نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
أُنقُر على الملف لتصفُّح نشرة كنيستي
كما يمكن قراءة النص الكامل في المقطع أدناه.
الأحد قبل عيد الظّهور الإلهيّ
العدد 1
الأحد 5 كانون الثّاني 2025
اللّحن 3- الإيوثينا 6
أعياد الأسبوع: *5: الشّهيدَيْن ثيوبمبتوس وثيوناس، البارّة سنكليتيكي *6: عيد الظُّهور الإلهيّ لرَبِّنا وإلهنا ومُخَلِّصِنا يسوع المسيح المـُقَدَّس *7: تذكار جامع للنّبيّ السّابق يوحنّا المعمدان *8: البارّة دومنيكة، البارّ جرجس الخوزيبي *9: الشّهيد بوليفكتوس، البارّ افستراتيوس *10: القدّيس غريغوريوس أسقف نيصص، والقدّيس دومتيانوس أسقف مليطة *11: البارّ ثيودوسيوس رئيس الأديرة، البارّ ﭬيتاليوس.
كلمة الرّاعي
ظهور النُّور البَهيّ
”كَانَ إِنْسَانٌ مُرْسَلٌ مِنَ اللهِ اسْمُهُ يُوحَنَّا. هذَا جَاءَ لِلشَّهَادَةِ لِيَشْهَدَ لِلنُّورِ، لِكَيْ يُؤْمِنَ الْكُلُّ بِوَاسِطَتِهِ. لَمْ يَكُنْ هُوَ النُّورَ، بَلْ لِيَشْهَدَ لِلنُّورِ. كَانَ النُّورُ الْحَقِيقِيُّ الَّذِي يُنِيرُ كُلَّ إِنْسَانٍ آتِيًا إِلَى الْعَالَمِ ...“ (يوحنّا 1: 6- 9).
لقد ظهر نور المعرفة الإلهيّة للبَشَر يومَ اعتَمَد الرَّبُّ يسوع المسيح من يوحنّا المعمدان في الأردنّ. لقد كشف الله عن سِرِّه المـَكْتُوم مُنذُ الدُّهور حين ظهر الكلمة المتجسِّد في المياه. لقد قال العَلِيُّ كلمَتَه للإنسان مُسَمِّيًا إيّاه ”ابني الحبيب“ (متّى 3: 17) بالابن الكلمة المتَّخذ ”صورة عبد“ (فيليبي 2: 7).
معرفة الله هي النُّور الَّذي يَتُوقُ إليه كلُّ كائنٍ بَشَريّ لأنّه مخلوق على صورة الكائن الَّذي هو ”نُورٌ وَلَيْسَ فِيهِ ظُلْمَةٌ الْبَتَّةَ“ (رسالة يوحنّا الرّسول الأولى 1: 5). الظُّلمَة دَخَلَتْ حياة الإنسان حين عرف الخطيئة بالشَّهوة (راجع: تكوين 3: 6)، إذ ”دُوَارَ الشَّهْوَةِ يُطِيشُ الْعَقْلَ السَّلِيمَ“ (حكمة 4: 12). الشّهوة إذا تحكّمت في إنسان أَعْمَتْ عينَي قلبه عن حقّ الله الَّذي في الوصيّة وحرمته من فِعلِ النّعمة فيه ...
* * *
حياة الإنسان صراع دائم، في نفسه، بين النُّور، الَّذي هو منه، والظُّلمة، الَّتي انْسَلَّتْ داخله، بسبب تراكم خطايا البشريّة وفساد البشر والمجتمعات منذ السُّقوط وعلى مَرِّ العُصور، لدرجةٍ يَقُولُ معها الكتاب المقدَّس بأنَّ الرَّبَّ رأى ”أَنَّ شَرَّ الإِنْسَانِ قَدْ كَثُرَ فِي الأَرْضِ، وَأَنَّ كُلَّ تَصَوُّرِ أَفْكَارِ قَلْبِهِ إِنَّمَا هُوَ شِرِّيرٌ كُلَّ يَوْمٍ“ (تكوين 6: 5) ...
أرسل الله مُختاريه قبل الشَّريعة لِيَدُلُّوا البشر على طريق النُّور، وأتى النَّاموس لِيِكُونَ نورًا (راجع: أمثال 6: 23) لهِداية البشر إلى طريق الحقّ لأنّ الحقّ نور هو (راجع: إشعياء 51: 4). الحقّ أتانا بالكلمة، والكلمة من اللّوغوس (الكلمة) تأتي بواسطة روحه، لأنَّ ”الرُّوحُ هُوَ الَّذِي يَشْهَدُ، لأَنَّ الرُّوحَ هُوَ الْحَقُّ“ (1 يوحنا 5: 6)، والحقُّ هو يسوع المسيح ”الطّريق والحقّ والحياة“ الَّذي به نأتي إلى معرفة الله الآب، الإله المصدر (راجع يو 14: 16 و17: 3).
* * *
بِتَجَسُّد ابن الله الوَحِيد فُتِح لنا باب معرفة الله كما لم يعرفه البشر قبلًا إلَّا، رُبَّما، قبل السُّقوط بشكلٍ أوّليّ. معرفة الله الَّتي أُعْطِيَتْ لنا في المسيح هي الدُّخول في شركة حياة الثّالوث القدّوس في الابن بواسطة الرّوح القدس، لنختبر سرّ الوجود في الكائن بالنِّعمة الإلهيَّة غير المخلوقة الَّتي هي الله نفسه ساكنًا فينا بِقِواه الإلهيَّة الَّتي تُعطينا حياتَهُ وصفات جوهره مع انفصالنا الكُلِّيّ عن الجوهر الإلهيّ كونَنا مخلوقين، ليبقى التَّمايُز بين الخالق والمخلوق في سِرِّ الوَحدة هذا، الّذي تمّ فينا حين شارَكَنَا الكلمةُ الابن الوحيد الجنس طينتنا البشريّة ...
الكَشْف الإلهيّ لِسِرِّ الله المثلَّث الأقانيم، في معموديّة الرَّبّ يسوع المسيح على يد يوحنّا المعمدان، مَنَحَ البشر أن يسكن فيهم نورُ نعمةِ الثّالوث، فيرتسم هذا النُّور على مُحَيَّاهُم شهادةً للأبدِيَّة المتَجَلِّيَة في وُجوههم إعلانًا لِنَقاوَة النَّفْسِ والجسد، كما نسمع عن أوَّل الشُّهداء استفانوس أنّ ”وَجْهَهُ كَأَنَّهُ وَجْهُ مَلاَكٍ“ (أعمال الرّسل 6: 15).
ما وُهبناه بتجسُّدِ الرَّبّ وميلاده وظهوره علينا في الأردن هو أنّ طبيعتنا وطبيعة الكَوْن تقدَّسَتْ بالإله المتأنِّس. صار كلُّ شيء مَطْرَحًا لِتَجَلِّي مجد الله ونوره بالنِّعْمَةِ الإلهيّة. هذا الكنز الإلهيّ الَّذي لا يُقَدَّر أُعطِيَ للبَشَر أنْ يَشتركوا فيه مِنْ خِلال كلِّ ما يُقدَّس ويُكَرَّس بالصَّلوات والأسرار باستدعاء نعمة الرُّوح القدس. تقدَّستْ المادّة بتجسُّد الرَّبّ ونزوله في المياه. القداسة المتنَزِّلَة علينا في المسيح بالرُّوح القدس تُغَيِّرنا إلى مسكنٍ للنِّعْمَة إلى فَعَلَةٍ بقُوَّةِ الله لِنَقْلِ حُبِّهِ المـَسكُوب فينا إلى عملٍ وخدمةٍ ومُشاركةٍ لِنَحْيا في النُّور ونطرد عنَّا ومِنَّا كلّ ظلمةٍ فنَصيرَ بالمسيح نورًا للعالم (متّى 5: 14).
* * *
أيّها الأحبّاء، منْ نِعَمِ الله علينا أنّنا أبصرنا النُّور الَّذي به نُعايِن النُّور إذْ سَكَنَ فينا. اليوم، نحن مدعوُّون إلى بداياتٍ جديدةٍ بتقديس العَلِيِّ لنا بتجديدِ معموديَّتنا بالتَّوبة مِنْ خِلال نَضْحِنا بمياه الأردن الَّتي في سِرِّ تقديس المياه يومَ عيد الظُّهور الإلهيّ، ولتكن توبتنا سلوكًا في طلب صنع مشيئة الله فينا وفي خدمة الرَّبّ في كلّ صاحبِ حاجةٍ يضعه الله أمامنا ويضعنا أمامه حتَّى بالصَّبر والجِهاد والبَذْلِ والعَطاء نَتَنقّى ونتحرَّر من كلّ ما يُعيق سُكنى النُّور الإلهيّ فينا حتّى يَنظر إلينا النَّاس فيرَوا نورَ وَجْهِ يَسوع المسيح مُرْتَسِمًا عَلَيْنا ومُطِلًّا بنا عليهم بحنانه النَّازِلِ مِنْ علوّ ...
هذا هو عمل الله فينا وعملنا فيه إذا ما قبلنا كلمته نورًا لحياتنا ... فَنَصيرَ كيُوحنَّا المعمدان شهودًا لـ”حَمَلِ اللهِ الرَّافِعِ خطيئةَ العالم“ والمانِحِ الخليقَةَ كلَّها الرَّحْمَةَ العُظمى ...
ومن استطاع أن يقبل فليقبل.
+ أنطونيوس
متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما
طروباريّة القيامة (باللَّحن الرّابع)
إنَّ تلميذاتِ الرَّبّ تعلَّمنَ مِنَ المـَلاكِ الكَرْزَ بالقيامةِ البَهج. وطَرَحْنَ القَضاءَ الجَدِّيَّ. وخاطَبْنَ الرُّسُلَ مُفتَخِراتٍ وقائِلات. سُبيَ المـَوْتُ وقامَ المـَسيحُ الإله. ومنحَ العالمَ الرَّحمةَ العُظمى.
طروباريّة تقدمة الظّهور (باللَّحن الرَّابع)
إنّ نهرَ الأردنِّ قد انكفأ راجعًا قديمًا، بِوِشاحِ أليشع عند صعود إيليّا، وانشقَّ الماء إلى هذه الجِهَة وإلى تلك، فحصلت لهُ المادّةُ الرَّطْبَةُ طريقًا يابسة. فكان ذلك رسمًا للمعموديّةِ حقًّا، الَّتي بِها نَجُوزُ سبيلَ العُمرِ الزَّائل. المسيح ظهرَ في الأردن لِيُقَدِّس المياه.
قنداق تقدمة الظُّهور (باللَّحن الرَّابع)
اليومَ حضرَ الرَّبُّ في مجاري الأردن، هاتفًا نحو يوحنّا وقائلًا: لا تَجزَعْ مِن تَعميدي، لأنّي أتيتُ لأُخلِّصَ آدمَ المجبولَ أوّلًا.
الرِّسالة (2 تيمو 4: 5– 8)
خلّص يا ربُّ شعبك وبارك ميراثك
إليك يا ربُّ أصرخ إلهي
يا ولدي تيموثاوُس، تيقَّظْ في كُلِّ شيء، واحتمِلِ المشقَّاتِ، واعمَلْ عملَ المبشِّر، وأَوفِ خِدمَتَك. أمّا أنا فقد أُريق السَّكِيبُ عليَّ، ووقتُ انحلالي قَدِ اقتَرب. وقد جاهدتُ الجِهادَ الحسَن، وأتممتُ شَوطي، وحفَظتُ الإيمان. وإنّمَّا يبقى محفوظًا لي إكليلُ العدلِ الّذي يَجْزِيني بهِ في ذلكَ اليومِ الرَّبُّ الدَّيَّانُ العادل، لا إيّايَ فقط، بل جميعَ الّذينَ يُحبّونَ ظهورَه أيضًا.
الإنجيل (مر 1: 1– 8)
بدءُ إنجيلِ يسوعَ المسيح ابنِ الله. كما هو مكتوبٌ في الأنبياءِ: هاءَنذا مُرسِلٌ ملاكي أمام وجهِك يُهيِّئُ طريقَك قدَّامك، صوتُ صارخٍ في البريَّة أعِدُّوا طريقَ الرّبّ، واجعَلوا سُبلهُ قويمة. كان يوحنّا يُعَمِّدُ في البرّيَّة، وَيَكرِزُ بمعموديَّةِ التّوبةِ لغفرانِ الخطايا. وكان يَخرجُ إليه جميعُ أهلِ بلد اليهوديّةِ وأوُرشليمَ، فيعتمدونَ جميعُهم منهُ في نهرِ الأردُنِّ معترفينَ بخطاياهم. وكان يوحنّا يَلبَسُ وَبرَ الإبلِ، وعلى حَقْوَيْهِ مِنطقةٌ من جلدٍ، ويأكلُ جرادًا وعسلاً برّيًّا. وكان يكرِزُ قائلًا: إنَّهُ يأتي بعدي مَن هو أقوى منّي، وأنا لا أستحقُّ أن أنحنيَ وأحُلَّ سَيْرَ حِذائِه. أنا عمَّدتُكم بالماء، وأمَّا هو فيُعَمِّدُكم بالرُّوحِ القُدُس.
حول الإنجيل
إنَّ مَقْطَع الإنجيل اليوم بسيطٌ في محتواه، لكنَّه غنيّ بالحقائق. وُجود القدَّيس يوحنَّا المسبَق في الصَّحراء يُهيِّئ النَّاس لاستقبال المسيح الآتي. وقد حقَّق ذلك بأمرَيْن بسيطَيْن أوَّلًا يُعمِّد السَّابق النّاس ويغفر لهم خطاياهم.
الغرض من السَّابق معروفٌ الآن. كان يعدُّ النَّاس بِوَعْظِه لقُبول المسيح. لأنَّه كيف يؤمنون إن لم يسمعوا وكيف يسمعون إن لم نبشِّر؟، يَقول الرَّسُول بولس.
في بداية هذا العام ومع ميلاد يسوع تُجدِّدُ الكنيسة العَهد على إعداد الطَّريق للبشارة، وما سمعناه اليوم في الإنجيل ليس قصَّةً بل دعوة.
المسيحيّ الَّذي يتأمَّل في إيمانه تحرقه روح البشارة، لأنَّه أحَبَّ الله والنَّاس ويصرخ مع بولس الرَّسُول: "الوَيْل لي إنْ لم أبَشِّر". فالمعمدان أطلق في أيَّامه ثورةً روحيَّةً، ثورة على الفساد، ثورة على الجمود الرُّوحيّ.
لكن هل سنحتاج نفس الخطبة اليوم؟ على الرُّغم من أنَّ المسيح قد أتى قبل ألفَيْ عام، فلا يَزال يتعيَّن علينا الاعتراف بأنَّه ضروريٌّ لنا، لأنَّنا إذا ألقينا نظرة سريعة على أنفسنا، فسنرى أنَّه لا يوجد يسوع فينا. بدلًا من ذلك، فإنَّ العالم بأسره يعيش ويتغذّى على الخطيئة. إنّها الأنانيَّة، والعواطف الخاطئة، والعقليَّة المادِّيَّة.
فإنَّ نداء المعمدان "أعِدُّوا طريق الرَّبّ" هو صوت الكنيسة الصَّارِخ الَّذي يُحرِقُ قلوبَنا في الميلاد ورأس السَّنة وفي كلِّ بداية. "واجعلوا سُبُلَهُ مستقيمَة" يحرق فينا كلَّ عشقٍ أرضيٍّ ويُلْهِب نفوسَنا بحبِّ ما هو سامٍ ولائِق.
الدُّنيا مقدَّسة حين نأخذها واسطة بشارة وعكس ذلك نُدْنِيها. البشارة ليست نَشاطًا إضافيًّا في حياتنا، إنَّما هي تعبيرٌ لِصِدْقِ حياة الإنسان بحسب الإيمان.
عطايا الله المقدَّسَة
في قراءتنا لمجمل الكتاب المقدَّس وتحديدًا للفصول الأولى لِسِفْرِ التَّكوين (1، 26-30 و 2، 19-20) نُدْرِكُ حقيقة أنّ كلّ ما خلقه الله أعطاه للإنسان وسَلَّطهُ عليه وأنّ كلّ خير وكلّ عطيَّةً هي مِنْ لَدُنِ الرَّبّ، "أيضًا الرَّبُّ يُعطي الخير" (مز 84، 12)، "فكلّ عطيّةٍ صالحة وكلّ هبةٍ كاملة تنزل من علُ من عند أبي الأنوار" (يع 1، 16- 17)، "وأوسع على النَّاس العطايا" ( اف4،8. مز 67، 19). من هذا نَستَخْلِص أنّ كلّ الخليقة المنظورة وغير المنظورة هي، في البدء، مُقَدَّسَة لأنَّها مِنْ لَدُنِ الله القُدُّوس وحده. كلّ ما أوجده الله وأوْكَله للإنسان هو مُقَدَّس.
مع سقوط الإنسان تبدّلت حالة هذه العطايا مع تبدُّل حالة الإنسان الموكَّل بها والمتسلِّط عليها، مع تبدُّل طريقة تعامله معها واستهلاكه لها. قبل السُّقوط كان الإنسان في حالة بدائيّة يحكمها وعيٌ راسخ بأنّ حياته ومآله مرتبطان بالله خالقه وأنّ كلّ عطاياه صالحة ومقدّسة كونها من مصدر الصَّلاح والقَداسَة. أمّا في السُّقوط فقد تحوّل ارتباطه بالله قيدًا لحرّيّته وحاجزًا في طريق نضجه ومعرفته. صارت، بالنِّسبَة له، عطايا الله المقدّسة وسيلةً للاستغناء عنه بَدَلًا من الاستغناء به. فقدت قدسيّتها لتتحوَّل من خيراتٍ تغذّي ذِكْرَ الله في عمق كيانه وعرفانَ جميلٍ له تقوده إليه وتمتّن ارتباطه به كمصدرٍ لوجوده، إلى محسوسات ملعونة، "ملعونة الأرض بسببك" (تك 3، 17)، يتعب ويغرق في استهلاكها فتُلْهيه عن مُعْطِيها وتُنسيه إيّاه، "فيعود إلى الأرض الَّتي أُخذ منها لأنّه تراب وإلى التُّراب يَعود" (تك 3،19).
في غمرة هذه الأعياد المباركة تؤكّد لنا الكنيسة، عبر صلواتها، أنّ الرَّبَّ الخالق، مصدر كلّ خير وكلّ عطيّةٍ، اْلتَحَم بخليقته عبر ظهوره بالجسد بيننا ليُعيد للخليقة بهاءَها الأوَّل وقدسيّتها الأصليّة. أخذ المحسوسات والتُّراب ليؤكّد لنا أنّها خُلقت، أصلّا، لتقودنا إلى قداسته. تحوّل إلى عطيّة مرئيّة ليعيد لعطاياه قدسيّتها الأولى الَّتي نزعها عنها الإنسان الأوّل بخطيئته.
في طقس تقديس الماء الَّذي نُقيمه هذه الأيّام المباركة تؤكّد لنا الكنيسة تدبير الله لنا في جعله الخليقة برمّتها عطيّةً مقدَّسة. لتؤكّد لنا أنّ حفظ قداسة عطايا الله ليست معطى ثابتًا من طرف الله فحسب، بل هي أيضًا مسؤوليّة الإنسان الَّذي خُلقت لأجله في الأصل. قداستها لا تُصان إلّا بقداسة الإنسان عبر سعيه الدَّائم لتخطّي ترابيّته وميوله الاستهلاكيّة الجشعة والَّتي هي مصدر كلّ خطيئة.
نسأل الله أن يَعضدَنا لننجو من أتون الاستهلاك الَّذي يرتمي فيه العالم ولنجعل من عطاياه أداة تقديس ولقاء مع نبع القداسة عبر الصَّوم والإحسان وفعل الفضائل، لنولد من جديد في عالم الحرّيّة الأولى، حرّيّة طاعة الله وقداسته:
"حتّى أنّك بتقديسك طبيعة المياه، أيُّها المنزَّه عن الخطأ، تفتح لنا طريق إعادة الولادة بالماء والرُّوح وتُعيدنا إلى الحرّيَّة الأولى".