Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد ٥ تشرين الثّاني ۲٠١٧

العدد ٣٠

الأحد (٧) من لوقا 

اللّحن ٥- الإيوثينا ١١

كلمة الرّاعي

التَّأديب

"تَأْدِيبًا أَدَّبَنِي الرَّبُّ، وَإِلَى الْمَوْتِ لَمْ يُسْلِمْنِي"

(سفر المزامير 118: 18)

زمن التَّأديب يبدو أنّه ولَّى في التربية كما نراها اليوم في معظم العائلات وحتّى المدارس والجامعات. التأديب في الكنيسة، أيضًا، غائب منذ زمن طويل. لم تعد المجتمعات مبنيّة على المحبّة الصَّادقة، لذلك غاب عنها التأديب، لأنّ التّأديب عن المحبة يصدر وإلَّا لا يُسمَّى تأديبًا بل عقابًا.

التأديب لغة هو نوع مخفَّف من اللَّوم أو العقوبة يُراد به الإصلاح، كما أنّه التّهذيب والتربية على محاسن الأخلاق.

الرَّبُّ يؤدِّب شعبه لأنّه يحبّه. لكن، التأديب هو نتيجة للانحراف الَّذي يتطلَّب تقويمًا. غاية التأديب الدّفع إلى التّوبة والعودة إلى الله والشّفاء الرّوحي والتّجدُّد والخلاص الأبديّ.

*           *           *

متى يؤدِّب الرّبّ شعبه ولأيّة أسباب؟ عندما لا يرى الله في شعبه من يطلب الحقّ ويصنع العدل. هذا ما يعبّر عنه الرّب بلسان إرمياء النّبيّ (راجع الاصحاح الخامس): "طوفوا في شوارع أورشليم وانظروا واعرفوا وفتشوا في ساحاتها، هل تجدون إنسانًا أو يوجد عامل بالعدل طالب الحق فأصفح عنها؟!" (إرمياء ٥: ١). يبتعد الشعب عن الرّبّ عندما يزوغون عن الحقّ ولا يطلبون العدل. وهذا الأمر له امتدادات في حياة الناس ما يؤدّي إلى (١) غياب المستقيمين من شعب الله، (٢) رفض التأديب الإلهيّ وازدياد قساوة القلوب عوض التحرُّك نحو التوبة، (٣) إساءة استخدام عطايا الله إذ عندما يرتاح الإنسان مادّيًّا ينصرف إلى ملذّاته وأهوائه، (٤) قبول كلمات المخادِعين لأنّ الإنسان لا يريد سماع كلمة الله المزعجة له والتي تختلف عن رغباته وآرائه، (٥) فقدان البصيرة الدّاخلية والتمييز بين عمل الله وعمل الشّرير، (٦) استغلال واصطياد الآخَرين من أجل السلطة والمال ويصير الشرّ عن إصرار وتصميم وليس كرهيًّا أو دون قصد، (٧) التجاوب مع الرجاسات في طلب اللَّذَّة بعيدًا عن الله.

*           *           *

غير التائب يرفض التأديب. يكذب النّاس، في هذا المجال كثيرًا، لأنّهم يدّعون قبول التأديب في الحقّ في حين أنّهم لا يقبلون الحقّ المعلَن لهم إذا لم يكن منسجمًا مع ما يرتؤونه هم! من لا يصدّق إلّا ذاته هو في الباطِل ساكن، لا بل قلبه أعمى! المتواضِع يقبل التَّأديب لأنّه يعرف فائدته إذ يعينه على التّخلّص من أصل الشّرور، أي محبّة الذَّات.

أتريد أن تعرف إذا كنت صادِقًا مع نفسك وراغبًا في الارتقاء الرّوحي؟ إذا كنت تقبل النّقد في الحقّ والاحترام من الآخَرين، من يحبّونك ومن لا يحبّونك، إذا كنت تقبل التَّأديب من والدَيك ومن كنيستك، إذا كنت تطيع الكنيسة المقدَّسة ولا تقيم رأيك ومشيئتك فوق ما توصيك به...

من لا يقبل التأديب لا يستطيع أن يكون ابنًا لله، "إِنْ كُنْتُمْ تَحْتَمِلُونَ التَّأْدِيبَ يُعَامِلُكُمُ اللهُ كَالْبَنِينَ. فَأَيُّ ابْنٍ لاَ يُؤَدِّبُهُ أَبُوهُ؟ وَلكِنْ إِنْ كُنْتُمْ بِلاَ تَأْدِيبٍ، قَدْ صَارَ الْجَمِيعُ شُرَكَاءَ فِيهِ، فَأَنْتُمْ نُغُولٌ (أي أبناء زنى) لاَ بَنُونَ" (عبرانيين ١٢: ٧ و ٨).

*           *           *

الكنيسة تؤدِّب أبناءها بالحقّ للبنيان. لا بدَّ من هدم الحصون الأهوائيّة الّتي يتمترس الشّيطان وراءها ليدمِّر الإنسان. كلمة الرَّبّ هي الدّواء لأنّها تهدم كلّ ما ليس مبنيًّا على "الصَّخرة" أي المسيح وتُنشِئ وتُعلي صرح القلب على هذا الإيمان المحيي: "هَا قَدْ جَعَلْتُ كَلاَمِي فِي فَمِكَ. اُنْظُرْ! قَدْ وَكَّلْتُكَ هذَا الْيَوْمَ عَلَى الشُّعُوبِ وَعَلَى الْمَمَالِكِ، لِتَقْلَعَ وَتَهْدِمَ وَتُهْلِكَ وَتَنْقُضَ وَتَبْنِيَ وَتَغْرِسَ" (إرمياء ١: ٩ و ١٠). التأديب بالكلمة الإلهيَّة هو قلع وهدم وإهلاك ونقض للإنسان القديم ومن ثمّ بنيان وغرس، موت وقيامة، توبة، حياة جديدة في الإنسان الجديد يسوع المسيح. التوبة عبور إلى جِدَّة الحياة بالروح القدس ببذرة الكلمة الإلهيّ (Λόγος Σπερματικός)، انتقال من الإثم إلى البِرّ، من ضعف الخطيئة إلى قوّة النّعمة، خروج من العالم ومن فكر العالم ومبادئ العالم، وبغير هذا لا نصير أبناء لله: "لِذلِكَ اخْرُجُوا مِنْ وَسْطِهِمْ وَاعْتَزِلُوا، يَقُولُ الرَّبُّ. وَلاَ تَمَسُّوا نَجِسًا فَأَقْبَلَكُمْ، وَأَكُونَ لَكُمْ أَبًا، وَأَنْتُمْ تَكُونُونَ لِي بَنِينَ وَبَنَاتٍ، يَقُولُ الرَّبُّ، الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ" (٢ كورنثوس ٦: ١٧ و ١٨).

من يريد أن يتقدَّس عليه أن يقبل التأديب في الرَّبِّ من الكنيسة المقدَّسة، لأنّه هكذا يثبِّتُ بنوَّته لله في المسيح بنعمة الروح القدس الَّذي يمنحه الغلبة على ضعفاته وينقّيه من أهوائه ويجَدِّدُ صورة الثالوث القدّوس فيه، "لأَنَّ الَّذِي يُحِبُّهُ الرَّبُّ يُؤَدِّبُهُ، وَيَجْلِدُ كُلَّ ابْنٍ يَقْبَلُهُ" (عبرانيين ١٢: ٦).

ومن استطاع أن يقبَل فليَقبَل...

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما  للروم الأرثوذكس

طروباريّة القيامة (اللّحن الخامس)

لِنُسَبِّحْ نحنُ المُؤمنينَ ونسجُدْ للكلمة. المساوي للآبِ والرُّوحِ في الأزليّةِ وعدمِ الابتداء. المولودِ مَنَ العذراءِ لِخلاصِنا. لأنّه سُرَّ بالجسدِ أن يَعلُوَ على الصليب. ويحتمِلَ الموت. ويُنهِضَ الموتى بقيامتِهِ المجيدة.

القنداق (اللّحن الثّاني)

يا شفيعَةَ المَسيحيِّينَ غَيْرَ الخازِيَة، الوَسِيطَةَ لدى الخالِقِ غيْرَ المَرْدُودَة، لا تُعْرِضِي عَنْ أَصْوَاتِ طَلِبَاتِنَا نَحْنُ الخَطَأَة، بَلْ تَدَارَكِينَا بالمَعُونَةِ بِمَا أَنَّكِ صَالِحَة، نَحْنُ الصَّارِخِينَ إِلَيْكِ بإيمانٍ: بَادِرِي إلى الشَّفَاعَةِ، وأَسْرِعِي في الطَّلِبَةِ يا والِدَةَ الإِلهِ، المُتَشَفِّعَةَ دائمًا بِمُكَرِّمِيكِ.

الرّسالة (غلاطية ١١:٦-١٨)

أنت يا ربُّ تحفَظُنا وتستُـرُنـا من هذا الجيل

خلِّصْنِي يا ربُّ فإنَّ البارَّ قد فَنِي

يا إخوة، أنظروا ما أعظمَ الكتاباتِ التي كتبتُها إليكم بيدِي. إنَّ كُلَّ الَّذينَ يُريدون أن يُرضُوا بحسَبِ الجسَدِ يُلزِمونكم أن تَخْتَتِنوا، وإنَّما ذلكَ لئلاَّ يُضطهَدوا من أجلِ صليبِ المسيح. لأنَّ الذينَ يَختَتِنون هُم أنفسُهم لا يحفَظون النَّاموسَ، بل إنّما يُريدون أن تَخْتَتِنوا ليفتَخِروا بأجسادِكم. أمَّا أنا فحاشى لي أن أفتخِرَ إلاَّ بصليبِ ربِّنا يسوعَ المسيح، الذي بهِ صُلِبَ العالمُ لي وأنا صُلِبْتُ للعالم. لأنَّهُ في المسيحِ يسوعَ ليسَ الخِتانُ بشيءٍ ولا القَلَفُ بل الخليقةُ الجديدة. وكلُّ الَّذين يسلُكُون بحسَبِ هذا القانونِ فعليهم سَلامٌ وَرحمةٌ، وعلى إسرائيلِ الله. فلا يَجْلِبنَّ عليَّ أحدٌ أتعاباً في ما بعدُ، فإنّي حامِلٌ في جسدي سِمَاتِ الرَّبِّ يسوع. نعمةُ ربِّنا يسوعَ المسيحِ مع روحِكم أيُّها الإخوة. آمين.

الإنجيل (لوقا ١٩:١٦-٣١)

 قال الربّ: كان إنسانٌ غنيٌّ يلبس الأرجوان والبَزَّ ويتنعَّم كلَّ يوم تنعُّماً فاخراً. وكان مسكينٌ اسمه لعازر مطروحاً عند بابه مصاباً بالقروح، وكان يشتهي أن يشبع من الفتات الذي يسقط من مائدة الغنيّ، فكانت الكلاب تأتي وتلحس قروحه. ثمّ مات المسكين فنقلته الملائكة إلى حضن ابراهيم. ومات الغنيّ أيضاً فدُفِن. فرفع عينيه في الجحيم، وهو في العذاب، فرأى إبراهيم من بعيد ولعازر في حضنه. فنادى قائلاً: يا أبت إبراهيم ارحمني وأرسل لعازر ليغمِّس طرف إصبعه في الماء ويبرِّد لساني، لأنّي معذَّب في هذا اللهيب. فقال إبراهيم: تذكَّر يا ابني أنّك نلت خيراتك في حياتك ولعازر كذلك بلاياه. والآن فهو يتعزّى وأنت تتعذَّب. وعلاوة على هذا كلِّه، فبيننا وبينكم هوَّة عظيمة قد أُثبتت، حتى أنَّ الذين يريدون أن يجتازوا من هنا إليكم لا يستطيعون ولا الذين هناك أن يعبروا إلينا. فقال: أسألك إذن يا أبتِ أن ترسله إلى بيت أبي، فإنَّ لي خمسة إخوة حتّى يشهد لهم لكي لا يأتوا هم أيضاً إلى موضع العذاب هذا. فقال له إبراهيم: إنَّ عندهم موسى والأنبياء فليسمعوا منهم. قال : لا يا أبتِ إبراهيم، بل إذا مضى إليهم واحد من الأموات يتوبون. فقال له: إن لم يسمعوا من موسى والأنبياء فإنَّهم ولا إن قام واحد من الأموات يصدّقونه.

حول الإنجيل

الغنى والفقر نقيضان لا يلتقيان كالليل والنهار، والنور والظلمة. منذ أنْ كان الإنسان كانت الفوارق الطبقية تعذّب مجتمعه. وعمر الصراع بين الفقر والغنى، وبين الفقير والغني هو عمر المجتمع البشريّ. لقد تبدّلت أشكال الحلول، وحتى اليوم لم نجد أنّ الأمر قد تمّ حلّه. تدور السياسة وعلم الاجتماع والأديان كلّها حول نزع هذا الصراع. وكثرت الثورات من أجل حقوق الفقراء، والعديد منها لم يحّل مسألة هذه الفوارق بقدر ما بدّل شريحة الطبقات، فقلب الأغنياء إلى فقراء ونصّب الفقراء أغنياء وبقي الصراع الطبقي! النظرة السـريعة إلى مجتمعاتنا والعولمة هذه الأيّام لا تبشّر بحلّ هذا الصراع، أو قد تنبئ بتعاظمه. فما هو الحلّ المسيحيّ؟ يعالج يسوع  هنا هذا الصـراع. لذلك يعرض لنا غنيّاً وفقيراً، غنياً في الرفاهية حتى التَرف، وفقيراً في العوز حتى التَلف، تلحس الكلاب جروحه. وذلك ليوضح الصراع في أقصى طرفيه.

في سفر الأمثال (٢٤: ٨) يبدو أن الحكمة تكمن في ”الوسط“ دون التطرف. فالغنى الفاحش والفقر المدقع هما الطرفان، وخير الأمور الوسط. لذلك كانت صلاة المؤمن: ”يا ربّ، لا تعطِني غنىً ولا فقراً، هبْني كفايتي والضروريات“. لكن نظرة سريعة للحياة تؤكد أن عوامل عديدة منها الفوارق الطبيعيّة أو غياب العدالة الاجتماعيّة أو ضعف الأنظمة السياسية والاقتصادية إلخ… تجعل أغلبية البشر يتوزعون على الطرفين وليس في الوسط. فالبعض أغنياء والأغلبية فقراء والوسط قلائل. إذاً حين نوجد في غنى أو عندما نحيا في فقر كيف نتعاطى مسيحيّاً في مثل هذه الظروف؟

يبدو أن المثل يدين الغني إدانةً قاسية لا توبة فيها ولا رجعة. ويجعل الفقير في غبطة أبدية بعد أن نال عذابه على الأرض. فما الخطأ الذي ارتكبه هذا الغني وما هي فضيلة هذا الفقير حتّى نالا هاتين المكافأتين المتعارضتين تعارض الغنى والفقر؟

لم يكن خطأ الغني غناه. لا ترفض المسيحيّة الغنى أو تطوّب العوز. عندما طوّب يسوع الفقر قال: ”طوبى للفقراء بالروح“. وهناك أمثلة عديدة من القدّيسين الذين عاشوا في غنى ووفرة من الخيرات بدءاً بإبراهيم أبي المؤمنين. فالفقر بالروح هو غير ”العوز“. ما أدان هذا الغني هو الخطأ في ”تبرير“ غناه أولاً. وأنه لم يكن يرى لِلعازر أي حقّ في مشاركته ”ممتلكاته“ هو. لقد استفاد هو من غناه ومما وهبه الله من خيرات من أجل ”تنعّمه“ وبذخه أنانياً. ولم يشعر أن هذا الأخ المرميّ عند بابه يستحق منه أي عطف، خطأ الغني هو قساوة القلب، أي انعدام الإنسانيّة من داخله. فماذا ينتفع الإنسان عندما يربح مال العالم كلّه ويخسر نفسه – إنسانيّته؟

”الإحسان“ كلمة مقدسة لدى كثيرين وهي كذلك. لكنّها بالوقت ذاته تافهة مسيحيّاً، لأن المسيحيّة لا تؤمن ”بالإحسان“ كما يمارَس مرّات عديدة على أنّه تنازل أو تبديد مما نملك لفقراء لا حقّ لهم بمالنا ولكن من ”حسننا“ نهبهم بعض ”إحساناتنا“. ”الإحسان“ هو المشاركة والتألم مع المحتاجين، ليس على أننا نعطيهم ”مما لنا“ بل ”مما لهم“. العطاء، الإحسان هو إعادة توزيع عادل للخيرات.

لا ملكيّة بحسب الكتاب المقدس، لأنّ المالك الوحيد هو الله الخالق. وأعطي للإنسان فلاحة الفردوس والعمل فيه (تك ٢: ٥). فالمالك هو الله والوكيل والمدبّر هو الإنسان. المسيحيّ الغني بالنهاية هو ”أمين“ على رعاية الخيرات المودعة بين يديه. وله منها ”خبز كفاف يومه“ فقط. لماذا يذكر يسوع في المثل أن الغنّي المعذّب رأى من جهنم الفقير لعازر في أحضان إبراهيم؟ ويجيب فمّ الذهب لأن إبراهيم كان غنياً كريماً وصالحاً، أي لكي يرى الغني القاسي في مثلنا هذا خطأه والصورة التي كان يجب أن يكون عليها.

هل للفقير حقّ في اقتسام أموال الغني؟ من نظرة سياسية أو اجتماعية الجواب واضح: لا. يمكننا أن نفترض أو نتمنى، في فلسفتنا الاجتماعيّة، أن يشفق الغني ويحسن إلى الفقير ولكن ليس من السهل أن نتصوّر أن للفقير حقّاً في اقتسام أموال الغني.

عديدون يتعلّلون بكلام بولس الرسول مردّدين كلماته قائلين: ”من لا يعمل لا يأكل“، فالغني عمل كثيراً لذلك يأكل كثيراً، حتّى أحياناً يحقّ له أن يأكل حقوق الآخرين بحسب شريعة الغاب! والفقير يعمل قليلاً فيأكل قليلاً. إلاّ أن عبارة بولس الرسول بالحقيقة مختلفة تماماً عن هذا الاستخدام المشوه لها، فبولس يقول ”من لا يريد أن يعمل لا يأكل“ (٢ تس ٣: ١٠). هناك ظروف عدّة، وعديدة جداً، قد لا تسمح بتساوي فرص العمل، ليس بسبب من سوء إرادة الفقراء ولكن من سوء تنظيم المجتمع، وأسبابه أكثر من أن تذكر أو تدرس في عظة. نعم، ”من لا يريد أن يعمل“ لا يستحق أن يأكل من تعبه ولا من تعب الآخرين.

الحالات الخاصّة في المجتمع ليست شريحة ضعيفة من البشر علينا أن نرقّق قلوب العظماء والأغنياء ليرموا فتاتاً عن موائدهم تسّد قليلاً من حاجات هؤلاء المتألمين. البشر ذوو الحالات الخاصّة والفقراء، بسبب من عدم العدالة الاجتماعيّة، هم إخوة يحقّ لهم باستحقاق أن يقاسمونا كلّ شيء. فهم مدبّرون مثلنا لم يسمح لهم المجتمع أن تودَع بين أيديهم الأمانة الكافية بعد!

هل هناك حقّ إذاً للمحتاج والمريض، حين يقدّم هو الأخير جهده وطاقاته بأن يأكل حسناً؟ في المسيحيّة الجواب هو نعم. لا يوجد ”إحسان“، توجد عدالة قوامها ليست مقاييس شريعة الغاب إنّما وصيّة ”المحبّة“، التي تشعر مع الآخر وليس تشفق عليه، المحبّة التي تلتزم بالوصيّة الإلهيّة وبالآخر. خطأ الغني إذاً هو الاستخدام الأناني. ليس في لغتنا المسيحيّة ”إحسان“ وإنّما ”حنان“ وقلب إنسانـيّ حيّ.

الغني الحنون، إذاً، لا يمكنه ألاّ يعير انتباهاً لأي لعازر في دربه. لا يمكن للغني المسيحيّ أن يخبئ في خزانته رداءً إضافياً وأخوه عريان (باسيليوس الكبير) فهو بذلك لا يحسن التدبير، لا يمكن للمسيحيّ أن ينعم وأخوه يتألم. المسيحيّ الغني هو فقير بالروح، والفقير غنيّ بالروح.

حين نكون في وفرة الخيرات - غنى، علينا أن نفتقر بالروح ونحسن التدبير. وحين تفرض الظروف أن نكون في قلة من الخيرات - فقر، علينا أن نغنى بالله ونتكلّ عليه ونسعى بالصبر، كما يعني الاسم الذي اختاره يسوع في هذا المثل: ”لعازر“ أي المتكلّ على الله والصبور. ذاك الغني أدانته ”أنانيته“ وهذا الفقير لعازر برّره ”صبره“.

الحلّ للمسيحي هو في ”المحبة“ عند الغني و“الصبر“ عند الفقير. هذان سيبدّدان الفارق مهما كان كبيراً.

هذا ما يخبرنا عنه موسى والأنبياء (الكتاب المقدس) لكي نلتزمه ونحياه الآن ولا ننتظر أحداً من الأموات حتى يخبرنا

(كلمة للمتروبوليت بولس يازجي).

انقر هنا لتحميل الملف