نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
أُنقُر على الملف لتصفُّح نشرة كنيستي
كما يمكن قراءة النص الكامل في المقطع أدناه.
الأحد (23) بعد العنصرة
العدد 48
الأحد 01 كانون الأوَّل 2024
اللّحن 6- الإيوثينا 1
أعياد الأسبوع: *1: تذكار النّبيّ ناحوم، القدِّيس فيلاريت الرَّحوم *2: النّبيّ حبقوق، القدِّيس بورفيريوس الرّائي الكافسوكالي*3: النّبيّ صوفونيا *4: الشَّهيدة بربارة، البارّ يوحنَّا الدِّمشقيّ *5: القدّيس سابا المتقدِّس المتوشِّح بالله، الشَّهيد أنستاسيوس *6: القدِّيس نيقولاوس العجائبيّ أسقف ميراليكيَّة *7: القدِّيس أمبروسيوس أسقف ميلان، القدِّيس عمُّون أسقف نيطريَّا.
كلمة الرّاعي
القدِّيس بورفيريوس الرَّائي
حياته وتعليمه
وُلدَ القدِّيس بورفيريوس في اليوم السّابع من شباط 1906 في مقاطعة إيفيا. كان والداه من المزارعين الفقراء الأتقياء. أُعطي القدِّيس بورفيريوس في المعموديَّة اسم إيفانجيلوس. في طفولته لم يكمل تعليمه. عمل في رعاية الأغنام وقرأ في عمر الثَّماني سنوات سيرة القدِّيس يوحنَّا الكُوخيّ، ممّا أضْرَمَ في قلبه الشَّوْق إلى الحياة الرُّهبانيَّة. علَّمه والده الصَّلاة والتَّرتيل والإيمان، وكان صوته جميلًا. أرسله أهله للعمل في أثينا بسبب فقرهم. هناك وبعد سنين قليلة، وبدون علم أهله، ذهب إلى الجبل المقدَّس ودَبَّرَ لَهُ الرَّبّ أنْ يُصادف أبيه الرُّوحيّ على المركب، حيث عاش معه في منسكه كافسوكاليفيا. هناك، بدأ حياة جديدة: خِدَم، صلوات، صوم، سهرانيّات... لم يعرف الكَسَل ولم يُشْفِق على جسده. طاعته الكاملة لشيخَيْه كانت عن محبَّةٍ، رُغم أنّهما، لمنفعته، كانا يؤنِّبانه بطُرُق مختلفة وقاسية ولم يقولا له ولا مرَّةً "أَحْسَنت"!. نَفَعَتْهُ الطَّاعةُ كثيرًا إذ جَعَلَتْهُ ذكيًّا، يَقِظًا، وقويًّا، نَفْسًا وجسدًا، وهي الَّتي أهَّلَتْه لموْهَبَة الرُّؤية. أُلبِس الجبّة في سنّ الرّابعة عشرة من عمره. بعد عامين أو ثلاثة، أخذ الإسكيم الكبير باسم "نيكيتا" في دير اللَّافرا الكبير. بعد زيارة النِّعمة الإلهيَّة له من تلك اللَّحظة أخَذَتْ المواهب تتضاعَف عِنْدَه، ومِن ثَمَّ اقتنى موهبة الرُّؤية... أصبح إنسانًا جديدًا: يجعل كلّ ما يراه صلاة... اضطرّ إلى مغادرة الجبل المقدَّس بسبب اعتلال صحَّتِه. عند عودته إلى قريته رفضت أمُّه استقباله لأنّه ساءَها أن يكون ابنها راهبًا، فعاشَ عند عمَّته. لاحقًا رُسم كاهنًا باسم بورفيريوس، وبعد سنتَيْن صُيِّر أبًا رُوحيًّا. انتشر صِيتَهُ كأبٍ مُعَرِّف وعارف بمكنونات القلوب، وبموهبة الرُّؤية المـُعطاة له، ساعَدَ النُّفوس التَّائِهَة وقادَها إلى معرفة الحَقِّ والحياة مع المسيح. عام 1984 عاد إلى الجبل المقَدَّس ورَقَدَ هناك سنة 1991.
* * *
يتمحور تعليم القدِّيس بورفيريوس الرَّائي حول الحُبّ، التَّواضع، والإيمان العَميق بالله. فهو يشدِّد على أهميَّة المحبَّة كأساسٍ للعَلاقَة مع الآخَرين ومع الذَّات. يقول: "جابِهْ كلّ الأمور بمحبَّةٍ، بطيبَةٍ، بوداعَةٍ، بصَبْرٍ وتَواضُع"، فالمحبَّة، بالنِّسبة إليه، هي القوَّة الَّتي تُساعد الإنسان على مُواجهة تحدِّيات الحياة بثباتٍ وعدم تزعزع، هذا من جهة. كما يشدِّد على أهميَّة حُبِّ الآخَرين، حتَّى مَنْ يُسيئون إلينا: "أحْبِبْ الجميع وخاصَّةً أولئك الَّذين يُسَبِّبون لك المتاعب"، هذا من جهة أخرى.
بالنِّسبَة للقدِّيس بورفيريوس التَّواضع هو أساس الحياة الرُّوحيَّة: "إنْ لم نَملك التَّواضُع لا نَستطيع أنْ نُحِبَّ المسيح". الحياة يجب أن تكون بَسيطة في سَعِيٍ لمعرفةِ الله والعَيْش مَعَهُ بالاتِّكال على نعمته. بدون النِّعْمَة الإلهيَّة لا يستطيع الإنسان أنْ يُحقّق أيّ تقدّم روحيّ، وبها نحقّق ما هو مستحيل علينا بقِوَانا البشريَّة. الإنسان يعيش مع الله بالتَّآزُر (Synergy)، مشيئته يجب أن تتوافَق مع المشيئة الإلهيَّة وقوَّتَه تُكْمَل بالنِّعمَة، وهذا ينمو في خبرة معرفة الله...
هذا العمل الرُّوحيّ أساسه الصَّلاة بالنِّسبَة للقدِّيس بورفيريوس، فالصَّلاة الحقيقيَّة تأتي من الرُّوح القُدُس: "الأستاذ الوَحيد للصَّلاة هو النِّعمَة الإلهيَّة. فقط الرُّوح القُدس هو الَّذي يعلِّم الصَّلاة". كما يَحثّ على توجيه الذِّهن نحو المسيح باستمرار من خلال الصَّلاة القلبيَّة أو صلاة اسم يسوع. بهذه الطَّريقة يَصير الحُبُّ للمسيح محور الحياة: "وَجِّهوا أذهانَكم دوْمًا نحو العَلاء، نحو المسيح". فالسَّعادة الحقيقيَّة تأتي من الحبِّ الحقيقيّ للمَسيح ومِنْ عَيْش الحياة وِفقًا لوصيَّته: "المسيح كلُّه فرح، كلُّه غِبْطَة"، ومحبّة المسيح لا تنفصل عن محبّة الآخَر حيث يختبر الإنسان سرّ الفرح بالله في الأخ. لذلك، الجهاد الرُّوحيّ، بالنِّسبة للقدِّيس بورفيريوس، مَبْنيّ على عَيْش محبَّة المسيح بمختلف الطُّرُق، وليس على التَّركيز السَّلبيّ على الأخطاء والأهواء: "وَجِّهوا كلّ قواكم الدَّاخليّة نحو عمل الصَّلاح، نحو المسيح، والأشواك سوف تنقلع من نفسها". عنده أنّ جهاد الإنسان لِعَيْش المحبّة يُنَقِّيه من أهوائه ويطهّره من خطاياه والرَّبّ يغيّره بنعمته... جهاد التَّوبة هو جهاد عَيْش المحبَّة الإلهيَّة...
ومن له أذنان للسَّمع فليسمع...
+ أنطونيوس
متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما
طروباريّة القيامة (باللَّحن السّادس)
إِنَّ القوَّاتِ الملائِكِيَّة ظَهَرُوا على قبرِكَ الـمُوَقَّر، والحرَّاسَ صَارُوا كَالأَموات، ومريمَ وَقَفَتْ عندَ القَبْرِ طَالِبَةً جَسَدَكَ الطَّاهِر، فَسَبَيْتَ الجَحِيمَ ولَمْ تُجَرَّبْ مِنْهَا، وصَادَفْتَ البَتُولَ مَانِحًا الحَيَاة، فَيَا مَنْ قَامَ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ، يَا رَبُّ المـَجْدُ لَك.
قنداق تقدمة الميلاد (باللّحن الثّالث)
اليومَ العذراءُ تأتي إلى المَغارة لِتَلِدَ الكلمةَ الَّذي قبل الدُّهور وِلادةً لا تُفسَّر ولا يُنطق بها. فافرحي أيّتها المَسكونةُ إذا سَمِعْتِ، ومَجِّدي مع الملائكةِ والرُّعاة الَّذي سَيَظْهَرُ بمشيئته طفلًا جديدًا، وهو إلهُنا قبلَ الدُّهور.
الرّسالة (أف 2: 4- 10)
خَلِّصْ يَا رَبُّ شَعْبَكَ وَبَارِكْ مِيرَاثَكَ.
إِلَيْك يَا رَبُّ أَصْرُخُ إِلَهِي.
يَا إِخْوَةُ، إِنَّ اللهَ لِكَوْنِهِ غَنِيًّا بِالرَّحْمَةِ، وَمِنْ أَجْلِ كَثْرَةِ مَـحَبَّتِهِ الَّتِي أَحَبَّنَا بِـهَا حِينَ كُنَّا أَمْوَاتًا بِالزَّلَّاتِ أَحْيَانَا مَعَ الـمَسِيحِ (فَإِنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ)، وَأَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الـمَسِيحِ يَسُوعَ لِيُظْهِرَ، فِي الدُّهُورِ الـمُسْتَقْبَلَةِ، فَرْطَ غِنَى نِعْمَتِهِ بِاللُّطْفِ بِنَا فِي الـمَسِيحِ يَسُوعَ. فَإِنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ بِوَاسِطَةِ الإِيمَانِ، وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ إِنَّـمَا هُوَ عَطِيَّةُ اللهِ وَلَيْسَ مِنَ الأَعْمَالِ لِئَلَّا يَفْتَخِرَ أَحَدٌ لِأَنَّا نَحْنُ صُنْعُهُ مَخْلُوقِينَ فِي الـمَسِيحِ يَسُوعَ لِلْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي سَبَقَ اللهُ فَأَعَدَّهَا لِنَسْلُكَ فِيهَا.
الإنجيل (لو 18: 35- 43) (لوقا 14)
في ذلك الزَّمان، فيما يسوع بالقُرْبِ مِن أريحا، كان أعمى جالسًا على الطَّريق يَستَعْطِي. فلَمَّا سَمِعَ الجَمْعَ مجتازًا سأل: ما هذا؟. فأُخبِرَ بأنَّ يسوعَ النّاصريّ عابرٌ. فصرخ قائلًا: "يا يسوعُ ابنَ داودَ ارحمني". فزجَرَهُ المتقدِّمون لِيسكتَ فازداد صُرَاخًا: "يا ابنَ داودَ ارحمني". فوقف يسوعُ وأمَرَ أنْ يُقدَّمَ إليهِ. فلمَّا قرُبَ سَأَلَهُ: ماذا تُريد أنْ أصْنَعَ لَكَ؟ فقال: يا رَبُّ، أنْ أُبْصِر. فقال لهُ يسوع أَبصِرْ، إيمانك قد خلَّصَكَ؛ وفي الحال أبصَرَ وتَبِعَهُ وهُوَ يُمَجِّدُ الله. وجميعُ الشَّعب، إذْ رَأَوْا، سبَّحوا الله.
حول الإنجيل
أنواع الصَّلاة
يسمع أعمى في أريحا بمرور يسوع، فيتقدّم إليه طالبًا و"متضرعًا": "يا يسوع ابن داود ارحمني". ولما أعاد يسوع إليه بصره تبعه وهو "يشكر الله" (يمجده). ثم جميع الشعب إذ رأوا هذه الأعمال "سبحوا الله".
في هذا الحدث نرى الأعمى والناس يتجهون نحو الله بأشكال مختلفة وبمضمون متنوع لصلواتهم. فالأعمى الذي كان جالساً على الطريق يستعطي، لما مرّ يسوع به استعطى- طلب منه شفاءً. وتضرع إليه بهذه الصلاة، التي اعتمدتها الكنيسة بعده كصلاة الفرد في خلوته "صلاة يسوع". ثم نجده بعد أن شفاه يسوع يتبعه ويتجه نحو يسوع (يصلي) بالشكر والتمجيد. وأخيراً، بسبب كلّ هذه الأعمال التي قام بها يسوع راح الشعب "يسبّح الله".
هنا نصادف الألوان الثلاثة المختلفة التي تتضمّن كلّ أنواع صلواتنا. وهي الطلب والشكر والتسبيح. وهي كما ترد في النصّ الأصلي "طلب" (προσαιτών)، "سبّح" (έδοκεν αίνον)"، "مجّد" (δοξάζων).
الصلاة هي لغة حرّة، يتكوّن مضمونها من دافعَين. الأوّل هو مستوى إيمان كلّ واحدٍ منا، والثاني هو ظروفه الحياتية. ففي الضيق مثلاً، هناك من يطلب من الله، وهناك من يجدّف عليه. وهناك من يشكر الله بعد أن ينال منه ما ينال، وهناك من ينسى بعد استجابة الطلب كالبرص التسعة. وكلّ ذلك يتعلّق بمستوى إيمان الشخص تجاه موقف الله من ظروفه.
لعلّ أولى درجات الإيمان هي التي تجعلنا نتّجه إلى الله بالطلب في حاجاتنا. "في ضيقي صرخت إلى الربّ فاستجاب لي" و"على الربّ توكلت" و"الربّ راعي فلا يعوزني شيء"، كلّ هذه هي صرخات أو صلوات القلب الذي يضع متّكله على الله في الضيقات. وإن كانت هذه الدرجة هي الأولى من أنواع الصلاة، فهي أيضاً ضرورية وتقوّي الإيمان. إلاّ أنّ هذه الدرجة مهددة بأن تنتهي الصلاة فيها عند انتهاء الحاجة. وكم هم عديدون الذين لا يتذكرون الله إلا في الضيقات وعند الحاجة، أو عندما تقسو عليهم الحياة. حالة كهذه تشير إلى إيمان ضعيف لا يتحرك دون أن تثيره التجارب والمحن والضيقات.
الصلاة هي طعام الملائكة"، لأنهم يصلونها بالتمجيد. والصلاة تصير طعام البشر حين يرفعونها مثلهم تمجيداً. أهمّ عبارة وأكثرها تكراراً في صلواتنا، يصليها الطفل والكهل، هي "المجد للآب والابن والروح القدس"، إنّها صلاة تمجيد، لأن الطلب ممكن والشكر واجب أما حياتنا فكلها كلمة تمجيد لله، وإذا كان الله محبّة فنحن صلاة تمجيد. آميـن
موهبة الدُّموع
يقول القدّيس أفرام السّريانيّ: "نفسٌ حزينةٌ تأتي إليك وتكلّمك بدموعٍ غزيرةٍ عن العدوّ الشّرس، وتسجد لك بتواضعٍ عميقٍ وكلّيٍّ، فأصغِ إليها وافتقدها كونها تلتجئ إليك برغبة. لأنّك إنْ صَرَفْتَ وجهك عنها سوف تضيع، وإن تأخّرت عن الإصغاء إليها سوف تهلك".
بهذه الكلمات مع مشاعر الانسحاق العميق يرفع القدِّيسون صَلاتَهم إلى الرَّبِّ، وبدموع التّوبة يعترفون بصدقٍ أنّهم يستحقّون التَّأديب من الله على الخطايا. بالتَّالي يشعر القدِّيسون بأنّ خطيئتهم جسيمةٌ وليس من مخرجٍ سوى الالتجاء إلى الله بالتّوبة الصّادقة وبدموعٍ صادقة.
هذه الدّموع هي صورةٌ بشريّةٌ للرّجوع إلى الله، أي إنّها صرخةٌ صادقةٌ لا يذرفها إلّا الإنسان الّذي يشعر بعجزه أمام التّجارب المنهكة للنَّفْس. وتتجلّى هذه الصّرخة في مزامير داود المرنّم بقوله: "تَعِبْتُ فِي تَنَهُّدِي، أُعَوِّمُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ سَرِيرِي بِدُمُوعِي. أُذَوِّبُ فِرَاشِي" (المزامير 6:6). هذا هو التّعبير الأقصى عن الضّيق وعدم احتمال هجر الله له.
لقد قدّس النّسّاك ذواتهم بهطل الدّموع، وعبّروا عن ألمهم وشوق قلبهم الّذي أنهكته غربته عن الله. من الهدوء في لحظات الوقوف أمام الله في الصّلاة تأتي دموع التّوبة، الّتي تغسل، لأنّها معموديّةٌ ثانيةٌ كما يقول أيضاً القدّيس أفرام السّريانيّ: "مجاري المياه لوقت الحريق ومجاري الدّموع لزمن التّجربة".
عندما تكره الخطيئة عندها تبدأ التّوبة. لقد أدمعت عينا داود من شدّة غيظه على خطيئته، وأعادته دموع التّوبة هذه إلى كرامته الأولى، تماماً كما قادت الابن الضّالّ إلى بيت أبيه من مذلّة الحياة مع الخنازير، ما أعاد له الحلّة الأولى.
لقد طوّب يسوع الباكين لأنهم سيضحكون. هذه هي قوّة الدُّموع.