نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
الأحد 4 كانون الأوّل 2022
العدد 49
الأحد (25) بعد العنصرة
اللّحن 8- الإيوثينا 3
أعياد الأسبوع: *4: العظيمة في الشّهيدات برتارة، البارّ يوحنّا الدّمشقيّ *5: البارّ المتوشّح بالله سابا المتقدِّس، الشَّهيد أنستاسيوس *6: القدّيس نيقولاوس العجائبيّ أسقف ميراليكيّة *7: القدّيس أمبروسيوس أسقف ميلان، القدّيس عمّون أسقف نيطريّا *8: البارّ بتابيوس المصريّ *9: تذكار حَبَل القدّيسة حنَّة جدّة الإله، تذكار التّجديدات، القدّيسة حنّة أمّ صموئيل النّبيّ *10: القدّيس مينا الرَّخيم الصَّوت، القدِّيسَيْن ارموجانُس وافغرافُس.
كلمة الرّاعي
أيقونة الأسقف: القدّيس نيقولاوس العجائبيّ
"لأَنَّكُمْ كُنْتُمْ كَخِرَافٍ ضَالَّةٍ، لكِنَّكُمْ رَجَعْتُمُ الآنَ
إِلَى رَاعِي نُفُوسِكُمْ وَأُسْقُفِهَا" (1 بط 2: 25)
ولد القدّيس نيقولاوس في باتارا، من أعمال ليسيّة الواقعة في القسم الجنوبيّ الغربيّ من آسيا الصُّغرى، في النّصف الثّاني من القرن الثّالث للميلاد. تسقّف على ميرا، في آسيا الصُّغرى أو كما تعرف اليوم برّ الأناضول، وهي "دمري" الحاليّة. المسلمون جعلوا له عند الكنيسة الّتي قيل أن القدّيس كان يقيم الذَّبيحة الإلهيّة فيها تمثالًا لمن أسموه ”NOEL BABA“.
اضطُهدَ القدّيس نيقولاوس أيّام ذيوكليسيانوس ومكسيميانوس، واشترك في المجمع المسكونيّ الأوّل في نيقية سنة 325 م. ويقال أنّه لطم آريوس لمّا تفوّه بالهرطقة. رقد في ميرا حوالي منتصف القرن الرّابع الميلاديّ. سرق رفاته قراصنة من باري الإيطاليّة عام 1087 م. وذهبوا به إلى بلادهم حيث ما يزال إلى اليوم، حيث ما زال سائل طيِّب الرّائحة يفيض من رفاته. تعيّد له الكنيسة المقدّسة في السّادس مِن كانون الأوّل.
* * *
نيقولاوس كان راعيًا وأسقفًا بكلّ ما للكلمة من معنى، لأنّه كان يقود النّفوس إلى المسيح بمثاله وأعماله وتعليمه. كان رجل وَداعة وتواضع ورجل حزمٍ وأمانة للرّبّ، وفي هذا الإطار يقول عنه القدّيس ميثوديوس أنّه بسبب تعاليم القدّيس نيقولاوس كان كرسي ميرا هو الوحيد الَّذي لم يتأثّر ببدعة آريوس. هذا فَضْلُ ربّه عليه بالنّعمة الإلهيّة الّتي استنزلها القدّيس كونه إنسانَ صلاة. عُرف عنه، أيضًا، أنّه رجل رأفة وإحسان وعدالة. هكذا أعان بكلّ خفرٍ رجلًا على الحفاظ على بناته الثّلاث وأمّن له ما يزوّحهن به دون أن يعرف الرّجل هذا المُعطي السّخيّ والخفيّ. كما أنقذ ثلاثة ضبّاط من موت محتّم بظهوره على الملك في الحلم. هذه الصِّفات كلّها نستقرئُها في سيرة حياته.
كان يحبّ الرَّبّ فوق كلّ أحد وقبل كلّ أحد، وهو قد ترك كلّ شيء وتبع المعلّم، لذلك أجزل الرّبّ عليه النِّعَم مئة ضعف، فكانت عجائبه فائضة في حياته وبعد رقاده.
* * *
القدّيس نيقولاوس العجائبيّ هو أيقونة الأسقف الّذي على صورة المعلّم رئيس كهنة الخيرات العتيدة (راجع عبرانيين 9: 11). لقد كان صاحب ضمير طاهر من الأعمال الميتة (راجع عب 9: 14) أي كلّ ما يمتّ إلى الأعمال الّتي بالنّاموس لأنّه سلك بنّعمة الله صانعًا أعمال الرّحمة في خدمة المسيح ومعلِّمًا حُسنَ العبادة في استقامة الإيمان.
كان القدّيس نيقولاوس راعيًا بكلّ ما للكلمة من معنى، فحفظ الإيمان وأظهره في حياته بأفعال الحقّ، وكان صورة عن الرّبّ الوديع والمتواضع القلب فصار مصدر راحة وسلام لمن حوله والَّذين يطلبون شفاعته، ونموذجًا للإمساك عن الأهواء والمتطهِّر بتحرُّره من كلّ تعلُّقٍ وقنية.
هذه الصّفات أو الفضائل جعلت صيته يمتدّ بعيدًا في حياته وأكثر بعد رقاده، حتّى لا تجد بقعة في المسكونة لم تسمع عنه أو لا تعرفه أو تطلب شفاعته. تواضعه الكبير جعل الرّبّ يرفعه ومسكنته وفقره جعلاه يغني كثيرين (راجع 2 كورنثوس 6: 10).
* * *
الأسقف صورة عن معلّمه وسيّده، والمعلّم والسّيّد واحد وهو المسيح (راجع متّى 23: 8). هكذا كان القدّيس نيقولاوس، هكذا يجب أن يقتدي الأسقف بالمسيح. صفات القدّيس نيقولاوس وفضائله ليست أمرًا خرافيًّا أو من صنع الخيال الدّينيّ، بل هي حقيقة راسخة. الأسقف يجب أن يقتني هذه الفضائل الّتي تحلّى بها قدّيسنا، لأنّ الأسقف يجب أن يكون حافظًا استقامة الإيمان وقادرًا على عيش المحبّة الإلهيّة بكلّ ابعادها، نحو الله، نحو نفسه، نحو الآَخَر ونحو الخليقة كلّها.
الأسقف يجب أن يكون حاملًا أبوّة الله الآب كما كشفها القدّيس نيقولاوس نحو رعيّته، لأنّ الرّاعي هو المسيح والخروف هو المسيح في وجه كلّ إنسان. أبوّة القدّيس نيقولاوس هي ما جعلته محبوبًا في كلّ أصقاع الأرض، وأبوّة الأسقف هي تقديمه حياته لكلّ خراف المسيح النّاطقة بدون تمييز بين واحد وآخَر إلّا بمقدار حاجته للعناية في محبّة واحدة هي محبّة المسيح لأبنائه.
المسيح هو راعي نفوسنا وأسقفها، هو المدافع عنها تجاه الذّئاب الخاطفة والحامي لها من هجمات العدوّ والمنقذ من فخاخ إبليس. كلّما التصق الأسقف بالرّبّ كلّما صار راعيًا وأبًا أي أنّه يحيا بروح الآب الَّذي بالابن يأتي على طالبيه ليُجدِّد حياتهم وينتشلهم من يأس عدم المحبّة ويعزّيهم بأبوّته...
ومن له أذنان للسّمع فليسمع...
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما
طروباريّة القيامة (باللَّحن الثّامن)
انْحَدَرْتَ مِنَ العُلوِّ أَيُّها المُتحنِّن. وقَبِلتَ الدَّفنَ ذا الثّلاثةِ الأيّام. لكي تُعتقَنا مِنَ الآلام، فيا حياتَنا وقيامتَنا يا رَبُّ المجدُ لك.
طروباريّة القدّيسة العظيمة في الشَّهيدات بربارة (باللّحن الثّامن)
لِنَكرِّمَنَّ القدّيسة بربارة الكليّةَ الوقار، لأنَّها حطَّمت فخاخَ العدوّ ونَجَتْ منها كالعُصفور، بِمَعونَةِ الصَّليب وسلاحه.
طروباريّة القدّيس يوحنّا الدّمشقيّ (باللّحن الثّالث)
هلمّوا نمتدح البلبلَّ الغِرّيدَ الشَّجِيَّ النَّغَمِ، الَّذي أطرب كنيسةَ المسيح وأبهَجَها بأناشيده الحسنةِ الإيقاع، الطليّة، أعني به يوحنّا الدّمشقيَّ الكليَّ الحكمة، زعيمَ ناظِمي التَّسابيح، الَّذي كان مملوءًا حكمةً إلهيّةً وعالميّة.
قنداق تقدمة الميلاد (باللّحن الثّالث)
اليومَ العذراءُ تأتي إلى المَغارة لِتَلِدَ الكلمةَ الَّذي قبل الدُّهور وِلادةً لا تُفسَّر ولا يُنطق بها. فافرحي أيّتها المَسكونةُ إذا سَمِعْتِ، ومَجِّدي مع الملائكةِ والرُّعاة الَّذي سَيَظْهَرُ بمشيئته طفلًا جديدًا، وهو إلهُنا قبلَ الدُّهور.
الرّسالة(غلا 3: 23-29، 4: 1-5)
عجيبٌ هو الله في قدّيسيِه
في المجامع بارِكوا الله
يا إخوةُ، قبلَ أن يأتيَ الإيمانُ كنَّا محفوظين تحتَ النَّاموسِ، مُغلَقًا علينا إلى الإيمان الَّذي كانَ مُزمَعًا إعلانُهُ. فالنَّاموسُ إذَنْ كانَ مؤدِّبًا لنا يُرشِدُنا إلى المسيحَ لكي نُبرَّرَ بالإيمان. فبعدَ أن جاءَ الإيمانُ لسنا بعدُ تحتَ مؤدِّبٍ لأنَّ جميعَكم أبناءُ اللهِ بالإيمان بالمسيحِ يسوع، لأنَّكم أنتمُ كُلَّكم الَّذينَ اعتمدتُم في المسيحِ قد لَبستُمُ المسيحَ، ليسَ يهوديُّ ولا يونانيٌّ، ليسَ عبدٌ ولا حُرٌّ، ليسَ ذكرٌ ولا أُنثى، لأنَّكم جميعَكم واحدٌ في المسيح يسوع. فإذا كنتُم للمسيح فأنتم إذَنْ نسلُ إبراهيمَ ووَرَثةٌ بحسَبِ الموعِد. وأقولُ إنَّ الوارثَ ما دامَ طِفلًا فلا فرقَ بينَهُ وبين العبدِ مَعَ كونِهِ مالكَ الجميع، لكَّنهُ تحتَ أيدي الأوصياءِ والوكلاءِ إلى الوقتِ الَّذي أجَّلَهُ الأب. هكذا نحنُ أيضًا حينَ كُنَّا أطفالاً كنَّا متعبِّدين تحتَ أركان العالم. فلمَّا حانَ مِلءُ الزَّمانِ أرسَلَ الله ابنَهُ مولودًا من امرأةٍ، مولودًا تحتَ النَّاموس ليفتدي الَّذين تحتَ النّاموس، لننالَ التَّبنّي.
الإنجيل(لو 13: 10-17)(لوقا 10)
في ذلك الزَّمان، كان يسوعُ يعلّم في أحد المجامع يومَ السَّبت، وإذا بإمرأةٍ بها روحُ مرضٍ منذ ثماني عَشْرَةَ سنةً، وكانت مُنحنيةً لا تستطيع أن تنتصبَ البتَّة. فلمَّا رآها يسوعُ دعاها وقال لها: إنَّك مُطْلَقةٌ من مرضِك. ووضع يدَيه عليها، وفي الحال استقامَتْ ومجَّدتِ الله. فأجاب رئيس المجمع وهو مُغْتاظٌ لإبراءِ يسوعَ في السبتِ وقال للجميع: هي ستَّةُ أيَّام ينبغي العملُ فيها. ففيها تأتون وتَسْتشْفُون لا في يوم السَّبتِ. فأجاب الرَّبُّ وقال: يا مُرائي، أليس كلُّ واحدٍ منكم يَحُلُّ ثورَهُ أو حمارَهُ في السَّبتِ مِنَ المذودِ وينطلِق بهِ فيسقيه؟! وهذه ابنةُ إبراهيمَ الّتي رَبَطها الشَّيطانُ منذ ثماني عَشْرَةَ سنةً، أمَا كان ينبغي أنْ تُطلَقَ مِن هذا الرِّباط يومَ السَّبت؟ ولمّا قال هذا خَزِيَ كلُّ مَن كان يُقاومهُ، وفرح الجمْعُ بجميعُ الأمور المجيدةِ الّتي كانت تَصدُرُ منهُ.
حول الإنجيل
”من أجل السَّلام الَّذي من العلى وخلاص نفوسنا“
يوضح لنا إنجيل اليوم أنَّ الرَّبَّ المُتحنِّن يعرف محاولات الشِّرّير الّتي تقيّد الإنسان المَدعو إلى الحياة الفُضلى، لا كَعَبْدٍ، لكن كَحُرٍّ، وكإبنٍ لله وارثٍ ملكوته السَّماوي.
حدثُ الشِّفاء يكشف لنا أنَّ مع المسيح ليس هنالك مِنْ يأسٍ مَهما اشتدَّتْ الأهواء والضِّيقات والظُّروف ومهما امتَدَّتْ الأوقات بالنِّسبة لنا، فلَمْسَة محبَّته تجعلك مُستقيمًا وتغسل خطاياك. الشِّرّير، القاسي القلب على حسب قول القدِّيس كيرلُّس الإسكندريّ يدفع النَّفْس إلى اليأس مِنْ رحمة الله والتَّواني وعدم السَّعي إلى التَّقوى، ويجعلها إلى الأرضيّات لتنشغل بالدُّنيويّات والوقتيّات وتصرفها عن طلب العلويّات والسّماويّات. تعمَدُ الشَّياطين على تقويض العزيمة مِنَ الدَّاخِل إذ تقصف النَّفْسُ بأنواعٍ وأصنافٍ من التّجارب لا توصَف، يرزح تحت عبئها أكبر مُحارِب مُتَّكِل على قدرته في التَّخلُّص منها فإن استطاع بنظره التَّخلُّص مِنْ هَوًى تلتصق به أهواء أقوى فيصبح شبيهًا بذبابة تحاول التَّخَلُّص من خيوط العنكبوت.
وما يزيد الطِّين بلّةً أنَّ المَرْء ينتظر الفرج على يَدِ مَن هم من أترابه فيَلْقى نفسه إمّا وحيدًا متروكًا مع معاناته وأحيانًا معيَّرًا مرذولًا أو محتَجَزًا بقفص أنشأته معتقدات النَّاس ومصالحهم. ويبقى النَّظَر بانحناء النَّفْس لا يَرَى سوى الخَيْبَة وتبحث بين الدُّنيويّات على سندٍ أرضيّ يخرجها من أحوالها، أو تبحث عن لذّة عابرة ترتوي بها.
إنَّ افتقاد كلمة الله المتجسِّد حينما يترافق مع التَّوبة يلاشي الأهواء ويبيدها، ويقوّم أرجلنا في طريق الاستقامة، شرط ألَّا نُهمل سَعْيَنا نحو الله بل نسعى بجهدٍ وتعبٍ للالتصاق به عبر الصَّلاة الدَّؤوبة والرَّجاء الثّابت والتّزوُّد بالأسرار المُقَدَّسة مُستمدِّين النِّعْمَة الإلهيّة ومرتقبين السَّلام الآتي مِنَ العُلى.
المرأة المريضة تُشبِه كرمةً قَلَبَ الرّبُّ ترابَها فأنعشَها لتعود مستقيمةً وتثمرُ من جديد، هكذا النَّفْس المستمعة إلى كلمة الرَّبِّ والتَّائبة إليه ترفع ناظريها إليه وتدرك أنَّ من التَّجارِب نفسها يُنسج أكليل الظّفر إنْ قدّمت ذاتها للمسيح وتكتشف أنَّ قوَّته في الضُّعف تُكْمَل ونعمة الرُّوح القدس تُعطي ثمارها في أحْلَك الظُّروف، فيستقيم الذّهن كما قال كاتب المزامير "للمُستقيمين يُشرق من الظُّلمةِ نور" (مز 111).
ها نحن نسلك بخطواتٍ حثيثة لاستقبال الطِّفل المُزمع أن يولد في مغارةٍ من البتول لأجل خلاصنا وتقويم حياتنا ونُعاين نحن الجالسين في ظلال الموت حقيقة القَوْل أنّه سيُشرق علينا نورٌ فنُصبِح مع الملائكة متأمِّلين بالإلهيّات ومشاركين في ليتورجيا السَّماء صارخين: "المجدلله في العُلى وعلى الأرض السَّلام وفي النّاس المَسَرَّة"، آمين.
الله يَراني
كلُّ أدبٍ روائيّ يأتي على ذكر قصص وأمثال، وقد يستنتج الإنسان بطل القصّة مِن سياق الأحداث. أمثال يسوع خارجة عن المألوف بمعنى أنَّك تتفاجئ في أبطال المثل. مثلٌ عن ذلك في الإنجيل بحسب لوقا الإنجيليّ، حيث تَقَدّم إلى يسوع ناموسيٌّ ليجرّبَه والأخير اختصاصه أنْ يبحث في النّاموس واجتهاداته فسأل السّيّد "ماذا أعمل لأرث الحياة الأبديّة"؟ هذا سؤالٌ صعبٌ لأنّ موضوع الحياة الأبديّة كان موضع نقاش. ليس واضحًا أنّ يسوع تناول هذا الموضوع في كلّ إنجيل لوقا، هو ورد في سفر دانيال في العهد القديم. فالقصَّة أنّ النّاموسيّ يريد أن يُحرِج السّيّد أمام النّاس. فبعدما جاوبه يسوع أن يحبّ الرَّبّ بكلّ قدرته ومن كلِّ ذهنه وقريبَه كنفسه، سأله النّاموسيّ مَنْ هو قريبي، ليُريه يسوع أنّ السّامريّ الصّانع الرَّحمة هو البطل المُفاجئ في إنجيل اليوم. فالسّامريّ بعلم أو من دون علمٍ تصَّرف كأنّ الله يَراه.
يسوع أجاب النّاموسيّ بسؤال "كيف تقرأ؟". و"كيف" في هذا النّص لا تعني ماذا تقرأ، فهي تأتي بصيغة سؤال "كيف تقرأ" أي "كيف تفسِّر" إلى أن قال له الوصيّة المركّبة أي محبّة الله والقريب كالنَّفس. عندما قال يسوع "اِصنع هذا فتحيا" لم يعنِ بالضّرورة الحياة الأبديّة. أراد يسوع أن يقول له إنّه يحيا في أيّ مكانٍ أعطاه الله إيّاه، إلى أن سأله مَنْ هو قَريبي؟ هذا أيضًا كان سؤالًا موضع جدل في الوسط اليهوديّ، لأنّهم كانوا يحدِّدون القرابة، بالدَّم أو العشيرة أو ما نسمعه اليوم في بعض قُرانا بالجبّ. أتى يسوع ليعلّم في إنجيل اليوم المعنى الحقيقيّ للقرابة. وهذه هي الرّؤية الحَقّ.
في إنجيل الغنيّ ولعازر، الله أعطى مجدًا لمَن عرّي بالكامل، أي مَن سرقوا منه كلّ شيء حتّى اللّباس.
جواب النّاموسيّ على سؤال يسوع عن أي من الثّلاثة صار قريبًا للَّذي وقع بين أيدي اللُّصوص كان "الَّذي صنع معه الرَّحمة". جوابٌ شاملٌ لأنّ القرابة ليست جامدة، القرابة هي مُبادرة. كلّ إنسانٍ موجود في ضيقة أمامك هو مشروع قريب. لم يقل النّاموسيّ "السّامريّ" بل الَّذي صنع معه الرَّحمة. الإنجيل يدعونا إلى أن نسأل أنفسنا يوميًّا إذا صنعنا قريبًا لنا. نحن لم نفعل شيئًا من الخير على الأرض ورغم ذلك يرحمنا الله في كلّ محاولة لنا لصنع قريب. في أدبنا الكنسيّ قصّةٌ عن إنسانٍ صالحٍ ومساعد للفقراء، بعد أن باركه الله سأله "ستكون معي في الملكوت لصلاحك على الأرض أم لِرَحْمَتي؟" فقال بالطّبع لصلاحي، فقال له الرَّبُّ "عُدْ الى الأرض". نحن يا إخوة نتكوّن بما نعطي، علينا أن نفهم أنّ كلّ عملٍ صالحٍ نقوم به هو رحمة لنفوسنا في العمق. الله يذكّرنا من خلال كلّ مستضعف يضعه أمامنا أنّه لنا فرصة لننال نحن الرَّحمة. علينا أن نذهب اليوم ونفهم أنّ أعمال الرَّحمة هي لكي نكون في قربى من قلوبنا مسكن الله، وأنّ لنا دور في أن نصنع قريبًا كلّ يوم. دعوتنا أن نتقارب مع كلّ من يضعهم الله أمامنا لأنّهم هم بالعمق من يعطونا الرَّحمة.
الله يراني في قريبي وعمل الرَّحمة. هذا جهادٌ مستمرّ فالرُّؤية الحَقّ هي من القلب مسكن الله.