نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
الأحد 2 تمّوز 2023
العدد 27
الأحد (4) بعد العنصرة
اللّحن 3- الإيوثينا 4
أعياد الأسبوع: *2: تذكار وضع ثوب والدة الإله في فلاشِرْنَس *3: الشّهيد ياكنثوس، القدّيس أناطوليوس رئيس أساقفة القسطنطينيّة *4: القدّيس أندراوس الأورشليميّ (رئيس أساقفة كريت)، القدّيس أندريه روبلاف *5: البارّ أثناسيوس الآثوسيّ، القدّيس لمباذوس العَجائبيّ *6: القدّيس سيصويي الكبير (ساسين) *7: البارّ توما الميليونيّ، الشّهيدة كِرياكي *8: العظيم في الشُّهداء بروكوبيوس، الشّهيد في الكهنة أنستاسيوس.
كلمة الرّاعي
التّوبة والحرّيّة والإنسان المعاصر
"فَاثْبُتُوا إِذًا فِي الْحُرِّيَّةِ الَّتِي قَدْ حَرَّرَنَا الْمَسِيحُ بِهَا، وَلاَ تَرْتَبِكُوا أَيْضًا بِنِيرِ عُبُودِيَّةٍ" (غل 5: 1)
يقول القدّيس أنطونيوس الكبير: ”الإنسان الحُرّ هو ذاك الَّذي لا تستعبده الملذّات الجسديّة بل يتحكّم في الجَسَد بتمييزٍ صالِحٍ وعِفَّة“.
الزَّمَن الحاضر هو زمن الجسد بامتياز، لأنّ كلّ شيء يتمحور فيه حول حياة الجسد حتّى ليُصَوَّر الإنسان وكأنّه بلا روح. هاجس العالم هو إطالة العمر والرَّفاهيّة وأنْ يكونَ للإنسان على الصَّعيدِ الشَّخصيّ هامِشٌ كبير مِنْ ما يُسمّى ”الحرّيّة“ أي أن لا ينضبط الإنسان تحت أي وازع أو رادع دينيّ لكي يكون له القدرة على أخذ خياراته الخاصّة بما يتعلّق بجسده وحياته حتّى ولو كان هذا مُخالِفًا للطَّبيعة وضِدَّ ألفاظ على الحياة.
لا شكّ أنّ إنسان اليوم، يُدفَع بالإغراء إلى الخضوع لبروباغاندا الفردانيّة وكلّ ما يتعلّق بها من خيارات تعتبر شخصيّة وتتمحور حول الجسد وطبيعته والعلاقات بين النّاس خارج أيّ إطار دينيّ أو اخلاقيّ محدَّد، لأنّ الفردانيّة ترفض كلّ تحديد أخلاقيّ أو إنسانيّ لا ينسجم مع رأي الفرد الخاصّ. هذه هي كذبة الحرِّيَّة المُطلَقَة الَّتي يُرَوَّج لها والَّتي هي إفساد للبشريّة وتدمير للقيم الإنسانيّة ونَسْف لكلّ ما يتعلّق بالأخلاق.
* * *
نحن نعيش في زمن حربٍ مباشرةٍ وواضحة ضدَّ المسيح. إنّه زمن ضِدّ المسيح (Anti-Christ) بامتياز. هو زمن عبوديَّة جَلِيَّة لمفاهيم وأفكار وفلسفات غريبة عن حقيقة الإنسان الأنطولوجيّة المسيحيَّة الكتابيَّة. الفردانيَّة ضدّ مبدأ التّوبة، هي أداة الخطيئة الأولى (the first instrument of sin) لأنَّها تُستَعمل كوَسيلَةٍ لِرَفْضِ كلّ مبدأ خارج عن الإنسان نفسه لتحديد الحقّ والباطل والصَّحيح والخطأ.
العالم المعاصر يرفض مبدأ التَّوبة الرُّوحي، قد يقبل التَّوبة على المستوى القانونيّ الجزائيّ، ولكنّه يحارب كلّ ما يتعلّق بإصلاح الإنسان الدّاخليّ في علاقته مع ذاته ومع الله، وذلك عبر تشريع كلّ ما يخالف الأخلاق الطّبيعيَّة وبالأكثر الفضائل المسيحيَّة.
روح الله مرفوض من العالم، والعالم يحاربه لأنّه يدينه. ”وَأَعْمَالُ الْجَسَدِ ظَاهِرَةٌ، الَّتِي هِيَ: زِنىً، عَهَارَةٌ، نَجَاسَةٌ، دَعَارَةٌ، عِبَادَةُ الأَوْثَانِ، سِحْرٌ، عَدَاوَةٌ، خِصَامٌ، غَيْرَةٌ، سَخَطٌ، تَحَزُّبٌ، شِقَاقٌ، بِدْعَةٌ، حَسَدٌ، قَتْلٌ، سُكْرٌ، بَطَرٌ“ (غلا 5: 19—21). هذه الّتي يسمّيها الرّسول المصطفى ”أعمال الجسد“ هي ما يُسمَّى ”أعمال الحرِّيَّة“ بالنِّسبة للإنسان المُعاصِر. هذا عمل الشَّيطان عدوّ الإنسان بامتياز.
لذلك، لا وجود لمبدأ التّوبة في قاموس الزّمن الحاضر وتشريعاته المخالفة لكلمة الله لا بل المحاربة للخالق. برج بابل ما زال حاضرًا. ”سِرٌّ. بَابِلُ الْعَظِيمَةُ أُمُّ الزَّوَانِي وَرَجَاسَاتِ الأَرْضِ. (..) سَكْرَى مِنْ دَمِ الْقِدِّيسِينَ وَمِنْ دَمِ شُهَدَاءِ يَسُوعَ“ (رؤ 17: 5 و6)...
* * *
أيُّها الأحبَّاء، لا تنخدعوا ”لأَنَّ كُلَّ مَا فِي الْعَالَمِ: شَهْوَةَ الْجَسَدِ، وَشَهْوَةَ الْعُيُونِ، وَتَعَظُّمَ الْمَعِيشَةِ، لَيْسَ مِنَ الآبِ بَلْ مِنَ الْعَالَمِ“ (1 يو 2: 16). الكلّ إلى زوال، يبقى فقط وجه ربّك. هذه هي الحقيقة النِّهائيّة الَّتي يرفضها العالم بخداعٍ من إبليس الَّذي يوهم الإنسان بأنّه لا يوجد شيء بعد الموت، أي أنّ الإنسان إلى عدم.
ما يُسمّى بالـ ”حضارة“ اليوم ما هو إلَّا خدعة كبيرة لاستعباد البشر من خلال شهواتهم وملذَّاتهم، الحضارة الحقيقيّة هي الَّتي تبني الإنسان في المسيح في الحَقّ والبِرّ والرّحمة. من يريد أن يرتقي حقًّا عليه أن يتحرَّر من كلّ عبوديّة الأهواء والخطايا الّتي هي العَيْش ضِدّ محبّة الله ومحبّة القريب، وهذا لن يتحقَّق بدون توبة أي بدون إصلاح القلب والفكر والسِّيرة. على الإنسان أن يطلب التّوبة ليتحرَّر ويتطهَّر قلبه فيصير إنسانًا على قلب الله على صورة معلّمه وخميرةً وملحًا ونورًا للعالم...
أهربوا من الكذب، لأنّ حياة الدّهر الحاضر جوهرها الكذب والخداع والنَّجاسة. أطلبوا بِرّ الله بالتّوبة وتغيير الفكر والسِّيرة بنعمة روح الرّبّ ”الحاضر في كلّ مكان والمالئ الكلّ“...
ومن له أذنان للسَّمْعِ فليسمع...
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما
طروباريّة القيامة (باللَّحن الثّالث)
لِتَفْرَحِ السَّماوِيَّات. ولتَبتَهِجِ الأرضِيَّات. لأنَّ الرَّبَّ صنعَ عِزًّا بساعِدهِ. ووَطِئَ المَوْتَ بالمَوْت. وصارَ بِكرَ الأموات. وأنقذَنا من جَوفِ الجحيم. ومَنَحَ العالمَ الرَّحمةَ العُظمى.
طروباريَّة وضع ثوب والدة الإله (باللَّحن الثّامن)
يا والدةَ الإله الدَّائِمَةَ البَتوليَّة وسِتْرَ البَشَر، لقد وَهَبْتِ لِمَدينَتَكِ ثوبَكِ وزَّنارَ جسدكِ الطَّاهِر وِشاحًا حَريزًا، اللَّذين بمَوْلِدِكِ الَّذي بِغَيْرِ زَرْعٍ استمرَّا بغير فَساد، لِأَنْ بِكِ تَتَجَدَّدُ الطَّبيعةُ والزَّمان. فَلِذَلك نَبْتَهِلُ إليكِ أنْ تَمْنَحي السَّلامةَ لِمَدِينَتِكِ، ولِنُفوسِنا الرَّحمةَ العُظمى.
قنداق وضع ثوب والدة الإله (باللَّحن الرّابع)
أيَّتُها النَّقِيَّةُ المُنْعَم عَليها، إنَّ ثَوْبَكِ المُوَقَّرَ الَّذي به انْحَجَب جَسَدُكِ الطَّاهر، قد مَنَحْتِهِ لِجَميعِ المُؤمنين سِربالًا عادِمَ الفَساد، وسِتْرًا لِكُلّ البَشَر. فَنَحْنُ نُعَيِّدُ لوَضْعِهِ بِشَوْقٍ، ونَصْرُخُ نَحْوَكِ يا نَقِيَّةُ بخوفٍ هاتِفين: السَّلامُ عليكِ أيَّتها البَتول فَخْرُ المَسيحيّين.
الرِّسالَة(عب 9 :1-7)
تُعظِّمُ نفسيَ الرَّبَّ
لأنَّه نظرَ إلى تواضُعِ أَمَتِهِ
يا إخوةُ، إنَّ العهدَ الأوّلَ كانت لهُ أيضًا فرائضُ العبادَةِ والقُدُسُ العالميُّ. لأنَّهُ نُصِبَ المَسكِنُ الأوّلُ الَّذي يُقالُ لهُ القُدسُ وكانت فيهِ المَنارَةُ والمائدَةُ وخبزُ التَّقدمة. وكانَ وراءَ الحِجابِ الثّاني المَسِكنُ الَّذي يُقالُ لهُ قُدسُ الأقداس، وفيهِ مستوقَدُ البَخُورِ مِنَ الذَّهبِ وتابوتُ العهدِ المُغشَّى من كلِّ جهةٍ بالذَّهبِ الَّذي فيه قِسطُ المَنِّ منَ الذَّهبِ وعصا هرونَ الَّتي أفرخَتْ ولوْحا العهد، ومن فَوقهِ كارُوبا المَجْد المُظَلِّلانِ الغِطاءَ. وليسَ هنا مَقامُ الكلامِ في ذلكَ تفصيلًا. وحيثُ كان ذلكَ مُهيَّأً هكذا فالكهنةُ يدخلُون إلى المَسْكِنِ الأوّلِ كلَّ حينٍ فيتمُّونَ الخِدمة، وأمَّا الثّاني فإنَّما يَدْخُلُه رئيسُ الكهنةِ وحْدَهُ مَرَّةً في السَّنَةِ، ليسَ بلا دمٍ يقرِّبُهُ عن نفسه وعن جهالاتِ الشَّعب.
الإنجيل (متّى 8: 5– 13)(متّى ٤)
في ذلك الزَّمان دَخَلَ يَسوعُ كفرناحومَ، فَدَنَا إليهِ قائدُ مئةٍ وطلبَ إليهِ قائلًا: يا ربُّ، إنَّ فَتايَ مُلْقًى في البيت مُخلَّعٌ يُعَذَّبُ بِعَذابٍ شَديد. فقال لهُ يسوع: أنا آتي وأَشْفِيَهِ. فأجاب قائدُ المئةِ قائلًا: يا ربُّ، لستُ مُستَحِقًّا أنْ تدخُلَ تحتَ سقفي، ولكنْ قُلْ كلمةً لا غيرَ فيَبْرَأَ فتايَ، فإنّي أنا إنسانٌ تحت سلطانٍ ولي جندٌ تحت يدِي، أقولُ لهذا اذهبْ فيذهَبُ وللآخَر ائْتِ فيأتي، ولعَبْدي اعْمَلْ هذا فيعْمَلُ. فلمَّا سمعَ يسوعُ تعجَّبَ وقالَ للَّذين يتبعونَه: الحقَّ أقول لكم، إنّي لم أجِدْ إيمانًا بمقدارِ هذا ولا في إسرائيل. أقول لكم إنَّ كثيرين سيأتون مِنَ المشارِقِ والمغارِبِ ويتَّكِئُون معَ إبراهيمَ واسحقَ ويعقوبَ في ملكوت السَّماوات، وأمَّا بنو الملكوت فيُلْقَوْنَ في الظُّلمةٍ البَرَّانِيَّةِ. هناك يكونُ البُكاءُ وصَريفُ الأسنان. ثمَّ قال يسوع لقائد المئة: اذْهَبْ وليكُنْ لكَ كما آمنتَ. فشُفِيَ فتاهُ في تلك السَّاعة.
حول الإنجيل
"قل كلمة لا غَيْر". هذا ما نَسْمَعه في التِّلاوة الإنجيليّة. ليس الكلام البشريّ هو الَّذي ينفع. الكلام كلام، أيّ أنّه هَواء يتلاشى. واحدًا كان الكلمة، المسيح وحده كلمة الله، ليس أنَّه حكى حكيًا ولكنّه مات مَوْتًا. ونحن في الكنيسة نجتمع لنسمعه يقول هذه الكلمة المَحْكِيَّة، الإنجيل، لكي بها نشفى فتصبح فينا حقيقةً فَعَّالة.
لقد أٌعجب يسوع جدًّا بإيمان هذا الرُّومانيّ الوثنيّ، قائد المئة، حتّى أنّه قال للَّذين يتبعونه من تلاميذه ومن اليهود "لم أجد إيمانًا بمقدار هذا ولا في إسرائيل". وقال يسوع لقائد المئة: " اِذهب وليكن لكَ كما آمنتَ، فشُفِيَ فَتاه في تلك السّاعة".
لم يخطئ قائد المئة حين قال ليسوع "قلْ كلمة لا غير"، وهذا ما حصل، أنّ كلمة يسوع "اِذهب وليكنْ لكَ كما آمنت" كانت كافية ليبرأ غلام قائد المئة. إنَّ كلمة الله فاعلة وتحمل دائمًا في الكتاب المقدّس معنى الفعل. ففي سفر التَّكوين "قال الله كنْ فكان" كلّ الكَوْن. كلمة الله ليست ككلام البشر. إنّما الكلمة القرار الَّتي تحمل كلّ القدرة على التَّكوين والتَّحقيق. "هو قال فكانت، أمَرَ فَصُنِعَتْ".
ولكنَّ السَّؤال هو: هل كلمة الله هي دائمًا فاعلة؟ إنّ كلمة الله دائمًا تحمل الإمكانيّة وفيها كلّ القدرة على الفعل. فكلمة الله مع الجَماد والمادّة والخليقة كلّها فاعلة مباشرة إلَّا مع الإنسان فهي تبقى رهن حرِّيَّته أيضًا. إنّه لأسهل على الرَّبّ أن يخلق الكون كلّه بكلمة من أن يخلق موقفًا ما عند إنسانٍ بكلمة.
نحن نكتب كلمة الله في قريتنا وفي مدينتنا وفي العالم أجمع إنْ عَرَفْنَا أنْ نُجاهِدَ في سبيله، في سبيل تلك الحقيقة الَّتي وضعها في نفوسنا. ولذلك فنحن حقيقةً مَنصوبَةً في صميم الوجود يترجمها الوجود كلمة.
يا إخوة، هذه دعوتنا ولسنا مَدْعُوِّين إلى أقلّ مِنْ هذا، الله افتدانا ليجعلنا لنفسه كلماتٍ تَحيا ونفوسًا تكافح وحقيقةً تبلغ ذرى السَّماء. كلمةُ الله، إذن، فاعلة عندما يُقابِلُها التَّواضع البشريّ، والَّذي يَعني تمامًا التَّقَبُّل بالشُّكْر والانسحاق.
معرفة إرادة الرَّبّ
كلّ عيدٍ في الكنيسة يسبقه تحضير للعيد، فالتَّعييد وامتداد بعد العيد. كذلك الصَّوم نتحضّر له، نُمارسه، ونبقى بعده على مفاعيله في حياتنا. في نصف الصَّوْم، أي أحد السُّجود للصَّليب، نقرأ من الفَصلِ الإنجِيليِّ لِمَرْقُس البَشير. ولَعَلَّ ما يَجْذُبنا إلى هذه القراءة هو هذه الآية: ”مَنْ أرادَ أنْ يتبَعْني فليَكْفُرْ بِنَفْسِهِ ويحمل صليبه ويتبعني“. إذا اعتبرنا أنَّه ”بالصَّليب قد أتى الفرح لكلِّ العالم، فلماذا هذا الكُفْر بالنَّفْس؟ ولماذا حمل الصَّليب الَّذي قد يكون ثقيلًا عليْنا كلّنا؟ أهكذا نعرف إرادة الرَّبّ؟
الإنجيل يكشف هذه المَعاني. فالسَّيْر وراء المُعَلِّم يتطلَّب إرادة واضحة، وشرط السَّيْر هو الكُفر بالنَّفس ما يَعني أنَّه ليس عندنا مَعبودٌ سِوى يسوع المسيح. الأنانيّة والكبرياء والشَّهوات والمال والسُّلْطَة وكلّ ما نحسبه غِنَى لأنفُسِنا، هذا يُعيقنا من اتّباع المسيح. فيأتي حمل الصَّليب هنا لنلتصق بالمَصلوب ونتوبَ إليه. يسوع سار إلى الصَّليب ومِنْ هناك قام. نحن نحمل هذا الصَّليب لكي بيسوع نقوم مِنْ كُلّ تعلّقٍ على هذه الأرض. مِنْ هنا يكمل السَّيِّد في إنجيله أنّ ”مَنْ أرادَ أنْ يُخَلِّصَ نفسه يُهْلِكُها ومَنْ أهْلَكَ نفسه مِنْ أجلي ومِنْ أجل الإنجيل يُخَلِّصُها“. وكأنّه ينقصنا هلاك أكثر ممّا نعيشه اليوم، لكنَّ جمال يسوع في كلمته هذه يقابله جمال تعلُّقَنا به وبكلمته وَحْدَه. كيف نُهْلِك نفسنا من أجله وكلمته؟ بالجهاد الرُّوحيّ. ومعناه في زمننا اليوم أنّنا مِنْ كَلِمَتِهِ وصَليبِهِ لا نَنْسَى أنّ أطفالًا عاجزين عن العلم اليوم، وكذلك مرضى مَحرُومين مِنَ الطَّبابَة، وأنّنا في وضع مسؤولون جميعًا فيه أنْ نحمل صليبنا ونتعاضد مِنْ حبّنا لكلمته. هذا هو أسمى جهاد. قد تقولون: "توجد جمعيّات كثيرة تعمل هذا العمل، لكن يا إخوة هذا عملنا نحن الجَماعيّ لأنّنا من الإنجيل والصَّليب نقوم بهذه الأعمال، لكي نَرُدَّ هؤلاء المُحتاجين إلى قَدَمَيْ المَصْلُوب، لا لأجْلِ بِرِّنا إنَّما لِمَجْدِ يسوع وحده. هذه إرادة الله أنْ نَراهُ في وُجُوه إخوته الصِّغار. هو وَحَّدَ نَفْسَه بهم، أنْ تعرف في المسيح هو أنْ تَرْفَعَ مَنْ هُم للمَسيح.
كلّ القصّة يا إخوة قلبٌ إمّا نعلّقه على الصَّليب فيقوم على حُبِّ الآخَر أو نُبْقِيهِ مُكَبَّلًا فَيَصيرَ عَبْدًا للدُّنيا. مِنْ هنا تأتي الآية: ”مَنْ يَسْتَحي بي وبكلامي في هذا الجيل الفاسق الشِّرّير يَستحي به ابن البشر“. بِمَعْنى أنَّه إنْ لم نحمل صليبه فنكون قد أنكرناه. لأنَّ الصَّليب، علاوةً على أنّه يَرْمُز للنَّصر، هو يرمز إلى رِباط علاقتنا بالله وببعضنا البعض يدًا بِيَد. نحن مُلْقَوْن على كلمة الرَّبّ في إنجيله، ومِنْ هُناك نقوم على كُلِّ حُبٍّ وتَعاضُدٍ في الدُّنيا.
صلاتنا والرَّجاء، أن يخرج كلُّ واحِدٍ مِنَّا ويبحث عن صليبه خارج جدران الكنيسة فالمَعوز أكرِمُوه، والجائع أطعِمُوه، والمريض لا تنسوه، لأنّكم مُخْلِصُون لكنيستكم ولصَليبكم المُعَلَّق في الأعلى وفي قلوبكم جميعًا.
إرادة الرَّبّ أنْ تعرِف وترفع. اِعْرَف خطاياك وارْفَع دُعاك. والله حَيّْ.
مِن أقوال الشّيخ خرالمبوس ديونيسيّو الآثوسيّ
+ "هل تعرف ما معنى أن تقتني الصَّلاة القَلْبِيَّة؟ يعني أن تقتني الله بنفسه في داخلك، تعيش الله، تحسُّ بالله، عيناك الدَّاخليّتان تنفتحان وبِهاتَيْن العَيْنَيْن تَرى في داخلك المَسيح ونَعِيمَ ملكوته".
+ على الأهل أن يحملوا أولادهم منذ الصِّغَر على الصَّلاة والاِعتراف والحضور إلى الكنيسة والمناولة المتواترة والصَّوْم، وكذلك أنْ يُعلِّمُوهم فضائل الطَّاعة والاِحترام والعمل والدَّرْس. هكذا يتعلَّم الأولاد بأنفسهم عن الله ويحلّ عليهم سلامه... إذا شرد الولد في سِنِّ المُراهَقَة عن طَريق الرَّبّ يَكون الرَّبُّ الإله يطلب من الأهل صلاةً أكثر. فإن فعلوا عاد مجدَّدًا حامِلًا للإله.
+ النَّاس في العالَم هم مثل مرتا. هم مسيحيّون يخدمون الرَّبَّ يسوع بالإجمال بالمادَّة. أمّا الرَّاهب الأصيل فهو مثل مريم، جالِسًا عند قَدَمَيْه. هي تتمتَّع بمجده. هي تصبح صديقة المسيح، مثل لعازر، وكصديقةٍ لديها الأسلوب، لديها الشَّجاعة أن تطلب ما تشاء منه.
+ سبب تعاسة العائلات في هذه الأيّام واختلافاتها المتعدِّدَة هو اِبتعادها عن الكنيسة والمُناوَلَة المتواتِرَة. فإنَّ المَسيحيّ الَّذي لا يُصَلِّي ولا يعترف ولا يشارك في القُدُسات هو كرم من دون سياج، حيث يقدر، اللِّصُّ (الشَّيطان)، في أيِّ وقتٍ، أن يدخل ويخربه.
+ هل تريد أن تعرف كيف نقرأ نحن الغير المثقَّفين الكتاب المُقَدَّس؟ بعد صلاةٍ تَدُوم خمس أو ستّ ساعات، أقرأ الكتاب المُقَدَّس، الأناجيل الأربعة كخيارٍ أول. كأخي، أؤكد لك أن ذهني يكون مستنيراً لدرجة أفهم بوضوح معها كل ما أقرأه. فتغمرني مشاعر قوية تدفعني لأن أترك الكتاب المقدّس جانباً واستسلم للبكاء لوقت طويل.