Menu Close
020225

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

أُنقُر على الملف لتصفُّح نشرة كنيستي

كما يمكن قراءة النص الكامل في المقطع أدناه.

عيد دخول ربّنا يسوع المسيح إلى الهيكل         

العدد 5

الأحد 02 شباط 2025

اللّحن 7

أعياد الأسبوع: *2: عيد دخول ربّنا يسوع المسيح إلى الهيكل *3: البارّ سمعان الشَّيخ، حنَّة النبيَّة *4: البارّ إيسيذوروس الفرميّ *5: الشَّهيدة أغاثي *6: الشَّهيد إليان الحمصيّ، القدِّيس بوكولوس أسقف إزمير، القدِّيس فوتيوس بطريرك القسطنطينيَّة *7: القدِّيس برثانيوس أسقف لمبساكا، البارّ لوقا الَّذي كان في استيريون (اليونان) *8: القدِّيس ثيوذوروس قائد الجيش، النّبيّ زخريَّا.

كلمة الرّاعي 

هل نحن مكرَّسون لله؟!...

"وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجِنْسٌ مُخْتَارٌ، وَكَهَنُوتٌ مُلُوكِيٌّ، أُمَّةٌ مُقَدَّسَةٌ، شَعْبُ اقْتِنَاءٍ،

لِكَيْ تُخْبِرُوا بِفَضَائِلِ الَّذِي دَعَاكُمْ مِنَ الظُّلْمَةِ إِلَى نُورِهِ الْعَجِيبِ" (1 بط 2: 9).

تتكرَّر الأعياد اللِّيتورجيَّة والمواسم المقَدَّسَة لا لِتَكُون تَردادًا عَقِيمًا أو تَذَكُّرًا لأحداثٍ تاريخيَّة بل لأجل تجديدنا بالرُّوح عبر تجديد تكريسنا لله. كلّ خدمة ليتورجيَّة وكلّ عيد مناسبة فرصة تُعطى لنا لتجديد القلب بالتَّوْبَة والحياة بالرُّوح. ما أتَمَّهُ يسوع قد تَمَّ المهمّ كيف يتحقَّق فينا وفي حياتنا. قُدِّم يسوع إلى الهَيْكَل كَحَمَلٍ حَوْلِيّ لأجل خلاص العالم، هو لم يُفْتَدَى بل قد افتدانا، لذا صِرْنا له مُكَرَّسين كَوْنَهُ ذُبِحَ لأجْلِنَا على الصَّليب، وله جميعًا مَفْرُوزين لأجل تَجْسِيد مَشيئَتِهِ الإلهيَّة حياةً جديدةً فَنَكُون نحن به وفيه باكورة العالم الجديد والخليقة الجديدة.

*             *             *

المسيح اختارَنا، "لَيْسَ أَنْتُمُ اخْتَرْتُمُونِي بَلْ أَنَا اخْتَرْتُكُمْ، وَأَقَمْتُكُمْ لِتَذْهَبُوا وَتَأْتُوا بِثَمَرٍ، وَيَدُومَ ثَمَرُكُمْ، لِكَيْ يُعْطِيَكُمُ الآبُ كُلَّ مَا طَلَبْتُمْ بِاسْمِي" (يو 15: 16). هذه حقيقتُنا الَّتي أُعْطِيتْ لنا في المعموديَّة، صِرنا شعبَ الله المختار وإسرائيل الجديد. إسرائيل القديم لم يُعْطِ ثمرًا فقُطِعَ مثل التِّينَة غير المثْمِرَة (راجع، مر 12: 11 -14، مت 18: 19 – 21، مت 10: 3 ولو 9: 3). مطلوبٌ منّا أن نُعطي ثمرًا يَليق بدعوتنا كوننا شعب الله الجديد وأبناؤه في المسيح وبواسطته. الإثمار يتحقَّق بنعمة الله، وحين يرى الله ثمارنا الصَّالِحَة يُعطينا الآب كلّ ما نطلبه منه باسم يسوع المسيح، وهكذا بالرُّوح القدس نصنع مشيئة الآب وباسم الابن نحقِّق عمل يسوع بنعمة الآب. هذا هو عَيْشُنا لكهنوتنا الملوكيّ بتقديس حياتنا في خدمة الله وطاعته بعمل الفضيلة الَّتي هي ثمرةُ الرُّوح القدس الفاعل فينا.

*             *             *

أيُّها الأحبَّاء، هل نحن نعيش بمُقتَضى هذا الفهم أي أنّنا لله ولَسنا لِسِواه. هل نُدْرك أنَّنا لسنا لأنفسنا، "أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ الْقُدُسِ الَّذِي فِيكُمُ، الَّذِي لَكُمْ مِنَ اللهِ، وَأَنَّكُمْ لَسْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ؟" (1 كو 6: 19). هل نُدْرِك أنَّ حياتنا وعائلاتنا وأولادنا وأملاكنا إلخ.. كلَّها ليست لنا بل هي للَّذي مَنحنا إيَّاها؟!... ليس أنَّ الله يُريد منّا شيئًا، هو لا يَحتاجُنا، المسألة هي أنَّه يُريدُ أنْ يُعْطينا كلَّ ما عِنْدَه أي ذاته. لكن، حتّى نتمكّن من استقباله فينا حياةً لنا علينا أن نتخلّى عن حياتنا أي أنْ نَحْيَا مُكَرَّسين له أيْ عامِلين مشيئَتَهُ في كُلِّ حين.

كم يَصْعُب علينا أن نُقَدِّم حَياتَنا طوْعِيًّا لله، أي كجَوابٍ على حُبِّهِ لنا هو الَّذي "أَحَبَّنَا أَوَّلًا" (1 يو 4: 19)، أو أنْ نسمح لأولادِنا أنْ يَصيرُوا خُدَّامًا له كهنةً أو رُهبانًا إلخ. أسهل علينا أن نترك أولادنا يَعيشون العالم وما فيه، حتّى فساده، من أن نقبل تكريسهم لله. هل الله يُزاحمنا على أولادنا أو يريد أن يأخذهم منّا؟!... في الحقيقة هم عَطيّةٌ منه لنا، هم لَيْسُوا مُلْكَنَا، إنْ كانوا مُلكًا لأحد فللَّه، لكن الله لا يطلب عبيدًا وإماءً له بل أبناء...

مِنْ هُنا، تُذَكِّرُنا الكنيسة المقدَّسة في عيد دخول السَّيِّد إلى الهيكل بأنَّنا لله، "لأَنَّكُمْ قَدِ اشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ. فَمَجِّدُوا اللهَ فِي أَجْسَادِكُمْ وَفِي أَرْوَاحِكُمُ الَّتِي هِيِ للهِ" (1 كو 6: 20)، حتَّى لا نَصِيرَ عَبيدًا للنَّاس (1 كو 7: 23)، بل أحرارًا في المسيح الَّذي بَذَلَ دَمَهُ ليُعتِقَنا مِنْ كُلِّ سُلطان العَدُوّ إبليس ومِنْ شَهَوات العالم السَّاقط... فنَكْرِز بخلاصه حاملين نوره نِبْرَاسًا لِطَرْدِ ظلمة العالم والحسد والحقد والأنانِيَّة والكبرياء والظُّلم والغُبن إلخ. ليَبْزُغَ فينا فجْرَ قيامته حياةً في الفضيلة لخلاص العالم بالحُبِّ الإلهيّ في يسوع المسيح وكنيسته الَّتي هي استباقُ حضورِ ملكوتِ الدَّهر الآتي وتعزية العالم السَّاقط وخلاصه بعمل الرُّوح القدس فيها وفي أعضائها...

ومن له أذنان للسَّمع فليسمع...

+ أنطونيوس

متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما

طروباريّة القيامة (بِاللَّحْنِ السَّابع)

حطمتَ بِصَليبِكَ المَوت. وفتحتَ للِّصِّ الفِرْدَوس. وحوَّلتَ نَوْحَ حامِلاتِ الطّيب. وأمَرْتَ رُسلَكَ أن يَكرزِوا. بأنَّكَ قد قُمتَ أَيُّها المسيحُ الإله. مانِحًا العالمَ الرَّحمةَ العُظمى.

طروباريّة دخول السّيّد إلى الهيكل (باللّحن الأوّل)

إفرحي يا والدةَ الإلهِ العذراءَ المُمتلئةَ نعمة، لأنَّ منكِ أشرقَ شمسُ العدلِ المسيحُ إلهُنا، مُنيرًا لِلّذِينَ في الظّلام. سُرَّ وابتَهِجْ أنتَ أيّها الشّيخُ الصِّدّيق، حاملًا على ذِراعَيكَ المُعتِقَ نفوسَنا، والمانحَ لنا القيامة.

قنداق دُخول السَّيِّد إلى الهيكل (باللَّحن الأوّل)

يا مَنْ بمَوْلِدِكَ أيُّها المسيحُ الإله، المُستَوْدَعَ البَتوليّ قدَّسْتَ. ويَدَيْ سمعانَ كما لاقَ بارَكْتَ. وإيّانا الآن أدركتَ وخلَّصْتَ. إحفَظْ رعيَّتَكَ بسلامٍ في الحروب وأيِّد الَّذين أحببتَهُم، بما أنَّكَ وحدَكَ مُحبٌّ للبَشَر.

الرّسالة (عب 7: 7- 17)

تعظّم نفسي الرّبّ وتبتهج روحي بالله مُخلِّصي.

لأنّه نظر إلى تواضُعِ أمتِهِ.

يَا إِخْوَةُ، إنَّه مِـمَّا لا خِلافَ فِيهِ إِنَّ الأَصْغَرَ يَأْخُذُ البَرَكَةَ مِنَ الأَكْبَرِ. وَهَهُنَا إِنَّـمَا يَأْخُذُ العُشُورَ أُنَاسٌ يَـمُوتُونَ، فَأَمَّا هُنَاكَ فَالـمَشْهُودُ لَهُ بِأَنَّهُ حَيٌّ. فَيَسُوغُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ لاوِي نَفْسَهُ الَّذِي يَأْخُذُ العُشُورَ قَدْ أَدَّى العُشُورَ بِإِبْرَاهِيمَ، لِأَنَّهُ كَانَ فِي صُلْبِ أَبِيهِ حِينَ الْتَقَاهُ مَلْكِيصَادَقُ. وَلَوْ كَانَ بِالكَهَنُوتِ اللَّاوِيِّ كَمَالٌ (فَإِنَّ الشَّعْبَ عَلَيْهِ قَدْ أَخَذَ النَّامُوسَ) إِذَنْ أَيَّةُ حَاجَةٍ كَانَتْ بَعْدُ أَنْ يَقُومَ كَاهِنٌ آخَرُ عَلَى رُتْبَةِ مَلْكِيصَادَقَ؟ وَلًـمْ يَقُلْ عَلَى رُتْبَةِ هَرُونَ، لِأَنَّهُ مَتَى تَحَوَّلَ الكَهُنُوتُ فَلا بُدَّ مِنْ تَحَوُّلِ النَّامُوسِ أَيْضًا. وَالحَالُ إِنَّ الَّذِي يُقَالُ هَذَا فِيهِ كَانَ مُشْتَرِكًا فِي سِبْطٍ آخَرَ لَـمْ يُلازِمْ أَحَدٌ مِنْهُ الـمَذْبَحَ، لِأَنَّهُ مِنَ الوَاضِحِ أَنَّ رَبَّنَا طَلَعَ مِنْ يَهُوذَا مِنَ السِّبْطِ الَّذِي لَـمْ يَتَكَلَّمْ عَنْهُ مُوسَى بِشَيْءٍ مِنْ جِهَةِ الكَهَنُوتِ. وَمِـمَّا يَزِيدُ الأَمْرَ وُضُوحًا إِنَّهُ يَقُومُ عَلَى مِثَالِ مَلْكِيصَادَقَ كَاهِنٌ آخَرُ غَيْرُ مَنْصُوبٍ حَسَبَ نَامُوسِ وَصِيَّةٍ جَسَدِيَّةٍ، بَلْ حَسَبَ قُوَّةِ حَيَاةٍ لا تَزُولُ، لِأَنَّهُ يَشْهَدُ أَنْ أَنْتَ كَاهِنٌ إِلَى الأَبَدِ عَلَى رُتْبَةِ مَلْكِيصَادَقَ.

الإنجيل (لو 2: 22- 40)

فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ صَعِدَ بِالطِّفْلِ يَسُوعَ أَبَوَاهُ إِلَى أُورُشَلِيمَ لِيُقَدِّمَاهُ لِلرَّبِّ (عَلَى حَسَبِ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي نَامُوسِ الرَّبِّ مِنْ أَنَّ كُلَّ ذَكَرٍ فَاتِحَةِ رَحِمٍ يُدْعَى قُدُّوسًا لِلرَّبِّ)، وَلِيُقَرِّبَا ذَبِيحَةً عَلَى حَسَبِ مَا قِيلَ فِي نَامُوسِ الرَّبِّ زَوْجَ يَـمَامٍ أَوْ فَرْخَيْ حَمَامٍ. وَكَانَ إِنْسَانٌ فِي أُورُشَلِيمَ اسْـمُهُ سِـمْعَانُ، وَكَانَ هَذَا الإِنْسَانُ بَارًّا تَقِيًّا يَنْتَظِرُ تَعْزِيَةَ إِسْرَائِيلَ، وَالرُّوحُ الْقُدُسُ كَانَ عَلَيْهِ. وَكَانَ قَدْ أُوحِيَ إِلَيْهِ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ أَنَّهُ لاَ يَرَى الْمَوْتَ قَبْلَ أَنْ يُعَايِنَ مَسِيحَ الرَّبِّ. فَأَقبَلَ بِالرُّوحِ إِلَى الْـهَيْكَلِ. وَعِنْدَمَا دَخَلَ بِالطِّفْلِ يَسُوعَ أَبَوَاهُ لِيَصْنَعَا لَهُ بِحَسَبِ عَادَةِ النَّامُوسِ، اقْتَبَلَهُ هُوَ عَلَى ذِرَاعَيْهِ، وَبَارَكَ اللهَ وَقَالَ: الآنَ تُطْلِقُ عَبْدَكَ أَيُّهَا السَّيِّدُ عَلَى حَسَبِ قَوْلِكَ بِسَلاَمٍ، فَإِنَّ عَيْنَيَّ قَدْ أَبْصَرَتَا خَلاَصَكَ الَّذِي أَعْدَدْتَهُ أَمامَ وُجُوهِ جَمِيعِ الشُّعُوبِ نُورَ إِعْلانٍ لِلأُمَمِ وَمَجْدًا لِشَعْبِكَ إِسْرَائِيلَ. وَكَانَ يُوسُفُ وَأُمُّهُ يَتَعَجَّبَانِ مِـمَّا يُقالُ فِيهِ. وَبَارَكَهُمَا سِمْعَانُ وَقَالَ لِمَرْيَمَ أُمِّهِ: هَا إِنَّ هَذَا قَدْ جُعِلَ لِسُقُوطِ وَقِيَامِ كَثِيرِينَ فِي إِسْرَائِيلَ، وهَدَفًا لِلمُخالفَةِ، (وَأَنْتِ سَيَجُوزُ سَيْفٌ فِي نَفْسِكِ) لِكَيْ تُكْشَفَ أَفْكَارٌ عَنْ قُلُوبٍ كَثِيرَةٍ. وَكَانَتْ أَيْضًا حَنَّةُ النَّبِيَّةُ ابْنَةُ فَنُوئِيلَ مِنْ سِبْطِ أَشِيرَ. هَذِهِ كَانَت قَدْ تَقَدَّمَتْ فِي الأَيَّامِ كَثِيرًا وَكَانَتْ قَدْ عَاشَتْ مَعَ رَجُلِهَا سَبْعَ سِنِينَ بَعْدَ بُكُورِيَّتِهَا، وَلَـهَا أَرْمَلَةً نَحْوَ أَرْبَعٍ وَثَـمَانِينَ سَنَةً لاَ تُفَارِقُ الْـهَيْكَلَ، مُتَعَبِّدَةً بِالأَصْوَامِ وَالطَلِبَاتِ لَيْلاً وَنَـهَارًا. فَهَذِهِ قَدْ حَضَرَتْ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ تَشْكُرُ الرَّبَّ، وَتُحَدِّثُ عَنْهُ كُلَّ مَنْ كَانَ يَنْتَظِرُ فِدَاءً فِي أُورُشَلِيمَ. وَلَمَّا أَتَـمُّوا كُلَّ شَيْءٍ على حَسَبِ نَامُوسِ الرَّبِّ رَجَعُوا إِلَى الْجَلِيلِ إِلَى مَدِينَتِهِم النَّاصِرَةِ. وَكَانَ الصَّبِيُّ يَنْمُو وَيَتَقَوَّى مُـمْتَلِئًا حِكْمَةً، وَكَانَتْ نِعْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ.

حول الرّسالة

اليوم تُعيِّد الكنيسة المُقَدَّسة لِعيد دخول المسيح إلى الهيكل. وبالمناسبة يُتلى فصلٌ من رسالة القدِّيس بولس الرَّسُول إلى العبرانيّين، وفيه يُحاوِل الرَّسُول بشتَّى الوسائل التَّوْضيح بأنَّ المسيح قد أبطل الكهنوت النَّاموسيّ الَّذي كان قائمًا قبل تجسُّدِه، ودَشَّن مكانه كهنوتًا جديدًا أبديًّا مُحييًا.

أوَّلًا حَرِيٌّ بنا أنْ نَعْرِفَ ما هو الكهنوت. إنَّ كلمة "كاهن" مشتَقَّة من كلمة "كُن" بمعنى "يقف" في إشارة لوقوف الكاهن أمام الله خادمًا له أو ممثّلًا للشَّعب أمام الله، أو ممثِّلًا لله أمام الشَّعب. إذًا بسبب خطيئة الإنسان وسقوطه، كان لا بُدِّ من العمل الكهنوتيّ! هذا العمل الَّذي يُقَرِّب الشَّعب مِنَ الله ويمثّل حضور الله أمام الشَّعب.

في العهد القديم منح الله موسى وهارون وسُلالتهم - أي كلُّ فردٍ من سِبْطِ لاوي - العمل الكهنوتيّ لتقديم الذَّبائح أمام الله عن خطايا الشَّعب اليهوديّ. ولكن الرَّسُول بولس يوضح أنَّ طبيعة هذا الكهنوت كانت ناقصة أي أنَّه لا يستطيع إنقاذ البشر من الموت ومنحهم الحياة الأبَدِيَّة لأنَّ من يقوم بخدمة هذا الكهنوت هو مِن البشر أيضًا وبالتَّالي هو تحت سلطة الموت مثل إخوته (الآية 8). لذلك فإنَّ هذا الكهنوت هو رَمْزٌ للكَهَنُوت الحقيقيّ الَّذي سوف يتمِّمُه الرَّبُّ بنفسه. إذًا إنَّ الكهنوت الَّذي خدمه اليهود من سبط لاوي كان ناقصًا، ويجب أنْ يحلّ مكانه الكهنوت الحقيقيّ الَّذي يُحَقِّقه كاهنٌ أبديّ له صورة رجل اسمه مَلْكِيصادق. مَلْكِيصادق هذا ظهر مرَّةً واحدةً في الكتاب المقدَّس مُقدِّمًا ذبيحةً لأجل إبراهيم، ليس له أب ولا أمّ ولا يُعرَف متى وُلد ولا متى مات. هذه هي صفات الكاهن الحقيقيّ الَّذي لا يموت، أبَديّ، ويستطيع أن يُخَلِّص كلّ من يُقدّم به إلى الله. هذا الإنسان -الإله هو يسوع المسيح الَّذي كان بلا أب من جهة أمِّه وبلا أمّ من جهة أبيه. أزليٌّ وأبديّ، ليس له بداية ولا نهاية. لذلك تنبّأ النّبيّ داود عنه قائلًا: "أنْتَ كَاهِنٌ إلى الأَبَدِ عَلَى رُتْبَةِ مَلْكِي صَادَقَ" (مز 4:109).

يسوع المسيح اليوم يُقدَّم إلى الهيكل الَّذي كان يَتمّ فيه تقديم الذَّبائح النَّاموسيّة عبر كهنة الشَّعب. فبدخوله يُلغي الرَّمز ويُثبِّت الحقيقة. يسوع المسيح هو كاهننا الأوحد الَّذي بذبيحته المُقدَّمة مَرَّةً واحدةً وإلى الابد يُخلِّص كلُّ مَنْ يُؤمِن به. وكلُّ كاهِنٍ بشريٍّ يقدِّم ذبيحةً غير دمويَّة، إنَّما يُقدِّمها بواسطة كهنوت المسيح. ليس لأحدٍ على الأرض كهنوت مستمدّ من ذاته.

يجب أن نتذكَّر هذه الحقيقة دائمًا وخاصَّةً الكهنة، ولا نَحيا وكأنَّنا بِمَعْزِلٍ عن كهنوت المسيح. يجب أن نعرف أنَّ كلَّ تقدِمَةٍ وكلَّ ذبيحَةٍ وكلَّ عَطاء نقوم به، يكون مقبولًا إذا تمّ بواسطة المسيح وعلى مذبح المسيح، وإلَّا نتنكّر لعمل المسيح الخلاصيّ لأجلنا.

أدخل إلى فرح ربِّك

إنَّ سمعان البارّ، عندما رأى المُخَلِّص، أصبح هادئًا، رغم تذكُّره للحين أنّه سيموت قريبًا بعد ذلك، بما أنَّ هذا ما أنبأه به الرُّوح القدس. لم يَكُن سِمعان خائفًا من أنْ يرى موته عندما رأى الرَّبّ يسوع المسيح أمامه.

عندما نتذكّر أنّنا سنموت حتمًا، تُقلقنا العديد من الأمور وتُزعجنا وتُخيفنا وتُرهِبنا، ولكن إذا تذكّرنا في الوقت ذاته المخلّص، عندها نستطيع أن نُهدِّئ أنفسَنا في كلّ شيء.

بالتَّالي نحن نخاف من أنْ نموت قريبًا ونُريد أنْ نَعيش وقتًا أطْوَل. لكن لماذا يجب أن نخاف كثيرًا من الموت القريب؟ لن يدعنا مخلّصنا نموت قبل الأوان، فحياتنا هي بين يديه المخلِّصَتَيْنِ. كما أنّ مخلّصنا سيكون معنا عندما نموت، ولن يدعنا في القبر، بل سنقوم أحياءً عندما سنسمع صوته.

الكثير مِنَ الأمور تُقلقنا عندما نفكّر بالموت، ولكنّنا نستطيع في كلِّ شيءٍ أن نهدّئ أنفسنا إذا تذكّرنا فقط بأنَّ لدينا مُخَلِّصًا. ما يجب أن نفكّر فيه ونخاف منه هو خطيئتنا، ومع هذا يَنبغي أنْ نَضَعَ رجاءَنا على المخلّص الَّذي يُنَجِّينا مِنْ خَطايانا مَهما كانت ثقيلة.

لقد قال سمعان الشَّيخ صلاته: "الآن تُطْلِق عبْدَكَ أيُّها السَّيِّد على حَسَبِ قَوْلِكَ بسلامٍ، فإنَّ عَيْنَيَّ قد أبْصَرَتا خلاصَكَ الَّذي أعْدَدتَه أمام وجه كلِّ الشُّعوب، نورًا لاستعلان الأمم ومَجْدًا لِشَعْبِكَ إسرائيل" ورَقَدَ بسَلامٍ، ولا زِلنا إلى اليوم نُرَدِّدُ هذه الصَّلاة في كلِّ صَلاة غُرُوبٍ كي نَتَذَكَّر ساعَةَ المَوْت، فَنَحْنُ المسيحيِّين يَجب أنْ نَموتَ بسلامٍ عميقٍ في قلوبنا.

نحن نعلم كم أنّ السَّلام في العالم نادِرُ الوجود، ولكنَّ الرَّبَّ يَدعونا إلى السَّلام، ففِيهِ فَقَط نَسْتَكين ونَسْتَريح. ولِهذا يَجِب أنْ نَطْلُبَه كي نَحْصُلَ على السَّلام.

لقد حَقَّق سِمعان الشَّيْخ ما قَاله ورَقَد بسلامٍ وسمع من الرَّبِّ تلك النَّغْمَة المغبوطة: "أدخُل إلى فرح ربِّكَ" فهو كان واثِقًا بما أعَدَّهُ الله لمختاريه. وكذلك يجب علينا نحن أنْ نُرَدِّد صلاتَهُ ونُحَقِّقَها في ذواتِنا، إذا ما أردنا أن يكون لدينا جرأةٌ ساعة الموت. عندئذٍ يجب أن نتبع المسيح ونحمل نِيرَهُ علينا ونتعلَّم منه، فندخل إلى فرحه مسرورين.