Menu Close
170825

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

أُنقُر على الملف لتصفُّح نشرة كنيستي

كما يمكن قراءة النص الكامل في المقطع أدناه.

الأحد (10) بعد العنصرة

العدد 33

الأحد 17 آب 2025

اللّحن 1- الإيوثينا 10

أعياد الأسبوع:  *17: الشَّهيد مِيرُن *18: الشَّهيدَيْن فلورُس ولافْرُس، القدِّيس أرسانيوس الجديد الَّذي من بارُوس *19: القدِّيس أندراوس قائد الجيش والـ2593 المستشهدين معه *20: النَّبيُّ صموئيل *21: الرَّسول تدَّاوس، الشُّهداء باسي وأولادها *22: الشَّهيد أغاثونيكُس ورفقته  *23: وداع عيد رُقاد والدة الإله، الشَّهيد لوبُّس.

كلمة الرّاعي 

الأبوّة في المسيح... الأبوّة الرُّوحيّة...

"لِأَنَّهُ وَلَوْ كَانَ لَكُمْ رُبْوَةٌ مِنَ الـمُرْشِدِينَ فِي الـمَسِيحِ، لَيْسَ لَكُمْ آَبَاءٌ كَثِيرُونَ، لِأَنِّي أَنَا وَلَدْتُكُمْ فِي الـمَسِيحِ یَسُوعَ بِالإِنْجِيلِ" (1 كو 4: 15)

الإرشاد الرُّوحيّ للمؤمنين حاجة وضرورة، وهو يُمارَس عبر الوَعظ والتَّعليم. أمَّا الأبوَّة الرُّوحيّة، فهي امتدادٌ حَيّ لعمل المسيح الرَّاعي الصَّالح في كنيسته، حيث يلتقي المؤمن بأبٍ في المسيح يرافقه في مسيرة التَّوْبة والنُّموّ الرُّوحيّ، ويَلِده ولادةً جديدة، ويُدخِله في سِرِّ الخليقة الجديدة بالمسيح يسوع الرَّبّ.

وبحسب تعليم الرَّسُول بولس (أنظر 1 كورنثوس 4: 15) يظهر أنَّ الأبوَّة الرُّوحيَّة ليست مجرّد إرشاد، بل هي ولادة جديدة في المسيح بالإنجيل، أي بكلمة الله وبالبشرى السَّارَّة أنَّ الموت قد أُبيد، والخطيئة غُلِبت، وإبليس قُهر إلى الأبد، وأنَّ الخليقة الجديدة قد استُعلِنَت بالرَّبِّ يسوع المسيح القائم من بين الأموات، الَّذي صعد إلى السَّماوات وجلس عن يمين الآب. وهذا كلّه يشترك فيه المؤمنون في المسيح بنعمة الرُّوح المعزّي الَّذي يُرسله الآب دائمًا على كنيسته في الأسرار المقدّسة.

الإنسان يحتاج إلى إرشادٍ ممَّن يملك خبرة أعمق منه، وهذه الخبرة لا تُكتسَب إلَّا عبر التَّجارب الشَّخصيَّة، ومعايشة الحياة مع الله، ومواجهة الشِّرير والأهواء والشَّهوات، من جهة؛ ومن جهةٍ أخرى، من خلال نعمة الله، وتعلُّم الكلمة الإلهيَّة، ومعرفة عقائد الإيمان. فلا إرشاد صحيح مِنْ دون إيمانٍ صحيح، أي مِنْ دون عقيدةٍ قَويمَة مستقيمة الرَّأي.

مِن هنا، ينبغي أنْ يكون المرشِد مُختبَرًا، أي صاحب معرفة عمَلِيَّة مُعاشَة لكلمة الله. أمّا الأب الرُّوحيّ، أو الأب في المسيح، فهو المُستنير الَّذي تطهّر قلبه وفكره وذهنه وكيانه بالتَّوبة، حتّى صار شفّافًا لنعمة الله، الَّتي تتجلّى فيه نورًا يضيء للآخرين.

*             *             *

يعلّمنا آباء الكنيسة، وفي طليعتهم القدِّيس يوحنّا الذَّهبيّ الفَم والقدِّيس غريغوريوس بالاماس، أنّ الأب الرُّوحيّ يَلِدُ النُّفوس للمسيح ولادةً سِرِّيَّةً روحيَّة، ويُغذّيها بِلَبَن كلمة الحَقّ، ويرشدها إلى التَّوبة الصَّادِقَة لا بِبَلاغَةِ اللِّسان فحسب، بل بقداسة الحياة الَّتي تشهد لما يعلّم.

فالأبوّة الرُّوحيّة، في جوهرها، هي شَرِكَة حَيَّة في المسيح، وعلاقة محبَّة أبوِيَّة وبَنَوِيَّة، لا سلطة استعلاء ولا تسلُّط. وأساسها التَّمييز الرُّوحيّ الَّذي يُعين المؤمن على الإصغاء العميق لصوت الله. وهي تُعاش بحمل الأب الرُّوحيّ أبناءه في قلبه، رافعًا إيّاهم أمام العرش الإلهيّ بالصَّلاة الحارّة والتَّضرُّع، وببذل الذَّات حتَّى يصير هو نفسه خبز حياة في المسيح يقدّمه لأبنائه، فيأكلون وينمون في معرفة الله والقداسة.

وهذا البذل يتجلّى في ما عبّر عنه الرَّسُول بولس بقوله: «فإنِّي أنا الآن أُسكَب سكيبًا» (٢ تي ٤: ٦)؛ إذ يصير الأب الرُّوحيّ سكيبًا حياتيًّا، يقدِّم حياته بأسرها لله من أجل أبنائه، كتقدمةٍ نهائيَّةٍ لا رُجوع عنها، واتِّحادٍ كامِلٍ لشهادة حياته بذبيحة المسيح. وكما كان السَّكيب في العهد القديم يُراق بجانب الذَّبيحة العظمى على المذبح (عدد ٢٨: ٧؛ يوئيل ١: ٩)، رمزًا للشُّكر والوَلاء، هكذا تصير حياة الأب الرُّوحيّ سكيب حُبٍّ وشكرٍ في بناء المولودين للرَّبِّ بكلمة الإنجيل ونعمة الرُّوح القدس.

*             *             *

يا أحبَّة، في زمن تعدَّدتْ فيه الأصوات الَّتي تُحارِبُ الإيمان الحَقّ وتدفع بالإنسان نحو حياة تتناقض مع حقيقته الأنطولوجيّة، وفي عالم ازدادت فيه التجارب والصُّعوبات في عيش الإيمان والسَّعي إلى القداسة، يبقى الأب الرُّوحيّ الباني الأمين للنُّفوس في المسيح الَّذي يُعيد النَّفْس إلى حضن الكنيسة ويقودها نحو القداسة. فالأبوَّة الرُّوحيّة في تقليد الكنيسة ليست ترفًا روحيًّا أو خدمةً ثانويَّة، بل هي دعوة إلهيَّة ورسالة خلاصيَّة، تواصل عمل المسيح الرَّاعي الصَّالح في وسط شعبه. فهي الضَّمانة أن يبقى الإيمان حيًّا، والنِّعمة فاعلة، والنُّفوس ثابتة في شركة القدِّيسين.

الأب الرُّوحيّ الحقيقيّ هو الَّذي يستهلك ذاته ليحيا أولاده في المسيح، ويصير معهم ولأجلهم أيقونةَ حُبٍّ لله الحَيّ، يفرح بنجاحهم الرُّوحيّ أكثر من فرحه بخلاص نفسه، ويحسب كلَّ جهدٍ وعناء سكيبَ شكرٍ وعبادة على مذبح الرَّبّ.

فطوبى للنَّفْس الَّتي تقتني أبًا في المسيح، يرشدها بتمييز، ويحتضنها بمحبَّةٍ، ويقودها نحو الحياة الجديدة، ويلدها بكلمة الإنجيل حتَّى تدخل — مع جميع القدِّيسين — فرح العريس في ملكوته الأبديّ، حيث يكتمل معنى الأبوَّة والبُنوَّة في حضن الآب السَّماويّ، الَّذي منه تُسمّى كلّ أبوَّة في السَّماوات وعلى الأرض.

+ أنطونيوس

متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما

طروباريّة القيامة (باللَّحن الأوّل)

إنَّ الحجرَ لما خُتِمَ مِنَ اليَهود. وجَسَدَكَ الطّاهِرَ حُفِظَ مِنَ الجُند. قُمتَ في اليومِ الثّالثِ أَيُّها المـُخلِّص. مانِحًا العالمَ الحياة. لذلكَ قوّاتُ السّماوات. هتفوا إليكَ يا واهبَ الحياة. المجدُ لقيامتِكَ أَيُّها المسيح. المجدُ لِمُلكِكَ. المجدُ لتدبيرِكَ يا مُحبَّ البشرِ وحدك.

طروباريَّة عيد رقاد السَّيِّدة (باللَّحن الأوَّل)

في ميلادِكِ حَفِظْتِ البتوليَّةَ وصُنتِها، وفي رُقادِكِ ما أهْمَلْتِ العالم وتركتِهِ يا والدةَ الإلَه، لأنّك انتقلْتِ إلى الحياة، بما أنَّكِ أمُّ الحياة، فبِشفاعاتِكِ أنقذي من الموت نفوسَنا.

قنداق عيد رقاد السَّيِّدة (باللَّحن الثَّاني)

إنَّ والدة الإله الَّتي لا تغفل في الشَّفاعات، والرَّجاء غير المَردُود في النَّجدات، لم يَضبطْها قبرٌ ولا مَوْت. ولكن بما أنَّها أمُّ الحياة نقلها إلى الحياة الَّذي حَلَّ في مُستودَعِها الدَّائم البتوليَّة.

 الرّسالة (1 كو 4: 9- 16)

لِتَكُنْ يَا رَبُّ رَحْمَتُكَ عَلَيْنَا.

اِبْتَهِجُوا أَيُّهَا الصِّدِّيقُونَ بِالرَّبِّ.

يَا إِخْوَةُ، إِنَّ اللهَ قَدْ أَبْرَزَنَا نَحْنُ الرُّسُلَ آخِرِي النَّاسِ كَأَنَّنَا مَجْعُولُونَ لِلْمَوْتِ. لِأَنَّا قَدْ صِرْنَا مَشْهَدًا لِلْعَالَـمِ وَالـمَلائِكَةِ وَالبَشَرِ. نَحْنُ جُهَّالٌ مِنْ أَجْلِ الـمَسِيحِ، أَمَّا أَنْتُمْ فَحُكَمَاءُ فِي الـمَسِيحِ. نَحْنُ ضُعَفَاءُ، وَأَنْتُمْ أَقْوِيَاءُ. أَنْتُمْ مُكَرَّمُونَ، وَنَحْنُ مُهَانُونَ. وَإِلَى هَذِهِ السَّاعَةِ نَحْنُ نَجُوعُ وَنَعْطَشُ وَنَعْرَى وَنُلْطَمُ وَلا قَرَارَ لَنَا، وَنَتْعَبُ عَامِلِينَ. نُشْتَمُ فَنُبَارِكُ، نُضْطَهَدُ فَنَحْتَمِلُ، يُشَنَّعُ عَلَيْنَا فَنَتَضَرَّعُ. قَدْ صِرْنَا كَأَقْذَارِ العَالَـمِ، وَكَأَوْسَاخٍ يَسْتَخْبِثُهَا الجَمِيعُ إِلَى الآنَ. وَلَسْتُ لِأُخْجِلَكُمْ أَكْتُبُ هَذَا، وَإِنَّـمَا أَعِظُكُمْ كَأَوْلادِي الأَحِبَّاءِ، لِأَنَّهُ وَلَوْ كَانَ لَكُمْ رُبْوَةٌ مِنَ الـمُرْشِدِينَ فِي الـمَسِيحِ، لَيْسَ لَكُمْ آَبَاءٌ كَثِيرُونَ، لِأَنِّي أَنَا وَلَدْتُكُمْ فِي الـمَسِيحِ یَسُوعَ بِالإِنْجِيلِ. فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَنْ تَكُونُوا مُقْتَدِينَ بِي.

الإنجيل (مت 17: 14- 23)(متى 10)

فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ دَنَا إِلَى يَسُوعَ إِنْسَانٌ فَجَثَا لَهُ وَقَالَ: يَا رَبُّ ارْحَمِ ابْنِي، فَإِنَّهُ يُعَذَّبُ فِي رُؤُوسِ الأَهِلَّةِ وَيَتَأَلَّـمُ شَدِيدًا لِأَنَّهُ يَقَعُ كَثِيرًا فِي النَّارِ وَكَثِيرًا فِي الـمَاءِ. وَقَدْ قَدَّمْتُهُ لِتَلامِيذِكَ فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يَشْفُوهُ. فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ: أَيُّهَا الجِيلُ غَيْرُ الـمُؤْمِنِ الأَعْوَجُ، إِلَى مَتَى أَكُونُ مَعَكُمْ؟ حَتَّى مَتَى أَحْتَمِلُكُمْ؟ هَلُمَّ بِهِ إِلَيَّ إِلَى هَهُنَا. وَانْتَهَرَهُ يَسُوعُ فَخَرَجَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ، وَشُفِيَ الغُلامُ مِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ. حِينَئِذٍ دَنَا التَّلامِيذُ إِلَى يَسُوعَ عَلَى انْفِرَادٍ وَقَالُوا: لِـمَاذَا لَـمْ نَسْتَطِعْ نَحْنُ أَنْ نُخْرِجَهُ؟ فَقَالَ لَـهُمْ يَسُوعُ: لِعَدَمِ إِيـمَانِكُمْ. فَإِنَّنِي الحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَوْ كَانَ لَكُمْ إِيـمَانٌ مِثْلَ حَبَّةِ الخَرْدَلِ لَكُنْتُمْ تَقُولُونَ لِـهَذَا الجَبَلِ انْتَقِلْ مِنْ هَهُنَا إِلَى هُنَاكَ فَيَنْتَقِلُ، وَلا يَتَعَذَّرُ عَلَيْكُمْ شَيْءٌ. وَهَذَا الجِنْسُ لا يَخْرُجُ إِلَّا بِالصَّلاةِ وَالصَّوْمِ. وَإِذْ كَانُوا يَتَرَدَّدُونَ فِي الجَلِيلِ قَالَ لَـهُمْ يَسُوعُ: إِنَّ ابْنَ البَشَرِ مُزْمِعٌ أَنْ يُسْلَمَ إِلَى أَيْدِي النَّاسِ فَيَقْتُلُونَهُ وَفِي اليَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ.

حول الإنجيل

يأتي هذا المقطع الإنجيليّ مباشرةً بعد التَّجلّي على جبل ثابور. فبعد أن أظهر يسوع مجده لتلاميذه نزل لمُلاقاة البشر الواقعين تحت عبوديَّة الشَّيطان. فكما نزل موسى من جبل سيناء حاملًا الوصايا ليُحرِّر الشَّعب اليَهوديّ من العبوديَّة، كذلك نزل يسوع من الجبل ليحرِّر الإنسان من عبوديَّة الشَّيطان.

أمَّا حادثة شفاء الشَّاب المصروع فكانت مناسبة ليسوع حتّى يوبِّخ تلاميذه على عدم إيمانهم. هم قبِلوا يسوع وتبعوه وسمعوا تعليمه، إلَّا أنَّهم ما كانوا قادرين على أن يتقبَّلوا أهمَّ ما في رسالته، وهو آلامه وموته، وتاليًا قيامته من بين الأموات.  تأتي رواية شفاء الشَّاب لتؤكِّد على أنَّ يسوع هو ابن الله وتُظهِر التَّلاميذ عديمي الإيمان. يسوع وحده قادر على العمل بسلطان الله. أمَّا التَّلاميذ فلن يكونوا قادرين على أن يعملوا بالسُّلطان الَّذي يعطيهم إيَّاه يسوع إلَّا بعد قيامته.  فعندما اقبل إليه رجل وطلب منه أن يشفي له ابنه الَّذي يعُاني آلامًا شديدة وكثيرًا ما يقع في النَّار والماء، وطلب من تلاميذه أن يشفوه لكنَّهم لم يستطيعوا. عبَّر يسوع عن سخطه على هذا الجيل غير المؤمن الَّذي يراه أمامه. يعبّر سخط يسوع عن حزنٍ ولَوْعة. نراه لا يتحاور مع الإنسان وليس مع الشَّيطان. فهو يأمر بحزمٍ وقدرة، والجميع يخضع لمشيئته وينفِّذ أوامره.

لقد أعطاهم يسوع سلطانًا على طرد الشَّياطين. ولم يعرف التَّلاميذ أن يستخدموا هذه العطيَّة لشفاء الصَّبيّ، لم يقدروا أن يشاركوا يسوع في قدرته.

 والمقارنة بين صغر حبَّة الخردل وضخامة الجبل هو تشديد على نوعيَّة الإيمان. فالإيمان في قلب الإنسان مثل حبَّة الخردل، ينمو بقدرة الله وليس بمجهود الإنسان. الإيمان ليس عمل الإنسان فقط، بل هو عطيَّة من الله، فهو لا يعطى لنا بالولادة، بل ينمو في داخلنا بقدر ما نسمح له بذلك.  لهذا، الصَّلاة هي ضرورة للإنسان في كلِّ وقتٍ، لأنَّها تقود الإنسان إلى الله، فتتسرَّب نعمة الله إلى قلب الإنسان، فيصبح الإنسان قويًّا بقوَّة الله نفسه. وبالتآزر مع هذه النعمة يستطيع الإنسان بالصَّوم أن يتسلَّط على أهوائه، ويلجم نزواته ويمكنه أن ينتصر على الشَّيطان، وهكذا يجعل الصَّوْمُ الإنسانَ قويًّا على جسده، ومتسلِّطًّا عليه.

إنَّ طرد الشَّياطين من النَّاس يتمُّ بقدرة الله الَّتي يمتلكها أساسًا، ويمكن أن يحصل عليها المؤمنون بعد الصَّلاة والصَّوم.

المنديل الشَّريف

قصَّة المنديل الشَّريف تعود إلى أيَّام الملك الأبجر، ملك الرّها، وهي الواقعة بين دجلة والفرات. هذا الملك عانى من إلتهاب المفاصل ومن البَرَص، فطلب أن يأتي الرَّبّ يسوع إليه حتَّى يشفيه، لأنَّه كان قد سمع عن أعماله. فأرسل موفَدين عنه ومعهم شخص اسمه حنانيَّا يطلبون يسوع. حنانيَّا هذا، حاول أن يرسم وجه الرَّب يسوع على قطعة قماش حين كان يُلقي إحدى عظاته، فلم يستطع، لأنَّه كان يرى نورًا ساطعًا من وجهه. فرآه يسوع، وطلب منه أن يُعطيه قطعة القماش، وأخذها ومسحها على وجهه وأعطاه إيّاها، فانطبعت صورة وجه يسوع عليها. ولمّا عاد الوفد إلى دياره، وأخبروا الملك ما حصل معهم، سجد الملك لها فشُفِيَ. قطعة القماش هذه، معروفة في الغرب باسم "المنديليون" ولكنّها في الحقيقة تسمّى Acheiropoietos أيّ "غير مصنوعة بيد أحد".

قام أسقف الرّها بتخبئة "المنديليون" خلف حائط خوفًا من أن يدنّسها الملوك بعد أبجر، ثمَّ كُشف المندليون في رؤيا لأسقفها أفلاليوس سنة 544 م. عندها، كانت الرّها محاصَرة من الفرس، وكان من نِعم اكتشاف "المنديليون" أن انفكَّ الحصار عن المدينة. بعدها، عاد الفرس واحتلّوا الرّها، ليعود ويسترجعها الإمبراطور هيراكليوس البيزنطيّ سنة 628 م.  بقيت صورة "المنديليون" في الرّها إلى القرن العاشر، وقد جرى نقلها إلى القسطنطينيَّة سنة 944 م، ليختفي أثرها بعد دخول الصَّليبيّين القسطنطينيَّة سنة 1204م. يُذكَر أنَّ القدّيس يوحنّا الدِّمشقيّ وآباء المجمَع السّابِع أشاروا إلى "المنديليون" في معرض دفاعهم عن إكرام الإيقونات.

يُذكّرنا المنديل الشَّريف بأنَّ الرَّبَّ يسوع ليس شخصيَّة خياليَّة، بل هو الإله المتجسِّد، الَّذي صار إنسانًا حقيقيًّا، له وَجهٌ منظور، يمكن أن يُرسَم ويُعبَّر عنه بالصُّورة، لأنَّ الله ظهر بالجسد (1 تي 3: 16). فالمنديليون ليس مجرَّد أثر تاريخيّ، بل هو إيقونة مقدّسة، نافذة إلى الملكوت، غير مصنوعة بيد بشر، تحمل نعمةً حقيقيَّة، تُثير في المؤمن مشاعر التَّوبة، فتدفعه إلى الصَّلاة والجهاد الرُّوحيّ. وكما انطبعت ملامح وجه الرَّبّ على قطعة القماش بطريقةٍ عجائبيَّةٍ، كذلك يُدعى كلُّ مؤمنٍ أن تنطبع في قلبه صورة المسيح، لا بالحبر ولا بالألوان، بل بنعمة الرُّوح القدس (حز 36: 26).