفتَخِروا بأجسادِكم. أمّا أنا فحاشى لي أن افتَخِرَ إلَّا بصليبِ ربِّنا يسوعَ المسيحِ الّذي بهِ صُلِبَ العالمُ لي وأنا صُلبتُ للعالم. لأنَّه في المسيح يسوعَ ليسَ الخِتانُ بشيءٍ ولا القَلَفُ، بل الخليقةُ الجديدة. وكلُّ الّذين يسلُكُون بحسَبِ هذا القانونِ فعليهم سَلامٌ ورَحمةٌ، وعلى إسرائيلِ الله. فلا يجلِبْ عليَّ أحدٌ أتعابًا فيما بعدُ، فإنّي حامِلٌ في جسدي سِماتِ الرَّبِّ يسوع. نعمةُ ربِّنا يسوعَ المسيحِ مَعَ رُوحِكم أيُّها الإخوةُ. آمين.
الإنجيل (لو 12: 16– 21) (لو قا 9)
قال الرَّبُّ هذا المثل: إنسانٌ غَنيٌّ أخصبَتْ أرضُهُ، فَفكَّر في نفسِهِ قائلًا: ماذا أَصنَع؟ فإنَّه لَيسَ لي مَوضِعٌ أَخْزُنُ فيه أثماري. ثمَّ قال: أصنعُ هذا: أهْدِمُ أهرائي وأَبْنِي أكبَرَ مِنها وأجْمَعُ هناكَ كلَّ غَلّاتي وَخَيراتي. وأقولُ لنِفسي: يا نَفسُ إنَّ لكِ خيراتٍ كثيرةً موضوعةً لسنينَ كثيرةٍ، فاستْريحي وَكُلِي وَاشْرَبي وافرحي. فقال له الله: يا جاهِلُ، في هذه اللّيلةِ تُطلَبَ نَفْسُكَ مِنكَ، فهذه الّتي أعدَدْتَها لِمَنْ تَكون؟ فهكذا مَنْ يَدَّخِرُ لِنفسِهِ ولا يَستغني باللهِ. ولَمّا قالَ هذا نادى: مَنْ لَهُ اُذنُانِ للسّمْع فَلْيَسْمَع.
حول الإنجيل
”وَأَقُولُ لِنَفْسِي: يَا نَفْسُ لَكِ خَيْرَاتٌ كَثِيرَةٌ، مَوْضُوعَةٌ لِسِنِينَ كَثِيرَةٍ. اِسْتَرِيحِي وَكُلِي وَاشْرَبِي وَافْرَحِي!“. وكأنّ النَّفْس تأكل وتشرب وتفرح وتستريح من ثمار مادّيّة، يا غبيّ!!
كم من مرّات نكون مثل هذا الغنيّ أغبياء، نتّكل على أنفسنا وليس على الله، نغذّي الجسد وننسى الرُّوح، هل الّذي يُعطي طيور السَّماء مأكلًا ينسى أبناءَه؟
أُطلبوا، أوّلًا، ملكوت السّماوات وكلّ شيء يُعطى ويُزادُ لكم!
إنّ كلّ ما نحصل عليه مادّيًّا (شرط أن يكون صالحًا) أو روحيًّا هو هبة من الله، "كلّ عطيّة صالحة وكلّ مَوْهَبة كاملة هي من العَلاء منحدرة من لَدُنِكَ يا أبا الأنوار" (رسالة القدّيس يعقوب)، لماذا نفتخر إذًا؟! ...
هل كنتُ أمينًا على ما أعطاني الله، هل عملتُ على زيادة الوزنات، أم كنزتُ كلَّ شيءٍ لذاتي؟! ... هل حسبتُ أنّ الله في يوم الدّينونة سوف يقول لي هل أطعمتَ الفقير وكَسَيْتَ العُريان وعطفتَ على المُحتاج وغيرها من الصّالحات الّتي تَوانَيْتُ عن فعلها؟! ...
آه ... كم نحن جاحِدون وكم التصَقنا بأمورِ هذا العالم الفاسدة. لقد انغمسنا، كثيرًا، في أمور هذا العالم حتّى افتقرنا روحيًّا إذ يستحيل أن نجلس على كرسيّين. لا يُمكن للمَرء أن يشرب من كأس المخَلِّص ومن كأس العدوّ. علينا أن نقرّر من سنخدم: الله أم أمور هذا العالم. لا يُمكن للمرء أن يخدم الله والمال في آنٍ واحد (القدّيس باييسيوس الآثوسيّ).
ألا نعلم أنّ هذه الحياة غربة؟
أنظنّ أنّنا نقطن هذه المدينة أو غيرها إلى الأبد؟
إنّنا مسافرون وما نحن سوى رحّالة وعابرو سبيل. فلنَسِرْ، إذن، يوميًّا، بقدر ما تسمح طبيعتنا (يوحنّا الذّهبيّ الفم).
يا أحبّة، سِيروا في النّور ما دام لكم النّور، و"اعْلَمُوا هذَا: أَنَّهُ لَوْ عَرَفَ رَبُّ الْبَيْتِ فِي أَيِّ هَزِيعٍ يَأْتِي السَّارِقُ، لَسَهِرَ وَلَمْ يَدَعْ بَيْتَهُ يُنْقَبُ" (متّى 24 :43). يجب أن نكون مُستعدّين، أن نكون على قلب الله، أن نطلب توبةً صادقة ومن بعدها توبة أيضًا، عسى أن يجدنا الله في حالة توبة وتواضع ورجوع وحنين إليه حين يأتي يوم رقادنا.
في الصّبر والإيمان
في رسالته إلى أهل غلاطية، يعدّد بولس الرّسول "ثمار الرّوح" ويأتي على ذكر الصّبر. إنّ هذه الفضيلة هي أساس التّسليم الكامل لمشيئة الله، فالسّيّد المسيح بذاته، في خضوعه الكامل لمشيئة الآب، تحلّى بالصّبر حتّى أقصى حدّ، وكان لنا خير مثال!
أن تصبر يعني أن تتألّم وتحتمل... أن تنتظر رحمة الرَّبّ بشجاعة ورجاء... أن تتخلّى عن الأنا الخاصّة بك وبالآخرين، لتنمو أكثر وأكثر في نعمة الرَّبّ وفي القدرة على عيش وصاياه في حياتك محقِّقًا إرادته... يقول الإنجيليّ لوقا: "الزَّرع الَّذِي فِي الأَرْضِ الْجَيِّدَةِ، هُوَ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ الْكَلِمَةَ فَيَحْفَظُونَهَا فِي قَلْبٍ جَيِّدٍ صَالِحٍ، وَيُثْمِرُونَ بِالصَّبْرِ" (لو 7: 15)، وبالتّالي فقط الّذين يتحلّون بالصّبر يستطيعون أن يثمروا ثمارًا تليق بالملكوت.
وبعد، في زمن الاضطهاد والتَّجارب، عندما يُطلب من المسيحيّين أن يعطوا جوابًا عن إيمانهم بالمسيح، ويكونون بسبب إيمانهم "مُبغَضين من الكلّ" من أجل اسمه، يوصينا السّيّد قائلًا: "بِصَبْرِكُمُ اقْتَنُوا أَنْفُسَكُمْ" (لو 21: 19) أي أنّه يدعونا أن نحتمل المشقّات من أجل اسمه ونثبت إلى النّهاية حتّى نخلص!. "خُذُوا يَا إِخْوَتِي مِثَالًا لاحْتِمَالِ الْمَشَقَّاتِ وَالأَنَاةِ: الأَنْبِيَاءَ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا بِاسْمِ الرَّبِّ. هَا نَحْنُ نُطَوِّبُ الصَّابِرِينَ. قَدْ سَمِعْتُمْ بِصَبْرِ أَيُّوبَ وَرَأَيْتُمْ عَاقِبَةَ الرَّبِّ. لأَنَّ الرَّبَّ كَثِيرُ الرَّحْمَةِ وَرَؤُوفٌ" (يعقوب 5: 7-11).
غالبًا ما ينسى المؤمنون المُجاهدون أنّ الصّبر فضيلة، فيطلبون كلّ شيء للحال وبأقلّ تعب ممكن. غالبًا ما ينسى المؤمنون المجاهدون أنّ الصّبر نعمة من الله، وثمرة للرّوح القدس، فيعتقدون خازين أنّ بإمكانهم أن يصبروا بجهدهم الشّخصيّ، بإرادتهم الخاصّة، من دون طلب ذلك من الله، فيتخبّطون بحالات من الاضطراب الرّوحيّ الّتي لا تنتهي.
فضيلة الصّبر، إذًا، هي أن نحمل صليبنا حتّى النِّهاية، هي أن نبقى مُسمَّرين على الصّليب مهما حصل، خاضعين لمشيئة الله في كلّ شيء. هي مقترنة بالمحبّة، والرّجاء، والتَّواضع، وطبعًا بالإيمان. يجب تجديدها يوميًّا بالصّوم والصّلاة والاتّحاد بالله من خلال المناولة المقدّسة. نجدها عندما نتعلّم أن نذكر الله في مختلف أمور حياتنا، عندما نلتصق بالمسيح ونرى كلّ ما يجري على ضوء ملكوت الله. إنّ آباء الكنيسة يُجمعون أنّ اقتناء الصّبر الحقيقيّ مستحيل بمعزل عن الإيمان، ومن أراد أن يقتني فضيلة الصّبر، عليه أن يتّحد بالمسيح، ويعيش بقوّة الرّوح، ألم يقل الكتاب: "أَلْقِ عَلَى الرَّبِّ هَمَّكَ فَهُوَ يَعُولُكَ. لاَ يَدَعُ الصِّدِّيقَ يَتَزَعْزَعُ إِلَى الأَبَدِ" (مز55: 22)؟! ... فتشدّدوا ولتتقوَ قلوبكم، يا جميع المتوكّلين على الرَّبّ! (مز 31: 24)!
من أقوال القدّيس باييسيوس الآثوسيّ
+ إن لم تشعر بتعزية وفرح أثناء صلاتك، فإمّا لأنّك جرحت شعور أحد الإخوة بتصرّفاتك، أو لقساوة قلبك وكبريائك.
+ تصرّف ببساطة مع الآخرين، وتقبّل منهم الملاحظات، لأنّ من يتصرّف ببساطة مقرونة بأفكارٍ صالحة يفرح عندما يوبّخه الآخرون.
+ لا أعتبره تقدّمًا روحيًّا كاملًا لمن يُدْرِك خطيئته ويتوقّف عندها. الأمر الأهمّ هو أن يعرف ضعفه وأن يعمل على إصلاحه، وهذا هو التقدّم الكبير، فمن يجاهد كثيرًا، ولكنّه لا يعرف ضعفاته ولا يُقِرُّ بها لا يتقدّم.
+ إن كنّا نصلّي بلا انقطاع، وكان ذهننا مثبَّتًا في الصَّلاة، فإنّ الأفكار الجسدانيّة لا تستطيع أن تؤذينا.
+ لكي يتوقّف مصنعنا (الذّهن) عن تصنيع الأفكار السّيّئة، يجب أن يغيب من داخلنا الخبث، وعندئذ ستكون صحّتنا الرّوحيّة سليمة صحيحة.
+ عندما تعمل، دع يديك تعملان، وأمّا ذهنك فليكن ملتصقًا بالله. توقّف كلّ ساعة، واتْلُ صلاة قصيرة، ثمّ عد إلى عملك. ضع كتابًا مفتوحًا على طاولتك، حتّى عندما تدخل القلّاية تقرأ منه قليلًا لكي يتجمّع عقلك، ثمّ عد ثانيةً إلى العمل. صلّ قليلًا في المسبحة أثناء عملك، ثمّ عد إليه مرّة أخرى، وبهذه الطّريقة يصبح عملك مُختلفًا عن عمل العلمانيّين.
+ عندما نُجاهِد ضدّ هوىً ما ولا يزول، فلنعلم أنّه إمّا بسبب الأنانيّة أو الإدانة.