نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
الأحد 6 حزيران 2021
العدد 23
الأحد (5) بعد الفصح (الأعمى)
اللّحن 5- الإيوثينا 8
أعياد الأسبوع: *6: إيلاريون الجديد رئيس دير الدّلماتن، الشَّهيد غلاسيوس *7: الشَّهيد ثيوذُوتُس أسقف أنقرة، الشَّهيد باييسيوس (كفالونيَّة) *8: نقل عظام الشّهيد العظيم ثيوذورس قائد الجيش، الشَّهيدة كاليوبي *9: وداع الفصح، كيرلّس رئيس أساقفة الإسكندريَّة *10: خميس الصّعود (صعود ربّنا وإلهنا ومخلّصنا يسوع المسيح)، الشَّهيدين ألكسندروس وأنطونينا *11: عيد إيقونة بواجب الاستئهال، الرَّسولَيْن برثُلماوس أحد اﻟ 12 وبرنابا أحد اﻟ 70 *12: تذكار البارَّيْن أُنوفريوس المصريّ وبطرس الآثوسيّ.
كلمة الرّاعي
صعود الإنسان في المسيح والخليقة الجديدة
”وَلَيْسَ أَحَدٌ صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ إِلاَّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ،
ابْنُ الإِنْسَانِ الَّذِي هُوَ فِي السَّمَاءِ“ (يوحنّا 3: 13)
الإنسان في حقيقته الكيانيّة والأنطولوجيّة هو ابن الدّهر الآتي، خلقه الله ليس للفناء بل للحياة الأبديّة وليس لمملكة من هذا العالم بل لملكوت السّماوات. في طبيعته يحوي الإنسان ما هو من هذا العالم من أديم الأرض، وما هو من الله بروح الله: ”وَجَبَلَ الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ تُرَابًا مِنَ الأَرْضِ، وَنَفَخَ فِي أَنْفِهِ نَسَمَةَ حَيَاةٍ. فَصَارَ آدَمُ نَفْسًا حَيَّةً“ (تكوين 2: 7).
للإنسان حواس مزدوجة، منها ما يتعلّق بالجسد ومنها ما يتعلّق بالرّوح أو النّفس. كما للجسد كذلك للرّوح. الرَّبّ يسوع المسيح إذ قام من بين الأموات جدَّد الطّبيعة البشريّة وأعادها إلى وحدتها الجوهريّة بين النّفس والجسد، وحين صعد إلى السّماوات بالجسد أجلسها عن يمين الله الآب.
في حياته على الأرض مع النّاس، لم يكن الرَّبّ كاشِفًا للاهوته بشكل كلِّيّ، بل كان يحجب مجده الإلهيّ، لأنّه كما يقول لموسى في العهد القديم، حين يطلب هذا الأخير أن يراه، ”لاَ تَقْدِرُ أَنْ تَرَى وَجْهِي، لأَنَّ الإِنْسَانَ لاَ يَرَانِي وَيَعِيشُ“ (أنظر خروج 33: 20—23). لكنّ الرّبّ يسوع تكلّم عن حقيقته الإلهيّة وكشف مجد الله فيه بأعماله، وأحيانًا كثيرة فَهِمَ اليهود أنّه يساوي نفسه بالله ولكنّهم لم يستطيعوا أن يقبلوا هذا الأمر ويُسلِموا لهذا السّرّ، بل صاروا يطلبون قتله: ”فَمِنْ أَجْلِ هذَا كَانَ الْيَهُودُ يَطْلُبُونَ أَكْثَرَ أَنْ يَقْتُلُوهُ، لأَنَّهُ لَمْ يَنْقُضِ السَّبْتَ فَقَطْ، بَلْ قَالَ أَيْضًا إِنَّ اللهَ أَبُوهُ، مُعَادِلًا نَفْسَهُ بِاللهِ“ (يو 5: 18).
* * *
في المقطع الإنجيليّ لهذا الأحد، أحد الأعمى منذ مولده، نرى عملًا لا مثيل له في كلّ تاريخ البشريّة، إذ يخلق الرّبّ يسوع عينين للَّذي وُلِدَ من دون عينين، ومع ذلك فاليهود ومعلّميهم يرفضون أن يصدِّقوا ويقرّوا بهذه الحقيقة لقساوة قلوبهم ولعماهم بسبب كبريائهم إذ قالوا عن الرَّبّ يسوع بأنّه: ”لَيْسَ مِنَ اللهِ، لأَنَّهُ لاَ يَحْفَظُ السَّبْتَ“ (يو 9: 16).
لم يستطع الفَرّيسيّون ومن مثلهم أن يروا عمل الله وأن يميِّزوه لأنّهم ”قَادَةٌ عُمْيَانٍ“ (راجع: متّى 15: 14، 23: 16 و24). العمى الَّذي يتكلّم عليه الرّبّ هنا ليس عمى عيون الجسد بل عيون القلب أو النّفس. كيف يستطيع الإنسان أن يرى حقيقة جَلِيَّةً ساطعةً أمامه وينكرها أو يرفضها؟!... هذا يحصل، فقط، حين يكون الإنسان متكبِّرًا ممتلئًا من نفسه ومتمحورًا حولها وواثقًا ببِرِّ ذاته. لهؤلاء يقول الرّبّ يسوع: ”فَتِّشُوا الْكُتُبَ لأَنَّكُمْ تَظُنُّونَ أَنَّ لَكُمْ فِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً. وَهِيَ الَّتِي تَشْهَدُ لِي“ (يو 5: 39). هكذا، من تعلَّق بالحرف أماته الحرف لأنّ كلمة الله فاعلة ومُحَقَّقَة وهي حياة أبديّة وروح (راجع مثلًا: أفسس 6: 17 وعبرانيين 4: 12).
في إنجيل اليوم، الَّذي لم يبصر منذ ولادته بعينَي الجسد أبصر حقيقة المسيح الإلهيّة بالرّوح في عينَي القلب، وآمن وتخلَّى عن شعبه لأجل يسوع، وتمسَّك بالنّور الحقيقيّ الَّذِي يُنِيرُ كُلَّ إِنْسَانٍ يطلب الحقّ الإلهيّ. هذه هي الوصيّة الجديدة في المسيح يسوع: ”أَنَّ الظُّلْمَةَ قَدْ مَضَتْ، وَالنُّورَ الْحَقِيقِيَّ الآنَ يُضِيءُ“ (1 يو 2: 8). لذلك، لا شركة بين النّور والظّلمة لمن يتبع يسوع المسيح. خيار الإنسان يُحدِّد حقيقته ومصيره، فإمَّا أن يخرج من العالم ليسكنه كابن للملكوت وإمَّا أن يسكن العالم ويخرج من الملكوت...
* * *
أيُّها الأحبّاء، يأتي علينا عيد الصّعود الإلهيّ لكي نرتفع بالإيمان عن العالم فنتغرّب عن فكر العالم ومنطقه. في يسوع المسيح القائم من بين الأموات حَقَّق اللهُ للإنسان مصيره النّهائيّ حين صعد ابن الإنسان بالجسد وجلس عن يمين العظمة كما أنبأ يسوع السنهدرين عندما حاكموه: ”أَقُولُ لَكُمْ: مِنَ الآنَ تُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ جَالِسًا عَنْ يَمِينِ الْقُوَّةِ، وَآتِيًا عَلَى سَحَاب السَّمَاءِ“ (متى 26: 64)، وكما تحقَّق حين ارتفع عن تلاميذه إلى السّماء في اليوم الأربعين لقيامته: ”وَأَخْرَجَهُمْ خَارِجًا إِلَى بَيْتِ عَنْيَا، وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَبَارَكَهُمْ. وَفِيمَا هُوَ يُبَارِكُهُمُ، انْفَرَدَ عَنْهُمْ وَأُصْعِدَ إِلَى السَّمَاءِ“ (لوقا 24: 50 –51).
الإنسان في المسيح دخل مرحلة جديدة من وجوده. ما بعد المسيح ليس كما قبله. في يسوع كُشِفَ سرُّ الله وسرُّ الإنسان. الإنسان هو كائن مع أنّه مخلوق من العدم إلّا أنّه في يسوع المسيح صار مشاركًا سرّ اللّامخلوقيّة أي الألوهة بواسطة الولادة الجديدة في المعموديّة على صورة يسوع المسيح، وفي اقتناء روح الرَّبّ بالنّعمة الإلهيّة الَّتي نحصل عليها في مسحة الميرون المُقدَّس (عنصرتنا الشّخصيّة) ونجدِّدُها في الأسرار كافّة لا سيّما في سرّ الشُّكر.
لقد دخلنا بالمسيح في حياة الدّهر الآتي. من ولد من ”الماء والرّوح“ صار من فوق (راجع يو 3). نحن نتعاطى الوجود كأبناء الملكوت. ليست هذه المسألة أخلاقيّة بل هي العيش بروح الله في العالم الَّذي هو تحت سلطان إبليس ”رَئِيسُ هذَا الْعَالَمِ“ (راجع: يو 12: 31، 14: 30 و16: 11).
المسيحيّ هو من ليس محسوبًا على الشّيطان لأنّه يحاربه بقوّة الله سالكًا في ”جِدَّةِ الْحَيَاةِ“ (رومية 6: 4) لأنّه ”إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ: الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ، هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا...“.
ومن له أذنان للسّمع فليسمع...
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما
طروباريّة القيامة للإيصوذن (باللّحن الخامس)
المسيح قام من بين الأموات، ووطئ الموت بالموت، ووهب الحياة للَّذين في القبور.
طروباريّة القيامة (باللَّحن الخامس)
لِنُسَبِّحْ نحنُ المُؤمنينَ ونسجُدْ للكلمة. المُساوي للآبِ والرُّوحِ في الأزَليّةِ وعدمِ الابتداء. المَوْلودِ مَنَ العذراء لِخلاصِنا. لأنّه سُرَّ أن يَعلُوَ بالجَسَدِ على الصَّليب. ويحتمِلَ المَوْت. ويُنهِضَ المَوْتى بقيامتِهِ المَجيدة.
قنداق الفصح (باللَّحن الثّامن)
وَلَئِنْ كُنْتَ نَزَلْتَ إلى قبرٍ يا مَن لا يموت، إِلَّا أَنَّكَ دَرَسْتَ قُوَّةَ الجحيم، وقُمْتَ غالِبًا أَيُّها المسيحُ الإله، وللنِّسوَةِ حامِلاتِ الطِّيبِ قُلْتَ افْرَحْنَ، ولِرُسُلِكَ وَهَبْتَ السَّلام، يا مانِحَ الواقِعِينَ القِيَام.
الرّسالة (أع 16: 16– 34)
أنتَ يا ربُّ تَحْفَظُنا وَتَسْتُرُنا في هذا الجيل
خَلِّصْنِي يا ربُّ فإنَّ البَارَّ قَدْ فَنِي
في تلك الأيّام، فيما نحن الرُّسُّلَ مُنْطَلِقُونَ إلى الصَّلاةِ، ٱسْتَقْبَلَتْنَا جاريةٌ بها روحُ عِرافَةٍ، وكانت تُكْسِبُ موالِيَهَا كسبًا جزيلًا بعرافتها. فطفقت تمشي في إِثْرِ بولسَ وإِثْرِنَا وتصيحُ قائلة: هؤلاء الرِّجال هم عبيدُ الله العَلِيِّ وهم يُبَشِّرونَكُم بطريق الخلاص. وصنعَتْ ذلك أيَّامًا كثيرة، فتضجَّرَ بولسُ والتَفَتَ إلى الرُّوح وقال: إنِّي آمُرُكَ باسم يسوعَ المسيح أن تخرجَ منها، فخرج في تلك السَّاعة. فلمَّا رأى مَوالِيَهَا أنَّه قد خرج رجاءُ مَكْسَبِهِم قبضوا على بولسَ وسيلا وجرُّوهُما إلى السُّوق عند الحُكَّام، وقدّموهما إلى الوُلاةِ قائِلِين: إنَّ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ يُبَلْبِلانِ مدينَتَنا وهما يهودِيَّان، وينادِيَان بعادَاتٍ لا يجوزُ لنا قَبُولُهَا ولا العملُ بها إذ نحن رومانيُّون. فقام عليهما الجمعُ معًا، ومزَّق الوُلاةُ ثيابَهُمَا وأمروا أن يُضْرَبا بالعِصِيِّ. ولـمَّا أَثْخَنُوهُما بالجراح أَلقَوهُمَا في السِّجن وأَوْصَوا السَّجَّانَ بأن يحرُسَهُما بِضَبْطٍ. وهو، إذ أُوصِيَ بمثل تلك الوصيَّة، أَلقاهُما في السِّجن الدَّاخليِّ وضَبَطَ أرجُلَهُمَا في الـمِقْطَرَة. وعند نصف الليل كان بولسُ وسيلا يصلِّيَان ويسبِّحان اللهَ والمحبوسون يسمعونَهُما. فحدثَ بغتَةً زلزلةٌ عظيمةٌ حتَّى تزعزعتْ أُسُسُ السِّجن، فٱنْفَتَحَتْ في الحال الأبوابُ كلُّها وانْفَكَّتْ قيودُ الجميع. فلمَّا ٱسْتَيْقَظَ السَّجَّان ورأى أبوابَ السِّجْنِ أَنَّهَا مفتوحةٌ، اسْتَلَّ السَّيفَ وهَمَّ أن يقتُلَ نفسَهُ لِظَنِّهِ أَنَّ المحبوسِينَ قد هَرَبُوا. فناداهُ بولسُ بصوتٍ عَالٍ قائِلًا: لا تعمَلْ بنفسِكَ سُوءًا، فإِنَّا جميعَنَا هَهُنَا. فطلبَ مصباحًا ووثَبَ إلى داخلٍ وخَرَّ لبولسَ وسيلا وهو مُرْتَعِدٌ، ثمَّ خرجَ بهما وقالَ: يا سَيِّدَيَّ، ماذا ينبغي لي أَنْ أَصْنَعَ لكي أَخْلُصَ؟ فقالا: آمِنْ بالرَّبِّ يسوعَ المسيحِ فَتَخْلُصَ أنتَ وأهلُ بيتِك. وكلَّمَاهُ هو وجميعَ مَنْ في بيتِهِ بكلمةِ الرَّبِّ، فَأَخَذَهُمَا في تلكَ السَّاعةِ من اللَّيْلِ وغسلَ جراحَهُمَا وٱعْتَمَدَ من وقتِهِ هو وذووهُ أَجْمَعُون. ثمَّ أَصْعَدَهُمَا إلى بيتِه وقدَّم لهما مائدةً وابْتَهَجَ مع جميعِ أهلِ بيتِه إذ كانَ قد آمَنَ بالله.
الإنجيل (يو 9: 1– 38)
في ذلك الزَّمان، فيما يسوعُ مُجْتَازٌ رأى إنسانًا أَعْمَى منذ مَوْلِدِه، فسألَهُ تلاميذُه قائِلِين: يا رَبُّ، مَن أَخْطَأَ أهذا أَمْ أبواهُ حتَّى وُلِدَ أعمَى؟ أجاب يسوعُ: لا هذا أخطأَ ولا أبواه، لكن لتظهَرَ أعمالُ اللهِ فيه. ينبغي لي أنْ أعملَ أعمالَ الَّذي أرسلَنِي ما دامَ نهارٌ، يأتي ليلٌ حين لا يستطيع أحدٌ أن يعمل. ما دُمْتُ في العالَمِ فأنا نورُ العالَم. قالَ هذا وتَفَلَ على الأرض وصنع من تَفْلَتِهِ طِينًا وطَلَى بالطِّين عَيْنَيِ الأعمى وقال له: ٱذْهَبْ وٱغْتَسِلْ في بِرْكَةِ سِلْوَام (الَّذي تفسيرُهُ الـمُرْسَلُ)، فمضى وٱغْتَسَلَ وعَادَ بَصِيرًا. فٱلجيرانُ والَّذينَ كانوا يَرَوْنَهُ من قَبْلُ أنَّه أعمى قالوا: أليسَ هذا هو الَّذي كان يجلِسُ ويَسْتَعْطِي؟ فقالَ بعضُهُم: هذا هو، وآخَرونَ قالوا: إنَّه يُشْبِهُهُ. وأمَّا هو فكان يقول: إِنِّي أنا هو. فقالوا له: كيف ٱنْفَتَحَتْ عيناك؟ أجاب ذلك وقال: إنسانٌ يُقال له يسوع صنع طينًا وطلى عينيَّ وقال لي ٱذْهَبْ إلى بِرْكَةِ سِلْوَامَ وٱغْتَسِلْ، فمضيتُ وٱغْتَسَلْتُ فأبصرتُ. فقالوا له: أين ذاك؟ فقال لهم: لا أعلم. فأتَوا به، أي بالَّذي كان قبلاً أعمى، إلى الفَرِّيسيِّين. وكان حين صنعَ يسوعُ الطِّينَ وفتح عينَيْهِ يومُ سبت. فسأَلَهُ الفَرِّيسيُّون أيضًا كيف أَبْصَرَ، فقال لهم: جعلَ على عينَـيَّ طينًا ثمَّ ٱغتسَلْتُ فأنا الآن أُبْصِر. فقال قومٌ من الفَرِّيسيِّين: هذا الإنسانُ ليس من الله لأنَّه لا يحفَظُ السَّبت. آخَرون قالوا: كيف يقدِرُ إنسانٌ خاطِىءٌ أن يعملَ مثلَ هذه الآيات؟ فوقعَ بينهم شِقَاقٌ. فقالوا أيضًا للأعمى: ماذا تقول أنتَ عنه من حيثُ إِنَّه فتحَ عينَيْكَ؟ فقال: إِنَّه نبيٌّ. ولم يصدِّقِ اليهودُ عنه أنَّه كان أعمَى فأبصَرَ حتَّى دَعَوْا أَبَوَيِ الَّذي أبصرَ وسأَلُوهُما قائِلِينَ: أهذا هو ٱبنُكُمَا الَّذي تقولان إنَّه وُلِدَ أَعْمَى، فكيف أبصرَ الآن؟ أجابهم أبواه وقالا: نحن نعلمُ أنَّ هذا وَلَدُنا وأنَّه وُلِدَ أعمَى، وأمَّا كيف أبصرَ الآن فلا نَعْلَمُ، أو مَنْ فتحَ عينَيْه فنحن لا نعلَمُ، هو كامِلُ السِّنِّ فٱسْأَلُوهُ فهو يتكلَّمُ عن نفسه. قالَ أبواه هذا لأنَّهُمَا كانا يخافان من ٱليهود لأنَّ اليهودَ كانوا قد تعاهَدُوا أنَّهُ إِنِ ٱعتَرَفَ أحَدٌ بأنَّهُ المسيحُ يُخرَجُ من المجمع. فلذلك قال أبواه هو كامِلُ السِّنِّ فٱسألوه. فدعَوا ثانِيَةً الإنسانَ الَّذي كان أعمَى وقالوا له: أَعْطِ مجدًا لله فإنَّا نعلَمُ أنَّ هذا الانسانَ خاطِئ. فأجابَ ذلك وقال: أَخَاطِئٌ هو لا أعلم، إنَّما أعلم شيئًا واحِدًا، أَنِّي كنتُ أعمَى والآن أنا أُبْصِرُ. فقالوا له أيضًا: ماذا صنع بك؟ كيف فتح عينَيك؟ أجابهم: قد أَخْبَرْتُكُم فلم تسمَعُوا، فماذا تريدون أن تسمَعُوا أيضًا؟ أَلَعَلَّكُم أنتم أيضًا تريدونَ أن تصيروا له تلاميذَ؟ فَشَتَمُوهُ وقالوا له: أنتَ تلميذُ ذاك. وأمَّا نحن فإِنَّا تلاميذُ موسى، ونحن نعلم أنَّ اللهَ قد كلَّمَ موسى. فأمَّا هذا فلا نعلم مِن أين هو. أجابَ الرَّجلُ وقال لهم: إنَّ في هذا عَجَبًا أَنَّكُم ما تعلَمُونَ من أين هو وقد فتح عينَيَّ، ونحن نعلمُ أنَّ اللهَ لا يسمَعُ للخَطَأَة، ولكنْ إذا أَحَدٌ ٱتَّقَى اللهَ وعَمِلَ مشيئَتَهُ فله يستجيب. منذ الدَّهرِ لم يُسْمَعْ أَنَّ أَحَدًا فتحَ عينَي مولودٍ أعمى. فلو لم يَكُنْ هذا من الله لم يَقْدِرْ أن يفعلَ شيئًا. أجابوه وقالوا له: إِنَّكَ في الخطايا قد وُلِدْتَ بجُملَتِكَ، أَفَأَنْتَ تُعَلِّمُنَا؟ فأَخْرَجُوهُ خارِجًا. وسَمِعَ يسوعُ أَنَّهُم أَخْرَجُوهُ خارِجًا، فَوَجَدَهُ وقال له: أَتُؤْمِنُ أَنْتَ بابْنِ الله؟ فأجابَ ذاك وقالَ: فَمَنْ هو يا سَيِّدُ لأُؤْمِنَ به؟ فقال له يسوعُ: قد رَأَيْتَهُ، والَّذي يتكلَّمُ معكَ هوَ هُو. فقال: قد آمَنْتُ يا رَبُّ وسَجَدَ له.
حول الإنجيل
بعدَ انذِهالِنا مِن عَظَمَةِ قيامة المسيح، تُذهِلُنا أعجوبَةُ اليوم، لأنّها تُذكّرنا بأنَّ الربَّ يسوعَ هُوَ وحدَهُ الإلهُ الحقّ، لأنّه هو وحده يستطيع أن يعطي البصرَ لِمَن وُلِدَ أعمى. صُنعُ يسوعَ لِلطّينِ يُذَكِّرُنا بِجَبْلِ اللهِ تُرابًا عندَ خَلْقِهِ الإنسانَ الأوّل. إنّهُ الخالِقُ ذاتُهُ، صنع الإنسانَ من التُّراب، وَأعطى البصر لهذا الإنسان. ولكنّ الغريب أنّ الفرّيسيّين لَم يُصَدِّقوا، رُغْمَ التّأكيداتِ العديدةِ مِنَ الأعمى وَمِن والِدَيه، وَمِن سائرِ معارفِه، أنّه كان أعمى فعلًا منذ ولادته، وأنّ يسوع هو الَّذي أعطاه البصر. لماذا؟ لأنّهم "أَحَبُّوا الظلّمةَ أكثرَ مِنَ النّورِ لأنَّ أعمالَهُم كانت شرّيرة". لذلك، المشكلة الكبرى هي في نفوسهم هم. الظّلمة الكبرى هي عندهم هم. هم صاروا العميان الحقيقيّين، لا الّذي كانَ أعمى. لأنّ ذاكَ لم تُفتَحْ عيناهُ الجسديَّتانِ فقط، بل عَينا بَصيرَتِهِ أيضًا، لأنَّهُ آمَنَ بالرَّبِّ يَسُوع. لأجل هذا يُضيف الرَّبّ يسوع: "لدينونةٍ أتيتُ إلى العالم، لكي يُبصِر الّذين لا يبصِرون، ويَعمى الّذين يبُصرون". كم مِن المسيحيّينَ اليومَ يُبصرون أمور هذا العالم، لكنّهم مُصابُونَ بالعمى الرُّوحيّ؟!
صحيحٌ أنّ العمى الجسديّ مُرْبِكٌ وقاهر، إلّا أنّه مؤقَّتٌ وعابِر، أمّا العمى الرّوحيُّ فيُفقِدُ صاحبَهُ الحياة الأبديّة، ويُبقيهِ في الظّلمة البرانيّة حيث البكاء وصريفُ الأسنان. الرَّبّ يسوع أتى إلى عالمنا، لا من أجل أن يعطي البصر لِعُميانِ الجَسد، بل لعميان الرّوح، أي البعيدِينَ عن الإيمان. واليوم يوجّه كلامه إلى كلّ واحد منَّا: أتريد أن تؤمن لتكونَ لك الحياة؟ أم تريد أن تبقى في الظّلمة حيث لا حياة، بل موت أبديّ؟
الرّبّ يسوع يريدنا جميعًا أن نَخلُص ونُقبِل إلى معرفة الحقّ، فنكون من المؤمنين العامِلين مشيئتَه كُلَّ حين، لكي نحصل على حياته الأبديّة، له المجد إلى أبد الدُّهور، آمين.
مفهوم اللّعنة في الكنيسة
في حديثنا عن اللّعنة لا يمكننا إلّا أن نتكلّم عن البركة، لأنّه قبل أن تكون اللّعنة كانت البركة. لهذا علينا العودة إلى قصّة الخلق والسّقوط لنرى بداية البركة، ثمّ في السّقوط نرى مفهوم اللّعنة، ولاحقًا عبر تاريخ الخلاص نرى كيف كانت تُفهم اللّعنة وما هي دلالتها.
في الخلق نرى أنّ الله أوّلًا بارك الإنسان (تك 1: 28)، وليس الكائنات، فكانت البركة مرتبطة بالنّموّ والتّكاثر والتّسلّط على الخليقة، أي حفظها بالرّعاية والمحبّة. ولهذا في معصية آدم وحوّاء والانفصال عن الله، بدلًا من البركة سنرى لعنة، ولكنّ الله لم يلعن آدم وحوّاء، لأنّه من نسلهما سيأتي المسيح المخلّص في تمام الأزمنة، بل لعن الحيّة الّتي طغتهم، والأرض الّتي سلّطه عليها. وبالتّالي بدلًا من النّموّ والتّكاثر والسّلطة، حصل آدم على اللّعنة بشكلٍ غير مباشر وخسر سلطته، فأصبح على عداوةٍ مع الحيّة ومع الأرض وبالتّعب يأكل منها. والإنسان صار ينمو ويتكاثر بالأتعاب والأوجاع، حتّى أنّ علاقة الرَّجل بالمرأة تغيّرت، فأصبح هو الّذي يسود عليها. لا بل سقط من المجد الّذي كان عليه، خلقه من التّراب وأعطاه المجد وألبسه النّعمة، فأعاده الله إلى التّراب الّذي خلق منه.
هكذا فاللّعنة هي الخروج من نطاق الله وحضرته، وفقدان النّعمة الّتي يهبها الله لنا مجّانًا مقابل طاعتنا ومحبّتنا له. اللّعنة هي الخروج عن طاعة الله ورفض وصيّته. وبكلامٍ آخر أي رفض أن نكون في شركة محبّةٍ معه، لأنّه قال لنا: "إِن كُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي فَاحْفَظُوا وَصَايَايَ" (يو 14: 15). وكلّ ما تحقّقه البركة، تدمّره اللّعنة بالمقابل.
أوّل إنسانٍ لُعن هو قايين، لأنّه قتل أخاه، أصبح قاتلًا، فعاش حياته في الهروب والخوف، يهرب من لعنةٍ إلى لعنة. اللّعنة تُخلّ عمل النّظام الّذي وضعه الله للخليقة، لأنّها بدون الله هي عاجزة من تلقاء ذاتها أن تثبت أو أن تأتي بثمرٍ، يختلّ النّظام كلّه. وهذا ما حصل بين آدم والأرض، والحيوانات، وحتّى مع حوّاء. تجعل الإنسان في عزلة عن مصدر الحياة، فيعيش مع الخليقة الّتي سلّطه الله عليها في ارتباك وفوضى وفساد وعدم انسجام، فيحلّ الفساد والموت مكان البركة والحياة.
الله يبارك ولا يلعن، هو صالحٌ دومًا، غايته أن يباركنا ولا أن يلعننا، وهو علّمنا ذلك بشكلٍ صريح عندما قال: " بَارِكُوا وَلاَ تَلْعَنُوا" (رو 12: 14)، هذه هي مشيئة الله وإرادته المحبّة للبشر وللخليقة. اللّعنة الإنسان يجلبها على نفسه بمعصيته وشروره، برفضه بركة الرَّبّ ونعمته. بالخطيئة نحجب نعمة الله وبركته عنّا فنحصل تلقائيًّا في اللّعنة، أي في البؤس والتّعب والألم والضّياع والخوف، في كلّ ما هو عكس عطايا الله وإحساناته.
في الأساس لم يكن للّعنة من وجود، كلّ شيء كان حسنٌ، وكانت بركة الله فقط على الإنسان. لكن الإنسان برفضه البقاء في حضرة الله والطّاعة له، رفض نعمته، فتلقائيًّا جلب اللّعنة على نفسه، هي ثمرة الخطيئة. جلبها آدم على نفسه ونحن نجلبها كلّ يوم بعصياننا وتمرّدنا وبُعدنا عن مصدر حياتنا، نجلبها بشرورنا وخطايانا. لكنّ المحبّ للرَّبّ يطلب منه أن ينزل بركته عليه في أدقّ تفاصيل حياته، من الطّعام إلى الشّراب إلى العمل إلى البيت إلى الأرزاق إلى الأولاد إلى كلّ حركة نشرع القيام بها، في أحزاننا وأفراحنا، لكي نقول للرَّبّ نريدك في حياتنا في كياننا، نريد نعمتك في كلّ تفاصيل حياتنا. لا نحدّد لله إطار شركته معنا، بل نعطيه كياننا بالكلّيّة.
أخبارنا
برنامج صلوات صاحب السّيادة في وداع الفصح والصّعود الإلهيّ
يترأّس سيادة راعي الأبرشيّة المتروبوليت أنطونيوس (الصّوري) خدم عيدَي وداع الفصح والصّعود الإلهيّ بحسب البرنامج التالي:
* سهيرانيّة وداع الفصح (غروب- سحر- قدّاس إلهيّ): يوم الثّلاثاء الواقع فيه 8 حزيران 2021 في تمام السّاعة السّابعة مساءً في كاتدرائيّة القدّيس نيقولاوس العجائبيّ- حيّ الميدان.
* عيد الصّعود الإلهيّ
+ غروب العيد: مساء الأربعاء الواقع فيه 9 حزيران 2021، في تمام السّاعة السّادسة، في كاتدرائيّة القدّيس نيقولاوس العجائبيّ- حيّ الميدان.
+ قدّاس العيد: يوم الخميس الواقع فيه 10 حزيران 2021، تبدأ السّحريّة في تمام السّاعة الثامنة والنّصف (8:30) صباحًا، يليها القدّاس الإلهيّ عند السّاعة 10:00. وفي خلال القداس الإلهيّ ستتمّ، بوضع يد صاحب السيادة، رسامة الأخ القارئ أرسانيوس (كوسا) شمّاسًا إنجيليًّا.
رسامة الأخ القارئ أرسانيوس (كوسا) شمّاسًا إنجيليًّا
”الصّانع ملائكته أرواحًا وخدّامه لهيب نار“
(مز 103: 4)
بنعمة الله ومشيئته، وبوضع يد صاحب السيادة راعي الأبرشيّة المتروبوليت أنطونيوس (الصّوري)، ستتمّ شرطونيَّة الأخ القارئ أرسانيوس (كوسا) شمّاسًا إنجيليًّا على مذبح الرَّبّ في كاتدرائيّة القدّيس نيقولاوس العجائبيّ-الميدان، وذلك خلال القدّاس الإلهيّ بمناسبة عيد الصّعود الإلهيّ يوم الخميس الواقع فيه 10 حزيران 2021. تبدأ السّحريّة السّاعة الثامنة والنّصف (8.30) صباحًا، ويليها القدّاس الإلهيّ عند العاشرة (10.00).
ليكن اسم الرَّبّ مباركًا من الآن وإلى الدّهر...