نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
الأحد 6 تشرين الثّاني 2022
العدد 45
الأحد (21) بعد العنصرة
اللّحن 4- الإيوثينا 10
أعياد الأسبوع: *6: بولس المعترف رئيس أساقفة القسطنطينيّة *7: الشُّهداء ال/33/ المستشهدون في ملطية، لعازر العجائبيّ *8: عيد جامع لرئيسَيْ الملائكة ميخائيل وغفرئيل وسائر الطّغمات العادمي الأجساد *9: الشَّهيدَين أونيسيفورس وبورفيريوس، البارَّة مطرونة، القدِّيس نكتاريوس أسقف المدن الخمس، القدّيس يوحنّا القصير، البارّة ثيوكتيستي *10: الرَّسول أولمباس وكوارتُس وورفقتهما، الشَّهيد أوريستوس، القدّيس أرسانيوس الكبادوكيّ *11: الشُّهداء ميناس ورفقته، القدّيس ثاوذورس الاسطوذيتي، القدّيسة استيفاني *12: القدّيس يوحنّا الرَّحوم رئيس أساقفة الإسكندريّة، البارّ نيلُس السّينائيّ.
كلمة الرّاعي
الحرب على الكنيسة
الشّيطان لم ولن يتوقَّف عن محاربة الإنسان أو بالأحرى مشروع الإنسان في البشر لأنّه يُحارِب الله. وحرب الشّرير خطيرة لأنّها ترتدي طابع الحضارة والرُّقيّ الإنسانيّ! ...
لماذا الحرب على الإنسان لأنّه هو "كنيسة الله"، "هيكل الرَّبّ". الحرب هي ضدّ المسيح يسوع، الإنسان الحقيقيّ الوحيد.
ترتدي هذه الحرب أيضًا طابع إبادة البشر عبر الحروب والأمراض والعُقم. لها وَجهان، واحد إيجابيّ الظّاهر سلبيّ الجوهر وآخر سلبيّ المَظهر والفعل.
الشّيطان يعمل بطريقة مباشرة وغير مباشرة. الطّريقة المُباشرة هي عبر بثّ أفكاره المُنحرفة في النّفوس الضّعيفة، والغير المباشرة هي عبر البشــر المسبيّين منه الّذين ينشـرون خبثه وكذبه ودماره عبر الوعود الزّائفة بالحرّيّة والعيش الكريم والسّعادة.
* * *
الحصن الوحيد في العالم ضدّ الشّيطان هي الكنيسة جسد المسيح، الكنيسة المُستقيمة الرّأي والحياة والتّقليد. يظنّ البَعض أنفسهم مُستقيمين وهم مُنحرفين ويتّهمون غيرهم بالانحراف. هذه من أصعب الحروب لأنّ الشّيطان يوهم النّاس بأنّهم في الحَقّ في حين هم في الباطل، ومن يكون في الحَقّ يُظهرونه وكأنّه في الباطل. حرب الشّيطان في الكنيسة تمويهيّة لأنّه كما يقول الرّسول بولس، بعد خبرة مع الأرواح الشّرّيرة، بأنّ"الشَّيْطَانَ نَفْسَهُ يُغَيِّرُ شَكْلَهُ إِلَى شِبْهِ مَلاَكِ نُورٍ!" (1كورنثوس 11: 14). مقياس الاستقامة في الإيمان هو المحبّة أي الحُنوّ ونبذ روح الدّينونة. لا يستطيع أحد أن يكون قائمًا في الحقّ دون أن يكون رَحيمًا. حرب الأصوليّة على الكنيسة وفيها هي من الشّرّير الَّذي يخدع غير المختَبَرين موهِمًا إيّاهم بأنّهم روحيّون إذ يتمسّكون بحذافير الشّريعة الإلهيّة حرفًا دون روح فيوقعهم في الفرّيسيّة البَغيضة وخداع الذّات فيما هم يكونون مُمتلئين عُقَدًا وأهواء. هذه حرب اليَمين.
مقياس السّلامة الرّوحيّة الاتِّزان، والاتِّزان عدل ورحمة، بذل وتأديب، دينونة للذّات وتبرير للخاطئ، طاعة كاملة للوصيّة الإلهيّة وحَمْلٌ لضعف الآخَر.
* * *
السّعادة في البَشَـرَة وَهْمٌ، لأنّ سِفرَ الجامعة يقول: "بَاطِلُ الأَبَاطِيلِ ... الْكُلُّ بَاطِلٌ وَقَبْضُ الرِّيحِ..." (1: 2 و8). السّعادة يطلبها الإنسان في الرّفاه، والرّفاه يرتبط بالتّطوّر والازدهار، والحضارة تزعم منح الإنسان الرّقيّ والفرح. لكن، ها إنّ الشّعوب المُسمَّاة مُتحضِّـرَة قد شوَّهَتِ الإنسانيّة دمّرت العائلة ورباط المحبّة بين الإخوة بمزاعم الحرّيّة والاستقلاليّة.
الاستقلاليّة والفردانيّة هما وهم حرّيّة قاتلة، لأنّ الإنسان لا يقوم دون رباط حبّ مع الآخَر، والحبّ ليس عواطف ومشاعر ودغدغة أحاسيس، المحبّة إخلاء للذّات وموت عن الأنا وفرح بالآخَر في الله. والحضارة اليوم تبني الإنسان على هذا الأساس أي أنّه قائم بذاته لذاته، وهذا ما يدفع البشـر والمجتمعات إلى مزيد من التّقوقع والانفلاش. التّقوقع بسبب محوريّة الأنا وإلغاء الآخَر والانفلاش بسبب تشيـيء الذّات والآخَر واستهلاكهما في سبيل لذّةٍ ما. حرب العالم و"أمير هذا العالم" أي "إبليس" هي ضدّ بُنيان الإنسان على "الصّخرة" أي المسيح. كلّ ما يُصنَع وكلّ ما يُقدَّم لإنسان اليوم هو لكي ينسـى المسيح. هذه حرب اليسار.
* * *
"لأَنَّ لِيَ الْحَيَاةَ هِيَ الْمَسِيحُ" (فيليبي 1: 21) هكذا أعلن بولس الرّسول وهكذا اختبر بعد حروب وجهادات واضطّهادات. هذه هي خلاصة الوجود: المسيح هو الحياة. من عرف المسيح وَجَدَ ضالّته وإجاباته عن كلّ أسئلته الوجوديّة ودخل سرّ الفرح السّرمديّ ومن رفضه دخل دوّامة ألم وضياع لا نهاية لها...
ومن له أذنان للسَّمع فليسمع.
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما
طروباريّة القيامة (باللَّحن الرّابع)
إنَّ تلميذاتِ الرَّبّ تعلَّمنَ مِنَ المَلاكِ الكَرْزَ بالقيامةِ البَهج. وطَرَحنَ القَضاءَ الجَدِّيَّ. وخاطبنَ الرُّسلَ مُفتَخِراتٍ وقائِلات. سُبيَ المَوتُ وقامَ المَسيحُ الإله. ومنحَ العالمَ الرَّحمةَ العُظمى.
طروباريّة البارّ بولس (باللَّحن الثّالث)
أيّها الأب البارّ، إنّ اعترافكَ بالإيمان الإلهيّ، جعلك بولسًا آخَر للكنيسة، وغيورًا في الكهنة، ودمك يهتف إلى الرَّبِّ مع دم هابيل ودم زخريا الزّكيّ، فابتهل إلى المسيحِ الإله أن يمنحنا الرّحمة العُظمى.
القنداق (باللَّحن الثّاني)
يا شفيعَةَ المَسيحيّين غَيْرَ الخازية، الوَسيطةَ لدى الخالِق غيْرَ المرْدودةِ، لا تُعْرضي عَنْ أصواتِ طلباتِنا نَحْنُ الخَطأة، بَلْ تدارَكينا بالمعونةِ بما أنَّكِ صالِحَة، نَحنُ الصّارخينَ اليكِ بإيمان: بادِري إلى الشَّفاعَةِ وأسَرعي في الطّلْبَةِ يا والدَة الإلهِ، المُتشَفِّعَةَ دائمًا بمكرِّميك.
الرّسالة (غلا 2: 16-20)
ما أعظمَ أعمالَكَ يا ربُّ، كلَّها بحكمةٍ صنعتَ
باركي يا نفسي الرَّبَّ
يا إخوة، إذ نعلم أنَّ الإنسان لا يُبرَّر بأعمال النّاموس بل إنّما بالإيمان بيسوع المسيح، آمنَّا نحن أيضًا بيسوع لكي نُبَرَّرَ بالإيمان بالمسيح لا بأعمال النّاموس، إذ لا يُبرَّرُ بأعمال النّاموس أحدٌ من ذوي الجسد. فإنْ كنّا ونحن طالبون التَّبرير بالمسيح وُجدنا نحن أيضًا خطأة، أفيَكونُ المسيحُ إذًا خادمًا للخطيئة؟ حاشا. فإنّي إنْ عدتُ أبني ما قد هدمتُ أجعل نفسي متعدِّيًا، لأنّي بالنّاموس مُتُّ للنّاموس لكي أحيا لله. مع المسيح صُلبتُ فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ. وما لي من الحياة في الجسد أنا أحياه في إيمانِ ابنِ الله الَّذي أحبَّني وبذل نفسه عنّي.
الإنجيل(لو 8: 41-56)(لوقا 7)
في ذلك الزَّمان، دنا إلى يسوعَ إنسانٌ اسمُه يايرُسُ، وهو رئيسٌ للمَجمع، وخَرَّ عند قَدَمَيْ يسوع، وطلب إِليه أن يَدْخُلَ إلى بيته، لأنّ له ابنةً وحيدة لها نحوُ اثنتي عشْرَة سنةً قد أشرفت على الموت. وبينما هو منطلقٌ كان الجموع يزحمونه. وإنّ امرأةً بها نزفُ دمٍ منذ اثنتي عشْرَة سنةً، وكانت قد أنفقت معيشتَها كلَّها على الأطبّاء، ولم يستطعْ أحدٌ أن يشفيَها، دَنَتْ مِنْ خلفِهِ ومَسَّتْ هُدْبَ ثوبه، وللوقت وَقَفَ نزفُ دمِها. فقال يسوع: "مَنْ لَمَسَني؟" وإذ أنكر جميعُهم قال بطرسُ والَّذين معه: "يا معلّم، إنّ الجموعَ يضايقونك ويزحمونك. وتقول مَنْ لَمَسَني؟"، فقال يسوع: "إنّه قد لَمَسَني واحدٌ، لأنّي علمت أَّن قوّةً قد خرجت منّي". فلمّا رأت المرأة أنَّها لم تخْفَ جاءت مرتعدةً وخَرَّتْ له وأخبرت أمام كلّ الشَّعب لأيّةِ عِلَةٍ لَمَسَتْه وكيف بَرِئَت للوقت. فقال لها: "ثقي يا ابنةُ، إيمانُك أبرأكِ فاذهبي بسلام". وفيما هو يتكلّم جاء واحدٌ من ذوي رئيس المجمع وقال له: "إنّ ابنتَك قد ماتت فلا تُتعبِ المعلّم". فسمع يسوع، فأجابه قائلًا: "لا تَخَفْ، آمن فقط فتبرأَ هي". ولمّا دخل البيت لم يَدَعْ أحدًا يدخل إِلّا بطرسَ ويعقوبَ ويوحنّا وأبا الصّبيّة وأمّها. وكان الجميع يبكون ويلطمون عليها. فقال لهم: "لا تبكوا، إنّها لم تمت ولكنَّها نائمة". فضحكوا عليهِ لِعِلْمِهم بأنّها قد ماتت. فأمسك بيدها ونادى قائلًا: "يا صبيّة قومي". فرجعت روحُها في الحال. فأمر أن تُعطى لتأكل. فدهش أبواها، فأوصاهما أن لا يقولا لأحدٍ ما جرى.
حول الإنجيل
"قومي يا صبيّة"، "إذهب بسلام، قم"، بهذه البساطة يَدعونا يسوع لحياةٍ جديدةٍ، فإنْ كنّا معه بالإيمان يكون معنا بالأَمان. ثلاث مرّاتٍ أنْهَضَ يسوع فيها أمواتًا، وفي فصل البشير لوقا اليوم، إنهاضٌ لابنة رئيس المجمع، وشفاءٌ لنازفة الدَّم. ياييرُس قابَلَ يسوع من أمامه خارًّا عند قدميه، والنّازفة الدَّم دَنَتْ مِنْ خلفه ومَسَّتْ هُدْبَ ثوبه. في مواجهة المرض أو الموت كيف نعيش لقاء يسوع اليوم وكلّ يوم؟
ربّما لخوفٍ أم مهابةٍ، دنت النّازفة الدَّم من خلف يسوع. لقاؤنا مع الرَّبّ يوقف نزف خطايانا، الإيمان به يدرّ علينا رحمةً وسلامًا. وعند اللّقاء يصير لنا يسوع أبًا، ونكون نحن له أبناءً بطاعةِ كلمته، أحرارًا من كلّ تعلّقٍ وموتٍ في هذه الدُّنيا. عالمنا اليوم يعيش موتًا عن كلّ علاقةٍ مع الآخر. في إنجيل اليوم سأل يسوع من لَمَسه، ونادى النّازفة بالابنة. هنا تمَّ اللِّقاء فالشِّفاء. الله يُعطينا أكثر ممّا نطلب وبالتّالي أعمق ممّا نحتاج، لأنّ رحمته علينا أكثر من اتّكالنا عليه وهو الأقرب إلينا من ذواتنا. "يا بنيّ أعطني قلبك"، الله يردّنا إلى جمالنا الأصلي، لا إلى ما يريد النّاس تصنيفنا به. هذا جمال الشِّفاء واللِّقاء، يدخل الله أعماقنا وأمراضنا وحتّى موتنا ويكمن في جمالٍ جديد.
الله من أجل الإيمان يعمل الأعمال، لكي تكون لنا للتَّعليم والتَّعزية. جواب يسوع "آمِن فقط فتَبرأ" هو لمعرفة سلطان يسوع عند كلِّ لقاء وطلبة. إقامة الابنة هو لكي لا نموتَ نحن في خطيئةٍ، ولا عن كلّ لقاءٍ مع يسوع. تسألون كيف نلتقي في هذه الأيّام به؟ المرأة المسنّة الَّتي تأتي قبل الجميع لتصلّي في الكنيسة هي مثلٌ، الفقراء الشّاكرين في كلّ شيء هم مثلٌ آخر، بساطة شابٍّ وبراءة طفلٍ وهكذا دواليك. يسوع موجود حيث لا يتوقّع المؤمن. ما ينمّي اللِّقاء بيننا وبينه توبةٌ وبساطة. رئيس المجمع طلب من يسوع أن يضع يديه، قائد المئة قال "قلْ كَلمة"، الأساسيّ هو الإيمان لا الطّريقة، الله يُعيد للقلوب بياضها عندما لبسته في المعموديّة، فكلّ تجديدٍ لنا ما هو إلّا لتفعيل معموديّتنا.
صلاتنا والرَّجاء السَّهر على نفوسنا لكي لا نقع في تجربةٍ، بقدر ما نسهر على سلامة أجسادنا. الله عاملٌ ومرافقٌ لنا على تربيتنا، هذه التّربية تجعلنا محضونين ومتجدّدين دائمًا بالرُّوح القدس. أنا موتٌ إنْ أحببتُ نفسي وقيامةٌ إنْ أحببتُ الله. كلُّ انشدادٍ إلى الله بالإيمان يعني شفاءً من ألمٍ وقيامةً من كلِّ موت أي انفصال في هذه الدُّنيا.
العنف في الإيمان
نحن نعرف أنّ حياتنا الرُّوحيّة لا تنمو إلَّا عندما تمرُّ بأتّون التَّجارب؛ لهذا، بالنّسبة للإنسان المُجاهِد التَّجارب هي تعزيةٌ ينالَها من فوق، مِنْ لَدُنِ الله، لكَيْ تُمَحِّصَهُ وتمتحِنَهُ. لا يقوى المُصارِع إلَّا إذا تَمَرَّن جيِّدًا؛ ولا ينتصر العَدَّاء ما لَمْ يَسعى يَوْمِيًّا لكي يُحقِّق هَدَفَهُ المَنْشُود؛ ولا يختبِر المُحارِب الحرب ما لم يتمرَّس جيِّدًا في القتال وكيفيّة استعمال الأسلحة!
هكذا، الإنسان المَسيحيّ المُجاهِد لا يقوى على فكر الشَّرّ المُستحوِذ عليه ما لم يُجاهد الجهاد الحَسَنْ، كما يُعَدِّد الرَّسُول بولس: "فِي ضَرَبَاتٍ، فِي سُجُونٍ، فِي اضْطِرَابَاتٍ، فِي أَتْعَابٍ، فِي أَسْهَارٍ، فِي أَصْوَامٍ" (2 كور 5:6)، وتَمَرَّس على كشفِ أفكاره أمام شيخٍ مُختَبَر يعاوِنُهُ في جهادِهِ!
أمّا الإيمان فهو الدِّرع الَّذي فيٍه نَحتمي من لَسْعاتِ بَلِيعال، مُستَمِدِّين منهُ (أي الإيمان) كلَّ رجاء، كلَّ تعزية وفرح، فنُضحّي فَرِحِين ونَحن باكين، أقوياء ونحن ضعفاء، مَضرُوبين لكن لا وجع فينا. هذا هو جهاد الشُّهداء، هذا هو سبب فرحَهم وسلامَهم وقوَّتَهم! "فَلْنَصْحُ لاَبِسِينَ دِرْعَ الإِيمَانِ وَالْمَحَبَّةِ، وَخُوذَةً هِيَ رَجَاءُ الْخَلاَصِ" (1 تس 5:8).
عُنفنا يجب أن نُمارِسُهُ على ضعفِنا أوّلًا، على الخطيئة المُعَشْعِشة فينا، على كلّ هوىً ضارّ يؤذينا، على تقاعُسِنا، وبُعدنا عن مصدرِ الحياة الَّذي هو الله!
عُنفنا يجب ألّا أن يُمارَس على إنسانٍ أخٍ لنا، ولو ضَعُفَ، بل على مُسبِّب هذا الضُّعف، أي على الشّيطان مُسبّب كلّ الشّرور ورأسها!
الحياة الرّوحيّة لا تُكتَسَب بالعلمِ والمَنطِق، تُكتَسَب بالجِهاد وإصرارنا بتواضعٍ على تَخَطِّي هذا الضُّعف الحالِّ فينا! بكاء المسيح على قبر لعازر لم يكن على صَدِيقٍ فَقَدَهُ فحسب، إنّما هو بكاء الله على طبيعة الإنسان الَّتي خلقها لكي تُشاركه الخلود، إذ أضحت مُنتنةً لا نسمة فيها وتسكن القبور!
الأهواء أضحت فينا طبيعةً ثانية، ونحن أضحينا ألعوبةً بيد الشّيطان. وهذه المُعضلة لا تنكسِر وتنهزم إلَّا بجهادٍ شَرِسٍ، لكن بتواضعٍ، بِكَسْرِ الأنا. حتّى ولو سَقَطْنا ألْفَ مَرَّةٍ، علينا أن نتعلّم كيف نقوم بتواضعٍ وانسحاقٍ كبيريْن تحت عباءة الاعتراف الصَّريح والجادّ!
مَنْ يُحِبّ لا يَغضَب، لا ينتقِد أخًا له، لا يَدينه إذا أخطأَ، يستُرهُ بمحبّة الخالق الَّذي يستُرنا. يُشفق عليهِ بشفقة الرَّبّ وحُنُوِّهِ، هو الَّذي كان صَدِيقًا للعَشَّارينَ والزَّواني، راحمًا إيّاهم بِرَحْمَتِهِ اللّامتناهية، وناقِلًا إيّاهم بسبب محبّتهِ لهم من حبّ الخطيئة إلى حياة الفَضِيلة!
لنتعلّم يا إخوة أنْ نحبّ، ساعين كلّ يومٍ وساعةٍ لفعل الخير. أمّا كلّ عنفٍ فينا فلنحوِّلَنَّه نحوَ التَّحرُّر من زلّاتنا، لكي نتخطّاه بروح الوداعة، مُتعلّمين كيف نستسلم لمشيئة الله فينا، ونبحث عن مصدر كلّ تجربةٍ حاصلة، الَّتي قد تكون بسبب عدم محبّةٍ ما، بسبب فكرٍ متكبّرٍ ما، أو بسبب إدانةٍ لقريب! مَن يحبّ الله لا يخطأ أمامهُ، وكم نحن أعداءٌ لله بسبب خطايانا!