نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
الأحد 17 أيّار 2020
العدد 20
الأحد (4) بعد الفصح (السّامريّة)
اللّحن 4- الإيوثينا 7
أعياد الأسبوع: *17: الرَّسولان أندرونيكوس ويونياس *18: الشُّهداء بطرس ورفقته، القدِّيسة كلافذيَّة (كلوديا) *19: الشَّهيد باتريكيوس أسقف برصة ورفقته *20: وداع نصف الخمسين، الشُّهداء ثلالاوس ورفقته، نقل عظام القدِّيس نيقولاوس، ليديا بائعة الأرجوان *21: قسطنطين وهيلانة المعادلا الرُّسل *22: الشَّهيد باسيليسكوس *23: ميخائيل المعترف، مريم لكلاوبا حاملة الطِّيب، سوسنّة، الشَّهيدة ماركياني.
كلمة الرّاعي
فرح القيامة ولُقْيَا المسّيّا
إمرأة سامريّة تقابل رجلًا يهوديًّا عند بئر يعقوب، أبي الآباء، في نصف النّهار حين سقط آدم وحوّاء في الفردوس قديمًا، بغواية الحيّة-إبليس. وهذا الأخير لا يهرب منها بل يتواصل معها طالبًا إليها أن تعطيه ليشرب!...
المشهد غريب ومستهجَن في آنٍ معًا، لأنّ اليهود يحتقرون السّامريّين والسّامريّون يبغضون اليهود، مع أنّهم أبناء يعقوب-إسرائيل كلّهم، هذا من ناحية. من ناحية أخرى، رجل وامرأة غريبان عن بعضهما البعض يلتقيان ويتحادثان في وضح النّهار ضاربَين بعرض الحائط محظورات ذلك الزّمان!...
عادة، تأتي النساء باكرًا قبل حرّ شمس الظّهيرة لتملأن جرارهنّ من الماء لاحتياجات اليوم كلّه، فلماذا تأتي هذا المرأة عند الظّهيرة-زمن الحرّ وقسوة الشّمس والظّمأ؟!... ما الّذي تسعى وراءه؟!... هذا ما سيكشفه لنا حوار الرّبّ معها عند البئر...
* * *
في الحقيقة، هذه المرأة تشابه كلّ نفس تحيا في الإشراك والزِّنى وتمثّلها. السّامريّون أشركوا في عبادة الإله الواحد، وهذه المرأة كان تسلك في الزّنى إذ لا رجل لها، بل تحيا في علاقة غير شرعيّة مع أحدهم...
هي أتت البئر لتصطاد رجلًا لنزائها. الزّمن زمن التّجربة، وعناصر السّقوط حاضرة: رجل وأمرأة. لكنّ "المرأة الّتي سقطت في خطايا كثيرة" كانت في حضرة آدم الجديد، آدم الثّاني، الإله-المتجسِّد. لا مجال، هنا، للسّقوط بل خروج جديد من عبوديّة فرعون مصر-الأهواء مع المخلِّص-المسِّيَّا. هي أتت كعادتها للتّجربة، والرَّبّ بشهوتها اصطادها وبخداعها التفّ على مكر الحيّة الّتي أغوتها. المعلِّم-المسيَّا أتى خصِّيصًا لأجلها، لينتشلها من براثن إبليس عدوّ الإنسان، وليخلِّص بطُعم شِصِّها أهل السّامرة...
البشر يحبّون عيشة السّامريِّين لأنّها، كما يقول المثل، "إِجِر بالبُور وإِجِر بالفلاحة"... هم يعبدون الله ويعبدون آلهة أهواءهم، يلتزمون الشّريعة ويطيعون نزواتهم، وكأنّهم يرضون الله وأنفسهم. العليّ يمجّ هذا المسلك، كما هو واضح في الكتب (راجع مثلًا: تثنية 30: 15 ورؤيا 3: 15—16)، لأنَّك إمّا تكون مع الله أو ضدّه، لا يوجد خيار ثالث... والبشر لأنّهم لا يريدون أن يدفعوا ثمنًا سوى لصنع الخطيئة فهم يتهرَّبون من تحقيق وجودهم، إذ يلتوون في حِفظ الكلمة الإلهيّة غافلين أنّها هي حياتهم (راجع مثلًا: تثنية 32: 47 ويوحنا 1)...
* * *
"هَلُمُّوا انْظُرُوا إِنْسَانًا قَالَ لِي كُلَّ مَا فَعَلْتُ. أَلَعَلَّ هذَا هُوَ الْمَسِيحُ؟" (يوحنّا 4: 29) ...
هكذا هرعت المرأة السّامريّة إلى بلدتها تصيح وتُخبِر بفرح العارِف الحقَّ، والغير مستحقٍّ لِنَقْلِهِ (بسبب سيرتها المُخزِيَة)، لتُبَشِّرَ أبناء جنسها بمجيء المسيَّا المُنتَظَر وبحضور المُحَرِّر من نير الخطيئة، ومصدر الحياة في النّور والفرح والمغفرة ... هذا كلّه اختبرته في حوارها مع الرّبّ الّذي انتشلها من الجبّ الّذي كانت غارقة في أوحاله وغسلها بماء الحياة الأبديّة بكلمته مكسِّرًا أغلال قلبها وفاتحًا له على نور الحقيقة الإلهيّة ...
سمعت المرأة ما لم يَقُلْهُ المخلِّص بلسانه لأنّها تلقَّفت تمتمات روحه، فعرفت أنّها محبوبة رغم ما تتمرَّغ به من أوحال الخطيئة في خَنزِيريَّة الشَّهوة، وأنّه لأجلها أتى "لِكَيْ يُقَدِّسَهَا، مُطَهِّرًا إِيَّاهَا بِغَسْلِ الْمَاءِ بِالْكَلِمَةِ" (أفسس 5: 26) ... كان مقبوضًا عليها من أهوائها في نفسها فتحرّرت من ذاتها لمّا عرفت أنّ الرب، رغم كلّ ما هي فيه، لم يتركها وما زال متمسِّكًا بها... لا بل هو يطلبها ... (راجع حزقيال 16).
* * *
أيّها الأحبّاء، الله يطلب كلّ واحد منّا. لا نظنَّنَّ بأننا نحن من نبحث عنه لنجده، العكس صحيح لأنّ الرّبّ ينتظر الوقت المناسب ليجدنا حين نكون مستعدِّين لاستقباله... نحن من نقرِّب وقت اللُّقيا أو نؤجِّله... كيف يكون هذا؟!... بكُرْهِنا لمسيرة الفتور والعَرْجِ بين طريق الرَّبّ وطريق العالم... هذان الطريقان لا يلتقيان... إذا لم يَقْرَف الإنسان من نجاسة أفكار قلبه وتقلّب نواياه وأفعاله ويرغب بأن تُفَكّ قيود فرحه من مزاجيّة الشّهوات الغضبيّة لا يأتي الرَّبّ إليه لأنّه غير قابِل لربّه وتلمُّس حضوره وحنانه...
إلهنا يطلبنا كما يطلب العاشق معشوقه، وليس لنا سوى الحبّ سبيلًا إلى معرفته وبابًا للحرّيّة الحقّانيّة وأيقونة للشّهادة له، لأنّ قيامتنا تتحقَّق حين نحبّه، ونحن نحبّه عندما نحفظ وصاياه، ومتى حفظناها سكن فينا هو وأبيه وروحه القدّوس...
المرأة السّامريّة في شوق شهوتها كانت تتشوّف إلى لقيا الحبيب الّذي يُشبع كيانها ويحرّرها من كلّ نير الجسد، كانت توّاقة لتموت عن حياتها المملوءة بإشباع هوّة الخوف والقلق الكيانيّين، الّتي لا تُردَم، لتقوم إلى حياة جديدة ملؤها الارتواء من خمر الحبّ اللّانهائيّ... أتى إليها "ينبوع الماء الحيّ" الّذي يُشبِع ويروي كيان الإنسان، لأنّ هذا الأخير مخلوق على صورته وهو يطلبه كما يطلب الرّضيع أمّه باستمرار...
القيامة تحصل فينا حين نلقى الرّبّ في وصيّته في كلمته وفي روحه، في زمن التّجربة الشّديدة القسوة، لأنّنا حينها نكون مدركين أكثر من أي وقت حاجتنا إليه...
لا تخافوا، الرَّبّ يطلبنا كما طلب إبراهيم واسحق ويعقوب، وموسى وإرمياء ويونان ... والمخلّع والسّامريّة و... هل استعدّينا للُقياه؟! ...
ماران اثا
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما
طروباريّة القيامة (باللَّحن الرّابع)
إنَّ تلميذاتِ الرَّبّ تعلَّمنَ مِنَ المَلاكِ الكَرْزَ بالقيامةِ البَهج. وطَرَحنَ القَضاءَ الجَدِّيَّ. وخاطبنَ الرُّسلَ مُفتَخِراتٍ وقائِلات. سُبيَ المَوتُ وقامَ المَسيحُ الإله. ومنحَ العالمَ الرَّحمةَ العُظمى.
طروبارية نصف الخمسين (باللَّحن الثّامن)
في انتِصاف العِيدِ اسْقِ نَفسي العَطْشَى مِنْ مياه العِبادَةِ الحَسَنَةِ أيُّها المُخَلِّص. لأنَّكَ هتفت نحو الكلِّ قائلًا: مَنْ كان عطشانًا فليأتِ إليَّ ويشرب. فيا ينبوعَ الحياة، أيُّها المسيح الإله المَجد لك.
قنداق الفصح (باللَّحن الثّامن)
وَلَئِنْ كُنْتَ نَزَلْتَ إلى قبرٍ يا مَن لا يموت، إِلَّا أَنَّكَ دَرَسْتَ قُوَّةَ الجحيم، وقُمْتَ غالِبًا أَيُّها المسيحُ الإله، وللنِّسوَةِ حامِلاتِ الطِّيبِ قُلْتَ افْرَحْنَ، ولِرُسُلِكَ وَهَبْتَ السَّلام، يا مانِحَ الواقِعِينَ القِيَام.
الرّسالة (أع 11: 19– 30)
ما أعظَمَ أعمالَكَ يا ربُّ. كلَّها بحكمةٍ صَنَعْتَ
باركي يا نفسي الرَّبَّ
في تلكَ الأيَّام، لـمَّا تَبَدَّدَ الرُّسُلُ من أجلِ الضِّيقِ الَّذي حصَلَ بسببِ استِفَانوسَ، ٱجتازُوا إلى فِينيقَيَةَ وقُبْــُرصَ وأنطاكِيَةَ وهمُ لا يكَلِّمُونَ أحدًا بالكَلِمَةِ إلَّا اليهودَ فقط. ولكنَّ قَوْمًا منهم كانوا قُبُرصيِّين وقَيْروانيِّين. فهؤلاءِ لـمَّا دخَلُوا أنطاكِيَةَ أخذُوا يُكَلِّمُونَ اليونانيِّينَ مُبشِّرِينَ بالرَّبِّ يسوع. وكانت يَدُ الرَّبِّ مَعَهُم. فآمَنَ عددٌ كثيرٌ ورَجَعُوا إلى الرَّبِّ. فبلَغَ خبرُ ذلك إلى آذانِ الكنيسةِ الَّتي بأُورَشَلِيمَ فأَرْسَلُوا بَرنابا لكي يجتازَ إلى أنطاكية. فلمَّا أَقْبَلَ ورأَى نِعْمَةَ اللهِ فَرِحَ ووَعَظَهُم كُلَّهم بأَنْ يَثْبُتُوا في الرَّبِّ بعَزِيَمةِ القلب، لأنَّه كانَ رجلًا صالِحًا مُـمْتَلِئًا مِن الرُّوحِ القُدُسِ والإيمان. وانضَمَّ إلى الرَّبِّ جمعٌ كثيرٌ. ثمَ خرَجَ بَرنابا إلى طَرسُوسَ في طَلَبِ شاوُل. ولـمَّا وجَدَهُ أَتَى بهِ إلى أنطاكية، وتردَّدَا معًا سنةً كامِلَةً في هذهِ الكنيسةِ، وعلَّمَا جَمعًا كثيرًا. ودُعَيَ التَّلامِيذُ مَسيحيِّين في أنطاكِيَةَ أَوَّلًا. وفي تلكَ الأيَّام، اِنْحَدَرَ من أُورشليمَ أنبياءُ إلى أنطاكية، فقامَ واحِدٌ منهم اسمه أغابُوسُ فأنبَأَ بالرُّوح أنْ ستكونَ مَجَاعَةٌ عَظيمَةٌ على جميعِ المسكونة. وقد وَقَع ذلكَ في أيَّامِ كُلودْيُوسَ قيصرَ، فَحَتَّمَ التَّلاميذُ بحسَبِ ما يَتَيَسَّرُ لِكُلِّ واحِدٍ منهم أَنْ يُرسِلُوا خِدْمَةً إلى الإخوةِ السَّاكِنِينَ في أورَشليم، ففعلوا ذلكَ وبَعَثُوا إلى الشُّيُوخِ على أيدي بَرنابا وشَاوُلَ.
الإنجيل (يو 4: 5– 42)
في ذلك الزَّمَانِ، أتى يسوعُ إلى مدينةٍ منَ السَّامرَةِ يُقَالُ لها سُوخَار، بقُربِ الضَّيْعَةِ الَّتي أعطاها يعقوبُ ليُوسُفَ ٱبنِهِ. وكانَ هُناك عينُ يعقوب. وكانَ يسوعُ قد تعِبَ مِنَ الـمَسِير، فجلَسَ على العين، وكانَ نحوَ السَّاعَةِ السَّادِسَة. فجاءَتِ ٱمرأةٌ منَ السَّامِرَةِ لتستَقِيَ ماءً. فقال لها يسوعُ: أَعْطِيِني لأَشْرَبَ -فإنَّ تلاميذَهُ كانوا قد مَضَوْا إلى المدينةِ ليَبْتَاعُوا طعامًا- فقالَت لهُ المرأةُ السَّامريَّة: كيفَ تَطلُبُ أنْ تشرَبَ مِنِّي وأنتَ يهوديٌّ وأنا ٱمرأةٌ سامريَّةٌ، واليهودُ لا يُخالِطُونَ السَّامِريِّين؟ أجابَ يسوعُ وقالَ لها: لو عَرَفْتِ عَطيَّةَ اللهِ ومَنِ الَّذي قالَ لكِ أعطيني لأشربَ، لَطَلَبْتِ أنتِ منه فأعطاكِ ماءً حيًّا. قالت له المرأةُ يا سيِّدُ إنَّهُ ليسَ معكَ ما تستَقِي بهِ والبِئْرُ عميقةٌ، فَمِنْ أين لك الماءُ الحيُّ؟ ألعلَّكَ أنتَ أعْظَمُ مِنْ أبينا يعقوبَ الَّذي أعطانا البئرَ، ومنها شَرِبَ هو وبَنوهُ وماشيتُهُ! أجابَ يسوعُ وقالَ لها: كلُّ من يشرَبُ من هذا الماءِ يعطشُ أيضًا، وأمَّا مَن يشربُ من الماء الَّذي أنا أُعْطِيهِ لهُ فلَنْ يعطشَ إلى الأبد، بَلِ الماءُ الَّذي أُعطيِه لهُ يصيرُ فيهِ يَنبوعَ ماءٍ يَنْبُعُ إلى حياةٍ أبديَّة. فقالت لهُ المرأةُ: يا سيِّدُ أعطني هذا الماءَ لكي لا أعطشَ ولا أَجِيءَ إلى ههنا لأستَقِي. فقالَ لها يسوعُ: ٱذهبي وٱدْعِي رجُلَكِ وهَلُمِّي إلى ههنا. أجابتِ المرأةُ وقالت: إنَّهُ لا رجُلَ لي. فقال لها يسوعُ: قد أحسَنْتِ بقولِكَ إنَّهُ لا رجُلَ لي. فإنَّهُ كان لكِ خمسَةُ رجالٍ والَّذي معَكِ الآنَ ليسَ رَجُلَكِ. هذا قُلتِهِ بالصِّدق. قالت لهُ المرأة: يا سيِّدُ، أرى أنَّكَ نبيٌّ. آباؤنا سجدوا في هذا الجَبَلِ وأنتم تقولون إنَّ المكانَ الَّذي ينبغي أن يُسْجَدَ فيهِ هُوَ في أورشليم. قال لها يسوعُ: يا ٱمرأةُ، صدِّقيني، إنَّها تأتي ساعةٌ لا في هذا الجبلِ ولا في أورَشَليمَ تسجُدونَ فيها للآب. أنتم تسجُدونَ لما لا تعلمون ونَحنُ نسجُدُ لما نعلَم، لأنَّ الخلاصَ هُوَ منَ اليهود. ولكن، تأتي ساعة وهيَ الآنَ حاضِرَة، إِذِ السَّاجِدُونَ الحقيقيُّونَ يَسجُدونَ للآبِ بالرُّوح والحقّ. لأنَّ الآبَ إنَّما يطلُبُ السَّاجِدِينَ لهُ مِثلَ هؤلاء. اللهُ روحٌ، والَّذين يسجُدون لهُ فبالرُّوح والحقّ ينبغي أن يسجُدوا. قالت لهُ المرأةُ: قد عَلِمْتُ أنَّ مَسِّيَّا، الَّذي يقالُ لهُ المسيحُ، يأتي. فمَتى جاءَ ذلك فهُوَ يُخبِرُنا بكُلِّ شيءٍ. فقال لها يسوعُ: أنا المتكلِّمُ مَعَكِ هُوَ. وعندَ ذلكَ جاءَ تلاميذهُ فتعجَّبوا أنَّهُ يتكلَّمُ مَعَ ٱمرأةٍ. ولكِنْ لم يَقُلْ أحدٌ ماذا تطلُبُ أو لماذا تتكلَّمُ مَعَها. فترَكَتِ المرأةُ جرَّتها ومضَتْ إلى المدينةِ وقالت للنَّاس: تعالَوا ٱنْظُرُوا إنسانًا قالَ لي كُلَّ ما فعلت. ألعلَّ هذا هُوَ المسيح! فخرجوا من المدينة وأقبلوا نْحوَهُ. وفي أثناء ذلكَ سألَهُ تلاميذُهُ قائلينَ: يا مُعلِّمُ كُلْ. فقالَ لهم: إنَّ لي طعامًا لآكُلَ لستم تعرِفونهُ أنتم. فقالَ التَّلاميذُ فيما بينهم: ألعلَّ أحدًا جاءَهُ بما يَأكُل! فقالَ لهم يسوعُ: إنَّ طعامي أنْ أعمَلَ مشيئَةَ الَّذي أرسلَني وأُتَــمِّمَ عملَهُ. ألستم تقولون أنتم إنَّهُ يكونُ أربعة أشهر ثمَّ يأتي الحصاد؟ وها أنا أقولُ لكم ٱرفعُوا عيونكم وٱنظُروا إلى المزارع، إنَّها قدِ ٱبْيَضَّتْ للحَصاد. والَّذي يحصُدُ يأخُذُ أجرةً ويجمَعُ ثمرًا لحياةٍ أبدَّية، لكي يفرَحَ الزَّارِعُ والحاصِدُ معًا. ففي هذا يَصْدُقُ القولُ إنَّ واحدًا يزرَعُ وآخرَ يحصُد. إنّي أَرْسَلْتُكُمْ لتحصُدُوا ما لم تَتْعَبُوا أنتم فيه. فإنَّ آخَرِينَ تَعِبُوا وأنتُم دخلتُم على تَعَبِهِم. فآمنَ بهِ من تلكَ المدينةِ كثيرونَ مِنَ السَّامِريِّينَ من أجلِ كلامِ المرأةِ الَّتي كانت تشهَدُ أن قدْ قالَ لي كلَّ ما فعلت. ولـمَّا أتى إليهِ السَّامِرِيُّونَ سألوهُ أن يقيمَ عِندَهُم، فمَكَثَ هناكَ يومين. فآمنَ جَمعٌ أكثرَ من أولئكَ جدًّا من أجل كلامِهِ، وكانوا يقولونَ للمرأةِ: لسنا من أجل كلامِكِ نُؤمِنُ الآن، لأنَّا نحنُ قد سَمِعْنَا ونَعْلَمُ أنَّ هذا هُوَ بالحقيقيةِ المسيحُ مُخلِّصُ العالَم.
حول الإنجيل
إنجيل هذا اليوم، يُخبرنا عن لقاءٍ دار بين إمرأة سامريّة والرّبّ يسوع. لا يُذكر لنا إسم المرأة السّامريّة، لكنّ الكنيسة تسميِّها "فوتيني" أي مستنيرة. كما يَذكر الإنجيل أيضًا أنَّ هذه المرأة ذات سمعة سيّئة، اتّخذت خمس رجال وهي الآن تعيش مع رجلٍ سادسٍ ليس زوجها. لكنَّ رجلًا سابعًا يَظهر في حياتِها فجأةً، هو يسوع المسيح. وظهوره سيغيِّر حياتَها، سيجعلها تترك جرّتها الفارغة عند البئر، لتذهب الى أهل بلدتها تخبرهم عن يسوع الّذي روّى أعماقها العطشى. لقد بحثت عن سعادتها الأرضيَّة، لكنَّها لم ترتوي إلَّا من ينبوع الماء الحيّ - يسوع المسيح - الّذي تكلَّم معها بمحبّة مُطلَقَة. لمسَ روحَها وحرَّرها من فراغ حياتها، المرموز له هنا بالجرَّةِ الفارغة الّتي كانت تحملها.
يسوع الرّجُل السّابع - والرّقم سبعة بالعبريّة يعني الشّبع، أَي يسوع هو الّذي سيُشبع نفسها ويروي روحها العطشى إلى الله. يسوع في هذا الحدث يتحدَّى الشّرائع والقواعد الاجتماعيّة ويجلس مع امرأة غريبة. فيسوع اليهوديّ يتحدّث مع امرأة غريبة سامريّة. وكان اليهود يعتبرون السّامريّين شعبًا نجسًا، إذ هم مزيج من اليهود الّذين لَبِثوا في أرضهم مع الوثنيّين الّذين أتوا تلك المنطقة أثناء جلاء بابل. فالسّامريين هم شعب خليط مع الوثنيّين مشبوهين في العقيدة، وهم لا يعترفون من كتب اليهود سوى بكتب موسى الخمسة.
هذا جميعه يُوضِح موقف المسيح، الّذي جاء ليُخلِّص الخاطئة، فقد أثار في نفسها الرّغبة في التّوبة. وأعاد إلى قلبها وعقلها حياة الإيمان والنّعمة، وأعطاها ماء الحياة الأبديّة، فرجعت الى أهل بلدها تبشّرهم بيسوع على أنَّهُ المسيح، لقد أصبحت من النّساء الفاضلات المبشّرات بالمسيح بعدما كانت زانية.
* * *
يوجد نقطة حسّاسة في حديثِ السّامريّة مع يسوع، العبادة لله أتكون في أورشليم أم في جبل جرزيم. كان جواب يسوع لها، أنَّ عبادةً جديدةً ستنشأ مُطابقة لطبيعة الله الرّوحيّة، لا تنحصر بمكانٍ أو جنسٍ أو عِرقٍ. فالعابدون الحقيقيّون، يعبدون الله بالرّوح القدس الّذي يَهَبُ الحياة الجديدة المستندة الى إيمانٍ حقيقيّ ومحبّة بنويّة قلبيّة روحيّة لله. إذا اقتصرت العبادة على مكان وطقوس وشكليّات خاليَة من محبّة الله وطاعته وروح الإيمان فهي عبادة زائفة مرذولة.
فاليوم كيف سنحاور المسيح؟ وهل سنترك جرّتنا الفارغة لتمتلئ من حنان يسوع الّذي هو ينبوع الماء الحيّ. فلنذهب إلى بيوتنا ونختلي بأنفسنا ونثق أنَّ يسوع بجانبنا ومعنا وفينا. فعلينا أن نحاوره بكلِّ خشوعٍ وأن نكشف أنفسنا له بصدقٍ وشفافيّة تمامًا كما حدث مع السّامريّة. فلندعه يغيِّر حياتنا كما غيَّر حياة الكثيرين.
كيف يتجلّى الله في حياتنا؟
أنتم الّذين بالمسيح اعتمدتم المسيح قد لَبستُم، عندما تعمَّدْنا أخذنا موهبة الرّوح القدس وخُتِمنا بها، ووافقنا المسيح ورفضنا الشّيطان، وعلينا أن نسلك بما يُرضي الرَّبّ يسوع.
يُنعم علينا بولس الرّسول في رسالته إلى أهل كولوسي بالوسائل الّتي تخوّلنا أن نحفظ المسيح في داخلنا ونُظهره للآخرين:
"مَتَى أُظْهِرَ الْمَسِيحُ حَيَاتُنَا، فَحِينَئِذٍ تُظْهَرُونَ أنتم أَيْضًا مَعَهُ فِي الْمَجْدِ. فَأَمِيتُوا أَعْضَاءَكُمُ الّتي عَلَى الأَرْضِ: الزِّنَا، النَّجَاسَةَ، الْهَوَى، الشَّهْوَةَ الرَّدِيَّةَ، الطَّمَعَ الَّذِي هُوَ عِبَادَةُ الأَوْثَانِ، الأُمُورَ الّتي مِنْ أَجْلِهَا يَأْتِي غَضَبُ اللهِ عَلَى أَبْنَاءِ الْمَعْصِيَةِ... وَأَمَّا الآنَ فَاطْرَحُوا عَنْكُمْ أنتم أَيْضًا الْكُلَّ: الْغَضَبَ، السَّخَطَ، الْخُبْثَ، التَّجْدِيفَ، الْكَلاَمَ الْقَبِيحَ مِنْ أَفْوَاهِكُمْ. لاَ تَكْذِبُوا بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ، إِذْ خَلَعْتُمُ الإِنْسَانَ الْعَتِيقَ مَعَ أَعْمَالِهِ،...
فَالْبَسُوا كَمُخْتَارِي اللهِ الْقِدِّيسِينَ الْمَحْبُوبِينَ أَحْشَاءَ رَأْفَاتٍ، وَلُطْفًا، وَتَوَاضُعًا، وَوَدَاعَةً، وَطُولَ أَنَاةٍ، مُحْتَمِلِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَمُسَامِحِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا إِنْ كَانَ لأَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ شَكْوَى. كَمَا غَفَرَ لَكُمُ الْمَسِيحُ هكَذَا أنتم أَيْضًا. وَعَلَى جَمِيعِ هذِهِ الْبَسُوا الْمَحَبَّةَ الّتي هِيَ رِبَاطُ الْكَمَالِ. وَلْيَمْلِكْ فِي قُلُوبِكُمْ سَلاَمُ اللهِ الَّذِي إِلَيْهِ دُعِيتُمْ فِي جَسَدٍ وَاحِدٍ، وَكُونُوا شَاكِرِينَ" (كول 3: 4- 15).
لا يمكننا أن نحقّق هذا دون الاتّكال على الله في كلّ شيء، أن نودع ذواتنا وبعضنا بعضًا وكلّ حياتنا المسيح الإله. أن نحبّ الرّبّ يسوع لكي يسكن فينا كما وعد "إِنْ أَحَبَّنِي أَحَدٌ يَحْفَظْ كَلاَمِي، وَيُحِبُّهُ أَبِي، وَإِلَيْهِ نَأْتِي، وَعِنْدَهُ نَصْنَعُ مَنْزِلًا" (يو 14 : 23).
والرَّبُّ يسكن في القلب المتخشِّع والمُتواضع، الّذي هو ثمرة توبة صادقة ومعرفة للذّات بنعمة الرّوح القدس، "إنّ صلاة التّوبة العميقة بإمكانها أن تصل بالإنسان إلى حالة يذوق معها الحُرّيّة في "روح الحقّ": "والحقّ يحرّركم" (يو 8 : 32) (من كتاب "معاينة الله كما هو" للقدّيس صفروني ساخاروف).
يأتي الثّالوث القدّوس إلينا كما نأتي نحن إليه، يأتي بالعَوْن، يأتي ليُنير، ونحن نأتي لنرى. يأتي ليملأ، ونحن نأتي لكي نحتويه، فلا تكون رؤيتنا له خارجيّة بل داخليّة.
أن نمتحن ونختبر أنفسنا، هل نحن على الإيمان؟
هل المسيح الكلّ في الكلّ في حياتنا!