نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
الأحد 12 أيار 2019
العدد 19
الأحد (2) بعد الفصح- (حاملات الطّيب)
اللّحن 2- الإيوثينا 4
أعياد الأسبوع: *12: حاملات الطّيب القدّيسات، ابيفانيوس أسقف قبرص، جرمانوس رئيس أساقفة القسطنطينيّة *13: الشّهيدة غليكاريّة ولاوذيسيوس *14: إيسيذورس المستشهد في خيو، ثارابوندُس أسقف قبرص *15: البارّ بخوميوس الكبير، أخلِّيوس العجائبيّ (لارسا) *16: البارّ ثاوذورس المتقدِّس *17: الرَّسولان أندرونيكوس ويونياس *18: الشُّهداء بطرس ورفقتهم، القدِّيسة كلافذيَّة.
كلمة الراعي
دور المرأة وخدمتها في الكنيسة
في هذا الأحد، نُعيّد لحاملات الطّيب اللّواتي كُنَّ يُرافقن الرَّبّ يسوع في رحلاته التّبشيريّة ورافقنه على القبر عندما دفن يوسف الرَّاميّ جسده وذهبن باكرًا إلى قبره ليُطيّبن جسده وهُنَّ كُنّ أوّل مَنْ تقبَّل بشرى القيامة ونقلنها إلى الرُّسل، فَصِرْنَ كارزات بالقيامة قبل الرُّسُل أنفسهم. مِنْ هؤلاء "بَعْضُ النِّسَاءِ كُنَّ قَدْ شُفِينَ مِنْ أَرْوَاحٍ شِرِّيرَةٍ وَأَمْرَاضٍ: مَرْيَمُ الَّتِي تُدْعَى الْمَجْدَلِيَّةَ الَّتِي خَرَجَ مِنْهَا سَبْعَةُ شَيَاطِينَ وَيُوَنَّا امْرَأَةُ خُوزِي وَكِيلِ هِيرُودُسَ وَسُوسَنَّةُ وَأُخَرُ كَثِيرَاتٌ كُنَّ يَخْدِمْنَهُ مِنْ أَمْوَالِهِنَّ" (لو 8: 2 - 3). أمر مهمّ جدًّا ما كانت تفعله هذه النِّسوة إذ كنَّ مساهمات في عمل البشارة ومرافقات للرَّبّ وفاعلات في الخدمة. الرَّبّ يسوع المسيح أفسح المجال للمرأة لأن تكون شريكة في خدمة الكرازة مع التّلاميذ. ولدينا العديد من الأمثلة من القدّيسات المُسمّيات بــ "المُعادلات الرُّسُل" واللّواتي بشّرَن وكرزن بالرَّبّ القائم من بين الأموات كمريم المجدليّة وتقلا ونينا مُبشّرة جورجيا وغيرهنَّ ...
يخبرنا بولس الَّرسول عن الشّمّاسة فيبي الّتي كان لها دور مهمّ في كنيسة كنخريا ويطلب أن يكون لها كلّ الإكرام والتّقدير لخدمتها للقدّيسين: "أُوصِي إِلَيْكُمْ بِأُخْتِنَا فِيبِي الَّتِي هِيَ خَادِمَةُ الْكَنِيسَةِ الَّتِي فِي كَنْخَرِيَا كَيْ تَقْبَلُوهَا فِي الرَّبِّ كَمَا يَحِقُّ لِلْقِدِّيسِينَ وَتَقُومُوا لَهَا فِي أَيِّ شَيْءٍ احْتَاجَتْهُ مِنْكُمْ لأَنَّهَا صَارَتْ مُسَاعِدَةً لِكَثِيرِينَ وَلِي أَنَا أَيْضًا" (رو 16: 1 - 2).
* * *
في الكنيسة كان يوجد فئات من النّساء والفتيات المُكرَّسات، الأرامل والعذارى والشّمّاسات. استمرّت هذه الخدم وكرّستها الكنيسة المُقدّسة بقوانينها. بحسب "تعليم الرُّسُل" (من القرن الثّالث مسيحي) و"التّقليد الرّسوليّ" (من القرن الرّابع مسيحي) نعرف أنّ الشّمّاسة كانت تنال وضع اليد مِنْ قِبَل الأسقف وتُرْسَم إلى رتبة الشّمّاسيّة. يجب على الشّعب وباقي الإكليروس احترامها وتقديرها في مقام الرُّوح القُدُس. يُمنَح لها دورٌ تبشيريّ في المجتمع. لها دورٌ في مساعدة خادم سِرِّ العماد في وقت عماد النّساء. لها دورٌ تعليميّ للنِّساء الجُدُد المُعتمدات. هناك فرقٌ واضح بينهنّ وبين الأسقف من جهة، وبينهُنَّ وبين الكاهن والشّمّاس من جهةٍ أخرى، إذ لا يُسمَح لَهُنَّ القيام بسِرّ المعموديّة. لهنّ دورٌ وسيط بين الأسقف وباقي النّساء وبهذا فمكانتهنّ كانت ذات طابع إداريّ ومسؤول. كما كانت الشّمّاسات تنقل المناولة المُقدَّسة للنّساء المريضات في بيوتهنّ. ونجد في "التّقليد الرّسوليّ" نصًّا واضِحًا بما يختصّ بدور الشّمّاسة في الإرشاد والرّعايَة للنّساء بناءً على توصيات الأسقف، إذ تتبع الشّمّاسات كما الشّمامسة الأسقف مباشرةً، حيث نسمع بأنّه "لا يُسمَح لأيّ امرأة مُخاطبة الشّمّاس أو الأسقف من دون الشّمّاسة".
* * *
في هذه العجالة ليس لنا أن نخوض أكثر في تاريخ هذه الخدمة، ولكن من الواضح أنّ خدمة شموسيّة النّساء استمرّت في الكنيسة إلى زمن متأخّر واختفت بعد سقوط الإمبراطوريّة الرُوميّة في يد العثمانيّين (القرن 15 م.). مع ذلك، نجد هنا وهناك رِسامات لشَمّاسات وحاجة لدورهنّ. فالقدّيس نكتاريوس العجائبيّ رسم شمّاستَيْن في دير آيينا، ومؤخَّرًا أعاد مجمع الإسكندريّة خدمة الشّموسيّة هذه ورسم البطريرك الحالي ثيوذوروس الثّاني، بوضع اليد، في 17 شباط 2017 خمس شمّاسات ليخدمنَ في عمل البشارة والتّعليم.
للمرأة دور مُهِمّ وخدمة كبيرة في الكنيسة، واليوم أبواب العمل التّعليميّ والتّربويّ والاجتماعيّ المَسيحيّ بروح البشارة مفتوحة للمُكَرَّسات وللمتزوّجات. للمرأة والفتاة طاقة كبيرة ونِعَم كثيرة يمكنها استثمارها في خدمة البشارة والرّعايَة، مع الرَّجُل أكان إكليريكيًّا أم علمانيًّا في التّكامل بتناغم المواهب لأجل مجد الرَّبّ تحت رعاية الأسقف وإرشاده.
الكنيسة حيّة وتقليدها حيّ لأنّ عمل الرُّوح القُدُس لا يتوقّف ولا يُحدّ، ففي كلّ ظرف كانت الكنيسة بالهام الرُّوح الفاعل فيها تُنشِئ وتبتكر خدمًا لأجل رعاية وعناية أفضل بأبنائها بحسب كلّ ظرف وكلّ عصر لمجد اسم الثّالوث القُدّوس ...
"مَنْ لَهُ أُذُنٌ فَلْيَسْمَعْ مَا يَقُولُهُ الرُّوحُ لِلْكَنَائِسِ" (سفر رؤيا يوحنّا اللّاهوتيّ 2: 7، 11، 17، 29 و3: 6، 13، 22).
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما
طروباريّة القيامة (باللَّحن الثاني)
عندما انحدرتَ إلى المَوْت. أَيُّها الحياةُ الَّذي لا يَموت. حينئذٍ أَمَتَّ الجحيمَ بِبَرْقِ لاهوتِك. وعندما أقمتَ الأمواتَ من تحتِ الثَرى. صرخَ نحوكَ جميعُ القُوّاتِ السّماويّين. أَيُّها المسيحُ الإله. مُعطي الحياةِ المَجدُ لك.
طروبارية ليوسف الرّامي(باللَّحن الثاني)
إنّ يوسفَ المُتَّقي أحدَرَ جسدكَ الطّاهر من العود. ولَفَّهُ بالسَّباني النّقيّة وحنّطَهُ بالطّيب، وأضجعهُ في قبرٍ جديد ووضعهُ فيه. لكنّك قُمتَ لثلاثة أيّام يا ربّ مانحًا العالم عظيم الرَّحمة.
طروبارية أحد حاملات الطّيب (باللَّحن الثاني)
إنّ الملاك قد حَضَرَ عند القبر قائلًا للنّسوة حاملات الطّيب. أمّا الطّيب فهو لائقٌ بالأموات، وأمّا المسيح فقد ظهر غريبًا من الفساد. لكن اصرخنَ قائلاتٍ، قد قام الرَّبُّ مانحًا العالم عظيم الرّحمة.
قنداق الفصح (باللَّحن الثّامن)
وَلَئِنْ كُنْتَ نَزَلْتَ إلى قبرٍ يا مَن لا يموت، إِلَّا أَنَّكَ دَرَسْتَ قُوَّةَ الجحيم، وقُمْتَ غالِبًا أَيُّها المسيحُ الإله، وللنِّسوَةِ حامِلاتِ الطِّيبِ قُلْتَ افْرَحْنَ، ولِرُسُلِكَ وَهَبْتَ السَّلام، يا مانِحَ الواقِعِينَ القِيَام.
الرّسالة (أع 6: 1– 7)
قُوَّتي وتسبِحَتي الرَّبُّ أَدَبًا أَدَّبَنِي الرَّبُّ
وإلى الموت لم يُسْلِمْنِي
في تلك الأيَّام، لـمَّا تكاثَرَ التَّلاميذ، حدثَ تَذَمُّرٌ من اليونانييِّن على العبرانييِّن بأنَّ أرامِلَهُم كُنَّ يُهْمَلْنَ في الخدمة اليوميَّة. فدعا الإثنا عَشَرَ جُمهورَ التَّلاميذ وقالوا: لا يَحْسُنُ أنْ نترُكَ نحن كلمةَ اللهِ ونخدمَ الموائد، فانتَخِبُوا أيُّها الإخوةُ منكم سبعةَ رجالٍ مشهودٍ لهم بالفضل، ممتَلِئِين من الرُّوح القدس والحكمة، فنقيمَهُم على هذه الحاجة، ونواظِبَ نحن على الصَّلاة وخدمةِ الكلمة. فَحَسُنَ الكلامُ لدى جميع الجمهور، فاختاروا استفانُسَ رجلاً ممتلِئًا من الإيمان والرُّوح القدس، وفيلبُّسَ وبروخورُسَ ونيكانُورَ وتيمُنَ وبَرْمِنَاسَ ونيقولاوُسَ دخيلاً أنطاكيًّا. وأقاموهم أمام الرُّسُل، فَصَلَّوْا ووضَعُوا عليهم الأَيْدِي. وكانت كلمةُ الله تنمو وعددُ التَّلاميذِ يتكاثَرُ في أورشليمَ جدًّا. وكان جمعٌ كثيرٌ من الكهنةِ يطيعونَ الإيمان.
الإنجيل )مر 15: 43– 47، 16: 1-8)
في ذلكَ الزَّمان، جاءَ يوسفُ الَّذي من الرَّامة، مُشِيرٌ تَقِيٌّ، وكان هو أيضًا منتَظِرًا ملكوتَ الله. فاجْتَرَأَ ودخلَ على بيلاطسَ وطلبَ جسدَ يسوع. فاسْتَغْرَبَ بيلاطُسُ أنَّه قد ماتَ هكذا سريعًا، واستَدْعَى قائدَ المئةِ وسأَلَهُ: هل له زمانٌ قد مات؟ ولـمَّا عرفَ من القائد، وَهَبَ الجسدَ ليوسف. فاشتَرَى كَتَّانًا وأَنْزَلَهُ ولَفَّهُ في الكَتَّان، ووضعَهُ في قبرٍ كان منحوتًا في صخرةٍ، ودحرج حجرًا على باب القبر. وكانت مريمُ المجدليَّةُ ومريمُ أمُّ يوسي تنظُران أينَ وُضِعَ. ولـمَّا انْقَضَى السَّبْتُ، اشتَرَتْ مريمُ المجدليَّةُ ومريمُ أمُّ يعقوبَ وسالومَةُ حَنُوطًا ليَأْتِينَ ويَدْهَنَّهُ. وبَكَّرْنَ جدًّا في أوّل الإسبوع وأَتَيْنَ القبرَ وقد طَلَعَتِ الشَّمس، وكُنَّ يَقُلْنَ في ما بينَهُنَّ: مَنْ يُدحرِجُ لنا الحجرَ عن بابِ القبر؟ فَتَطَلَّعْنَ فَرَأَيْنَ الحجرَ قَدْ دُحْرِجَ لأنَّه كان عظيمًا جدًّا. فلمَّا دَخَلْنَ القبرَ رأيْنَ شابًّا جالِسًا عن اليمينِ لابِسًا حُلَّةً بيضاءَ فانْذَهَلْنَ. فقال لَـهُنَّ: لا تَنْذَهِلْنَ. أَنْتُنَّ تَطْلُبْنَ يسوعَ النَّاصِرِيَّ المصلوب. قد قام. ليس هو ههُنا. هوذا الموضِعُ الَّذي وضعُوه فيه. فاذْهَبْنَ وقُلْنَ لتلاميذِه ولبطرسَ إنَّه يسبِقُكُم إلى الجليل، هناك تَرَوْنَهُ كما قالَ لكم. فَخَرَجْنَ سريعًا وفَرَرْنَ من القبرِ وقد أَخَذَتْهُنَّ الرِّعْدَةُ والدَّهَش. ولم يَقُلْنَ لأَحَدٍ شيئًا، لأنَّهُنَّ كُنَّ خائِفَات.
حول الرسالة
لقد حَدَثَ الإهمالُ بسببِ كثرةِ عَدَدِ التَّلاميذ، فَحَصلَ التَّذَمُّر. والمسيحيُّون، في ذلك الوقت، كانوا يتعرَّضُونَ، مِنَ الخارج، لإزعاجات كثيرة، للجَلْدِ والاضطهادات المتنوِّعَة. وكانت تلكَ الإزعاجات كفيلةً بِـجَعْلِهِم يَتَذَمَّرُون. إلَّا أنَّ التَّذَمُّرَ المذكور هُنا هُو من نوعٍ آخَر، ناجِمٌ عن شُؤون داخليَّة، وتحديدًا بسبب تكاثُر عدد التَّلاميذ. فواضح أنَّ الإهمال لم يكنْ مُتَعَمَّدًا، بل كان ناتِجًا عن كثرة العدد، فيما الكنيسة حديثةُ النَّشْأَة، غير مُجَهَّزَة بعدُ لإدارةِ ذلك العددِ الكبير من النَّاس الَّذين كانوا قد آمنوا حديثًا. أَضِفْ إلى ذلك أنَّ الرُّسُلَ كانوا مُنشَغِلِينَ بأمرِ الشَّهادَةِ لقيامةِ الرَّبّ، ونشر تعاليمه بين النَّاس، ومُواجَهَة الـمُجادِلين والـمُضْطَهِدِين.
فلمّا برزَت الحاجةُ إلى من يتدبَّر أمرَ الخدمة اليوميَّة، طلبَ الرُّسُلُ من المؤمنين أن ينتخِبُوا سبعةَ رجالٍ تُوكَلُ إليهم هذه المهمَّة، لئلَّا ينشغِلَ الرُّسُلُ عن خدمة الكلمة. الجماعةُ انتخَبَتْ، ولكنَّ الرُّسُلَ شَرْطَنُوا، أي رسَمُوا. كيف ذلك؟ بوضع الأيدي. الرُّسل وضعوا أيدِيَهُم بحيث تُلامِسُ رأسَ الشَّخص الـمُنْتَخَب، من بعد أن صَلُّوْا. العملُ كُلُّهُ لله الَّذي، بواسطة وضع أيدي الرُّسُل، يُبارِك ويُشَرْطِنُ بطريقة سِرِّيّة.
واللَّافِتُ، بعد ذلك، أنَّ أعدادًا أَكْثَرَ كانَتْ تَنضَمُّ إلى الجماعة المسيحيَّة، في أورشليم، أي حيث صُلِبَ المسيح. ورغم الاضطهاد الَّذي كان الرُّسُل يتعرَّضُون له، كان النَّاسُ ينضمُّون أكثر فأكثر، وحتَّى الكهنة. ماذا يعني ذلك؟ يعني أنَّ كثيرين مـِمَّنْ تشاوَرُوا على قَتْلِ المسيح آمنوا به في النِّهاية. تخيَّلُوا أنَّ أولئك الَّذين هزئُوا به مصلوبًا، وقالوا: "خَلَّصَ آخَرين وأمَّا نفسُه فما يقدرُ أن يُخلِّصَها، إن كان هُوَ مَلِكَ إسرائيل فلينزلِ الآن عن الصَّليب فنُؤمن به"، مِنْ هؤلاء أنفسهم راحَ "كثيرون يُطيعون الإيمان".
فيا لمحبَّة الله العظيمة للبشر! ويا لرحمته الغزيرة! لقد أرسل ابنه الوحيدَ ليتألَّم من أجل شاتِمِيه، ويرحم مُبغِضِيه، ويُخلِّص قاتليه. فهلَّا كَفَفْنَا عن إهانته بخطايانا وتراخِينا! وهلَّا تجاوَبْنَا مع محبَّتِه الإلهيَّة الَّتي لا حدَّ لها!...
)من نشرة الكرمة- ١٩ أيّار ۲٠١٩)
أيّوب الصِدِّيق
هو أحد الأتقياء المؤمنين، نموذج للصّمود أمام التّجارب والشّرور، والصّبر على الشّدائد والأحزان. لم يُقرأ سفر أيّوب كنصّ مسيحانيّ، ولكنّنا نستشفّ منه الخادم الصّالح المُعَذَّب ظُلمًا، على مثال يسوع "العبد المُتألّم" والمُنتصر الّذي سيُعيد للإنسان الرّجاء وجماله السّابق.
كان قديمًا رجلٌ في أرض عوصَ اسمه أيّوب، كاملًا مُستقيمًا يتّقي الله ويحيد عن الشّرّ. له سبعة بنين وثلاث بنات، وَهَبَهُ الله خيراتٍ كثيرة.
قال الشّيطان لله: "هل مجّانًا يتّقي أيّوب الله؟ ألستَ تغمره بخيراتك؟ ولكن أمدد يدك وامسس ماله فترى أنّه في وجهك يُجدّف". فقال الرَّبّ للشّيطان: "هوذا كلّ ماله في يدك. وإنّما إليه لا تمدّ يدك". هكذا فإنّ سلطة الشّيطان على الإنسان كانت مَحدودة وستبقى محدودة، كي يكون للإنسان ملء الحرّيّة ليختار بإرادته الشّخصيّة.
عاد الشّيطان إلى الأرض وأتلف كلّ خيرات أيّوب وحرمه حتّى من أولاده .أمّا أيّوب بقي مُتماسكًا ولم يُخطأ إلى الله إطلاقًا. رجع الشّيطان ومَثُل أمام الله وقال: "أبسط يدك ومُسَّ عظمه ولحمه فإنّه عندئذٍ في وجهك يجدّف عليك". فقال الرَّبّ: "ها هو في يدك ولكن احفظ نفسه". أي أنّ الله منع الشّيطان من الإستيلاء على نفس أيّوب ليُميته، "وحده الله يُحيي من يريد ويُميت من يشاء"، ذلك لأنّه لن يسمح بالموت إلّا لابنه الحبيب يسوع المسيح ليخلّص المؤمنين من مكائد الشّيطان. في هذا العذاب طلبت امرأة أيّوب منه أن يجدّف على الله ويموت! ولكنّ إخلاص أيّوب لم يكن في صبره فقط بل بحكمته أيضًا، إذ أجاب زوجته: "تتكلّمين كإحدى الجاهلات. أنقبل الخير من عند الله والشّرّ لا نقبل؟" (أيوب2/9-10).
زار أيّوب أصدقائه الثّلاثة بسبب ما ابتُلي به وهم: أليفاز التّيماني وبِلدَد الشّوحيّ وصُوفر النّعمانيّ. تحدّث هؤلاء معه أنّ الألم هو ثمرة الخطيئة، وأنّ الله لا يتخلّى عن الإنسان المُستقيم، وأنّ لا أحد كامل في عينيّ الله. إنّ ما قاله أصدقاؤه كان من باب التّعيير واتّهام أيّوب أنّه خاطئ وغير مُستقيم وغير كامل. بالمُقابِل بَرْهَنَ أيُّوب المَسحوق والمُتأّلم جدًّا في جسده ونفسه أنّه بريء، فأظهر انتحابه وشَكّ في حكمة الله وانهار. إنّ حكمة الرَّبّ تُعطي معنىً للألم والموت، معنىً غير مفهوم بالنّسبة إلى أيّوب لكنّ المسيح سيكشفه لنا. ذلك أنّ يسوع في بستان الزّيتون شعر بخوف من الكأس أي الصّليب الّذي يخلّص العالم من الشّيطان. وكما عاد يسوع وخضع لمشيئة الله، هكذا جاهر أيّوب بثقته في الله. بعد هذا الاختبار أعاد الرَّبّ لأيّوب مكانته، وزاده ضعف ما كان معه. إنّ قصّة أيّوب تُظهر لنا أنّ الشّرّ لا يأتي من الله (يعقوب1/13)، وأنّ الشّرور إذا ما أتت فهي مُناسبات تتيح لأتقياء الله أن يبرهنوا عن أمانتهم وصدقهم في حُبّهم لله.