نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
الأحد ١١ تشرين الثّاني ۲٠١٨
العدد ٤٥
الأحد (۲٤) بعد العنصرة
اللّحن ٧- الإيوثينا ۲
أعياد الأسبوع: *11 الشّهداء ميناس ورفقته، استفانيس، ثاوذورس الاسطوذيتي * 12: يوحنّا الرّحوم رئيس أساقفة الإسكندريّة، البار نيلس السّينائي *13: يوحنّا الذّهبيّ الفم رئيس أساقفة القسطنطينيّة *14: الرّسول فيلبس، غريغوريوس بالاماس *15: الشّهداء غورياس وصاموناس وأفيفس (بدء صوم الميلاد) * 16: الرّسول متى الانجيلي *17: غريغوريوس العجائبي أسقف قيساريّة الجديدة.
كلمة الرّاعي
سموم الحضارة
الحرّيّة والسّعادة الكاذبتان
مِقياس الحَضارَة الرّقيّ، والرّقيّ يرتبط بالحرّيّة والرّفاه في نظر العالم، والحرّيّة والرّفاه مصدرا السّعادة لأبناء هذا الدّهر. لكن، ما هي الحرّيّة بحسب مقاييس النّاس وما هي السّعادة؟.
خارج الإيمان بالله وبالحياة الأبديّة لا يبقى للإنسان سوى ترابيّته، ومَن تعاطى الوُجود خارج الله تتحرَّك حياته من هذا العالم إلى العدم. وكثيرون يدّعون الإيمان وهم غافلون عن معناه وجوهره والتزاماته. وكثيرون، أيضًا، لا يدّعون الإيمان وهم يعيشون بروح الوصايا الإلهيّة إذ يتبعون الضّمير...
كذبة الشّيطان الكبرى على النّاس هي اقتناء الحرّيّة والسّعادة عبر طين الدّنيا، أي عبر طلب اللّذة بكلّ الوسائل المُتاحة لأنّ الإنسان، بحسب المَفهوم السّاقط للوجود، يمارس حرّيّته إذا استطاع أن يتمّم كلّ يريده دون قيد أو شرط. هذه هي الحقيقة، في العمق، الّتي أدّت إلى انحلال الأخلاق في البلدان المدعوَّة متحضِّرة لأنّ الشّيطان يزرع الزّؤان مع القمح الجيّد ويَشهد بالحقّ في إطار الباطل ليُحِلَّ الكذب مكان الحقيقة ويضلِّل النَّاس عن خلاصهم.
* * *
باسم الحرّيّة تُستَباح الإنسانيّة، وتحت ستار حقوق الإنسان تُدمَّر البشريّة. العالم يعيش في الكذب والنّفاق. الباطل يجعلونه في مقام الحقّ والحقّ في موضع الباطل. أين أصبح الإنسان؟ أين وضع ذاته؟ لقد صارت جحيميّة الخطيئة سعادة البشر. هذه هي الكذبة الكبرى. أية حرّيّة للإنسان إذا كان مكبَّلًا بعُقَدٍ وأهواء تمرمر قلبه وتدنِّس ضميره وجسده. أيّة سعادة يُنشد إنسان هذا الزّمن بسعيه وراء شهوات الجسد والعنف والتّسلّط وتأليه نفسه وهو "تراب ورماد" (أنظر تكوين 18: 27 وسفر يشوع بن سيراخ 17: 31).
إنسان اليوم هو عبارة عن مُستَهلِك ومُستَهلَك. هو يحيا ليستهلك ظنًّا منه أنّه يحيا ويفرح، هكذا يلقّنونه في البيت في المدرسة في المجتمع. "الْكُلُّ قَدْ زَاغُوا مَعًا، فَسَدُوا. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحًا، لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ" (مزمور 14: 3)، هكذا تكلّم داود النّبيّ والملك من مرارة نفسه في تعاطيه مع البشـر. لكن، "مَا كَانَ فَهُوَ مَا يَكُونُ، وَالَّذِي صُنِعَ فَهُوَ الَّذِي يُصْنَعُ، فَلَيْسَ تَحْتَ الشَّمْسِ جَدِيدٌ" (سفر الجامعة 1: 9). البشريّة تسير نحو دمارها وخرابها في سباق نحو السّيطرة المُمنهجة بين الدّول تسيّرها يد الشّيطان في بشر أسلموا ذواتهم لإبليس عدوّ الإنسانيّة. الحرب قائمة بين أبناء الله وبين المُعانِد والخصم أي الشّرير. لا مجال للحياد في هذه الحرب، إمّا تكون مع الإنسانيّة أي مع المسيح لتربح حياتها وإمّا مع الشّيطان فتخسر كلّ حياتها في هذا الدّهر وفي الآتي.
ماذا جلبت الحضارة للبشريّة؟ السّعادة؟!... جلبت حروبًا وأسلحة دمار شامل وغنى فاحش وفقر مدقع. جلبت تفتّت العائلة. خسارة الأمومة. انحلال الأبوّة. دمار الأخوّة. تضخّم الفردانيّة. "الحرّيّة الجنسيّة" أو بالأحرى الفساد الأخلاقي واستباحة قدسيّة جسد الإنسان وإفساد الزّواج عبر تأطيره كعقد قانونيّ. تشريع المثليّة الجنسيّة وتغيير الجندر (gender) وتزوير حقيقة الإنسان النّفسيّة... والسّعي لإلغاء حقيقة الله عبر تزييفها وتمييعها...
* * *
لا ننكر إيجابيّات الحضارة من تطوّر سهّل حياة الإنسان وأمّن له عناية طبيّة واجتماعيّة أفضل ولكن الحياة أثمن من مظاهرها، لأنّ نوعيّة الحياة ترتبط بالمحبّة ولا شيء آخر يجعل لعيشتنا من معنى. فيمكن أن يتمتَّع مجتمع بالرّفاه والعناية الكاملة على كلّ الصُّعُد ولكن إذا لم يكن للإنسان من يحبّه لشخصه فما نفع كلّ هذه الإمتيازات؟!...
السّعادة الحقيقيّة تأتي من الحرّيّة الحقيقيّة والحرّيّة الحقيقيّة تأتي من المحبّة الإلهيّة الّتي تعطي الإنسان قيمته وقدره الحقيقيَّين، لأنّها محبّة لا شروط فيها وشخصيّة تجعل الآخَر يشعر بوجوده وبأهميّته من خلال فرح التّواصل وروح الشّركة وسرّ الوحدة الَّذي هو غاية الوجود، الوحدة مع الله ومع الآخَر. هذا لا يمكن أن يتحقَّق بدون النّعمة الإلهيّة. من هنا، السّعادة والحرّيّة والفرح والسّلام هي عطايا الله للبَشَر وليست هي أخلاقًا أو ممارسات أو نتائج لجهد بشريّ، بل هي ثمرة عمل الله في الإنسان المتواضع.
نحن المسيحيّين لا نسعى إلى حضارة ولا إلى رُقيّ ولا إلى سعادة أو حرّيّة خارج المسيح، نحن نطلب تحقيق إنسانيّتنا في الرّبّ يسوع الغالب الموت ونجاهد ليَصير العالم مطرحًا للحياة في الحقّ الإلهيّ والسّلام الَّذي من فوق، وهذا هو دور الكنيسة وشهادتها في العالم، لا بل ينبغي أن تكون هي حضور هذا الملكوت في العالم حيث "لحن المعيِّدين واللَّذَّة الّتي لا نهاية لها" في نور وجه إلهنا وسرّ الثّالوث القدّوس غاية الوجود ومصدر كلّ حبّ وفرح وسعادة وحرّيّة وخير...
ومن له أذنان للسمع فليسمع.
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما
طروباريّة القيامة (باللّحن السّابع)
حطمْتَ بِصَليبِكَ المَوت. وفتحتَ للِّصِّ الفِرْدَوس. وحوَّلتَ نَوْحَ حامِلاتِ الطّيب. وأمَرْتَ رُسُلَكَ أن يَكرزِوا. بأنَّكَ قد قُمتَ أَيُّها المسيحُ الإله. مانِحًا العالمَ الرَّحمةَ العُظمى.
طروباريّة القدّيس ثاوذوروس (باللَّحن الثّامن)
ظَهرتَ أيّها اللّاهج بالله ثاودورس، مُرشِدًا إلى الإيمان المُستقيم، ومُعلّمًا لِحُسن العِبادة والنّقاوة، يا كوكب المَسكونة وجمال رؤساء الكهنة الحكيم، وبتَعاليمكَ أنرْتَ الكلّ يا مَعزفة الرّوح، فتشفّع إلى المسيح الإله أن يخلّصَ نفوسنا.
قنداق دخول السّيّدة إلى الهيكل (باللَّحن الرّابع)
إنّ الهيكل الكلّيَّ النَّقاوة، هيكلَ المخلّص، البتولَ الخِدْرَ الجزيلَ الثَّمن، والكَنْزَ الطاهرَ لِمجدِ الله، اليومَ تَدْخُلُ إلى بيتِ الرَّبّ، وتُدخِلُ معَها النِّعمةَ التي بالرّوح الإلهيّ. فَلْتسِبِّحْها ملائكة الله، لأنّها هي المِظلَّةُ السَّماوية.
الرّسالة (أف 2: 14– 22)
الرَّبُّ يُعطي قوَّةً لِشَعْبِه
قدِّموا للرَّبِّ يا أبناءَ الله
يا إخوةُ، إنَّ المَسيحَ هو سلامُنا. هو جعلَ الإثنينِ واحدًا، ونقَضَ في جَسدِه حائطَ السِّياجِ الحاجزَ أي العَداوَة، وأبطلَ ناموسَ الوصايا في فرائِضِه ليخلُقَ الإثنينِ في نفسِهِ إنسانًا واحِدًا جديدًا بإجرائِه السّلام، ويُصالِحَ كلَيْهما في جَسدٍ واحدٍ معَ الله في الصّليبِ بقَتلهِ العَداوَةَ في نفسِه، فجاءَ وبشَّركم بالسَّلامِ البعيدِينَ منكُم والقريبين. لأنَّ بهِ لنا كِلَيْنا التّوصُّلَ إلى الآبِ في روحٍ واحد. فلستُم غرباءَ بعدُ ونُزلاءَ بل مُواطِنو القدّيسينَ وأهلُ بيت الله. وقد بُنيتم على أساسِ الرّسل والأنبياءِ. وحجرُ الزّاويةِ هو يسوعُ المسيح نفسُهُ الّذي بِه يُنسَقُ البُنيان كُلُّهُ، فينمو هيكَلًا مقدَّسًا في الرَّبِّ، وفيهِ أنتم أيضًا تُبنَونَ معًا مَسِكنًا للهِ في الرّوح.
الإنجيل (لو 10: 25– 37 (لوقا 8))
في ذلك الزمان دنا إلى يسوعَ ناموسيٌّ وقال مُجرّبًا لهُ: يا معلِّمُ، ماذا أعملُ لأرِثَ الحياةَ الأبديَّة؟ فقال لهُ: ماذا كُتِبَ في النّاموس؟ كيف تقرأُ؟ فأجابَ وقال: أحبِبِ الرَّبَّ إلهكَ من كلِّ قلبِك ومن كلِّ نفسِك ومن كلِّ قدرتِكَ ومن كلِّ ذهنِك، وقريبَك كنفسِك، فقال لهُ: بالصّواب أجبتَ. اِعْمَلْ ذلك فتحيا. فأراد أن يَزكِّي نفسَهُ فقال ليسوعَ ومَن قريبي؟ فعاد يسوع وقال: كان إنسانٌ مُنحدِرًا من أورشليمَ إلى أريحا فوقع بين لصوصٍ، فعَرَّوهُ وجرَّحوهُ وتركوهُ بينَ حَيٍّ وميتٍ. فاتَّفق أنَّ كاهنًا كان مُنحدرًا في ذلك الطّريقِ، فأبصرَهُ وجاز من أمامهِ، وكذلك لاوِيٌّ وأتى إلى المكانِ فأبصَـرَهُ وجازَ مِن أمامِه. ثمَّ إنَّ سامِريًّا مُسافِرًا مرَّ بِه فلمَّا رآهُ تحنَّن، فدنا إليهِ وضَمَّدَ جراحاتهِ وصَبَّ عليها زيتًا وخمرًا وحملَهُ على دابَّتهِ وأتى بهِ إلى فندقٍ واعتنى بأمرِهِ. وفي الغدِ فيما هو خارجٌ أخرَجَ دينارَيْن وأعْطاهما لصاحِب الفندقِ وقالَ لهُ اعتَنِ بأمرهِ. ومهما تُنفق فوقَ هذا فأنا أدفَعُهُ لك عند عودتي. فأيُّ هؤُّلاءِ الثّلاثةِ تَحسُبَ صار قريبًا للّذي وقع بـيـن اللّصوص؟ قال: الّذي صنعَ إليهِ الرّحمة. فقال لهُ يسوع: امضِ فاصْنعْ أنتَ أيضًا كذلك.
حول الإنجيل
أحْبِبْ تَرى النّاس يَقترِفون المعجزات، فكيف إنْ أحبَبْتَ مِنْ خلال الرَّبّ يسوع؟.
إنّ المَسافة مِن أورشليم إلى أريحا حوالي عشرين ميلًا. وتستغرق من المُسافر حوالي سبعة ساعات. وكانت أورشليم أعلى من أريحا. ومُعظم الأرض في هذه المَسافة صخريّة لا تصلح للزّراعة. لذلك خلت من السّكان، وكُثرت الكهوف في صخورها، واشتهرت بكثرة اللّصوص حتّى سُمّيَتْ (الطّريق الحمراء أو الدّمويّة). وبالرّغم من ذلك كان يجتازها الكثيرون لأنّ أريحا يومئذٍ كانت مدينة كبيرة وغنيّة. فهناك مَن يَقصدها للتّجارة، وآخرون لطلب الرّاحة، حتّى الكهنة واللّاويّون المفرزون لخدمة الله كانوا يقصدونها حين يفرغون من خدمة الهيكل. فجاء مثل السّامريّ الصّالح مِنْ واقع حياتهم. وبهذا المَثَل قدّم الرَّبّ لنا ضرورة تقبّل البشريّة بكلّ أجناسها كأقرباء، لقد أظهر لنا أنّ القرابة لا تقف عند حدود الدّم، ولكنّها تقوم على تنفيذ وصيّة الحُبّ والرّحمة.
لقد كان الرَّبّ يسوع واضحًا في ماذا يُريد مِنَ النّاموسيّ أن يفعل، وبالتّالي مِنْ كُلّ واحدٍ مِنَّا: "الَّذِي صَنَعَ مَعَهُ الرَّحْمَةَ". فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: "اذْهَبْ أَنْتَ أَيْضًا وَاصْنَعْ هكَذَا".
ولكن إذا أردنا أن يكون للموضوع مُقارَبَة سَماويّة فنجد التّالي: الإنسان النّازل مِن أورشليم إلى أريحا هو أنا وأنت وكلّ البشريّة. تركنا أورشليم بيت الله. وسرعان ما وقعنا بين أيدي الخطيّة ومَلذّاتِها. وظهرت جروحها في كلامنا وسلوكنا ومعاملاتنا، فَمَرَّ علينا السّامريّ أي الرَّبّ يسوع. اقترب منّا بتجسّده وقبوله الآلام عنّا، وسكب علينا زيت محبّته ورَحمَتِه، وأتى بِنَا مرّة أخرى إلى كنيسته لنستريح (الفندق)، وترك لنا الرّوح القدس (المال الّذي أعطاه السّامريّ لصاحب الفندق).
إنّ المحبّة الرّوحيّة هي أسمى من محبّة الإخوة بالجسد لأنّها بقرابة من المسيح وليس من الأم، والّذين اقتنوا هذه المحبّة النّقيّة يفيضون لطفًا لأنّ المَسيح في داخلهم والألوهَة ترتسم على وجوهِهم (القدّيس باييسيوس).
ليست المحبّة والرّحمة كلامًا بشريًّا، ولا مَعانٍ بشريّة، ولا ألقابًا أو تحيّات، وإنّما هما اهتمام مُعبّر عنه بالأفعال وهذا يعني أن تخفّف عن الفقير، وتساعد المريض، وتنقذ من تواجهه الأخطار، وتعضد في الأوقات العَصيبة، وتبكي مع الباكين وتفرح مع الفَرِحين.
هل ميّز الرَّبّ يسوع بين أحد منّا حينما صُلب وتألّم وقُبر وقام؟ أم من أجل كثرة محبّته لنا تكبّد ما تكبّد وعانى ما عانى، لكي يخلّص البشريّة كافّة، إنّه أتى لأجلي ولأجلك ولأجل كلّ واحدٍ منّا، أليس علينا أن نسعى لأن نتمثّل به، كما طلب هو منّا؟؟...
أين نحن يا أحبّة في أيّامِنا هذه من بعضنا بعضًا؟ وبالتّالي من الرَّبّ يسوع؟؟. "أحبّوا أعداءكم، بارِكوا لاعنيكُم، أحسِنوا إلى مُبغضيكم، صَلّوا من أجل الّذين يُسيئون إليكُم؟"، وأيضًا يقول السّيّد: "أحبّوا بعضكم بعضًا من هذا يعرفون إنّكم تلاميذي"؟؟...
هل نحن فعلًا تلاميذ للرَّبّ يسوع المَسيح؟ اترك جواب هذا السّؤال إلى ضمير وقلب كلّ واحد منّا!!!
صوم الميلاد
رتّبَتْ الكَنيسة المُقدّسة صَوْمًا يسبق عيد الميلاد المجيد، يَدوم أربعين يومًا تشبّهًا بِمُوسَى النّبيّ الّذي صام نفس المُدَّة على جبل سيناء قبل تسلّمه كلمة الله مَكتوبَةً على لَوْحَي الشَّريعة (خروج 18:24). ونحن العائشون في بريّة هذا العالم، في صوم الميلاد، نستقبل كلمة الله مُتجسَدًا من القدّيسة والدة الإله الدّائمة البتوليّة مريم. الهدف الأساس من هذا الصّوم هو التّهيئة والاستعداد لمجيء المسيح إلى داخل قلوبنا. أهميّة هذا الحَدَث كمَدخلٍ لخلاص البشريّة تحتّم صومًا كهذا، هو بَمثابة تحضير رُوحيّ لائقٍ بحضور المسيح إلى مذود القلب. هذا الإله الآتي إلينا ليُعيدنا إلى أحضان الآب ويَمنَحنا من جَديد ما أفقدتنا إيّاه الخطيئة، أي الحياة الأبديّة والعِشْرَة مع الله. يَستَحيل على الإنسان العادي المُنجرِف وَراء الأمور والاهتمامات الأرضيّة مِنْ أكل وشرب ولَهو، قبول هكذا سِرّ فائق الطّبيعة "لِنَطْرَح عنّا كلّ الاهتمامات الدّنيويّة لأنّنا عازمون أن نستقبل ملك الكلّ" (مِن خدمة القدّاس الإلهيّ). في هذا الصّوم أيضًا نتذكّر ونتحسّر على ما كنّا عليه قبل الميلاد مِنَ العَيْش في حزن الخطيئة وظلام الجهل وعبوديّة الشّيطان (رئيس هذا العالم)، وتذلّل الخليقة كلّها بانتظار الافتقاد الآتي من العلاء، فولد المُخلّص وتجسّد وفدانا بدمه الطّاهر على خشبة الصّليب. نصوم لنتنقّى نفسًا وجسدًا وبالتّالي نَغدو مُستحقّين لاستقبال هذا الطّفل الإلهيّ كما يَليقُ به. هذا الصّوم مُخفَّف أي من الدّرجة الثّانية حيث يُسمَح فيه بتناول الأطعمة البَحريّة من أسماك وغيرها ما عدا يومَيْ الأربعاء والجمعة وهو يبدأ في الخامس عشر من شهر تشرين الثاني وينتهي في يوم عيد الميلاد في الخامس والعشرين من كانون الأوّل.
من أقوال الشّيخ يوسف الهدوئيّ
+ كلنا بشر، مولودون من تراب. كلنا أَثِمْنَا. نحن طين، جهلة. طين يسرق طيناً. طين يحقِّر طيناً. طين يهين طيناً. طين يتعجرف على طين. طين يستغني بالطين. طين يتسلط على الطّين. طين يضرب طينًا. طين يسجن طينًا. وبعامّة: طين يعتبر ذاته أحكم وأقوى وأغنى وأنبل وأكرم من الطّين. يجمع غنى في غبائه وجهله لوجوده الذّاتيّ. لا يُبالي من أين أتى ولا إلى أين هو ذاهب، ولا كيف ولد ولا ما هو القصد منه، ولا أين سينتهي به المطاف ولا ماذا سيحدث له بعد ذلك.
+ الكلّ أكاذيب. الكلّ خداع. يخدعنا، يمكر بنا، يلهو بنا. يُظهر لنا سنين ومواهب وصحّة مديدة، ثم فجأة يلقانا الموت. كلّ هذه الأمور تتكسّر كالفقاقيع وتتمزّق كخيوط العنكبوت. هذه هي بهجة العالم.