نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
أُنقُر على الملف لتصفُّح نشرة كنيستي
كما يمكن قراءة النص الكامل في المقطع أدناه.
الأحد (6) بعد الفصح (آباء المجمع المسكوني الأوّل)
العدد 22
الأحد 01 حزيران 2025
اللّحن 6- الإيوثينا 10
أعياد الأسبوع: *1: آباء المجمع المسكوني الـ 318 المتوشِّحين بالله المجتمعين في نيقية، الشَّهيد يوستينوس الفيلسوف *2: القدّيس نيكيفورس المعترف رئيس أساقفة القسطنطينيِّة *3: الشَّهيد لوكليانوس، الشَّهيدة باڤلا *4: القدّيس مطروفانِس رئيس أساقفة القسطنطينيَّة، القدِّيستَيْن مريم ومرتا أختَي لَعازر *5: الشَّهيد دوروثاوس أسقف صور *6: وداع عيد الصُّعود، القدّيس إيلاريون الجديد رئيس دير الدّلماتن، الشَّهيد غلاسيوس *7: سبت الرَّاقدين، الشَّهيد ثيوذُوتُس أسقف أنقرة، الشَّهيد باييسيوس (كفالونيَّة).
كلمة الرّاعي
الكنيسة والمجامع: المجمع المسكونيّ الأوّل
"لأَنَّهُ قَدْ رَأَى الرُّوحُ الْقُدُسُ وَنَحْنُ..." (أع 15: 28)
أوّل مجمع كنسيّ هو الَّذي الْتَأَمَ بحضور الرُّسُل ومَشايخ كنيسة أورشليم حوالي سنة 49 م.، وقد ترأَّس هذا المجمع يعقوب أخي الرَّبّ، وغايته كانت أخذ قرار فيما إذا كان الأمم يجب أن يخضعوا لشريعة موسى قبل قبولهم في المسيحيَّة أم لا، وكان الجواب: "لأَنَّهُ قَدْ رَأَى الرُّوحُ الْقُدُسُ وَنَحْنُ، أَنْ لاَ نَضَعَ عَلَيْكُمْ ثِقْلًا أَكْثَرَ، غَيْرَ هذِهِ الأَشْيَاءِ الْوَاجِبَةِ: أَنْ تَمْتَنِعُوا عَمَّا ذُبحَ لِلأَصْنَامِ، وَعَنِ الدَّمِ، وَالْمَخْنُوقِ، وَالزِّنَا، الَّتي إِنْ حَفِظْتُمْ أَنْفُسَكُمْ مِنْهَا فَنِعِمَّا تَفْعَلُونَ. كُونُوا مُعَافَيْنَ" (أع 15: 28 – 29). نتعلّم مِنْ هذا أنّ الشُّورى هي أساس المجمَع وأنَّ المطلوب هو سماع كلمة الرُّوح القدس لتنطق الكنيسة كلمة الرُّوح المعْصُومَة. هذا هو عمل التَّآزُر بين الله والإنسان الَّذي هو أساسُ الحياةِ المسيحيَّة الشَّخصيّة والجماعيَّة. العِصْمَة للرُّوح القدس ومجمع الكنيسة يجب أن ينطق كلمة الرُّوح، النِّقاشات والحوارات مُرفَقَة بالصَّلاة هي لِسَماع كلمة روح الله ونطقها.
وُضِعَ هذا النِّظام في حَيِّزِ التَّطبيق اعتبارًا مِنْ أواسِط القرن الثَّاني مِنْ أجل مُقاوَمَةِ ضَلال الهَراطِقَة، وذلك بمقارَنَتِهِ مع تقليد الكنائس المحلِّيَّة المجاوِرَة المتناقِل عن الرُّسُل، وعلى هذا المثال جَرَتْ الكنيسة وأخذتْ، كلَّما دَعَتْ الحاجة، تعقد المجامع مِن مكانيّة ومسكونيّة. وفي هذه المجامع ثبّتتْ نهائيًّا عقائد الايمان القويم ووضعت قوانين عديدة لحِفْظِ النِّظام في الإدارة الكَنَسِيَّة ولتنظيم العلاقات بين الأبرشيَّات المتعدِّدَة أو بين فروع الكنيسة الواحدة المقدَّسَة الجامعة الرَّسوليَّة وبين أعضائها من إكليريكيّين وعوامّ.
* * *
بحسب هنري برسيفال، يمكن تحديد المجمع المسكونيّ، بأنَّه "مجمع حازَتْ تحديداته وقوانينه القُبول في المسكونة كلِّها". بالنِّسبَة للكنيسة الأرثوذكسيَّة يجب أن يَضُمَّ المجمع المسكُونيّ ممثِّلينَ عن الكنائس كلِّها في الشَّرق والغَرب، واستمرَّتْ الكنائس الأرثوذكسيَّة على هذا المبدأ حتَّى بعد الانشقاق الكبير بين الغرب والشَّرق، ولم تَدَّع بعد ذلك عقد مجمع مسكونيّ، ولكن للأسف أضفت الكنيسة الغربيّة على مجامعها لقب المسكونيَّة كونها تعتبر أنّ كنيسة روما هي الكنيسة الوحيدة والَّتي إنْ لم تخضع لها الكنائس الأخرى لا تكون كنائس، وبالتَّالي تعتبر بأنَّ كنيسة روما هي كنيسة المسكونة...
بناءً عليه، تعترف الكنيسة الأرثوذكسيَّة بسبعَةِ مجامعٍ مسكونيَّة، ولهذه المجامع سلطة على كلِّ الكنائس في تحديداتها العَقائديَّة وفي قوانينها. بالنِّسبَة للكنيسة الأرثوذكسيَّة ما صدر عن هذه المجامع من تحديداتٍ عقائديَّة ليس إعلان حقيقة جديدة بل هو تحديد ثابت لا يتغيَّر للإِيمَانِ "الْمُسَلَّمِ مَرَّةً لِلْقِدِّيسِينَ" (يه 1: 3). بشكلٍ عام، سببُ عَقْدِ المجامع هو تحدِيَّاتٍ إيمانيَّةٍ وعقائديَّة نشأت بظهور هرطقات أي تعاليم تخالف خبرة الكنيسة في معرفةِ الله وعيش إيمانها؛ أمّا الجهة الَّتي تدعو إلى المجامع المحلِّيَّة فهي كنسيَّة وأمَّا المجامع المسكونيّة فالأرجح أنَّ الدَّاعي لها كان الأباطرة الرُّومان، لأنّه وخاصَّةً بعد انتشار المسيحيَّة صارَ أيُّ انقسامٍ في الكنيسة يهدِّدُ أمْنَ الإمبراطوريّة واستقرارها، وهذا ممّا يُحبِّذ فكرة أنَّ الأباطرة هم الَّذين كانوا يدعون إلى عقد هذه المجامع. في كلّ الأحوال كلّ مجمع مَسكونيّ لاحِق صادق على عقائد وتعاليم وقوانين المجمع السَّابق، وهذا ما يؤمِّن استمراريَّة التَّقليد الكنَسيّ وصِحَّتِه.
* * *
المجمع المسكونيّ الأوَّل، الَّذي نُعَيِّد له في هذا الأحد، عُقِدَ في نيقية وابتدأت جلساته في العشرين من أيَّار عام 325 م. وحضره حوالي الـ 318 أُسقُف معظمهم من الشَّرق (يعود عدد الأساقفة ال 318 إلى ما بعد السَّنة 360، وربَّما وصلنا تأثُّرًا بـ"غلمان ابراهيم المتمرّنين" (راجع: تكوين 14: 14). أهمّ ما حقَّقه هذا المجمع هو أنَّه أدانَ بِدْعَة كاهن ليبيّ عاش في الإسكندريَّة اسمه آريوس الَّذي تتلْمَذ على لوقيانوس الأنطاكيّ. أنكر آريوس ألوهِيَّة ابن الله وكلمته فاعتقد بأنَّه كان هناك وقت لم يكن الابن مَوْجُودًا فيه، واعتبره رفيعًا بين مخلوقات الله ومِنْ صُنْعِهِ، كما أنَّ الرُّوح القُدس مِنْ صُنْعِ الابن أيضًا. دَعا إلى هذا المجمع الإمبراطور قسطنطين الكبير وحضر افتتاحه، وترأَّسه على الأرجح إفسطاثيوس بطريرك أنطاكية. بعد أن رذل هذا المجمع هرطقة آريوس وحكم عليه وضع دستور الإيمان حتّى عبارة "وبالرُّوح القُدس"، وكان مِنْ أهمّ تحديداته العقائديّة في هذا الدُّستور أنَّ الرَّبَّ يسوع المسيح هو "ابن الله الوحيد المولود من الآب قبل كلِّ الدُّهور، نورٍ من نور، إلهٍ حَقّ من إلهٍ حَقّ، مَوْلودٍ غير مَخلوق، مُساوٍ للآبِ في الجَوْهَر (Homoousios) أي هو من جوهرٍ واحِدٍ مع الآب. وهذه الكلمة كانت من اقتراح الشَّمَّاس أثناسيوس، الَّذي صار بطريركًا على الإسكندريَّة لاحِقًا، وهو فسَّر هذه الكلمة قائلًا: "إنَّ الابن ليس هو كالآب فحسب، ولكنَّه، وهو صورته، هو نفس الشَّيء الَّذي هو الآب (...) وإنَّ الابن هو كالآب وليس ذلك فحسب بل هو غير منفصل عن جوهر الآب. وإنَّه هو والآب واحد والجوهر هو ذاته كما قال الابن نفسه إنَّ الكلمة هو دائمًا في الآب، والآب هو دائمًا في الكلمة (راجع يو 14: 11) كما أنَّ الشَّمس وبهاءها هما غير منفصلَين" (كتاب مجموعة الشَّرْع الكنَسيّ، ص. 44).
حدَّد مجمع نيقية، أيضًا، قاعدة احتساب تاريخ عيد الفصح، فأقَرَّ القاعدة الَّتي كانت كنيسة الإسكندريَّة تحتفل بموجبها بالعيد، وهي الَّتي تجعل عيد الفصح يقع بعد أوَّل بَدِر بعد الاعتدال الرَّبيعيّ في 21 آذار. كما عني المجمع بتنظيم الكنيسة الإداريّ فَسَنَّ عِشرين قانونًا، منها تثبيت رفعة مكان كَراسٍ ثلاثة كبرى وهي رومية والإسكندريَّة وأنطاكية (قانون 6)، وقرَّر أن يحتَلَّ كرسيّ أُورشليم مكانة الشَّرَف الرَّابعة على أن يبقى خاضِعًا لمتروبوليت قيصريَّة فلسطين. لم يأتِ مجمع نيقية على ذكر القسطنطينيَّة لأنَّ مدينتها دُشِّنَتْ بعد المجمع بخمس سنوات.
هكذا صار المجمع المسكونيّ الأوّل نموذجًا للمجامع المسكونيّة اللَّاحِقَة في طريق الدَّعوة إليها وما يصدر عنها من تحديدات عقائديّة وقوانين لحُسْنِ سَيْرِ الكنيسة وتنظيمها. ونظرًا لأهميّة هذه المجامع نُعَيِّدُ لها ثلاث مَرَّات في السَّنَة، لأنّها حَدَّدَتْ عقائد الكنيسة وإيمانها بحيث لا يجوز أنْ يُزاد عليها أو يُنَقَّص منها، فما تَمّ تحديده هو كافٍ للخلاص ولمعرفة حَقِّ الله...
ومن له أذنان للسَّمع فليسمع...
+ أنطونيوس
متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما
طروباريّة القيامة (باللَّحن السّادس)
إِنَّ القُوَّاتِ الـمَلائِكِيَّة ظَهَرُوا عَلَى قَبْرِكَ الـمُوَقَّر، وَالحُرَّاسَ صَارُوا كَالأَمْوَات، وَمَرْيَمَ وَقَفَتْ عِنْدَ القَبْرِ طَالِبَةً جَسَدَكَ الطَّاهِر. فَسَبَيْتَ الجَحِيمَ وَلَـمْ تُجَرَّبْ مِنْهَا، وَصَادَفْتَ البَتُولَ مَانِحًا الحَيَاة. فَيَا مَنْ قَامَ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ، يَا رَبُّ الـمَجْدُ لَك.
طروباريَّة الصُّعود (بِاللَّحْنِ الرَّابِع)
صَعِدْتَ بمَجْدٍ أيُّها المسيحُ إلهُنا، وفرَّحْتَ تلاميذَك بموعِدِ الرّوح القُدُس، إذ أَيْقَنُوا بالبَرَكة أنَّك أنْتَ ابنُ اللهِ المنْقِذُ العالَم.
طروباريَّة أحد الآباء (بِاللَّحْنِ الثّامِن)
أنتَ أيُّها المسيحُ إلهنا الفائق التَّسبيح، يا مَن أسَّسْتَ آباءَنا القدِّيسين على الأرضِ كواكِبَ لامِعَة، وبهم هَدَيْتَنا جميعًا إلى الإيمان الحقيقيّ، يا جزيل الرَّحْمَةِ المجْدُ لك.
قنداق عيد الصُّعود (باللَّحن السَّادِس)
لـمّا أكمَلْتَ التَّدبير الَّذي مِنْ أجلِنا، وجَعَلْتَ الَّذين على الأرضِ مُتّحدينَ بالسَّماويّين، صَعِدْتَ بِمَجْدٍ أيُّها المسيحُ إلهُنا، غير مُنفَصِلٍ مِن مَكان لكن ثابتًا بغيرِ افتراق وهاتفًا بأحبّائِكَ، أنا معكُم وليس أحدٌ عليكم.
الرّسالة (أع 20: 16- 18، 28- 36)
مُبَارَكٌ أَنْتَ يا رَبُّ إِلَهُ آبائِنا
فَإِنَّكَ عَدْلٌ في كُلِّ ما صَنَعتَ بِنا
في تلكَ الأيّامِ ارتأى بولسُ أن يتجاوزَ أفَسُسَ في البحرِ لئلَّا يعرضَ له أنَ يُبطئ في آسية، لأنّه كان يعجّلُ حتّى يكونَ في أورشليم يوم العنصرة إنْ أمكَنَه. فمن ميليتس بعث إلى أفسس فاستدعى قسوس الكنيسة. فلمّا وصلوا إليه قال لهم: اِحذَروا لأنفسكم ولجميع الرَّعِيَّة الَّتي أقامكم الرُّوح القدس فيها أساقفة لترعوا كنيسة الله الَّتي اقتناها بدمه. فإنّي أعلم هذا، أنّه سيدخل بينكم بعد ذهابي ذئابٌ خاطفةٌ لا تُشْفِق على الرَّعِيَّة، ومنكم أنفسكم سيقوم رجال يتكلّمون بأمورٍ مُلتَوِيَة ليَجتَذِبُوا التَّلاميذ وراءَهم. لذلك اسهروا متذكّرين أنّي مُدَّةَ ثلاثِ سنين لم أكفُفْ ليلًا ونهارًا أنْ أنصح كلُّ واحِدٍ بدُموع. والآن أستودعكم، يا إخوتي، الله وكلمة نعمته القادرة أن تبنيكم وتمنحكم مع جميع القدِّيسين ميراثًا. إنّي لم أشتهِ فضَّةً أو ذهبًا أو لباسَ أحد. وأنتم تعلَمُون أنَّ حاجاتي وحاجاتِ الَّذين معي خَدَمَتْها هاتان اليدان. في كلّ شيء بيّنتُ لكم أنّه هكذا ينبغي أن نتعب لنُساعِدَ الضُّعفاء وأن نتذكَّر كلام الرَّبِّ يسوع، فإنّه قال: "إنَّ العَطاء مغبوطٌ أكثرَ مِنَ الأخذ"، ولـمّا قال هذا جثا على رُكبَتَيْهِ مع جميعهم وصلَّى.
الإنجيل (يو 17: 1- 13)
في ذلكَ الزَّمانِ رَفَعَ يسوعُ عينيِهِ إلى السَّماءِ وقالَ: يا أبتِ قد أتتِ السَّاعَة. مَجِّدِ ابنَك ليُمَجّدَكَ ابنُكَ أيضًا، كما أعطيتَهُ سُلطانًا على كلِّ بَشَرٍ ليُعطيَ كُلَّ مَن أعطيتَه لهُ حياةً أبَدِيَّة. وهذه هي الحياة الأبديَّةُ أن يعرفوكَ أنتَ الإله الحقيقيَّ، والَّذي أرسلتَهُ يسوعَ المسيح. أنا قد مجَّدتُكَ على الأرض. قد أتممتُ العملَ الَّذي أعطَيتَني لأعمَلَهُ. والآنَ مَجِّدْني أنتَ يا أبتِ عندَكَ بالمجدِ الَّذي كان لي عندك من قَبْلِ كَوْنِ العالَم. قد أعلنتُ اسمَكَ للنَّاس الَّذينَ أعطيتَهم لي منَ العالم. هم كانوا لكَ وأنتَ أعطيتَهم لي وقد حَفِظوا كلامَك. والآنَ قد عَلِمُوا أنَّ كُلَّ ما أعطيتَهُ لي هو منك، لأنَّ الكلامَ الَّذي أعطيتَهُ لي أعطيتُهُ لهم. وهُم قبلوا وعَلِموا حقًّا أنّي منكَ خَرجْتُ وآمنوا أنَّك أرسلتني. أنا من أجلهم أسأل. لا أسأل من أجل العالم بل من أجل الَّذينَ أعطيتَهم لي، لأنَّهم لك. كلُّ شيءٍ لي هو لكَ وكلُّ شيءٍ لكَ هوَ لي وأنا قد مُجّدتُ فيهم. ولستُ أنا بعدُ في العالم وهؤلاء هم في العالم. وأنا آتي إليك. أيُّها الآبُ القدُّوسُ احفظهم باسمك الَّذينَ أعطيتَهم لي ليكونوا واحدًا كما نحن. حينَ كُنتُ معهم في العالم كُنتُ أحفَظُهم باسمك. إنَّ الَّذينَ أعطيتَهم لي قد حَفِظتُهم ولم يَهلِكْ منهم أحدٌ إلَّا ابنُ الهلاك لِيتمَّ الكتاب. أمَّا الآنَ فإنّي آتي إليك. وأنا أتكلَّمُ بهذا في العالَمِ ليكونَ فرَحي كاملًا فيهم.
حول الإنجيل
رتَّبَتْ الكنيسة المقَدَّسة في"أحد آباء المجمع المسكونيّ الأوّل" الواقع بين عيدَيْ الصُّعود والعنصرة - والَّذي اِنعَقَدَ لِدَحْضِ بِدْعَة آريوس القائل بأنَّ "الابن مخلوق"- أن نقرأ هذا المقطع الإنجيليّ، والَّذي يحمل عنوان " الصَّلاة الكهنوتيَّة" أو صلاة يسوع الوَداعيَّة وتوسُّلِهِ إلى الآب فيها من أجل أن نكون واحدًا.
يقول الرَّبُّ يسوع: "مَجِّدْنِي أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ ... بِالْمَجْدِ الَّذي كَانَ لِي عِنْدَكَ" (يو 17: 5). مجد المسيح كان عند الآب قبل أن يظهر الزَّمان منذ أن كان في أحضان الآب. فالمسيح له ولادتَيْن: ولادةً أزليَّةً مِنَ الآب بِلا زَمَنٍ، ووِلادةً في زَمَنٍ مِنَ العذراء مريم.
الحياة الأبديَّة أن يعرفوك أنت الإله الحقيقيّ وَحْدَك، والَّذي أرسلته يسوع المسيح، ومعنى ذلك أنَّك لا تَرِثُ الحياةَ الأبَدِيَّةَ إلَّا بمعرفتك للمسيح، كما لا تَرِثُها إلَّا إذا عرفت الله الآب.
بعد هذا يتكلّمُ المسيح على تلاميذه "إنَّهم علموا أنَّي منك خرجتُ" ( يو 17 : 7 ). فَمَن خرج من الله الآب ذاته، لا يخرج من جسدٍ ولا يكون زمانٌ عند خروجه. ثمّ يُصَلّي مِنْ أجْلِ تَلاميذِهِ أن يحفظهم الآب باسمه، أي أن تكون فيهم قُوَّةُ الله، وبها يُعَلِّمون ويُبشِّرون ويستشهدون. ثم يستشهد بعدها المسيحيُّون الَّذين آمَنُوا بكلامهم.
ثمَّ يُوضِحُ السَّيِّد أنَّه لما كان معهم في العالم كان يحفظهم بقُوَّةِ الآب، وثَمَرَةِ حفظه لهم أنَّ فَرَحَهُ يكونُ كامِلًا فيهم، ونتيجة ذلك أنَّهم يبقون هم أيضًا بالفرح الَّذي ليس من العالم.
هذا الفصل مِنَ الخِطاب الوَداعيّ يُبَيِّن أنَّ وَحدة المسيح مع الآب تنعكس في وَحدَتِهِ مع التَّلاميذ. وبهذا المعنى يقولُ بولس الرَّسُول "لست أنا أحيا بل المسيح يحيا فيّ " (غلا 2 : 20).
كما أنَّ الوَحدة الحقيقيَّة هي في الاعتراف بدستور الإيمان النَّيقاويّ الَّذي وضعه الآباء القدِّيسون الَّذين اجْتَمَعُوا لِدَحْضِ بِدْعَةِ آريوس، الَّتي يُجدِّدُها اليوم أتباع بدعة "شهود يهوه". كما أنَّ كلَّ واحِدٍ منّا يتوقَّف عن قراءة الكتاب المقدَّس وممارَسَة الأسرارِ المقدَّسَة، يكونُ قد خرج مِنْ نعمة الوّحدة الَّتي صلّى لأجلها ربِّنا يسوع المسيح.
الصَّلاة من أجل الرَّاقِدين
الكنيسة تُصلّي دومًا من أجل المنتَقِلِين من آبائنا وإخوتنا الرَّاقدين على رجاء القيامة والحياة الأبديَّة، والسُّؤال المطروح هو: على ماذا تسنتد الكنيسة عندما تصلّي للَّذين رَقَدُوا بالإيمان والرَّجاء؟
ذِكْرُ الرَّاقِدِين عند المسيحيِّين كان على الدَّوام من أجل راحَةِ نُفوسِهِم. كان القدِّيس ترتليانوس (القرن الثَّاني بعد المسيح) يقول: “التَّقدِمات تعمل دائمًا للأموات كـﭑحتفالٍ لِيَوْمِ وِلادَتِهم…”
ولدينا في سفر المكابيّين وصفٌ لصلاةٍ من أجل الأموات. يهوذا المكابيّ يصلّي من أجل الغفران للَّذين ماتوا بسبب خطاياهم: “ثمّ ﭐنثنَوْا يصلّون ويبتهلون أن تُمحى تلك الخطيئة المجترَمَة كلّ المحو، ثمّ جمع من كلّ واحد تقدمة ذبيحة عن الخطيئة. وكان ذلك من أَحْسَنِ الصَّنيعِ وأتقاهُ لاعتقاده بقيامةِ الموتى” (2 مكا 12: 42-43).
وكذلك القدِّيس الرَّسول بولس يصلّي من أجل ﭐبنه الرُّوحيّ، الَّذي كان على الأرجح راقِدًا، قائلًا: “ليُعْطِ الرَّبُّ رحمةً لبيت أُنيسيفُورُس لأنَّه مرارًا كثيرةً أراحَنِي ولم يخجل بسلسلتي…لِيُعْطِهِ رحمةً من الرَّبّ في ذلك اليوم” (2 تيموثاوس 1: 16 و18).
ويذكر القدِّيس مكاريوس المصريّ أنَّه فيما كان يعـبر في الـبرِّيَّة إذا به يـرى جـمجـمةً بـشريَّـةً في طريقه، فسألها مُستَفْهِمًا عن حالة المنتقلين عنّا. كان يريد أن يستفهم عن مدى إفادة الصَّلاة من أجل الأموات الرَّاقِدِين. “نعم!، أجابت الجمجمة، عندما تُصَلُّون من أجل الأموات نحن نشعر بالتَّعزية”. وأضافت: “نحن الخطأة نظلُّ في الجحيم دائرين ظهرنا لبعضنا البعض وبسبب صلواتكم لنا نستدير قليلًا وجهًا لوجه متعزِّين”. والقدّيس مرقس الأفسسيّ يقول: “لا شيء يُفيد الأموات أكثر من أن نُصَلّي مِن أجل راحة نفوسهم مُقَدِّمين القرابين لهم في القدّاس الإلهيّ".
كذلك الأب ألكسندر شميمَن في كتابه “الصَّوْم الكبير” يركّز على السَّبَب الَّذي تدعو الكنيسةُ فيه أعضاءَها إلى الصَّلاة من أجل الرَّاقِدين بقَوْلِه:”هي تعبيرٌ جوهريٌّ عن الكنيسة كمحبَّةٍ، وإذْ نُصَلِّي من أجلهم فنحن نلقاهم في المسيح الَّذي هو محبَّة". في المسيح لا فرق بين الأحياء والأموات لأنَّ الجميع هم أحياءٌ فيه لأنَّ الله يقول:
"أَنَا إِلهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلهُ إِسْحَاقَ وَإِلهُ يَعْقُوبَ؟ لَيْسَ اللهُ إِلهَ أَمْوَاتٍ بَلْ إِلهُ أَحْيَاءٍ" (متى 22 :32).