نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
أُنقُر على الملف لتصفُّح نشرة كنيستي
كما يمكن قراءة النص الكامل في المقطع أدناه.
الأحد (6) بعد العنصرة
العدد 31
الأحد 4 آب 2024
اللّحن 5- الإيوثينا 6
أعياد الأسبوع: *4: تذكار الشُّهداء الفتية السَّبعة الَّذين في أفسس *5: تقدمة عيد التَّجلّي، الشّهيد إفسغنيوس، القدّيسة نونة أمّ القدّيس غريغوريوس اللّاهوتيّ *6: تجلّي ربّنا وإلهنا يسوع المسيح *7: الشّهيد في الأبرار دوماتيوس *8: القدّيس إميليانوس المعترف أسقف كيزيكوس *9: الرَّسول متيَّاس، البارّ بسويي *10: الشّهيد لَفرنديوس رئيس الشَّمامسة.
كلمة الرّاعي
عالم التَّخَلُّع
طالعنا منذ بضعة أيّام افتتاح الأولمبياد في باريس، وما رأيناه كان مثيرًا للشَّفقة (pathetic) بسبب ما وصل إليه الإنسان من انحدار أخلاقيّ ومن عبوديَّةٍ للشَّيطان. هذا الحفل بطريقة تنظيمه ومحتوياته جاء ليقول للإنسان المعاصر أنَّ عالم الجمال قد أفلتَ شمسه وأنّ عالم اليوم هو عالم الشَّاذين والمنحَرِفين والمتحَوِّلين والـ "pedophiles" أي المتحرِّشين بالأطفال... إنّه عالم البَشاعة والحقارة. هذه الافتتاحيَّة أتَتْ لتُعْلِنَ الانْقِلاب على العالم بِحَضارَتِه الرّاقية الَّتي أساسها حقوق الإنسان الَّذي هو ذكر وأنثى وقاعدتها الأساسيّة هي العائلة. إنّه زمنٌ جديد يُفتَتَح لأجل أنْ يَكون مؤسِّسًا لـ"إنسانيَّةٍ" أُخرى جوهرها عبادة الذّات والشَّهوات البَهيميَّة وهدفها "قتل الله" أو إعلان "موته"...
هذه الموْجَة العالميَّة "التَّحرُّريَّة الجديدة" (neoliberalism) هي بالحقيقة الوجه الآخَر للأصوليَّة الدِّينيَّة لأنّها تكفِّر من يقف بوجهها أو يرفض فلسفتها وخططها. هي حفنة قليلة من النَّاس الَّتي تحاول أن تفرض تهشُّم نظرتها الإنسانيّة على العالم بأسره بدَعْمٍ من دُوَل ومنظّمات تعمل على استبعاد الإنسان وسَلْبِهِ حُرِّيَّة إرادته (free will) عبر خداعه بأوهام الاستقلاليَّة التَّامَّة عن كلّ رأيٍ آخَر وفرض رأيه على الآخَرين بقوَّةِ التَّشريع والقانون المخالفين لحقوق الإنسان. ما يريد المتحكِّمون بالعالم أن يفرضوه هو عبوديّة جديدة خبيثة ظاهرها مبنيّ على احترام فرادة كلّ إنسان وباطنها فرض مفاهيم غريبة عن حقيقة الإنسان.
* * *
أيّها الأحبّاء، عالم اليوم مخلّع من الرَّأس إلى أخمص القَدَمَيْن، يَصُحّ فيه قول إشعياء النّبيّ: "كُلُّ الرَّأْسِ مَرِيضٌ، وَكُلُّ الْقَلْبِ سَقِيمٌ. مِنْ أَسْفَلِ الْقَدَمِ إِلَى الرَّأْسِ لَيْسَ فِيهِ صِحَّةٌ، بَلْ جُرْحٌ وَإَحْبَاطٌ وَضَرْبَةٌ طَرِيَّةٌ لَمْ تُعْصَرْ وَلَمْ تُعْصَبْ وَلَمْ تُلَيَّنْ بِالزَّيْتِ..." (1: 5 و6). إذا استمرّ العالم في هذا الطَّريق الَّذي يَسلُكُ فيه فهو ذاهبٌ إلى الخَراب، "بِلاَدُكُمْ خَرِبَةٌ. مُدُنُكُمْ مُحْرَقَةٌ بِالنَّارِ. أَرْضُكُمْ تَأْكُلُهَا غُرَبَاءُ قُدَّامَكُمْ، وَهِيَ خَرِبَةٌ كَانْقِلاَبِ الْغُرَبَاءِ" (إش 1: 7). الشّرّ يستجلب الشّرّ، "لِأَنَّ إِبْلِيسَ خَصْمَكُمْ كَأَسَدٍ زَائِرٍ، يَجُولُ مُلْتَمِسًا مَنْ يَبْتَلِعُهُ هُوَ" (1 بط 5: 8)، ولن يتوقّف إلى أن يُفني الَّذين يتبعونه، أمّا الَّذين يُقاومونه باتّكالهم على الله فسيغلبون بقوّة الَّذي غلبه على الصَّليب.
لا نَخَف ولا نَضْطَرِب بل فلنتمسَّك بإيماننا بِوَعْيٍ وثبات في عَيْش الوصيّة والصَّلاة والصَّوْم الَّتي هي أسلحة البِرّ القاضية على الشَّرّ والحافظة منه. نحن لا نَرْفض إنسانًا، بل نَمجّ كلّ فكرٍ منحرفٍ وكلّ تعليمٍ سامّ ونرجو توبة وخلاص الضّالين. لكن، لا نقبل أن يُفرَض علينا ما هو للشَّيطان، هذا نحاربه بكلّ ما أوتينا من قوّة بنعمة الله من خلال الكرازة والتَّعليم والخدمة وأعمال المحبّة كافّة.
العالم يحارِب المسيح بكلّ الوسائل، المسيح لا يُغلَب بل هو منتصرٌ. هذا العالم إلى زوال، فقط كلمة الله تبقى، "اَلسَّمَاءُ وَالأَرْضُ تَزُولاَنِ وَلكِنَّ كَلاَمِي لاَ يَزُولُ" (مت 24: 35)، لأنّها محقَّقَةٌ فيه. نحن شهود المسيح في هذا العالم، ودورنا أن نصير مستنيرين بنور المعرفة الإلهيَّة حتّى نكون "نور العالم" (مت 5: 14).
"ها هوذا وقت يُعمل فيه للرّبّ"، إنّه أوان التَّوْبة والعمل لتغيير العالم عبر تغيير أنفسنا، أي أن نصير ثابتين في كلمة الله ممتلئين من روحه القدُّوس لنُواجِه الموت بالحياة والنَّجاسة بالطَّهارة والحقد باللُّطف والحسد بالمحبَّة والضُّعف بقوّة الله والانحطاط بالفضيلة، لكي نهيّئ "لِلرَّبِّ شَعْبًا مُسْتَعِدًّا" (لو 1: 17) ...
ومن له أذنان للسَّمع فليسمع...
+ أنطونيوس
متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما
طروباريّة القيامة (باللَّحن الخامس)
لِنُسَبِّحْ نحنُ الـمُؤمنينَ ونسجُدْ للكلمة. المُساوي للآبِ والرُّوحِ في الأزَليّةِ وعدمِ الابتداء. الـمَوْلودِ مَنَ العذراء لِخلاصِنا. لأنّه سُرَّ أن يَعلُوَ بالجَسَدِ على الصَّليب. ويحتمِلَ الـمَوْت. ويُنهِضَ الـمَوْتى بقيامتِهِ المَجيدة.
قنداق التَّجَلِّي (باللَّحن السَّابِع)
تَجَلَّيْتَ أيُّها المسيحُ الإلهُ في الجبل، وحَسْبَمَا وَسِعَ تلاميذُك شاهَدُوا مَجْدَك، حتَّى، عندما يُعَايِنُوكَ مَصْلُوبًا، يَفْطَنُوا أنَّ آلامَكَ طوعًا باختيارِكَ، ويَكْرِزُوا للعالم أنَّكَ أَنْتَ بالحقيقةِ شُعَاعُ الآب.
الرّسالة (رو 12: 6- 14)
أَنْتَ يَا رَبُّ تَحْفَظُنَا وَتَسْتُرُنَا مِنْ هَذَا الجِيلِ.
خَلِّصْنِي يَا رَبُّ فَإِنَّ البَارَّ قَدْ فَنِيَ.
يَا إِخْوَةُ، إِذْ لَنَا مَوَاهِبُ مُخْتَلِفَةٌ بِاخْتِلافِ النِّعْمَةِ الـمُعْطَاةِ لَنَا، فَمَنْ وُهِبَ النُّبوءَةَ فَلْيَتَنَبَّأْ بِحَسَبِ النِّسْبَةِ إِلَى الإِيـمَانِ. وَمَنْ وُهِبَ الخِدْمَةَ فَلْيُلازِمِ الخِدْمَةَ، وَالـمُعَلِّمُ التَّعْلِيمَ، وَالوَاعِظُ الوَعْظَ، وَالـمُتَصَدِّقُ البَسَاطَةَ، وَالـمُدَبِّرُ الاِجْتِهَادَ، وَالرَّاحِمُ البَشَاشَةَ، وَلْتَكُنِ الـمَحَبَّةُ بِلا رِيَاءٍ. كُونُوا مَاقِتِينَ لِلشَّرِّ وَمُلْتَصِقِينَ بِالخَيْرِ، مُحِبِّينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا حُبًّا أَخَوِيًّا، مُبَادِرِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِالإِكْرَامِ، غَيْرَ مُتَكَاسِلِينَ فِي الاِجْتِهَادِ، حَارِّيَن بِالرُّوحِ، عَابِدِينَ لِلرَّبِّ، فَرِحِينَ فِي الرَّجَاءِ، صَابِرِينَ فِي الضِّيقِ، مُوَاظِبِينَ عَلَى الصَّلاةِ، مُؤَاسِينَ القِدِّيسِينَ فِي احْتِيَاجَاتِهِمْ، عَاكِفِينَ عَلَى ضِيَافَةِ الغُرَبَاءِ. بَارِكُوا الَّذينَ يَضْطَهِدُونَكُمْ، بَارِكُوا وَلا تَلْعَنُوا.
الإنجيل (متّى 9: 1- 8)
فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ دَخَلَ يَسُوعُ السَّفِينَةَ وَاجْتَازَ وَجَاءَ إِلَى مَدِينَتِهِ. فَإِذَا بِـمُخَلَّعٍ مُلْقًى عَلَى سَرِيرٍ قَدَّمُوهُ إِلَيْهِ. فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ إِيـمَانَـهُمْ قَالَ لِلْمُخَلَّعِ: ثِقْ يَا بُنَيَّ، مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ. فَقَالَ قَوْمٌ مِنَ الكَتَبَةِ فِي أَنْفُسِهِمْ: هَذَا يُـجَدِّفُ. فَعَلِمَ يَسُوعُ أَفْكَارَهُمْ فَقَالَ: لِـمَاذَا تُفَكِّرُونَ بِالشَّرِّ فِي قُلُوبِكُمْ؟ مَا الأَيْسَرُ أَنْ يُقَالَ: مَغْفُورَةُ لَكَ خَطَايَاكَ أَمْ أَنْ يُقَالَ قُمْ فَامْشِ؟ وَلَكِنْ لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنَّ ابْنَ البَشَرِ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الأَرْضِ أَنْ يَغْفِرَ الخَطَايَا. (حِينَئِذٍ قَالَ لِلْمُخَلَّعِ) قُمِ احْمِلْ سَرِيرَكَ وَاذْهَبْ إِلَى بَيْتِكَ. فَقَامَ وَمَضَى إِلَى بَيْتِهِ. فَلَمَّا نَظَرَ الجُمُوعُ تَعَجَّبُوا وَمَـجَّدُوا اللهَ الَّذي أَعْطَى النَّاسَ سُلْطَانًا كَهَذَا.
حول الرّسالة
ينطلق الرَّسول بولس من أنَّ كلّ مسيحيّ أُعطي مواهب من الله ليعترف بها ويعمل عليها شاكرًا. كلُّ مسيحيّ هو عضو من أعضاء الجماعة المسيحيَّة الَّتي تشكِّل الكنيسة، والكنيسة هي جسد الرَّبّ يسوع، وكلّ شخص أو عضو من المؤمنين الَّذين بدورهم هم أعضاء جسد يسوع، يحملون وديعة أو موهبة يحافظون عليها ويستثمرونها في حقل الرَّبّ مع النّاس من أجل الكنيسة سفينة الخلاص الإلهيّ.
تكلَّم بولس عن موهبة النُّبوَّة الَّتي بواسطتها تُعلن مشيئة الله من أجلِ بناء الكنيسة على الإيمان. كما قال في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس: "اتبعوا المحبَّة وجدِّدوا المواهب الرُّوحيَّة، من يتكلَّم بلسان يبني نفسه وأمَّا من يتنبَّأ يبني الكنيسة" (14: 4).
كلام الأنبياء ليس فقط عن المستقبل الَّذي كشفه الرَّبُّ يسوع بموته وقيامته وحتّى انتظار المجيء الثّاني. يقول الأنبياء ما يُوحي إليهم الرُّوح القدس "بحسب الإيمان."
وأعطى الرَّبُّ موهبة الخدمة لأجل بنيان الكنيسة، حتّى أنّ مَن عنده موهبة الخدمة يُسرّ بما يقوم به لا لأجل نفسه إنّما لأجل إتمام عمل المحبَّة مع الآخرين.
تصاحب الخدمة الملازَمَة أي الالتصاق بهذا العمل بشكلٍ دؤوب، والالتزام به أي الوفاء بما يقتضيه من تواضع وبشاشة كما قال الرَّبُّ "جئتُ لأَخدم لا لأُخْدَم". كما أعطى الرَّبُّ موهبة التَّعليم الَّتي تقوم على تدريس الكلمة الإلهيَّة وتدريس الكتاب المقدَّس وحفظه. المعلِّم الأوَّل هو الرَّبُّ يسوع الَّذي قال من يحبّني يحفظ كلامي أي تعليمي أو وصاياي. من هنا كان التَّلاميذ أوَّل المتعلِّمين بالإضافة إلى الجموع الغَفيرة الَّتي كانت تتبع يسوع وتسمع كلامه لأنَّ الإيمان كما يقول بولس، هو "من السَّماع والسَّماع هو من التَّبشير بالمسيح"، هذه هي التَّلمذة الحقيقيّة باتّباع خطوات يسوع الرُّوحيَّة.
في الكنيسة الأولى كان التَّعليم والوعظ لهما أهميَّة كبيرة في تعليم الموعوظين. ولمـّا صار الموعوظون مؤمنين، استمرّ التَّعليم والوعظ في الكنيسة لأنَّهما حاجة دائمة لأبناء الكنيسة ولكلّ من يبتغي المسيح سيِّدًا على حياته ومخلصًا له.
موهبة الوعظ هي إلقاء الكلمة الإلهيَّة بالروح القدس وقد يكون بنبرة خطابيَّة بحسب النعمة لها تأثير على المستمع وقوّة جذب، ومن المفيد في أيامنا أن يتناول الواعظ موضوعًا أو نقطةً واحدة يتكلَّم عنها لمدَّةٍ قصيرة، والهدف من الوعظ هو الإرشاد والتَّوجيه والتَّعليم لأجل الخلاص.
ويعدِّد الرَّسول جملة من المواهب كمحبِّ الصَّدَقة أي المتصدِّق طالبًا منه البساطة، المدبّر الاجتهاد والرَّاحم البشاشة. أيَّة موهبة وأي عمل كنسيّ لا يبنيان جسد المسيح أي الكنيسة، إذا لم ينبعا من المحبَّة الحقيقيّة الَّتي بلا رياء، ذلك حين نمقت الشَّرّ ولا نلتصق إلَّا بالخير وحين نحبُّ بعضنا حبًّا أخويًّا كإخوة للمسيح. وكلّ ما نستطيع من الخير أن نفعله للإخوة يجب أن يكون سريعًا وفوريَّا كي لا تبرد المحبَّة بين الإخوة فتصاب عبادتهم بالتّراجع والخمول وتفقد حرارة الرُّوح. المسيحيّ يتحلّى كما يقول الرَّسول بولس بالفرح والرَّجاء ويتزيّن بالصَّبر والصَّلاة، عاكِفًا على محبَّة الغرباء والأعداء لاستمالتهم نحو المسيح. آمين.
بين الحزن والكبرياء
يبدو غريبًا في عالم ممتلئ بالكثير من المتع، والَّتي من السَّهل الحصول عليها على كافَّة المستويات، أن نتحدَّث عن الحزن. لكنّ الأغرب هو أنَّ العديد من الأشخاص مِنْ حولنا، ونحن أنفسنا في أوقات كثيرة نكون مُحاطين بالحزن. إنسان اليوم وإن امتلأ بما يرغب فيه، يجد نفسه فريسةً للحزن.
فما هو الحزن؟ يقول العديد من آباء الكنيسة أنَّ الحزن هو الحالة الإنسانيَّة النَّاتجة عن رغبة محبطة. الحزن إذًا ثمرة رغبةٍ لم تكتمل. ويتحدَّث القدِّيس بولس عن نَوْعَيْن من الحزن: "حزنٌ حسب الله يورث توبةً تؤدّي إلى الخلاص، وحزنٌ حسب العالم يؤدّي إلى الموت". حزن حسب الله ينبع في الإنسان الَّذي يرغب في العمق أن يعرف الله ويحبَّه ويتَّحِد به، لكن في واقعه اليَوميّ يجد نفسه بعيدًا عن هذه الرَّغبة. رغبته هذه لا تتحقَّق، فيحزن. لأنّ حزنه مقرون بالتَّواضع يفكِّر بما يجب أن يفعله ويدفعه كي يُغيِّر اتّجاهاته أي ليَتوب، فيخلُص. ويخلُص أي يحقِّق رغبته العَميقة، أن يكون في الله. أمّا الحزن بحسب العالم فهو: رغبات محبطة تنتج، وإن كانت أفعالنا ناجحة ومتمّمة، لكنَّها لا تجعلنا نحصل على ما نرغبه كونه مقرونًا بالكبرياء والأنانيَّة. لأنّه هناك فرق بين الكبرياء الَّذي يكرهه الله والفخر الَّذي نشعر به عندما ننجز عملنا بطريقة جيِّدة. فالكبرياء الَّذي ينبع من البِرّ الذّاتيّ هو خطيّة، والله يكرهه لأنَّه يعوِّق طلب الله. إنّ هذا الكبرياء المتشامخ هو عكس روح التَّواضع الَّذي يطلبه الله فينا والَّذي يؤدّي إلى التّوبة: "طُوبَى لِلْمَسَاكِينِ بِالرُّوحِ لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ" (متى 5: 3). إنّ "الْمَسَاكِينِ بِالرُّوحِ" هم أولئك الَّذين يدركون مدى إفلاسهم الرُّوحيّ وعدم مقدرتهم على الاقتراب من الله لولا نعمته الإلهيَّة. أمّا المتكبِّرين، فقد أعماهم تشامخهم حتّى أنَّهم يظنُّون أنَّهم لا يحتاجون الله وينسبون لأنفسهم شيئًا تمَّمه الله، أو الأسواء من هذا يعتقدون أنَّ الله يجب أن يقبلهم كما هم لأنَّهم يستحقُّون قبوله. لقد منع الكبرياء الكثيرين من قبول المسيح مخلِّصًا شخصيًّا لهم والاعتراف بخطاياهم ليحزنوا عليها ويدركوا أنَّهم بقوَّتِهم الذّاتيّة لا يستطيعون أن يفعلوا شيئًا ليرثوا الحياة الأبديَّة. فيجب ألَّا نفتخر بأنفسنا فتزيد فينا الفجوة، وتتَّسِع الهوَّة فيتولَّد في الإنسان الشُّعور باليأس، وهو الأخ الأكبر للحزن. فليس لشيءٍ أيّ معنى. وإذا كان لا معنى لأيّ شيء، فلماذا كلّ شيء؟ وأمام هذا الواقع إمّا أن نأكل ونشرب ونتمتَّع لأنّنا غدًا نموت، وإمّا أن نستبق هذا الغد فنحيا كأموات عن العالم لنحيا في الله.