Menu Close
kanisati020624

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

أُنقُر على الملف لتصفُّح نشرة كنيستي

كما يمكن قراءة النص الكامل في المقطع أدناه.

الأحد (4) بعد الفصح (السّامريّة)

العدد 22

الأحد 02 حزيران 2024

اللّحن 4- الإيوثينا 7

أعياد الأسبوع: *2: أحد السّامريّة، القدّيس نيكوفورُس المعترف رئيس أساقفة القسطنطينيّة *3: الشّهيد لوكليانوس، الشّهيدة باڤلا *4: القدّيس مِطْروفانِس رئيس أساقفة القسطنطينيَّة، القدّيستَيْن مريم ومرتا أختَيْ لعازر *5: الشّهيد دوروثاوس أسقف صور *6: القدّيس إيلاريّون الجديد رئيس دير الدّلماتن، الشّهيد غلاسيوس *7: الشّهيد ثيودوتُس أسقف أنقرة، الشّهيد باييسيوس (كفالونيَّة) *8: نقل عظام القدّيس ثيوذورس قائد الجيش، الشّهيدة كاليوبي.

كلمة الرّاعي 

التَّنقية بالماء الحيّ والحياة الجديدة

"مَن يشربُ من الماء الَّذي أنا أُعْطِيهِ لهُ فلَنْ يعطشَ إلى الأبد، بَلِ الماءُ الَّذي أُعطيِه لهُ يصيرُ فيهِ يَنبوعَ ماءٍ يَنْبُعُ إلى حياةٍ أبديَّة" (يو 4: 14)

يُعَدّ الماء العنصر الأساسيّ في حياة جميع الكائنات الحَيَّة. يُسهّل الماء عمل الخليّة الحيويَّة مِنْ خلال نقل المواد المغذّيَة والفضلات، ويُعزّز التَّفاعلات الكيميائيَّة الضّروريّة لاستمرار الحياة. أكثر من خمسين في المئة من تكوين الإنسان هو ماء. الماء حياة وفقدانه موت. أمّا الماء الحيّ الَّذي من يسوع وبه فمن يشربه "لن يعطش إلى الأبد ... (و) يصيرُ فيهِ يَنبوعَ ماءٍ يَنْبُعُ إلى حياةٍ أبديَّة". هذا الماء هو الرُّوح القدس، الَّذي فيه الكلمة الإلهيَّة تطهِّر وتنقّي، كما يوضح الرَّسول بولس في رسالته إلى أهل أفسس بأنّ المسيح قدّس الكنيسة بالغسل بالكلمة الإلهيَّة (راجع أف 5: 26)، رمزًا للمعموديَّة.

التَّنقية بالماء ترمز إلى الغسل الرُّوحيّ والتَّجديد. في المسيحيَّة يُعتبر الماء مثالًا على التَّنقية والحياة الجديدة انطلاقًا من معموديَّة يوحنّا الّتي كانت تحضيرًا لمعموديَّة الولادة الجديدة بـ "الماء والرُّوح" (راجع يو 3: 5). فالمعموديَّة تجديد لحياة المعمَّد بموته عن إنسانه العتيق وولادته في المسيح وعلى صورته إلى بنوّة الله وميراث الحياة الأبديَّة (راجع رو 6: 3 – 8).

بدون المعموديَّة أي لبس المسيح والحصول على صورته كولادة جديدة للمعمَّد الخارج من مياه جرن الخليقة الجديدة، لا يستطيع الإنسان أن يقتني الحياة الأبديَّة المـُعطاة بنعمة الرُّوح القُدُس...

*        *        *

كلمة الله هي نبع الماء الحَيّ للمؤمن، وهي مياه جارية مُجدِّدة ومُنَقّية. بدون الرُّوح القدس لا تستقرُّ الكلمة الإلهيَّة في الإنسان، وبدون الكلمة لا يستقرُّ الرُّوح القدس فيه أيضًا. الكلمة الإلهيَّة لا تنفصل عن "اللّوغوس"، هي إيّاه مُعطيًا ذاته لنا "كلام حياة أبديَّة" (يو 6: 68) بالرُّوح القدس. حيث الكلمة هناك الرُّوح، وحيث الرُّوح هناك الكلمة. وحيث الكلمة والرُّوح هناك الآب. الابن يقود النّاس إلى الآب، "لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي" (يو 14: 6)، والرُّوح يأتي بالنّاس إلى الكلمة-الرّبّ يسوع المسيح بشهادة الآب (راجع مثلًا مت 3: 16).

المرأة السّامريَّة رَوَتْ عطشها إلى الله، إلى الحقيقة بكلمة يسوع، وقد اغتسلتْ بحقِّ الكلمة إذْ اعترفت بخطيئتها، فصارت لها كلمة يسوع مياه ولادة جديدة إذ ماتت بتوبتها عن حياتها العتيقة وآمنت بالـ "مسّيّا" وصارت أوّل كارزة بيسوع مسيحًا للرّبّ ومخلِّصًا (راجع يو 4: 39 – 42).

المرأة السّامريَّة كانت تعيش عطش الخطيئة الدّائم الَّذي لا يرتوي، وهو ما كان يزيد غرقها في مياه الإثم الآسنة وفي رمالها المتحرِّكة، قلبها لم يكن ليرتوي بإشباع اللّذَّة، والهوى كان قابضًا عليها في سلاسل عبوديَّة الجسد. كلمة المسيح الحنونة كَسَرَتْ قُيودَها ورَوَتْ قلبها فذاقت خبرة الحياة الجديدة بيسوع وتحرّكت نحو شعبها راغبة خلاصهم أيضًا.

*        *        *

أيُّها الأحبّاء، كلّ إنسان عَطِشٌ كيانيًّا إلى الله، وإن لم يجده يخترع له آلهة يعبدها، ويُلهي نفسه بارتباطات عابرة لينسى ألمه العميق الوجوديّ. هذه، تلوِّث قلب الإنسان وحياته، تجعله جسدانيًّا (راجع غل 5: 19 – 2)، فلا يعود ساعيًا للحياة الأبديَّة بل للوقتيَّة، ويطلب الفانيات عوض الباقيات، ويطلب ما لنفسه عوض ما لله في نفسه وفي الآخَر، بكلمةٍ أخرى يَحيا أنانيًّا أي مُلْحِدًا... لأنّ من ليس الله موجودًا في حياته فليس الآخَر موجودًا أيضًا في حياته... هو لا يحيا في شركة مع أحد سوى مع ذاته، منغلقًا عليها غارقًا في مستنقعها المنتن، فلا يرى في الآخرين سوى نتانة خطاياه وأهوائه في حين أنّه هو المنتن والَّذي يحتاج إلى الغسل والتّطهير...

مَنْ عرفَ المسيحَ هو الَّذي قَبِلَ أن يجدَه المسيحُ أي اعترفَ بوجودِه في حياتِه وخَبِرَهُ ينبوعَ حياةٍ يُروي ظمأه الوجوديّ بسكيب حنانه المهراق عليه في قبوله إيّاه رغم خطاياه وأوساخه محبوبًا إذ شاء إراقة دمائه الزَّكيّة من أجله على الصّليب ليخلّصه من سلطان الموت ومصدره أي الخطيئة...

لتكن لنا كلمة الله ماء غسل لقلوبنا بنعمة الرُّوح القدس، إذ يُتوِّبنا الرّبّ برحمته ويغفر لنا برأفته، ويفتح لنا باب الحياة الأبديَّة بقوّة قيامته...

فهل مِنْ عارفٍ لخطاياه وتائبٍ عنها وغاسل لها بمياه كلمة الله المنسكبة دموعًا من مُقْلَتَيْه لتطهير كلّ الكيان بنعمة الرُّوح ومحبّة الله الآب في يسوع المسيح الغالب؟!...

ماران أثا...

+ أنطونيوس

متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما

طروباريَّة القيامة للإيصوذن (باللَّحن الخامس(

المسيحُ قامَ مِنْ بينِ الأموات، وَوَطِئَ المَوْتَ بالمَوْت، ووَهَبَ الحياةَ للَّذين في القبور.

طروباريّة القيامة (باللَّحن الرّابع)

إنَّ تلميذاتِ الرَّبّ تعلَّمنَ مِنَ المَلاكِ الكَرْزَ بالقيامةِ البَهج. وطَرَحنَ القَضاءَ الجَدِّيَّ. وخاطَبْنَ الرُّسُلَ مُفتَخِراتٍ وقائِلات. سُبيَ المَوتُ وقامَ المَسيحُ الإله. ومَنَحَ العالمَ الرَّحمةَ العُظمى.

طروباريَّة نصف الخمسين (باللَّحن الثَّامن)

في انتِصافِ العِيدِ اسْقِ نَفسي العَطْشَى مِنْ مياه العِبادَةِ الحَسَنَةِ أيُّها المُخَلِّص. لأنَّكَ هتفت نحو الكلِّ قائلًا: مَنْ كان عطشانًا فليأتِ إليَّ ويشرب. فيا ينبوعَ الحياة، أيُّها المسيحُ الإلَهُ المَجْدُ لَك.

قنداق الفصح (باللَّحن الثّامن)

وَلَئِنْ كُنْتَ نَزَلْتَ إلى قبرٍ يا مَن لا يموت، إِلَّا أَنَّكَ دَرَسْتَ قُوَّةَ الجحيم، وقُمْتَ غالِبًا أَيُّها المسيحُ الإله، وللنِّسوَةِ حامِلاتِ الطِّيبِ قُلْتَ افْرَحْنَ، ولِرُسُلِكَ وَهَبْتَ السَّلام، يا مانِحَ الواقِعِينَ القِيَام.

الرّسالة (أع 11: 19– 30)

ما أعظَمَ أعمالَكَ يا ربُّ كلَّها بحكمةٍ صَنَعْتَ،

باركي يا نفسي الرَّبَّ

في تلكَ الأيَّام، لـمَّا تَبَدَّدَ الرُّسُلُ من أجلِ الضِّيقِ الَّذي حصَلَ بسببِ استِفَانوسَ، ٱجتازُوا إلى فِينيقَيَةَ وقُبْــُرصَ وأنطاكِيَةَ وهمُ لا يكَلِّمُونَ أحدًا بالكَلِمَةِ إلَّا اليهودَ فقط. ولكنَّ قَوْمًا منهم كانوا قُبُرصيِّين وقَيْروانيِّين. فهؤلاءِ لـمَّا دخَلُوا أنطاكِيَةَ أخذُوا يُكَلِّمُونَ اليونانيِّينَ مُبشِّرِينَ بالرَّبِّ يسوع. وكانت يَدُ الرَّبِّ مَعَهُم. فآمَنَ عددٌ كثيرٌ ورَجَعُوا إلى الرَّبِّ. فبلَغَ خبرُ ذلك إلى آذانِ الكنيسةِ الَّتي بأُورَشَلِيمَ فأَرْسَلُوا بَرنابا لكي يجتازَ إلى أنطاكية. فلمَّا أَقْبَلَ ورأَى نِعْمَةَ اللهِ فَرِحَ ووَعَظَهُم كُلَّهم بأَنْ يَثْبُتُوا في الرَّبِّ بعَزِيَمةِ القلب، لأنَّه كانَ رجلًا صالِحًا مُـمْتَلِئًا مِن الرُّوح القُدُسِ والإيمان. وانضَمَّ إلى الرَّبِّ جمعٌ كثيرٌ. ثمَ خرَجَ بَرنابا إلى طَرسُوسَ في طَلَبِ شاوُل. ولـمَّا وجَدَهُ أَتَى بهِ إلى أنطاكية، وتردَّدَا معًا سنةً كامِلَةً في هذهِ الكنيسةِ، وعلَّمَا جَمعًا كثيرًا. ودُعَيَ التَّلامِيذُ مَسيحيِّين في أنطاكِيَةَ أَوَّلًا. وفي تلكَ الأيَّام، اِنْحَدَرَ من أُورشليمَ أنبياءُ إلى أنطاكية، فقامَ واحِدٌ منهم اسمه أغابُوسُ فأنبَأَ بالرُّوح أنْ ستكونَ مَجَاعَةٌ عَظيمَةٌ على جميعِ المسكونة. وقد وَقَع ذلكَ في أيَّامِ كُلودْيُوسَ قيصرَ، فَحَتَّمَ التَّلاميذُ بحسَبِ ما يَتَيَسَّرُ لِكُلِّ واحِدٍ منهم أَنْ يُرسِلُوا خِدْمَةً إلى الإخوةِ السَّاكِنِينَ في أورَشليم، ففعلوا ذلكَ وبَعَثُوا إلى الشُّيُوخِ على أيدي بَرنابا وشَاوُلَ.

الإنجيل )يو 4: 5– 42)

في ذلك الزَّمَانِ، أتى يسوعُ إلى مدينةٍ منَ السَّامرَةِ يُقَالُ لها سُوخَار، بقُربِ الضَّيْعَةِ الَّتي أعطاها يعقوبُ ليُوسُفَ ٱبنِهِ. وكانَ هُناك عينُ يعقوب. وكانَ يسوعُ قد تعِبَ مِنَ الـمَسِير، فجلَسَ على العين، وكانَ نحوَ السَّاعَةِ السَّادِسَة. فجاءَتِ ٱمرأةٌ منَ السَّامِرَةِ لتستَقِيَ ماءً. فقال لها يسوعُ: أَعْطِيِني لأَشْرَبَ -فإنَّ تلاميذَهُ كانوا قد مَضَوْا إلى المدينةِ ليَبْتَاعُوا طعامًا- فقالَت لهُ المرأةُ السَّامريَّة: كيفَ تَطلُبُ أنْ تشرَبَ مِنِّي وأنتَ يهوديٌّ وأنا ٱمرأةٌ سامريَّةٌ، واليهودُ لا يُخالِطُونَ السَّامِريِّين؟ أجابَ يسوعُ وقالَ لها: لو عَرَفْتِ عَطيَّةَ اللهِ ومَنِ الَّذي قالَ لكِ أعطيني لأشربَ، لَطَلَبْتِ أنتِ منه فأعطاكِ ماءً حيًّا. قالت له المرأةُ يا سيِّدُ إنَّهُ ليسَ معكَ ما تستَقِي بهِ والبِئْرُ عميقةٌ، فَمِنْ أين لك الماءُ الحَيُّ؟ ألعلَّكَ أنتَ أعْظَمُ مِنْ أبينا يعقوبَ الَّذي أعطانا البئرَ، ومنها شَرِبَ هو وبَنوهُ وماشيتُهُ! أجابَ يسوعُ وقالَ لها: كلُّ من يشرَبُ من هذا الماءِ يعطشُ أيضًا، وأمَّا مَن يشربُ من الماء الَّذي أنا أُعْطِيهِ لهُ فلَنْ يعطشَ إلى الأبد، بَلِ الماءُ الَّذي أُعطيِه لهُ يصيرُ فيهِ يَنبوعَ ماءٍ يَنْبُعُ إلى حياةٍ أبديَّة. فقالت لهُ المرأةُ: يا سيِّدُ أعطني هذا الماءَ لكي لا أعطشَ ولا أَجِيءَ إلى ههنا لأستَقِي. فقالَ لها يسوعُ: ٱذهبي وٱدْعِي رجُلَكِ وهَلُمِّي إلى ههنا. أجابتِ المرأةُ وقالت: إنَّهُ لا رجُلَ لي. فقال لها يسوعُ: قد أحسَنْتِ بقولِكَ إنَّهُ لا رجُلَ لي. فإنَّهُ كان لكِ خمسَةُ رجالٍ والَّذي معَكِ الآنَ ليسَ رَجُلَكِ. هذا قُلتِهِ بالصِّدق. قالت لهُ المرأة: يا سيِّدُ، أرى أنَّكَ نبيٌّ. آباؤنا سجدوا في هذا الجَبَلِ وأنتم تقولون إنَّ المكانَ الَّذي ينبغي أن يُسْجَدَ فيهِ هُوَ في أورشليم. قال لها يسوعُ: يا ٱمرأةُ، صدِّقيني، إنَّها تأتي ساعةٌ لا في هذا الجبلِ ولا في أورَشَليمَ تسجُدونَ فيها للآب. أنتم تسجُدونَ لما لا تعلمون ونَحنُ نسجُدُ لما نعلَم، لأنَّ الخلاصَ هُوَ منَ اليهود. ولكن، تأتي ساعة وهيَ الآنَ حاضِرَة، إِذِ السَّاجِدُونَ الحقيقيُّونَ يَسجُدونَ للآبِ بالرُّوح والحقّ. لأنَّ الآبَ إنَّما يطلُبُ السَّاجِدِينَ لهُ مِثلَ هؤلاء. اللهُ روحٌ، والَّذين يسجُدون لهُ فبالرُّوح والحقّ ينبغي أن يسجُدوا. قالت لهُ المرأةُ: قد عَلِمْتُ أنَّ مَسِّيَّا، الَّذي يقالُ لهُ المسيحُ، يأتي. فمَتى جاءَ ذلك فهُوَ يُخبِرُنا بكُلِّ شيءٍ. فقال لها يسوعُ: أنا المتكلِّمُ مَعَكِ هُوَ. وعندَ ذلكَ جاءَ تلاميذهُ فتعجَّبوا أنَّهُ يتكلَّمُ مَعَ ٱمرأةٍ. ولكِنْ لم يَقُلْ أحدٌ ماذا تطلُبُ أو لماذا تتكلَّمُ مَعَها. فترَكَتِ المرأةُ جرَّتها ومضَتْ إلى المدينةِ وقالت للنَّاس: تعالَوا ٱنْظُرُوا إنسانًا قالَ لي كُلَّ ما فعلت. ألعلَّ هذا هُوَ المسيح! فخرجوا من المدينة وأقبلوا نْحوَهُ. وفي أثناء ذلكَ سألَهُ تلاميذُهُ قائلينَ: يا مُعلِّمُ كُلْ. فقالَ لهم: إنَّ لي طعامًا لآكُلَ لستم تعرِفونهُ أنتم. فقالَ التَّلاميذُ فيما بينهم: ألعلَّ أحدًا جاءَهُ بما يَأكُل! فقالَ لهم يسوعُ: إنَّ طعامي أنْ أعمَلَ مشيئَةَ الَّذي أرسلَني وأُتَــمِّمَ عملَهُ. ألستم تقولون أنتم إنَّهُ يكونُ أربعة أشهر ثمَّ يأتي الحصاد؟ وها أنا أقولُ لكم ٱرفعُوا عيونكم وٱنظُروا إلى المزارع، إنَّها قدِ ٱبْيَضَّتْ للحَصاد. والَّذي يحصُدُ يأخُذُ أجرةً ويجمَعُ ثمرًا لحياةٍ أبدَّية، لكي يفرَحَ الزَّارِعُ والحاصِدُ معًا. ففي هذا يَصْدُقُ القولُ إنَّ واحدًا يزرَعُ وآخرَ يحصُد. إنّي أَرْسَلْتُكُمْ لتحصُدُوا ما لم تَتْعَبُوا أنتم فيه. فإنَّ آخَرِينَ تَعِبُوا وأنتُم دخلتُم على تَعَبِهِم. فآمنَ بهِ من تلكَ المدينةِ كثيرونَ مِنَ السَّامِريِّينَ من أجلِ كلامِ المرأةِ الَّتي كانت تشهَدُ أن قدْ قالَ لي كلَّ ما فعلت. ولـمَّا أتى إليهِ السَّامِرِيُّونَ سألوهُ أن يقيمَ عِندَهُم، فمَكَثَ هناكَ يومين. فآمنَ جَمعٌ أكثرَ من أولئكَ جدًّا من أجل كلامِهِ، وكانوا يقولونَ للمرأةِ: لسنا من أجل كلامِكِ نُؤمِنُ الآن، لأنَّا نحنُ قد سَمِعْنَا ونَعْلَمُ أنَّ هذا هُوَ بالحقيقيةِ المسيحُ مُخلِّصُ العالَم.

حول الإنجيل

لقاءٌ فريد... فَحِوارٌ عميق... فاعترافٌ مذهل... فخلاصٌ أبديّ... باكتساب الماء الحَيّ وفيضانه (الرُّوح القُدُس)...

مَنْ يَلْتَقي به المسيح يتبدَّل ولو كان كثير الخطايا، فماذا إذا كان أجمل اللِّقاءات وأروع الحوارات.

"أنا عطشان"، قال الرَّبّ ولكن عطشان إلى ماذا؟

عطشانٌ إلى خلاص الابنة الضّالّة وإعطائها الماء الحيّ، عربون الحياة الأبديَّة، بما أنَّه الرَّاعي الصَّالح... وليس هي فقط بل كلّ القرية... لذلك عليه أن يمرّ في السَّامرة.

كيف يخاطبها وهي امرأة سامريَّة وهو رجلٌ يهوديّ؟ من المفترض أن يكونوا أعداء...

بحكمةٍ ومحبَّةٍ لا مثيل لهما اقترب من المرأة السّامريَّة، بغية خلاصها، وبأسلوبٍ تربَويّ كشف لها خفاياها دون أن يجرحها أو يُهينها، تحرَّرَتْ من مفاهيمها المغلوطة، الدِّينيَّة والسِّياسيَّة والزَّمنيَّة، اجتذبها بحواره الرُّوحيّ فتكلَّمَتْ باللَّاهوتْ، انذهلَتْ مُندهِشَةً ومرتهبة ... حدث التَّغيير الأبديّ في داخلها... فتركتْ ماضيها (جرّتها) عند البئر، وآمنَتْ بأنَّه المسيح المنتظَر...استنارَتْ... وأنارَتْ قَرْيَتَها... فكلُّ "مَنْ آمَن به تجري من بطنه أنهارُ ماءٍ حَيّ" (يوحنّا 7 : 38).

"يا مُعلِّم كُلْ... إنَّ لي طعامًا آكله لا تعرفونه أنتم" (يوحنّا 4 : 32).

ما هو طعامك يا ربّ؟

"طعامي أن أعمل مشيئة (الآب) الَّذي أرسلني وأتمّم عمله" (يوحنّا 4 :34)، "هذه هي مشيئة (الآب) الَّذي أرسلني أن لا أخسر أحدًا ممَّن وهبهم لي بل أقيمهم في اليوم الأخير. وهذه مشيئة أبي: إنّ كلَّ من رأى الابن وآمن به نال الحياة الأبديَّة وأنا أقيمه في اليوم الأخير" (يوحنّا 6: 38- 40).

لمن تعطي يا ربّ هذه الحياة، "الحياة الأبديّة"؟!...

للَّذين يسجدون لله بالرُّوح والحقّ "يا امرأة صدّقيني ...السَّاجدون الحقيقيُّون يسجدون للآب بالرُّوح والحقّ... الله روح وبالرُّوح والحقّ يجب على السَّاجدين أن يسجدوا" (يوحنّا 4: 23-24).

دعاها يسوع فاستجابت فهل تستجيب أنت؟

المسيح يدعونا نحن أيضًا فهل نتحاور معه ونقبله فيطهّرنا وينقّينا ويخلّصنا ويعطينا الرُّوح القدس ويرسلنا مبشِّرين بخلاصه لكلِّ العالم؟ كما فعلت المرأة السّامريَّة "فوتيني" معادلة الرُّسُل الَّتي أذاعت اسمه وبشَّرَتْ به وشهدت له ووزَّعتْ محبته على الجميع لينعموا بالحياة الأبديَّة.

في كلّ مرَّةٍ نقرأ الإنجيل المقدَّس نلتقي بالرَّبّ يسوع وفي كلِّ مرَّةٍ نصلّي إليه نتحاور معه، ومن حيث لا ندري نفعّل الرُّوح القدس في داخلنا فنشهد للنُّور بأعمالنا وأقوالنا وأفكارنا...

فهل هذه أولويّاتنا الأهمّ؟ وغايتنا الأساسيّة على الإطلاق؟

الاستنارة في الخلاص

الاستنارة هي حالة روحيَّة يعيشها المؤمن خلال حياته على الأرض، هي هبة إلهيَّة تُمنَح له خلال عنصرته الشَّخصيَّة، أي معموديَّته، وتنمو به بِسِرِّ الميْرون الَّذي هو عطيَّة الرُّوح القدس مصدر كلّ نور وقداسة. الإنسان المـُستنير بالرُّوح القدس يصبح قادرًا على التَّمييز بين "الخير والشَّرّ". فالاستنارة هي ثمرة من ثمار الخلاص.

المستنير هو الإنسان الَّذي يملك عيونًا روحيَّة وبَصيرة قادرة على تمييز ومعرفة الأمور الرُّوحيَّة الَّتي يكشفها الله للإنسان المجاهد في طريق الصَّلاح. الاستنارة تعني أنْ تَرى بِعُيون قَلْبِكَ، إذا لم يكن الإنسان محبًّا ومتواضعًا ووديعًا ومُصلِّيًا ومشاركًا في حياة الكنيسة لا يستطيع أن يمتلك الاستنارة. فإذا كانت محبَّتك ضعيفة أو غائبة فأنت بعيدًا جدًّا عن الاستنارة.

أمّا الخلاص، فهو تحقيق كلُّ ذلك، ولكن بعد الموت! هو العيش المستمرّ والدّائم مع الله وفيه.

خلاص الإنسان أصبح ممكنًا بتجسُّد المسيح الَّذي كانت غايته فداء الإنسان "لأنَّه هكذا أحَبَّ الله العالم حتَّى بَذَل ابنه الوحيد حتّى لا يَهْلك كلُّ من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبديَّة" (يوحنّا ٣: ١٦-١٧)، وبحسب تعاليم الآباء القدِّيسين الكنيسة هي الطَّريق الوحيد إلى الخلاص من خلال العيش والامتلاء من الرُّوح القدس السَّاكن فينا حتّى نختبر القداسة الَّتي يدعونا إليها يسوع " كونوا قدِّيسين لأنّي أنا قدُّوس" (١بطرس ١٦: ١٧). المسيحيّ مَدعو للالتصاق بيسوع من خلال عيش الحياة الكنسيَّة والإيمان القويم والتُّراث الَّذي حفظته الكنيسة خلال أكثر من ألفَيْ سنة وما زالت تحفظه.

إلَّا أنَّ الخلاص لا يأتي بسهولةٍ، فالإيمان وحده، كما يقول آباؤنا القدِّيسون، لا يكفي ليخلص الإنسان، علينا أن نضع جهدًا يتضمَّن التَّوبة عن خطايانا وتغيير ذهننا من الأرضيَّات إلى السَّماويّات. "مع المسيح صُلِبْتُ. فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا فيّ" (غلاطية ٢: ٢٠). عمليَّة إعادة الولادة الرُّوحيَّة هذه تمنحنا المصالحة مع الله، وبالتَّالي نحصل على الحرِّيَّة من عبوديَّة الخطيئة. ومع هذه التَّحدّيات على طول الطَّريق، إلَّا أنَّ مِقدار النِّعْمَة الَّتي نتلقّاها تفوق كلَّ تعزية.

إذًا يدعونا الكتاب المقدّس أن ننمو في النُّور والحياة مع المسيح لنحصل على الخلاص والحياة الأبديَّة. يريدنا المسيح أن نكون له منزلًا "إِنْ أَحَبَّنِي أَحَدٌ يَحْفَظْ كَلاَمِي، وَيُحِبُّهُ أَبِي، وَإِلَيْهِ نَأْتِي، وَعِنْدَهُ نَصْنَعُ مَنْزِلًا" (يوحنّا ١٤: ٢٣) وهذه تتطلّب منّا أن نسير معه لكي يقود هو خطواتنا ويمنحنا الملكوت المشتهى.