نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
أُنقُر على الملف لتصفُّح نشرة كنيستي
كما يمكن قراءة النص الكامل في المقطع أدناه.
الأحد (8) بعد العنصرة
العدد 31
الأحد 03 آب 2025
اللّحن 7- الإيوثينا 8
أعياد الأسبوع: *3: تذكار الأبرار اسحاقيوس وذَلْمَاتُس وفَفِسْتُس، القدّيسة سالومَة حامِلَة الطِّيب *4: الشُّهداء الفِتْيَة السَّبعة الَّذين في أَفَسُس *5: تقدمة عيد التَّجَلِّي، الشَّهيد إفْسِغْنِيُوس، القدّيسة نُونَة أمّ القدِّيس غريغوريوس اللَّاهوتيّ *6: عيد تجلِّي ربِّنا وإلهِنا يسوعَ المسيح *7: الشَّهيد في الأبرار دوماتيوس *8: القدّيس إِميليانوس المُعْتَرِف أسقف كيزيكوس *9: الرَّسول متيّاس، البارّ بسويي.
كلمة الرّاعي
فَيْضُ النّعمة
" فَأَكَلُوا جَمِيعُهُمْ وَشَبِعُوا وَرَفَعُوا مَا فَضُلَ مِنَ الكِسَرِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ قُفَّةً مَـمْلُوءَةً.
وَكَانَ الآكِلُونَ خَمْسَةَ آلافِ رَجُلٍ سِوَى النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ" (مت 14: 20 – 21)
الرَّبُّ إلهُنا هو مصدرُ كلِّ بركةٍ ونِعمة، وهو الَّذي "يفتحُ يدَهُ ويُشبِعُ كُلَّ حيٍّ رضا" (مزمور 145: 16). وغالبًا ما يقيس النَّاس رضى الله عليهم من خلال البركات الَّتي يحصلون عليها، والَّتي تُترجم في نظرهم إلى خيراتٍ مادِّيَّة ومعيشةٍ هانئة. هذه النَّظرة كانت سائدة أيضًا في العهد القديم، حيث ارتبطت البركة بالإثمار والإنجاب والغِنى، كما قيل: "مباركٌ تكون ثمرةُ بطنك وثمرةُ أرضك وثمرةُ بهائمك" (تثنية 28: 4).
ولئن كان هذا الفهم لا يُعدّ خاطئًا إذا نَسَب الإنسان كلَّ خيرٍ إلى الله، كما قال الرَّسول يعقوب: "كلُّ عطيَّةٍ صالحةٍ وكلُّ موهبةٍ تامةٍ هي من فوق، نازلة من عند أبي الأنوار" (يعقوب 1: 17)، إلاَّ أنّه يصبح مغلوطًا حين تنحصر ثمرة البِرّ بالخيرات الزَّمنيَّة، ويُختزل رضى الله في ما يُقتنَى، فيما يُعتبَر الحرمان أو العُسر دليلًا على الغضب الإلهيّ.
لكنَّ الكتاب المقدّس ذاته يقدّم نماذج مضيئة لأبرارٍ لم تتّفق حياتهم مع هذا المقياس الظّاهريّ. فحنَّة ، أمّ صموئيل، كانت عاقرًا، وبكت بكاءً مرًّا "وبَكَتْ بكاءً" (1 صموئيل 1: 10)، رغم أنَّها كانت أمينة في عبادتها. وزكريّا وأليصابات، والدا يوحنا المعمدان، قيل عنهما أنّهما "كانا كلاهما بارّين أمام الله، سالِكَينِ في جميع وصايا الربّ وأحكامه بلا لوم، ولم يكن لهما ولدٌ" (لوقا 1: 6-7). كذلك يواكيم وحنّة، جَدَّا الرَّبّ يسوع، بحسب التَّقليد الكنسيّ، عُدّا من الأبرار رغم عُقمهما الطَّويل.
في ذلك الزَّمان، كان يُعتبر الغِنى علامةً على رضى الله، والفقر عقوبة، كما جاء في سفر الأمثال: "كَمَا أَنَّ الْبِرَّ يَؤُولُ إِلَى الْحَيَاةِ كَذلِكَ مَنْ يَتْبَعُ الشَّرَّ فَإِلَى مَوْتِهِ" (أمثال 11: 19)، وغالبًا ما فُهِمَ هذا على المستوى الزَّمنيّ، لا الأبديّ. وكذلك العقم عُدّ لعنة، في حينِ أنَّ الخصوبة اعتُبِرت بركة.
وإلى يومنا هذا، قد يستمرّ هذا التَّفكير في الحكم على الآخرين من خلال مقياسٍ زمنيٍّ وماديّ، متناسين أنَّ المسيح نفسه، الإله المتجسِّد ، "ليس له أين يسند رأسه" (متى 8: 20)، وأنّ البرّ الحقيقيّ يُقاس بالقرب من الله، لا بما نقتنيه أو نفتقده في هذا العالم.
* * *
لقد عبّر الرَّبّ بوضوح عن أولويّة الحياة الرُّوحيَّة حين قال: "اطلبوا أوَّلاً ملكوت الله وبرّه، وهذه كلّها تُزاد لكم" (متى 6: 33)، مشيرًا إلى أنَّ البركات الزمنيّة ليست هدفًا بذاتها، بل تُمنح تِلقائيًّا للإنسان الَّذي يسلك في سبيل الله ويطلب مجده. ويؤكِّد الرَّسول بولس هذا المنهج بقوله: "لأنّ ليس ملكوت الله أكلاً وشربًا، بل هو برٌّ وسلامٌ وفرحٌ في الرُّوح القدس" (رومية 14: 17)، رابطًا العلاقة بالله بثمار الحياة في الرُّوح، لا بمقاييس هذا الدهر.
ولذلك، فإن بركة الله ترافق الإنسان في كلّ جوانب وجوده، الماديّة والروحيّة، الظَّاهرة والخفيّة، لأنّه "يعطي الجميع حياةً ونفسًا وكلّ شيء" (أعمال 17: 25)، وهو "يُفيض النِّعمَة بغير مكيال" (يوحنا 3: 34). ولكن الإنسان كثيرًا ما يصعب عليه إدراك حكمة الله، إذ يظنُّ أن الطَّريق إلى رضى الرَّبّ يمرّ فقط عبر إتمام الواجبات والفرائض الخارجية، متوقعًا أن يُكافأ بالخيرات الزمنيّة، فيقايض الله وكأنه يستحقُّ بركاته بفضل أعماله.
لكنَّ الله لا يطلب من الإنسان الأفعال الخارجيَّة فحسب، بل قلبه أوَّلًا: "يا بني، أعطني قلبك، ولتلاحظ عيناك طرقي" (أمثال 23: 26). إنّه يدعونا إلى تغيير جذريّ، "فـلا تُشاكلوا هذا الدَّهر، بل تغيّروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم" (رومية 12: 2) لنُدرك إرادته الصَّالحة المرضيّة الكاملة، لا فقط لأجل خلاصنا، بل لأجل خلاص العالم أيضًا.
ومن هنا، يمكن للإنسان أن يدرك أنّ البركة الحقيقيّة تكمن في الاتِّحاد بالرَّبّ، والإنتقال من حياة المطالبة إلى حياة المشاركة في بُشرى الخلاص. فالله يدعونا إلى أن نكون نورًا وملحًا في هذا العالم، متغيّرين على صورته، مشاركين في عمل تجديد الخليقة.
* * *
يا أحبّة، إنَّ حادثة تكثير الأرغفة الخمسة والسَّمكتَين ليست حدثًا معزولًا في سجلِّ عناية الله بشعبه، بل تأتي امتدادًا لنمط إلهيّ ثابتٍ في الكتاب المقدّس، يُظهر محبَّة الله واهتمامه العميق باحتياجات الإنسان الجسديّة والرُّوحيّة. فالرَّبّ في القديم أطعم الشَّعب في البرّية من المَنّ والسَّلوى على مدى أربعين سنة دون أن يُخلِف وعده (راجع خروج 16)، مثبِّتًا أنّه إله الأمانة والرَّحمة والوفرة.
لكنَّ ما هو جوهريّ في هذه المعجزة لا يتوقّف عند تلبية الحاجات الماديّة، بل يتعدّاها ليكشف أنّ الشَّبع الحقيقيّ ينبع من التَّوْق إلى كلمة الله. فالَّذي يجوع إلى البِرّ، يُشبعهُ الرَّبُّ، كما قال يسوع: "طوبى للجياع والعطاش إلى البِرّ، لأنّهم يُشبعون" (متى 5: 6). من يطلب الرب، لا يطلبه من أجل خيرات زائلة، بل رغبةً في نوال الحياة الأبديّة، في أن يصير ابنًا لا أجيرًا، مُتغيّرًا بالنعمة إلى صورة المسيح، مشاركًا في بهاء مجده.
والمعجزة، إذ تذكّرنا أنّ الله لا يبخل، بل يُفيض، تضع نصب أعيننا أنَّ أعظم خيرات الله ليست الطَّعام أو الغنى، بل سُكناه في داخلنا، بنعمته ومجده، عربونًا للفرح الآتي وثمار ملكوته السَّماوي فينا. هذا هو النُّور الذي أشرق على جبل ثابور، عندما تجلّى الرب أمام بطرس ويعقوب ويوحنا، فاختبروا بهاء الملكوت قبل أوانه (راجع متى 17: 1–8).
لذلك، فلنوجّه قلوبنا إلى معرفة مشيئة الله، مستنيرين بكلمته، ومنقادين بروحه، لكي نحيا كأبناء النُّور، وننمو في شركته، ونتمجّد فيه. فإنَّ إرادته "صالحة ومَرْضيَّة وكاملة" (رومية 12: 2)، وهي الطريق الوحيد نحو الخلاص الحقيقيّ. فنسير معه هنا، ونفرح به هناك، بفيض نعمته ونور وجهه، إلى الدَّهر الآتي، آمين.
ومن له أذنان للسَّمْعِ فليسمع...
+ أنطونيوس
متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما
طروباريّة القيامة (باللَّحن السّابع)
حَطَمْتَ بِصَليبِكَ المَوت. وفتحتَ للِّصِّ الفِرْدَوس. وحوَّلتَ نَوْحَ حامِلاتِ الطّيب. وأمَرْتَ رُسلَكَ أن يَكرزِوا. بأنَّكَ قد قُمتَ أَيُّها المسيحُ الإله. مانِحًا العالمَ الرَّحمةَ العُظمى.
قنداق عيد التَّجلّي (باللَّحن السَّابع)
تَجَلَّيْتَ أَيُّهَا الـمَسِيحُ الإِلَهُ عَلَى الجَبَلِ، وَحَسْبَمَا وَسِعَ تَلامِيذَكَ شَاهَدُوا مَجْدَكَ، حَتِّى عِنْدَمَا يُعَايِنُونَكَ مَصْلُوبًا، يَفْطَنُوا أَنَّ آلامَكَ طَوْعًا بِاخْتِيَارِكَ، وَيَكْرِزُوا لِلْعَالَمِ أَنَّكَ أَنْتَ بِالحَقِيقَةِ شُعَاعُ الآبِ.
الرّسالة (1 كو 1: 10- 17)
الرَّبُّ يُعطِي قُوَّةً لِشَعْبِهِ.
قَدِّمُوا لِلرَّبِّ يَا أَبْنَاءَ اللهِ.
يَا إِخْوَةُ، أَطْلُبُ إِلَيْكُمْ بِاسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ الـمَسِيحِ أَنْ تَقُولُوا جَمِيعُكُمْ قَوْلًا وَاحِدًا، وَأَنْ لا يَكُونَ بَيْنَكُمْ شِقَاقَاتٌ بَلْ تَكُونُوا مُكْتَمِلِينَ بِفِكْرٍ وَاحِدٍ وَرَأْيٍ وَاحِدٍ. فَقَدْ أَخْبَرَنِي عَنْكُمْ، يَا إِخْوَتِي، أَهْلُ خُلُوِي، أَنَّ بَيْنَكُمْ خُصُومَاتٍ، أَعْنِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ يَقُولُ: أَنَا لِبُولُسَ أَوْ أَنَا لِأَبُلُّوسَ أَوْ أَنَا لِصَفَا أَوْ أَنَا لِلْمَسِيحِ. أَلَعَلَّ الـمَسِيحَ قَدْ تَجَزَّأَ؟ أَلَعَلَّ بُولُسَ صُلِبَ لِأَجْلِكُمْ أَوْ بِاسْمِ بُولُسَ اعْتَمَدْتُمْ؟ أَشْكُرُ اللهَ أَنِّي لَمْ أُعَمِّدْ مِنْكُمْ أَحَدًا سِوَى کْرِسْبُسَ وَغَایُوسَ لِئَلّا يَقُولَ أَحَدٌ إِنِّي عَمَّدْتُ بِاسْمِي. وَعَمَّدْتُ أَيْضًا أَهْلَ بَیْتِ اسْتِفَانَاسَ. وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَلا أَعْلَمُ هَلْ عَمَّدْتُ أَحَدًا غَيْرَهُمْ، لِأَنَّ الـمَسِيحَ لَـمْ يُرْسِلْنِي لِأُعَمِّدَ بَلْ لِأُبَشِّرَ لا بِحِكْمَةِ كَلامٍ لِئَلّا يُبْطَلَ صَلِيبُ الـمَسِيحِ.
الإنجيل (مت 14: 14- 22)(متى 8)
في ذَلِكَ الزَّمَانِ أَبْصَرَ يَسُوعُ جَمْعًا كَثِيرًا فَتَحَنَّنَ عَلَيْهِمْ وَأَبْرَأَ مَرْضَاهُمْ. وَلَـمَّا كَانَ الـمَسَاءُ دَنَا إِلَيْهِ تَلامِيذُهُ وَقَالُوا: إِنَّ الـمَكَانَ قَفْرٌ، وَالسَّاعَةَ قَدْ فَاتَتْ، فَاصْرِفِ الجُمُوعَ لِيَذْهَبُوا إِلَى القُرَى وَيَبْتَاعُوا لَـهُمْ طَعَامًا. فَقَالَ لَـهُمْ يَسُوعُ: لا حَاجَةَ لَـهُمْ إِلَى الذَّهَابِ، أَعْطُوهُمْ أَنْتُمْ لِيَأْكُلُوا. فَقَالُوا لَهُ: مَا عِنْدَنَا هَهُنَا إِلَّا خَمْسَةُ أَرْغِفَةٍ وَسَمَكَتَانِ. فَقَالَ لَـهُمْ: هَلُمَّ بِـهَا إِلَيَّ إِلَى هُنَا. وَأَمَرَ بِـجُلُوسِ الجُمُوعِ عَلَى العُشْبِ. ثُمَّ أَخَذَ الخَمْسَةَ الأَرْغِفَةَ وَالسَّمَكَتَيْنِ، وَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ، وَبَارَكَ وَكَسَرَ وَأَعْطَى الأَرْغِفَةَ لِتَلامِيذِهِ، وَالتَّلامِيذُ لِلْجُمُوعِ. فَأَكَلُوا جَمِيعُهُمْ وَشَبِعُوا وَرَفَعُوا مَا فَضُلَ مِنَ الكِسَرِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ قُفَّةً مَـمْلُوءَةً. وَكَانَ الآ كِلُونَ خَمْسَةَ آلافِ رَجُلٍ سِوَى النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ. وَلِلْوَقْتِ اضْطَرَّ يَسُوعُ تَلامِيذَهُ أَنْ يَدْخُلُوا السَّفِينَةَ وَيَسْبِقُوهُ إِلَى العِبْرِ حَتَّى يَصْرِفَ الجُمُوعَ.
حول الرّسالة
الرَّسول بولس يُسمّي المؤمنين إخوة لأنَّ كلَّ المسيحيّين في شركة دم المسيح غدَوْا إخوة في جسدٍ واحدٍ رأسه المسيح وأعضاؤه هم أفراد الكنيسة. فعندما نتخاصم وننقسم فكأنَّنا نجزّئ جسد المسيح الواحد. أبلُّوس هو يهوديّ وأصبح مسيحيًّا وعاش في الإسكندريَّة وكان عالِمًا في الكتب ويهتمُّ بالتَّفسير . يؤكِّدُ بولس لهؤلاء المنقسمين والمتحزِّبين أنَّ المسيح واحدٌ وقد صلب من أجل الجميع دون تفرقة. فلم يفتدهم آخر غيره ولا حتّى بولس نفسه ولا اعتمدوا على اسمه . يذكّر بولس المؤمنين بضرورة أن يكون لهم فكر المسيح أي الفكر الواحد. كلمة " بإسم" في اليونانيّة تعني ملكيَّة المسيح للمعتمد واتِّحاده به. يشكر الرَّسول بولس الله أنَّه لم يعمّد أحدًا منهم إلَّا كريسبس وهو رئيس مجمع يهوديّ آمن على يد بولس الرَّسول . غايوس هو مسيحيّ يستضيف اجتماعات الكنيسة في بيته . عمّد بولس أيضًا بيت استفاناس. الرَّسول لم يهتمّ أن يعمّد هو بنفسه لأنَّ عمله الأساسيّ كان الكِرازة بإرشاد الرُّوح القدس وليس بالفلسفة العالميَّة . ليكن لك رأيك حتى لو اختلف مع الآخرين فاختلاف الآراء يكمل بعضها البعض . ولكن إحذر الإنشقاقات لأنَّها تحمل الكبرياء مع عدم المحبَّة، ولا تعارض لإظهار ذاتك بل احرص على السَّلام والوحدانيَّة.
تغيَّروا عن شكلكم- التَّجلِّي
نتهيَّأ لنحتفل في الأسبوع المُقبِل بعيد تجلّي الرَّبّ على جبل ثابور، وبتمجيد طبيعتنا البشريَّة في شخص الرَّبِّ يسوع المسيح.
في التَّجلِّي، أظهر الرَّبُّ لتلاميذه، بعد معجزات لا تُحصى، ألوهيَّته ومساواته في الجوهر مع الآب، حتّى لا يتزعزع إيمانهم عند آلامه وموته، فيفهموا أنّه تألّم ومات طوعًا من أجل خطايا العالم، ويشهدوا له بشجاعةٍ أنَّه بالحقيقةِ ابن الله الوحيد، الأزليّ، خالق العالم المنظور وغير المنظور. وقد ظهر النَّبيّان موسى وإيليّا، ليشهدا للتَّلاميذ بأنَّ يسوع المسيح هو المسيّا الحقيقيّ، مخلِّص العالم، الَّذي تنبَّأ عنه الأنبياء في القديم، والَّذي له السُّلطان على الأحياء والأموات. وقد ظهرا بمجدٍ لكي يؤكِّدا للتَّلاميذ أنَّ مجدًا مماثلًا أو أعظم ينتظرهم بسبب جهاداتهم على الأرض، بكونهم تلاميذ المسيح وأحبّاءه.
هذا المجد والبركة سيكونان في السَّماء، وإلى الأبد، لكل الَّذين يؤمنون حقًّا، ويجاهدون على الأرض. كلُّ واحدٍ منَّا ينبغي ألَّا يطلب الفرح والكرامة هنا، لأنَّ الأرض ليست مكانَ راحةٍ، بل مكان للجهاد والتَّوْبة، فيها البكاء والأحزان المطهِّرة. غير أنَّ الإنسان من ذاتِه لا يقوى على هذا الجهاد، إنَّما تُعينه نعمة الله، الممنوحة له من خلال الكنيسة الَّتي أسّسها ابن الله المتجسِّد، الَّذي تجسَّد لكي يُقيمَ مِنْ جديد صورته السَّاقطة. وكلَّما تَطَهَّر الإنسان من الخطيئة واقترب من الله، انعكس فيه مجد الله أكثر فأكثر.
فلا نطلُبَنَّ إذًا، لا المجد الباطل ولا النِّعَم الزَّائفة في هذه الدُّنيا، بل فلنتغيّر على الدَّوام نحو الأفضل، بتوبةٍ عميقةٍ وصادقةٍ، وبعمل الخير بجِدِّيَّة. ولنحتمل بصبرٍ ورَجاء الأحزان والمصاعِب والآلام المُرْسَلة إلينا. وإذا عشنا بهذه الطريقة، فسيأتي لنا تجلٍّ عجيب، عندما سيُغيِّر الرَّبُّ «شكلَ جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده» (فيليبي ٣: ٢١). وسيكون هذا بعد القيامة العامَّة.
ولنلبس الإنسان الجديد، المخلوق بحسب الله، أو كما يقول بولس في موضع آخر: إلبسوا المسيح، تمامًا كما يلبس الإنسان الثَّوْب. وكما يلتصق الثَّوْب بالجسد، هكذا يجب أن تلتصق كلّ كلمة نسمعها، وكلّ تعليم نتلقاه عن المسيح، بحياتنا وقلبنا.
عندما نبلغ هذه الحالة، حين يفسد الإنسان الظَّاهر فينا، ويتجدّد الإنسان الدَّاخليّ المخلوق بحسب الله في البرّ وقداسة الحَقّ، إذ ذاك فقط سيُضيء فينا نوره الأبديّ، وسنصير شركاء النُّور الإلهيّ.
هدف حياتنا هو أن يُضيء علينا نور المسيح الأبديّ، وأن نصبح مواطنين في المدينة الجديدة، أورشليم السَّماويّة، حيث النُّور الأبديّ، والفرح الأبديّ، آمين.