Menu Close
031124

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

أُنقُر على الملف لتصفُّح نشرة كنيستي

كما يمكن قراءة النص الكامل في المقطع أدناه.

الأحد (19) بعد العنصرة   

العدد 44

الأحد 03 تشرين الثّاني 2024

اللّحن 2- الإيوثينا 8

أعياد الأسبوع: *3: تذكار الشَّهيد أكبسيماس ورفقته، تجديد هيكل القدّيس جاورجيوس في اللِّد *4: القدِّيس إيوانيكيوس الكبير، الشّهيدين نيكاندرس أسقف ميرا، وأرميوس الكاهن *5: الشّهيدين غالكتيون وزوجته أبيستيمي، القدّيس ارماس ورفقته *6: القدِّيس بولس المُعْتَرِف رئيس أساقفة القسطنطينيّة *7: الشُّهداء الـ 33 المستشهَدين في ملطية، القدِّيس لَعازر العجائبيّ *8: عيد جامع لِرَئيسَيْ المَلائكة ميخائيل وجبرائيل (غفرئيل) وسائر طغمات العادمي الأجساد *9: الشَّهيدَيْن أونيسيفورس وبورفيريوس، البارَّة مطرونة، القدّيس نكتاريوس أسقف المدن الخمس، القدِّيس يوحنَّا القصير، البارَّة ثيوكتيستي.  

كلمة الرّاعي 

قوّة الله

"تَكْفِيكَ نِعْمَتِي، لِأَنَّ قُوَّتِي فِي الضُّعْفِ تُكْمَلُ" (2 كو 12: 9)

نُعَيِّدُ في هذا الأسبوعِ القادمِ لِعيدَيْنِ مُهِمَّيْنِ، عيدِ رؤساءِ الملائكةِ ميخائيلَ وجبرائيلَ وروفائيلَ وسائرِ القوَّاتِ السَّماويَّةِ العادمةِ الأجسادِ، ولتذكارِ القدِّيسِ نكتاريوسَ العَجائبيِّ أسقفِ المدنِ الخمسِ. رؤساءُ الملائكةِ حياتُهم ملؤها القوَّةُ والمجد الإلهيَّينِ، أمَّا القدِّيسُ نكتاريوسَ ففي حياتِهِ الَّتي عاشَها في العالمِ فقدِ اختبرَ الضَّعفَ والضِّيقَ والذُّلَ والمهانةَ والظُّلْمَ فتجلَّتْ فيهِ قوَّةُ اللهِ ومجدُهُ بإيمانِهِ وصبرِهِ حتّى المـُنتهى في المحبَّةِ والمسامحةِ والتَّضحيةِ والبَذلِ، وبتخطِّيهِ ترابيَّتَهُ وسقوطَ الطَّبيعةِ البشريَّةِ بالإيمانِ صارَ مُشابهًا الملائكةَ بقوَّةِ اللهِ ومجدِهِ اللّذَينِ تجلّيا في حياتِهِ عجائبَ وأعمالَ رحمةٍ وتعزيةٍ للمتألِّمينَ والمهمَّشينَ والمظلومينَ.

*       *       *

نَعيشُ، اليومَ، في عالَمٍ مأخوذٍ بمَنطِقِ القُوَّةِ الَّتي تُقاسُ بالمالِ والسُّلطةِ والسِّلاحِ والاقتصادِ والقَمْعِ والقَتْلِ والظُّلْمِ والرَّفاهِ والتَّنَعُّمِ والشَّهَواتِ المـُختلِفةِ... وكأنَّ الحياةَ هي فقط في هذه الأمورِ ومَن يملِكُها فهو القويُّ ومَن لا يملِكُها فهو الضَّعيفُ. هذا مَنطِقُ التُّرابِيِّينَ المـُلتَصِقينَ بما في العالَمِ المادِّيِّ من دونِ أنْ يكونَ لهم أيُّ فَهمٍ للحياةِ خارجَ هذا الإطارِ، وللأسفِ هذا هو واقعُ مُعظمِ أهلِ الدُّنيا.

حياةُ القِدِّيسِ نِكتاريوسَ العَجائبيِّ، وهو قِدِّيسٌ من القَرْنِ العِشرينَ، دَرْسٌ لكلِّ إنسانٍ في الإيمانِ المسيحيِّ الحقيقيِّ، لأنَّهُ لم يُنكِرِ اللهَ في حياتِهِ المـَليئةِ بالشَّدائدِ حتَّى آخِرِ أيَّامِهِ، بل بَقِيَ ثابتًا في إيمانِهِ ورجائِهِ باللهِ كأرزةٍ شامِخةٍ، وقد مَجَّدَهُ اللهُ على هذا بعجائِبَ كثيرةٍ في حياتِهِ وبعدَ مَماتِهِ، وهو ما زالَ إلى اليومِ شفيعًا حارًّا للمُتألِّمينَ.

ليسَ لنا في هذه العَجالةِ أنْ نُخبِرَ سيرةَ حياةِ القِدِّيسِ نِكتاريوسَ، لكنْ مِثالُهُ يُشَدِّدُنا ويُقَوِّينا ويَمنحُنا رَجاءً في أزمنةِ الضِّيقِ لأنَّهُ عانى الأَمَرَّيْنِ في حياتِهِ وغَلَبَ، وبذا تَحقَّقَ فيهِ قولُ الرَّبِّ: "مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَجْلِسَ مَعِي فِي عَرْشِي، كَمَا غَلَبْتُ أَنَا أَيْضًا وَجَلَسْتُ مَعَ أَبِي فِي عَرْشِهِ" (رؤ ٣: ٢١).

*       *       *

أيُّها الأحبّاءُ، كلُّنا مَدعوّونَ إلى القداسةِ، والقداسةُ لها ثَمنٌ، لأنّ ما لا يُقَدَّرُ بثَمنٍ لا يمكنُ الحصولُ عليهِ من دونِ استشهادٍ وصَبرٍ. اللهُ يُشدّدُنا بملائكتِهِ القِدّيسينَ وبقدّيسيهِ المـُماثِلي الملائكةِ. علينا فقط أن نَثبتَ في الإيمانِ صابرينَ على الشَّدائدِ والتَّجاربِ حتَّى تَتجلَّى قوَّةُ اللهِ فينا ومن خلالِ ضعفِنا كبشرٍ مائتينَ. القدِّيسُ نكتاريوسَ العجائبيِّ أقام عجيبَتَهُ الأولى في لحظةِ رُقادِهِ، ففيما كانَ القدِّيسُ يَلفِظُ أنفاسَهُ الأخيرةَ، أَلبستْهُ الرَّاهباتُ ثيابًا جديدةً. وعندما أَلْبَسُوهُ القَميصَ، وَضَعُوا قَميصَهُ القَدِيمَ على السَّريرِ المـُجاوِرِ، الَّذي صَدَفَ أنْ كان عليهِ شخصٌ أعرجُ، فإذا به يَصُحُّ ويَقوم ماشيًا مُمَجِّدًا اللهَ. أمَّا الغرفةُ فقد امتلأَت برائحةٍ زكيّةٍ فاضَت من جَسدِ القدِّيسِ.

قوّةُ اللهِ تَتجلّى فينا حين نُدرِكُ لاشَيْئِيَّتنا، وحين نَعرفُ ضعفَنا وحاجتَنا إلى اللهِ وأنّنا بِدُونهِ لا نَقدِرُ أنْ نعملَ شيئًا (راجعْ يو 15: 5). هكذا، الغَنِيّ في مَثَلِ لَعازرَ والغَنِيّ الَّذي هو قَوِيٌّ، بمفهومِ العالمِ، ظهرَ كُلّيَّ الضُّعفِ بعدَ مَماتِه، ولَعازرَ الفقيرُ الَّذي كان مَرْمِيًّا على الطَّريقِ مُقَرَّحًا يَشتَهي فُتاتَ مائدةِ الغنيّ، استبانَ غالبًا في أحضانِ إبراهيمَ بعد أنْ ماتَ وأَصعدتهُ الملائكةُ إلى الفردوسِ.

لنتعلَّمْ، يا أحِبَّةُ، من الملائكةِ طاعَةَ اللهِ المـُطلَقةَ، ولنُشابِهْ القدِّيسينَ في صَبْرِهم على الشَّدائدِ بإيمانٍ ثابتٍ، ولْنَطلُبْ قوّةَ اللهِ في حياتِنا بالصَّلاةِ والصَّومِ والإحسانِ والتَّطهُّرِ بالتَّوبةِ والتَّواضعِ، لِكَيْما يَهَبَنا اللهُ قوَّتَهُ الَّتي في ضُعفِنا تُكمَل ويجعلَنا مع قدِّيسيهِ في مجدِهِ السَّرمديِّ يومَ يُختمُ كتابُ حياتِنا في هذهِ الدُّنيا ويُفتَحُ كتابُ الأبديّةِ أمامَنا في المجدِ والفَرَحِ الأبدِيَّينِ... ومن له أُذنانِ للسَّمعِ فلْيَسْمَعْ...

+ أنطونيوس

متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما

طروباريّة القيامة (باللَّحن الثّاني)

عندما انحدرتَ إلى المَوْت. أَيُّها الحياةُ الَّذي لا يَموت. حينئذٍ أَمَتَّ الجحيمَ بِبَرْقِ لاهوتِك. وعندما أقمتَ الأمواتَ من تحتِ الثَّرى. صرخَ نحوكَ جميعُ القُوّاتِ السّماويّين. أَيُّها المسيحُ الإله. مُعطي الحياةِ المجدُ لك.

طروباريَّة القدِّيس جاورجيوس اللَّابس الظَّفَر (بِاللَّحْنِ الرَّابِع)

بِما أنَّكَ للمأسورينَ مُحرِّرٌ ومُعتِقٌ. وللفُقَراءِ والـمَساكينِ عاضدٌ وناصِرٌ. وللمَرضى طبيبٌ وشافٍ. وعنِ الـمؤمنين مُكافِحٌ ومُحارِبٌ. أيُّها العظيمُ في الشُّهداءِ جاورجيوسُ اللَّابِسُ الظَفَّر تَشَفَّعْ إلى الـمَسيحِ الإله في خلاصِ نفوسِنا.

القنداق (باللَّحن الثّاني)

يا شفيعَةَ المسيحيّين غَيْرَ الخازية، الوَسيطةَ لدى الخالِق غيْرَ المرْدودةِ، لا تُعْرضي عَنْ أصواتِ طلباتِنا نَحْنُ الخَطأة، بَلْ تدارَكينا بالمعونةِ بما أنَّكِ صالِحَة، نَحنُ الصّارخينَ اليكِ بإيمان: بادِري إلى الشَّفاعَةِ وأسَرعي في الطّلْبَةِ يا والدَة الإلهِ، المتشَفِّعَةَ دائمًا بمكرِّميك.

الرّسالة (2 كو 11: 31– 33 ، 12: 1- 9)

قُوَّتِي وَتَسْبِحَتِي الرَّبُّ. أَدَبًا أَدَّبَنِي الرَّبُّ

يَا إِخْوَةُ، قَدْ عَلِمَ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الـمَسِيحِ الـمُبَارَكُ إِلَى الأَبَدِ أَنِّي لا أَكْذِبُ. كَانَ بِدِمَشْقَ الحَاكِمُ تَحْتَ إِمْرَةِ الـمَلِكِ الحَارِثِ يَحْرُسُ مَدِينَةَ الدِّمَشْقِيِّينَ لِيَقْبِضَ عَلَيَّ، فَدُلِّيتُ مِنْ كُوَّةٍ فِي زِنْبِيلٍ مِنَ السُّورِ، وَنَجَوْتُ مِنْ يَدَيْهِ. إِنَّهُ لا يُوَافِقُنِي أَنْ أَفْتَخِرَ فَآتِي إِلَى رُؤَى الرَّبِّ وَإِعْلانَاتِهِ. إِنِّي أَعْرِفُ إِنْسَانًا فِي الـمَسِيحِ مُنْذُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً (أَفِي الجَسَدِ لَسْتُ أَعْلَمُ، أَمْ خَارِجَ الجَسَدِ لَسْتُ أَعْلَمُ، اللهُ يَعْلَمُ) اِخْتُطِفَ إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ. وَأَعْرِفُ أَنَّ هَذَا الإِنْسَانَ (أَفِي الجَسَدِ أَمْ خَارِجَ الجَسَدِ لَسْتُ أَعْلَمُ، اللهُ يَعْلَمُ) اخْتُطِفَ إِلَى الفِرْدَوْسِ وَسَمِعَ كَلِمَاتٍ سِرِّيَّةً لا يَحُلُّ لِإِنْسَانٍ أَنْ يَنْطِقَ بِهَا. فَمِنْ جِهَةِ هَذَا أَفْتَخِرُ. وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ نَفْسِي فَلا أَفْتَخِرُ إِلَّا بِأَوْهَانِي، فَإِنِّي لَوْ أَرَدْتُ الاِفْتِخَارَ لَـمْ أَكُنْ جَاهِلًا لِأَنِّي أَقُولُ الحَقَّ. لَكِنِّي أَتَحَاشَی لِئَلَّا يَظُنَّ بِي أَحَدٌ فَوْقَ مَا يَرَانِي عَلَيْهِ أَوْ يَسْمَعُهُ مِنِّي. وَلِئَلَّا أَسْتَكْبِرَ بِفَرْطِ الإِعْلانَاتِ أُعْطِيتُ شَوْكَةً فِي الجَسَدِ، مَلاكَ الشَّيْطَانِ لِيَلْطِمَنِي لِئَلَّا أَسْتَكْبِرَ. وَلِهَذَا طَلَبْتُ إِلَى الرَّبِّ ثَلاثَ مَرَّاتٍ أَنْ تُفَارِقَنِي، فَقَالَ لِي: تَكْفِيكَ نِعْمَتِي، لِأَنَّ قُوَّتِي فِي الضُّعْفِ تُكْمَلُ. فَبِكُلِّ سُرُورٍ أَفْتَخِرُ بِالحَرِيِّ بِأَوْهَانِي لِتَسْتَقِرَّ فِيَّ قُوَّةُ الـمَسِيحِ.

الإنجيل (لوقا 16: 19- 31) (لوقا 5)

قَالَ الرَّبُّ: كَانَ إِنْسَانٌ غَنِيٌّ يَلْبَسُ الأُرْجُوَانَ وَالبَزَّ، وَيَتَنَعَّمُ تَنَعُّمًا فَاخِرًا. وَكَانَ مِسْكِينٌ اسْمُهُ لَعَازَرُ مَطْرُوحًا عِنْدَ بَابِهِ مُصَابًا بِالقُرُوحِ، وَكَانَ يَشْتَهِي أَنْ يَشْبَعَ مِنَ الفُتَاتِ الَّذِي يَسْقُطُ مِنْ مَائِدَةِ الغَنِيِّ، بَلْ كَانَتِ الكِلابُ تَأْتِي وَتَلْحَسُ قُرُوحَهُ. ثُمَّ مَاتَ الـمِسْكِينُ فَنَقَلَتْهُ الـمَلائِكَةُ إِلَى حِضْنِ إِبْرَاهِيمَ. وَمَاتَ الغَنِيُّ أَيْضًا فَدُفِنَ. فَرَفَعَ عَيْنَيْهِ فِي الجَحِيمِ وَهُوَ فِي العَذَابِ، فَرَأَى إِبْرَاهِيمَ مِنْ بَعِيدٍ وَلَعَازَرَ فِي حِضْنِهِ. فَنَادَى قَائِلًا: يَا أَبَتِ إِبْرَاهِيمُ ارْحَمْنِي وَأَرْسِلْ لَعَازَرَ لِيُغَمِّسَ طَرَفَ إِصْبَعِهِ فِي الـمَاءِ وَيُبَرِّدَ لِسَانِي لِأَنِّي مُعَذَّبٌ فِي هَذَا اللَّهِيبِ. فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: تَذَكَّرْ يَا ابْنِي أَنَّكَ نِلْتَ خَيْرَاتِكَ فِي حَيَاتِكَ، وَلَعَازَرُ كَذَلِكَ بَلايَاهُ. وَالآنَ فَهُوَ يَتَعَزَّى، وَأَنْتَ تَتَعَذَّبُ. وَعَلاوَةً عَلَى هَذَا كُلِّهِ فَبَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ هُوَّةٌ عَظِيمَةٌ قَدْ أُثْبِتَتْ حَتَّى إِنَّ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَجْتَازُوا مِنْ هُنَا إِلَيْكُمْ لا يَسْتَطِيعُونَ، وَلا الَّذِينَ هُنَاكَ أَنْ يَعْبُرُوا إِلَيْنَا. فَقَالَ: أَسْأَلُكَ إِذًا يَا أَبَتِ أَنْ تُرْسِلَهُ إِلَى بَيْتِ أَبِي، فَإِنَّ لِي خَمْسَةَ إِخْوَةٍ، حَتَّى يَشْهَدَ لَـهُمْ لِكَيْ لا يَأْتُوا هُمْ أَيْضًا إِلَى مَوْضِعِ العَذَابِ هَذَا. فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ: إِنَّ عِنْدَهُمْ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءَ فَلْيَسْمَعُوا مِنْهُمْ. قَالَ: لا يَا أَبَتِ إِبْرَاهِيمُ بِلْ إِذَا مَضَى إِلَيْهِمْ وَاحِدٌ مِنَ الأَمْوَاتِ يَتُوبُونَ. فَقَالَ لَهُ: إِنْ لَـمْ يَسْمَعُوا مِنْ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ فَإِنَّهُمْ وَلا إِنْ قَامَ وَاحِدٌ مِنَ الأَمْوَاتِ يُصَدِّقُونَهُ.

حول الإنجيل

 بحسب المقطع الإنجيليّ المتلو علينا اليوم، يَظهرُ السَّبب الأساسيّ الَّذي جعل الغنيّ يُحكَم عليه بهذا العذاب الهائل، أنَّه كان مُثابرًا على التَّمتُّع بالملابس والمآكل ومَباهِج الدُّنيا مُبذِّرًا أمواله، فيما المسكين لعازر مُلقًى عند بابه، يشتهي الفُتاتَ المتساقط من مائدة الغَنيّ، وهو في فَقْرٍ مُدقعٍ ليس له سقف بيتٍ يستظلّ تحته.

كثيرونَ يَظُنُّون أنّهم إنْ أحْسَنُوا إلى فقير أو محتاج فهم يَقُومون بعملِ فضيلةٍ، وإنْ لم يَرحَموه فهذا ليس بخطيئة. في الحقيقة، هذا ضَلالٌ كبير، فإنجيلُ اليوم يوضِحُ أنّ الغنيَّ نال العذاب لأنَّه استأثر بغناه لنفسِه وبذّره في التَّنعُّم ولم يرحم المسكين لَعازر؛ لم يُدخِله إلى بيتِه ولا أعطاه ثوبًا أو قليلًا من الطَّعامِ.

كيف تُتمّم وصيّةَ: "أحبب قريبك كنفسك"، إلَّا أنْ تحبّه بالفعل والحقّ لا بالكلام واللِّسان. فإنْ لم تضمر السُّوء لقريبك ولا تعدَّيْتَ عليه ولا ظلمتَه، هذا لا يَعني أنّكَ أتممْتَ الوَصِيَّة. أحبِبْه كَنَفْسِك، أي كما تهتمّ بنفسك وتغذِّيها وتُلبسها وتريحها، هكذا افعل مع الآخَرين. فالله ما أغناكَ بما تقتنيه، لكي تتمتّع به نفسك فتبذّره في التَّنعُّمات الجسديّة والانغماس في الشَّهوات، أو لتكدّسه في خزائنك؛ بل لكي تهب منه الفقراء والمحتاجين. أغناك لكي تكون وكيلًا أمينًا حتّى متى جاء سيّدك ووجدك هكذا فلك الطُّوبى.

يُظهرُ إنجيل اليوم عذابَ الأغنياءِ القُساة والمنغَمِسين في ملذّاتِ الحياة، ويُبَيِّنُ المجد الَّذي سيناله الفقراء الَّذين احتملوا فقرهم بصبرٍ وتجلُّد. من يَسمع هذا الإنجيل بإيمانٍ وتقوى، فإن كان غنيًّا مَيسورًا سيَصير عفيفًا رحيمًا، وإن كان مُحتاجًا ومُصابًا بالأمراضِ سيتشدَّد ويَصبُر.

فافحصْ ذاتك أيُّها الإنسان، كم من مرّةٍ قابلتَ مسكينًا بائسًا عريانًا فحوّلت وجهَكَ عنه، كم من مرّة، جلست إلى مائدةٍ مليئة بمأكولاتٍ متنوّعة ومشروباتٍ متعدِّدة تأكل وتتنعَّم وتتلذّذ فيما فقراء كثرٌ كلَعازَر يتضوَّرُون جوعًا، فلا أحسنتْ إليهم ولا أطعمتهم ولا تركتهم يأكلون من فُتات مائدتك.

فكُلَّما الْتَقَيْتَ فقيرًا أو مريضًا، لا تَعبُر عنه، بل عاينه، استمع صراخه وأنينه، شاهد جراحَه، واعرف مرضَه. ومتى بسط مسكينٌ يَدَهُ إليكَ طالِبًا أن تُحسنَ إليه، اِفرح واعتبره ربَّك. هذه الأمور تُظهر أنَّ نواياك صالحة فتُشارِك في صنع الخير بحسبِ طاقتِك، وتقتبل بهذا النِّعَمَ الإلهيّة، وتصير رؤوفًا مماثلًا للآب السَّماويّ، ووارثًا للملكوت الأبديّ، آمين.

المسيح سلامنا

المطران جورج (خضر)

قال الرَّسول بولُس لأهْلِ أفَسُسْ في رسالته: «المسيح هو سلامُنا». هذا يعني أنّ الَّذين ينتسبون إلى المسيح يُجابهون كلَّ قوَّةٍ بهذا القول: «المسيح هو سلامُنا»، ويعني أيضًـا أنَّ الَّذي يستعمل وسائل غير وَسيلة المسيح لا يُساهِم في بِناء السَّلام الَّذي جاء النَّاصِريَ ليؤكِّده.

قِيلَ عن يسوع في الكتاب المقَدَّس أنَّه هو السَّلام لأنَّ السَّلام مِن أسماء الله، وبالتَّالي لا يستطيع أنْ يأتي بسلام إلَّا ذاكَ الَّذي يُقِرُّ العَدْل، وبعد أن يُقرّ العدل يُقرُّ المحبَّة. فلا محبَّة بِلا عَدل، ولا عَدل إذا تعمّدنا قتل الأبرياء، ولا عَدل إذا قَصَدنا الحرب ونحن نتكلَّم بالسَّلام. فقد قال نبيٌّ لليَهود في ما مَضى: «سَلام، سَلام، وليس سَلام» (إرميا ٦: ١٤) أي أنَّهم يقولون «سَلام» وهم يُضمرون الحرب.

مَنْ أرادَ إحْلالَ السَّلام يُقِرُّ أوَّلًا أنَّ العَدل هو السَّلام. يبدأ من العَدل لا مِنَ الخوْف. يُقِرُّ العَدْل لكلِّ النَّاس، لمن نتخوَّف منهم ولمن لا نتخوَّف منهم. الإنسان العادِل يَطْرَح الخوْف خارِجًا حَسَبَ قَوْلِ يوحنَّا الرَّسُول في رسالته الأولى: «لا خَوْف في المحبَّة، بل المحبَّة الكامِلَة تَطْرح الخوف إلى الخارج» (٤: ١٨).

«المسيح هو سلامُنا»، والمسيح لا يعني أنَّ النَّاس يجب أنْ يتَوَسَّطُوا أو أنْ يتصَدُّوا للنَّاس حتَّى يكونوا أبناء العدل. كلَّ الَّذين يَعدُلون، مهما كان معتقدهم، تنطبق عليهم هذه الكلمة «المسيح هو سلامُنا». كم مِنْ دولَةٍ لا تقوم على العدل وتُفَرِّق بين الكبير والصَّغير وبين القويّ والضَّعيف هي ساحقةٌ ليسوع النَّاصِريّ وترفعه اليوم على خشبة.

«المسيح سلامُنا». العدل سلامُنا. هذه هي اللُّغة الَّتي نتخاطَب بها بين الشُّعوب. اللُّغة المسيحيَّة الواحدة هي لغة العدل، وبعد ذلك نتكلَّم عن معموديَّة منسوبة بالمعموديَّة وبالتَّسميات وبالتَّاريخ. وهو «الَّذي يجعل الإثنين في نفسه إنسانًا واحدًا». إذا تخاصم إثنان، يأتيان إليه، وما عدا ذلك فتسوية. يأتي الاثنان إليه أي إلى البِرِّ وإلى الحَقّ. فالمسيح وحدَه مَحا «حائط السِّياج الحاجز أي العَداوة». العَداوة لا تَبْطُل على موائد السَّلام، ولا تَبْطُل في قِوَى حِفْظِ السَّلام، العَداوة تَبْطُل في القلب. وإذا كانت القُلوب مَشحونة بالبغضاء وبالاحتقار لمن أذَلُّوا مئات السِّنين، فلا خلاص إلَّا بالمسيح هو الَّذي مع المسحوقين ومع المظلومين كائنًا مَنْ كانوا.

المسيح هو الَّذي يجعل ابن البشر إنسانًا واحدًا جديدًا بإجرائه السَّلام. هو يُصالح كِلَيْهما في جسدٍ واحدٍ مع الله بقتله العَداوة. جاء وبَشَّرَهُم بالسَّلام البَعيدين منهم والقريبين. ولهذا نحن مدعوّون لتحقيق السَّلام في بلادنا وفي جوارنا، هذا ما معناه أننا أبناء السَّلام. المسيحيّ هو الَّذي يُعطي الثِّقَة لأنَّ الثِّقَة لا تقتل الشُّعوب ولأنَّ الثِّقَة تُطْلق الصَّدِيق والعدوّ.

فإنْ كنَّا أبناء القيامة، فهذا يَعني أنَّ لنا ثقةٌ بأنَّ الحياة تأتي من الموت. وإنْ كنَّا أبناء القيامة، فهذا يعني أنَّنا بثقتنا نُشجِّع الخائفين. وإنْ كنّا من أبناءِ القيامة، فهذا يعني إقرارًا أكيدًا وصريحًا وعميقًا ومُخلِصًا أنَّ العَدْلَ والسَّلام يَسودانِ الأرض وأنَّ المسيح سَيِّدَ الكُلّ.