نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
أُنقُر على الملف لتصفُّح نشرة كنيستي
كما يمكن قراءة النص الكامل في المقطع أدناه.
أحد الابن الشّاطر
العدد 7
الأحد 16 شباط 2025
اللّحن 1- الإيوثينا 1
أعياد الأسبوع: *16: الشَّهيد بمفيلس ورفقته *17: القدّيس العظيم في الشُّهداء ثيوذورُس التّيرونيّ *18: القدِّيس لاون بابا رومية، القدِّيس أغابيتوس السِّينائيّ *19: الرَّسُول أرخيبّس، البارّة فيلوثاي الأثينيَّة *20: القدِّيس لاون أسقف قطاني، الأب بيساريون *21: البارّ تيموثاوس، القدّيس إفستاثيوس الأنطاكيّ *22: سبت الرّاقدين، تذكار وجود عظام الشُّهداء في أماكن إفجانيوس.
كلمة الرّاعي
التَّوبة باب الرَّحمة
الإنسان والجسد
للإنسان جسد (σῶμα) ولكن ليس بالضَّرورة أن يكون الإنسان جسدانيًّا (σαρκίkος) أي يحيا لأجل البَدَن ومَلذّاته، فالجسد (σῶμα) هو الظَّاهر مِنَ الشَّخص وهو يُعبِّر عن الكَيان البَدَنيّ (σαρκίkος) والرُّوحيّ (πνευματικός) للإنسان، ولذلك نعرف الشَّخص من جسده وصفاته، لكنّه أبعد من الجسد فهو شخصٌ له بُعدٌ مادّيٌّ وبُعدٌ روحيٌّ. ما خَفِيَ من الإنسان أعظم ممّا يظهر منه. الرُّوح لا تُرى، لكنّ الرُّوح هي سرُّ الإنسان الإلهيّ (le mystère divin de l’homme) لأن "الله روح" (يوحنّا 4: 24)، وروح الإنسان في البدء كانت متّحدة بروح الله (راجع تكوين 2: 7) إذ خُلقت بنسمة فِيهِ الخالق.
يميِّز بولس الرَّسُول بين الإنسان الرُّوحيّ (πνευματικός) والإنسان الجسدانيّ (σαρκίkος) أو النَّفسانيّ (ψυχικὸς): "وَلكِنَّ الإِنْسَانَ الطَّبِيعِيَّ (ψυχικὸς) لاَ يَقْبَلُ مَا لِرُوحِ اللهِ لأَنَّهُ عِنْدَهُ جَهَالَةٌ، وَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَعْرِفَهُ لأَنَّهُ إِنَّمَا يُحْكَمُ فِيهِ رُوحِيًّا" (1 كو 2: 14)، والرَّسُول يهوذا غير الإسخريوطيّ يقول في هذا المجال: "هؤُلاَءِ هُمُ الْمُعْتَزِلُونَ بِأَنْفُسِهِمْ، نَفْسَانِيُّونَ (ψυχικοί) لاَ رُوحَ لَهُمْ" (يه 1: 19). بولس الرَّسُول، أيضًا، يوضح صفات الإنسان الجسدانيّ: "أَنَّكُمْ بَعْدُ جَسَدِيُّونَ (σαρκικοί). فَإِنَّهُ إِذْ فِيكُمْ حَسَدٌ وَخِصَامٌ وَانْشِقَاقٌ، أَلَسْتُمْ جَسَدِيِّينَ (σαρκικοί) وَتَسْلُكُونَ بِحَسَبِ الْبَشَرِ" (1 كو 3: 3).
الإنسان إمّا أن يكون مُنقادًا مِن روح الله فيكون إنسانًا روحيًّا يصنع مشيئة الله ويتشبّه به وتفعلُ فيه النِّعْمة الإلهيَّة، إمّا أن يكون إنسانًا منقادًا إلى شهواته وأهوائه وخاضعًا لسُلطان الخطيئة والسُّقوط...
* * *
الجسد بمعنى البَدَن يُحارِب الرُّوح: "لأَنَّ الْجَسَدَ (σάρξ) يَشْتَهِي ضِدَّ الرُّوح وَالرُّوح ضِدَّ الْجَسَدِ" (غلاطية 5: 17)، أمّا الجسد بمعنى الكيان الإنسانيّ (σῶμα) فهو مَسكنُ الرُّوح القدس: "أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّ جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ الْقُدُسِ الَّذِي فِيكُمْ" (1 كو 6: 19).
في إنجيل الابن الشَّاطر، نرى أنَّ هذا الشّابّ مُنقاد إلى الجسدانيّة الَّتي فيه أي إلى أهواء هذا العالم وملذّاته، والطَّريق إليها هو المال الَّذي يجعلها وفيرة، ولكنّ عاقبتها التَّمرُّغ في أوحال البَهيميَّة والغرائز الحيوانيَّة الَّتي تُسَيْطر على الإنسان حين يفقد روح الله... لذلك، طلب من أبيه الميراث وذهب إلى كورةٍ بعيدة وصرفه على الـ "خلاعة". "حضارة" اليوم جوهرها الخلاعة والانحلال الأخلاقيّ بسبب هجران الإنسان لله... بِدون روح الرَّبّ ما هو الإنسان؟!... حيوانٌ ناطق!... لديه إمكانيَّات عقليَّة وطاقات طبيعيَّة غير محدودة لكنّها موجّهة نحو إرضاء الذّات الشّهوانيَّة... لأنّه إن لم يكن الله موجودًا فليست هذه الحياة سوى غايةٌ بِحَدِّ ذاتها وتاليًا لا مَعنى لها خارج هذا العالم وما يُسعِدُ الإنسان فيه أي ما يُشبِعُ أنانيّته وكبرياءه... فهو لن يشعر بوجوده ما لم يستهلك لينوجد... وأوّل ما يستهلكه هو ذاته من خلال إشباع شهواته الَّتي لا تشبع!... وبذلك يصل إلى الفراغ الكيانيّ أي طمس صورة الله فيه عوض أن يصل إلى إفراغ ذاته أي تجلِّي صورة الله فيه...
* * *
يا أحبَّة، لا خَلاص لنا من شطارتنا الَّتي هي انشطارنا عن الله وتاليًا انشطار كياننا الدَّاخليّ من خلال الحرب الَّتي تدور فيه بين الرُّوحيّ (πνευματικός) والجسدانيّ (σαρκίkος) إلَّا بالتَّوبة (μετάνοια) (مِتَانِيَا). وهذه الكلمة تتكوَّن مِن جزأيْن: "μετά" (ميتا) بمعنى "بعد" أو "تغيير"، و"νοῦς" (نوس) بمعنى "العقل" أو "الفكر". لذا، تعني الكلمة حرفيًا "تغيير العقل" أو "تغيير الفكر"، ممَّا يعكس فكرة التَّوبة كعمليَّة تَحوُّل وتجديدٍ للفِكِر والرُّوح وبالتَّالي للحياة كلّها. التَّوْبة تغييرٌ جذْرِيّ في جوهر الكيان البشريّ العاقل والمفكِّر والمقرِّر حيث يتحقَّق هذا التّغيير بقوّة الله ونعمته بعد أن يصير الإنسانُ مستعدًّا للسَّماع إذ يكون قد استنفد كلّ قواه في إشباع أهوائه وشهواته. حين يصل الإنسان إلى الحضيض، ويشتهي أن يملأ كيانه من أيّ شيء حتّى طعام الخنازير النَّجِسَة لأنّه لم يَعُد قادرًا على دفع أيّ ثمن للحصول على ما يجعله يستمرّ في الوجود، أي حين يصل، بسبب إسرافه في عبوديّة شهواته، إلى حافَّة اليأس ولكنّه متمسِّك بالحياة، حينها يصير قابلًا لسماع محبّة الله تناديه إلى النُّهوض بالتَّوبة وتغيير فكره عن الحياة بعد أن يكون فَهِمَ أنَّ لا شيء في هذه الحياة يستأهل أن يخسر الإنسان حياته من أجله، ويدرك أنّ الله المحبّ البشر والإنسان المحب الله الَّذي هو حضور الله في حياته هو أثمن ما في الوجود وما بعد الوجود... حينها يعرف الإنسان الله أبًا رحيمًا عطوفًا حنونًا غفورًا صبورًا على عبيده ومنتظرًا عودتهم إليه ليجعلهم أبناءً له وورثةً لحياته وفرحه وسلامه... وهذا هو "كما هو مكتوب: ما لم تَرَ عَيْن ولم تسمع أُذُن ولم يخطر على بالِ إنسانٍ، ما أعَدَّهُ الله للَّذين يحبُّونه"(1 كو 2: 9)... هكذا بالتَّوبة يتحوَّل بنعمة الله في التَّوبة الإنسان الجسدانيّ والنَّفسانيّ إلى إنسان حقّ روحيّ يعيش بروح الله وفيه ومنه وإليه...
ومن له أذنان للسَّمع فليسمع...
+ أنطونيوس
متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما
طروباريّة القيامة (باللَّحن الأوّل)
إنَّ الحجرَ لما خُتِمَ مِنَ اليَهود. وجَسَدَكَ الطّاهِرَ حُفِظَ مِنَ الجُند. قُمتَ في اليومِ الثّالثِ أَيُّها المـُخلِّص. مانِحًا العالمَ الحياة. لذلكَ قوّاتُ السّماوات. هتفوا إليكَ يا واهبَ الحياة. المجدُ لقيامتِكَ أَيُّها المسيح. المجدُ لِمُلكِكَ. المجدُ لتدبيرِكَ يا مُحبَّ البشرِ وحدك.
قنداق أحد الابن الشَّاطر (باللَّحن الثَّالث)
لمَّا عصيتُ مجدَكَ الأبويَّ بجهلٍ وغباوة. بدَّدتُ في المعاصي الغِنى الَّذي أَعطيتَني. فلذلكَ أصرخُ إليكَ بصوتِ الابنِ الشَّاطرِ هاتفًا خَطِئتُ أمامَكَ أيُّها الآبُ الرَّؤوف فاقبَلْني تائِبًا واجعلني كأحدِ أُجَرَائِك.
الرّسالة (1 كو 6: 12- 20)
لِتَكُنْ يَا رَبُّ رَحْمَتُكَ عَلَيْنَا.
إِبْتَهِجُوا أَيُّهَا الصِّدِّيقُونَ بِالرَّبِّ.
يَا إِخْوَةُ، كُلُّ شَيْءٍ مُبَاحٌ لِي، وَلَكِنْ لَيْسَ كُلُّ شَيْءٍ يُوَافِقُ. كُلُّ شَيْءٍ مُبَاحٌ لِي، وَلَكِنْ لا يَتَسَلَّطُ عَلَيَّ شَيْءٌ. إِنَّ الأَطْعِمَةَ لِلْجَوْفِ، وَالجَوْفَ لِلْأَطْعِمَةِ، وَسَيُبِيدُ اللهُ هَذَا وَتِلْكَ. أَمَّا الجَسَدُ فَلَيْسَ لِلزِّنَى، بَلْ لِلرَّبِّ، وَالرَّبُّ لِلْجَسَدِ. وَاللهُ قَدْ أَقَامَ الرَّبَّ، وَسَيُقِيمُنَا نَحْنُ أَيْضًا بِقُوَّتِهِ. أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّ أَجْسَادَكُمْ هِيَ أَعْضَاءُ الـمَسِيحِ؟ أَفَآخُذُ أَعْضَاءَ الـمَسِيحِ وَأَجْعَلُهَا أَعْضَاءَ زَانِيَةٍ؟ حَاشَا! أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّ مَنِ اقْتَرَنَ بِزَانِيَةٍ يَصِيرُ مَعَهَا جَسَدًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ قَدْ قِيلَ: يَصِيرَانِ كِلاهُمَا جًسَدًا وَاحِدًا؟ أَمَّا الَّذِي يَقْتَرِنُ بِالرَّبِّ فَيَكُونُ مَعَهُ رُوحًا وَاحِدًا. أُهْرُبُوا مِنَ الزِّنَى، فَإِنَّ كُلَّ خَطِيئَةٍ يَفْعَلُهَا الإِنْسَانُ هِيَ فِي خَارِجِ الجَسَدِ، أَمَّا الزَّانِي فَإِنَّهُ يُخْطِئُ إِلَى جَسَدِهِ. أَمْ أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ أَجْسَادَكُمْ هِيَ هَيْكَلُ الرُّوح القُدُسِ الَّذِي فِيكُمُ الَّذِي نِلْتُمُوهُ مِنَ اللهِ، وَأَنَّكُمْ لَسْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ لِأَنَّكُمْ قَدِ اشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ؟ فَمَجِّدُوا اللهَ فِي أَجْسَادِكُمْ وَفِي أَرْوَاحِكُمُ الَّتي هِيَ للهِ.
الإنجيل (لو 15: 11- 32)
قَالَ الرَّبُّ هَذَا الـمَثَلَ: إِنْسَانٌ كَانَ لَهُ ابْنَانِ، فَقَالَ أَصْغَرُهُمَا لِأَبِيهِ: يَا أَبَتِ، أَعْطِنِي النَّصِيبَ الَّذِي يَخُصُّنِي مِنَ الـمَالِ. فَقَسَمَ بَيْنَهُمَا مَعِيشَتَهُ. وَبَعْدَ أَيَّامٍ غَيْرِ كَثِيرَةٍ، جَمَعَ الاِبْنُ الأَصْغَرُ كُلَّ شَيْءٍ، وَسَافَرَ إِلَى بَلَدٍ بَعِيدٍ، وَبَذَّرَ مَالَهُ هُنَاكَ عَائِشًا فِي الخَلاعَةِ. فَلَمَّا أَنْفَقَ كُلَّ شَيْءٍ لَهُ، حَدَثَتْ فِي ذَلِكَ البَلَدِ مَجَاعَةٌ شَدِيدَةٌ، فَأَخَذَ فِي العَوَزِ. فَذَهَبَ وَانْضَوَى إِلَى وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ البَلَدِ، فَأَرْسَلَهُ إِلَى حُقُولِهِ يَرْعَى خَنَازِيرَ. وَكَانَ يَشْتَهِي أَنْ يَمْلَأَ بَطْنَهُ مِنَ الخُرْنُوبِ الَّذِي كَانَتِ الخَنَازِيرُ تَأْكُلُهُ، فَلَمْ يُعْطِهِ أَحَدٌ. فَرَجِعَ إِلَى نَفْسِهِ وَقَالَ: كَمْ لِأَبِي مِنْ أُجَرَاءَ يَفْضُلُ عَنْهُمُ الخُبْزُ، وَأَنَا أَهْلِكُ جُوعًا؟! أَقُومُ وَأَمْضِي إِلَى أَبِي وَأَقُولُ لَهُ: يَا أَبَتِ، قَدْ أَخْطَأْتُ إِلَى السَّمَاءِ وَأَمَامَكَ، وَلَسْتُ مُسْتَحِقًّا بَعْدُ أَنْ أُدْعَى لَكَ ابْنًا، فَاجْعَلْنِي كَأَحَدِ أُجَرَائِكَ. فَقَامَ وَجَاءَ إِلَى أَبِيهِ. وَفِيمَا هُوَ بَعْدُ غَيْرُ بَعِيدٍ، رَآهُ أَبُوهُ فَتَحَنَّنَ عَلَيْهِ، وَأَسْرَعَ وَأَلْقَى بِنَفْسِهِ عَلَى عُنُقِهِ وَقَبَّلَهُ. فَقَالَ لَهُ الاِبْنُ: يَا أَبَتِ، قَدْ أَخْطَأْتُ إِلَى السَّمَاءِ وَأَمَامَكَ، وَلَسْتُ مُسْتَحِقًّا بَعْدُ أَنْ أُدْعَى لَكَ ابْنًا. فَقَالَ الأَبُ لِعَبِيدِهِ: هَاتُوا الحُلَّةَ الأُولَى وَأَلْبِسُوهُ، وَاجْعَلُوا خَاتَمًا فِي يَدِهِ وَحِذَاءً فِي رِجْلَيْهِ، وَأْتُوا بِالعِجْلِ الـمُسَمَّنِ وَاذْبَحُوهُ فَنَأْكُلَ وَنَفْرَحَ، لِأَنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ مَيْتًا فَعَاشَ، وَكَانَ ضَالَّا فَوُجِدَ. فَطَفِقُوا يَفْرَحُونَ. وَكَانَ ابْنُهُ الأَكْبَرُ فِي الحَقْلِ، فَلَمَّا أَتَى وَقَرُبَ مِنَ البَيْتِ سَمِعَ أَصْوَاتَ الغِنَاءِ وَالرَّقْصِ، فَدَعَا أَحَدَ الغِلْمَانِ وَسَأَلَهُ مَا هَذَا. فَقَالَ لَهُ: قَدْ قَدِمَ أَخُوكَ، فَذَبَحَ أَبُوكَ العِجْلَ الـمُسَمَّنَ لِأَنَّهُ لَقِيَهُ سَالِمًا. فَغَضِبَ، وَلَـمْ يُرِدْ أَنْ يَدْخُلَ. فَخَرَجَ أَبُوهُ وَطَفِقَ يَتَوَسَّلُ إِلَيْهِ، فَأَجَابَ وَقَالَ لِأَبِيهِ: كَمْ لِي مِنَ السِّنِينَ أَخْدُمُكَ وَلَـمْ أَتَعَدَّ لَكَ وَصِيَّةً قَطُّ، وَأَنْتَ لَـمْ تُعْطِنِي قَطُّ جَدْيًا لِأَفْرَحَ مَعَ أَصْدِقَائِي. وَلَمَّا جَاءَ ابْنُكَ هَذَا الَّذِي أَكَلَ مَعِيشَتَكَ مَعَ الزَّوَانِي، ذَبَحْتَ لَهُ العِجْلَ الـمُسَمَّنَ. فَقَالَ لَهُ: يَا ابْنِي، أَنْتَ مَعِي فِي كُلِّ حِينٍ، وَكُلُّ مَا هُوَ لِي فَهُوَ لَكَ. وَلَكِنْ، كَانْ يَنْبَغِي أَنْ نَفْرَحَ وَنُسَرَّ لِأَنَّ أَخَاكَ هَذَا كَانَ مَيْتًا فَعَاشَ، وَكَانَ ضَالَّا فَوُجِدَ.
حول الإنجيل
في إنجيل اليوم، نجد دعوة عظيمة للتَّوْبة والرُّجوع إلى الله. الابن الأصغر طلب ميراثه مُبكرًا، وذهب ليبدِّدَه في حياةٍ مليئة بالتَّرَف. لكنَّه مع مرور الوقت، وبعد أنْ واجه الجوع والفقر، أدرك خطأه وتاب وعاد إلى أبيه.
يقولُ القدِّيس يوحنَّا الذَّهبيّ الفَم: "إنَّ الله لا يرفض الَّتائبين مهما كانت خطاياهم، بل يفرح بتوبتهم أكثر من أيِّ شيءٍ آخَر." هذه الحقيقة تُبرِز محبَّة الله الَّتي لا حدُود لها. الأب في المثل لا يَسأل عن ماضي ابنه، بل يركض نحوه ويحتضِنَه بكلِّ حُبّ. الله كذلك، لا يهتمُّ بماضينا عندما نعود إليه، بل يفرح بعودتنا. تلك هي الرِّسالة الأساسِيَّة في المثل، أنَّ الله ينتظرنا بكُلِّ رحمة، بغض النَّظر عن الأخطاء الَّتي ارتكبناها إنَّه يُريد عودة الخاطئ وليس موته.
المغبوط أوغسطينوس يقول: "حتّى لو ابتعدنا عن الله، فإنَّه لا يَزال ينتظرنا بكلِّ محَبَّة، مستعدًّا أن يفتح لنا أبواب رحمة لا تُغلق." الأب في المثل كان في انتظار ابنه، كما ينتظرنا الله دائمًا رغم خطايانا. ليس المهمّ كم نُخطِئ، بل المهمّ أنْ نَعود إلى الله، وأن نَتُوب وهو سيرحِّب بنا بكلِّ رحمَةٍ، لأنَّه ليست خطيئة مِنْ دونِ غُفران إلَّا الَّتي من دون توبة. أمَّا الابن الأكبر، الَّذي شعر بالظُّلم، فقد أخطأ في فهم محَبَّة الأب. فالقدِّيس أنطونيوس الكبير يقول: "توبة الخاطئ هي أعظم فرح في السَّماء، لأنَّها تُعيدُ الخاطئ إلى الحياة."
عندما نرى توبة الآخَرين، يجب أنْ نَفْرَح معهم، لأنَّنا نُشارِكُ في فرح الله.
في النِّهاية، التَّوبة ليست مجرَّد ندم، بل هي بداية جديدة. كما يقول القدِّيس إيريناوس:
"التَّوبة هي قرار جاد بتغيير حياتنا والرُّجوع إلى الله." التَّوبة ليست فقط اعترافًا بالأخطاء، بل أيضًا تحوُّلًا داخليًّا يدعونا إلى حياةٍ جديدة مع الله، حياةٍ مليئة بالنِّعمة والسَّلام الدَّاخليّ. الله يدعونا لنتجدَّد ونَعيش في محبَّتِه دائمًا، فهو يعرف أنَّنا نَحتاج إليه ولا يُغلق بابه في وجهنا.
لِنَعشْ في محبَّةِ الله، ولنتمتَّعْ بغُفرانِه، ولنفرحْ بتوبة الآخَرين. فلنفتح قلوبنا له دائمًا، فهو ينتظرنا بكلِّ محبَّةٍ ورغبةٍ في أن نكون في حضنه. آمين.
طاعة الله والوالدَيْن
الطَّاعة في المسيحيَّة هي استجابة لإرادة الله كما كُشفت في الكتاب المقَدَّس، وفي تعاليم المسيح. هي العمل لحُكم الله وبما يُرضيه. الطَّاعة ليست مجرّد عمل مُفْرَغ من الفَهم أو مجرَّد التزام بالقوانين، بل هي طاعة تنبع من علاقة مَحَبَّة وحياة مشتركة مع الله.
في المسيحيَّة، تُعَدُّ الطَّاعة فضيلة أساسيَّة تُعبِّر عن الاستجابة لإرادة الله كما يوجِّهُها الكتاب المقدَّس وتعاليم الكنيسة. يقول الكتاب المقدَّس: "إنْ أحبَّني أحدٌ يحفظ كلامي" (يوحنّا ١٤ : ٢٣) في هذا السِّياق تتطلَّبُ الطَّاعة محبَّةً وتواضعًا، حيث يُعلِّمنا الكتاب أنَّ الطَّاعةَ تأتي من القلب، وليست إتمامًا لواجبات، كما جاء في قَوْلِ المسيح: "فإنَّ هذا هو الحبّ لله: أن نحفظ وَصاياه" (١يوحنّا ٣: ٥).
طاعة الله ليست مجرَّد التزام تقليديّ أو دينيّ، بل هي علاقة تخرج من القلب وتنعكس على كلِّ جانبٍ مِنْ جوانب حياة المؤمن. إنَّ اللهَ، في محبَّتِهِ اللَّامُتناهِيَة، يدعونا إلى أن نكون في شِركَةٍ معه، وأن نتبع وصاياه في كلِّ لحظةٍ مِنْ حَياتنا. في إنجيل متَّى، يقول المسيح: "لأنَّ مَنْ يَفْعَلُ مَشِيئَةَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ أَخِي وَأُخْتِي وَأُمِّي" (متّى ١٢: ٥٠). تكشف هذه الكلمات عن دعوةٍ لتَوْطيدِ العلاقة مع الله بشكلٍ عَميق، بحيث تصبح طاعته ليست واجِبًا، بل ارتباطًا روحيًّا يحَوِّلُ الإنسان إلى صورة الله الحقيقيَّة في العالم.
أمَّا طاعة الوالِدَيْن، فهي تعبيرٌ حَيّ عن طاعة الله نفسه، وهي تتجلَّى في الاحترام العَميق والتَّقدير للوالدَيْن كأشخاص يتمِّمون عمل الله في حياة الأبناء. في رسالة أفسس، نجد الرَّسُول بولس يوصي: "أيُّها الأولاد، أطيعوا والديكم في الرَّبّ، لأن هذا هو الصَّواب" (أفسس ٦: ١). الطَّاعة للوالِدَيْن ليست مُجَرَّد امتثالٍ عاديّ، بل هي تمجيد لله الَّذي وضعهم في حياتنا. الله يُظهِر نفسَه مِنْ خلالهم، ومن خلال طاعتهم نعبّر عن حبّنا واحترامنا لله الَّذي هو مصدر كلّ بركة.
في الخِتام، نجد أنَّ الطَّاعة لله والوالِدَيْن هي دعوة للمؤمنين للعَيْش في حالةٍ من التَّواضع والاحترام، حيث يتحقَّق في هذه الطَّاعات تفاعلٌ روحيّ عميق بين الإنسان والله. فطاعة الله ترفعنا إلى محَبَّةٍ أبديَّةٍ، وطاعة الوالِدَيْن تضعُنا في قلبِ مشيئة الله، مُعزَّزين بحياةٍ مليئةٍ بالسَّلام الدَّاخليّ والبركة.