نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
الأحد 5 آذار 2023
العدد 10
الأحد (1) من الصَّوم (الأرثوذكسيّة)
اللّحن 5- الإيوثينا 5
أعياد الأسبوع: *5: الأحد (1) من الصَّوم (الأرثوذكسيّة)، الشَّهيد قونن، القدّيس مرقس النَّاسِكْ *6: القدِّيسين الإثنين والأربعين شهيدًا الَّذين في عموريّة، البارّ أركاديوس *7: الشُّهداء أفرام ورفقته أساقفة شرصونة، القدِّيس بولس البسيط *8: القدّيس ثيوفيلكتوس أسقف نيقوميذيّة *9: القدّيسين الأربعين المستشهدين في سبسطية *10: المديح الثّاني، الشَّهيد كدراتُس ورفقته *11: القدّيس صفرونيوس بطريرك أورشليم.
الكلمة الإفتتاحيّة
الصَّوْم
نَصُومُ، أيُّها الأحبَّاء، لا لأنّ الله بحاجةٍ إلى صَوْمنا، بل لأنَّنا بحاجةٍ إلى الله. نَصومُ لأنّنا في الصَّوْم نقطعُ كلَّ علاقةٍ مع شهواتنا الَّتي ظهرت ونَمَتْ بالسُّقوط، وبذلك نُجاهِدُ لكي نرجعَ إلى الحالة الفردوسيَّة الَّتي وَهَبنا إيّاها الله بنفحتهِ المُقَدَّسة بعد أن جبلنا مِنَ التُّراب. إنَّ مصطلحَ الصَّوْم في اللُّغة اليونانيَّة هو (Νηστεία) ويعني الإمساك، وهو ضبط الجسد والنَّفْس لِيُصبِحَ الإنسانُ سيِّدًا على أهوائه وعلى رغباته. فضبطُ النَّفْس والجسد بإذلالهما عن كلِّ متعةٍ يقود إلى التَّواضع الَّذي هو باب الدُّخول إلى الملكوت.
إنّ الصَّوْم عن الطَّعام فقط، لا ينفعنا بشيء، لذلك علينا أن نُقدِّمَ لقريبنا ما يحتاجه مِنْ مَأكلٍ ومَشرب ومَلبس، في الوقت الَّذي نقطعه عن أنفسنا. فالأمُ تقطعُ عن نفسها كلَّ متعةٍ لتقدِّمَ لأولادها وقـتَها، الَّذي هو أثمنُ شيءٍ لديها. وهكذا نحن نصومُ عن الطَّعام لِنُرَوِّض جسدَنا ونفسنا، لذا، علينا أن نقدِّم بالمُقابل طعامًا لِمَن هو بحاجة إليه.
في صومنا، نقطع الطَّعام الشَّهيّ، حتّى وإنْ كان مذاقُه الماديُّ لذيذًا جدًّا، إلَّا أنَّ مذاقَه الرُّوحيّ مُضرٌّ جدًّا، وذلك لكي نُعطي وقتًا أكثر للصَّلاةِ والعطاء، لأنّنا في الصَّوْم نقطعُ تدفُّق الخبز عن فمنا، لنُخرج شلّالًا منه من الصَّلاة، صلاة من أجلنا ومن أجل الجميع.
نعم يا أحبّة! الصَّوْم هو زمن العودة إلى بعضنا البعض بأفعال المحبة والإحسان والرحمة وكذلك، بالمصالحة والصَّلاة. فلا فائدة من الصَّوْم عن الطَّعام فقط، إذا لم تُرافقه الصَّلاة، إنَّ الصَّوْم والصَّلاة مُقترنان كما أنّ الصَّلاة وعملَ الخير مُقتَرِنان. فعملَ الإحسان هو موقفُ القلب الرَّحيم الَّذي يَسعى لإعطاء الفرحة للآخرين. والصَّوْم المقبول، عند الرَّبِّ كما نقرأ في سِفر أشعياء النّبيّ، هو"أَن تَكسِرَ للجائِعِ خُبزَكَ وأَن تُدخِلَ البائسينَ الـمَطْرودينَ بَيتَكَ وإذا رَأَيتَ العُرْيانَ أن تَكسُوَه وأَن لا تَتَوارى عن لَحمِكَ؟" ( أشعياء ٦: ٥٨)، وألم يقل السَّيِّد المسيح: "تَعالَوا، يا مَن بارَكَهم أَبي، فَرِثُوا المَلكوتَ الـمُعَدَّ لَكُم مَنذُ إِنشاءِ العَالَم: أَنِّي جُعتُ فأَطعَمتُموني، وعَطِشتُ فسَقَيتُموني، وكُنتُ غَريبًا فآويتُموني، وعُريانًا فَكسَوْتُموني، ومَريضًا فعُدْتُموني، وسَجينًا فجِئتُم إِلَيَّ … كُلَّما صَنعتُم شَيئًا مِن ذلك لِواحِدٍ مِن إِخوتي هؤُلاءِ الصِّغار، فلي قد صَنَعتُموه" (متّى ٢٥: ٣٤-٤٠). هذا هو الصَّوْم، كما يقول القدِّيس باسيليوس الكبير: "كالنَّسْر لا يستطيع أن يُحَلِّق عاليًا بدون جَناحّيْ الصَّلاة وعمل الإحسان"، هذا هو الصَّوْم الَّذي يفضّله الرَّبّ: الصَّوْم الَّذي تظهر له أيادٍ مليئة بالحسنات وقلوبٌ ممتلئة بحبّ الآخرين.
طروباريّة القيامة (باللَّحن الخامس)
لِنُسَبِّحْ نحنُ المُؤمنينَ ونسجُدْ للكلمة. المُساوي للآبِ والرُّوحِ في الأزَليّةِ وعدمِ الابتداء. المَوْلودِ مَنَ العذراء لِخلاصِنا. لأنّه سُرَّ أن يَعلُوَ بالجَسَدِ على الصَّليب. ويحتمِلَ المَوْت. ويُنهِضَ المَوْتى بقيامتِهِ المَجيدة.
طروباريّة أحد الأرثوذكسيّة (باللّحن الثّاني)
لصورتِكَ الطّاهرة نسجدُ أيّها الصّالح، طالبينَ غُفرانَ الخطايا أيُّها المسيحُ إلهنا. لأنّكَ سُررتَ أن ترتفعَ بالجسدِ على الصَّليبِ طَوعًا لتُنجِّيَ الَّذينَ خَلَقْتَ مِنْ عُبوديَّةِ العَدُوِّ. فلذلكِ نهتِفُ إليكَ بشُكرٍ: لقد ملأتَ الكُلَّ فَرَحًا يا مُخلِّصَنا، إذ أتيتَ لِتُخَلِّصَ العالم.
قنداق (باللَّحن الثّامن)
إنّي أنا عبدكِ يا والدة الإله، أكتب لكِ راياتِ الغلبة يا جُنديّةً مُحامية، وأقدّم لكِ الشُّكرَ كمُنقِذَةٍ من الشَّدائد، لكنْ بما أنّ لكِ العِزَّةَ الّتي لا تُحارَب، أعتِقيني من صنوف الشّدائد، حتّى أصرخ إليكِ إفرحي يا عروسًا لا عروسَ لها.
الرّسالة (عب 11: 24-26، 32-40)
مبارَكٌ أنتَ يا رَبُّ إلهَ آبائنا
لأنَّكَ عَدْلٌ في كلِّ ما صنعتَ بِنا
يا إخوة، بالإيمان موسى لمّا كَبِرَ أبى أن يُدعى ابنًا لابنةِ فرِعَون، مُختارًا الشَّقاءَ مع شعبِ اللهِ على التَّمَتع الوقتيّ بالخطيئة، ومعتبرًا عارَ المسيح غنًى أعظمَ من كنوزِ مِصْرَ، لأنّه نظر إلى الثَّواب. وماذا أقولُ أيضًا؟ إنّه يَضيقُ بِيَ الوقتُ إنْ أخبرتُ عن جِدعَونَ وباراقَ وشَمشونَ ويَفتاحَ وداوودَ وصموئيل والأنبياء، الَّذين بالإيمانِ قَهَروا الممالكَ، وعمِلوا البِرَّ، ونالوا المواعدَ، وسَدُّوا أفواهَ الأسود، وأطفأوا حِدَّة النّارِ، ونجَوا من حَدِّ السَّيف، وتقوَّوا من ضُعفٍ، وصاروا أشِداّءَ في الحربِ، وكسروا معسكَراتِ الأجانب. وأخَذَتْ نِساءٌ أمواتَهُنَّ بالقيامة. وعُذِبَ آخرون بتوتير الأعضاء والضَّرب، ولم يقبلوا بالنَّجاة ليحصلوا على قيامةٍ أفضل. وآخرون ذاقوا الهُزْءَ والجَلْدَ والقيِوِدَ أيضًا والسِّجن. ورُجِموا ونُشِروا وامتُحِنوا، وماتوا بِحَدِّ السَّيف، وساحوا في جُلودِ غَنَمٍ ومَعزٍ، وهم مُعْوَزونَ مُضايَقونَ مَجهودون (ولم يَكُنِ العالم مستحقًّا لهم). وكانوا تائهين في البراري والجبالِ والمغاور وكهوف الأرض. فهؤلاء كُلُّهم مَشهودًا لهم بالإيمانِ لم ينالوا الموعد، لأنّ الله سبقَ فنظر لنا شيئًا أفضل، أن لا يَكمُلوا بدونِنا.
الإنجيل (يو 1: 44-52)
في ذلك الزّمان، أراد يسوعُ الخروجَ إلى الجليل، فوجد فيلبُّسَ فقال له: "اتبَعْني". وكان فيلِبُّسُ من بيتَ صيدا من مدينةِ أندراوسَ وبطرس. فوجد فيلِبُّسُ نثنائيلَ فقال له: "إنَّ الَّذي كتب عنه موسى في النّاموس والأنبياءِ قد وجدناه، وهو يسوعُ بنُ يوسُفَ الَّذي مِنَ النّاصرة". فقال له نثنائيلُ: أَمِنَ النّاصرةِ يمكنُ أن يكونَ شيءٌ صالح! فقال له فيلِبُّسُ: "تعالَ وأنظر". فرأى يسوعُ نَثَنائيلَ مُقبلًا إليه، فقال عنه: "هُوَذا إسرائيليٌّ حقًّا لا غِشَّ فيه". فقال له نثنائيلُ: "مِنْ أين تَعْرِفُني؟"، أجاب يسوع وقال له: "قبلَ أن يدعوَكَ فيلِبُّسُ وأنتَ تحت التِّينةِ رأيتُك". أجاب نثنائيل وقال له: "يا معلِّمُ، أنتَ ابنُ اللهِ، أنتَ مَلِكُ إسرائيل". أجاب يسوعُ وقال له: "لأنّي قلتُ لكَ إنّي رأيتُكَ تحت التّينةِ آمنت. إنّك ستُعاينُ أعظمَ من هذا". وقال له: "الحقَّ الحقَّ أقول لكم، إنّكم من الآنَ تَرَونَ السَّماءَ مفتوحة، وملائكةَ اللهِ يصعدون وينـزلون على ابنِ البشر".
حول الرّسالة والإنجيل
"اتبعني" بين الإيمان والبشارة
إنَّهُ أَحَدُ الأرثوذكسيَّة اليوم. وماذا يعني أن يكونَ الإنسانُ أرثوذكسيًّا؟ يعني أن يكونَ كما وصفَ يسوعُ نثنائيلَ في إنجيلِ اليومِ أَنَّهُ "لا غِشَّ فيه" أي أنْ يسلكَ كما سَلكَ تلاميذُ الرَّبِّ يسوعَ في حياتهم بِأَنْ تَبِعُوا الرَّبَّ يسوعَ إلى المُنتهى!
"اتبَعْنِي" كلمةٌ عميقةٌ فِيما تَعنيه، دعا بِها الرَّبُّ يسوعُ فيلبُّسَ في إنجيلِ اليوم، كما دعا بها آخرين أيضًا. وهذه الدَّعوةُ هي لنا جميعًا بلا شكّ.
خَلَقنا اللهُ على صورَتِهِ ومثالهِ مُعْطيًا إيَّانا مِلْءَ الحرِّيَّةِ في أَنْ نَحْيا معه، أو أن نَحْيا بعيدًا عنه.
وَمِنْ مُنطَلَقِ هذه الحرِّيَّة ليس كلُّ من دعاهم يسوعُ قد لُبُّوا النِّداءَ وَتَبِعُوه بحق. فيهوذا التِّلميذُ الخائِنُ رفضَ دعوةَ يسوعَ وعاشَ عبدًا لذاته وملذَّاته.
أنْ نتبع الرَّبَّ يسوع يعني أمرين هامَّين: أوَّلُهُما أنْ يكونَ لنا مِلء الثِّقَةِ بِهِ وَبِأُبُوَّتهِ لنا، وَبِأَنَّه مُعِينُنا في كلِّ آن. ثانيهما أن نحترِزَ مِنَ الشِّرّير الَّذي لا يوفِّر وسيلةً تمنَعُنا مِنَ السَّيْرِ في دَرْبِ الرَّبِّ يسوعَ وحملِ نيرهِ من خلالِ مُغرياتِ هذا العالمِ وملذَّاتِهِ وَمَجدِهِ الزّائف.
يوجد العديد من الأمثلة على أشخاص نجحوا في تحقيق هذا الأمر كالأنبياء والرُّسُل والقدِّيسين جميعًا.
بولس الرَّسول في رسالةِ اليومِ إلى العبرانيِّين يُعطينا أمثلةً عدَّة على ذلك. كموسى النَّبيّ: "بالإيمانِ موسى لَمَّا كَبُرَ أَبَى أَنْ يُدْعَى ابنًا لابْنَةِ فِرْعَون"، أي أَنَّهُ رَفَضَ كُلَّ مَجْدِ العالَمِ ومناصِبِهِ الزَّمنيَّةِ وازدراها، واختارَ أَنْ يُدعَى ابنًا لله.
جِدعونُ وباراقُ وشمشونُ ويَفتاحُ وداودُ وصموئيل، جميعُهُمْ نَجَحُوا أيضًا بأن "تَبِعُوه" بَعْدَ أن احتملوا ما احتملوه من عذابات وهوان ذكره الرَّسول بولس في نصِّ رسالة اليوم.
هذهِ دعوةُ الكنيسَةِ لنا، أَنْ نقتدِيَ بِهِم، وَأَنْ "نتبعَ" يسوع كي نصيرَ بِكُلِّيَتنا للرَّبِّ "لا غِشَّ فينا" فنُصبِحَ منارةً للأُمَمِ مبشِّرينَ بيسوعنا من خلالِ طريقةِ عيشِنا
كلُّ منْ يتذوَّقُ حلاوةَ اللِّقاءِ بيسوعَ يحبُّ الآخَرين، ويحبُّ أَنْ يُذيقَهم تِلْكَ الحلاوة.
فَلْنُحِبَّ بَعضُنا بَعضًا مُترجمينَ هَذِهِ المحبَّةِ صلاةً وأفعالًا توصِلُ الآخَرين إلى يسوعَ آمِنين. وأَنْ نُعْلِنَ لهم صارِخين كما صرَخ فيلبُّسُ لنثنائيل: "قد وجدناه" هو الإلهُ الحقيقيُّ المُحبُّ للبشر، الَّذي يَقْبَلُ التَّائبينَ ويرْحَمُ الخطأةَ ويُعَزِّي الجميع. آمين
هذا الجنس لا يمكن أن يخرج بشيء إلا بالصلاة والصوم
لقد منح الرب تلاميذه موهبة طرد الأرواح الشريرة في متى (10: 1) ولكن في هذا الحدث الإنجيلي ماذا حصل مع التلاميذ؟ هل فقدوا سلطانهم أم ماذا؟
إن المشكلة الحقيقية في هذه الحالة في عدم قدرة التلاميذ لطرد الروح الشريرة، ليست في قوة الروح الشريرة، ولكن في الضعف الروحي للتلاميذ حينها. لأنهم كانوا يتناقشون فيما بينهم في مَنْ هو الأفضل، فغاب روح التواضع عنهم. حينئذ لا يعود يعمل الله من خلالهم، بسبب حالتهم الروحية الضعيفة.
إن الصلاة والصوم النابعان من القلب يقودان إلى التواضع. بنعمة التواضع نعرف إننا لا نستحق شيئاً، وأن الله يرفعنا ويوجدنا. إذا انسحقنا أمامه في كل حين، ولم ننسب لأنفسا شيئاً، نحافظ على كل موهبة أعطيت لنا من لدن الرب.
إن الموهبة الممنوحة من الله، لا بد أن نحافظ عليها بالحياة الروحية المتمثّلة في طلب المعونة الدائمة من الله، وأن نكون على صلة دائمة مع الله من خلال الصلاة، لأنه بمجرد قطع علاقتنا مع الله تبدأ حياتنا الروحية بالتلاشي والموت. وأن نترفع عن العالم وشهواته وماديته من خلال الصوم.
طالما أن الإنسان يكتفي فقط بالفلسفة عن الله، يبقى ضعيفاً وعاجزاً تماما أمام الروح الشرير الذي يهزأ منه. لكن، ما أن يبدأ الإنسان بالصوم والصلاة، يسيطر على الروح الشرير خوفٌ عظيم. لأن الروح الشريرة لن يستطيع أن يتحمل رائحة الصوم والصلاة بأي شكلٍ، لأن عطر هذه الرائحة الحلوة يخنقها ويضعفها تماما. كيف إذا كانت هذه الصلاة وهذا الصوم يُقامان بصدقٍ وصبرٍ ومحبةٍ ورجاء بالرب يسوع.
الرب يسوع صام وصلى لكي يعطينا مثالاً كيف نسلك وكيف نحيا، فأتى الرسل القديسون صاموا وصلوا إلى الله، هذا هو السبب الذي جعلهم أقوياء لمواجهة الروح الشريرة، ونحن ما علينا إلا أن نطلب من الله أن يثبّتنا بقوة الروح القدس، لنكون قادرين على الالتزام بتعاليمه في الصوم والصلاة من اجل خلاصنا وخلاص قريبنا، آمين. (القديس نيكولا فيليميروفيتش).
أحد الأرثوذكسيّة
لماذا تصرّ الكنيسة على تخصيص أوّل أحد من آحاد الصَّوم للإيمان المستقيم؟
السَّبب أنّ عقيدتنا إذا كانت منحرفة فالإمساك عن الطَّعام لا ينفعنا شيئًا. الإيمان الصّحيح والقويم هو بدء الحياة المسيحيّة وركنها واستمرارها.
تأسّس هذا العيد عام 842 م. بعد هزيمة محاربة الإيقونات، وكان يُقرأ في هذا الأحد في الكنائس، مستند رسميّ اسمه "السّينوذيكون" الَّذي كان يحرّم كلّ الهراطقة بأسمائهم. واعتبر المسيحيّين أن يجاهر الإنسان بعقيدته واجبًا وحاجةً وشهادةً وصدقًا.
بماذا نحتفل؟
نحتفل في الأحد الأوّل من الصَّوم الكبير بعيد أرثوذكسيّتنا، الّتي هي كنيسة الآباء والقدّيسين والشُّهداء والأبرار، فنحتفل بما تنبَّأ به الأنبياء وبالتَّعليم الَّذي استلمناه من الرُّسُل وكتبه الآباء ووافقت عليه المسكونة الَّذي به بقيت مستقيمة الرَّأي وأظهرت الحقيقة المستلَمة من الرَّبِّ يسوع المسيح لكلِّ العالم.
التَّسليم أو التّقليد:
في المجمع المسكونيّ الرّابع (451 م.) وبأسلوبٍ صريحٍ وواضح تمَّ تحديد ما يُسمّى بتقليد الكنيسة وحياتها أي التَّعليم الأرثوذكسيّ. تعيش الكنيسة هذا التّعليم (الأرثوذكسيّ) كإيمانٍ مسَلَّم مِنَ السَّيِّد المسيح ذاته، وتظهره بالتَّعليم الشَّفويّ أو المكتوب أو باللّيتورجية الإلهيّة كعبادة وشركة أسراريّة. يُعتبر التَّقليد بالنِّسبة للكنيسة الكنز الثَّمين، تعيشه استنادًا على إيمان الرُّسُل والآباء والمؤمنين الأرثوذكس، وبه تسعى لكشف كلّ حقائقها، معلنةً للعالم بشجاعةٍ وجرأةٍ أنَّ المسيح هو الإله الحقيقيّ الَّذي تعبده وتسجد له.
هي تعلّم بتكريم القدّيسين وعلى رأسهم والدة الإله وذلك لقداسة حياتهم وصدق كلامهم ومؤلَّفاتهم ولتضحياتهم في الكنيسة، فهي تقدّم لهم ولإيقوناتهم التَّكريم، أمّا السُّجود هو للمسيح فقط. فالكلّ تقدَّس بالمسيح وقدّموا له كلّ حياتهم الَّذي هو الكلّ بالكلّ.
لهذا السَّبب في هذ الأحد تأخذ الكنيسة على عاتقها المسؤوليّة كاملةً أمام الله والتّاريخ وجماعة المؤمنين، وتؤّكد بأنّ إيمانها هو بالحقيقة ذات إيمان الرُّسُل والآباء وإيمان كلّ أرثوذكسيّ حقّ.
فهي الوحيدة القادرة على تفسير الإنجيل تفسيرًا مُعاشًا صار إلى تقديس كثيرين، فتعود إلى الآباء الَّذين فَهِموا الإنجيل بالرُّوحِ ذاتِهِ الَّذي كتب فيه، وعاشوه وتقدّسوا بنعمة الرُّوح القدس، وتعطيهم الأولويَّة في شرح الإنجيل، "الرُّوحيّ يحكم في كلّ شيء" (1 كو15:2).
انتصار الأرثوذكسيّة:
هذا اليوم هو يوم انتصار، أي انتصار إيمان الكنيسة على التَّعليم الكاذب المُميت.
ابتدأ هذا الانتصار منذ تجسّد الله وصيرورته إنسانًا، فاتَّحَدَتْ الطَّبيعة الإلهيّة بالطَّبيعة البشريّة، كما تُشير طروباريَّة عيد البشارة: "اليوم رأس خلاصنا..." ويتبعه انتصار المسيح على الموت بالقيامة، فرحنا بقيامة المسيح من الأموات يساوي فرحنا لانتصار الأرثوذكسيّة على التَّعليم المُنحرف.
وكما يحتفل كلّ مسيحي بالقيامة يجب أن يحتفل كلّ أرثوذكسيّ بانتصار أرثوذكسيّته على انتشار الإيمان المفسد الحياة. قال الرَّبُّ: "السَّماء والأرض تزولان ولكنّ كلامي لا يزول" (متّى 35:24). وقال لبطرس: "أنت صخرة وعلى إيمان حقيقيّ كهذا سأبني كنيستي والموت لن يقوى عليها (مت 17:16-18). هذا هو إيماننا مستند على حضور المسيح في الكنيسة وهو الَّذي يصونها.
إنَّ النُّصوص المَتْلُوَّة أو المُرَنَّمة في صلاتَيْ مساء وسحر هذا الأحد تُلِّحُ على حقيقة التَّجسّد. فالمسيح المتجسّد هو المثال الجوهريّ والأصليّ لجميع الإيقونات. وتعبّر بعض جمل التّريودي عن المعنى العميق لإكرام هذه الإيقونات.
كان القدّيسون الممجَّدون إيقونات حيةً لله، وإن كانت غير كاملة. لقد باتوا إيقونةً على مثال الإيقونة الأولى أيْ المسيح الإله المتجسّد. وهذا معنى كلمة إيقونة اليونانيّة الَّتي تعني "نموذج عن المثال الأصليّ" من هنا نقول أنّ الإيقونة تُكتَب ولا ترسَم أيّ تكتَب بالرُّوح فتصبح حيّةً كالمسيح الَّذي تجسّد من الرُّوح القدس ومن مريم العذراء على ما نقول في دستور إيماننا... وأثناء قدَّاس هذا الأحد، نسمع الكاتب الملَهم في ما يتلى من الرِّسالة إلى العبرانيّين، يصف آلام موسى وداوود وآباء إسرائيل وشهدائه. هؤلاء كانوا صُوَرًا مرسومةً، لا على الخشب بل في الجسد. وكانوا يرمزون إلى الإيقونة النِّهائيّة، شخص المُخلِّص وينبئون به...
فلنرفع إيقوناتنا عاليًا ونقول بصوتٍ جهوريّ: "هذا هو إيماننا وسنحافظ عليه إلى الآبد".
(عن موقع بطريركيّة أنطاكية وسائر المشرق للرّوم الأرثوذكس)