نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
أُنقُر على الملف لتصفُّح نشرة كنيستي
كما يمكن قراءة النص الكامل في المقطع أدناه.
الأحد 11 شباط 2024
العدد 6
أحد (16) من متّى (الوزنات الخمس)
اللّحن 3- الإيوثينا 3
أعياد الأسبوع: *11: الشَّهيد في الكهنة فلاسيوس ورفقته، الملكة ثيوذورة *12: القدّيس ملاتيوس أسقف أنطاكية *13: الرَّسولين برسكيلا وأكيلا، البارّ مرتينيانوس *14: البارّ أفكسنديوس، البارّ مارون النَّاسك *15: الرّسول أونيسيمُس، البارّ أفسابيوس *16: الشّهيد بمفيلس ورفقته *17: تذكار جامع للآباء الأبرار، العظيم في الشّهداء ثيوذورس الَّتيرونيّ.
كلمة الرّاعي
تحديات العائلة المسيحيَّة (3) – وسائل التّواصل الاجتماعيّ والعالم الافتراضيّ
زارني أحدهم في موعد عمل، وفي سياق الحديث أخبرني عن مسألة أدهشته من كثرة ما فيها من الانفصام والرِّياء ألَا وهي أنّ أخًا عايد أخته في عيد ميلادها على إحدى وسائل التَّواصل الاجتماعيّ، في حين أنّه هو وإيّاها كانا في المنزل نفسه في تلك اللَّحظة، وأنّها هي نفسها أجابته على معايدته أيضًا بنفس الطَّريقة، والأهمّ أنّ الإثنين يعيشان في نفس البيت وهما متخاصمان لا يكلّم أحدهما الآخَر.
مع تَطوُّر التِّكنولوجيا وانتشار وسائل التَّواصل الاجتماعيّ والوصول السَّهل إلى العالم الافتراضيّ، تواجه العائلات المسيحيّة تحدِّيات جديدة تؤثِّر على حياتها وتفاعلاتها اليوميَّة. يتعيَّن علينا أن ندرك أنَّ هذه التَّحدِّيات ليست فقط تقنيّة، بل لها تأثيرات عميقة على العلاقات الأسريَّة والقيم الدِّينيَّة. في هذه المَقالة، سنُلقي نظرة على بعض التَّحدِّيات الَّتي تواجه العائلات المسيحيَّة في عصر الوسائل الاجتماعيَّة والعالم الافتراضيّ.
* * *
1-فقدان الاتّصال الواقعيّ:
مع التَّركيز المُتزايِد على استعمال وسائل التَّواصل الاجتماعيّ والتَّفاعلات الافتراضيّة في الحياة اليوميَّة لكلّ شخص، نرى أنّ ازدياد التَّواتر في استعمال هذه الوسائل يتسبَّب في فقدان الاتِّصال الواقعيّ بين أفراد العائلة. يصبح الوقت الَّذي يقضيه الأفراد في استخدام الهواتف الذّكيّة والأجهزة اللّوحيّة أكثر من الوقت الَّذي يقضونه معًا، ممّا يؤثّر على العلاقات الأسريّة وقدرتها على التَّواصل الفعّال، ممّا يدمِّر العائلة كشركة حياة ومحبَّة...
2-التَّعرُّض للمُحتَوى الضّارّ:
مع زيادة استخدام وسائل التّواصل الاجتماعيّ، يتعرَّض الأفراد، وخاصَّة الأطفال والمراهقين، لمَخاطِر التَّعرُّض للمُحتوى الضّارّ وغير المُلائم. هذا يولِّد تأثيرات سلبيّة على الالتزام الإيمانيّ وعلى قبول القيم النّابعة منه والسُّلوكيّات الأخلاقيّة للأسرة ولكلّ أفرادها ويزيد الفساد الأخلاقيّ ويُبعد أفراد العائلة عن كلّ التزام في حياة الكنيسة وعيش الوصيَّة، ويشكّل حافزًا وسببًا لكثيرين حتّى ينحرفوا عن الطَّبيعة الإنسانيّة والفضائل المَسيحيَّة...
3-انعدام الخصوصيّة:
إنّ مشاركة الحياة اليوميَّة على وسائل التَّواصل الاجتماعيّ، يُعرّض أفراد العائلة لانتهاك الخصوصيَّة وفقدان السَّيْطرة على معلوماتهم الشَّخصيّة، وهذا ما يؤدّي أحيانًا إلى مشاكل بين الأزواج وازدياد الخلافات بينهم، ممّا يهدّد أحيانًا بتدمير العلاقات الزَّوجيّة وخراب العائلة. لذا، وجب التّنبّه لهذه المسألة في العائلة ووضع ضوابط لها، وأن يكون هناك توعية على أهميّة الحِفاظ على الخصوصيّة الشَّخصيّة والعائليّة ورسم حدود معينة لمشاركة المعلومات على الإنترنت.
4-انخفاض الانخراط الاجتماعيّ:
من نتائج الاعتماد المفرط على وسائل التّواصل الاجتماعيّ انخفاض الانخراط الاجتماعيّ لأفراد العائلة خارج العالم الافتراضيّ. يجب على العائلات المسيحيّة التّشجيع على القيام بأنشطة خارجيّة وتعزيز التَّواصُل الشّخصيّ مع الأصدقاء والجيران وأفراد المجتمع للإبقاء على التّواصل الواقعيّ مع العالم وبنيان شخصيّة مؤمنة طبيعيَّة متوازنة حقيقيَّة.
5-الإدمان على التّكنولوجيا:
الاعتماد المفرط على وسائل التَّواصل الاجتماعيّ قد يَصل بالمَرء إلى إدمان التّكنولوجيا، ممّا يؤثّر على صحّة العقل والجسد والعلاقات الأُسَرِيَّة. يجب أن تكون هناك استراتيجيّات لتقليل الاعتماد الزّائد على التّكنولوجيا وتعزيز التّوازن في الحياة اليوميّة. لا بُدَّ من العودة إلى الطّبيعة وإلى الاعتماد على الذّات والتّعاون مع الآخَر وتعزيز روح المشاركة والتَّعاضُد لئلَّا يَصير الإنسان أسير التّكنولوجيا فيجفّ القلب وتنشّف الرّوح وينقطع التّواصل، فينغلق الإنسان أكثر فأكثر على نفسه ويدخل في مرضٍ روحيّ ونفسيّ وجسديّ...
* * *
ايُّها الأحبّاء، يتعيَّن على العائلات المسيحيّة الاعتراف بالتّحديات الَّتي تواجهها في عصر الوسائل الاجتماعيّة والعالم الافتراضيّ، واتّخاذ الخطوات اللّازمة للتّعامل معها بشكلٍ فعّال. يجب أن يكون هناك توازن بين استخدام التّكنولوجيا والحفاظ على القيم الإيمانيَّة والأخلاقيّة الَّتي تشَكِّل أساس العائلة المَسيحيّة. على الأهل أن يتابعوا أولادهم في استعمالهم لهذه الوسائل، وهم أنفسهم عليهم أن يختاروا ما يستعملونه منها، وأن يكون هذا الاستعمال لما يجلب الفائدة على النَّفس والفكر وما يبني.
علينا جميعًا أن ننتبه لئلّا تجرفنا وسائل التَّواصل في سيلها فتأخذنا حين لا يجب أن نكون. المسؤوليَّة الكبرى اليوم تكمن في لا محدوديّة ما يمكن الغَوْص فيه من معلومات على وسائل التّواصل، ومنها الغثّ ومنها الثّمين. لذا، لا بدّ من التّمييز في استعمال هذه الوسائل لئلّا يزيد انغلاق الإنسان على نفسه وتباعده الفعليّ عن عائلته والعالم الحقيقيّ، وكي لا يدخل في عمليَّة غسل دماغ طوعيَّة عبر إدمانه على ما يُفسد الأخلاق وما يقوَّي حركة الأهواء في نفسه.
وسائل التّواصل الاجتماعيّ هي سيف ذو حدَّين، فلننتبه كيف نستعملها للخير والبُنيان لئلّا تكون لنا وللّذين حولنا للشّرّ والخَراب...
ومن له أذنان للسَّمع فليسمع...
+ أنطونيوس
متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما
طروباريّة القيامة (باللَّحن الثّالث)
لِتفرحِ السَّماوِيَّات. ولتَبتَهِجِ الأرضِيَّات. لأنَّ الرَّبَّ صنعَ عِزًّا بساعِدهِ. ووَطِئَ المَوْتَ بالمَوْت. وصارَ بِكرَ الأموات. وأنقذَنا من جَوفِ الجحيم. ومَنَحَ العالمَ الرَّحمةَ العُظمى.
طروباريّة للشّهيد في الكهنة إلفثاريوس (باللَّحن الرّابع )
صرتَ مُشابهًا للرُّسُلِ في أحوالهم وخليفةً في كراسيهم. فوجَدتَ بالعمل المرقاة إلى الثّاوريّا، أيّها اللّاهج بالله. لأجل ذلك تتبّعتَ كلمة الحقَّ باستقامةٍ، وجاهدتَ عن الإيمان حتّى الدّم أيّها الشّهيد في الكهنة فلاسيوس. فتشفّع إلى المسيح الإله أن يخلّص نفوسنا.
القنداق (باللَّحن الثّاني)
يا شفيعَةَ المَسيحيّين غَيْرَ الخازية، الوَسيطةَ لدى الخالِق غيْرَ المرْدودةِ، لا تُعْرضي عَنْ أصواتِ طلباتِنا نَحْنُ الخَطأة، بَلْ تدارَكينا بالمعونةِ بما أنَّكِ صالِحَة، نَحنُ الصّارخينَ اليكِ بإيمان: بادِري إلى الشَّفاعَةِ وأسَرعي في الطّلْبَةِ يا والدَة الإلهِ، المُتشَفِّعَةَ دائمًا بمكرِّميك.
الرّسالة (كو 6: 1-10)
الرَّبُّ يُعْطِي قُوَّةً لِشَعْبِهِ
قَدِّمُوا لِلرَّبِّ يَا أَبْنَاءَ اللهِ.
يَا إِخْوَةُ، بِمَا أَنَّنَا مُعَاوِنُونَ نَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَنْ لا تَقْبَلُوا نِعْمَةَ اللهِ فِي البَاطِلِ لِأَنَّهُ يَقُولُ: إِنِّي فِي وَقْتٍ مَقْبُولٍ اسْتَجَبْتُ لَكَ، وَفِي يَوْمِ خَلاصٍ أَعَنْتُكَ. فَهُوَذَا الآنَ وَقْتُ مَقْبُولٌ، هُوَذَا الآنَ يَوْمُ خَلاصٍ. وَلَسْنَا نَأْتِي بِـمَعْثَرَةٍ فِي شَيْءٍ لِئَلَّا يَلْحَقَ الخِدْمَةَ عَيْبٌ، بَلْ نُظْهِرُ، فِي كُلِّ شَيْءٍ، أَنْفُسَنَا كَخُدَّامِ اللهِ فِي صَبْرٍ كَثِيرٍ، فِي شَدَائِدَ، فِي ضَرُورَاتٍ، فِي ضِيقَاتٍ، فِي جَلَدَاتٍ، فِي سُجُونٍ، فِي اضْطِرَابَاتٍ، فِي أَتْعَابٍ، فِي أَسْهَارٍ، فِي أَصْوَامٍ، فِي طَهَارَةٍ، فِي مَعْرِفَةٍ، فِي طُولِ أَنَاةٍ، فِي رِفْقٍ فِي الرُّوحِ القُدُسِ، فِي مَحَبَّةٍ بِلا رِيَاءٍ، فِي كَلِمَةِ الحَقِّ، فِي قُوَّةِ اللهِ بِأَسْلِحَةِ البِرِّ عَنِ اليَمِينَ وَعَنِ اليَسَارِ، بِـمَجدٍ وَهَوَانٍ، بِسُوءِ صِيتٍ وَحُسْنِهِ. كَأَنَّنَا مُضِلُّونَ وَنَحْنُ صَادِقُونَ، كَأَنَّنَا مَجْهُولُونَ وَنَحْنُ مَعْرُوفُونَ، كَأَنَّنَا مَائِتُونَ وَهَا نَحْنُ أَحْيَاءٌ، كَأَنَّنَا مُؤَدَّبُونَ وَلا نُقْتَلُ، كَأَنَّنَا حَزَانَى وَنحْنُ دَائِمًا فَرِحُونَ، كَأَنَّنَا فُقَرَاءُ وَنَحْنُ نُغْنِي كَثِيرِينَ، كَأَنَّنَا لا شَيءَ لَنَا وَنَحْنُ نَمْلُكُ كُلَّ شَيْءٍ.
الإنجيل(متّى 25: 14-30)
قَالَ الرَّبُّ هَذَا الـمَثَلَ: إِنْسَانٌ مُسَافِرٌ دَعَا عَبِيدَهُ، وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُ. فَأَعْطَى وَاحِدًا خَمْسَ وَزْنَاتٍ، وَآخَرَ وَزْنَتَيْنِ، وَآخَرَ وَزْنَةً، كُلُّ وَاحِدٍ قَدْرَ طَاقَتِهِ، وَسَافَرَ لِلْوَقْتِ. فَذَهَبَ الَّذي أَخَذَ الخَمْسَ وَزْنَاتٍ، وَتَاجَرَ بِهَا وَرَبِحَ خَمْسَ وَزْنَاتٍ أُخَرَ. وَهَكَذَا الَّذي أَخَذَ الوَزْنَتَيْنِ رَبِحِ وَزْنَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ. وَأَمَّا الَّذي أَخَذَ الوَزْنَةَ الوَاحِدَةَ فَذَهَبَ وَحَفَرَ فِي الأَرْضِ وَطَمَرَ فِضَّةَ سَيِّدِهِ. وَبَعْدَ زَمَانٍ كَثِيرٍ، قَدِمَ سَيِّدُ أُولَئِكَ العَبيدِ وَحَاسَبَهُمْ. فَدَنَا الَّذي أَخَذَ الخَمْسَ الوَزْنَاتِ وَأَدَّى خَمْسَ وَزْنَاتٍ أُخَرَ قَائِلًا: يَا سَيِّدُ، خَمْسَ وَزْنَاتٍ سَلَّمْتَ إِلَيَّ، وَهَا خَمْسُ وَزْنَاتٍ أُخَرَ رَبِـحْتُهَا فَوْقَهَا. فَقَالَ لَهُ سَيِّدُهُ: نِعِمَّا أَيُّهَا العَبْد الصَّالِحُ الأَمِينُ، قَدْ وُجَدْتَ أَمِينًا فِي القَلِيلِ، فَسَأُقِيمُكَ عَلَى الكَثِيرِ. أُدْخُلْ إِلَى فَرَحِ رَبِّكَ. وَدَنَا الَّذي أَخَذَ الوَزْنَتَيْنَ وَقَالَ: يَا سَيِّدُ، وَزْنَتَيْنِ سَلَّمْتَ إِلَيَّ، وَهَا وَزْنَتَانِ أُخْرَيَانِ رَبِـحْتُهُمَا فَوْقَهُمَا. فَقَالَ لَهُ سَيِّدُهُ: نِعِمَّا أَيُّهَا العَبْدُ الصَّالِحُ الأَمِينُ، قَدْ وُجِدْتَ أَمِينًا فِي القَلِيلِ، فَسَأُقِيمُكَ عَلَى الكَثِيرِ. أُدْخُلْ إِلَى فَرَحِ رَبِّكَ. وَدَنَا الَّذي أَخَذَ الوَزْنَةَ وَقَالَ: يَا سَيِّدُ، عَلِمْتُ أَنَّكَ إِنْسَانٌ قَاسٍ، تَحْصُدُ مِنْ حَيْثُ لَـمْ تَزْرَعْ، وَتَجْمَعُ مِنْ حَيْثُ لَـمْ تَبْذُرْ. فَخِفْتُ وَذَهَبْتُ وَطَمَرْتُ وَزْنَتَكَ فِي الأَرْضِ. فَهُوَذَا مَالُكَ عِنْدَكَ. فَأَجَابَ سَيِّدُهُ وَقَالَ لَهُ أَيُّهَا العَبْدُ الشِّرِّيرُ الكَسْلانُ، قَدْ عَلِمْتَ أَنِّي أَحْصُدُ مِنْ حَيْثُ لَـمْ أَزْرَعْ، وَأَجْمَعُ مِنْ حَيْثُ لَـمْ أَبْذُرْ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تُسَلِّمَ فَضَّتِي إِلَى الصَّيَارِفَةِ، حَتَّى إِذَا قَدِمْتُ آخُذَ مَالِي مَعَ رِبًا. فَخُذُوا مِنهُ الوَزْنَةَ وَأَعْطُوهَا لِلَّذِي مَعَهُ العَشْرُ الوَزْنَاتِ (لِأَنَّ كُلَّ مَنْ لَهُ يُعْطَى فَيُزَادُ، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ، فَالَّذي لَهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ). وَالعَبْدُ البَطَّالُ أَلْقُوهُ فِي الظُّلْمَةِ البَرَّانِيَّةِ، هُنَاكَ يَكُونُ البُكَاءُ وَصَرِيفُ الأَسْنَانِ. وَلَمَّا قَالَ هَذَا نَادى: مَنْ لَهُ أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ فَلْيَسْمَعْ.
حول الإنجيل
يأتي مثل الوزَنات بين مجموعة أمثالٍ تتبع تعاليم الرَّبّ يسوع عن المجيء الثَّاني والدَّينونة العامَّة، وضعها الرَّسُول متّى مباشرةً قبل البدء بكتابة أحداث الآلام والصَّلب والقيامة (الإصحاحَيْن 24 و 25) فأوَّلًا مثل العبد الأمين الَّذي أقامه سيِّدَه على خَدَمه ليُعطيهم الطَّعام في حينه (متّى 24: 45- 51). ثمّ مثل العشر عذارى (متّى 25: 1- 12) الَّذي يحثُّنا على أهميَّة الاستعداد والسَّهَر وانتظار مَجيء العَريس... ثمَّ ينتقل إلى مثل الوزَنات.
"يُشبهُ ملكوت السَّماوات إنسانٌ مسافرٌ دعا عبيده وَسلَّم إليْهِم أمواله". الرَّبّ يسوع المسيح هو الإنسان المسافر الَّذي سلَّم عبيدهُ أموالهُ (الوزَنات أي المواهب الرُّوحيَّة) وأعطى بعضهم الكثير والبعض الآخر أقلّ، "كلٌ بحسب طاقته" فهو يعرِف مَقدرة و قوَّة كلّ شخص، فمن جهة لم يبخل على أحد بعطاياه ومن جهة أخرى لم يعطِ إمكانيّات أكثر من الطَّاقة.
"سافر للوقت": تركَ البشر بحرِّيَّتهم ليستثمروا إمكانيّاتهم فيُضاعِفوا عطيَّة الله وصعِد إلى السَّماوات.
صاحب الخمس وزَنات: بحسب بعض الآباء رقم خمسة يرمز إلى الحواس الخمس، والَّذي تاجر بها ربح خمس وزنات أُخَر، أي أضاف إلى حواسّه الحِسِّيَّة حواسًّا داخليّة فلَم تبقَ معرفته مقتصرة على معرفة العالم المادِّيّ فقط بل بواسطتها امتلك القدرة على معرفة الله. أمّا بالنسبة لصاحب الوزنَتَيْن: الرقم إثنين يرمز للحُبّ المُتبادل بين شخصين، ضاعفهما فربح أيضًا وزنتين أخريين، فبعدما كان حبًّا بين شخصين امتَدّ نحو الله ثمَّ نحو كلِّ البشر. أمّا العبد الأخير صاحب الوزنة الواحدة فالرقم واحد هنا يرمز إلى الأنانيّ الكسلان الَّذي أخفى وزنته في التّراب، أي انغمس في الشَّهوات الأرضيَّة وتنعُّمِهِ في اللذّات.
"وبعد زمانٍ طَويل" يأتي الرَّبُّ يسوع ليَدين الأحياء والأموات وعند المُحاسَبَة يردّ صاحب الخمس وزنات وصاحب الوزنَتَيْن وزَناتهما مضاعفة إلى السَّيّد، الَّذي بدوره يمدحهما ويدعو كلًّا منهما بـ "العبد الصَّالح والأمين"، قد كان أمينًا على القليل (الوزَنات) مقارنةً مع المجد السَّماويّ الَّذي سيأخذه عندما يدخل إلى فرح ربِّه. أمَّا العبد الثّالث فيصفهُ "بالعبد الشِّرّير والكَسْلان"، وهنا أشار الرَّبّ أنَّ الكسل هو سَبَب أساسيّ للأعمال الشِّرّيرة، لقد كان الأجدر بهذا العبد أن يطلب المساعدة من الصَّيارفة من أجل استثمار هذه الوزنة، لكنّ كَسَلَه كان السَّبب بقوقعته على ذاته فحُرم من المكافأة الأبديَّة وأُلْقِيَ في الظُّلمة البرّانيّة.
فهلمُّوا أيُّها الإخوة لنطرح عنّا الكسل وليعمل كلُّ واحدٍ منّا ويضاعف مواهبه ليستحقَّ المجد الإلهيّ، و "من له أُذنان للسَّمع فليسمع".
الصّانع ملائكته أرواحًا وخدامه لهيب نار
في سياق دعائه، "باركي يا نفسي للرَّبّ. أيُّها الرَّبّ إلهي لقد عظُمتَ جدًّا. بالبَهاء والجلال تَسربلتَ"، يأتي المزمور ١٠٣ بمثابة دعوة من "داوود الأخرويّ" إيقونة المسيح، إلى إجلال "الملك الحقيقيّ"، الرَّبّ الخالق المُتسربل جلال الخليقة. بحسب التَّقليد اللَّيتورجيّ، تستهلّ الكنيسة الأرثوذكسيّة الصَّلوات اليوميّة بصلاة الغروب مساءَ كلّ يوم بتلاوة المزمور ١٠٣. هذا سببه واضح من المزمور نفسه "صنع القمر للأوقات والشَّمسُ عَرَفت غُرُوبها. صَنعتَ الظُّلمة فكان ليلٌ وفيه تسري جميع وحوش الغاب" (١٩-٢٠). لكن، على رغم سياق امتداد ظلام المساء، كانت صلاة الغروب توحي دائمًا بأوان النُّور لا الظُّلمة، من خلال نشيد الغروب الأقدَم "يا نُورًا بهيًّا…". يستعير كاتب الرِّسالة الى العبرانيّين مطلع المزمور المختصّ بالملائكة "الصَّانع ملائكتَهُ أرواحًا وخدّامَهُ نارًا تتلهّب" (عب ١: ٧)، ليفسّر معلنًا "أليسَ جَميعُهُم أرواحًا خادِمةً مُرسلةً للخدمة لأجل العَتيدِين أن يرثُوا الخلاص؟" (١: ١٤). هو لا يغفل التّركيز على عظم محبّة الله، لأن خدّام محبّته ليسوا مجرّد "نار" ولكن "لهيب نار". ملائكة الله، هي "واو" العطف، الَّتي في البدء حين "خلق الله السَّماوات والأرض"، كانت هي صلة الوصل بين السَّماء والأرض، بحسب الأب سيرجيوس بولغاكوف، الَّذي يراها تربط السَّماء بالأرض "بعلاقة حبّ فريدة". وعلى الرُّغم مِنْ سُمُوِّها، وفي لهيب حبّها لله، تتنازل الملائكة بتواضع وانسحاق كبيرَيْن في خدمة محبّتها لعالمنا نحن البشر. يجمع المزمور بين اعتبارات النّظام الطّبيعيّ، وتلك المتعلّقة بالأمور المَعَاشيّة البشريّة، ممّا يُشير إلى التَّآزر بين عمل الله وعمل الإنسان. يشير المزمور في الأخير، إلى عمل الرُّوح القدس في العالم "تُرسل روحكَ فيُخلقون وتجدِّدُ وجهَ الأرض"، لذلك الخادم دوره أن "أُسبّح الرَّبّ مدى حياتي وأُرتّل لإلهي ما دمتُ موجودً". الخادم الأمين هو "واو" عطف بين الله والبشر، لأنّ مسيرة خدمته هي من "الكلمة" وإليها، إنّه لا يدلُّ على نفسه ولا يتكلَّم حتّى من عنديّاته. خدّام الله لهيب نار إذا تمسَّكوا وسَلَكوا بهذه الثُّلاثيّة "من الله، بالإنجيل، في الآخَر" لأنّهم يعلّمون عمل الله الَّذي هو "من الآب بالابن في الرُّوح القدس، ويعملون به.