نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
أُنقُر على الملف لتصفُّح نشرة كنيستي
كما يمكن قراءة النص الكامل في المقطع أدناه.
الأحد (20) بعد العنصرة
العدد 45
الأحد 10 تشرين الثّاني 2024
اللّحن 3- الإيوثينا 9
أعياد الأسبوع: *10: القدِّيس أرسانيوس الكبادوكي، الرَّسولَين أولمباس وكوارتُس ورفقتهما *11: الشّهداء ميناس ورفقته، القدّيسة استفانيس، القدّيس ثاوذورس الإسطوذيتيّ *12: القدّيس يوحنَّا الرّحيم رئيس أساقفة الإسكندريّة، البارّ نيلس السِّينائيّ *13: القدّيس يوحنّا الذَّهبيّ الفم رئيس أساقفة القسطنطينيّة * 14: الرّسول فيلبُّس أحد الإثنَي عشر، القدّيس غريغوريوس بالاماس *15: بدء صوم الميلاد، الشُّهداء غورياس وصاموناس وأفيفس *16: الرّسول متّى الإنجيليّ.
كلمة الرّاعي
صعوبات الصَّوْم وفوائده
"وَمَتَى صُمْتُمْ فَلاَ تَكُونُوا عَابِسِينَ كَالْمُرَائِينَ، فَإِنَّهُمْ يُغَيِّرُونَ وُجُوهَهُمْ لِكَيْ يَظْهَرُوا لِلنَّاسِ صَائِمِينَ.
اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُمْ قَدِ اسْتَوْفَوْا أَجْرَهُمْ." (مت 6: 16)
صَوْمُ المِيلادِ هُوَ فَتْرَةٌ تَسْتَعِدُّ فِيها الكَنِيسَةُ الأَرثُوذُكْسِيَّةُ لِلاحْتِفالِ بِميلادِ رَبِّنا وَمُخَلِّصِنا يَسُوعَ المـَسِيحِ بِالجَسَدِ مِنَ البَتُولِ مَرْيَمَ القَدِيسَةِ. يَبْدَأُ هَذَا الصَّوْم فِي ١٥ تَشْرِينَ الثَّانِي وَيَسْتَمِرُّ لِمُدَّةِ ٤٠ يَوْمًا حَتَّى الاحْتِفالِ بِقُدَّاسِ عِيدِ الميلادِ فِي ٢٥ كَانُونَ الأَوَّلِ. يُعْرَفُ هَذَا الصَّوْم أَيْضًا بِصَوْمِ الأَرْبَعِينَ، وَهُوَ فَتْرَةٌ مُخَصَّصَةٌ لِلْعَطَاءِ وَالخِدْمَةِ وَالتَّضْحِيَةِ، بِالصَّلاةِ وَالتَّوْبَةِ وَالِامْتِناعِ عَنِ الزَّفَرَيْنِ أَيِ اللُّحُومِ وَمُنْتَجَاتِ الأَلْبَانِ، مَعَ تَفْسِيحِ أَكْلِ السَّمَكِ وَالثِّمَارِ البَحْرِيَّةِ، مَا عَدَا الأَرْبِعَاءِ وَالجُمُعَةِ، إِلَى الثَّانِي عَشَرَ مِنْ شَهْرِ كَانُونَ الأَوَّلِ. يُعْتَبَرُ هَذَا الصَّوْم جُزْءًا هَامًّا مِنَ الزَّمَنِ اللِّيتُورْجِيِّ، وَيَهْدِفُ إِلَى إِعْدَادِ المـُؤْمِنِينَ رُوحِيًّا لِلِاحْتِفَالِ بِعِيدِ الميلادِ. انْتَشَرَ صَوْمُ الميلادِ فِي الكَنِيسَةِ الأَرثُوذُكْسِيَّةِ فِي القَرْنِ الرَّابِعِ أَوِ الخَامِسِ الميلَادِيِّ. وَفِي عَامِ ١١٦٦ م.، حَدَّدَ مَجْمَعٌ عُقِدَ فِي القُسْطَنْطِينِيَّةِ فَتْرَةَ الصَّوْم مِنْ ١٥ تَشْرِينَ الثَّانِي إِلَى ٢٥ كَانُونَ الأَوَّلِ.
* * *
لِلصَّوْمِ وَجْهَانِ مِنَ الصُّعُوبَاتِ، الأَوَّلُ هُوَ جِهَادُ الصَّلَاةِ وَالِانْقِطَاعِ عَنِ الطَّعَامِ الزُّفْرِيِّ وَالثَّانِي هُوَ الِامْتِنَاعُ عَنِ الْخَطَايَا وَالْأَهْوَاءِ وَمُحَارَبَتُهَا. طَبْعًا، الوَجْهُ الثَّانِي مَطْلُوبٌ فِي كُلِّ حِينٍ، وَلَكِن يُشَدِّدُنَا فِيهِ الصَّوْم وَالصَّلَاةُ فِي هَذِهِ الفَتْرَةِ الِانْقِطَاعِيَّةِ قَبْلَ العِيدِ. الإِرَادَةُ هِيَ المـُشْكِلَةُ الَّتِي نُعَانِي مِنْهَا بِسَبَبِ الكَسَلِ وَعَدَمِ الرَّغْبَةِ بِالتَّعَبِ وَالحِرْمَانِ...
غَرِيبٌ أَمْرُ الإِنْسَانِ، لِأَجْلِ المـَادِّيَّاتِ هُوَ مُسْتَعِدٌّ لِلتَّضْحِيَةِ بِرَاحَتِهِ وَرُبَّمَا بِوَقْتِ أَحِبَّائِهِ، وَلَكِن لاقْتِنَاءِ الرُّوحِيَّاتِ لَيْسَ مُسْتَعِدًّا لِلتَّضْحِيَةِ بِشَيْءٍ!... مَا هُوَ فِي جَوْهَرِهِ سَرْمَدِيٌّ وَثَمِينٌ وَلَا يُقَدَّرُ بِثَمَنٍ وَيَمْنَحُ حَيَاةً أَبَدِيَّةً، لَيْسَ الإِنْسَانُ مُسْتَعِدًّا أَنْ يَدْفَعَ ثَمَنًا لَهُ بِالْأَتْعَابِ وَالسَّهَرِ وَالصَّوْم وَالصَّلَاةِ وَالتَّوْبَةِ، وَمَا هُوَ زَائِلٌ وَيُسْتَغْنَى عَنْهُ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُعْطِيَ الإِنْسَانَ الخُلُودَ يَكُونُ الإِنْسَانُ رَاغِبًا بِالتَّضْحِيَةِ بِكُلِّ شَيْءٍ، حَتَّى نَفْسِهِ، مِنْ أَجْلِ الحُصُولِ عَلَيْهِ.
هَذَا هُوَ السُّقُوطُ، إِنَّهُ الِانْخِدَاعُ بِجَمَالٍ يَذْبُلُ وَيَبْلَى وَطَلَبِ مَا لَا َيَمْنَحُ الإِنْسَانَ الِاسْتِمْرَارَ وَالِاسْتِقْرَارَ وَالفَرَحَ وَالسَّلَامَ وَالرَّاحَةَ الأَبَدِيَّةَ. مِنْ هُنَا، يَأْتِي زَمَنُ الصَّوْم لِيَكُونَ فُرْصَةً لِتَقْوِيمِ الفِكْرِ وَالأَهْدَافِ وَالحَيَاةِ، وَلِيَعُودَ الإِنْسَانُ إِلَى نَفْسِهِ وَإِلَى رَبِّهِ حَتَّى يُغَيِّرَ حَيَاتَهُ بِنِعْمَةِ الرَّبِّ.
* * *
أَيُّهَا الأَحِبَّاء، الرَّبُّ يَدْعُونَا لِمُمَارَسَةِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْم، لِأَنَّ بِهِمَا فَقَطْ يُمْكِنُ لِلإِنْسَانِ أَنْ يَقْتَنِيَ نِعْمَةَ اللهِ وَيَغْلِبَ الشَّرِّيرَ. لِيَقْتَنِيَ الإِنْسَانُ نِعْمَةَ اللهِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَطَهَّرَ بِالتَّوْبَةِ مِنْ خَطَايَاهُ وَأَهْوَائِهِ، وَلِكَيْ يَتُوبَ الإِنْسَانُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ وَيَصُومَ، وَلِكَيْ يُصَلِّيَ وَيَصُومَ عَلَيْهِ أَنْ يَغْلِبَ الكَسَلَ الَّذِي فِيهِ وَالَّذِي يُوحِيهِ إِلَيْهِ إِبْلِيسُ فِي الفِكْرِ وَالجَسَدِ، وَلِكَيْ يَغْلِبَ الكَسَلَ عَلَيْهِ أَنْ يَرْغَبَ بِالحُرِّيَّةِ وَيَطْلُبَهَا، وَلِكَيْ يَطْلُبَ الحُرِّيَّةَ وَيَرْغَبَ فِيهَا عَلَيْهِ أَنْ يَكْرَهَ وَاقِعَهُ الرُّوحِيَّ السَّاقِطَ أَي أَنْ يَمْقُتَ خَطَايَاهُ وَأَهْوَاءَهُ الَّتِي تُقَيِّدُهُ وَتَسْتَعْبِدُهُ، وَحَتَّى يَمْقُتَ أَهْوَاءَهُ وَخَطَايَاهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنَ الِاتِّضَاعِ وَلَكِنْ هَذَا لَا يَقْتَنِيهِ، فِي مُعْظَمِ الأَحْيَانِ، مَا لَمْ يَسْقُطْ كَثِيرًا وَيَبْقَ لَدَيْهِ رَجَاءٌ بِاللهِ فَيَشُدَّ هِمَّتَهُ وَيَقُومَ بَعْدَ كُلِّ سَقْطَةٍ، أَمَّا التَّوْبَةُ الحَقِيقِيَّةُ فَتَأْتِي بَعْدَ كَسْرِ الكِبْرِيَاءِ أَي بِالثَّبَاتِ فِي الرَّجَاءِ بِاللهِ وَعَدَمِ السُّقُوطِ فِي اليَأْسِ بِسَبَبِ تِكْرَارِ السُّقُوطِ...
هَذِهِ المـَسِيرَةُ الطَّوِيلَةُ مِنْ أَلَمِ السُّقُوطِ وَنَدَمِ التَّوْبَةِ قَدْ يَعِيشُهَا الإِنْسَانُ سِنِينَ طِوَالًا مَا لَمْ يَأْخُذْ صَلَاتَهُ وَصَوْمَهُ عَلَى مَحْمَلِ الجِدِّ كَجُنْدِيٍّ لِلمَسِيحِ يُجَاهِدُ فِي التَّدْرِيبَاتِ وَيَسْتَبْسِلُ فِي الحَرْبِ... هَكَذَا نَسْتَعِدُّ لِميلَادِ الرَّبِّ يَسُوعَ المـَسِيحِ حَقًّا، أَي لَيْسَ كَحَدَثٍ خَارِجِيٍّ تَارِيخِيٍّ أَوْ كَمُنَاسَبَةٍ اجْتِمَاعِيَّةٍ أَوْ عَالَمِيَّةٍ، بَلْ كَحَالَةٍ رُوحِيَّةٍ جَدِيدَةٍ نَتَمَثَّلُهَا بِكُلِّ كِيَانِنَا وَنَعِيشُهَا بِكُلِّ جَوَارِحِنَا فِي كُلِّ لَحْظَةٍ مِنْ أَيَّامِ حَيَاتِنَا، فَنُمِيتُ العَالَمَ الَّذِي فِينَا كُلَّ اليَوْمِ حَتَّى نُخْلَقَ عَلَى صُورَةِ المـَوْلُودِ ابنِ اللهِ الَّذِي تَجَسَّدَ وَاتَّخَذَنَا لِيُجَدِّدَنَا فِيهِ، فَيَصِيرَ ميلَادُ الرَّبِّ وِلَادَةً جَدِيدَةً لَنَا بِنِعْمَتِهِ، وفِيهِ، عَلَى صُورَتِهِ...
وَمَنْ لَهُ أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ فَلْيَسْمَعْ...
+ أنطونيوس
متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما
طروباريّة القيامة (بِاللَّحْنِ الثّالث)
لِتفرحِ السَّماوِيَّات. ولتَبتَهِجِ الأرضِيَّات. لأنَّ الرَّبَّ صنعَ عِزًّا بساعِدهِ. ووَطِئَ المَوْتَ بالمَوْت. وصارَ بِكرَ الأموات. وأنقذَنا من جَوفِ الجحيم. ومَنَحَ العالمَ الرَّحمةَ العُظمى.
طروباريَّة القدِّيس أرسانيوس (اللَّحن الثّالث)
يا أرسانيوسْ لَقَدْ غَدَوتَ، مَسكِنًا للرُّوحْ لماّ قضَيتَ، كُلَّ عُمرِكَ بِالعيشةِ مَعَ اللهْ، فلِلعجائِبِ تَدفُقُ عامِلًا، وَلِلمَعونَةِ تَمنَحُ عاجِلًا، يا أبانا البارّ، تَشفَّعْ بِنا إلى المسيحْ، أنْ يَمنحَ الجميعَ الرَّحمةَ العُظْمى.
قنداق دخول السَّيّدة إلى الهيكل (باللَّحن الرَّابع)
إِنَّ الهَيْكَلَ الكُلِّيَّ النَّقَاوَةِ هَيْكَلَ الـمُخَلِّصِ، البَتُولَ الخِدْرَ الجَزِيلَ الثَّمَنِ، وَالكَنْزَ الطَّاهِرَ لِمَجْدِ اللهِ، اليَوْمَ تَدْخُلُ إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ وَتُدْخِلُ مَعَهَا النِّعْمَةَ الَّتِي بِالرُّوحِ الإِلَهِيِّ. فَلْتُسَبِّحْهَا مَلائِكَةُ اللهِ لأَنَّهَا هِيَ الـمِظَلَّةُ السَّمَاوِيَّةُ.
الرّسالة (غل 1: 11- 19)
رتِّلوا لإلهِنا رتِّلُوا
يا جميعَ الأمَمِ صَفِّقُوا بالأيَادِي
يَا إِخْوَةُ، أُعْلِمُكُمْ أَنَّ الإِنْجِيلَ الَّذِي بَشَّرْتُكُمْ بِهِ لَيْسَ بِحَسَبِ الإِنْسَانِ، لِأَنِّي لَـمْ أَتَسَلَّمْهُ أَوْ أَتَعَلَّمْهُ مِنْ إِنْسَانٍ، بَلْ بِإِعْلانِ يَسُوعَ الـمَسِيحِ. فَإِنَّكُمْ قَدْ سَمِعْتُمْ بِسِيرَتِي قَدِيمًا فِي مِلَّةِ اليَهُودِ أَنِّي كُنْتُ أَضْطَهِدُ كَنِيسَةَ اللهِ بِإِفْرَاطٍ وَأُدَمِّرُهَا، وَأَزِيدُ تَقَدُّمًا فِي مِلَّةِ اليَهُودِ عَلَى كَثِيرِينَ مِنْ أَتْرَابِي فِي جِنْسِي بِكَوْنِي أَوْفَرَ مِنْهُمْ غَيْرَةً عَلَى تَقْلِيدَاتِ آبَائِي. فَلَـمَّا ارْتَضَى اللهُ الَّذِي أَفْرَزَنِي مِنْ جَوْفِ أُمِّي وَدَعَانِي بِنِعْمَتِهِ، أَنْ يُعْلِنَ ابْنَهُ فِيَّ لِأُبَشِّرَ بِهِ بَيْنَ الأُمَمِ، لِسَاعَتِي لَـمْ أُصْغِ إِلَى لَحْمٍ وَدَمٍ، وَلا صَعِدْتُ إِلَى أُورَشَلِيمَ إِلَى الرُّسُلِ الَّذِينَ قِبْلِي، بَلِ انْطَلَقْتُ إِلَى دِيَارِ العَرَبِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ رَجِعْتُ إِلَى دِمَشْقَ. ثُمَّ إِنِّي بَعْدَ ثَلاثِ سِنِينَ صَعِدْتُ إِلَى أُورَشَلِيمَ لِأَزُورَ بُطْرُسَ، فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَلَـمْ أَرَ غَيْرَهُ مِنَ الرُّسُلِ سِوَى يَعْقُوبَ أَخِي الرَّبِّ.
الإنجيل (لو 10: 25- 37)(لوقا 8)
في ذلك الزَّمان دَنَا إلى يَسوعَ ناموسيٌّ وقال له مجرِّبًا: يا مُعَلِّمُ، ماذا أعملُ لأرِثَ الحياةَ الأبديَّة؟ فقال لهُ: ماذا كُتِبَ في النَّامُوس؟ كيف تَقرأُ؟ فأجابَ وقال: "أَحْبِبِ الرَّبَّ إلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ ومِنْ كُلِّ نَفْسِكَ ومِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ ومِنْ كُلِّ ذِهْنِكَ، وقَرِيبَكَ كنفْسِكَ". فقال لهُ: "بالصَّوابِ أجبتَ؛ اِعمَلْ ذلك فتَحْيَا". فأرادَ أن يُزكِّيَ نفسَهُ فقال ليسوعَ: "ومَن قريبي؟" فعَادَ يَسوع وقال: "كانَ إنسانٌ مُنحَدِرًا مِنْ أورَشَليمَ إلى أرِيحا فَوَقَعَ بَينَ لُصُوصٍ، فعَرَّوهُ وجرَّحوهُ وتَرَكُوهُ بَيْنَ حَيٍّ ومَيْتٍ. فاتَّفق أنَّ كاهنًا كانَ مُنْحَدِرًا في ذلك الطَّريقِ، فأَبْصَرَهُ وجازَ مِنْ أَمَامِهِ، وكذلك لاوِيٌّ أتَى إلى المكانِ فأبْصَرَهُ وجازَ مِن أمَامِه. ثمَّ إنَّ سامِريًّا مُسافِرًا مَرَّ بِه فلمَّا رآهُ تَحنَّن، فَدَنا إليْهِ وضَمَّدَ جِراحاتِهِ وصَبَّ عَلَيْها زَيْتًا وخَمْرًا وحَمَلَهُ على دابَّتهِ وأتى بهِ إلى فُنْدُقٍ واعتَنى بأَمْرِهِ. وفي الغَدِ، فيما هو خارجٌ، أخرَجَ دينارَيْن وأعْطاهما لِصَاحِبِ الفُنْدُقِ وقالَ لهُ: "اعتَنِ بأمرهِ، ومهما تُنفِقُ فوْقَ هذا فأنا أدْفَعُهُ لَكَ عِنْدَ عَوْدَتي". فأيُّ هؤُّلاءِ الثَّلاثةِ تَحسَبُ صار قريبًا للَّذي وَقَعَ بينَ اللُّصوص؟ قال: "الَّذي صَنَعَ إلَيْهِ الرَّحْمَة. فقال لهُ يَسوع: "امْضِ فاصْنَع أنتَ أيضًا كذلك".
حول الإنجيل
نقرأ في هذا الأحد عن ناموسي أي معلم في الشريعة يتميز بدراسته المتعمقة للشريعة الموسوية، أراد أن يجرب الرب يسوع ويسأله عمّا هو البرّ، أي ما يجعله "يرث الحياة الأبديّة". علم المسيح بنيّته فرد على سؤاله بسؤالٍ آخر "أنت كيف تقرأ؟" أي أنت معلم في الناموس فمن البديهي أن تعرف الجواب. ولكي يظهر معرفته بالناموس لخَّصه في وصيتين هما محبة الله ومحبة القريب. مدحه المسيح وشدّد عليه أن ينفِّذ ما قاله لأن المهم العمل وليس المعرفة. وإذ لم يستطع الناموسي أن يجد خطأ في كلام المسيح، سأله سؤالًا آخر "ومن قريبي؟" فأتاه الرب بمثل السامريّ الشفوق.
رجلٌ يهوديّ ترك أورشليم الكائنة على جبلٍ، إشارةً إلى الفِرْدوس وسار نحو أريحا إشارةً إلى السُّقوط، لأنَّها تنخفض عن أورشليم في طريقٍ حجريّ يمتلئ بالكهوف وبالتَّالي تكثر فيه اللُّصوص. وهذا ما حصل للرَّجُل إذْ وَقَعَ بين أيْدِي اللُّصوص أي الشَّياطين الَّذين سرقوا ما معه حتَّى ثيابه وجرَّحوه ثمَّ تركوه بين حَيٍّ ومَيْت. فبحسب القدِّيس يوحنَّا الذَّهبيّ الفم يرمز هذا الرَّجُل إلى البشريَّة كلّها، الَّتي سقطتْ في الخطيئة وتحاربتْ من الشَّياطين وتَعرَّتْ من ثياب البِرّ، وتجرَّحَتْ بالآثام، وتُركَتْ في حالة الموْت.
فلا الكاهن (يمثِّل النَّاموس) ولا اللَّاوي (يمثِّل الأنبياء)، استطاعا شفاءَ الإنسان مِنْ جِراح الخطيئة فقط السَّامريّ الغَريب حسب اليَّهود الَّذي "أتى إلى خاصَّته وخاصَّته لم تقبله" (يو 1: 11) وهو الرَّبُّ يسوع المسيح نفسه، الَّذي مَدَّ يده إلى الرَّجُل وشَفاه من حالته مستعمِلًا الزَّيت أي رحمته الإلهيَّة والخمر أي دمه الَّذي أهرقه لأجل خلاص العالم. ثمَّ حمله على دابَّته، فالمسيح لم يكتفِ بخلاصِنا بل حمَلَنا على منكبَيْه ومَنَحنا شِرْكَة حياته الإلهيَّة الَّتي نحصل عليها في كنيسته أي الفندق، والدِّينارَيْن يشيران إلى الوصايا الأساسيَّة الَّتي تَركَها المسيح للكنيسة، أي تعليم العَهْدَيْن القديم والجديد، أو إلى الأسرار الإلهيَّة الَّتي بها الكنيسة ترعى المؤمنين حتَّى يَعودُ المسيح في مجيئه الثَّاني فيعوِّض خدام كنيسته عن كلِّ تعبهم.
بهذا المثَل بَدَّل المسيح مفهوم القرابة إذ قادَ النَّاموسيّ لإعلان السَّامريّ، الَّذي حسب اليهود هو شخصٌ مَرفوض ومَكروه، كقريبٍ دون أن يسمِّيه إذ قال: "مَنْ صَنَع معه الرَّحْمة" لِيَكُون الجواب على سُؤالِه الأوَّل: لِتَرِثِ الحياةَ الأبديَّة يجب أنْ تصنع الرَّحمة مع كلِّ إنسان اِلْتَقَيْتَ به كان بحاجةٍ لك...
صوم الميلاد: تهيئة النَّفْس
رتَّبِتْ الكنيسة بأنْ يُقام قبل بعض الأعياد السَّيِّديَّة أو الأحداث الخلاصِيَّة برنامج يُهيِّئ النَّفْس لهذا العيد أو الحدَث. ونَظرًا لأهميَّة الصَّوْم ولِما فيه مِنْ إفادة على الصَّعيدَيْن الجسديّ والرُّوحيّ، فقد وضعَتْ الكنيسة أنْ يُصامَ قبل الأعياد المباركَة، الفِصح والميلاد ورقاد السَّيِّدة وقبل عيد مُؤسِّسَيْ الكرسيّ الأنطاكي ّالرَّسولَيْن بطرس وبولس.
يبدأ صوم الميلاد في اليوم الخامس عشر من شهر تشرين الثَّاني بالانقطاع عن الزَّفَرَيْن لغاية عيد الميلاد. وطبْعًا يَترافق الصَّوْم مع صلاةٍ مستمرَّة وتوبَةٍ، فتُصبح طيلة الأربعين يومًا قبل الميلاد فترة انسحاق وعودة إلى الذَّات. الهدف الَّذي وَضَعَتْهُ الكنيسة من الصَّوْم وبرنامج التَّهْيِئَة للعيد هو أنْ يتأمَّل الإنسان في محبَّةِ الله اللَّامُتناهِيَة في سَبيلِ خَلاص البَشَر مِنْ جِهَةٍ، وأن نتحضَّر لهذا الحَدَثِ الخَلاصيّ المبارَك من جِهَةٍ أخرى. عَرَفَ آباءُ الكَنيسَة ومُعَلِّميها أنَّ النَّفْسَ تَبقى مَشدُودَة للأمُور الدُّنيويَّة والانشغالاتِ الَّتي لا حَصْرَ لها. "لأنَّ كلَّ ما في العالم شهوةُ الجسد، وشهوةُ العُيون، وتَعَظُّمِ المـَعيشة، ليس مِنَ الآب، بل مِنَ العالم" (1 يو 2: 16). فكلّ ما في العالم يُحدِرُنا إلى أَسْفَل، لَيْسَ إلى الأرضِ وحَسْب، بل إلى الجحيم. والإنسان بعدَ السُّقوط أشْبَه بمَن ينحدر في وادي مُظلِم مَسلوبَ الإرادة لا حَوْلَ لهُ ولا قُوَّة. هنا يأتي دورُ الكنيسة، بأن ترفع الإنسانَ مِنْ جَحِيمِهِ وشَهَواتِهِ لِتَجْذِبَهُ إلى التَّأمُّل بالإلهيَّاتِ والخبرةِ في العَيْشِ مع الله، "لأنَّ ملكوتَ اللهِ في داخِلِكُم" (لو 17: 20).
اللهُ قريبٌ مِنّا عندما نكون في عِشْرَةٍ دائِمَةٍ مَعَهُ بالصَّلاةِ وأَعْمالِ المَحَبَّةِ. وَما فَتْرَةُ الصَّوْم قَبْلَ الميلادِ سِوَى عَيْشٍ بِحضْرَةِ الآبِ واخْتِبارِ مَحَبَّتِنا لَهُ. وَكَما عَلَّمَنا الإنْجيليُّ والرَّسُولُ يُوحَنَّا فَإِنَّ مَحَبَّةَ اللهِ تَتَماهى مَعَ مَحَبَّةِ القَرِيبِ، وَنَحْنُ بِهذِهِ المَحَبَّةِ نَنْتَقِلُ مِنَ المَوْتِ إِلى الحَيَاةِ "نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّنا قَدِ انْتَقَلْنا مِنَ المَوْتِ إِلى الحَيَاةِ، لأَنَّنا نُحِبُّ الإِخْوَةَ، وَمَنْ لا يُحِبُّ أَخاهُ يَبْقى فِي المَوْتِ" (1 يُو 3: 14).
الصَّوْم في بُعْدِه الأوَّل والأخير هو مَسعًى لِعَيْشِ الفردوس على الأرض، مِنْ خِلال المـُصالَحة الَّتي نَعيشُها مع أنْفُسِنا ومع الآخَر ومع الله. فلنُقْبِل على هذا الصَّوْم بشَغَفٍ وحَماس طارِحينَ عنَّا الكَسَل والتَّهاوُن لِنَقطُف ثمارَ وفرحَ العيد المـُقْبِل علَيْنا عيدَ ميلادِ ربِّنا ومُخلِّصِنا يسوعَ المسيح له المـَجدُ إلى الأبد، آمين.