نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
الأحد 14 حزيران 2020
العدد 24
الأحد (1) بعد العنصرة (جميع القدّيسين)
اللّحن 8- الإيوثينا 1
أعياد الأسبوع: *14: النَّبيّ أليشع، مثوديوس رئيس أساقفة القسطنطينيَّة *15: بدء صوم الرّسل، النّبيّ عاموس، البارّ إيرونيمس *16: تيخن أسقف أماثوس * 17: الشّهداء إيسفروس ورفقته، الشّهداء مانوئيل وصابل واسمعيل *18: الشّهداء لاونديوس ورفقته *19: الرّسول يهوذا نسيب الرّبّ، البارّ باييسيوس الكبير *20: مثوديوس أسقف بتارُن، الأب نيقولاوس كباسيلاس.
كلمة الرّاعي
هل القداسة للجميع؟!...
”كونوا قديسين كما أنّي أنا الرَّبّ إلهكم قدّوس“ (لاويّين 19: 1)
من يؤمن بإله يسوع المسيح مدعوّ للقداسة، لا بل للكمال: ”كوني كاملين كما أنّ أباكم السّماويّ هو كامل“ (متّة 5: 48).
قد يستغرب البعض هذا الأمر، لأنّ الاعتقاد الشّائع هو أنّ القداسة تحتاج نسكًا وتقشُّفًا وفقرًا وعفَّة، وهذه لا طاقة للعائشين في العالم على عيشها. هكذا هو الاعتقاد الشّعبيّ. لكن، إيماننا يقول عكس ذلك، أي أنّ القداسة دعوة عامّة لكلّ مؤمن... لماذا أقول للمؤمن وليس لأيّ إنسان؟!... لأنّ القداسة مرتبطة بسرّ الإله الَّذي نعبده، إذ هو وحده من يدعو المؤمنين به إلى التّشبّه به عبر سرّ الوَحدة... القداسة هي التّشبّه بالله أي الاتّحاد بالله...
* * *
إلهنا هو إله التّجسُّد. لقد اتَّخذَنَا لنتَّخذه. صار مثلنا لنصير مثله. هو، في البدء، خلقنا على صورته، لنسلك بوصيّته، فنحقِّق بنعمته، تمثُّلنا الكامل له بقوّته، في سرّ طاعة محبّته...
القداسة مرتبطة بطاعة الوصيّة. لا قداسة بدون الوصيّة، لأنّ الوصيّة حضور ومشاركة وفعل إلهيّ في حياة المؤمن. إله يسوع المسيح ليس كباقي الآلهة، لأنّه ليس بعيدًا في السّماء فوق مع أنّه في السّماء، وليس من أسفل مع أنّه موجود في الأسفل، وليس هو بعيدًا غريبًا عنّا مع أنّه بعيد وغريب لكونه قدّوس...
نحن مثل الله لأنّه خلقنا على صورته، وهو يريدنا أن نكون واحدًا معه بنعمته، أي أن نشاركه في قداسته. خارج يسوع المسيح لا يمكن طرح مسألة قداسة الإنسان. فقط، بالإيمان بابن الله المتجسِّد تصير قضيّة حياة الإنسان ومعنى وجوده مجابًا عنها، والجواب هو القداسة.
* * *
ما هي القداسة؟ إنّها التّشبّه بيسوع المسيح الإله-الإنسان. بقدر ما يصير الشّخص تجسيدًا لحقيقة يسوع الإنسانيّة، يصير متألِّهًا، لأنّ الطّبيعتَين الإلهيّة والإنسانيّة متَّحدتَين في شخصه بدون امتزاج أو اختلاط أو انقسام أو انفصال، ممّا يعني أنّ ما للإله صار في ما للإنسان أو بالأحرى للإنسان... هكذا من يتَّحِد بيسوع يشترك في ما هو له، أي يصير ابنًا لله بالتّبنِّي في يسوع المسيح. لذلك، ”إِنْ كُنَّا أَوْلاَدًا فَإِنَّنَا وَرَثَةٌ أَيْضًا، وَرَثَةُ اللهِ وَوَارِثُونَ مَعَ الْمَسِيحِ. إِنْ كُنَّا نَتَأَلَّمُ مَعَهُ لِكَيْ نَتَمَجَّدَ أَيْضًا مَعَهُ“ (رومية 8: 17).
لا قداسة دون آلام. الألم ثمرة خطيئة الإنسان وتغرُّب الخليقة عن الله بارئها. يوجد ألم تنتج عنه القداسة، ويوجد ألم ثمرة النّجاسة... وصيّة الله هي الّتي تكشف الحقّ من الباطل على صعيد قلب الإنسان، ”لأَنَّ كَلِمَةَ اللهِ حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ، وَخَارِقَةٌ إِلَى مَفْرَقِ النَّفْسِ وَالرُّوحِ وَالْمَفَاصِلِ وَالْمِخَاخِ، وَمُمَيِّزَةٌ أَفْكَارَ الْقَلْبِ وَنِيَّاتِهِ“ (عبرانيين 4: 12).
المسألة ليست مسألة ناموس خارجيّ بل هي قضيّة قلب طالب لله، ”يَا ابْنِي أَعْطِنِي قَلْبَكَ، وَلْتُلاَحِظْ عَيْنَاكَ طُرُقِي“ (أمثال 23: 26). لا تنفصل حركة القلب-الكيان عن اتّباع الوصيّة الإلهيّة. القلب التّوّاق إلى الله يشتاق لصنع مشيئته الّتي في كلمته، ”فَتْحُ كَلاَمِكَ يُنِيرُ، يُعَقِّلُ الْجُهَّالَ“ (مزمور 119: 130)...
* * *
أيُّها الأحبَّاء، روح الرَّبّ هو مرشدنا إلى كلّ الحقّ الّذي في يسوع ومنه وإليه، ويسوع هو الَّذي يرينا الآب. القداسة هي سرّ معرفة الله في خبرة الرّوح القدس، إنّها صعود إلى السّماوات وجلوس عن يمين الله الآب في ابنه الوحيد المتجسِّد، وهي تنازل إلهيّ لسُكنى الإله في ضعتنا إذ ”لَنَا هذَا الْكَنْزُ فِي أَوَانٍ خَزَفِيَّةٍ، لِيَكُونَ فَضْلُ الْقُوَّةِ للهِ لاَ مِنَّا“ (2 كورنثوس 4: 7). ليست القداسة عملًا بشريًّا بل هي سرّ التّناغم والتّآزر بين مشيئة الله وإرادة الإنسان، بين فعل الرَّبّ وعمل الشّخص، بين النّعمة الإلهيّة والقوى البشريّة المخلوقة...
”نور المسيح مضيء للجميع“، لكن، لكلّ كائن خصوصيّة في استقباله لهذا النّور وقبوله في قلبه لينير جبلّته كلّها فتستضيء ترابيّته من مجد العليّ في الفضائل-صفات روح الله السّاكن فيه بالاعتراف بيسوع ربًّا ومخلِّصًا...
القداسة إيمان بسيط فاعل بالمحبّة النّقيّة لله وللآخَر المعطى لكلٍّ منَّا مطرحًا لعيشنا فرح الوصيّة في ألم إخلاء ذواتنا منَّا...
ومن له اذنان للسّمع فليسمع!...
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما
طروباريّة القيامة (باللَّحن الثّامن)
انحدرتَ مِنَ العُلوِّ أَيُّها المُتحنِّن. وقَبِلتَ الدَّفنَ ذا الثّلاثةِ الأيّام. لكي تُعتقَنا مِنَ الآلام، فيا حياتَنا وقيامتَنا يا رَبُّ المجدُ لك.
طروباريَّة أحد جميع القدِّيسين (باللَّحن الرَّابِع)
أيُّها المسيحُ الإله، إِنَّ كنيسَتَكَ إذ قد تزيَّنَتْ بدماءِ شُهَدائِكَ الَّذين في كلِّ العالم، كأنَّها ببرفِيرَةٍ وأُرْجُوَان. فهي بهم تهتِفُ إليكَ صارِخَة: أَرْسِلْ رأفَتَكَ لشعبِكَ، وٱمْنَحِ السَّلامَ لكنيسَتِك، ولنفوسِنَا الرَّحمة العُظْمَى.
قنداق أحد جميع القدِّيسين (باللَّحن الرَّابِع)
أيُّها الرَّبُّ البارِئُ كلَّ الخليقةِ ومُبدِعُها، لكَ تُقَرِّبُ المسكونَةُ كبواكيرِ الطَّبيعة الشُّهَدَاءَ اللَّابِسِي اللَّاهوت. فبتوسُّلاتِهِم اِحْفَظْ كنيسَتَكَ بسلامَةٍ تَامَّة لأَجْلِ والِدَةِ الإله، أيُّها الجَزِيل الرَّحْمَة.
الرّسالة (عب 11: 33-40، 12: 1-2)
عَجِيبٌ هو اللهُ في قدِّيسيه
في المجامِعِ بَارِكُوا الله
يا إخوةُ، إنَّ القدِّيسينَ أَجمَعِين بالإيمانِ قَهَرُوا الممالِكَ وعَمِلُوا البِرَّ ونَالُوا المواعِدَ وسَدُّوا أَفْوَاهَ الأُسُود، وأَطْفَأُوا حِدَّةَ النَّارِ ونَجَوْا من حَدِّ السَّيْفِ وتَقَوَّوْا من ضُعْفٍ، وصارُوا أَشِدَّاءَ في الحربِ وكَسَرُوا مُعَسْكَرَاتِ الأجانِب. وأَخَذَتْ نساءٌ أَمْوَاتَهُنَّ بالقِيامة. وعُذِّبَ آخَرُونَ بتوتيرِ الأعضاءِ والضَّرْبِ، ولم يَقْبَلُوا بالنَّجَاةِ ليَحْصُلُوا على قيامةٍ أفضل. وآخَرُونَ ذَاقُوا الهُزْءَ والجَلْدَ والقُيُودَ أيضًا والسِّجن. ورُجِمُوا ونُشِرُوا وٱمْتُحِنُوا وماتُوا بِحَدِّ السَّيْف. وسَاحُوا في جُلُودِ غَنَمٍ ومَعَزٍ وهُمْ مُعْوَزُون مُضَايَقُونَ مجَهُودُون، ولم يَكُنِ العالمُ مُسْتَحِقًّا لهم. فكانوا تائِهِينَ في البراري والجبالِ والمغاوِرِ وكهوفِ الأرض. فهؤلاءِ كلُّهُم، مَشْهُودًا لهم بالإيمانِ، لم يَنَالُوا الموعِد، لأنَّ اللهَ سبَقَ فنظَرَ لنا شيئًا أَفْضَلَ: أنْ لا يُكْمَلُوا بدُونِنَا. فنحن أيضًا، إذ يُحْدِقُ بنا مثلُ هذه السَّحابَةِ من الشُّهُودِ، فلْنُلْقِ عنَّا كُلَّ ثِقَلٍ والخطيئةَ المحيطَةَ بسهولةٍ بنا. ولْنُسَابِقْ بالصَّبْرِ في الجِهادِ الَّذي أمامَنَا، ناظِرِين إلى رئيسِ الإيمانِ ومكمِّلِهِ يسوع.
الإنجيل (مت 10: 32-33 و 37– 38، 19: 27– 30)(متّى 1)
قال الرَّبُّ لتلاميذِه: كلُّ مَنْ يعترفُ بي قدَّامَ النَّاسِ أَعْتَرِفُ أنا بهِ قدَّامَ أبي الَّذي في السَّماوات. ومَن يُنْكِرُني قدَّام النَّاس أُنْكرُهُ أنا قدَّامَ أبي الَّذي في السَّماوات. مَن أَحَبَّ أبًا أو أُمًّا أكثرَ مني فلا يستحقُّني. ومن أحبَّ ابنًا أو بنتًا أكثر منِّي فلا يستحقُّني. ومَن لا يأخذْ صليبَهُ ويتبعْني فلا يستحقُّني. فأجابَ بطرسُ وقال لهُ: هوذا نحنُ قد تركنا كلَّ شيءٍ وتبعناك فماذا يكونُ لنا؟ فقال لهم يسوع: الحقّ أقولُ لكم، إنَّكم أنتمُ الَّذين تبعتموني في جيل التَّجديد، متى جلس ٱبْنُ البشر على كرسيِّ مجدِهِ تجلِسُون أنتم أيضًا على اثْنَيْ عَشَرَ كرسِيًّا تَدينُونَ أسباطَ إسرائيلَ الاثني عَشَرَ. وكلّ من تركَ بيوتًا أو إخوةً أو أَخَوَاتٍ أو أبًا أو أُمًّا أو ٱمرأةً أو أولادًا أو حقولاً من أجل ٱسمي يأخُذُ مِئَة ضِعْفٍ ويرثُ الحياة الأبديَّة. وكثيرون أوَّلون يكونون آخِرِين وآخِرُون يكونون أوَّلين.
حول الرّسالة
هذه التّلاوة من العبرانيّين خاصّة بالأحد الأوّل بعد العنصرة، وهو المعروف بأحد جميع القدّيسين لكون الكنيسة تُقيم فيه تذكارًا جامعًا لهم. ومعروف أنّ الكنيسة تُقيم لكلّ قدّيس تذكارًا خاصًّا به يوم عيده، فلماذا، إذًا، رتّبت أحدًا لجميع القدّيسين؟
أوّلًا: أرادت الكنيسة، في هذا الأحد، أن تقول إنّ الرّوح القدس الّذي سكبه السيّد على تلاميذه في اليوم الخمسين هو روح القداسة ويُنشئ قدّيسين.
ثانيًا: حفظت الكنيسة، في ذاكرتها، كوكبة كبيرة من هؤلاء، وهي تُقيم لكلّ واحد منهم تذكارًا خاصًّا به يوم عيده؛ ومَن يستعرض التّقويم الكنسيّ يلاحظ أنّ تذكارات القدّيسين تُرافقنا يوميًّا، على مدار السّنة، فلا يخلو يومٌ واحد من تذكار لواحد منهم أو أكثر. لكأنّ الكنيسة أرادت، بهذا التّقويم، أن تُذكّرنا بأنّ حياتنا مُكتنَفةٌ بقداسة القدّيسين، فهُم معنا بحالٍ غير منظورة، ونحن بشفاعاتهم نُجاهد ونتعب عاملين. لكن، ولَئِن كان التّقويم الكنسيّ يذكر كلّ قدّيس يوم عيده، إلّا أنّ عناية الكنيسة شاءت أن تُقيم لجميع القدّيسين تذكارًا جامعًا حرصًا منها على إنصاف أولئك الّذين ربّما سقطوا من ذاكرتها سهوًا، أو فاح عطر قداستهم وبَقُوا مجهولين. وهكذا يرتاح ضمير الكنيسة لكون جميع القدّيسين، المعلومين منهم والمجهولين، باتوا مشمولين بصلواتها وباتت هي مشمولةً بشفاعاتهم.
هذا الرّوح المُنشئ للقداسة عرفناه، نحن أبناءَ العهد الجديد، بيسوع المسيح. لكنّنا نؤمن بأنّه منبثق أزليًّا من الآب وقائم أزليًّا مع الآب والاِبن. إنّه، كما توصّفه خدمة العنصرة، "كان دائمًا وهو كائنٌ ويكون..."، وبهذه الكينونة هو "النّاطق بالأنبياء" وبجميع الشّهود منذ فجر الخليقة إلى اليوم. وما "هذه السّحابة من الشّهود" الّتي تذكرها تلاوتنا إلّا ثماره منذ القديم. هؤلاء هم – إذا جازت التّسمية– "قدّيسو العهد القديم". هؤلاءِ ميراثنا ونحن من بركاتهم نحيا. وإذا ذكرتهم الكنيسة في أحد جميع القدّيسين فلكي تقول لنا إنّنا "لسنا مقطوعين من شجرة"، ولنا في القداسة جذورٌ ضاربة عميقًا في تربتها. لنا آباء وأجداد وهؤلاء هم آباؤنا وأجدادنا، ونحن من نسلهم الرّوحيّ نتحدّر لنشكّل العهد الجديد الّذي دشّنه يسوع بدمه على الصّليب. "هؤلاء كلّهم... لم ينالوا الموعد، لأنّ الله سبق فنظر لنا شيئًا أفضل أن لا يُدركوا الكمال من دوننا". إنّهم قد انضمّوا تلقائيًّا إلينا، إلى مجرى القداسة الواحد الّذي أفاضه المسيح بدمه على الصّليب؛ فقد جمع إليه "القَداسات" كلّها سابقًا ولاحقًا. يعلّق القدّيس أفرام السّريانيّ على هذه الآية بقوله: "صحيح أنّ هؤلاء جاؤوا منذ القديم، لكنّهم لن ينالوا جزاءهم قبلنا. ثمّةَ يومٌ واحد للمجازاة عن كلّ ما احتمله النّاس ويحتملونه من ضيقات".
هؤلاء هم حرزنا الحريز فيما نقاوم "الخطيئة المحيطة بسهولةٍ بنا". أجل، نحن نقاوم الخطيئة ولن يكون بمقدورنا، البتّة، الحؤول دون حصولها. فقط بمقدورنا أن نعفّ عنها طوعيًّا بأن نحصّن ذواتنا ضدّها. لكن كيف؟ بالصّلاة الحارّة والتّوبة الموصولة. أجل، بهذَين السّلاحَين نكبح الشّهوات الضّارّة الكامنة فينا والمتحفّزة دومًا لتعكير صفونا وسلامنا. فالشّهوات الضّارّة هي منشأ الخطيئة وتُولّدها فينا إن نحن استجبنا لإغراءاتها. فالخطيئة مُغرية –هذا واقع– وهي، بإغراءاتها، تستدرجنا إلى مغازلتها ليسهل عليها اقتناصنا. لذا، كان الحلّ أن نهرب من الخطيئة عملًا بنصيحة الرّسول بولس في (1 كور 6: 18) "اهربوا من الزّنى". ولنذكر دومًا أنّ لنا في جهادنا ضدّ الخطيئة مَن يحملوننا في أدعيتهم. إنّهم "الشّهود" الّذين تذكرهم التّلاوة. هؤلاء شُفعاؤنا لدى الله وشفاعاتهم مُستجابة.
صوم الرّسل
صوم الرُّسُل هو أحد الأصوام الّتي يصومها المسيحيّون، وهو الصّوم الّذي مارسهُ الرُّسُل منذ البداية: ”وَبَيْنَمَا هُمْ يَخْدِمُونَ الرَّبَّ وَيَصُومُونَ...“ (أع 2:13). والكنيسة بدورها حافظت عليه، فهو من ضمن تسليمها وإيمانها. فبعد مرور أسبوع على عيد العنصرة، يبدأ هذا الصّوم. نقرأ في قانون الرُّسل: "إنّكم بعد تعييدكم عيد البنديكوستي عيّدوا سُّبّةً واحدة (أسبوعًا) وبعد تلك السّبّة صوموا لأنّه من الواجب أن نفرح مسرورين بالموهبة الممنوحة من الله ونصوم بعد فرحنا". ويستشهد هذا القانون بأنبياء صاموا مثل موسى وإيلّيا، وصوم الأسابيع الثّلاثة الّتي صامها دانيال النّبيّ، وصوم حنّة النبيّة، وصوم أهل نينوى وصوم أستير ويهوديت وداود الملك. فعلى مثال هؤلاء يجب أن يصوم المسيحيّون أيضاً، لذلك كتب الرُّسل قائلين: "أنتم أيضًا عندما تصومون، اطلبوا سؤالكم من لُدنِ إلهنا". فبعد تكريم الرُّسُل في المجمع المسكونيّ الأوّل، سنة 325 م.، على أنّهم معّلموا العبادة الحسنة ورعاة المسكونة كلّها، دعا الآباء المجتمعون الصّوم: صوم الرُّسُل، وحدّدوا أنّه بعد مرور عيد الخمسين بأسبوع واحد يجب على المسيحيّين أن يصوموا عن اللّحم والجبن وكلّ مشتقاتهما إلى يوم عيد الرُّسُل في 29 حزيران. هذا المرسوم الرّسوليّ قد حفظه القدّيسون سابا المتقدّس، ويوحنّا الدّمشقيّ، وثاودورس السّتوديتيّ، وغيرهم من الآباء الأقدمين، كما أنّ القدّيسَين باسيليوس الكبير ويوحنّا الذهبيّ الفم يعلّمان بشكل كافٍ عن هذا الصّوم، ويتمسّكان به. ففي إحدى عظاته عن الرّوح القدس، يذكّر القدّيس يوحنّا الذّهبيّ الفم أهل أنطاكية بهذا الصّوم المنسوب إلى الرُّسُل القدّيسين، ويحثّهم على المحافظة عليه وتطبيقه. لأنّ الصّلاة والصّوم جناحان نرتقي بهما إلى السّماء.