نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
الأحد 14 أيّار 2023
العدد 20
الأحد (4) بعد الفصح (السّامريّة)
اللّحن 4- الإيوثينا 7
كلمة الرَّاعي
الماء الحَيّ
"لأَنَّ شَعْبِي عَمِلَ شَرَّيْنِ: تَرَكُونِي أَنَا يَنْبُوعَ
الْمِيَاهِ الْحَيَّةِ، لِيَنْقُرُوا لأَنْفُسِهِمْ أَبْآرًا، أَبْآرًا مُشَقَّقَةً
لاَ تَضْبُطُ مَاءً ..." (إر 2: 13)
زمن جفاف في الإيمان وعودة إلى الوثنيَّة تعيشه البشريّة اليوم. باسم الحرّيّة تُنتَهَكُ الإنسانيّة، وباسم الحقّ يُصنَعُ الباطِل. الإنسانيّة إلى خراب جوهريّ بسبب امتداد روح الشِّرّير في ما يُسمَّى بالـ ”حضارة“ الّتي، في الظّاهر، تهدف إلى خير الإنسان وفي الباطِن تسعى إلى خرابه عبر استعباده للآلهة القديمة الّتي تُسَوَّق عبادتها بطرائق جديدة أكثر فعّاليّة من الأزمنة العتيقة...
كلّ خطيئة تبعثُ في الإنسان روح نشوة، وكلّ نشوة لا بدَّ أن تقوده إلى الجسد... لماذا؟ لأنّ الإنسان يؤمن بالمَلمُوس ويطلب النّتائج السّريعة ويهرب من التّعب ويميل إلى الكسل... وهذه كلّها تقوده إلى الجسد...
عالم اليوم هو عالم المادّيّة بامتياز، وإن تجلببت برداء ”الرّوحانيَّة“. هذه خدعة الشَّيطان للإنسان المُعاصِر، هو يقوده بكلّ الوسائل إلى عبادته!...
حقوق الإنسان هي ”حصان طروادة“ الَّذي يحمل في داخله أرواح الشّرّ المُفسِدة للإنسان لأنّها تُناقِض إنسانيّة يسوع المسيح... ومع أنّ حقوق الإنسان انبثقت من مبادئ إنجيليَّة، إلَّا أنَّ الشَّيطان استغلَّها وجعلها مركبةً له من خلال صورة الحرِّيَّة الكاذبة الَّتي روّج لها ليحارب بها ”حرِّيَّة أبناء الله“...
* * *
"كَمَا يَشْتَاقُ الإِيَّلُ إِلَى ينابيع الْمِيَاهِ، هكَذَا تَشْتَاقُ نَفْسِي إِلَيْكَ يَا اللهُ" (مز 42: 1). هذه حالة المؤمن في علاقته مع الله، فكم بالأحرى في زمن الجفاف والتّصحُّر هذا؟! ... في عمقه، يعطش الإنسان إلى مياه الله الجوفيّة الّتي تجري في أعماق قلبه. في جهاده وفي سعيه إلى الله يشعر الإنسان بنسمات برودة هذه المياه في قلبه ليتوق إليها ويشرب منها. هذا يحصل عندما يدخل في علاقة ديناميكيّة مع الله من خلال الصَّلاة وعِشرة الكلمة الإلهيَّة. هذا الطَّريق يحتاج جهدًا وإرادة وتصميمًا ومثابرة. المعرفة لا تُعطى لمن لا يطلبها، ”اِسْأَلُوا تُعْطَوْا. اُطْلُبُوا تَجِدُوا. اِقْرَعُوا يُفْتَحْ لَكُمْ“ (مت 7: 7)، هي تُعطى للمتواضعين العطشى إليها...
حالة الخطيئة تجعل الإنسان متصحِّرًا في داخله، أي باحثًا عن المياة الحيّة الّتي تبرِّد حرارة الخطيئة وتطفئ نار الشَّهوات في قلبه. هذه الحاجة، قد يستعيض عنها الإنسان بمياهٍ زائفة تزيد من عطشه فيدخل دائرة مفرغة لا بل دوّامة تجعله أسير المخدِّر المدمِّر. فقط يسوع يستطيع أن يهبنا الماء الَّذي إذا شربنا منه لا نعود نعطش إلى الأبد!...
* * *
أيُّها الأحبّاء، خطيئة الإنسان مزدوجة، فهو يترك مصدر حياته ويبحث عن مصادر أخرى لينوجد. المرأة السَّامريّة كانت سالكة طريق الخطيئة، تاركةً الرَّبَّ وباحثةً عن وجودها في لذَّتِها وتسلُّطها بها على الَّذين تصطادهم. هكذا كانت تبحث عن ذاتها وعن وجودها. لكنّها لم ترتوِ يومًا، بل عطشها الكيانيّ كان لا نهاية له ولا حدود. بيئتها، أيضًا، لم تكن صالحة. هي كانت صورة عن شعبها. هي وشعبها آمنوا بالرَّبِّ، في حين رفض اليهود الرَّبَّ وصلبوه. لماذا؟!... لأنّ الَّذي يعيش في الخطيئة أو في إيمان لا يُشبع ولا يروي حاجات الرُّوح العميقة والجوفيّة، يكون أكثر استعدادًا لقبول الحقّ حين يُكشف له؛ بينما الَّذين يعيشون في البّرِّ الظّاهري عبر التّمسُّك بحرف النّاموس دون أن يلجوا إلى روح الشّريعة الإلهيّة، فهم يُخدَعون من بّرِّهم الذّاتيّ، ويتمسّكون بصنم الإله الَّذي صنعوه، وهذا ما حصل مع اليهود الَّذين رفضوا الرَّبَّ يسوع وصلبوه...
لِنَعُدْ إلى ذواتنا، ولندخُلَ إلى الأعماق، لنسمعَ هدير مياه النِّعمة الحَيَّة الّتي تجري في كياننا ونتمتّع بالارتواء ونفرح بعطيّة الله الأبديّة الَّتي وُهبتْ لنا يوم اعتمدنا في مياه المعموديّة الحيّة وأخذنا روح الحقّ المعزّي حياةً لنا والَّذي صار فينا ينبوعَ ماءٍ حيّ، لنصير ورثة ملكوت الله بالَّذي أعطى ذاته لنا طعامًا للحياة الأبديّة.
الرُّوحُ تئنّ فينا بالرُّوح الَّذي يعلّمنا الصَّلاة، طالبين إلى الَّذي أحبَّنا وبذل نفسه لأجلنا، ”تَعَالَ أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ...“ (رؤ 22: 20).
ماران أثا...
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما
طروباريّة القيامة للإيصوذن (باللَّحن الخامس)
المسيحُ قامَ مِنْ بينِ الأموات، وَوَطِئَ المَوْتَ بالمَوْت، ووَهَبَ الحياةَ للَّذين في القبور.
طروباريّة القيامة (باللَّحن الرّابع)
إنَّ تلميذاتِ الرَّبّ تعلَّمنَ مِنَ المَلاكِ الكَرْزَ بالقيامةِ البَهج. وطَرَحنَ القَضاءَ الجَدِّيَّ. وخاطَبْنَ الرُّسُلَ مُفتَخِراتٍ وقائِلات. سُبيَ المَوتُ وقامَ المَسيحُ الإله. ومَنَحَ العالمَ الرَّحمةَ العُظمى.
طروبارية نصف الخمسين (باللَّحن الثامن)
في انتِصافِ العِيدِ اسْقِ نَفسي العَطْشَى مِنْ مياه العِبادَةِ الحَسَنَةِ أيُّها المُخَلِّص. لأنَّكَ هتفت نحو الكلِّ قائلًا: مَنْ كان عطشانًا فليأتِ إليَّ ويشرب. فيا ينبوعَ الحياة، أيُّها المسيحُ الإلَهُ المَجْدُ لَك.
قنداق الفصح (باللَّحن الثّامن)
وَلَئِنْ كُنْتَ نَزَلْتَ إلى قبرٍ يا مَن لا يموت، إِلَّا أَنَّكَ دَرَسْتَ قُوَّةَ الجحيم، وقُمْتَ غالِبًا أَيُّها المسيحُ الإله، وللنِّسوَةِ حامِلاتِ الطِّيبِ قُلْتَ افْرَحْنَ، ولِرُسُلِكَ وَهَبْتَ السَّلام، يا مانِحَ الواقِعِينَ القِيَام.
الرّسالة (أع 11: 19– 30)
ما أعظَمَ أعمالَكَ يا ربُّ كلَّها بحكمةٍ صَنَعْتَ،
باركي يا نفسي الرَّبَّ
في تلكَ الأيَّام، لـمَّا تَبَدَّدَ الرُّسُلُ من أجلِ الضِّيقِ الَّذي حصَلَ بسببِ استِفَانوسَ، ٱجتازُوا إلى فِينيقَيَةَ وقُبْــُرصَ وأنطاكِيَةَ وهمُ لا يكَلِّمُونَ أحدًا بالكَلِمَةِ إلَّا اليهودَ فقط. ولكنَّ قَوْمًا منهم كانوا قُبُرصيِّين وقَيْروانيِّين. فهؤلاءِ لـمَّا دخَلُوا أنطاكِيَةَ أخذُوا يُكَلِّمُونَ اليونانيِّينَ مُبشِّرِينَ بالرَّبِّ يسوع. وكانت يَدُ الرَّبِّ مَعَهُم. فآمَنَ عددٌ كثيرٌ ورَجَعُوا إلى الرَّبِّ. فبلَغَ خبرُ ذلك إلى آذانِ الكنيسةِ الَّتي بأُورَشَلِيمَ فأَرْسَلُوا بَرنابا لكي يجتازَ إلى أنطاكية. فلمَّا أَقْبَلَ ورأَى نِعْمَةَ اللهِ فَرِحَ ووَعَظَهُم كُلَّهم بأَنْ يَثْبُتُوا في الرَّبِّ بعَزِيَمةِ القلب، لأنَّه كانَ رجلًا صالِحًا مُـمْتَلِئًا مِن الرُّوحِ القُدُسِ والإيمان. وانضَمَّ إلى الرَّبِّ جمعٌ كثيرٌ. ثمَ خرَجَ بَرنابا إلى طَرسُوسَ في طَلَبِ شاوُل. ولـمَّا وجَدَهُ أَتَى بهِ إلى أنطاكية، وتردَّدَا معًا سنةً كامِلَةً في هذهِ الكنيسةِ، وعلَّمَا جَمعًا كثيرًا. ودُعَيَ التَّلامِيذُ مَسيحيِّين في أنطاكِيَةَ أَوَّلًا. وفي تلكَ الأيَّام، اِنْحَدَرَ من أُورشليمَ أنبياءُ إلى أنطاكية، فقامَ واحِدٌ منهم اسمه أغابُوسُ فأنبَأَ بالرُّوح أنْ ستكونَ مَجَاعَةٌ عَظيمَةٌ على جميعِ المسكونة. وقد وَقَع ذلكَ في أيَّامِ كُلودْيُوسَ قيصرَ، فَحَتَّمَ التَّلاميذُ بحسَبِ ما يَتَيَسَّرُ لِكُلِّ واحِدٍ منهم أَنْ يُرسِلُوا خِدْمَةً إلى الإخوةِ السَّاكِنِينَ في أورَشليم، ففعلوا ذلكَ وبَعَثُوا إلى الشُّيُوخِ على أيدي بَرنابا وشَاوُلَ.
الإنجيل (يو 4: 5– 42)
في ذلك الزَّمَانِ، أتى يسوعُ إلى مدينةٍ منَ السَّامرَةِ يُقَالُ لها سُوخَار، بقُربِ الضَّيْعَةِ الَّتي أعطاها يعقوبُ ليُوسُفَ ٱبنِهِ. وكانَ هُناك عينُ يعقوب. وكانَ يسوعُ قد تعِبَ مِنَ الـمَسِير، فجلَسَ على العين، وكانَ نحوَ السَّاعَةِ السَّادِسَة. فجاءَتِ ٱمرأةٌ منَ السَّامِرَةِ لتستَقِيَ ماءً. فقال لها يسوعُ: أَعْطِيِني لأَشْرَبَ -فإنَّ تلاميذَهُ كانوا قد مَضَوْا إلى المدينةِ ليَبْتَاعُوا طعامًا- فقالَت لهُ المرأةُ السَّامريَّة: كيفَ تَطلُبُ أنْ تشرَبَ مِنِّي وأنتَ يهوديٌّ وأنا ٱمرأةٌ سامريَّةٌ، واليهودُ لا يُخالِطُونَ السَّامِريِّين؟ أجابَ يسوعُ وقالَ لها: لو عَرَفْتِ عَطيَّةَ اللهِ ومَنِ الَّذي قالَ لكِ أعطيني لأشربَ، لَطَلَبْتِ أنتِ منه فأعطاكِ ماءً حيًّا. قالت له المرأةُ يا سيِّدُ إنَّهُ ليسَ معكَ ما تستَقِي بهِ والبِئْرُ عميقةٌ، فَمِنْ أين لك الماءُ الحَيُّ؟ ألعلَّكَ أنتَ أعْظَمُ مِنْ أبينا يعقوبَ الَّذي أعطانا البئرَ، ومنها شَرِبَ هو وبَنوهُ وماشيتُهُ! أجابَ يسوعُ وقالَ لها: كلُّ من يشرَبُ من هذا الماءِ يعطشُ أيضًا، وأمَّا مَن يشربُ من الماء الَّذي أنا أُعْطِيهِ لهُ فلَنْ يعطشَ إلى الأبد، بَلِ الماءُ الَّذي أُعطيِه لهُ يصيرُ فيهِ يَنبوعَ ماءٍ يَنْبُعُ إلى حياةٍ أبديَّة. فقالت لهُ المرأةُ: يا سيِّدُ أعطني هذا الماءَ لكي لا أعطشَ ولا أَجِيءَ إلى ههنا لأستَقِي. فقالَ لها يسوعُ: ٱذهبي وٱدْعِي رجُلَكِ وهَلُمِّي إلى ههنا. أجابتِ المرأةُ وقالت: إنَّهُ لا رجُلَ لي. فقال لها يسوعُ: قد أحسَنْتِ بقولِكَ إنَّهُ لا رجُلَ لي. فإنَّهُ كان لكِ خمسَةُ رجالٍ والَّذي معَكِ الآنَ ليسَ رَجُلَكِ. هذا قُلتِهِ بالصِّدق. قالت لهُ المرأة: يا سيِّدُ، أرى أنَّكَ نبيٌّ. آباؤنا سجدوا في هذا الجَبَلِ وأنتم تقولون إنَّ المكانَ الَّذي ينبغي أن يُسْجَدَ فيهِ هُوَ في أورشليم. قال لها يسوعُ: يا ٱمرأةُ، صدِّقيني، إنَّها تأتي ساعةٌ لا في هذا الجبلِ ولا في أورَشَليمَ تسجُدونَ فيها للآب. أنتم تسجُدونَ لما لا تعلمون ونَحنُ نسجُدُ لما نعلَم، لأنَّ الخلاصَ هُوَ منَ اليهود. ولكن، تأتي ساعة وهيَ الآنَ حاضِرَة، إِذِ السَّاجِدُونَ الحقيقيُّونَ يَسجُدونَ للآبِ بالرُّوح والحقّ. لأنَّ الآبَ إنَّما يطلُبُ السَّاجِدِينَ لهُ مِثلَ هؤلاء. اللهُ روحٌ، والَّذين يسجُدون لهُ فبالرُّوح والحقّ ينبغي أن يسجُدوا. قالت لهُ المرأةُ: قد عَلِمْتُ أنَّ مَسِّيَّا، الَّذي يقالُ لهُ المسيحُ، يأتي. فمَتى جاءَ ذلك فهُوَ يُخبِرُنا بكُلِّ شيءٍ. فقال لها يسوعُ: أنا المتكلِّمُ مَعَكِ هُوَ. وعندَ ذلكَ جاءَ تلاميذهُ فتعجَّبوا أنَّهُ يتكلَّمُ مَعَ ٱمرأةٍ. ولكِنْ لم يَقُلْ أحدٌ ماذا تطلُبُ أو لماذا تتكلَّمُ مَعَها. فترَكَتِ المرأةُ جرَّتها ومضَتْ إلى المدينةِ وقالت للنَّاس: تعالَوا ٱنْظُرُوا إنسانًا قالَ لي كُلَّ ما فعلت. ألعلَّ هذا هُوَ المسيح! فخرجوا من المدينة وأقبلوا نْحوَهُ. وفي أثناء ذلكَ سألَهُ تلاميذُهُ قائلينَ: يا مُعلِّمُ كُلْ. فقالَ لهم: إنَّ لي طعامًا لآكُلَ لستم تعرِفونهُ أنتم. فقالَ التَّلاميذُ فيما بينهم: ألعلَّ أحدًا جاءَهُ بما يَأكُل! فقالَ لهم يسوعُ: إنَّ طعامي أنْ أعمَلَ مشيئَةَ الَّذي أرسلَني وأُتَــمِّمَ عملَهُ. ألستم تقولون أنتم إنَّهُ يكونُ أربعة أشهر ثمَّ يأتي الحصاد؟ وها أنا أقولُ لكم ٱرفعُوا عيونكم وٱنظُروا إلى المزارع، إنَّها قدِ ٱبْيَضَّتْ للحَصاد. والَّذي يحصُدُ يأخُذُ أجرةً ويجمَعُ ثمرًا لحياةٍ أبدَّية، لكي يفرَحَ الزَّارِعُ والحاصِدُ معًا. ففي هذا يَصْدُقُ القولُ إنَّ واحدًا يزرَعُ وآخرَ يحصُد. إنّي أَرْسَلْتُكُمْ لتحصُدُوا ما لم تَتْعَبُوا أنتم فيه. فإنَّ آخَرِينَ تَعِبُوا وأنتُم دخلتُم على تَعَبِهِم. فآمنَ بهِ من تلكَ المدينةِ كثيرونَ مِنَ السَّامِريِّينَ من أجلِ كلامِ المرأةِ الَّتي كانت تشهَدُ أن قدْ قالَ لي كلَّ ما فعلت. ولـمَّا أتى إليهِ السَّامِرِيُّونَ سألوهُ أن يقيمَ عِندَهُم، فمَكَثَ هناكَ يومين. فآمنَ جَمعٌ أكثرَ من أولئكَ جدًّا من أجل كلامِهِ، وكانوا يقولونَ للمرأةِ: لسنا من أجل كلامِكِ نُؤمِنُ الآن، لأنَّا نحنُ قد سَمِعْنَا ونَعْلَمُ أنَّ هذا هُوَ بالحقيقيةِ المسيحُ مُخلِّصُ العالَم.
حول الإنجيل
خلاص المرأة السَّامريَّة كان لا بُدَّ منه لذا ذهب الرَّبُّ نحو الخروف الضّال ليُقابلهُ ويضمَّهُ إلى رعيّته المُقدَّسَة حيث العُرْج والعُميان والزُّناة والبُرْص نالوا الشِّفاء الرُّوحيّ بعدما غسلوا أجسادَهم من الخطيئة واستبدلوا النِّعْمَة بدل الخطيئة لِيَصيروا فيما بعد سَواقٍ تغتذي من الينبوع الَّذي لا يَفْرَغ. مَنْ هي هذه المَرأة؟
أوَّلًا، اختبر الرَّبُّ يسوع في جسده الألم والتَّعب كإنسانٍ، فلا عذر لنا بأن لا نتعب على أنفسنا روحيًّا أو أن نتوقَّف أيضًا عن خدمة الآخَرين، فالمسافة الَّتي قطعها الرَّبّ من اليهوديَّة حتّى هذه البلدة طويلة، محتملًا مَشَقَّةَ السَّيْر في الحَرّ مِنْ أجلِ خلاصِ نفسٍ واحدة. وهذا التَّعب هو أيضًا تذكير بمسيرة الصَّليب الَّتي فيها عَطَشٌ وتَعَبٌ وألَمٌ ومَوْت للبلوغ إلى القيامة.
ثانيًا، المرأة السّامريّة، في البُعْد الرُّوحيّ، هي في موت بسبب الخطيئة ولم تستطع أن تميّز ما قاله لها الرَّبُّ بِبُعدِهِ الرُّوحيّ. تفكيرها مادّيّ وأمّا الرَّبّ فيذكّرها بالمصدر الأساسيّ الرّوحيّ وهو مصدر الغِنَى الحقيقيّ الَّذي يَسُدُّ كلَّ عطشٍ واحتياجٍ مادّيّ وروحيّ، إنّه الله الحقيقيّ الَّذي يُريد أنْ يعطينا كلّ شيء ومتى قبلنا عطاياه يرفعنا فوق كلّ العالم، ولن نعطش إلى الأبد. لذا، ظهر عَطَشُ هذه المرأة واضحًا عندما قالت: ”يَا سَيِّدُ أَعْطِنِي هذَا الْمَاءَ، لِكَيْ لاَ أَعْطَشَ وَلاَ آتِيَ إِلَى هُنَا لأَسْتَقِيَ“. فهي بهذا أبدتْ رغبةً كبيرةً لتكون مِنَ الخِراف معترفةً مع توبةٍ بحقيقتها...
ثالثًا، توبة هذه المرأة عن خطيئتها هي مثالٌ لنا جميعًا. الله لم يَدِنْها وهو الدَّيّانُ، بل كشفَ لها خطيئتها، بينه وبينها لكي تتوب وليس لإهلاكها. بهذا فإنّ الرَّبَّ يذكِّر كلَّ إنسانٍ بخطاياه ليس ليموت فيها، بل ليساعده أن يكون جريئًا وأن يقدّم اعترافه لله في قلبه وللكاهن، وهو الأمين على حَلِّهِ مِنْ خطاياه بسلطان الرَّبِّ يسوع المسيح. بهذه الخطوات يصبح الإنسان مُشابِهًا المرأة الَّتي ظهرَتْ أقوى مِنَ الرِّجال في محبَّتها لله.
العَيْشُ مع الله هو مَوْتٌ عن كلِّ شيء، نُحارِبُ إله العالم بسلاح النِّعَم الَّتي تفيض مِنَ المسيح نحو مُحبّيه الَّذين تركوا العالم ليكونوا سُرُجًا إلهيّةً تُنيرُ دَرْبَ المؤمنين نحو الخلاص.
نفرح ونتهلّل به
يشكّل الفرح طابع الحياة المسيحيّة. ينشأ الإيمان من البشارة الإنجيليّة، وكلمة إنجيل باليونانيّة تعني "البُشرى السّارَّة"، أو "الخبَر المُفرِح"، الإعلان الَّذي يجلب الفرح والرِّسالة الحاملَةُ الفَرَح. فالبشارة بالإنجيل تؤدّي إلى نَشْرِ مِلءِ الفرح على ضوء التَّدبير الإلهيّ الَّذي تممَّه الرَّبُّ يسوع وذروته القيامة مِنْ بين الأموات، عيد الفصح، الَّذي نفرح ونتهلّل به. التَّعبير عن الفرح، مَقرُون ومُلازِم للشَّهادة المسيحيّة وللتَّبْشير بالإنجيل ويكْمُنُ في صُلْبِ مفاعيلِ البِشارة وثِمارِ الإيمان.
وَرَدَتْ عبارة "فرح" 134 مَرَّةً في العهد القديم و136 في العهد الجديد. يُستهّل فرح العهد الجديد بولادَةِ يوحنّا حيث بَشَّرَ الملاكُ جبرائيلُ زكريّا قائلًا: "يكون لك فرحٌ وابتهاجٌ وكثيرون سَيَفْرَحُون بِوِلادَتِهِ" (لو 1: 14)، وأعلَمَ الملاك الرُّعاة بولادة الرَّبِّ يسوع قائلًا: "ها أنا أُبَشِّرُكُم بِفَرَحٍ عَظيم يكون لجميع الشَّعب" (لوقا 2: 10) أمّا المَجوس فلمّا رأَوْا النَّجمَ فوْقَ المَغارة "فرِحُوا فَرَحًا عظيمًا جدًّا" (مت 2: 10). أمَّا الفرح فكان الطّابع البارِز لبِشارَةِ الرَّبِّ يسوع وعجائِبِهِ لذلك "فرِحَ كلُّ الجمع بجميع الأعمالِ المَجيدَة الكائنةِ منه" (لو 13: 17).
وَعَدَ الرَّبُّ يسوعُ تلاميذَهُ بأنَّ حُزنَهُم سيَعْقبه الفرح، فأعلَنَ في العشاء الأخير قائلًا: "كلّمْتُكُم بهذا لكي يثبتَ فرحي فيكم ويكمل فـــرحـــكـــم" (يو 15: 11)، بالرُّغم مِنْ أنَّ العالم سيفرح وأنتُم تَبْكُونَ وتَنُوحُون "ولكنَّ حُزْنَكُم يتحَوَّل إلى فرح" (يو 16: 20) وعند القيامة "سأراكم أيضًا فتفرح قلوبكم ولا ينزع أحدٌ فرحَكُم منكم" (يو 16: 22).
سمعتْ النِّسوَة الحاملاتِ الطِّيبِ بشائرَ الفرح، وعلى وَقْعِ إعلانِ المَلاك قيامة الرَّبِّ يسوع، غادَرْنَ القبر "بِخَوْفٍ وفرحٍ عظيم" لتزفّنَّ الخبر للتَّلاميذ (مت 28 :7- 8). وبعدها "جاء يسوع ووقف في وسْط تلاميذه وقال لهم ”سلامٌ لكُم“. ولمّا قال هذا أراهم يَدَيْهِ وجنبَه. ففرح التَّلاميذ إذ رأَوْا الرَّبَّ" (يو 20: 19-20). لمْ يَعُد من قدرة للعالم على نزع الفرح من قلب التَّلاميذ لذلك على أثر صعود الرَّبّ "سجدوا له ورجعوا إلى أورشليم بفَرَحٍ عَظيم" (لو 24: 51) نقلوه إلى العالم أجمع.
إنَّ ما انجزَهُ الرَّبُّ يسوع لنا مُدعاةٌ للفرح العارِم. لقد حقّق ما يستحيل على الإنسان إتمامَهُ: الفِداء الكامِل ومغفرة الخطايا، والمُصالَحَة مع الله وعوْدَة الإنسان إليه. نِلْنَا هذا الأمر مَجّانًا دون أيِّ جهدٍ مِنّا، بالرُّغم مِنْ صَلابَةِ قلوبِنا وإرادتنا السَّاقطة، فقد أفاض الرَّبُّ يسوع علينا مفاعيل هذا الفداء بنعمته المجّانيّة، لذلك لا يَسَعْنا سوى أنْ نَفْرَحَ ونَتَهَلَّلَ على الدَّوام ونُذيعَ للعالَم أجمع أنَّ الرَّبَّ قامَ مِنْ الأموات وَوَهَبَ الجميعَ الحياةَ الأبدِيَّة.