نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
الأحد 9 آب 2020
العدد 32
الأحد (9) بعد العنصرة
اللّحن 8- الإيوثينا 9
أعياد الأسبوع: *9: الرَّسول متِّيَّاس، البارّ بسويي *10: الشَّهيد لَفْرِنْدِيُوس رئيس الشَّمامسة *11: الشُّهيد آفْبُلُس الشَّمَّاس، نيفن بطريرك القسطنطينيَّة *12: الشَّهيدان فوتيوس وأَنِيكِيتُس *13: وداع التَّجلِّي، نقل عظام مكسيموس المُعترف، دوروثاوس أسقف غزَّة وتلميذه دوسيثاوس، تيخن زادونسكي *14: تقدمة عيد الرُّقاد، النَّبيُّ ميخا *15: رقاد سيِّدتنا والدة الإله الفائقة القداسة.
كلمة الرّاعي
موتٌ فقيامة
ها نحن سنعيّد لرقاد والدة الإله، كما لانتقالها أيضًا أي لقيامتها بالجسد وصعودها إلى السّماوات. هذا عيد رجاء وفرح في زمن الظّلمة الّتي تعبر بها بلادنا. الموت ليس نهاية الإنسان، بل هو بداية الانكشاف الكلّيّ لسِرِّ الوجود والحياة الأبديّة.
إنّ ”اللهَ الَّذِي قَالَ: "أَنْ يُشْرِقَ نُورٌ مِنْ ظُلْمَةٍ“ (2 كورنثوس 4: 6) هو الوحيد القادر أن يُخرِج من الموت حياتًا، وهذا ما أتمّه المسيح الرَّبّ على الصّليب...
الظّلمة دَخَلَتْ حياة البشر بالخطيئة، وإنسان اليوم مُحاط بالإثم وأفكار الكفر والكبرياء والأنانيّة والحسد والانغلاق والشَّرّ والجهل. ”حضارة“ العَوْلَمة هي مطيّة عالم الاستهلاك وفلسفة تشييئ الإنسان... العالم دخل في مرحلة قتل الإنسانيّة في النّفوس عبر دفع البشر إلى أن يكونوا في سباق دائم مع لقمة عيشهم، فَطَلَبِ راحتهم ورفاههم، فاستسلامهم للجشع والطّمع، إلى أن يصل الإنسان ليصير عبدًا لجسده وحاجاته ونزواته وأهوائه... ولأسياد هذا العالم والمتحكّمين به... ثقافة الحرّيّة المطلقة هي طريق الموت وهي الطُّعم الّذي يتمّ من خلاله تصيُّد الشّبيبة، بخاصّة، وكلّ شرائح المجتمع إلى وَهْمِ اقتناء السّعادة عبر ”شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظُّم المعيشة“ (1 يوحنا 2: 16).
* * *
إذا نظرنا إلى حياتنا من خلال ما في هذا العالم فقط، فنحن أتعس النّاس لأنّه لا شيء يُرتجى من الوجود سوى ما يعيشه الإنسان في هذا العالم، هذه تُسمّى حياة لأجل الموت. أمّا المنطق السّليم، والّذي هو عكس ما يسوّقه لنا العالم، فهو أنّنا حين نطلب الموت عن أوهام الدُّنيا وكذبة السّعادة الاستهلاكيّة، أي حين نموت عن العالم بهذا المعنى فإنّنا نربح حياتنا الأبديّة.
الفرح والسّعادة نقتنيهما بالحبّ والعطاء وبلسمة جراح وأوجاع المتألّمين. ولكن، حتّى نصل إلى هذا الحبّ الإلهيّ لا بدّ لنا من معرفة الإنسان في ضعفاته وطاقاته في أنفسنا أوّلًا، لا بدّ لنا من فهم لطبيعتنا في هشاشتها وقوّتها وفي حقارتها وتجليّها. بشاعة الموت هي في خطيئيّتنا وأهوائيّتنا، وجمال الحياة هو في برارتنا ونقاوتنا. الحرّيّة الحقيقيّة هي قوّة الله المتجلّية في اختيار الإنسان الموت عن ما هو له أي لأناه في ذاته ليختار ما هو للآخَر المطلق، أي الله، في نفسه. حين نطلب ما لله نطلب ما للإنسان حقًّا، والرَّبّ قد أتى لتكون لنا الحياة وتكون أفضل (يوحنا 10: 10). وما هي الحياة الأفضل يا ترى؟ إنّها نقاوة القلب والذّهن من كلّ صنمٍ أي من كلّ روح ليس من الله، ونقاوة الجسد والعقل من كلّ شرّ وحسد وحقد أي من كلّ فكر وعمل ليس من العليّ...
* * *
أيُّها الأحبّاء، هذه هي مريميّة موتنا وحياتنا، لأنّ مريم والدة الإله صارت كلّيّة النّقاوة والطّهارة بقبولها لكلمة الله وطاعتها الكلّيّة لها، وهكذا صارت أمّ الحياة وأُعتِقت من فساد الممات إذ أقامها ابنها في اليوم الثّالث ونقلها بالجسد إلى السّماء.
مسيرة الإنسان نحو اكتشاف معنى وجوده وحياته تمرُّ حُكمًا بالموت والألم النّاتج عن عدم فهم سرّ صراعه الخفيّ والحرب الّتي تدور في داخله بين الحبّ والأنانيّة وبين الرّحمة والقسوة وبين الكبرياء والتّواضع وبين الاستهلاك والبذل وبين التّسلُّط والتّعاون وبين الأثَرَة والمشاركة وبين الحقارة والرِّفعة وبين الكذب والاستقامة وبين الباطل والحقّ ...
أن نعرف يعني أن نثق بالله وأن نكون في الرّاحة يعني أن نسلّمه حياتنا وأن نقتني السّلام يعني أن نتحرَّر من كلّ حاجة وضرورة بحسب مقاييس العالم وأن نقتني السّعادة يعني أن نتّحد بالله أي أن يصير الله حياتنا من خلال سكناه فينا بروحه القدّوس حين تصير كلمته متجسِّدة في كلّ خلايا كياننا المادّيّ والرّوحيّ. هذا هو فعل النّعمة الإلهيّة في الإنسان، هذا ما حصل في مريم بطريقة فريدة، هذا ما يجعلنا منذ الآن في امتداد لانهائيّ نحو الله ومن خلاله نحو الإنسان والكون إنطلاقًا من الله نفسه... هكذا يصير الإنسان في كلّ إنسان ولا يحيا إلّا في شركة الحبّ السّرّيّ (mystical)، بالرّوح القدس، مع كلّ إنسان فتصير حياته تجليّات مستمرّة لسِرِّ الوحدة بين الله والبشر من خلال كافّة أفكاره وأقواله وأعماله... هو لا يعيش لذاته بل لخالقه في ذاته وفي كلّ الخليقة... هذا هو سرّ الموت المؤدّي إلى القيامة منذ الآن...
ومن له اذنان للسّمع فليسمع...
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما
طروباريّة القيامة (باللَّحن الثّامن)
انحدرتَ مِنَ العُلوِّ أَيُّها المُتحنِّن. وقَبِلتَ الدَّفنَ ذا الثّلاثةِ الأيّام. لكي تُعتقَنا مِنَ الآلام، فيا حياتَنا وقيامتَنا يا رَبُّ المجدُ لك.
طروباريَّة التَّجَلِّي (باللَّحن السَّابِع)
لمَّا تَجَلَّيْتَ أَيُّهَا المسيحُ الإلهُ في الجبل، أَظْهَرْتَ مجدَك للتَّلاميذِ حسبَمَا ﭐسْتَطَاعُوا، فأَشْرِقْ لنا نحنُ الخَطَأَة نورَكَ الأزَلِي، بشفاعاتِ والدةِ الإله، يا مانِحَ النُّورِ المجدُ لك.
قنداق التَّجَلِّي (باللَّحن السَّابِع)
تَجَلَّيْتَ أيُّها المسيحُ الإلهُ في الجبل، وحَسْبَمَا وَسِعَ تلاميذُك شاهَدُوا مَجْدَك، حتَّى، عندما يُعَايِنُوكَ مَصْلُوبًا، يَفْطَنُوا أنَّ آلامَكَ طوعًا بـﭑختيارِك، ويَكْرِزُوا للعالم أنَّكَ أَنْتَ بالحقيقةِ شُعَاعُ الآب.
الرّسالة (1 كو 3: 9- 17)
صَلُّوا وأَوْفُوا الرَّبَّ إلهَنَا
اللهُ مَعْرُوفٌ في أَرْضِ يَهُوذَا
يا إخوةُ، إِنَّا نحنُ عامِلُونَ معَ اللهِ وأنتم حَرْثُ اللهِ وبِناءُ الله. أنا بحسَبِ نِعَمةِ اللهِ ﭐلمُعطَاةِ لي كبنَّاءٍ حكِيمٍ وَضَعْتُ ﭐلأسَاسَ وآخَرُ يَبنِي عليهِ. فَلْيَنْظُرْ كُلُّ واحِدٍ كيف يبنِي عليهِ، إذ لا يستطيعُ أحدٌ أنْ يضعَ أساسًا غيرَ ﭐلموضُوعِ وهوَ يسوعُ ﭐلمسيح. فإنْ كانَ أحدٌ يبني على هذا ﭐلأساسِ ذهبًا أو فِضَّةً أو حِجارةً ثَمينةً أو خشبًا أو حَشيشًا أو تِبْنًا، فإنَّ عملَ كلّ واحدٍ سيكونُ بَيِّنًا لأنَّ يومَ الرَّبِّ سيُظْهِرُهُ لأنَّه يُعلَنُ بالنَّارِ وستَمتَحِنُ النَّارُ عَملَ كلِّ واحِدٍ ما هو. فَمَنْ بَقِيَ عمَلُهُ الَّذي بناهُ على ﭐلأساسِ فسينالُ أُجْرَةً ومَنِ ﭐحتَرَقَ عَمَلُهُ فسَيخسَرُ وسيَخْلُصُ هُوَ ولكن كمَن يَمرُّ في النَّار. أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُم هيكلُ اللهِ وأنَّ روحَ اللهِ سَاكِنٌ فيكمْ، مَن يُفسِدُ هَيكلَ اللهِ يُفسِدهُ الله. لأنَّ هيكلَ اللهِ مُقدَّسٌ وَهُوَ أنتُم.
الإنجيل (مت 14: 22- 34) (مت 9)
في ذلك الزَّمان ﭐضْطَرَّ يسوعُ تلاميذَهُ أن يدخُلُوا السَّفينةَ ويسبِقُوهُ إلى ﭐلعِبْرِ حتَّى يصرِفَ ﭐلجموع. ولمَّا صرف ﭐلجموعَ صعِد وحدَهُ إلى ﭐلجبلِ ليُصَلِّي. ولمَّا كان ﭐلمساءُ كان هناك وحدَهُ، وكانتِ السَّفينةُ في وَسْطِ ﭐلبحرِ تَكُدُّهَا ﭐلأمواجُ لأنَّ الرِّيحَ كانت مُضَادَّةً لها. وعند ﭐلهَجْعَةِ الرَّابِعَةِ من ﭐللَّيل مضى إليهم ماشِيًا على ﭐلبحر، فلَّما رآه التَّلاميذ ماشِيًا على ﭐلبحر ﭐضْطَرَبُوا وقالُوا إنَّه خَيالٌ ومن ﭐلخوفِ صرخُوا. فللوقت كلَّمَهُم يسوعُ قائِلًا: ثِقُوا أنا هو لا تخافُوا. فأجابَهُ بطرسُ قائِلًا: يا ربُّ إنْ كنتَ أنتَ هو فمُرْنِي أن آتِيَ إليكَ على ﭐلمياه، فقالَ: تعالَ. فنزَلَ بطرسُ من السَّفينة ومشى على ﭐلمياه آتِيًا إلى يسوع، فلَّمَا رأى شِدَّةَ الرِّيح خافَ، وإذْ بَدَأَ يغرَقُ صاحَ قائِلًا: يا رَبُّ نَجِّنِي. وللوقتِ مَدَّ يسوعُ يدَهُ وأمسَكَ بهِ وقال لهُ: يا قليلَ ﭐلإيمانِ لماذا شَكَكْتَ؟ ولمَّا دخلا السَّفينةَ سَكَنَتِ الرِّيح. فجاءَ الَّذين كانوا في السَّفينةِ وسجَدُوا لهُ قائِلِين: بـﭑلحقيقةِ أنتَ ﭐبنُ الله. ولمَّا عبَرُوا جاؤُوا إلى أرضِ جَنِّيسَارَتْ.
حول الإنجيل
"تشجّعوا..."
ها العشاء الرّوحيّ والمادّيّ الّذي أطعم فيه المسيح الجموع الغفيرة الّتي تبعته قد انتهى. خمسة آلاف رجل (ما عدا النساء والأطفال) اشبعهم التعليم والطعام، ثمّ تم جمع الكسرات علّها تطعم جائعين في مكان آخر... وغادرت الجموع، فيما أخذ تلاميذ المسيح زورقهم الصغير وخرجوا الى البحر الواسع، أمّا هو "فصعدَ إلى الجبل منفردًا ليصلّي" (متى 14: 23).
صلّى يسوع ليعلّمنا واجبنا الأسمى. أنّه يجب أن نصلّي! فلنفتح صفحات الكتاب المقدس، هناك سوف نكتشف العديد من الرجال العظماء الذين صلّوا طوال حياتهم. لنقرأ في العهد الجديد كيف أنّ ربّنا نفسه، في أيّام الانتصار والفرح، في أيّام التجربة البشرية، وحتى وهو على الصليب مُسَمَّر من أجل خطايانا، صلّى!
بأيّ سلاح آخر غير الصلاة يمكننا محاربة المسيح الدجال الذي يلاحقنا بلا هوادة في هذه الأيّام الأخيرة؟ "أيّها الأولادُ هي الساعةُ الأخيرة. وكما سمعتُمْ أنَّ ضِدَّ المسيحِ يأتي، قد صار الآن أضدادٌ للمسيحِ كثيرون. من هنا نعلمُ أنّها الساعةُ الأخيرة. "(1 يوحنا 2: 18).
وفيما يسوع يصلي على قمة الجبل الهادئة، فجأة تغيّر المشهد مع التلاميذ. ثار البحر وعلت أمواجه، فصرخوا من صميم قلوبهم للرب لينقذهم! وجاء المخلّص ماشياً على المياه!
يعلّمنا هذا المقطع الإنجيليّ درساً عميقاً لحياتنا؛ فالبحر هو حياتنا القصيرة، والقارب هو كلّ واحد منّا. أمّا العاصفة فهي المغامرات والتجارب المختلفة الّتي تعصف بحياتنا، والآلام والمحن الّتي نواجهها كلّ يوم. في بعض الأحيان، يكون البحر هادئًا جدًّا، وتسير حياتنا بسلاسة. وفي أحيانٍ أخرى، غير متوقّعة تمامًا، تحيط بنا عواصف الحياة، تمامًا كما حاصرت أمواج البحر التّلاميذ العاجزين. الألم موجودٌ في كلّ مكان، لا محالة، من قصور الملوك إلى أكواخ الفقراء. بالضّبط مثلما يوجد الملح في مياه البحر، هكذا هي الآلام والتّجارب في حياة الإنسان.
يا إخوة، مهما اشتدّت مِحنُنا، علينا دائمًا أن نلجأ لربّنا يسوع المسيح، ونعرف يقينًا أنّ النّصر هو دائمًا له ومعه. مهما تعاظمت ضيقاتنا في هذا العالم، فلنثق بإلهنا الّذي غلب الموت وانتصر على سيّد هذا العالم، لننال الخلاص والتّعزية الّتي لا تُنزَع منّا، أمَا يقول القدّيس بولس: "لأنّه كما تكثرُ آلامُ المسيحِ فينا، كذلكَ بالمسيحِ تكثرُ تعزيتُنا أيضًا" (2 كور 1: 5). هكذا، واليوم أكثر من كلّ يوم، فلنتشدّد ولنتشّجّع ضارعين إلى مخلّصنا وصارخين بأعلى الصّوت: «بالحقيقة أنتَ ابنُ الله!» (متّى 14: 33)، آمين!
المتروبوليت بولس (بندلي)(1)
عرفَ الكثيرون المثلّث الرّحمة المطران بولس بندلي، وقيل وكُتِب، عنه، وعُرِف الكثير. وبقدر ما يصعب عدم التّكرار في أيّ كلامٍ حول سيرته، يصعب في آن أن تختصر كلمات، مهما تعدّدت وامتدّت، حضورَه الكثيف وإنْ وهو راقد.
وللتّوضيح، عندما تُضيء الكنيسة على سِيَر قامات في الإيمان، كالمطران بولس وغيره، فهذا ليس لتكرّم مَن يتكرّم بوجه الرَّبّ الّذي لا تكريم بعده، وإنّما لتجعلنا في يقين أنَّ إنجيل المسيح يُعاش، وأنَّ باستطاعة كلّ منّا أن يكون هذا الإنجيل. فخطأ هو الظَّنّ أنَّ ما نعاينه في حياة تلك القامات من وجوه قداسة يخرج عن المألوف البشريّ. فهُم بشر مثلنا، لا يختلفون عن أيّ إنسان منّا بشيء. يأكلون ويشربون ويجوعون ويعطشون ويغضبون ويضعفون وينفعلون ويفرحون ويحزنون ويشتهون. وإنْ اختلف بعضهم عنّا، كالمطران بولس بندلي، بشكل يدعونا للحديث عنه دائمَا، فذلك ليس إلّا لسببٍ واحد، وهو أنّ تفاعله مع يسوع المسيح وإنجيله، وتلقّيه للكلمة، اختلف عن تفاعلنا ومعظم البشر معه.
هو، وببساطة، صدَّق وَعْد الرَّبّ بشكلٍ مُطلَق، وَثِقَ بالله، صدّق الإنجيل. هذا كان سرّ قوّته الجهاديّة وما دفعه إلى الانسحار بالتّنازل الإلهيّ وتجاوُز الله لذاته. تكوَّن، جديدًا، من هذا الانسحار، وكوحدةٍ إنسانيّة لا تتجزّأ. فأمسى لا نستطيع أن نتحدّث عن بولس بندلي الرّاعي، دون بولس بندلي المتجاوز لذاته، والفقير والوديع، والمعطي والمتخلّي، والخادم المبشّر بهذا التنازل. هي وجوه تَساوَتْ بما أحاطها، وتعاطى به معها، من "تطرّف"إنجيليّ".
هذا ما جعلَ عيشه مطبوعًا بتخلٍّ مذهل أثمر رهافة رعايةٍ وعطاءٍ كلّي للفقراء، مُرفَقًا باحتضانٍ يلتصق بحياتهم. فالفقير هو السّيّد والأوّل والمُكَرَّم، وإنْ لم يقبل العالم بذلك، فلِكَوْن العالم لم يقبل الإنجيل. لذلك لم يكن من جواب لدى المطران بولس على تحامل أهل الدُّنيا عليه بسبب تقديمه شأن الفقراء على أيّ شأن آخَر غير الصّمت الإنجيليّ المرفَق بالحرص على خلاص الأغنياء بتخلّيهم وترأّفِهم بالفقراء. ولعلّ ذلك القول الّذي خاطب به أحد الفقراء، رمزيًّا، في إحدى عظاته هو ما يعبّر بوضوح عن قناعته بمركزيّة التّخلّي والعطاء في مسيرة الخلاص إذ قال له: "خلّيني طلّ على ربّي من بابك، لأنّ إذا ما طلّيت عليه من خلالك مش رح إقدر شوفو أبدًا"... (يتبع)