نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
أُنقُر على الملف لتصفُّح نشرة كنيستي
كما يمكن قراءة النص الكامل في المقطع أدناه.
الأحد بعد عيد رفع الصَّليب
العدد 37
الأحد 15 أيلول 2024
اللّحن 3- الإيوثينا 1
أعياد الأسبوع: *15: الشَّهيد نيقيطا، القدّيس سمعان التّسالونيكيّ *16: العظيمة في الشَّهيدات آفيميَّة، القدّيس مرتينوس أسقف رومية *17: الشَّهيدات صوفيّا وبناتها بيستي وإلبيذي وأغابي *18: القدّيس أفمانيوس العجائبيّ أسقف غورتيني *19: الشُّهداء طروفيمس وسبَّاتيوس ودوريماذُن *20: الشُّهداء أفسطاثيوس وزوجته ثيوبيستي وولديهما أغابيوس وثاوبيستوس *21: وداع عيد الصَّليب، الرَّسول كُدْراتُس، النّبيّ يونان.
كلمة الرّاعي
أيضًا وأيضًا في الصّليب
"مع المسيحِ صُلِبْتُ فأَحْيَا لا أنا بل المسيحُ يحيَا فيَّ" (غلاطية 2: 20)
غاية صليب المسيح هي أن يحيا الرَّبُّ نفسه فينا... هو أتى وتنازل و"أخلى ذاته" (راجع: فيليبي 2: 5 – 12) وسكن في ما بيننا، كإنسان مثلنا، حاملًا إيّانا في ذاته ليهبنا، بصليبه، أن نحمله في ذواتنا إذا قبلناه!...
كيف نعبّر للرَّبِّ عن قبولنا له سيِّدًا على حياتنا ومخلِّصًا لنا؟!... حين نختار أن نتبعه حاملين صليب عاره، أي حين لا نخجل أو نَجْبُن من صنع مشيئته الّتي يظنّها أهل العالم "ضعفًا"، لأنّ قوّة الله "في الضعف تُكمَل" (2كورنثوس 12: 9).
وما هي مشيئة الله يا ترى؟ إنّها قداستنا بواسطة عيش سرِّ المحبّة. المحبّة هي الصَّليب، لأنّ الإنسان منّا يبحث دائمًا عن أسباب خارجيّة لكي يرفض الآخَر ويحكم عليه ويبرِّر ذاته... دائمًا، الآخَر هو المخطئ والمُذنِب... طالما أنا لا أرى خطيئتي وضعفي فأنا لا أريد أن أحمل صليب المسيح، بل بالأحرى أريد أن أضع نيرًا على الآخرين وأحمّلهم صليب أنانيّتي وكبريائي وخطاياي.
* * *
كيف نُصلب مع المسيح أو كيف نشارك المسيح صليبه؟!... حين نماثله في الطّاعة الكاملة لله الآب، بإسلامنا "ذواتنا وبعضنا بعضًا وحياتنا كلّها للمسيح الإله". الإنسان المسيحيّ يسعى باستمرار وعلى الدّوام لإرضاء الله لأنّه يحبّه، ومن يحبّ الله يكشف الرَّبُّ له ذاته ومشيئته لأنّه يحفظ الوصايا. من هنا، الصّليب عثرة للّذين يظنّونه أداة لإتمام مشيئاتهم وجهالة لمن يعتقدون بأنّهم حكماء في استخدامه لتدبير مصالحهم وإثبات أفكارهم. الصّليب هو الحرّيّة الكاملة، إنّه موت فحياة لا بل حياة منبعثة من قلب الموت. حين يرى الإنسان ذاته ميتًا عن العالم فحينئذ يكون هذا الإنسان حيًّا بحياة الدّهر الآتي، أي هو لا يطلب ما لنفسه بل ما لله...
* * *
أيّها الأحبّاء، الصّليب للمسيحيّ هو ألم خلاصيّ ودواء للأمراض الرّوحيّة وقوّة الغلبة على الشّرّ الّذي يحاربنا في ذواتنا وفي الآخَرين، لأنّه اعتراف بضعفنا وانسحاق أمام الله وانفتاح كلّيّ على الجمال الإلهيّ الّذي في أعماق قلوبنا وفي صورة الله الّتي في الآخَر، هذا الجمال المحجوب بكثافة أهوائنا والمكشوف بصليب توبتنا... الصّليب هو جسر عبورنا في هذا الدّهر من الأنا إلى الأنت، وهو الجسر الّذي يصل بين الأنا والأنت... بالنّسبة للمؤمن، لا صليب دون المسيح المسمّر عليه، لذلك، حين أَخْتَبِرُ صليبَ المسيح يصير هو فيَّ مصلوبًا وأنا فيه على الصّليب، وهكذا يصير موته حياتي وتصير حياته فيّ ثمرة موتي فيه عن العالم. هذه هي الخبرة الاسخاتولوجيّة أي خبرة حياة الدّهر الآتي (الملكوت) في هذا العالم، إنّها سرّ القيامة في الموت وسرّ الرّاحة في الألم وسرّ الفرح في الحزن، لأنّه حين يُصلَب إنساننا العتيق بواسطة صليب الحبّ الإلهيّ فحينها نكون قد وَلَجْنَا سرَّ خبرة الحياة الأبديّة منذ الآن في المسيح وبه ومعه...
ومن استطاع ان يقبل فليقبل!...
+ أنطونيوس
متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما
طروباريّة القيامة (باللَّحن الثّالث)
لِتفرحِ السَّماوِيَّات. ولتَبتَهِجِ الأرضِيَّات. لأنَّ الرَّبَّ صنعَ عِزًّا بساعِدهِ. ووَطِئَ المَوْتَ بالمَوْت. وصارَ بِكرَ الأموات. وأنقذَنا من جَوفِ الجحيم. ومَنَحَ العالمَ الرَّحمةَ العُظمى.
طروباريّة عيد رفع الصّليب (باللَّحن الأوّل)
خلِّصْ يا ربُّ شعبَكَ وبارِكْ ميراثَك، وامنَحْ عبيدَكَ المؤمنينَ الغلبَةَ على الشِّرِّير، واحفَظْ بقوَّةٍ صليبِكَ جميعَ المختصِّينَ بك.
قنداق عيد رفع الصَّليب (باللَّحن الرَّابع)
يا من ارتفعتَ على الصَّليبِ مُختارًا أيُّها المسيحُ الإله، امنح رأفتكَ لِشَعبكَ الجديدِ المـُسَمَّى بك، وفَرِّحْ بقوّتك عبيدَكَ المؤمنين، مانِحًا إيّاهُمُ الغلبةَ على مُحاربيهم. ولتكن لهم معونتُكَ سِلاحًا للسَّلامة وظفَرًا غيرَ مقهور.
الرّسالة (غل 2: 16- 20)
مَا أَعْظَمَ أَعْمَالَكَ يَا رَبُّ، كُلَّهَا بِحِكْمَةٍ صَنَعْتَ.
بَارِكِي يَا نَفْسِي الرَّبَّ.
يَا إِخْوَةُ، إِذْ نَعْلَمُ أَنَّ الإِنْسَانَ لا يُبَرَّرُ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ، بَلْ إِنَّمَا بِالإِيمَانِ بِيَسُوعَ الـمَسِيحِ، آمَنَّا نَحْنُ أَيْضًا بِيَسُوعَ الـمَسِيحِ لِكَيْ نُبَرَّرَ بِالإِيمَانِ بِالـمَسِيحِ لا بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ، إِذْ لا يُبَرَّرُ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ أَحَدٌ مِنْ ذَوِي الجَسَدِ. فَإِنْ كُنَّا، وَنَحْنُ طَالِبُونَ التَّبْرِيرَ بِالـمَسِيحِ، وُجِدْنَا نَحْنُ أَيْضًا خَطَأَةٍ، أَفَيَكُونُ الـمَسِيحُ إِذًا خَادِمًا لِلْخَطِيئَةِ؟ حَاشَى. فَإِنِّي إِنْ عُدْتُ أَبْنِي مَا قَدْ هَدَمْتُ أَجْعَلُ نَفْسِي مُتَعَدِّيًا لِأَنِّي بِالنَّامُوسِ مُتُّ لِكَيْ أَحْيَا للهِ. مَعَ الـمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا، لا أَنَا، بَلِ الـمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ. وَمَا لِي مِنَ الحَيَاةِ فِي الجَسَدِ أَنَا أَحْيَاهُ فِي الإِيمَانِ بِابْنِ اللهِ الَّذِي أَحَبَّنِي وَبَذَلَ نَفْسَهُ عَنِّي.
الإنجيل (مر 8: 34- 38، 9: 1)
قَالَ الرَّبُّ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتْبَعَنِي فَلْيَكْفُرْ بِنَفْسِهِ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعْنِي. لِأَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا، وَمَنْ أَهْلَكَ نَفْسَهُ مِنْ أَجْلِي وَمِنْ أَجْلِ الإِنْجِيلِ يُخَلِّصُهَا. فَإِنَّهُ مَاذَا يَنْتَفِعُ الإِنْسَانُ لَوْ رَبِحَ العَالَمَ كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ؟ أَمْ مَاذَا يُعْطِي الإِنْسَانُ فِدَاءً عَنْ نَفْسِهِ؟ لِأَنَّ مَنْ يَسْتَحِي بِي وَبِكَلامِي فِي هَذَا الجِيلِ الفَاسِقِ الخَاطِئَ، يَسْتَحِي بِهِ ابْنُ البَشَرِ مَتَى أَتَى فِي مَجْدِ أَبِيهِ مَعَ الـمَلائِكَةِ القِدِّيسِينَ. وَقَالَ لَهُم: الحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ، إِنَّ قَوْمًا مِنَ القَائِمِينَ هَهُنَا لا يَذُوقُونَ الـمَوْتَ حَتَّى يَرَوْا مَلَكُوتَ اللهِ قَدْ أَتَى بِقُوَّةٍ.
حول الإنجيل
كلُّ المؤمنين الَّذين أرادوا أن يتبعوا المسيح، عليهم أن يقبلوا فكرة حمل الصَّليب، وقبول الألم من اضطهاد وتَرْك كلِّ شيء من أهل وأصدقاء وبذخ وترف..، وهذا يكون بإنكار الذّات “الاتّضاع” الَّذي فيه تعبير عن المحبَّة للمسيح ربّنا.
إنكار الذّات يعني أن لا يرتبك الإنسان بمستقبله ولا يخشى المرض أو الضّيق أو الموت "فَلاَ تَهْتَمُّوا لِلْغَدِ، لأَنَّ الْغَدَ يَهْتَمُّ بِمَا لِنَفْسِهِ. يَكْفِي الْيَوْمَ شَرُّه" (مت 6: 34)، ويكون جاحدًا لنفسه غير مترفٍ في ملذّات جسده لأنّنا متى تجنّبنا ما هو أرضيّ ومجاهدين سماويًّا ننال على الدَّوام ما هو جديد لنبلغ إلى قياس قامة ملء المسيح (أف 4: 13). فالصَّليب هو تسمير للخطايا الَّتي في الجسد لكي لا تتحرَّك فينا، وتغيير طبيعتنا الحقيقة الإلهية فنكون أبناء النور بهذا.
الصَّليب هو فخر وليس نقمة. فمن يستحي بصليبه يرفض وصيّة الله في هذا العالم فسيستحي منه ابن الإنسان في يوم مجده العظيم، ويحسبه كمن هو غير معروف لديه. الصَّليب هو نصرٌ، لذا نحن نفتخر به ونرفعه ونقدِّم له العبادة لأنّ من لا يعرف قيمته يعتبره أداة شرّ أو أنّه لم يفهم المعنى الحقيقيّ العميق للصَّلب والقيامة. القدّيس بولس الرَّسول بقوله: "إنَّ كلمة الصَّليب عند الهالكين جهالة وأمَّا عندنا نحن المخلَّصين فهي قوَّةُ الله" (1 كور 1: 18). هذه الآية تعَلِّمنا الإيمان الحيّ بأنَّ المسيح أحبَّنا حتَّى الموت موت الصَّليب الَّذي به كشف لنا من هو ومعنى تجسُّدِه أيّ قيامتنا من بعد ما قام من بين الأموات هو الحياة "إذ عرفنا بسِرِّ مشيئته حسب مسَرَّتَه الَّتي قصدها في نفسه لتدبير ملء الأزمنة ليجمع كلَّ شيءٍ في المسيح ما في السَّماوات وما على الأرض في ذاك" (أف 1: 9، 10).
لذا العبور نحو المسيحيَّة الصَّحيحة هو بالصَّليب أيّ أن نخسر كلَّ ما هو فانٍ وننظر لما هو خالد، يقول القدِّيس بولس: "الَّذِينَ هُمْ لِلْمَسِيحِ قَدْ صَلَبُوا الْجَسَدَ مَعَ الأَهْوَاءِ وَالشَّهَوَاتِ" (غل 5: 24) لأنَّ الَّذين صاروا تابعين حقيقيّين للمسيح ربّنا، يصلبون جسدهم ويميتونه وذلك بانشغالهم دائمًا في أتعابٍ وجهاداتٍ لأجل التَّقوى، وبإماتتهم شهوة الجسد الطَّبيعيّة لأنَّه مكتوبٌ: "الزِّنَا، النَّجَاسَةَ، الْهَوَى، الشَّهْوَةَ الرَّدِيَّةَ، الطَّمَعَ" (كو 3: 5).
صليب المحبّة
ناموسيٌّ يسأل عن وصيَّةٍ عُظمى، فقال له السَّيِّد الأولى وهي محبّة الرَّبّ الإله، والثّانية محبّة القريب. اِستعمال فعل "أحبِبْ" في سياق النَّصّ يُفهم أنَّه أمرٌ إلهيٌّ، ولأنّ المحبّة إلهيّةَ المصدر، طلبَ يسوع محبّة القريب كذواتنا. كيف نعيش كلام الرَّبّ اليوم وكلّ يوم في حياتنا أمام محبّته أوّلًا ومحبّة القريب ثانيًا؟
الصَّليب مغروسًا فينا. للصَّليب خشبتان، لكلّ عملٍ صالحٍ أو غير صالحٍ طرفان، حتّى لكلّ عقدٍ بالمعنى الحقوقيّ طرفان. لكنّ الرّأي في الدُّنيا متى ما تبدّل يفقد قيمته، الرّأي لا يحمل خشبتَيْن ولا طرفَيْن. نذكر في رسالة يعقوب أنّ "رجلًا ذو رأيين هو متقلقلٌ في جميع طرقه". فإذا عكسنا ما تقدّم على محيطنا في الكنيسة، نرى أنّنا نحن نكون إمّا قدّيسين إمّا خطأة، إمّا حارّين بالمحبّة إمّا باردين فيها. الفتور وتقلُّب الآراء ليس له مكانٌ بيننا. إنْ فهمنا الوصيَّة الإلهيَّة، نحن مدعوّون أنْ نحبّ وأنْ ندع الموتى يدفنون أمواتهم. عندما أوصاني الله بالمحبّة لم يخترْ لي معشرَ برٍّ وقداسةٍ، بل دعاني إلى القداسة وطلب منّي أن أحبّ والباقي تفصيلٌ يزاد. ربّما بهذه المحبّة يخرج قديسّون من الكنيسة. الكنيسة مختبرُ حبٍّ بزناتها وأبرارها. محبّتي لله لا تُحدُّ من هذا المنبر أو هذه الحجارة، رغم أهميّة الطُّقوس وكلّ التَّرتيبات الكنسيَّة، إنْ لم أشهدْ لكلّ جمالٍ ومجدٍ هنا في الخارج تبقى محبّتي محدودة، والمحبّة عند الله لا تُحدُّ فبحسب رسالة يوحنّا الأولى "مَنْ لا يُحبّ أخاه الَّذي أبصره كيف يقدر أن يحبّ الله الَّذي لم يبصره". من هنا ننتقل إلى الوصيّة الثّانية.
محبّة القريب كالنَّفس في إطار وصيّة يسوع، لا تفسَّر إلّا للأفضل لا بالمماثلة. في القانون، التَّحسين يقابله أجرٌ، في الكنيسة التَّحسين يقابله مجّانيّة. نحن اليوم نبرّر كلّ عملٍ صالحٍ في الكنيسة والخارج أنّه يقابله مصلحة شخصيّة. عندما نصل إلى الشُّكر لكلّ تقدمةٍ ونردُّ شكرَنا إلى الله لا إلى تحليلاتنا البشريَّة هنا يصير قريبي حياتي وخلاصي. أحاسيس عالم اليوم بإطعام الآخَرين ومساعدتهم وهذه النَّزعة أن نبقى إيجابيّين في كلِّ شيءٍ هذا شعر لإعلام فارغ. نحن جماعة ننزع ما في فمنا للآخَر ونُهلك أنفسنا للآخَر لا لبرّنا إنّما لمجد الله في وصيَّة حبّ القريب. من هذه الوصيَّة صارت لنا كنيسةٌ تردِّد للسَّلام "ولروحك" وعندما نودع ذواتنا وبعضنا بعضا للمسيح الله، تردّ: "لك يا رب".
صلاتنا والرَّجاء أن نَعي بحقّ أنّنا معشرٌ مُتَّكلين على رحمة الرَّبِّ وعلى حبّه المغروس فينا الَّذي منه نوجد مع القريب. رغم أنّنا لم نفعل شيئًا من الصَّلاح، أطلب أن نفهم أنّ الكنيسة باقيةٌ رغم خطايانا، وإذا شعرْتم يومًا أنّنا أحبّاء الله والقريب، ذكّرونا أنّنا نعمل لمجد الله وحده. نقع ونقوم، نخطئ ونتوب، هذا من رحمة الله ومن محبّتكم أنتم للقريب، أنتم الكنيسة.
من هنا يكون الصَّليب محبّةً والمحبّة صليب.