نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
الأحد 8 تشرين الثّاني 2020
العدد 45
الأحد (22) بعد العنصرة
اللّحن 5- الإيوثينا 11
أعياد الأسبوع: *8: عيد جامع لرئيسَيْ الملائكة ميخائيل وغفرئيل *9: القدّيس نكتاريوس أسقف المُدُن الخمس، يوحنّا القَصير،الشّهيد أونيسيفورس وبورفيريوس، البارّة مَطرونة، البارّة ثاوكتيستي *10: الرّسول أولمباس ورفقته، الشّهيد أوريستس، القدّيس أرسانيوس الكبادوكي *11: الشّهداء ميناس ورفقته، استفانيس، ثاوذورس الاسطوذيتي *12: يوحناّ الرّحوم رئيس أساقفة الإسكندريّة، البارّ نيلس السّينائيّ *13: يوحنّا الذّهبيّ الفم رئيس أساقفة القسطنطينيّة *14: الرَّسول فيلبُّس، غريغوريوس بالاماس.
كلمة الرّاعي
النِّعمة والنَّاموس والقوانين والخلاص
”لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَذلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اللهِ“ (أفسس 2: 8)
يعتقد البعض أنّ القوانين والشّرائع والنّواميس قادرة على أن تمنحهم الخلاص من خطاياهم، في حين أنّ الخلاص هو عطيّة مجّانيّة من الله الّذي افتدانا بدم ابنه الوحيد على الصّليب من عبوديّة الأهواء والإثم والشّرّير وحرَّرنا واهبًا إيّانا نعمة روحِهِ القدُّوس المطهِّرة والمقدِّسة، ”لأَنَّهُ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ كُلُّ ذِي جَسَدٍ لاَ يَتَبَرَّرُ أَمَامَهُ. لأَنَّ بِالنَّامُوسِ مَعْرِفَةَ الْخَطِيَّةِ“ (رومية 3: 20).
من هنا، لم تتوقَّف الكنيسة عن اعتبار النّاموس كلمة الله، لأنّ النّاموس يكشف خطيئة الإنسان ويَدينها، ولكن لا خلاص بالنّاموس بل برحمة الله ونعمته. لذلك، قال الرَّسول بولس: ”أَفَنُبْطِلُ النَّامُوسَ بِالإِيمَانِ؟ حَاشَا! بَلْ نُثَبِّتُ النَّامُوسَ“ (رو 3: 31). على ضوء هذا استمرَّت الكنيسة بوضع النَّواميس والقوانين لتساعد المؤمنين على معرفة ما ليس مستقيمًا أكان في العقيدة أم في عيش إيمانهم اليوميّ وللمساعدة على التّوبة والغلبة على الخطيئة. لكنّ القوانين مع كونها مُسْتَقاة من الكلمة الإلهيّة وتحمل في جوهرها تعليم الكنيسة ووصيّة الرَّبّ غير المرتبطة بزمان ومكان، إلّا أنّها في شكلها وتحديداتها العمليّة مرتبطة بالزّمان والمكان، ومن هنا قامت الكنيسة بتعديل بعض القوانين مع تقادم الزّمن بما ينسجم مع تأوين رسالتها وبشارتها في العصر الّذي تعيش فيه وواقع المؤمنين وقدراتهم. على سبيل المثال، يحدِّد القدّيس باسيليوس الكبير (القرن الرّابع) في قوانينه حرمان الزّاني-التّائب سبع سنوات من المناولة المقدَّسة، في حين يحدِّد القدّيس يوحنّا الصّوام (القرنين السّادس والسّابع) في بعض قوانينه حرمانه لسنتين من المناولة مع صومٍ قاس. من هنا، يوجد في الكنيسة مبدأ التّدبير الّذي بموجبه يحقّ للأسقف أن يحدِّد ما يراه مناسبًا لخير المؤمنين ولحسن الكرازة، ولو كان مخالفًا للقوانين الوضعيّة، والتّدبير يأتي من ضمن روح الإنجيل والمحبّة وبغاية ربح الخاطئ والشّهادة للرَّبِّ ولحبّه اللّامتناهي للبشريّة. الكنيسة ليست متحجِّرة ومكبّلة بقوانين جامدة لأنَّ روح الرَّبّ هو الّذي يقودها والرّوح لا يُقيَّد. مثال آخر، هو أنّ التّوبة كان علنيّة في الكنيسة الأولى، وهذا ما كانت تفرضه القوانين المجمعيّة والآبائيّة الّتي تبنّتها المجامع المسكونيّة، وبقيت هكذا في الشّرق إلى أن ألغاها بطريرك القسطنطينيّة نكتاريوس (القرن الخامس)، ولكن آخر توبة علنيّة كانت في القرن الحادي عشر (1080) للإمبراطور ألكسيوس كومنينوس. اليوم سرّ التّوبة والاعتراف يتمّ بين الكاهن والمُعترف.
* * *
أيُّها الأحبَّاء، لا نستطيع في هذه العجالة أن نُعطي موضوع القوانين والتّدبير حقّه، ولكن ما يهمّنا هو أن نوضح بأنَّ الخلاص هو بنعمة المسيح الّذي بذل نفسه من أجلنا وليس بتطبيق قوانين أو أحكام، بل بالسّلوك بمقتضى المحبّة الإلهيّة بقوّة الرّوح القدس الّذي بدونه نحن عاجزون عن إتمام أيّة وصيّة إلهيّة. الأزمنة تغيَّرتْ، النّاس صاروا أقرب إلى بعضهم البعض، الخلافات العقائديّة بين المسيحيّين لم تعد سببًا للحروب بينهم وللاضطهادات. اليوم زمن عيش المحبّة والشّهادة لها في علاقاتنا مع المسيحيّين وغير المسيحيّين. الكرازة بالإنجيل والبشارة به تتمّ بشهادة حياتنا، نلتقي مع الآخرين نشترك معهم في خدمة الإنسان، نبني علاقاتنا على أسس أخلاقيّة مشتركة لتكون حياتنا معًا أفضل. نصلّي لأجل كلّ العالم وخيره وخلاصه، لأنّ الله يشاء أنّ الكلّ يخلصون وإلى معرفة الحقّ يُقبِلون.
* * *
أيُّها الأحباء، هذا زمن الانفتاح على الآخَر والتَّمسُّك بالايمان. نحن لا نتعصَّب لإيماننا بل نتمسَّك به، وفي نفس الوقت نحن لا ننغلق على أنفسنا وندين الآخَر، ”مَنْ أَنْتَ الَّذِي تَدِينُ عَبْدَ غَيْرِكَ؟ هُوَ لِمَوْلاَهُ يَثْبُتُ أَوْ يَسْقُطُ. وَلكِنَّهُ سَيُثَبَّتُ، لأَنَّ اللهَ قَادِرٌ أَنْ يُثَبِّتَهُ“ (رو 14: 4)، بل ننفتح بالمحبّة الإلهيّة الّتي تريد أن يعرف كلّ إنسان خلاص الله الّذي بالمسيح يسوع. نحن نعلم أنّنا لا نخلص بقوّتنا وبرّنا، لأنّ برّ الإنسان ظلم أمام رحمة الله، فقط بنعمة المسيح الرَّبّ المنسكبة علينا بالرُّوح القدس من لدن الآب نخلص. واجبنا وشهادتنا ومحبّتنا للرَّبِّ تدفعنا لنشهد لحبّه لكلّ خليقته وأن ننقل لها نعمته من خلال عيشنا لوصيّته وطاعتنا لكلمته، ”مَنْ آمَنَ بِي، كَمَا قَالَ الْكِتَابُ، تَجْرِي مِنْ بَطْنِهِ أَنْهَارُ مَاءٍ حَيٍّ“ (يوحنا 7: 38).
ومن له أذنان للسَّمَع فليسمع...
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما
طروباريّة القيامة (باللَّحن الخامس)
لِنُسَبِّحْ نحنُ المُؤمنينَ ونسجُدْ للكلمة. المُساوي للآبِ والرُّوحِ في الأزَليّةِ وعدمِ الابتداء. المَوْلودِ مَنَ العذراء لِخلاصِنا. لأنّه سُرَّ أن يَعلُوَ بالجَسَدِ على الصَّليب. ويحتمِلَ المَوْت. ويُنهِضَ المَوْتى بقيامتِهِ المَجيدة.
طروباريّة الملائكة (باللَّحن الرّابع)
أيّها المُتقدّمون على الأجناد السّماويّين، نتوسّل إليكم نحن غير المُستحقّين، حتّى أنّكم بطَلِباتِكُم تكتَنِفونَنا بِظِلِّ أجنحة مجدكم غير الهَيُولي، حافِظين إيّانا نحن الجاثينَ والصّارخينَ بغيرِ فُتور: أنقِذونا من الشَّدائِد، بما أنّكُم رؤَساءُ مَراتِبِ القوّاتِ العُلويَّة.
قنداق دخول السّيّدة إلى الهيكل (باللّحن الرّابع)
اليَومَ تُدخَلُ إلى بيتِ الرَّبِّ. العَذراءُ الـهَيكَلُ الكُلِّيُّ النَّقاوة. الّذي لِلمُخَلِّصِ وَالـخِدرُ الجزيل الثَّمن. وَالكَنزُ الشَّريفُ لِـمَجدِ اللهِ مُدخِلَةً مَعَها. النِّعمةَ الّتي بالرُّوحِ الإلهي. فَلْتُسَبِّحْها مَلائكةُ الله. لِأَنَّـها هِيَ الـمِظَلَّةُ السَّماوِيّة.
الرّسالة (عب 2: 2– 10)
الصَّانِعُ ملائكتَهُ أرواحًا وخدَّامَهُ لهيبَ نارٍ
باركي يا نفسي الرَّبَّ
يا إخوة، إنْ كانتِ الكَلَمِةُ الّتي نُطِقَ بها عَلى ألسِنَةِ ملائكةٍ قد ثَبتت، وكُلُّ تَعَدٍّ ومَعصيةٍ نالَ جزاءً عَدْلًا، فكيفَ نُفلتُ نحنُ إن أهمَلنا خَلاصًا عَظيمًا كهذا قد ابتدأَ النُّطقُ بهِ على لسانِ الرَّبِّ ثمَّ ثبَّتَهُ لنا الّذينَ سمِعوه، وشَهِد بهِ اللهُ بآياتٍ وعجائبَ وقوَّاتٍ متنوّعةٍ وتوزيعاتِ الرُّوحِ القدسِ على حسَبِ مشيئَتِه. فانَّهُ لم يُخضِعْ للملائكةِ المسكونةَ الآتيةَ الّتي كلامُنا فيها، لكنْ شَهِدَ واحدٌ في موضعٍ قائلًا ما الإنسانُ حتّى تذكُرهُ، أو ابنُ الإنسانِ حتَّى تفتقِدهُ، نقَّصْتَهُ عنِ الملائكةِ قليلًا. بالمجدِ والكرامةِ كلَّلتَهُ وأقمتَهُ على أعمالِ يدَيك، أخضَعْتَ كُلَّ شيءٍ تحتَ قدَمَيهِ. ففي إخضاعهِ لهُ كلَّ شيءٍ لم يترُك شيئًا غيرَ خاضعٍ لهُ. إلّا أنَّا الآن لسنا نرى بعدُ كلَّ مُخضَعًا لهُ، وإنَّما نَرَى الّذي نُقِص عن الملائكةِ قليلًا يسوعَ مكلَّلًا بالمَجدِ والكرامةِ لأجلِ أَلَمِ الموت، لكي يذوقَ الموتَ بنعمةِ الله من أجلِ الجميع. لأنَّهُ لاقَ بالّذي كلُّ شيءٍ لأجلِه وكلُّ شيءٍ بهِ، وقد أوردَ إلى المجدِ أبناءً كثيرينَ، أن يجعلَ رئيسَ خلاصِهم بالآلام كاملًا.
الإنجيل (لو 8: 41– 56)(لوقا 7)
في ذلك الزَّمان، دنا إلى يسوع إنسانٌ اسمه يايرُسُ، وهو رئيسٌ للمجمع، وخَرَّ عند قَدَمَيْ يسوع، وطلب إليه أن يدخل إلى بيته، لأنّ له ابنةً وحيدة لها نحوُ اثنتي عشْرَة سنة قد أشرفت على الموت. وبينما هو منطلقٌ كان الجموع يزحمونه. وإنّ امرأةً بها نزفُ دمٍ منذ اثنتي عشرَة سنة، وكانت قد أنفقت معيشتَها كلَّها على الأطبّاء، ولم يستطعْ أحدٌ أن يَشفيَها، دنت من خلفه ومسّت هُدبَ ثوبه، وللوقت وقف نزفُ دمِها. فقال يسوع: "مَنْ لَمَسَني؟" وإذ انكر جميعُهم قال بطرس والّذين معه: يا معلِّم، إنَّ الجموع يضايقونك ويزحمونك، وتقول من لمسني؟ فقال يسوع: "إنّه قد لمسني واحدٌ، لأنّي علمتُ أنّ قوّةً قد خرجت منّي". فلمّا رأت المرأة أنّها لم تخفَ جاءت مرتعدة وخرّت له وأخبرت أمام كلّ الشَّعب لأيَّة علّةٍ لمَسَتْهُ وكيف برئت للوقت. فقال لها: "ثقي يا ابنةُ، ايمانُك أبرأكِ فاذهبي بسلام". وفيما هو يتكلّم جاء واحدٌ من ذوي رئيس المجمع وقال له: إنّ ابنتَك قد ماتت فلا تُتعبِ المعلّم. فسمع يسوع، فأجابه قائلًا: لا تخف، آمن فقط فتبرأ هي. ولمّا دخل البيت لم يدَع أحدًا يدخل إلَّا بطرسَ ويعقوبَ ويوحنّا وأبا الصَّبيّة وأمَّها. وكان الجميع يبكون ويلطمون عليها. فقال لهم: لا تبكوا، إنّها لم تمت ولكنّها نائمة. فضحكوا عليهِ لِعِلْمِهم بأنّها قد ماتت. فأمسك بيدها ونادى قائلًا: يا صَبِيَّة قُومي. فرَجَعت روحُها في الحال. فأمر أن تُعطى لتأكل. فدَهِش أبواها، فأوصاهما أن لا يقولا لأحدٍ ما جرى.
حول الإنجيل
أتت المرأة النّازفة الدَّم إلى الرّبِّ بإيمانٍ عظيم، وإذْ لم تجرؤ على مواجهته لأنّها غير طاهرة، لمسَتْ هُدبَ ثوبه بأصابعها، فشُفِيَت للحال. ولكن، لماذا لم يسمح الرّبُّ أن يبقى أمرُها مَخفيًّا؟
لقد أرادَ الرَّبُّ أن يكشفَ إيمانها العظيم لكي يقتدي بها الآخرون، وأن يُريحَها مِن عذابِ الضّمير بسببِ الاختلاس، وأن تعرفَهُ كشَخصٍ، لا كمجرّدٍ قوّةِ شفاء. يريدُنا الرَّبُّ يسوع أن نتعامل معه وجهًا لوجه، في علاقة شخصيّة، لا أن نأتي من خلفه، معتبرين أنّه موجودٌ فقط لتلبية حاجاتنا وشفائنا ورغباتنا، وناسين أنّه يريد قلوبنا وصداقتنا وأن نعمل معه في تجديد هذا الكون. هذا ما دفعَ يسوع إلى مواجهة المرأة. وعندما اعترفت حصلت على نعمة تفوق الشّفاء الجسديّ، أَلا وهي السّلام والشّفاء النّفسيّ.
ولَمّا أُخبِرَ يايرس بموتِ ابنتِه، بادَرَەُ يسوعُ بالقَول: "لا تخف، آمن فقط، فتبرأ هي". إنّه الإيمان من جديد، الشّرط الأساسيّ لعمل النّعمة الالهيّة. لقد وضع يايرُس رجاءَەُ كلَّهُ على الرَّبِّ يسوع، فعلَّمَهُ يسوعُ ألّا يخاف من الموت، وأقامَ ابنتَهُ، وأعادَ الفرحَ إلى البيت. هُنا نتساءَلُ: لماذا طلب يسوعُ أن تُعطى لتأكل؟ لأنّه لا يقصد الطَّعام المادّيّ وحسب، بل الطَّعام الرّوحيّ، أي التّربية الصَّالِحَة، هذا هو الطّعام الّذي علينا أن نطعمه لأولادنا، "إنّ لي طعامًا لا تعرفونه ... طعامي أن أعمل مشيئة أبي الّذي في السّماوات".
المرأة النّازِفَة الدَّم هي الإنسانيّة كلّها في العهد القديم، الّتي لم تستطع كلّ أدوية النّاموس والشّريعة القديمة أن تنقذها من المرض والموت، رغم ما قدّمَتْهُ مِن ذبائح الدَّم على مذبح الرَّبِّ (نزف دمها)، الّذي سيبطله الرَّبّ يسوع بتجسُّدِە وتَلامُسِهم معه (لَمسَتْ هُدْبَ ثوبِه). لقد أبطل ذبيحة الدَّم واستعاض عنها بالرُّوح المنسحق والقلب المتخشِّع والمتواضع الّذي لا يرذله. ولكن لم يتوقّف الرَّبّ هنا، بل أكمل مسيرته نحو بيت الموت ليمسكنا بيده. "أمسك الصَّبيّةَ بِيَدِها" ويُنهضَنا مِن مَوتِنا، فدشَّنَ عهدًا جديدًا مبنيًّا "على قيامته من بين الأموات". إنّه عهد القيامة، "فيا صبيّة قومي" لم يعد هناك موت بل نوم. "إنّها لم تمت ولكنّها نائمة". فلنتمسَّكْ بالإيمان والرَّجاء كما للنّازفة الدّم ويايرس، ونُطعم قريبَنا وأولادَنا طعامَ المحبّة، بانتظار أن ينهضنا الرَّبُّ يسوع من الموت في اليوم الأخير.
(من نشرة الكرمة 9 تشرين الثّاني 2014).
الكنيسة وحرق الأجساد
موقف الكنيسة في رفضها لحرق الأجساد ينبع بشكل أساسيّ من احترامها للجسد البشريّ.
في الكتاب المُقدَّس كلّ الّذين يأتي على ذكرهم قد دُفِنوا ولم يُحرقوا أكان في العهد القديم أم في العهد الجديد. أوّل إشارة إلى الدّفن في العهد القديم جاءت على لسان إبراهيم عند موت سارة، حيث توجّه إلى الحثيّين قائلًا: “أَعْطُونِي مُلْكَ قَبْرٍ مَعَكُمْ لأَدْفِنَ مَيْتِي” (تكوين23: 4). إذًا كان مستعدًّا لأن يشحذ مكان القبر ليدفن ميته وهذا يَدلّ على أهميّة أن يُدفَن الميت، حتّى قبل أن يتعرّف البشر إلى القيامة. والمسيحيّون في القرون الأولى يؤمنون، ونحن على هذا الإيمان، أنَّ قُدْسيّة جسد الإنسان لا تنتهي عند الموت، وأنَّ هذا الجسد هو هيكل الله وروح الله ساكنة فيه (1كورنثوس 3: 16)، وبالتّالي ليس للمَسيحيّ أن يتصرّف بجسده لا قتلًا ولا حَرْقًا.
واستنادًا إلى النّظرة الكتابيّة، بالإضافة إلى الإيمان بقيامة الأجساد في اليوم الأخير، لم يقبل المسيحيّون بتسليم الجسد طوعًا إلى النّار، لا بل اعتبروا أن حرق الأجساد هو تدنيس واحتقار لها.
آباء الكنيسة مثل القدّيس ترتليان هاجم حرق الأجساد معتِبرًا إيّاه عملًا قاسيًا وعنيفًا. القدّيس إيريناوس أسقف ليون شدَّدَ على الممارسة المسيحيّة للدّفن في الأرض: "ولكن على الرُّغم من أنّ الجسد الميت يذوب في وقت مُحدَّد، بسبب معصيتنا في أوّل الزَّمان، فإنّه يتمُّ وضعه، كما كان في جوف الأرض".
مِنْ هنا، وبالاستناد إلى القيمة الّتي تُعطيها الكنيسة للدَّفن، بدءًا من خدمة الجنّاز، وصولًا إلى تبخير المَدافن والاهتمام بها وبنائها بقرب الكنيسة، يُفهَم موقف الكنيسة الرّافِض للحَرْق. أمرٌ آخَر أيضًا تستند الكنيسة إليه في رفضها الحرق هو خبراتها مع الرُّفات، أي أجساد القدّيسين، أمثال القدِّيسين اسبيريدون العجائبيّ، جراسيموس كيفالونيا، باتابيوس المَصريّ، أفرام الجديد، ديونيسيوس زاكنثوس، وعددٌ كبيرٌ من القدّيسين في دير الكهوف في كييف، وغيرهم. حيث أنّ هذه الأجساد ما زالت كاملة وما زالت تفيض طيبًا أو تشفي المرضى وتصنع العجائب.
الصُّوَر الكتابِيَّة المُرتَبِطة بالقيامة أكان في سِفْرِ حزقيال (الاصحاح 37) حيث يقيم الله العظام اليابسة أو في رسالة بولس حيث يشبّه القيامة بِحَبَّةِ قمح تُدفن في التّراب (1كورنثوس 15) تفترض دفنًا لا حرقًا ويكفي أن نقتدي بالرَّبِّ يسوع الّذي مات وقُبر على رجاء أن نقوم، بنعمته، بأجسادنا على صورة بهاء جسده المُمَجَّد. آمين.
من أقوال المطران جورج خضر
+ لفتني دائمًا قول المسيح: "أحبّ قريبك كنفسك" وما قال يومًا اسع أن يحبَّك أحد. المحبّة ذهاب إلى الآخر، ليست جلب عاطفة. ما قال المسيح يومًا فتِّش أن تكون محبوبًا. أنت تكون بِتَرْكِ نفسك.
+ هذا سرُّ الإنسانيّة أن ليس واحدٌ منها قائمًا لنفسه أو هو قائم بنفسه. أنت موجود مع الآخرين وبهم. الكيان البشريّ شراكة: أنت يعرفك ربُّك إن كنت مُحبًّا. إنّك موجود إن نسيت نفسك بذهابك إلى الآخَر.
+ كلّ تواصل في الدُّنيا نسبيّ، فمن اخترته قريبًا قد تكتشف بُعدك عنه أو بعده عنك.
+ أولئك الّذين يكرهون الخطأة ويدّعون أن كرههم يوافق إرادة الله، يعتبرون الله شُرطيّ يتـرصَّد الخطأة ليُعاقبهم فيعاقبونهم نيابةً عنه، وهو قد ادَّخَر لهم الرَّحمة لأنّه رحمان... ويكرهون العاصي بدل المَعاصي.
+ بهاءُ الكلام يأتي من بهاء في القلب الّذي لا يُسْبَر غوره.
+ الفنّ مثل كلّ ما يُبدعُه القلب البَشَريّ قائم تحت راية الالتباس.
+ الرَّحمة وحدها، وهي شأن الرّحمن، هي الّتي تخلّصنا وتكون استحقاق صفائنا وتَقوانا... ولمَسالِكِنا وعباداتِنا ومناسِكِنا دَوْر دُون شَكّ.. ولكنّه يبقى منقوصًا ما لم نستحقّ الرَّحمة.
+ لماذا لم يجبرنا الله على الخير جبرًا؟ سؤال كهذا يطرحه الإنسان إذا ندم على الحرّيّة، وإذا لم يقدّر قيمة حرّيّته، ولم يَرَ فيها أجمل ما فيه... إنّها العنصر الإلهيّ فيه.