Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد 11 تمّوز 2021   

العدد 28

الأحد (3) بعد العنصرة

اللّحن 2- الإيوثينا 3

أعياد الأسبوع: *11: آفيميَّة المعظَّمة في الشَّهيدات (لمَّا ثبَّتت حدَّ الإيمان)، القدّيسة الملكة أولغا المعادلة الرُّسل، القديس البارّ صفروني الآثوسيّ *12: القدّيس باييسيوس الآثوسيّ، الشَّهيدان بروكلس وإيلاريوس، فيرونيكي نازفة الدَّم *13:  تذكار جامع لجبرائيل رئيس الملائكة، استفانوس السّابويّ، الشَّهيدة مريم، البارَّة سارة *14: الرَّسول أكيلَّا، نيقوديموس الآثوسيّ، يوسف رئيس أساقفة تسالونيك *15: الشَّهيدان كيريكس وأمُّه يوليطة *16: الشَّهيد في الكهنة أثينوجانس ورفقته *17: القدِّيسة الشَّهيدة مارينا.

كلمة الرّاعي

”لتكن مشيئتك...“

”لأَنَّ مَنْ يَصْنَعُ مَشِيئَةَ اللهِ

هُوَ أَخِي وَأُخْتِي وَأُمِّي“ (مر 3: 35)

كثيرًا ما نردِّد هذه الصّلاة، وهي جزء من الصّلاة الرّبّيّة، ولكن هل بالحقيقة نحن مستعدّون لعيشها؟!...

الحياة كلّها ترتبط بمشيئة الإنسان ومصدرها، لأنّ  رغبات الإنسان وشهواته وأهوائه، من جهة، وفضائله من جهة أخرى هي ما يُحدِّد وجهة أحكامه وخياراته وهي ما يتحكّم بمشيئته. هذا يرتبط، بمعنى آخر، بمعرفة الإنسان لنفسه.

المؤمن، بالمبدأ، يطلب أن يصنع مشيئة الله، ”مِنْ أَجْلِ ذلِكَ لاَ تَكُونُوا أَغْبِيَاءَ بَلْ فَاهِمِينَ مَا هِيَ مَشِيئَةُ الرَّبِّ“ (أف 5: 17). من يعتبر نفسه مؤمنًا ولا يعرف أو يفهم أو يقبل مشيئة الله، يكون غبيًّا أي هالكًا، ”لِأَنَّ الْكِبْرِياءَ مَبْدَأُ كُلِّ هَلاَكٍ“ (طوبيّا 4: 14). مشيئة الله واضحة وبسيطة وهي أن نتقدَّس (راجع 1 تس 4: 3)، أي أن نصنع مشيئته. مشيئة الله صالحة لا شرّ فيها بل كلّها مملوءة حبًّا وفرحًا وسلامًا وخيرًا. لكن، لنسلك في هذه المشيئة علينا أن نُحارب فينا كلّ ما يبعدنا عن وصاياه، أي كلّ ما يجعلنا نرفض محبته ومحبة الإخوة...

*          *          *

الله يريدنا له، هو خلقنا لنكون معه بإزائه لأنّه يحبّنا، وهكذا يريدنا أن نحيا هذا الحبّ مع الإخوة لتصير الكنيسة الَّتي هي جسده، وليصير هيكله الَّذي هو الإنسان، مطرح تجلّي مجده بالحبّ والحنان والبذل لأجل خلاص البشريّة والخليقة. في المسيح وبه جَعَلَنَا اللهُ الآبُ أبناءَ له بروحه القدّوس الَّذي سكبه علينا. نحن قادرون أن نتمِّم مشيئة الله أي وصيّته الَّتي هي حياة أبديّة وقيامة حقيقيَّة لإنساننا الدّاخليّ باستنارة الرّوح في نور الكلمة الإلهيَّة.

الإنسان المؤمن يصارع ذاته أي يحارب مشيئته الخاصَّة حين يراها مَسُوقة من هوًى أو شهوة أو خطيئة. هو لا يعرف نفسه بالكلّيّة بعد، بل في مسيرة سعيه لطاعة الوصيّة الإلهيّة ومن خلال صراعه مع أفكاره، المتأتِّية من كوامن نفسه وقلبه الدّاخليَّة الَّتي هو يجهلها، يبدأ باكتشاف حقيقة سقوطه أي رفضه لصنع مشيئة الله، لأنّ مشيئة الله هي الَّتي تُعرِّف الإنسان بحقيقته الصّالحة الَّتي هي صورة الرّبّ فيه. كلّما تمسَّك الإنسان بإرادته في مقابل طاعة الوصيّة كلّما كان استكباره قويًّا فيه. إذا لم ينكسر الكبرياء لا ينمو إِنْسَان ”الْقَلْبِ الْخَفِيَّ فِي الْعَدِيمَةِ الْفَسَادِ، زِينَةَ الرُّوحِ الْوَدِيعِ الْهَادِئِ، الَّذِي هُوَ قُدَّامَ اللهِ كَثِيرُ الثَّمَنِ“ (1 بط 3: 4).

*          *          *

الرّبّ الإله منحنا في ابنه المتجسّد أن نصير له ورثة، عبر تشبّهنا بيسوع المسيح من خلال طاعة مشيئة الآب، بعد أن نكون قد اتّحدنا بيسوع من خلال المعموديّة المقدَّسة على اسم الثّالوث القدُّوس واقتنينا روح المسيح بالميرون المقدَّس. الإنسان في المسيح صار روحيًّا أي سالكًا بروح الله، أو هكذا أُعطي له أن يكون. السّؤال المطروح على المؤمن هو: هل تريد أن تكون للمسيح بالكلّيّة؟ !... أنت مُنِحْتَ أن تَلْبَسَ المسيح وتقتني روح الرّبّ، فهل أنت راغب أن تتمّم مشيئته في كل حين وعلى كلّ حال؟!...

السؤال المطروح جوهريّ ومصيريّ، والجواب عليه يُحدِّد طريق الإنسان وغائيّته (finalité). مشيئة الله تتعارض مع مشيئة العالم، ومحبّة الله تتناقض مع محبّة العالم، كما يقول يعقوب الرّسول أخو الرّبّ: ”أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّ مَحَبَّةَ الْعَالَمِ عَدَاوَةٌ للهِ؟ فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ مُحِبًّا لِلْعَالَمِ، فَقَدْ صَارَ عَدُوًّا للهِ“ (يع 4: 4).

المؤمن يطلب الحياة الأبديّة، والحياة الأبديّة هي الله. من يطلب الله يطلب ملكوته، ومن يريد أن يكون ابنًا للملكوت يسعى في كلّ حين لإتمام مشيئة الله. الله لا يريد منّا أن نكون عبيدًا فنصنع مشيئته، بل يريدنا أن نكون عائلته وورثته وأبناءه الأحبّاء.

طاعة الله تأتي من صنع مشيئته، وصنع مشيئته يأتي من محبّته، ومحبّته تأتي من حفظ وصيّته، وحفظ وصيّته يهبنا الشّركة في سرّ الوحدة بين الله الثّالوث والإنسان ومعهما بالمسيح في الرّوح القدس.

مشيئة الله أن نحبّه ونحبّ من وما أوجد. نحبّه حين نحبّهم، ونحبّهم حين نحبّه.

دأبنا، كمؤمنين، أن نصنع مشيئة الله في كلّ حين إذا أحببناه، هذه هي حياتنا، هذا وجودنا، هذه حرّيتنا، هذا فرحنا وسلامنا وغلبتنا على الشّرير...

من له أذنان للسمع فليسمع...

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

طروباريّة القيامة (باللَّحن الثّاني)

عندما انحدرتَ إلى المَوْت. أَيُّها الحياةُ الَّذي لا يَموت. حينئذٍ أَمَتَّ الجحيمَ بِبَرْقِ لاهوتِك. وعندما أقمتَ الأمواتَ من تحتِ الثَرى. صرخَ نحوكَ جميعُ القُوّاتِ السّماويّين. أَيُّها المسيحُ الإله. مُعطي الحياةِ المَجدُ لك.

طروباريّة القدّيسة أوفيميّة (باللَّحن الثّاني)

لقد أبهجتِ جدًّا المُستقيمي الرّأي، وخَذَلتِ ذَوي الرّأي الوَخيم، يا أوفيميّة بتول المسيح الجميلة، لأنّكِ قد أثبتّ المُعتقَد الحسن، مُعتقد آباء المجمع الرّابع، فيا أيّتها الشّهيدةُ المَجيدة ابتهلي إلى المسيح الإله أن يمنحنا الرّحمة العُظمى.

القنداق (باللَّحن الثّاني)

يا شفيعَةَ المَسيحيّين غَيْرَ الخازية، الوَسيطةَ لدى الخالِق غيْرَ المرْدودةِ، لا تُعْرضي عَنْ أصواتِ طلباتِنا نَحْنُ الخَطأة، بَلْ تدارَكينا بالمعونةِ بما أنَّكِ صالِحَة، نَحنُ الصّارخينَ اليكِ بإيمان: بادِري إلى الشَّفاعَةِ وأسَرعي في الطّلْبَةِ يا والدَة الإلهِ، المُتشَفِّعَةَ دائمًا بمكرِّميك.

الرّسالة (رو 5:  1-10)

الرَّبُّ يُعطي قوّةً لشعبه

قدِّموا للرَّبِّ يا أبناء الله

يا إخوةُ، بما أنَّنا معاوِنونَ نَطلبُ إليكم أنْ لا تقبلُوا نِعمة اللهِ في الباطل، لأنَّهُ يقول إنّي في وقت مقبول استجبتُ لكَ وفي يومِ خَلاصٍ أعنْتُك. فهوّذا الآنَ وقتٌ مقبول. هوذا الآن يومُ خلاص. ولسنا نَأتي بمعثرةٍ في شيءٍ لئلّا يلحَقَ الخدمة عَيبٌ، بل نُظهرُ في كلِّ شيءٍ أنفسَنا كخدَّامِ اللهِ في صبرٍ كثير، في شَدائدَ، في ضروراتٍ، في ضيقاتٍ، في جلداتٍ، في سُجون، في اضطرابات، في أتعاب، في أسهارٍ، في أصوامٍ، في طهارةٍ، في معرفة، في طولِ أناةٍ، في رفقٍ في الرّوح القُدُس، في محبَّةٍ بلا رياء، في كلمةِ الحقِّ، في قُوّةِ اللهِ، بأسلحَةِ البرِّ عَن اليمين وعَن اليسار. بمجدٍ وهَوانٍ، بسُوءِ صيتٍ وحُسنِه. كأنَّا مُضلُّون ونحنُ صادقون، كأنَّا مجهولون ونحنُ مَعروفون، كأنَّا مائتون وها نحن أحياءٌ. كأنَّا مؤدَّبُون ولا نُقتل، كأنا حِزانٌ ونحنُ دائمًا فَرحون، كأنَّا  فقراءُ ونحنُ نُغني كثيرين. كأنَّا لا شيء لنا ونحنُ نملكُ كلَّ شيءٍ.

الإنجيل (متّى 6: 22-33) (متّى 3)

قال الرَّبُّ: سراجُ الجسدِ العينُ. فإنْ كانت عينُك بسيطةً فجسدُك كلُّهُ يكونُ نيِّرًا. وإن كانت عينُك شرّيرةً فجسدُك كلُّهُ يكونُ مُظْلمًا. وإذا كان النّورُ الّذي فيك ظلامًا فالظّلامُ كم يكون! لا يستطيع أحدٌ أنْ يعبُدَ ربَّينِ، لأنُّهُ إمَّا أنْ يُبغِضَ الواحِدَ ويُحِبَّ الآخَرَ أو يلازِمَ الواحِدَ ويَرْذُلَ الآخَر. لا تقدرون أن تعبُدوا اللهَ والمالَ. فلهذا أقولُ لكم لا تهتمُّوا لأنفسِكم بما تأكلون وبما تشربون ولا لأجسادِكم بما تلبَسون. أليستِ النّفسُ أفضلَ مِنَ الطّعامِ والجسَدُ أفضَلَ من اللّباس؟ أنظروا إلى طيور السّماءِ فإنَّها لا تزرعُ ولا تحصِدُ ولا تخزُنُ في الأهْراءِ وأبوكم السّماويُّ يَقوتُها. أفلستم أنتم أفضلَ منها؟ ومن منكم، إذا اهتمَّ، يقدِرُ أنْ يَزيدَ على قامتهِ ذراعًا واحدة؟ ولماذا تهتمّونَ باللّباس؟ اعتبِروا زنابقَ الحقلِ كيف تنمو. إنَّها لا تتعبُ ولا تَغْزِل، وأنا أقولُ لكم إنَّ سليمانَ نفسَه، في كلِّ مجدِه، لم يلبَسْ كواحِدَةٍ منها. فاذا كان عشبُ الحقلِ الّذي يُوجَدُ اليومَ وفي غدٍ يُطرَحُ في التَّنُّورِ يُلبِسُهُ اللهُ هكذا أفلا يُلبِسُكم بالأحرى أنتم يا قليلي الإيمان؟ فلا تهتمّوا قائلين ماذا نأكلُ أو ماذا نشربُ أو ماذا نلبَسُ، فإنَّ هذا كلَّهُ تطلُبهُ الأُمم. لأنَّ أباكُمُ السّماويَّ يعلمُ أنَّكم تحتاجون إلى هذا كلِّهِ. فاطلُبوا أوّلًا ملكوتَ اللهِ وبِرَّهُ وهذا كلُّهُ يُزادُ لكم.

حول الرّسالة

(١) نال بولس والرُّسُل الباقون نعمة العمل مع الله والتَّبشير باسمه، وهذا لا شَكّ شرفٌ كبير للإنسان؛ ممّا يوجِب على السّامعين التّجاوب مع هذه الدَّعوة الإلهيّة الّتي تقودهم إلى الخلاص برجوعهم عن خطاياهم وعدم التَّكاسُل في عمل البِرّ والصَّلاح.

(٢) يَحثّ الرَّسول بولس الكورنثيّين على قبول الإيمان والدَّعوة الإلهيّة لهم وعدم التّباطؤ والتّأجيل أو التّردُّد مستعينًا بِقَوْل إشعيا النّبيّ (إش ٨:٤٩) ليؤكّد لهم أهميّة انتهاز الفرصة وعدم إضاعتها.

(٣) في تبشيره حرص الرَّسول بولس على ألّا يُمْسِك عليه أحدٌ خطأً ما، كي لا يتشكّك بسببه ويعثر ويرفض الإيمان.

(٤-٥) يقدّم الرّسول ورفقاؤه الدّليل على إخلاصهم في الخدمة والتَّعب لكسب كلّ النّفوس ممّا ارتضوا طوعًا أن يتحمّلوه بصبرٍ لأجل هذه الخدمة من آلام وأتعاب فعدّد تسعةً منها:

الثّلاثة الأولى (الشّدائد والضّرورات والضّيقات) وهذه يتعرّض لها أيّ مؤمن.

الثّلاثة الثّانية (الضّربات) فبولس ضُرِب ٨ مرّات، ٥ مرّات من قِبَل اليهود و٣ مرّات من الرُّومان (٢ كو ١١ :٢٤-٢٥). (السّجون) وقد ألقي فيها مرّات عِدَّة كما في فيلبّي (أع ٢٣:١٦) وأورشليم (أع ٢٤:٢٢) وروما (أع ١٦:٢٨). (الاضطرابات) كما حصل معه حين هاج الجموع ضدّه وحاولوا قتله مرّات كثيرة كما في أنطاكية بيسيديّة (أع ٥٠:١٣) ولسترة (أع ١٩:١٤) وأورشليم (أع ٣٠:٢١).

في النّهاية يذكر ٣ آلام اختياريّة يقبلها كلّ مُجاهِد يعمل في حقل الرَّبّ روحيًّا، الأتعاب (تعب الخدمة) والأسهار (السّهر في الصّلاة والسّهر على نفسه) والأصوام (سواء كانت جماعيّة للكنيسة كلّها أو فرديّة يُضيفها المُجاهد على الأصوام العامّة).

(٦-٧) يُكمِل الرَّسول بولس إعلان إخلاصه في الخدمة ليس فقط باحتمال الآلام بل أيضًا من خلال الفضائل:

الطّهارة (نقاوة القلب والسّلوك)، العلم (معرفة الله)، الأناة (إطالة الأناة مطلوبة من كلّ خادم)، اللّطف أي الحُنوّ على الآخَرين، الرُّوح القدس الّذي يسند الخادم بنعمته ومواهبه، المحبّة بلا رياء أي الصّادقة والخالية من كلّ منفعة شخصيّة، كلام الحقّ لأنّ الحق هو الله فنعلنه في كلامنا مع الآخَرين، قوّة الله الّتي تُسانِد الخُدّام والمؤمنين، سلاح البِرّ لليَمين (أعمال الصّلاح والفضائل) ولليَسار (الابتعاد عن الشّرّ والخطايا).

(٨-١٠) في النّهاية يوضح الرّسول بولس ثبات محبّته لله في كلّ الظّروف الصّعبة الّتي يتعرّض لها كلّ من جنّد ذاته لخدمة الرَّبّ. بهذا الأسلوب يشجّع الرَّسول بولس كلّ مؤمن حاثًّا إيّاه على الثّبات في محبّة الرَّبّ والأمانة الدَّائمة له مهمّة كثرت وتعدّدت صلبان الخدمة على أنواعها.

الصّبر المقدّس

الصّبر ليس التّخاذُل أمام الموجود والحياد تجاه النّواقص. فالمؤمن يسعى إلى تغيير العالم. غير أنّ بشارته قد تطول وقد لا يستمع إليه النّاس إذا شهد وتكلّم. فهناك عنصر الزّمان ولا نقدر على أن نُملي علـى الآخرين الحقيقة إملاءً. لماذا يُصِرُّ مَن نحاول هدايته على خطيئته؟ هناك ما يسمّيه بولس الرَّسول «سرّ الإثم» إذ لا يعرف أحد متى تحلّ النّعمة، أو متى يتقبّلها هذا الّذي نصلّي نحن من أجله. ففي النّفس «حنطة وزؤان» وليس بمقدورك دائمًا أن تقتلع الزّؤان.

والمَلحوظ أنّ أكثر النّاس يبقى على الشّرّ الّذي ترعرع فيه، وأنّ التّوبة النّصوح نادرة وأقصى ما تستطيعه أنت أن تنتظر وتحبّ. ومعنى ذلك أنّك تعايش في الرّعيّة أو في الدّنيا بشرًا متفاوتين في التّقوى وفي الإخلاص، وأنّه عليك أن تتقبّلهم لكونهم إخوة لك، ولعلّ حظّهم الوحيد في الاهتداء أن يروا إخاءك لهم واحتمالك ما يغيظك فيهم وما يصدمك. وقد يجرحك هذا أو ذاك كلّ يوم بسبب من عداوة متأصّلة وغيرة مريضة. وإذا رأوك يتوتّرون وقد يريدون إذلالك بغضًا وظلمًا. فإذا تضجّرت أو رَدَدْتَ لهم الكيل كيلين، فهذا يزيد عداءهم وتشنّجهم، وأنت قادر على أن تشفيهم بالحِلم وطول الأناة. وقد عيّنك الله طبيبًا لهذا الّذي يؤذيك لأنّك أنت تعرف الجرح الّذي فيه.

إنّه ينتظر عودتنا، يدعونا إليها ولا يغتصبنا إلى الفضيلة، ويمدّنا بالزّمان لعلّنا »نقرف «من الخطيئة أو نحبّه عليها ونرى راحتنا عنده. والصّبر مرتكز على الرّجاء، ففي المواجهات تحتاج إلى رفق وسلام لتتقبّل قلّة التّهذيب وسوء المعاملة والكَيْد وإرادة القهر.

أن تقبل الآخر في علّته وعيبه يبدأ بأنّك تعترف بأنّك لا تقدر على تبديل شيء في النّاس ما لم يغيّروا هم ما في نفوسهم. العهد الجديد يعلّم عن صبر المسيح وصبر القدّيسين. هذا هو الصّبر في يسوع. إن كنت في المسيح فلا نكاية عندك ولا نكد ولا نقمة ولا صفع ولا ردّ فعل، وتتراجع وتسلّم بالحقّ لتخرج من الظّلمة الّتي فيك.

وليس الصّبر أن تقول أنا محكوم عليّ أن أعيش مع هذا وذاك، ولكنّك تقول في نفسك إنّي أحمد الله أنّي أحيا مع من أحيا معهم، لأنّي إن صبرت عـليهم جميعًا أنجّي نفسي وأنجّيهم وألطف بهم علّهم يشاهدون الله. لقد جعل الله زمانًا لخلاص البشر وبعده الملكوت، وجعل لكلّ منّا ممرًّا ليخلص به. أنت تمشي مع الآخر كلّ الخطى الّتي يحتاج إليها لكي يفهم ويفرح.

من أقوال القدّيس صفروني الآثوسي

+"أن نكون على شبه الله"، هذا يعني أن نصل إلى طاعة مماثلة لطاعة المسيح ولطاعة العذراء ولكلّ الّذين اتّبعوا خطاهم.

+ لا يفوتكم كلّ يوم أن تصلّوا إلى الله كي يعطيكم الرّوح القدس، والنّعمة لتتمّموا وتقتنوا الوصايا الإنجيليّة، وصايا المسيح، حتّى تصبح فيكم طبيعة ثانية.

انقر هنا لتحميل الملف