نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
أُنقُر على الملف لتصفُّح نشرة كنيستي
كما يمكن قراءة النص الكامل في المقطع أدناه.
الأحد (9) بعد العنصرة
العدد 32
الأحد 10 آب 2025
اللّحن 8- الإيوثينا 9
أعياد الأسبوع: *10: الشَّهيد لَفرنديوس رئيس الشَّمامسة *11: الشَّهيد إفبُلُس الشمَّاس، القدِّيس نيفن بطريرك القسطنطينيَّة *12: الشَّهيدين فوتيوس وأنيكيتوس *13: وداع التَّجلّي، نقل عظام القدِّيس مكسيموس المعترف، القدّيس دوروثاوس أسقف غزَّة وتلميذه دوسيثاوس، القدِّيس تيخن زادونسكي *14: تقدمة عيد رُقاد والدة الإله، النَّبيّ ميخا *15: رقاد سيّدتنا والدة الإله الفائقة القداسة *16: تذكار نقل المنديل الشَّريف من الرّها، الشَّهيد ديوميدوس.
كلمة الرّاعي
رقاد وانتقال والدة الإله مريم البتول
"في رقادكِ ما أهملتِ العالم" (طروباريَّة عيد الرُّقاد)
في التَّقليد الأرثوذكسيّ، يُحتفل بعيد رقاد والدة الإله مريم في الخامس عشر (15) من آب، وهو من أعظم الأعياد المريميَّة، ويُحتفل فيه برقاد والدة الإله وانتقالها إلى السَّماء بالجسد، وهو تاليًا يُعبّر عن نهاية حياتها الأرضيَّة وانتقالها إلى المجد السَّماويّ.
بعد حياةٍ مليئةٍ بالطَّهارة والطَّاعة لله، شعرت السَّيِّدة العذراء بقرب ساعة رقادها. بحسب التَّقليد، أُعلن لها ذلك من قبل رئيس الملائكة جبرائيل، الَّذي بشّرها بأنها ستنتقل إلى الحياة الأبديَّة بعد ثلاثة أيَّام.
بمعجزةٍ إلهيَّة، اجتمع الرُّسُل من أقاصي الأرض، حيث كانوا يبشِّرون، وحُمِلوا على السُّحب إلى بيت مريم في قرية الجثسمانيَّة في أورشليم. هناك، أحاطوا بها وصلّوا معها، وودّعوها بحزن ممزوج بالرَّجاء.
في اليوم الثَّالث، رقدت والدة الإله بسلام، وسط تسبيح الرُّسُل وصلواتهم. وُضع جسدها الطَّاهر في قبرٍ في وادي قدرون بالقرب من جبل الزَّيتون، قرب جبل الزَّيتون، وهذا المكان معروف على أنّه قبر والدة الإله منذ القرون الأولى.
* * *
في التَّقليد الأرثوذكسيّ، يُروى أنَّ الرَّسول توما لم يكن حاضرًا عند رقاد والدة الإله مريم، كما حدث في قصَّة القيامة حين غاب عن ظهور المسيح الأوَّل للرُّسُل. ولكنَّ هذه الغيبة لم تكن نقصًا، بل كانت مدخلًا إلى إعلانٍ إلهيٍّ جديد.
بحسب التَّقليد الشَّفهيّ الَّذي نقله الآباء القدِّيسون، أتى توما بعد ثلاثة أيَّامٍ من رقاد والدة الإله، وقد حملته سحابة من الرُّوح القدس إلى أورشليم، حيث التقى بالرُّسُل الَّذين كانوا قد دفنوا جسدها الطّاهر في الجسمانية.
توما، الَّذي لم يشهد الرُّقاد، طلب أن يُفتح القبر ليرى الجسد ويودّعها. وعندما فتح الرُّسُل القبر، وجدوه فارغًا، فتيقَّنوا أنَّ العذراء قد انتقلت بجسدها إلى السَّماء، كما سبق وانتقل ابنها الإلهيّ.
في بعض الرِّوايات، يُقال أنَّ العذراء ظهرت لتوما وعاينها في السَّماء، محاطةً بالملائكة، وأعطته زنَّارها كعلامةٍ وبرهانٍ على انتقالها بالجسد. هذا الزّنَّار يُكرّم في التَّقليد الأرثوذكسيّ، وهو محفوظٌ في دير فاتوبيذي في جبل آثوس إلى اليوم.
* * *
غياب توما ثمّ حضوره المتأخِّر كان بتدبيرٍ إلهيّ وسيلة إلهيَّة لإعلان انتقال العذراء بالجسد، تمامًا كما كان غيابه عن القيامة سببًا لإعلان حقيقة قيامة المسيح بالجسد باليَقين والدَّليل. وهكذا، فإنَّ توما يُعتبر مسبِّبًا لكشف سرّ قيامة والدة الإله بعد رقادها، وانتقالها بالجسد إلى المجد السَّماويّ، وهو مع الرُّسُل الآخَرين شهود لذلك.
بالحقيقة، هذا العيد هو عربون قيامتنا كَوْن العذراء مريم هي أوّل إنسان بعد الرَّبّ يسوع المسيح يقوم بالجسد ويدخل ملكوت السَّماوات ويقتني الحياة الأبديَّة. صحيح أنَّ يسوع قام من بين الأموات، لكنَّ مريم أيضًا أقامها يسوع لتكون الباكورة لقيامتنا جميعا بالجسد في اليوم الأخير من قبل ابنها.
بدون رجاء القيامة بالجسد واقتناء الحياة الأبديَّة ودخول ملكوت السَّماوات لا معنى للحياة. القيامة بالجسد أساس إيماننا، ويسوع حقَّق لنا هذه القيامة وأوّل من تنعّم بسرّ الفداء هذا هي مريم والدة الإله الَّتي قطفت ثمرة قيامة يسوع بالجسد بأن أقامها هي أيضًا بالجسد قبل الأوان أي قبل نهاية العالم والدَّينونة العامَّة.
اِنطلاقًا من هذا الإيمان بالقيامة وهذا البرهان الَّذي منحنا إيَّاه يسوع أيضًا في مريم، نحن نعيش في طاعة الوصية الإلهيَّة طالبين نعمة الروح القُدس لكي نستطيع أن نتمّم مشيئة الله وأن نتطهّر من خطايانا، محتملين التَّجارب والضِّيقات ومحارِبين أهواءنا وشهواتنا وتائبين عنها، وعالمين أنّ الَّذي مشى على البحر وأنقذ تلاميذه من العاصف هو معنا وهو قادر أن ينقذنا من كلّ الشدائد. هذا هو تجسيد إيماننا بالقائم من بين الأموات بشفاعة والدته الكلِّيَّة الطَّهارة شفيعتنا الحارَّة والَّتي طلبتها لا تُرَدّ...
ومن له أذنان للسَّمع فليسمع...
+ أنطونيوس
متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما
طروباريّة القيامة (باللَّحن الثّامن)
انْحَدَرْتَ مِنَ العُلوِّ يا مُتحنِّن. وقَبِلتَ الدَّفنَ ذا الثّلاثةِ الأيّام. لكي تُعتقَنا مِنَ الآلام، فيا حياتَنا وقيامتَنا يا رَبُّ المجدُ لك.
طروباريَّة التَّجَلِّي (باللَّحن السَّابِع)
لمَّا تَجَلَّيْتَ أَيُّهَا المسيحُ الإلهُ في الجبل، أَظْهَرْتَ مجدَك للتَّلاميذِ حسبَمَا ﭐسْتَطَاعُوا، فأَشْرِقْ لنا نحنُ الخَطَأَة نورَكَ الأزَلِي، بشفاعاتِ والدةِ الإله، يا مانِحَ النُّورِ المجدُ لك.
قنداق التَّجَلِّي (باللَّحن السَّابِع)
تَجَلَّيْتَ أيُّها المسيحُ الإلهُ في الجبل، وحَسْبَمَا وَسِعَ تلاميذُك شاهَدُوا مَجْدَك، حتَّى، عندما يُعَايِنُوكَ مَصْلُوبًا، يَفْطَنُوا أنَّ آلامَكَ طوعًا بـﭑختيارِك، ويَكْرِزُوا للعالم أنَّكَ أَنْتَ بالحقيقةِ شُعَاعُ الآب.
الرّسالة (1 كو 3: 9- 17)
صَلُّوا وَأَوْفُوا الرَّبَّ إِلَهَنَا.
اللهُ مَعْرُوفٌ فِي أَرْضِ يَهُوذَا.
يَا إِخْوَةُ، إِنَّا نَحْنُ عَامِلُونَ مَعَ اللهِ وَأَنْتُمْ حَرْثُ اللهِ وَبِنَاءُ اللهِ. أَنَا بِـحَسَبِ نِعْمَةِ اللهِ الـمُعْطَاةِ لِي كَبَنَّاءٍ حَكِيمٍ وَضَعْتُ الأَسَاسَ، وَآخَرُ يَبْنِي عَلَيْهِ. فَلْيَنْظُرْ كُلُّ وَاحِدٍ كَيْفَ يَبْنِي عَلَيْهِ، إِذْ لا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَضَعَ أَسَاسًا غَيْرَ الـمَوْضُوعِ وَهُوَ يَسُوعُ الـمَسِيحُ. فَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يَبْنِي عَلَى هَذَا الأَسَاسِ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً أَوْ حِجَارَةَ ثَـمِينَةً أَوْ خَشَبًا أَوْ حَشِيشًا أَوْ تِبْنًا، فَإِنَّ عَمَلَ كُلِّ وَاحِدٍ سَيَكُونُ بَيِّنًا لِأَنَّ يَوْمَ الرَّبِّ سَيُظْهِرُهُ لِأَنَّهُ يُعْلَنُ بِالنَّارِ. وَسَتَمْتَحِنُ النَّارُ عَمَلٍ كُلِّ وَاحِدٍ مَا هُوَ. فَمَنْ بَقِيَ عَمَلُهُ الَّذي بَنَاهُ عَلَى الأَسَاسِ فَسَيَنَالُ أُجْرَةً، وَمَنِ احْتَرَقَ عَمَلُهُ فَسَيَخْسَرُ وَسَيَخْلُصُ هُوَ وَلَكِنْ كَمَنْ يَـمُرُّ فِي النَّارِ. أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ وَأَنَّ رُوحَ اللهِ سَاكِنٌ فِيكُمْ؟ مَنْ يُفْسِدُ هَيْكَلَ اللهِ يُفْسِدُهُ اللهُ، لِأَنَّ هَيْكَلَ اللهِ مُقَدَّسٌ وَهُوَ أَنْتُمْ.
الإنجيل (متّى 14: 22- 34)(متّى 9)
فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ اضْطَرَّ يَسُوعُ تَلامِيذَهُ أَنْ يَدْخُلُوا السَّفِينَةَ وَيَسْبِقُوهُ إِلَى العِبْرِ حَتَّى يَصْرِفَ الجُمُوعَ. وَلَـمَّا صَرَفَ الجُمُوعَ صَعِدَ وَحْدَهُ إِلَى الجَبَلِ لِيُصَلِّيَ. وَلَـمَّا كَانَ الـمَسَاءُ كَانَ هُنَاكَ وَحْدَهُ، وَكَانَتِ السَّفِينَةُ فِي وَسَطِ البَحْرِ تَكُدُّهَا الأَمْوَاجُ لِأَنَّ الرِّيحَ كَانَتْ مُضَادَّةً لَـهَا. وَعِنْدَ الهَجْعَةِ الرَّابِعَةِ مِنَ اللَّيْلِ مَضَى إِلَيْهِمْ مَاشِيًا عَلَى البَحْرِ. فَلَـمَّا رَآهُ التَّلامِيذُ مَاشِيًا عَلَى البَحْرِ اضْطَرَبُوا وَقَالُوا إِنَّهُ خَيَالٌ، وَمِنَ الخَوْفِ صَرَخُوا. فَلِلْوَقْتِ كَلَّمَهُمْ يَسُوعُ قَائِلًا: أَنَا هُوَ لا تَخَافُوا. فَأَجَابَهُ بُطْرُسُ قَائِلًا: يَا رَبُّ، إِنْ كُنْتَ أَنْتَ هُوَ فَمُرْنِي أَنْ آتِـيَ إِلَيْكَ عَلَى الـمِيَاهِ. فَقَالَ: تَعَالَ. فَنَزَلَ بُطْرُسُ مِنَ السَّفِينَةِ وَمَشَی عَلَى الـمِيَاهِ آتِيًا إِلَى يَسُوعَ. فَلَـمَّا رَأَى شِدَّةَ الرِّيحِ خَافَ. وَإِذْ بَدَأَ يَغْرَقُ صَاحَ قَائِلًا: يَا رَبُّ نَـجِّنِي. وَلِلْوَقْتِ مَدَّ يَسُوعُ يَدَهُ وَأَمْسَكَ بِهَ وَقَالَ لَهُ: يَا قَلِيلَ الإِيـمَانِ لِـمَاذَا شَكَكْتَ؟ وَلَـمَّا دَخَلا السَّفِينَةَ سَكَنَتِ الرِّيحُ. فَجَاءَ الَّذينَ كَانُوا فِي السَّفِينَةِ وَسَجَدُوا لَهُ قَائِلِينَ: بِالحَقِيقَةِ أَنْتَ ابْنُ اللهِ. وَلَـمَّا عَبَرُوا جَاؤُوا إِلَى أَرْضِ جَنِيسَارَت.
حول الإنجيل
هزيع العمر
لقد قسَّم العبرانيّيون اللَّيل، من المساء إلى شروق الشَّمس، إلى ثلاثة أقسام (كلّ قسم يسمَّى هزيع) ولكن بسبب التَّأثير اليونانيّ والرُّومانيّ على فلسطين أُعيد تقسيمه إلى أربعة أقسام. والهزيع الرَّابع ينتهي بشروق الشَّمس.
وكذا الحياة، حياة الإنسان لها مراحل جهاديّة قبل حلول النِّهاية للقاء النُّور الحقيقيّ شمس العدل.
في هذه المراحل يتهيَّء المسيحيّ ليكون من أبناء النُّور، في عالم تغشيه الظُّلمة والاضطرابات، كما كانت السَّفينة الَّتي تحمل التَّلاميذ " في وسط البحر، معذّبة من الأمواج لأنَّ الرِّيح كانت مضادَّة".
هذه هي حال المسيحيِّين في هذا العالم، وكأنَّهم في تضادّ مع روح العالم، ممَّا يُحدث صراعًا في النَّفس حول كيفيّة التَّعامل مع مجريات الكون وبخاصَّةً مع أفكار النَّاس وأطباعهم وذلك بغية الحفاظ على النِّعمة الإلهيّة الكائنة فينا.
هذا ما يراه الآباء القدِّيسون أنَّ الحفاظ على النَّقاوة المسيحيّة والنِّعمة الإلهيّة لا تتمّ إلَّا بالثَّبات على الفضائل، كما ثبت التَّلاميذ في السَّفينة، بالاتِّكال الكامل على الرَّبّ، "الرَّبّ قريب من جميع الَّذين يدعونه بصدقٍ، يُجيب سؤال جميع خائفيه، ويسمع تضرُّعهم فيخلّصهم"(مز 18:145-19).
القدِّيس يوسف الهدوئيّ يوضح طريق المسيحيّ في بحر هذا العمر ويقول: " أتعرف أيَّة تجربةٍ وأيّ صراعٍ عليك أن تواجه كي لا تزعج النَّاس وهم يغيظونك؟ ألَّا تمدّ يدًا إلى ما هو لهم فيما هم يسرقونك؟ أن تباركهم فيما هم يلعنونك؟ أن ترحمهم فيما هم يظلمونك؟ أن تمدحهم فيما هم ينتقدونك، وأن يدعونك ضالًّا وأنت تعلم أنَّ ما يقولونه غير صحيح؟ وأن تعاني التَّجربة الَّتي تستفزّهم ومع ذلك تتوب وتنوح وكأنَّك مذنبٌ لكونك ما أنت عليه؟ هذه أقسى التَّجارب الَّتي يخوضها الإنسان المسيحيّ لأنَّه فيما هو يُحارَب، يُحارِبُ نفسه أيضًا"، ولكنَّه في الوقت ذاته يُدرك أنّ الانقاذ الوحيد هو الآتي من لَدُنِ الرَّبّ، صارخًا كبطرس:" يا ربُّ نجِّني"، ورافعًا نفسه إلى ساكن السَّماء كمثل عيون العبد إلى سيِّده قائلًا: "نحوك أيُّها الرَّبُّ السَّيّد رفعت عينيَّ، وبك لُذتُ، فلا تترك نفسي عرضةً للموت" (مز 8:141).
لذا لنحترص، ولا نفقد الثِّقة بالرَّبّ لأننا ما زلنا في السَّفينة وما زال بإمكاننا أن ننطلق من جديد لكونه هو ربّان حياتنا وسبب رجائنا.
نقاوة الموت
"لأَنَّنَا إِنْ عِشْنَا فَلِلرَّبِّ نَعِيشُ، وَإِنْ مُتْنَا فَلِلرَّبِّ نَمُوتُ. فَإِنْ عِشْنَا وَإِنْ مُتْنَا فَلِلرَّبِّ نَحْنُ" (رو 14: 8). إنَّ الرَّبّ يسوع المسيح جاء إلى العالم ليتَّحد بنا، ويجعلنا نتذوّق الحياة الأبديَّة. "وَلاَ يَقُولُونَ: هُوَذَا ههُنَا، أَوْ: هُوَذَا هُنَاكَ! لأَنْ هَا مَلَكُوتُ اللهِ دَاخِلَكُمْ" (لو 17: 21). أكَّدت الكنيسة أنَّ الوعد الإلهيّ للبشر قد تمّ في رقاد والدة الإله. فهي ترتّل "يا من هي بعد الولادة بتول وبعد الموت حيّة ..." (التاسعة من كطفاسيات عيد رقاد والدة الإله).
ما تمّ في والدة الإله بعد رقادها، هو ما ينتظرنا نحن أولادها الحاملين اسم ابنها في قلوبنا وذهننا. فنستعدّ لمواجهة الموت، ولكن بصورته وحلّته الجديدة، نستعدّ لندخل إلى نقاوة الموت، استنارته، تحوّله إلى حياة. كيف تحوّل الموت إلى حياة؟ عندما وطىء المسيح الموت بالموت استنار الجحيم وغُلب عندما داسته وسكنته الحياة بملئها. هذه الحالة الجديدة للموت عاينها الشُّهداء قبيل رقادهم. فالقدّيس إغناطيوس الأنطاكيّ عندما علم بأنّ المسيحيّين في رومية ينصبون كمينًا ليخلِّصوه من حكم الموت الصادر بحقِّه، أرسل لهم رسالته الشَّهيرة يتوسَّل إليهم بأن لا يحرموه من الانتقال إلى الحياة لملاقاة حبيبه "دعوني أُطحَن في أنياب الوحوش حنطةً لله". كما أنَّ بولس الرَّسول صرخ بعد معاينته نقاوة وجمال الموت لمن هو للمسيح "أين شوكتك يا موت أين غلبتك يا جحيم !!". ونرى في إيقونة النُّزول إلى الجحيم المسيح النَّاهض من بين الأموات يمسك آدم وحوّاء محاطين بجمعٍ غفير من الملائكة والقدِّيسن الظَّافِرين من أنبياء العهد القديم حتَّى يوحنّا المعمدان. إنَّها أجمل صورة للجحيم مستنيرةً بنور المسيح. ولهذا السَّبب بعينه استنار وجه استفانوس أوَّل الشُّهداء عندما رأى ما ينتظره وراء الموت (راجع أعمال 6).
لذلك إنَّ أمَّنا والدة الإله برقادها وانتقالها بالجسد إلى السَّماء، أعطت لنا نحن مكرِّميها شرف الجلوس بقربها عن يمين الله الآب في ابنها. فإنَّ الموت من كلِّ جوانبه إنْ كان بالاستشهاد، أو نتيجة مرضٍ أو حادثٍ إلخ. ... هو فرصة ليقرِّبنا إلى المسيح والسُّكنى في جوار والدة الإله وجميع القدِّيسين حيث يشرق نور وجه المسيح الَّذي به وبقربه حياتنا الأبديّة، آمين.