Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد 17 أيلول 2023          

العدد 38

الأحد بعد عيد رفع الصَّليب

اللّحن 6- الإيوثينا 4

أعياد الأسبوع: *17: الشَّهيدات صوفيّا وبناتها بيستي وإلبيذي وأغابي *18: القدّيس إفمانيوس العجائبيّ أسقف غورتيني *19: الشّهداء تروفيمس وسبَّاتيوس ودوريماذُن *20: الشُّهداء افسطاثيوس وزوجته ثيوبيستي وولديهما أغابيوس وثيوبيستوس *21: وداع عيد الصَّليب، الرَّسول كُدْراتُس، النَّبيّ يونان *22: الشّهيد في الكهنة فُوقا أسقف سينوبي *23: الحبَل بالقدِّيس يوحنّا المعمدان.

 كلمة الرّاعي

صليب الحقّ وأبناء الظُّلمة

”وَهذِهِ هِيَ الدَّيْنُونَةُ: إِنَّ النُّور قَدْ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ، وَأَحَبَّ النَّاسُ الظُّلمة أَكْثَرَ مِنَ النُّور، لأَنَّ أَعْمَالَهُمْ كَانَتْ شِرِّيرَةً“                                                                                                                                   (يو 3: 19)

لا مجال بعد اليوم للمُهادَنَة في الشَّهادَةِ للحَقّ، لأنّ أبناء الظُّلمة يُريدون أن يُضِلُّوا العالم كلّه وبخاصّة أبناء النُّور. النُّور هو الله، ولا نور خارجه، ومَنْ عَرَفَ الله الحَقّ استنار وسَلَكَ في النُّور وأنار. أمّا الَّذين يَعيشون لِشَهواتِ أجسادهم وكبريائهم فقد اختاروا الظُّلمة لِيَعيشوا فيها، حيث يُخدعون بأنوار إبليس الكاذبة. هؤلاء يصحُّ فيهم قَوْلُ الرَّبِّ: ”أَنْتُمْ مِنْ أَبٍ هُوَ إِبْلِيسُ، وَشَهَوَاتِ أَبِيكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَعْمَلُوا. ذَاكَ كَانَ قَتَّالًا لِلنَّاسِ مِنَ الْبَدْءِ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْحَقِّ لأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَقٌّ. مَتَى تَكَلَّمَ بِالْكَذِبِ فَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُ مِمَّا لَهُ، لأَنَّهُ كَذَّابٌ وَأَبُو الْكَذَّابِ“ (يو 8: 44).

اليوم، الحرب قائمة بين الحَقِّ والباطل وبين الصِّدْقِ والكَذِب. إبليس كشف نفسه هو وأتباعه، لم تَعُد الحرب خفيّة بل صارت عَلَنِيَّة وظاهرة. قبلًا، كان النَّاس يخجلون مِنْ ذِكْرِ القبائح والخطايا، أمّا في هذا الزّمن فقد صار النَّاس ”يفتخرون“ بأهواء وشهوات الهوان الّتي يُرَوِّجون لها باسم حرّيّةٍ كاذبة هي الوجه الظّاهر لعبوديَّة كلّيّة لـ ”رئيس هذا العالم“ (يو 12: 31) أي إبليس.

*          *          *

الحَقَّ للضّالين صليب، ولِعَبيد منطق العالم العِفَّة عثرة ودينونة. المسكونة في مسيرة تحوّل إلى سدوم وعمورة، هذا دأب أبناء هذا الدّهر في جهودهم. لكن، لا غلبة للــشّـــرّ نهائيّة بل الـــشّـــرّ مغلوب أبدًا في الَّذي ”عُلِّق على خشبة“.

خطّة موضوعة لإفساد الإنسان من خلال تشريع الشُّذوذ الجنسيّ والتَّشجيع عليه وغسل أدمغة الأطفال لخرب حياتهم. دول تعمل على تنفيذها. لا فرصة بعد للحوار في هذه المسائل، الموقف الصّلب والحازم مطلوب، ووضع خطّة مواجهة أمرٌ لا بُدَّ منه.

لا يستطيع المؤمنون أن يقفوا مكتوفي الأيدي ومكمومي الأفواه، عليهم دور في الشَّهادة للحقّ. حربٌ عَلَنِيَّة لا بدّ منها على هذا الفساد وعلى كلّ من تسوّل له نفسه العمل على إفساد الطُّفولة البريئة. الإنسان صورة الله وهذه هي حقيقته الجوهريّة الّتي تحدّد هويّته الحقيقيّة: ”بَلْ نَظِيرَ الْقُدُّوسِ الَّذِي دَعَاكُمْ، كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضًا قِدِّيسِينَ فِي كُلِّ سِيرَةٍ“ (1 بط 1: 15).

القداسة تَشَبُّهٌ بالله أي هي عكس ما يُرَوَّج له اليوم من تَشَبُّهٍ بالعالم المخلوق وبالأشياء والبهائم كما هي الموضة الّتي تتصاعد في الشّهرة هذه الأيّام...

*          *          *

أيُّها الأحبّاء، يوصي الرَّسُول بولس المسيحيّين بالابتعاد عن أعمال المَعْصِيَة الّتي تجلب غضب الله قائلًا:  ”أَمِيتُوا أَعْضَاءَكُمُ الَّتِي عَلَى الأَرْضِ: الزِّنَا، النَّجَاسَةَ، الْهَوَى، الشَّهْوَةَ الرَّدِيَّةَ، الطَّمَعَ الَّذِي هُوَ عِبَادَةُ الأَوْثَانِ، الأُمُورَ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا يَأْتِي غَضَبُ اللهِ عَلَى أَبْنَاءِ الْمَعْصِيَةِ ...“ (كو 3: 5 و6). خطايا الإنسان تدمِّر الكَوْنَ، وبِرُّ الإنسان يبنيه. لا ينفصل مصير الكون عن مصير الإنسان، وما يزرعه الإنسان في ذاته يحصده في الكون، إذا زرع برًّا حصد سلامًا وراحة وإذا زرع شرًّا حصد اضطرابات وخراب، ”مَلْعُونَةٌ الأَرْضُ بِسَبَبِكَ“ (تك 3: 17).

رسالتنا وشهادتنا للحَقّ صليب للعالم، لأنّ العالم فاسد، ودورنا كمؤمنين هو أن نحمل بفخر صليب الحبّ الإلهيّ رافعينه راية نور في وجه ظلمة أبناء هذا الدّهر، وسيفًا قاطعًا بإزاء كلام الضَّلال يفصل بين الحَقِّ والباطل.

الظُّلمة ستُباد بنور المسيح السّاطع من كنيسته المقدَّسة وفي أبناء النُّور، وشرّ الضَّلالة سينطفئ بمحبّة الحَقِّ، وكلّ فاسد ومنحرف وشاذّ مدعوّ إلى التّوبة، وكلّ مُفْسِدٍ يُميته غِيُّه، ومن يسمع لنداء الرُّجوع إلى ”الطّريق والحَقِّ والحياة“ (يو 14: 6) تنسكب عليه نعمة ورحمة للخلاص...

ومن له أذنان للسَّمْعِ فَلْيَسْمَع...

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

طروباريّة القيامة (باللَّحن السّادس)

إِنَّ القوَّاتِ الملائِكِيَّة ظَهَرُوا على قبرِكَ الـمُوَقَّر، والحرَّاسَ صَارُوا كَالأَموات، ومريمَ وَقَفَتْ عندَ القَبْرِ طَالِبَةً جَسَدَكَ الطَّاهِر، فَسَبَيْتَ الجَحِيمَ ولَمْ تُجَرَّبْ مِنْهَا، وصَادَفْتَ البَتُولَ مَانِحًا الحَيَاة، فَيَا مَنْ قَامَ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ، يَا رَبُّ المَجْدُ لَك.

طروباريّة عيد رفع الصّليب (باللَّحن الأوّل)

خلِّصْ يا ربُّ شعبَكَ وبارِكْ ميراثَك، وامنَحْ عبيدَكَ المؤمنينَ الغلبَةَ على الشِّرِّير، واحفَظْ بقوَّةٍ صليبِكَ جميعَ المختصِّينَ بك.

قنداق عيد رفع الصَّليب (باللَّحن الرَّابع)

يا مَنْ ارتَفَعْتَ على الصَّليبِ مُختارًا أيُّها المسيحُ الإله، امنح رأفتكَ لِشَعبكَ الجديدِ المُسَمَّى بك، وفَرِّحْ بقوّتك عبيدَكَ المؤمنين، مانِحًا إيّاهُمُ الغلبةَ على مُحاربيهم. ولتكن لهم معونتُكَ سِلاحًا للسَّلامة وظفَرًا غيرَ مقهور.

الرّسالة (غل 2: 16– 20)

ما أَعْظَمَ أعمالَكَ يا ربُّ كلَّها بحكمةٍ صَنَعْتَ

بارِكِي يا نَفْسِي الرَّبّ

يا إخوة، إذْ نعلَمُ أنَّ الإنسانَ لا يُبرَّرُ بأعمالِ النَّاموسِ بل إنَّما بالإيمانِ بيسوعَ المسيح، آمَنَّا نحنُ أيضًا بيسوعَ لكي نُبَرَّرَ بالإيمانِ بالمسيحِ لا بأعمالِ النَّاموس، إذْ لا يُبَرَّرُ بأعمالِ النّاموسِ أَحَدٌ من ذَوِي الجَسَد. فإنْ كُنَّا ونحنُ طالِبُونَ التَّبريرَ بالمسيحِ وُجِدْنَا نحن أيضًا خَطَأَةً، أَفَيَكُونُ المسيحُ إذًا خادِمًا للخطيئة؟. حَاشَا!. فإنِّي إنْ عُدْتُ أَبْنِي ما قَدْ هَدَمْتُ أَجْعَلُ نفسِي مُتَعَدِّيًا، لأنِّي بالنَّاموسِ مُتُّ للنَّاموسِ لكي أَحْيَا لله. مع المسيحِ صُلِبْتُ فَأَحْيَا لا أَنَا بل المسيحُ يَحْيَا فِيَّ. وما لي من الحياةِ في الجسدِ أنا أَحْيَاهُ في إيمانِ ابْنِ اللهِ الَّذي أَحَبَّنِي وبَذَلَ نفسَهُ عنِّي.

الإنجيل (مر 8: 34– 38، 9: 1)

قالَ الرَّبُّ: مَنْ أَرادَ أَنْ يَتْبَعَنِي فَلْيَكْفُرْ بنفسِهِ ويَحْمِلْ صليبَهُ ويَتْبَعْنِي. لأنَّ مَنْ أرادَ أنْ يُخَلِّصَ نفسَهُ يهلِكُهَا، ومَنْ أَهْلَكَ نفسَهُ من أَجْلِي ومن أَجْلِ الإنجيلِ يُخَلِّصُهَا. فإنَّه ماذا ينتفِعُ الإنسانُ لو ربحَ العالمَ كلَّه وخَسِرَ نفسَهُ، أَمْ ماذا يُعْطِي الإنسانُ فِدَاءً عن نفسِهِ؟ لأنَّ من يَسْتَحِي بِي وبكلامِي في هذا الْجِيلِ الفَاسِقِ الخاطِئِ يَسْتَحِي بهِ ابْنُ البشرِ متى أَتَى في مجدِ أبيهِ مع الملائكةِ القِدِّيسين. وقالَ لهم: الحَقَّ أقولُ لكم إنَّ قومًا من القائمينَ هَهُنَا لا يَذُوقُونَ الموتَ حتَّى يَرَوْا ملكوتَ اللهِ قد أَتَى بقوَّة.

حول الإنجيل

"من أراد أن يتبعني فليكفُر بِنَفْسِه ويحمل صليبه ويتبعني".

لِلْوَهْلَةِ الأولى تظنّ أنَّ الأمر مُستحيلٌ فكيف لك أن تكفر بنفسك؟ هل يُنكِر الإنسان ذاته؟ وماذا يقصد الرَّبُّ يسوع بذلك؟ نعم أن تنكر ذاتك يعني أنْ تحبَّ الرَّبَّ يسوع أكثر من أيِّ شيئٍ، لتستحقّ أن تتبعه، أن تتخلّى عن مجدك والأنا الَّتي تتملَّكُكَ لتمتلك محبَّة المسيح وتغدو تلميذه الحقيقيّ. فمهما يبدو الأمر صعبًا إنْ كنت تحبّ حبًّا حقيقيًّا، يساعدك الله في التَّخَلِّي عن الذّات وأمجادها ويزيِّنُك بصفةِ التِّلميذ، فما تعود تلميذًا لِذَاتِكَ بل تلميذًا للمحبَّة تلميذًا للرَّبِّ يسوع. حَمْل الصَّليب يعني أن تتبع درب الجلجلة كما مُعلِّمك، أن تتبعَ المسيح في درب آلامه، فكما معلِّمُك استهزأوا به وعَيَّروه، هكذا أنت ستُعَيَّر لأنَّ النّاس سيعاكسونك ويسخرون منك، وهذا لا يقتصر على مَنْ هم مِنْ غير إيمانك، بل ستُضطهد أيضًا ممَّن ينتمون إسميًّا لجسد الكنيسة، الَّذين انحرفوا عن طريق الرَّبّ، فأصبحوا كالدَّمِ الفاسد في الجسم الصَّحيح.

إنَّ إنكار الذَّات وإهلاك الخطيئة وحمل الصَّليب مِنْ قِبَل الإنسان يتطلَّب منه التَّواضع والمحبَّة، الفضيلتَيْن اللَّتَيْن تقودان إلى القمَّة. فعَلَيْه إذًا أن يُقيم في المسيح ويَمْشي بِقَدَمَيْ المحبَّة والتَّواضع مُحِبًّا حتّى المَوْت، وباذِلًا نفسه مِنْ أجل الآخَرين، كما عليه أنْ يُماثِل ضِعَةَ المسيح إن أراد أن يبلغ رِفْعَتَهُ. فماذا ينفع الإنسان إنْ ربح الأرضيَّات وملذَّات العالم وخسر السَّماويّات وأفراحها، ماذا ينفعه إنْ كَسِبَ هذا الزَّمن المحدود وخسر الأبديَّة الَّتي لا نهاية لها.

نعم يا إخوتي يقول سيزاريوس أسقف أرليس: ”مِنَ الأجْدَى والأفضل أنْ نُحِبَّ العالم من ضمن علاقته بصانعه. العالم جميل، لكنّ الَّذي كَوَّنَه أجمل بكثير. العالم مجيد، لكنَّ الَّذي أسَّسه أَمْجَد منه“. لذلك فلنعمل على قدر طاقتنا، يا أحبَّة لكي لا يُغرقنا حبُّ العالم، ولكي لا نحبَّ المخلوق أكثر مِنَ الخالق. لقد أعطانا الله الأرضيَّات لكي نحبَّه بكلِّ قلوبنا ونفوسنا.

حَرِيٌّ بنا أن نفتخر بمسيحيَّتنا، فالرَّبّ طوَّبَ المضطَّهَدين مِنْ أجْلِ اسمِهِ، قائلًا إنّ أجرهم عظيمٌ في السَّماوات. فإنْ كان الرَّبُّ يسوع قد قَبِلَ طبيعتَنا واحتمل ضِعَتَها لِيَمْنحنا أنْ نشاركه بمجده الإلهيّ، أفَلَيْسَ جديرٌ بنا أن نفرح بمسيحنا، ونفتخر باسمه القدُّوس؟!... ثمّ إنّك إنْ فعلتَ هذا فأنْتَ تَعيشُ ملكوتَ السَّماوات في داخلك منذ هذه اللَّحظة، ولنْ تَمُوتَ إذا مُتَّ، لأنَّك قد مُتَّ قبل أن تموت، فأنت تعيش الملكوت في داخلك وتتطلَّع لِكَمالِهِ في الآخِرة وللمشاركة مع الأبرار والقدِّيسين في المجد الأبديّ.

كيف أخلُص؟

لَعَلَّ هذا السُّؤال هو أهَمّ سؤال ينبغي أن يفكّر فيه كلّ مسيحيّ ويطرحه على ذاته لكي يتبيّن المَسار الرُّوحيّ الحقيقيّ الَّذي يقوده إلى الخلاص. ليس هناك موضوع أهمّ مِنْ خَلاصِنا الأبديّ (خلاص النَّفْس) "ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كلَّه وخسر نفسه؟" (مت ٢٦:١٦). الخطوة الأولى في طريق الخَلاص تكمن في الإيمان بالرَّبِّ يسوع. فسجّان فيلبي سأل بولس وسيلا: "يا سيِّديّ ماذا ينبغي أن أفعل لكي أخلص؟" (أع  ٣٠:١٦) فكان جوابهما: "آمِنْ بالرَّبِّ يسوع فتَخْلُصَ أنت وأهل بيتك" (أع ٣١:١٦). بخطيئته حكم الإنسان على نفسه بالموت والهَلاك الأبدِيّ وبالتَّالي الانفصال عن الله "أجْرَة لأجل العالم ويقدِّمَ لنا الفِداء على الصَّليب. كلّ ذلك بسبب حُبِّهِ لخليقته "هكذا أحَبَّ الله العالم حتّى أنّه بذل ابنه الوَحيد لكي لا يَهْلَك كلُّ مَنْ يُؤمِن به بل تكونَ له الحَياة الأبَدِيَّة" (يوحنّا ١٦:٣). فلمّا تجسَّد المسيح ونسج لذاته جسدًا مِنْ دَم مريم العَذراء بعد حلول الرُّوح القُدُس عليها، تمَّم البشريّة لأنَّه وَحْدَهُ خالٍ مِنَ الخطيئة وكلّ عيبٍ، وهكذا تحقَّق الفِداء وبالتَّالي خلاص الإنسان. الرَّبُّ يسوع أتَمَّ الخَلاص على الصَّليب. العمل قام به هو وليس أحدٌ غَيْرَهُ "قد دُسْتُ المعصرة وحدي ومِنَ الشُّعوب لم يكن معي أحدٌ" (أش ٣:٦٣). كلُّ ما عليك أنت أن تفعله لِتَنالَ مَفاعيلَ هذا الخَلاص هو أن تؤمن به وتعتمد على اسم الآب والابن والرُّوح القُدُس، وأن تعيش باقي حياتك مُقاوِمًا الخَطيئة بنعمة الله وبطاعة الكلمة. وإذا ضَعُفْتَ وسقَطتَ عليك أن تُسارع إلى التَّوبة القادرة وحدها أن تخلِّصَكَ بعد السُّقوط "لأنَّكم إنْ لم تتوبوا فكذلك جميعكم ستهلكون" (لو ٥:١٣).

بَرْقُ رَعْدِ النِّعْمَة الإلهيّة

“إشارة الصَّليب”

لماذا نرسم إشارة الصَّليب؟ وماذا نفهم من رسمها؟

سمعنا في قراءات غروب عيد رفع الصَّليب، وفي تراتيل السَّحَر، إشاراتٍ إلى حوادث في العهد القديم مثَّلَتْ رَمْزًا للصَّليب المُقَدَّس. أوّلها الكلام عن يونان النّبيّ حين بسط يديه في جوف الحوت البحريّ بشكل صليب فرسم الآلام الخلاصيّة بوضوح، ولمَّا خرج من جوفه في اليوم الثّالث مَثَّلَ القيامة بعد ثلاثة الأيّام. كما أشارت التّراتيل إلى موسى لمَّا ضرب بالعصا مُسْتَوية ثمَّ مخالفةً فرسم بها الصَّليب وشقَّ البحر الأحمر وأجاز فيه إسرائيل ماشيًا. وأيضًا إلى تلك العصا الَّتي ضرب بها الماء المُرّ في مارة فحوَّله إلى ماءٍ عذبٍ للشَّعب العطشان.

لكن أوضح وأجمل صورة هي تلك، عندما رفع موسى الحيَّة النُّحاسيّة في البرِّيَّة ليُشفى بها كلّ من ينظر إليها مِنْ لَدْغِ الأفاعي آنذاك. وهذه الحَيَّة ترمز للمسيح المصلوب الَّذي حمل شكل بشرتنا لكنّه كان خاليًا مِنَ الخطيئة كما الحَيَّة النُّحاسيّة كانت خالية من السُّمّ. وصار وهو إنسان عِلَّة حياةٍ وشفاءً لكلّ إنسانٍ. تتكرَّر الصُّوَر والحوادث في العهد القديم الَّتي تمثّل حدث الصَّليب. فيشوع بن نون حين طارد أعداءه رفع يديه إلى الرَّبّ بشكلِ صليبٍ ولم تَغِبْ الشَّمس حتّى قضى عليهم برِمَّتِهم. كمثل يسوع حين بسط يديه على الصَّليب فقُضي على شوكة الخطيئة وسُبِيَ الجحيم وتمّ كلّ شيء.

هكذا إذًا، كان رسم إشارة الصَّليب في العهد القديم يسبق حدثًا خلاصِيًّا يتدخّل بعده الله بشكلٍ جَذْريّ في حياة النَّاس. وخيرُ دليلٍ على ذلك ما تمَّ بعد صلب المسيح.

لذلك نرسم إشارة الصَّليب عندما نشكر، على عبارة المجد للآب والابن والرُّوح القدس. نرسم إشارة الصَّليب عندما نأكل وعندما نشبع، بعد الاستيقاظ وقبل النَّوْم، عند الخروج من المنـزل وعند الدُّخول إليه. قبل الدَّرس وبعده… وقد تترافق إشارة الصَّليب في حياتنا اليوميّة مع أغلب التَّصرُّفات، والحركات، والكلمات، وليتها ترافقها كلّها، فتباركها وتنقِّيها وتصفِّيها. ونرسم إشارة الصَّليب في الخِدَم اللِّيتورجيَّة، في الزَّواج، عند الإكليل، فنرسم بالأكاليل الصَّليب، وتُعطَى البركة في كلّ خدمة بإشارة الصَّليب، فيُبارَك الماء وكلّ عنصر ليتورجيّ من نبيذٍ وخبزٍ وغيره بإشارة الصَّليب… إشارة الصَّليب باختصار هي نداء لاستدرار النِّعْمَة الإلهيّة.

ما نستنتجه إذن، مِنْ كُلِّ الحَوادِثِ في العهد القديم الَّتي رسمت بها إشارة الصَّليب، كما ورد سابقًا، ومِنْ رسم إشارة الصَّليب في حياتنا اليوميّة وحياتنا اللّيتورجيّة المسيحيّة، هو أنَّ إشارة الصَّليب هي أوَّلًا برقٌ يسبق رعدَ النِّعمة الإلهيّة وحضور قوّتها. وثانيًا أنَّ رسم إشارة الصَّليب يتوسّط واقعَيْن: الأوّل هو الواقع القديم، والَّذي هو كما رأيناه في كلّ تلك الأمثلة، واقعَ خوفٍ أو حاجة، أو عطش، أو تعب، أو خطيئة أو إلخ… أي واقعَ الإنسان القديم. أمَّا الواقعُ الثَّاني يأتي بعد رسم إشارة الصَّليب فهو واقعُ الإنسان الجديد المُرْتَوِي بدل العطشان، والقويّ بدل الضَّعيف، إنّه واقع النِّعْمَة الَّتي تكمُلُ في ضعفنا.

إشارَة الصَّليب حَدَثٌ يستدَرُّ النِّعْمَة الإلهيَّة نستخدمها لِقَلْبِ واقعٍ قديمٍ إلى حَدَثٍ جديد. إشارة الصَّليب طعنة مُوَجَّهَة إلى إنساننا القديم، ونفخةُ حياةٍ لقيامة إنساننا الجديد بالمسيح. إشارة الصَّليب انقلاب تحقّقه النِّعْمَة الإلهيّة الَّتي طلبناها حين نرسم إشارة الظَّفَر إنباءً بها.

"فلصليبك يا سيِّدَنا نسْجُد ولقيامتك المُقَدَّسَةِ نُسَبِّح ونُمَجِّد". آميــن

المرجع: من كتاب سفر الكلمة (الجزء الثّاني).

أنقر هنا لتحميل الملفّ