نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
الأحد 7 تشرين الثّاني 2021
العدد 45
الأحد (20) بعد العنصرة
اللّحن 3- الإيوثينا 9
أعياد الأسبوع: *7: الشّهداء ال/33/ المستشهدون في ملطية، لعازر العجائبيّ *8: عيد جامع لرئيسَـيْ الملائكة ميخائيل وجبرائيل *9: القدّيس نكتاريوس أسقف المُدُن الخمس، يوحنّا القَصير، الشّهيد أونيسيفورس وبورفيريوس، البارّة مَطرونة، البارّة ثاوكتيستي *10: الرّسول أولمباس ورفقته، الشّهيد أوريستس، القدّيس أرسانيوس الكبادوكي *11: الشّهداء ميناس ورفقته، استفانيس، ثاوذورس الاسطوذيتي *12: يوحناّ الرّحوم رئيس أساقفة الإسكندريّة، البارّ نيلس السّينائيّ *13: يوحنّا الذّهبيّ الفم رئيس أساقفة القسطنطينيّة.
كلمة الرّاعي
القدّيس أرسانيوس الكبادوكي
نموذج قداسة لأهل العالم
ثيودوروس (وهو اسم القدّيس العلماني) من مواليد قرية "فاراسا" في بلاد الكبادوك من أعمال آسيا الصغرى. من عائلة فقيرة ولكن تقيّة. عنده أخ وحيد اسمه فلاسيوس. تيتّم في صغره وعاش لدى خالته في فراسة. تعلّم بعض العلوم العالميّة والدّراسات الكنسيّة واليونانيّة، كما درس الأرمنيّة والتّركيّة وبعض الفرنسيّة.
صار راهبًا في السّادسة والعشرين من عمره باسم أرسانيوس في دير القدّيس يوحنّا المعمدان في قيصريّة الكبادوك. لكن، استدعاه المتروبوليت باييسيوس الثّاني وسامه شمّاسًا ثم ردّه إلى فاراسا ليُعنى بشعبها، وحيث أقام أرسانيوس خمسةً وخمسين سنة مشاركًا شعبها المتألّم. عاش أبًا وكاهنًا وطبيبًا ومحاميًا ومعزّيًا لرعيّته، ودُعِي باسم "الحاج أفندي" لأنه حجّ إلى الأرض المقدّسة خمس مرّات في حياته.
كان القدّيس أرسانيوس رجل صلاة حارّة ومستجابة بكلّ ما للكلمة من معنى وراهبًا زاهدًا بكلّ ما في الدّنيا. وكان معلّمًا للصّغار والكبار في الإيمان والصّلاة والتّوبة والعلوم على حدّ سواء، كما كان طبيب النّفوس والأجساد ليس فقط لأبنائه ولكن حتّى للأتراك. هرب من المجد الباطل بالتّباله والتّصرّفات الغريبة. منّ عليه الرّبّ بمعرفة المستقبلات، فأوصى شعبه أن يستعدّ للرّحيل عن بلاده، وكان يقول لهم أنّه سيرافقهم لكنّه سيغادرهم إلى ربّه بعد أربعين يومًا من وصولهم إلى الموطن الجديد. أخبر مرتّله بزمن رقاده في اليوم العاشر من شهر تشرين الثّاني من العام 1924 م. وقد دفن في جزيرة كورفو. نقل القدّيس باييسيوس الآثوسيّ رفات القدّيس أرسانيوس وأودعها دير سوروتي العامر في العام 1970 حيث ما يزال بعضها إلى اليوم مصدر بركة للدّير والمؤمنين.
* * *
عظمة القدِّيس أرسانيوس أنّه تقدَّس في حياته مع رعيّته وشعبه. ديره كان في قلبه أوَّلًا ومن ثمّ في بيته الَّذي عاش فيه. التزم عيش الإنجيل بعمقه أي بالصّلاة والصّوم وطاعة الوصيّة أي المحبَّة الفاعِلة. كان شديدًا وقاسيًا مع نفسه ورحيمًا مع النّاس. كان متحرِّرًا من التّعلُّق بالعالم لأنّه كان متعلِّقًا بالمسيح الَّذي هو بالنّسبة إليه الكلّ في الكلّ. كان نموذجًا للرّهبان والمؤمنين معًا. به تبارك الَّذين حوله إذ سكنت فيه نعمة الله.
حياته تؤكِّد لنا أنّ المؤمن يتقدَّس في كلّ زمان ومكان، وأنّ الشّدائد لا تمنع الإنسان من عيش الوصيّة بل بالأحرى التّجارب هي مطرح تجلِّي الإيمان وتنقيته من شوائب الإلحاد العمليّ، إذ في زمن الضّيقة يتعلّم الإنسان أنّ الله حيّ وأنّه معه، ويُدرك سرّ الحياة وأن لا قيمة للحياة بدون المسيح كون ما في العالم ليس سوى وقتيّ بينما حياتنا هي في الأبديَّة الَّتي نطلبها منذ الآن بالإيمان الفاعل بالمحبّة والتّضحية والعطاء...
* * *
أيُّها الأحبّاء، كلّ زمن هو موافق لعيش الإيمان والسّعي إلى القداسة، وأزمنة الضّيق هي مطرح تجلّي محبّة الله علينا حين نطرح آلامنا وشدائدنا عند قدمي يسوع الَّذي يقول لنا: ”تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ“ (مت 11: 28). الرّبّ هو الَّذي يدعونا إليه ليهبنا الرّاحة الّتي نطلبها. ”أنا أريحكم“ أي لا أحد ولا شيء يمكن أن يعطيكم الرّاحة الَّتي تطلبونها إذ هي حاجة كيانيّة لا تُشبَع إلّا بحضور الله.
لا شكّ بأنّ عيش القداسة يتطلَّب التزامًا صادقًا بالإيمان والوصيّة وجِدِّيَّة بالاتّكال على الله والثّقة به وتسليمه كاملَ حياتنا، كما يتطلَّب حياة صلاة وصوم عميقة وحثيثة، وهذا هو الصّعب على الإنسان. فالصّلاة يجب أن تكون حارّة من قلب متَّضع يعرف خطيئته، والصّوم يجب أن يكون صارمًا كتعبير عن الحبّ لله واعترافًا أنّه هو حاجتنا الجوهريّة وخبز حياتنا. بالصّلاة والصّوم يتنقّى القلب ويصير الإنسان ممدودًا نحو الله في خدمة محبّة الآخَر وتعهّده لأجل الخلاص...
هكذا سلك القدّيس أرسانيوس الكبادوكي ولذا هو قدوة للرّهابين والكهنة والمؤمنين في العمل والقول في كلّ زمان ومكان. حياته مُنخس لكسلنا ووقود لهمّتنا وحرارة لمحبّتنا ويقين لإيماننا وترسيخ لتواضعنا وتهديم لكبريائنا وحافز لجهادنا في الحرب ضدّ أهوائنا، وشفاعته عضد وسند وقوّة لحياتنا في المسيح ولأجله...
ومن له أذنان للسّمع فليسمع...
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما
طروباريّة القيامة (باللَّحن الثّالث)
لِتفرحِ السَّماوِيَّات. ولتَبتَهِجِ الأرضِيَّات. لأنَّ الرّبّ صنعَ عِزًّا بساعِدهِ. ووَطِئَ المَوْتَ بالمَوْت. وصارَ بِكرَ الأموات. وأنقذَنا من جَوفِ الجحيم. ومَنَحَ العالمَ الرَّحمةَ العُظمى.
طروباريّة للشّهداء (باللّحن الرّابع)
شُهداؤكَ يا ربُّ بجِهادهم نالوا منكَ الأكاليل غيرَ البالِيَةِ يا إلهَنا، لأنَّهُم أحْرَزُوا قوَّتَكَ، فَحَطَّموا المُغتَصبين وسَحَقوا بأسَ الشّياطين الّتي لا قُوَّة لها، فبتوسّلاتهم أيّها المَسيح الإله خَلِّص نفوسنا.
طروباريّة للبارّ لعازر العجائبيّ (باللّحن الثّامن)
أغرقتَ العمود بمجاري العَبَرَات في صلوات الأسهار. وبالتّنهُّدات الّتي من الأعماق أَثْمَرَتْ أتعابُكَ إلى مئةِ ضُعفٍ، فصرتَ راعيًا مُوَزِّعًا الغفرانَ للمُتقدّمين إليكَ. فيا أبانا البارّ لعازر، تشفّع إلى المسيحِ الإله أن يخلِّص نفوسنا.
القنداق (باللَّحن الثّاني)
يا شفيعَةَ المَسيحيّين غَيْرَ الخازية، الوَسيطةَ لدى الخالِق غيْرَ المرْدودةِ، لا تُعْرضي عَنْ أصواتِ طلباتِنا نَحْنُ الخَطأة، بَلْ تدارَكينا بالمعونةِ بما أنَّكِ صالِحَة، نَحنُ الصّارخينَ اليكِ بإيمان: بادِري إلى الشَّفاعَةِ وأسَرعي في الطّلْبَةِ يا والدَة الإلهِ، المُتشَفِّعَةَ دائمًا بمكرِّميك.
الرّسالة (غل 1: 11– 19)
رَتِّلُوا لِإِلهِنا رَتِّلُوا
يا جَميعَ الأُمَمِ صَفِّقُوا بِالأَيادي
يا إخوة، أُعْلِمُكُم أنَّ الإنجيلَ الّذي بَشَّرتُ بهِ ليسَ بحسبِ الإنسانِ، لأنّي لم أتسلَّمْه أو أتعلَّمْهُ مِن إنسان، بَل بإعلانِ يَسوعَ المسيح. فإنَّكم قد سَمِعُتُم بِسِيرَتِي قَديمًا في مِلَّةِ اليهود، أنّي كنتُ أضطَهِدُ كنيسةَ اللهِ بإفراطٍ وَأُدَمِّرُها، وَأَزِيدُ تَقدُّمًا في مِلَّةِ اليهودِ على كثيرين من أَتْرابي في جِنسي، بِكَوْني أَوفَرَ مِنهُم غَيرةً على تقليداتِ آبائي. فلمّا ارتضَى اللهُ الّذي أَفرَزَني مِن جَوفِ أُمّي وَدَعاني بِنِعمتِهِ أَنْ يُعلِنَ ابنَهُ فيَّ، لِأُبَشِّرَ بِهِ بَينَ الأُمَمِ، لِساعتي لَم أُصْغِ إلى لَحمٍ وَدَمٍ، وَلا صَعِدْتُ إلى أُورَشليمَ إلى الرُّسُلِ الّذِينَ قَبْلي، بَلِ انطَلَقتُ إلى دِيارِ العَرَب. وبعدَ ذلك رَجعَتُ إلى دِمشق. ثُمَّ إنّي بَعدَ ثلاثِ سِنينَ صَعِدتُ إلى أورشليمَ لِأَزُورَ بُطْرُس، فَأَقَمْتُ عِندَه خَمسةَ عَشَرَ يومًا، وَلَم أرَ غَيرَهُ مِنَ الرُّسُلِ سِوى يَعقُوبَ أَخي الرّبّ.
الإنجيل (لو 8: 41– 56) (لوقا 7)
في ذلك الزَّمان، دنا إلى يسوع إنسانٌ اسمه يايرُسُ، وهو رئيسٌ للمجمع، وخَرَّ عند قَدَمَيْ يسوع، وطلب إليه أن يدخل إلى بيته، لأنّ له ابنةً وحيدة لها نحوُ اثنتي عشْرَة سنة قد أشرفت على الموت. وبينما هو منطلقٌ كان الجموع يزحمونه. وإنّ امرأةً بها نزفُ دمٍ منذ اثنتي عشرَة سنة، وكانت قد أنفقت معيشتَها كلَّها على الأطبّاء، ولم يستطعْ أحدٌ أن يَشفيَها، دنت من خلفه ومسّت هُدبَ ثوبه، وللوقت وقف نزفُ دمِها. فقال يسوع: "مَنْ لَمَسَني؟" وإذ انكر جميعُهم قال بطرس والّذين معه: يا معلِّم، إنَّ الجموع يضايقونك ويزحمونك، وتقول من لمسني؟ فقال يسوع: "إنّه قد لمسني واحدٌ، لأنّي علمتُ أنّ قوّةً قد خرجت منّي". فلمّا رأت المرأة أنّها لم تخفَ جاءت مرتعدة وخرّت له وأخبرت أمام كلّ الشَّعب لأيَّة علّةٍ لمَسَتْهُ وكيف برئت للوقت. فقال لها: "ثقي يا ابنةُ، ايمانُك أبرأكِ فاذهبي بسلام". وفيما هو يتكلّم جاء واحدٌ من ذوي رئيس المجمع وقال له: إنّ ابنتَك قد ماتت فلا تُتعبِ المعلّم. فسمع يسوع، فأجابه قائلًا: لا تخف، آمن فقط فتبرأ هي. ولمّا دخل البيت لم يدَع أحدًا يدخل إلَّا بطرسَ ويعقوبَ ويوحنّا وأبا الصَّبيّة وأمَّها. وكان الجميع يبكون ويلطمون عليها. فقال لهم: لا تبكوا، إنّها لم تمت ولكنّها نائمة. فضحكوا عليهِ لِعِلْمِهم بأنّها قد ماتت. فأمسك بيدها ونادى قائلًا: يا صَبِيَّة قُومي. فرَجَعت روحُها في الحال. فأمر أن تُعطى لتأكل. فدَهِش أبواها، فأوصاهما أن لا يقولا لأحدٍ ما جرى.
حول الإنجيل
"فَوَقَعَ عِنْدَ قَدَمَيْ يَسُوعَ وَطَلَبَ إِلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ" هذا ما فعله يايرس. ألمه كبير من مرض ابنته الوحيدة. آمن أنّ هناك من يستطيع أن يفعل شيئًا أمام المرض. سمع عنه وربّما سمع منه مباشرةً في مناسبةٍ ما، فخرج من بيته وسعى لمُلاقاته. أبلغوه أنّ "ابنتك قد ماتت، لا تُتعِب المعلّم"، قد يكون قادرًا على الشّفاء، أمّا الموت فهو نهائيّ، فعدْ إلى بيتك وحزنك واقبل بما حصل لك. لم يدرك ناقل الخبر أنّ يايرس بمجرّد خروجه من بيته وبحثه عن يسوع، قد بدأ مسيرة تكسّر الخوف من الموت. رئيس المجمع يرتمي عند قدميّ السيّد أمام الجموع. "لاَ تَخَفْ! آمِنْ فَقَطْ، فَهِيَ تُشْفَى". لا تَخَفْ لأنّني أنا الرّبّ ولأنّك عرفتني أقوى من المرض، لأنّك خرجت وبحثت عنّي، قمت بمبادرة وجهد وهذا ما جعلك جاهزًا لمُلاقاتي. بإيمانك أدركت أنّك لست عاجزًا أمام الألم فارتميتَ عند قدميّ، من يرى مسعاك فلا تعود بعد ذلك إلى منزل يسكنه الموت بل فيه مخلّص يمسك يد المتألّم فيحوّله ولا يعود إلى ما كان عليه. البقيّة تبكي وتلطم ثمّ تضحك ساخرةً أمام من لا تدرك أنّه أقوى من الموت. تدّعي الإيمان لكنّها لا تجرؤ على السّعي إلى التّغيير. إيمانها يسكنه الرّتابة والعجز.
المرأة النّازفة الدّم "جَاءَتْ مُرْتَعِدَةً وَخَرَّتْ لَهُ" بعد أن أعلن يسوع أنّ لَمْسةً لهدب ثوبه أخرجت منه قوةً للشّفاء. الخروج والبحث عن الشّفاء يتطلّب جرأةً. الرّوح القدس سند لا قوّة لنا دونه. إدراكنا لمرضنا وطلبنا الجريء للخلاص منه لا سبيل لنا سواه حتّى لو انكشف أمرنا أمام الجموع. التّحوّل يستحقّ منّا كلّ مبادرة حتّى لو حملت معها مخاطرة لا خلاص دونها.
الرّبّ حاضرٌ في سبل حياتنا. لن نتغيّر إن لم ندرك ضعفاتنا ونسعى لتغيير وضعنا، إذا لم نطلب لن نجد، يجب أن نقرع الأبواب لتفتح لنا. الإقرار بالضُّعف موجعٌ، ليس فقط أمام سوانا، بل وبشكلٍ أصعب الاعتراف بذلك لأنفسنا. ما يُحدث التّغيير هو القلب، الّذي بإيمانٍ وصلاةٍ ونباهة يسكبها الرّوح على من يطلبها بإلحاح، يكسر حواجزًا أوحى له عالمنا السّاقط أنّها نهائيّة، ليسلك في طريق خلاص يلاقيه فيه الرّبّ وسط الجماعة الكنسيّة. سيسخر البعض منّا. كثيرون يريدون مظهرًا يوحي بالالتزام والإيمان أمّا المبادرة ورغبة التّحوُّل كي يكون شكل المؤمن نابع من قلب يتجرّأ على البحث عميقًا عن التّغيير، فلن يرحّب به الجميع.
دعوتنا في هذا الزَّمن الصَّعب أن نتعلّم ونعلّم التّشبّه بيايرس والمرأة النّازفة. أن نسلك كلّ السُّبُل، حتّى غير الاعتياديّة، لتتعمّد إرادتنا ونصطبغ بإيمان يرفض حتميّة الموت وندرك أنّ من منه نستمدّ الحياة قادرٌ وينتظر مبادرةً منّا كي يبشّر أعماقنا.
مفهوم القلب في الكنيسة الأرثوذكسيّة
مفهوم القلب في الكنيسة الأرثوذكسيّة يُبنى على أساس الكتاب "يا بُنيّ أعطني قلبك". هذا القلب قد يدلّ ببساطة على القلب اللّحميّ الّذي ينبض فينا إلى أنّه في حقيقة الأمر أمر مختلف، فالإنسان عندما تدعوه الكنيسة إلى نقاوة قلبه إنّما الإشارة هنا إلى نقاوة مركز كيان. الله يسكن في القلب البشريّ يعني الله يسكن في أعماق قلوبنا في مركز كياننا. هذا من النّاحية الأولى، من النّاحية الثّانية نحن نعرف وبكلام الرّبّ نفسه أنّ الشّرور كلّها تنبع من القلب. هذا ما يقوله الرّبّ "من القلب تخرج السّيئات والآثام" وإلى ما هنالك. لهذا السّبب نحن مدعوّون أن نُخرج، أن نَطرحَ كلّ السّموم الدّاخليّة، كلّ العيوب، كلّ الأهواء، كلّ الآثام، كلّ العادات السّيّئة المخزونة في قلوبنا وأن نستبدلها بالفضائل أي أن نختزن الفضائل في قلوبنا. على هذا الصّعيد يقول الرّبّ "طوبى لأنقياء القلوب فإنّهم لله يعاينون". وبالتّالي فإنّ نقاوة القلب هي الّتي تسمح للإنسان أن يُعاين الله. الله يعاينه القلب النّقيّ فقط. لا يستطيع الإنسان أن يعاين الله إذا كان قلبه ممتلئًا بالآثام والشّرور والأمور السّيّئة. ونقاوة القلب تُتيح للإنسان الفرصة أن يعاين الله. هذه المعاينة المسمّاة في القاموس النُّسكيّ الأرثوذكسيّ "ثيوريّا" تعني المشاهدة، النّظر، أي أنّ نقاوة القلب هي الّتي تُكسبنا الثّيوريّا، الطّهارة، والقدرة على رؤية الرّبّ ورؤية مسيحه. لكنّ الإنسان في العادة لا يسلك هكذا ولا يفكّر هكذا. في العادة الإنسان يحبّ الفساد، يحبّ الخطيئة، يحبّ الارتماء في أحضان كلّ الشّهوات. الإنسان في العادة يسلك كالخنزيرة الّتي دائمًا دائمًا دائمًا تتمرّغ في حمأتها، لا تتفاعل، لا تتعامل إلّا مع الأوساخ، مع الدّنس. أنظروا إلى الخنزير شكله رديء، رائحته رديئة لأنّه فعلًا لا يعمل إلّا في الأوحال والأوساخ معًا. بهذا المعنى أيّها الأحبّاء، فإنّ القلب يعني أن ننتبه إلى أنفسنا أن نتروّض على التّوبة، أن نتروّض على ترك الخطايا، أن نتروّض على تركٍ للذّنوب وترك العادات السّيّئة وهذا لا يحصل إلّا في كنيسة يسوع المسيح عبر الأسرار الإلهيّة الّتي نشارك فيها نتفاعل معها ونتناولها أيضًا. وأخصّ بالذّكر ههنا سرّ التّوبة والاعتراف وسرّ المناولة الطّاهِرَين. يُضاف إلى ذلك أنّ هذه الّتي تساهم بنقاوة القلب يمكنها أيضًا أن تُتيحَ للإنسان أن يتقدّم أكثر في الفضيلة وفي محبّة الإنجيل ومحبّة الكنيسة إن ارتمى الإنسان في أعماق قلبه في محبّة الكنيسة ودخل في خبرة الآباء القدّيسين وأطاع الآباء القدّيسين والتزم التزامًا عميقًا بالإنجيل الّذي وحده يعرّفه ما هي إرادة الله للخلاص. اليوم القلب غير مهمّ عند عامة النّاس. القلب الرّوحيّ غير مهمّ. لهذا السّبب فالتّقدّم بطيء والنّاس يعيشون في بيوتهم بخلاف ما هي دعوة الكنيسة إليهم. والسّلام.
أخبارنا
سهرانيّة عيد القدّيس نكتاريوس العجائبيّ أسقف المُدُن الخمس في كنيسة القدّيس جاورجيوس- جديتا
يترأّس راعي الأبرشيّة، صاحب السّيادة المتروبوليت أنطونيوس (الصّوري) الجزيل الاحترام سهرانيّة عيد القدّيس نكتاريوس العجائبيّ أسقف المدن الخمس، في كنيسة القدّيس جاورجيوس- جديتا، وذلك مساء الثّلاثاء 9 تشرين الثّاني 2021 عند تمام السّاعة السّادسة مساءً.