Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد ١۲ تشرين الثّاني ۲٠١٧

العدد ٣١

الأحد (٨) من لوقا 

اللّحن ٦- الإيوثينا ١

كلمة الرّاعي

الرِّياء

”أَوَّلاً تَحَرَّزُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَمِيرِ الْفَرِّيسِيِّينَ الَّذِي هُوَ الرِّيَاءُ“

(لوقا ١٢: ١)

لغة الرياء مشتق من الرؤية، وهو الإتيان بالعمل ليراه الآخرون، فيكون العمل لأجلهم، وهو السُّمعة  أي الإتيان بالعمل ليسمع الآخرون به، وهو أن يقوم الشخص بعمل ما ليثني عليه الناس لا ابتغاء لمرضاة الله، وهو أيضًا أن يكون الظَّاهِر مخالفًا للباطن، أو أن يقول الشخص ما لا يعتقده.

*           *           *

من أين يأتي الرِّياء ولماذا يسلك الإنسان فيه؟ مصدره الإلحاد أي عدم الإيمان بوجود إله يعرف خفايا القلوب والنّفوس. قد لا يكون المُرائي ملحِدًا في الظّاهر، بالعكس هو يَتَمَظْهَرُ بمظهر الإيمان، عادة، ولكنه ملحد عمليًّا لأنّه لا يحيا في حَضْـرَة الله الدّائمة، أي هو لا يشعر بحضور الله معه كما أنّه لا يلتَمِسُ هذا الحضور، بل همّه صورته أمام النّاس الَّذين يعتبرهم مهمّين في حياته لأنّه يَسْتَمْدِدُ منهم وجودًا وكيانًا له في العالم، أي هو يعتَبِرُ نفسَه حيًّا طالما هم يعترفون به. بناء عليه، غاية المُرائي إرضاء النّاس الَّذين يعطونه كينونته، وقد يكون هؤلاء أغنياء أو فقراء، شبّانًا أو كهولًا، مثقّفين أو جهَّالًا، إلخ. فالمهمّ هو ما يأخذه منهم بتملّقه لهم وإرضائهم.

*           *           *

يحذِّرنا الرّبّ من ”الرِّياء“ أي ”خمير الفريسيين“. الخمير يخمِّر العجين كلّه. هنا الخطورة في خمير ”الفريسيين“ أي رجال الدّين أو مَن هم، في نظر النّاس، يمثّلون شخصيّة معنويّة دينيّة. قد يكون هؤلاء من العاملين في مجالس الرعايا أو وكلاء الأوقاف أو من العاملين مع الشبيبة والطفولة وما إلى ذلك... كلّ هؤلاء هم ”خمير“ دوره أن يخمِّر العجين الَّذي هو ”أبناء الملَّة“، هؤلاء عملهم أن يخمِّروا ”أبناء الملّة“ ليصيروا ”أبناء الكنيسة“ و”أبناء الله“.

من هنا الخطورة الكبرى على الكنيسة إذا كان هؤلاء ”خميرًا“ سيِّئًا أي ممتلئين رياءً. حينها يصير هؤلاء فَعَلَةً للشّرّير يخربون حقل الرّبّ.

*           *           *

العاملون في حقل الرّبّ والَّذين يدَّعون الحفاظ على الإيمان والتَّمسُّك به مسؤوليّتهم كبيرة جدًّا لأنّ عملهم هو أمام الله ”فاحص القلوب والكلى“ (مزامير ٧: ٩)، وهم القدوة في نظر النَّاس، وهم الشُّهود الأوّلين للحقّ في العالم (هكذا ينبغي ان يكونوا). لذلك، مخيف ما يقوله الرّسول بولس بأنّ ”اسْمَ اللهِ يُجَدَّفُ عَلَيْهِ بِسَبَبِكُمْ بَيْنَ الأُمَمِ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ“ (رومية ٢: ٢٤).

*           *           *

ايُّها الأبناء الأحبَّاء، نحن المسيحيين وخاصَّة منّا الإكليروس والرّهبان والرّاهبات والمكرَّسين والمكرَّسات والعلمانيين والعلمانيَّات والَّذين يزعمون أنّهم أبناء الكنيسة، الَّذين يشاركون في الصّلوات والقداديس والسّهرانيَّات، الَّذين يخدمون المحتاجين ويصنعون عمل الإحسان ...، كلُّنا حسابنا دقيق وكبير أمام الله إذ ”عَمَلُ كُلِّ وَاحِدٍ سَيَصِيرُ ظَاهِرًا لأَنَّ الْيَوْمَ سَيُبَيِّنُهُ. لأَنَّهُ بِنَارٍ يُسْـتَعْلَنُ، وَسَـتَمْتَحِنُ النَّارُ عَمَلَ كُلِّ وَاحِـدٍ مَا هُوَ“ (١ كورنثوس ٣: ١٣).

لا نستطيع أن نكذب على الله، فلنعمل على أن نكون شهودًا أمناء للحقّ. لا نسلكنَّ بالمراءاة لأنّ الرّبَّ سيمُجُّنا إذ كنَّا جبناء وخونة وزناة بإزائه.

الإنسان المؤمن حقًّا هو الصَّادِق الَّذي لا يعوِّج الحقّ ولا يقول عن البرِّ فسادًا ولا عن الفسادِ برًّا، هو المستقيم القلب والنّيّة الَّذي لا يهاب وجه إنسان لأنّه ”يخاف الله“، هو من لا يحابي الوجوه بل يُصلِحُ الخاطِئ بالمحبَّة والدَّعة، هو الَّذي يعرف خطاياه وحياته توبة مستمرَّة، هو من لا يَدين أحدًا لأنَّ الدينونة لله، هو من يصلِّي لخلاص ”كلّ شعوب العالم“ لأنّه ذاق حلاوة ربّنا يسوع المسيح بنعمة الرّوح القدس المعزِّي الَّذي ”يرفّ“ على وجه غمر هذه الحياة ليضبط ويصلح ويمنح القداسة لطالبيها.

ومن له أذنان للسمع فليسمع.

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما للروم الأرثوذكس

طروباريّة القيامة (اللّحن السّادس)

إِنَّ القوَّاتِ الملائِكِيَّة ظَهَرُوا على قبرِكَ الـمُوَقَّر، والحرَّاسَ صَارُوا كَالأَموات، ومريمَ وَقَفَتْ عندَ القَبْرِ طَالِبَةً جَسَدَكَ الطَّاهِر، فَسَبَيْتَ الجَحِيمَ ولَمْ تُجَرَّبْ مِنْهَا، وصَادَفْتَ البَتُولَ مَانِحًا الحَيَاة، فَيَا مَنْ قَامَ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ، يَا رَبُّ المَجْدُ لَك.

طروباريّة القدّيس يوحنّا الرّحيم  (اللّحن السّادس)

بِصبرِكَ قد نلتَ ثوابَكَ أيّها البارّ. مُعتَكِفًا على الصّلواتِ بغيرِ انقطاعٍ. مُحِبًّا المساكينَ. وكافِيًا إيَّاهم.  فتشفَّع إلى المسيح الإله يا يوحنَّا الرَّحيم المغبوط أن يخلِّصَ نفوسَنا.

قنداق دخول السيّدة إلى الهيكل (باللّحن الرّابع)

إنّ الهيكلَ الكلّيَّ النَّقاوة، هيكلَ المخلّص، البتولَ الخِدْرَ الجزيلَ الثَّمن، والكَنْزَ الطَّاهِرَ لْمجدِ الله، اليومَ تَدْخُلُ إلى بيتِ الرَّبّ، وتُدخِلُ معَها النِّعمةَ الَّتي بالرّوحِ الإلهيّ. فَلْتُسَبِّحْها ملائكةُ الله، لأنّها هي المِظلَّةُ السَّماويّة.

الرّسالة (٢ كورنثوس ٦:٩-١١)

يا إخوة، إِنَّ مَنْ يَزْرَعُ بِالشُّحِّ فَبِالشُّحِّ أَيْضاً يَحْصُدُ، وَمَنْ يَزْرَعُ بِالْبَرَكَاتِ فَبِالْبَرَكَاتِ أَيْضاً يَحْصُدُ. كُلُّ وَاحِدٍ كَمَا يَنْوِي بِقَلْبِهِ، لَيْسَ عَنْ حُزْنٍ أَوِ اضْطِرَارٍ. لأَنَّ الْمُعْطِيَ الْمَسْرُورَ يُحِبُّهُ اللهُ. وَاللَّهُ قَادِرٌ أَنْ يَزِيدَكُمْ كُلَّ نِعْمَةٍ، لِكَيْ تَكُونُوا وَلَكُمْ كُلُّ اكْتِفَاءٍ كُلَّ حِينٍ فِي كُلِّ شَيْءٍ، تَزْدَادُونَ فِي كُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ. كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: فَرَّقَ. أَعْطَى الْمَسَاكِينَ. بِرهُ يَبْقَى إِلَى الأَبَدِ. وَالَّذِي يُقَدِّمُ بِذَاراً لِلزَّارِعِ وَخُبْزاً لِلأَكْلِ، سَيُقَدِّمُ وَيُكَثِّرُ بِذَارَكُمْ وَيُنْمِي غَلاَّتِ بِرِّكُمْ. مُسْتَغْنِينَ فِي كُلِّ شَيْءٍ لِكُلِّ سَخَاءٍ يُنْشِئُ بِنَا شُكْراً لِلَّهِ.

الإنجيل (لوقا ٢٥:١٠-٣٧)

في ذلك الزمان دنا إلى يسوعَ ناموسيٌّ وقال مجرِّباً لهُ يا معلّمُ ماذا أَعملُ لأَرِثَ الحياةَ الأبديَّة* فقال لهُ ماذا كُتِبَ في الناموس. كيف تقرأُ* فأجابَ وقال لهُ أَحبِبِ الربَّ الَهكَ من كلّ قلبِك ومن كلّ نفسِك ومن كلّ قدرتِك ومن كلّ ذهنِك وقريبَك كنفسِك* فقال لهُ بالصواب أجبتَ. اِعمَلْ ذلك فتحيا* فأراد أن يُزَكِّيَ نفسَهُ فقال ليسوعَ ومَن قريبي* فعاد يسوع وقال كان إنسانٌ منحدِراً من أورشليمَ إلى أريحا فوقع بين لصوصٍ فَعَرَّوهُ وجرَّحوهُ وتركوه بين حيٍّ وميّتٍ* فاتَّفق أنَّ كاهناً كان منحدِراً في ذلك الطريقِ فأبصرهُ وجازَ من أمامهِ* وكذلك لاوِيٌّ وأتى إلى المكانِ فأبصرهُ وجازَ مِن أمامهِ* ثمَّ إِنَّ سامِريّاً مسافِراً مرَّ بهِ فلمَّا رآهُ تحنَّن* فدنا إليه وضَمَّدَ جراحاتهِ وصَبَّ عليها زيتاً وخمراً وحملَهُ على دابَّتهِ وأتى بهِ إلى فندقٍ واعتنى بأمرهِ* وفي الغدِ فيما هو خارجٌ أَخرَجَ دينارَيْنِ وأعطاهما لصاحِبِ الفندقِ وقال لهُ اعْتَنِ بأمرهِ. ومهما تُنفِق فوقَ هذا فأنا أدفَعهُ لك عند عودتي* فأيُّ هؤُّلاءِ الثلاثةِ تَحسَبُ صارَ قريباً للَّذي وقعَ بين اللصوص* قالَ الَّذي صنعَ إليهِ الرَّحمة. فقال لهُ يسوع امْضِ فاصنَعْ أنتَ أيضاً كذلك.

حول الإنجيل

استهلّ النّاموسيّ، في هذا المثل الإنجيليّ، حوارهُ مع الربّ يسوع بطرحهِ السؤال التالي: "ماذا أعمل لأرث الحياة الأبديّة؟". ثم أجاب هو نفسه عندما كلّمه الربّ يسوع سائلاً إيّاه: "ما هو مكتوبٌ في الناموس؟ كيف تقرأ؟" اضطرّ النّاموسيّ إلى الاعتراف بأن محبّة الله الكاملة ومحبّة القريب كأنفسنا يُدخِلان فينا الحياة الأبديّة. عندئذٍ قال له المسيح: "افعل هذا فتحيا". ولكنّ الإنسان الذي عاش حرفيّة الناموس كان لديه مشكلتان أساسيّتان:

أوّلاً، لم يقدر أن يفهَم شموليّة المحبّة. ميّز بين الناس من يهود وسامريّين، بين أناس آمنوا بالإله الحقيقيّ وأمميّين عابدي أوثان. لم يقدر أن يستوعب أنّ الذي هو من ديانةٍ أخرى أو متعدٍّ للشريعة هو "قريبه"، فكانت محبّته محدودة.

ثانياً، شعرَ بحاجةٍ ماسّة لأن يكون بارّاً، كما يوصي الناموس، ولكنّه أحسّ بالمقابل أنه لم يستجب كليّاً لوصيّة "أحبب قريبكَ كنفسك". لم يستطع رفضها لأنها وصيّة من سفر اللاويّين (١٩: ١٨)، ولم يتمكّن من إهمالها من دون تنفيذ. لذا سأل مريداً أن يبرِّرَ نفسَه: "ومَن هو قريبي؟". أمّا الجواب، من خلال المثل، فبدأ بتصحيح صياغة السؤال بطريقة أخرى، لا بقول "من هو قريبي؟" بل "كيف عليَّ أن أصبحَ قريباً للآخَرين؟"، ثم أوضحَ أنّ كلَّ إنسانٍ يمكن أن يصبحَ قريبنا، لذلك يجب ألاّ نسجن محبّتنا في قفص العنصريّة، أو في حدود الطائفيّة. فالكاهن واللاويّ كانا يعبدان الله، غير أنّهما خشيا الاقتراب من جريح اللصوص. أمّا السامريّ "الغريب الجنس"، مع أنّه لا ينتمي إلى الشعب المتفاخر بحفظ الشريعة، فقد طبّق الشريعة بحذافيرها. أظهرَ محبّةً عمليّة، مُخاطِراً بحياته، وهكذا أصبح "الذي صنع الرحمةَ" قريباً "للذي وقع بين اللصوص". إذاً، نصبح أقرباء للآخرينَ عندما نحبّ من دون تمييز. ولعلّ هذا هو "عدم التمييز" الوحيد الذي نُسامَح عليه.

إلاّ أنّ هذه المحبّة التي تميّز الحقّ من الباطل، ولا تميّز بين الناس في حاجاتهم، ليست بالأمر السهل. ليست عاطفة سطحيّة متقلّبة، إنما هي نتيجة جهادٍ كبير ونهاية ما ينتج عن ممارسة الجهاد النسكيّ. إذا أردنا أن نصفَ هدفَ الحياة الكنسيّة، نستطيع القول إنّها اقتناء هذه المحبّة غير المحدودة التي لا تطلب ما لنفسها. آمين.

في تنشئة الأولاد

للقدّيس باييسيوس الآثوسيّ

مرّاتٍ كثيرة، يجرِّحُ الأهلُ الولدَ، وخاصّةً الأم، لفوضى ارتكبها، ويؤنّبونه بشدّة. عندها ينجرح هذا الولد، يفهم  ويلاحظ من خلال انفعالك الداخليّ أو من خلال نظرتك الغاضبة له أنّك تؤنّبه، وإن لم يكن هذا التأنيب ظاهريّاً. عندها يعتقد الولد أنّ الأمّ لا تحبّه. فيسألها:

- أتحبّينني، يا أمّي؟

- أجل، يا ولدي، أحبّكَ.

لكنّه لا يقتنع. إنّه قد جُرِح. تحبّه أمّه، ستدلّله فيما بعد، لكن الولد يدير رأسه عن دلال أمّه. لا يتقبّل الغنج، يظنّ أنّ هذا خبثاً ورياءً لأنّه قد جُرِح.

شيء آخر يؤذي الأولاد، هو إفراط الأهل في الرعاية، أي الإفراط في العناية والمبالغة في شغل البال والقلق. اسمعوا هذا الحدث: أمّ كانت تشكو لي أنّ ابنها البالغ من العمر خمس سنوات، كان لا يُطيعُها . كنتُ أقول لها أنتِ تُخطئين. لم تفهم قَوْلي. وفي مرّةٍ من المرّات ذهبنا بسيّارة تلك الأم في نزهة إلى شاطئ البحر وكان ابنها معنا وهناك أفلتَ الصـغير من يدها وركض نحو البحر. وعلى الشاطئ تجمّعت كومة رمل، انبسط البحر فجأة من خلفها. قلقتْ الأم وكادتْ أن تصـرخ، لأنّها شاهدت ابنها على كومة الرمل ويداه ممدودتان ليتوازن. هدّأتُ أنا من روعها، حينها أدارتْ ظهرها نحو الابن وكنتُ أراقبها بطرف العين. عندما قطع الولد الأمل من إثارة أمّه ودفْعِها إلى الصراخ كالعادة، نزل هادئاً شيئاً فشيئاً واقترب منّا.

وهذا ما حدث! عندها تلقَّنتِ الأمُّ درساً في التربية الصحيحة.

أمّ أخرى كانت تشكو أنّ ابنها الوحيد لم يكن يأكل أصناف الأطعمة كلّها وخصوصاً اللبن. وكان هذا الصغير في الثالثة من عمره على وجه التقريب وكان يعذِّب أُمّه كلّ يوم. قلتُ لها: ستفعلين ما يلي، ستفرغين الثلاّجة من كلّ الأطعمة وتضعين مكانها كميّة معيّنة من اللبن وستعانون أنتم الأهل والأولاد لبضعة أيّام. عندما يحين وقت الطعام ستعطين ”بطرسَ“ لبناً. من المؤكد أنه لن يأكله. عند المساء قدّمي له الطعامَ نفسه. في اليوم التّالي الشيءَ نفسه. أخيراً سيجوع  وسيبكي، ويصرخ. ستتحمّلون هذا كلّه، لكن فيما بعد سيأكل اللبن  بطيبة خاطر. وهكذا حصل، أصبح اللبن الطعام المفضَّل لبطرس.

هذا ليس صعبًا. ولكن أُمّهات كثيرات لا يتبعنَ هذا النظام، فيُلقِّنَّ أَولادهنَّ تربيةً سلبيّةً جدّاً. أُمّهات يلاحقنَ أَولادهنَّ دائماً ويضغطنَ عليهم، أي يُفرِطْنَ بالعناية بهم، يفشلْنَ في عملهِنَّ. في وقت ما يجب عليك أن تترك الولد يهتمّ وحده لتقدُّمه، عندها ستنجح. عندما تلاحق أَولادكَ باستمرار، تنطلق منهم ردّة فعل، فيتكاسلون ويضعفون وغالباً يفشلون في حياتهم.

هذا النوع من الإفراط في الحماية، يترك الأولاد غير ناضجين.

من سيرة القدّيس يوحنّا الرّحيم

ولد القدّيس يوحنا في العام ٥٥٥ للميلاد في بلدة أماثوس القبرصية وفيها رقد في العام ٦١٩. كان والده أبيفانيوس أحد المتنفذين في الحكم في جزيرة قبرص: هذا كانت له على ابنه سطوة. تلقى نصيباً من العلم لا بأس به، ويبدو أنه نشأ على مخافة الله. ولما بلغ زوّجه والده عنوة فأنجب جملة أولاد. لكن، كانت له مع ربّه غير قصّة ولله في قدّيسيه غير أحكام، فقد رقدت زوجته وكذا أولاده في زهرة العمر وتركوه وحيداً إلى ربه.

يوحنا بطريركاً

ثم فجأة ظهر قصد الله فيه. ففي العام ٦٠٩ أو ربما ٦١٠ للميلاد انتزع نيقيتا، قريب الإمبراطور هرقل، الإسكندرية إثر الفوضى التي دبّت في الإمبراطورية بعد المؤامرة التي دبّرها فوقا. وإذا بيوحنا، الرجل العامي، يبرز كبطريرك على المدينة. ظروف ارتقائه السدّة المرقسية لا نعرفها ولا تفاصيل انتقاله عبر الدرج الإكليريكي. موسكوس وصوفرونيوس ذكرا أنه كان أخاً لنيقيتا بالتبني فيما ورد في نص ليونتيوس أنه صار عرّاباً لأولاد الحاكم الجديد. في كل حال صار قديسنا بطريركاً على الإسكندرية واتخذ اسم يوحنا الخامس. وقد أظهرت الأيام أنه رغم ما غلّف اختياره من أمور غير عادية فإن ما جرى كان بتدبير من الله.

بلاد مصر يومها كان أكثرها من أصحاب الطبيعة الواحدة. وثمة من يقول أنه عندما اعتلى يوحنا الأسقفية لم يكن في الإسكندرية غير سبع كنائس أرثوذكسية. بيد أنه عندما غادرها كان العدد قد بلغ السبعين.

يروى عنه أنه قبل تصييره بطريركاً جمع خدّام البطريركية وعمّال الخزينة وأمرهم بإجراء مسح في المدينة لمن أسماهم "أسياده" وأن لا يغفلوا أحداً. ولما تساءلوا مستغربين من عساهم يكونون "أسياد" البطريرك هؤلاء أجابهم: "أن الذين تدعونهم أنتم فقراء وشحاذين، هؤلاء أعلنهم لي سادة ومجيرين، لأنهم وحدهم القادرون على مساعدتنا، وهم الذين يمنحوننا ملكوت السماوات". وللحال انطلق الخدّام يبحثون عن "الفقراء الأسياد". ولما أنجزوا المهمة أتوه بلائحة فيها سبعة آلاف وخمسماية اسم. هؤلاء أمر يوحنا لهم بما كان مدخراً في صندوق البطريركية، ثمانية آلاف ذهبية وأن يتولى الشمامسة سدّ حاجاتهم من دخل البطريركية، يوماً فيوماً. فقط إذ ذاك دخل الكنيسة في موكب وتمّ تصييره بطريركاً.

انقر هنا لتحميل الملف