نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
الأحد 3 أيلول 2023
العدد 36
الأحد (13) بعد العنصرة
اللّحن 4- الإيوثينا 2
أعياد الأسبوع: *3: الشّهيد في الكهنة أنْثِيمُس أسقف نيقوميذيّة، أبينا البارّ ثاوكتيستوس الَّذي نسك مع إفثيميوس الكبير، القدّيسة فيڤي، نقل عظام القدّيس نكتاريوس *4: الشّهيد بابيلا أسقف أنطاكية وتلاميذه الثلاثة، النَّبيّ موسى مُعاين الله *5: النَّبيّ زخريّا والد السَّابق *6: تذكار أعجوبة رئيس الملائكة ميخائيل في كولوسِّي *7: تقدمة ميلاد السَّيِّدة، الشّهيد صوزن، البارَّة كاسياني *8: ميلاد سيّدتنا والدة الإله الفائقة القداسة *9: تذكار جامع لجّدَّي الإله يواكيم وحنَّة، الشّهيد سفريانوس.
كلمة الرّاعي
ميلاد والدة الإله
"اليوم تباشير الفرح لكلِّ العالم. اليوم نَفَحَتِ النَّسائم سابقة البشـرى بالخلاص. وانحلَّ عقر طبيعتنا" (الإيذيوميلا الخامسة من غروب عيد ميلاد السَّيِّدة).
يواكيم وحنّة والِدا مريم البتول كانا عاقرَيْن جسديًّا بسماح من الله لتظهر أعماله فيهما ويتمجّد اسمه بثمرة بطنهما الآتية بخصوبة النِّعْمَة الإلهيّة في جسدَيْن عَقيمَيْن وروحَيْن مُثمرتَيْن. لأنّه "حيث يشاء الإله يُغلَب نظام الطَّبيعة"، وفي يواكيم وحنّة أخصب حنان الله على البشريّة عقم كبيرَيْ السّنّ وجدَّد طبيعتهما بوعده وأنجز برّهما بميلاد مريم.
ليس موضوع العيد هو شفاء عقر جسدَيْ يواكيم وحنّة بل دخول البشريّة بميلاد مريم في مرحلة جديدة بانتظار تجديد الطّبيعة البشـريّة في المسيح. ميلاد مريم بُشـرى بدُنوّ زمن الخلاص في الَّذي سيأتي من ثمرة بطنها الإله المُتأنِّس الرّبّ يسوع المسيح. هذا عيد تجديد الطّبيعة بمَريم الَّتي كانت أوَّل كائن بشـريّ بعد السُّقوط اقتبل سُكنى الإله فيه بالنِّعْمَة والوَحيدة بين الأنس الَّتي حَلَّ في حشاها الإله بالأقنوم كونها صارت مَسكنًا لابن الله. فكما تقول خدمة العيد: "اليوم ابتدأَت النِّعْمَة تُثمِر مُظهرَةً للعالم أمّ الإله الَّتي بها تقترن الأرضيّات بالسّماويّات..." (الإيذيوميلا الرّابعة من غروب عيد ميلاد السَّيِّدة).
* * *
ترى الكنيسة المقدَّسة في مريم والدة الإله "عرش العَليّ المقدَّس على الأرض" و"سماء حيَّة" و"رجاء الَّذين لا رجاء لهم" (الإيذيوميلا الأولى وذوكصا غروب عيد ميلاد السَّيِّدة). سرّ مريم معروف مِنَ الله قَبْلَ الحَبَلِ بها، وهي ثمرة بِرّ مسيرة الله مع شعبه في كلّ تاريخ البَشريّة عبر الَّذين اختارهم ليأتي منهم. فليس العبرانيّون هم شعب الله وحدهم بل كلّ شعوب الأرض خليقته وصنع يديه. الخليقة الأولى الَّتي سقطت أتت من آدم القديم بِحَوّاء الأولى، والخَليقة الجديدة تأتي من آدم الجديد بحوّاء الثّانية في ابن الله المُتَجسِّد. مريم باكورة الخليقة الجديدة في المسيح القائم من بين الأموات، والمسيح باكورة الخليقة الجديدة الَّذي منه يأتي كلّ إنسان في ملكوت السَّماوات. مريم فتحت مدخل الفردوس للبشريَّة مِنْ جديد مِنْ خلال صيرورتها أمّ الإله (أنظر القطعة الثّالثة من ليتين غروب عيد ميلاد السَّيِّدة) لأنّها أوّل من دخل الفردوس المُغلَق بواسِطَة المَوْلود فيها إذْ سكن في أحشائها "شجرة الحياة".
* * *
أهميّة مريم تأتي من كونها أم الإله. خارج هذا الدَّوْر ربّما كانت لتصير قدّيسة عظيمة، ولكن كونها والدة الإله (Théotokos) جعلها فريدة في كلّ الخليقة والوجود. من هنا فميلادها حَدَثْ نحتفل به ويُعنينا لأنّه "اليوم قد حدث بدء خلاصنا" (القطعة الأولى من ليتين غروب عيد ميلاد السَّيِّدة) كون "خدر النُّور وسِفر كلمة الحياة وَرَدَتْ مِنَ الحَشا" (القطعة الثّانية من غروب العيد).
حيثما وُجِد يسوع تكون مريم لأنّها مُلتصقة به، وحيثما تكون مريم نكون نحن أمام يسوع لأنّها تحملنا إليه بشفاعتها الحارّة. يسوع هو المخلّص ومريم بداية خلاصنا فيه وبداية تخليصه لنا من إنساننا العَتيق. هي قدوتنا إليه وشفيعتنا لديه وأمّنا أمام عينيه...
كما وُلِدت مريم لتصير مسكن الله وسماءه نحن كذلك مدعوّون أن نصير هيكله ومطرح تجلّي مجده إذا أطعناه ...
ومن له أذنان للسَّمع فليسمع..!!
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما
طروباريّة القيامة (باللَّحن الرّابع)
إنَّ تلميذاتِ الرَّبّ تعلَّمنَ مِنَ المَلاكِ الكَرْزَ بالقيامةِ البَهج. وطَرَحنَ القَضاءَ الجَدِّيَّ. وخاطبنَ الرُّسلَ مُفتَخِراتٍ وقائِلات. سُبيَ المَوتُ وقامَ المَسيحُ الإله. ومنحَ العالمَ الرَّحمةَ العُظمى.
طروباريّة للشَّهيد (باللَّحن الأوّل)
لمّا صِرتَ مُناضِلًا ثابتًا عن رعيَّتكَ أيُّها المُتألِّهُ العَزمِ أنثيمُس، أهرَقتَ دَمَكَ بإقدامٍ مِن أجلِها، وإذ أنَّكَ لم تَجزَع مِن تَهديداتِ الأعداء، فَتَبتَهجُ الآن في السّماوات، ماثِلًا لدى عَرْشِ اللّاهوت المُثلَّث الضِّياء، فالمَجدُ للمَسيحِ الَّذي شَدَّدَكَ، المجدُ لِكَرامَةِ نَفْسِكَ، المجدُ لِجَلادَتِكَ في الشَّهادة.
طروباريّة للبارّ (باللَّحن الثّامِن)
لِلبَرّيَّةِ غَيرِ المُثمِرَةِ، بِمَجاري دُموعِكَ أَمرَعتَ، وَبِالتَّنَهُّداتِ التي مِنَ الأَعماقِ، أَثمَرَت أَتعابُكَ إلى مائَةِ ضعِفٍ. فَصِرتَ كَوكَبًا للمسكونةِ مُتَلألِئًا بِالعَجائِبِ، يا أَبانا البارَّ ثاوكتيستُس. فابتَهِل إلى المَسيحِ الإلَهِ، أَن يُخَلِّصَ نُفوسَنا.
قنداق ميلاد السَّيِّدَة (باللَّحن الرَّابِع)
إنَّ يُواكِيمَ وحنَّةَ من عارِ ﭐلعُقْر أُطلِقا، وآدمَ وحوَّاءَ من فسادِ ﭐلموتِ، بمولِدِكِ ﭐلمُقَدَّس يا طاهِرَة، أُعتِقا. فلَهُ يُعَيِّدُ شعبُكِ إذ قد تَخلَّصَ من وَصْمَةِ الزَّلَّات. صارِخًا نحوكِ، العاقِرُ تَلِدُ والدةَ ﭐلإله ﭐلمُغَذِّيَة حياتَنَا.
الرِّسالة(1 كو 16: 13-24)
ما أعظَمَ أعمالكَ يا ربُّ،
كلَّها بحكمةٍ صَنعتَ بارِكي يا نفَسي الرَّبَّ
يا إخوةُ، اسهَروا، اثبُتوا على الإيمانِ، كونوا رِجالًا، تَشدَّدوا. وَلْتكُنْ أمورُكم كُلُّها بِالمَحبَّة. وأطلُبُ اليكم أيُّها الإخوةُ بما أنَّكم تعرِفونَ بيتَ استفاناسَ، إنَّهُ باكورَةُ آخائيَةَ، وقد خَصَّصوا أنفُسَهم لِخدمَةِ القدِّيسين، وأن تخضَعوا أنتم أيضًا لِمثل هؤلاءِ ولكلّ مَن يعاوِنُ ويتَعب. إنّي فرِحٌ بِحُضُورِ استفاناسَ وفُرتوناتُسَ وأخائِكوُسَ، لأنَّ نقصانَكم هؤُلاءِ قد جَبروه فأراحوا روحِي وأرواحَكم. فاعرفوا مِثلَ هؤلاء.ِ تُسَلّمُ عليكم كنائسُ آسِية. يُسَلِّمُ عليكم في الرَّبِّ كثيرًا أكِيلا وبِرِسْكِلَّة والكنيسَةُ الَّتي في بيتِهِما. يُسلّمُ عليكم جميعُ الإخوة. سلِّموا بعضُكم على بعضٍ بقُبلةٍ مُقدَّسة. السَّلامُ بِيَدي أنا بولس. إن كانَ أحدٌ لا يُحِبُّ ربَّنا يسوعَ المسيحَ فليكُنْ مَفروزًا. ماران أثا. نِعمَةُ ربِّنا يسوعَ المسيحِ معكم. محبَّتي مَعَ جميعِكم في المسيح يسوع. آمين.
الإنجيل(متى 21: 33-42)(متى 13)
قال الرَّبُّ هذا المثَل: إنسانٌ ربُّ بيتٍ غرسَ كرْمًا وحوَّطهُ بسياجٍ وحفر فيهِ مَعْصَرَةً وبنى بُرجًا وسلَّمهُ إلى عَمَلةٍ وسافر. فلَّما قَرُبَ أوانُ الثَّمَرِ أرسلَ عبيدَهُ إلى العَمَلة ليأخذوا ثمرهُ، فأخذَ العَمَلةُ عبيدَه وجلدوا بعضًا وقتلوا بعضًا ورجَموا بعضًا. فأرسل عبيدًا آخَرين أكثرَ من الأوَّلين فصنعوا بهم كذلك. وفي الآخِر أرسل إليهم ابنَهُ قائلًا سيَهابُون ابني. فلمَّا رأى العَمَلةُ الابنَ قالوا في ما بينهم: هذا هو الوارِثُ. هلمَّ نقتُلُهُ ونستولي على ميراثهِ؟ فأخذوهُ وأخرجوهُ خارِجَ الكرم وقتلوهُ. فمتى جاءَ ربُّ الكرم فماذا يفعلُ بأولئِك العَملة؟ فقالوا لهُ إنَّهُ يُهلِك أولئِك الأردياءَ أردأَ هلاكٍ، ويسلِّمُ الكرمَ إلى عَمَلةٍ آخَرين يؤدُّون لهُ الثَّمرَ في أوانهِ. فقال لهم يسوع: أمَا قرأتم قطُّ في الكتُب إنَّ الحجرَ الَّذي رَذَلهُ البنَّاؤُونَ هو صار رأسًا للزّاوية. مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ كانَ ذلك وهو عجيبٌ في أعيُنِنا.
حول الرّسالة
هناك انسجامٌ واضحٌ بين الإنجيل والرِّسالة في مسألة مَنْ يستحقّ عَطِيَّةَ الله ومَنْ الَّذي يجب أن تُنْزَع منه، ويقول الكتاب: "مَنْ له يُعطى ويُزاد ومن ليس له فالَّذي عنده يؤخَذ منه" (متّى ٢٩:٢٥).
في الرِّسالة قضيَّة بولس كانت في تثبيت الجماعة الأولى على القِيَم المسيحيَّة، وبالتَّالي المُحافظة على وحدة هذه الجَماعة في المسيح يسوع. ولذلك كان لا بُدَّ مِن استئصال الفاسد حتّى لا يُفْسِد الجَماعة. فَمَن ليس أمينًا على محَبَّة الرَّبِّ يسوع، على الجماعة أنْ تُفرِزَه لئلَّا تأتي على يده العثرات ويفسد نقاء وقدسيَّة الجماعة.
الأمانة للسَّيِّد المسيح تَشُقُّ طريقها عبر السَّهَر واليَقَظَة والإرادة الصَّالِحَة في الخُضوع التّام للمشيئة الإلهيَّة، وذلك يجب أن يبدأ بالإيمان بالمسيح على أنَّه المخلِّص. وأمانةً للسَّيِّد توجَّب عليك المحافظة على نقاوتك والجهاد المستمرّ، كما يقول بولس الرَّسُول: "أقْمَعُ جسدي واستعبده حتّى بعدما كرزت للآخرين لا أصير أنا نفسي مرفوضًا (١كورنثوس ٢٧:٩)، وإلَّا فدَينونتك أنَّك شَوَّهْتَ صورة السَّيِّد المسيح المُتَجَلِّيَة في كنيسته في الجماعة المؤمنة والأمينة له، وتكون قد أسأت إلى إخوتك في الجماعة وهذا تعطيل لعمل الكلمة وبُنيان جسد المسيح.
فلنجتهد يا إخوة ألَّا يُغْلِقَ السَّيِّد باب نعمته ورحمته علينا فنُمْسِي تائهين كما رَنَّم اليهود على أنهار بابل في أيَّام السَّبِي "هناك جلسنا وبَكَيْنا عندما تذكَّرنا عهد الرَّبِّ وعظمته وجلاله" وعندها لن يعود يُفيدنا النَّدَم في شيء.
ميلاد العذراء
احتفال الكنيسة بولادة مريم والدة الإله هو إعلان الفرح بولادة فجر الخلاص، لأنّ الّتي وُلدَت من عاقرَين أحبّتْ الله وكرّسَتْ ذاتها له، فقبلَت أن تطيع تدبيره الخلاصيّ لتلد المسيح للعالم. مع ميلاد مريم تبتدئ رحلة عودتنا إلى الملكوت. ومع رقادها وانتقالها إلى السَّماء يتحقَّق ما قاله الرَّبُّ يسوع لنا: "مَنْ آمن بي ولَوْ ماتَ فسَيَحْيَا" (يو 25:11). فنحن خُلقنا لنكون قِياميّين بالقائم أبدًا ودائمًا. لذلك يأتي عيد ميلاد والدة الإله (8 أيلول) كأوّل عيدٍ سيّدي في الكنيسة الأرثوذكسيّة في السَّنة الطَّقسيّة الَّتي تبدأ أوّل شهر أيلول، وعيد رقادها هو آخِر عيد سيّدي (15 آب). وكأنّ الكنيسة في ذلك أرادت أنْ تقول أنَّ والدة الإله الأمّ الَّتي حملت في أحشائها الضَّابط الكلّ، تحمل في أحشائها دورة أعيادنا اللّيتورجيّة كلّها من أوّلها إلى نهايتها.
مع ولادة مريم تبدأ بشائر الفرح وتحقيق الوَعْدَ الخلاصيّ بولادة الرَّبّ يسوع مخلّص جنس البشر. فهذه الطِّفلة ستكون والدة الإله. ولكن، ليس باختيارٍ مُسبَق ولا بتمييز بين الخلائق البشريّة، بل بتواضعها ونقاوتها وعشقها لله! فهي الَّتي قالت: " تعظّم نفسي الرَّبَّ وتبتهج روحي بالله مُخَلِّصي. لأنَّه نظر إلى اتِّضاع أمَته" (لوقا 46:1-48). فقد وُلدَتْ العذراء مريم كسائر البشر، مِنْ دون تمييز، وتغلَّبتْ على مُختلف التَّجارِب بعشقها لله واِلتصاقها به.
يعود أصل العيد إلى أواسط القرن الخامس في أورشليم حينما كُرّستْ كنيسةً على اسم والدة الإله مريم قرب البِرْكة الغنميّة أو بِرْكة بيت حسدا في أورشليم. لا يذكر العهد الجديد شيئًا عن طفولة مريم ولا عن مولِدها أو رقادها، ذلك أنّ هدف الأناجيل هو البشارة بالرَّبِّ يسوع الإله المتجسّد وبالتَّدبير الخَلاصيّ من أعمالٍ وتعاليم. لكنّ التَّسليم الكنسيّ الَّذي حفظ مكانةً خاصَّةً لوالدة الإله (إنجيل يعقوب المَنْحُول مثلًا) يذكر أنَّ ولادتها تمّت بتدخُّلٍ إلهيٍّ مباشَر كما حصل مع عدد من الأشخاص في العهد القديم كإسحق ابن إبراهيم ويوحنّا المعمدان. من دون أن ننسى أنَّ ذلك كلّه ضمن سِرِّ التَّدبير الخَلاصيّ.
فيُواكيم، والد مريم، وهو مِنْ سِبْط يَهوذا مِنْ نَسْلِ داوود، تربّى في عائلةٍ تقيَّة مارست الشَّريعة وقدّمت الذَّبائح. والده كان غنيًّا جدًّا ويقدّم القرابين لله قائلًا في قلبه: "لِتَكن خيراتي للشَّعب كلّه، من أجل مغفرة خطاياي لدى الله، ليشفق الرَّبُّ عليّ".
كذلك حنّة والدة العذراء مريم هي ابنة الكاهن مَتان مِنْ قبيلة هارون ولكنّها كانت حزينةً بسبب عُقرِها، لأنّ العُقْرَ حُسِبَ عند اليهود عارًا ولعنةً مِنَ الله، فيما الإيلاد يَعني تأمين النَّسل لِمَجيء المسيح المُنتظَر.
صَلَّتْ حنَّة إلى الرَّبِّ قائلةً: "يا إله آبائي، باركني واستجبْ صلاتي، كما باركتَ أحشاء سارة ورزقتها إسحق ابنًا". فإذا بملاك الرَّبِّ يقول لها: "يا حنّة، إنّ الله سمع صلاتك؛ سوف تَحْبَلين وتَلِدِين، ويكون نسلك مشهورًا في العالم بأسره". فأجابت حنّة قائلة: "لِيَحْيَ الرَّبُّ إلهي؛ سواء كان صبيًّا أم بنتًا ما ألده، فسوف أقدّمُهُ للرَّبِّ، وسوف يُكرِّس حياته للخدمة الإلهيّة". وحبلت حنّة، وفي الشَّهر التّاسع ولدت بنتًا، وسمّتها مريم وشكرت الله قائلة: "نفسي ابتهجت هذه السَّاعة".
فَرَحُنا بولادة مريم العذراء هو سرور وفرح بالرَّبِّ يسوع الَّذي سيولد منها. هذا الأمر كثيرًا ما ننساه فنعامل والدة الإله وكأنَّها قائمة في ذاتها، مجرّدة عن دور الله في حياتها. ولكنّ الكنيسة تُسمِّي مريم "والدة الإله" في التَّراتيل والأناشيد الكنسّية كلّها، وهكذا تظهر في الأيقونات دائمًا مع الرَّبِّ يسوع باستثناء حالات خاصَّةً جدًّا.
نَقِّ نِيّاتنا
للأرشمندريت الياس مرقص
نادرًا ما تكون نِيّاتنا نقيّة كلَّ النَّقاء، فإنسانَنا العميق غالبًا ما يكون ذا مصلحةٍ وطالبًا منفعة، سواء مادّيّة أو معنويّة.
«الحَقَّ الحَقَّ أقولُ لكم إنّكم تطلبونني لا لأنّكم رأيتم آياتٍ بل لأنّكم أكلتم مِنَ الخبز وشبعتم» (يوحنّا ٦: ٢٦). فقَوْلُ يسوع: «الحَقَّ الحَقَّ أقولُ لكم» (وهي عبارة لا يَقولُها المسيح إلَّا لتأكيد شيءٍ أساس) يعني الكثير… يعني ربّما أنّ الإنسان في الأساس وربّما كيانيًّا (بعد سقوط آدم) غير صادقٍ (إلَّا بنعمة الرَّبّ). وربّما ليس هناك إطلاقًا مِنْ عملٍ مَجّانيّ أو فضيلة مجّانيّة.
إنّ بطرس الرَّسُول في رسالته الأولى الجامعة، عندما يذكر سلوانس، يكتب: «قد كتبتُ إليكم… على يد سلوانس الأخ الأمين (كما أظنّ)» (١ بطرس ٥: ١٢)… وكأنّه بقوله «كما أظنّ» يورِدُ الشَّكَّ في أمانَتِهِ أو على الأقلّ لا يُبعد الشَّكَّ في أمانته.
وداود النَّبيّ في مزاميره يقول أكثر مِنْ مَرَّةٍ: «ليس مَنْ يَعْمَلُ صَلاحًا، حتّى ولا واحد» (مزمور ١٣: ١)… ثمّ «كلّا ولا واحد» (مزمور ١٣: ٣). وذلك أيضًا في (المزمور ٥٢: ٣). ويقول أيضًا: «مَنْ ذا الَّذي يقدر على أنْ يَتَبَيَّنَ زلّاتِهِ، نَقِّني مِنْ زَلّاتي الخَفِيَّة» (مزمور ١٨: ١٢).
ويجدر أن يوحي إلينا هذا بأن نتوب (عندما نتوب حقًّا) تَوْبةً عميقةً، تَوْبَةً كَيانِيَّةً (وإلّا تكون توبتنا غير ذات مفعول لِكَوْنِها غيرُ صائبَةٍ)، طالبين أنْ يِرْحَمَنا الرَّبُّ في أعماقِ أعماقِنا… وشاكِرين له شُكرًا عظيمًا نعمته ورحمته. آمين.
(المرجع: مجلّة النور، العدد الثالث، ٢٠٠٥)