Menu Close
180525

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

أُنقُر على الملف لتصفُّح نشرة كنيستي

كما يمكن قراءة النص الكامل في المقطع أدناه.

الأحد (4) بعد الفصح (السّامريّة)

العدد 20

الأحد 18 أيّار 2025

اللّحن 4- الإيوثينا 7

أعياد الأسبوع: *18: الشُّهداء بطرس ورفقته، القدِّيسة كلافذيَّة (كلوديا) *19: الشَّهيد باتريكيوس أسقف برصة ورفقته *20: الشُّهداء ثلالاوس ورفقته، نقل عظام القدِّيس نيقولاوس، القدّيسة ليديا بائعة الأرجوان *21: وداع نصف الخمسين، القدّيسَيْن قسطنطين وهيلانة المعادِلَي الرُّسُل *22: الشَّهيد باسيليسكوس *23: القدّيس ميخائيل المعْتَرِف، القدّيسة مريم لِكلاوبَّا حامِلَة الطّيب، القدّيسة سوسنَّا، الشَّهيدة ماركياني *24: البارّ سمعان الَّذي في الجبل العَجيب.

كلمة الرّاعي 

الكرازة والمُعايَنَة

"إِنَّنَا لَسْنَا بَعْدُ بِسَبَبِ كَلاَمِكِ نُؤْمِنُ، لأَنَّنَا نَحْنُ قَدْ سَمِعْنَا وَنَعْلَمُ أَنَّ هذَا هُوَ بِالْحَقِيقَةِ الْمَسِيحُ مُخَلِّصُ الْعَالَمِ" (يو 4: 42)

الإنسان يحتاج أنْ يَلمُس بحَواسِه ليؤمن. لكنَّ المُعايَنَة واللَّمس يأتيان بعد الإيمان. الإيمان يأتي أوَّلًا ويَليه المُعايَنَة واللَّمس. هذه مشكلة الإنسان لأنّه ما لم يَلمس لا يُؤمن، "إِنْ لَمْ أُبْصِرْ فِي يَدَيْهِ أَثَرَ الْمَسَامِيرِ، وَأَضَعْ إِصْبِعِي فِي أَثَرِ الْمَسَامِيرِ، وَأَضَعْ يَدِي فِي جَنْبِهِ، لاَ أُومِنْ" (يو 20: 25). المشكلة الأكبر أنّ الإنسان وإنْ عايَنَ ولمَسَ قد لا يُؤمِن بل يُشَكِّك ويحاول أن يجد تفاسير منطقيَّة وعقليَّة لخُبراته، هذا لأنَّه لا يَستطيع أنْ يُؤمِن ما لَم يبحث عن مَجْدِ الله ويَطلُبه: "كَيْفَ تَقْدِرُونَ أَنْ تُؤْمِنُوا وَأَنْتُمْ تَقْبَلُونَ مَجْدًا بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَالْمَجْدُ الَّذِي مِنَ الإِلهِ الْوَاحِدِ لَسْتُمْ تَطْلُبُونَهُ؟" (يو 5: 44). الإيمان مسألة مستحيلة لمن يطلب مَجْدًا مِنَ النَّاس، لأنَّه في أعماقه يؤلِّه نفسَهُ بنفسِهِ... هو لا يعترف بوُجودِ إلهٍ غيره... وإنْ أقَرَّ بلِسانِهِ بذلك أو مارَسَ الطُّقوس الدِّينيَّة... لأنَّ مَنْ يطلُب مَجْدًا مِنَ النَّاس يفعل هذه كلّها وأكثر ليُغَذِّي كبرياءه ويثبِّت عبادته لنفسه...

*             *             *

المرأة السَّامِريَّة كانت مُنْغَمِسَة في الخطيئة، وخطيئتها ظاهرها جسدِيّ وباطنها روحيٌّ خطير وهو تأليه ذاتها كإلهةٍ للَّذَّة، فهي تُغَيِّر الرِّجال بسهولةٍ، ولم تَعُدْ تخجل مِنْ عدم الزَّواج لأنَّ مَنْ يَعتادُ الخَطيئة يَصيرُ وَقِحًا وغيرَ آبِهٍ برأيِ الآخَرين بما يفعل، بل يَهمَّهُ تحقيق نزواته الَّتي يَرَى فيها قُوّةً له. في العُمق كلُّ خطيئةٍ مُرتَبِطة بالكبرياء ينتج بالضَّرورة عنها إشباع الغرائز وطلب اللَّذات، لذلك نرى أنّ إنسان اليوم يتخبَّط بين طلب حياة الرّفاه المتمحورة حول تمجيد النَّاس له وإشباع نزوات الجسد. إنسان اليوم لا يملّ من التَّكلُّم عن نفسه في كلِّ حينٍ ليثبِّتَ أنَّه هو الإله... أقواله، أعماله، أهدافه ومشاريعه تتمحور حول رغبته بالصُّعود إلى حيث يصير منظورًا من النَّاس وممَجَّدًا منهم. المرأة السَّامريَّة صعدت بشهواتها من كبرياءٍ إلى لذّاتٍ إلى أماكن منظورة، وصارت خطيئتها، في الظَّاهِر، قوَّةً لها وحُضورًا بين النَّاس. والنَّاس أحيانًا كثيرة يمجِّدُون الخطأة إذ ينسبون خطيئتهم إلى شجاعةٍ عِوَضَ الوَقاحة وإلى قوّةٍ عِوَضَ الضُّعف. النَّاس يُحِبُّون الشُّهرة ولو كان سببها وقاحة... هذا إنسان السُّقوط...

*             *             *

الرَّبُّ يأتي إلى الخاطئ وإلى العابِد لِذاتِهِ ليُحرِّرَه من نفسه، لكن ليس الكلّ قابلون لهذه العطيّة. الرَّبُّ يعرف الوقت المناسب لتوبة كلِّ إنسانٍ، وهو يطلبه في هذا الوقت الموافِق ليسترجعه من يد الشَّيطان. الرَّبُّ لا يترك إنسانًا في الجحيم لا بل يبقى قابعًا في الجحيم معه إلى أن يصير وقت استرداده إليه... هذه هي حركةُ محبّةِ الله الدَّائِمة نحونا وانتظاره اللَّامُتناهي وصبره حتّى يُعيدُنا إليه... لمّا تجسَّد الإله أراد أن يشاركنا في كلِّ شيءٍ ما خَلا الخطيئة، ولكنَّه مع أنّه بلا خطيئة لم يأنَف أنْ يُشارِكنا جحيم خطيئتنا ليرفعنا معه إلى ملكوته. هو نزل إلى جحيمنا ليُصعِدْنا إلى راحَتِه... مَن يَظُنُّ نفْسَهُ بارًّا مِنّا يخجل أن يتعاطى مع السَّاقِطين، لكنَّ الرَّبَّ أتى مِنْ أجلِ السَّاقِطين، وكلّنا ساقِطُون، مِنَّا مَنْ سُقوطُهُ ظاهِرٌ لِعُيُونِ النَّاس ومِنَّا مَنْ سُقوطُهُ مَخْفِيٌّ عن أعْيُنِ النَّاس لكنَّه ليسَ مَخبُوءًا عَنْ عَيْنِ الله...

*             *             *

أيُّها الأحِبَّة، لا نَدِنْ بعضنا البعض بل ليعرف كلّ منّا خطيئته ويعترف بها ليُشفى، كما فعلتْ المرأة السَّامِريَّة حين أقَرَّتْ بخَطِيئيَّتها. ما جعل المرأة تتحوَّلُ من مُشَكِّكة ومُستجوِبة للمسيح إلى مُبَشِّرة هو أنَّها أدْرَكَتْ اِنكشافِها بالكُلِّيَّة أمامَه، لذلك، راحَتْ تَدعُو أهل القرية قائلةً: "تعالوا انظروا إنسانًا قال لي كلّ ما فعلت"... الله وحده يعرف كلّ تاريخ الإنسان الظَّاهِر والخَفِيّ، هو "فَاحِص الْقُلُوبِ وَالْكُلَى" (مز 7: 9). وكما نزل إلى جحيم المرأة السَّامِريَّة إذْ أتَتْ تَسْتَقي ماءً للجسد في عِزِّ حَرِّ النَّهار فصارَتْ كلمته لها "ماءً حيًّا" في جحيمها لا بَل ماءً مُحْيِيًا في الحَقّ...

لنفتح قلوبَنا أمام يسوع ولْنَشْرَب ماءَ نِعْمَتِهِ بمُعاشَرَةِ كلِمَتِهِ الإلهيَّة الَّتي تُطْفِئ ألَمَ أهوائِنا وشهواتِنا وتُنَقِّي قلوبَنا بجَرَيانِها الدَّائِمِ فينا مِنْ أدْرانِ الخَطايا ووَسَخِ السَّقطات وتلدنا مُجدَّدًا بمعمودِيَّةِ الدُّموع وغسل القلوب بالتَّوْبَة فنتغيَّر عن إنساننا العَتيق ونَلْبَسَ الجديد بروح الله القُدُّوس الَّذي بالكلمة يجري مِنْ جوفِنا أنهارُ ماءٍ حَيٍّ للتَّعزِيَةِ والشِّفاء والشَّهادة للإله الحَيّ الوَحيد الَّذي أتانا إلى أرضنا ليرفعنا إلى ملكوته...

ومن له أذنان للسَّمع فليسمع...

+ أنطونيوس

متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما

طروباريّة القيامة (باللَّحن الرّابع)

إنَّ تلميذاتِ الرَّبّ تعلَّمنَ مِنَ الملاكِ الكرْزَ بالقيامةِ البَهج. وطَرَحنَ القَضاءَ الجَدِّيَّ. وخاطبنَ الرُّسلَ مُفتَخِراتٍ وقائِلات. سُبيَ المَوتُ وقامَ المَسيحُ الإله. ومنحَ العالمَ الرَّحمةَ العُظمى.

طروباريَّة نِصْفِ الخَمْسين (باللَّحن الثَّامن)

في انتِصاف العِيدِ اسْقِ نَفسي العَطْشَى مِنْ مياه العِبادَةِ الحَسَنَةِ أيُّها المُخَلِّص. لأنَّكَ هتفت نحو الكلِّ قائلًا: مَنْ كان عطشانًا فليأتِ إليَّ ويشرب. فيا ينبوعَ الحياة، أيُّها المسيح الإله المَجد لك.

قنداق الفصح (باللَّحن الثّامن)

وَلَئِنْ كُنْتَ نَزَلْتَ إلى قبرٍ يا مَن لا يموت، إِلَّا أَنَّكَ دَرَسْتَ قُوَّةَ الجحيم، وقُمْتَ غالِبًا أَيُّها المسيحُ الإله، وللنِّسوَةِ حامِلاتِ الطِّيبِ قُلْتَ افْرَحْنَ، ولِرُسُلِكَ وَهَبْتَ السَّلام، يا مانِحَ الواقِعِينَ القِيَام.

الرّسالة (أع 11: 19- 30)

ما أعظم أعمالك يا ربُّ

كلَّها بحكمةٍ صنعت باركي يا نفسي الرَّبّ

في تلك الأيَّام لـمَّا تبَدَّد الرُّسُل مِنْ أجْلِ الضِّيق الَّذي حصل بسبب استفانوس، اجتازوا إلى فينيقية وقبرص وأنطاكية وهم لا يُكَلِّمون أحدًا بالكلمة إلَّا اليهود فقط. ولكنَّ قَوْمًا منهم كانوا قبرصيِّين وقَيْرَوانيِّين فهؤلاء لـمّا دخلوا أنطاكية أخذوا يكلّمون اليونانيّين مُبَشِّرين بالرَّبِّ يسوع. وكانت يَدُ الرَّبِّ معهم، فآمَن عددٌ كثير ورجعوا إلى الرَّبّ. فبلغ خبر ذلك إلى آذانِ الكنيسة الَّتي بأورشليم فأرسلوا برنابا لكي يجتاز إلى أنطاكية. فلمّا أقبل ورأى نعمة الله فرح ووَعَظَهُم كلُّهم بأنْ يَثبُتوا في الرَّبِّ بِعَزيمَةِ القلب، لأنّه كان رجلًا صالِحًا ممتَلِئًا مِنَ الرُّوح القُدس والإيمان. وانْضَمَّ إلى الرَّبِّ جَمْعٌ كثير. ثمَّ خرج برنابا إلى طَرسوس في طَلَبِ شاوُل، ولـمَّا وجدَهُ أتى به إلى أنطاكية. وتردَّدا معًا سنةً كامِلَةً في الكنيسة وعَلَّمَا جمعًا كثيرًا، ودُعِيَ التَّلاميذُ مَسيحيِّين في أنطاكية أوّلًا. وفي تلك الأيّام انحدر من أورشليم أنبياءُ إلى أنطاكية. قام واحِدٌ منهم اسمه أغابوس فأنبأ بالرُّوح أنْ سَتَكونُ مَجاعَةً عظيمةً على جميع المسكونة، وقد وقع ذلك في أيّام كلوديوس قيصر. فعزم التَّلاميذُ بحسب ما تَيَسَّر لِكُلِّ واحِدٍ منهم أن يُرْسِلُوا خِدْمَةً إلى الإخوة السّاكنين في أورشليم. ففعلوا ذلك وبعثوا إلى الشّيوخ على أيدي برنابا وشاول.

الإنجيل (يو 4: 5- 42)

في ذلك الزَّمان أتى يسوع إلى مدينةٍ مِنَ السَّامِرَة يُقال لها سوخار بقُرْبِ الضَّيْعَة الَّتي أعطاها يعقوب ليوسف ابنه، وكان هناك عَيْن يعقوب. فإذ كان يسوع قد تعب من المسير، فجلسَ على العَيْنِ وكان نحو السَّاعَةِ السَّادِسَة. فجاءَتْ امرأةٌ من السّامرة لتَسْتَقي ماءً، فقال لها يسوع: أعطيني لأشرب (فإنّ تلاميذه كانوا قد مَضَوْا إلى المدينة ليبتاعوا طعامًا). فقالت له المرأة السَّامِريَّة: كيف تطلب أنْ تَشْرَبَ مِنّي وأنتَ يَهوديّ وأنا امرأةٌ سامِرِيَّة، واليَهود لا يُخالِطُون السَّامريّين. أجاب يسوع وقال لها: لو عَرَفْتِ عَطِيَّةَ الله ومَن هو الَّذي قال لكِ أعطيني لأشرب لَطلَبْتِ أنتِ منه فأعطاكِ ماءً حيًّا. قالت له المرأة: يا سيّد، إنّه ليس معك ما تَسْتَقِي به، والبئرُ عميقةٌ، فمِنْ أين لك الماء الحيّ؟ ألعلّك أنت أعظم من أبينا يعقوب الَّذي أعطانا البئرَ وشَرِبَ هو وبَنوه وماشِيَتَه. أجاب يسوع وقال لها: كلُّ مَنْ يَشرب مِنْ هذا الماء يَعْطَش أيضًا. وأمّا مَنْ يَشرب مِنَ الماءِ الَّذي أنا أُعْطِيه فلَنْ يَعْطَشَ إلى الأبد، بل الماء الَّذي أُعْطيه له يَصيرُ فيه ينبوعَ ماءٍ ينبَعُ إلى حياةٍ أبديّة. فقالت له المرأة: يا سيّد أعطني هذا الماء لكي لا أعطش ولا أجيء إلى ههنا لأسْتَقي. فقال لها يسوع: اِذهبي وادْعِي رجُلَكِ وهَلُمِّي إلى ههنا. أجابت المرأة وقالت: إنّه لا رَجُلَ لي. فقال لها يسوع: أحْسَنْتِ بقَوْلِكِ إنَّه لا رَجُلَ لي، فإنّه كان لك خمسةُ رِجالٍ، والَّذي معك الآن ليس رَجُلَكِ، هذا قُلْتِهِ بالصّدِق. قالت له المرأة: يا سيّد أرى أنّكَ نَبِيّ. آباؤنا سجدوا في هذا الجبل، وأنتم تقولون إنَّ المكان الَّذي يَنبغي أن يُسْجَدَ فيه هو في أورشليم. قال لها يسوع: يا امرأة صَدِّقيني إنَّه تأتي ساعةٌ لا في هذا الجبل ولا في أورشليم تسجدون فيها للآب. أنتم تسجدون لِـما لا تعلمون، ونحن نسجد لِـما نعلم لأنّ الخلاص هو من اليهود. ولكن تأتي ساعةٌ، وهي الآن حاضِرَة، إذ السّاجدون الحقيقيّون يسجدون للآب بالرُّوح والحَقّ، لأنّ الآب إنّـما يطلب السّاجدين له مثل هؤلاء. الله روحٌ، والّذين يَسجدون له فبالرُّوح والحَقّ ينبغي أن يسجدوا. قالت له المرأة: أنا عَلِمْتُ أنَّ ماسيّا الَّذي يُقال له المسيح يأتي، فمتى جاءَ ذاكَ يُخْبِرُنا بكُلِّ شَيء. قال لها يسوع: أنا المتكلِّم معكِ هو. وعند ذلك جاء تلاميذه فتعجَّبوا أنّه يتكلّم مع امرأةٍ، ولكن لم يَقُلْ أحدٌ ماذا تطلب أو لماذا تتكلّم معها. فتركتْ المرأة جَرَّتَها ومضَتْ إلى المدينة وقالت للنَّاسِ: تعالوا انظروا إنسانًا قال لي كلّ ما فعلت. ألعلّ هذا هو المسيح؟ فخرجوا من المدينة وأقبلوا نحوه. وفي أثناء ذلك سأله تلاميذه قائلين: يا معلّم كُلْ. فقال لهم: إنّ لي طعامًا لآكل لستم تعرفونه أنتم. فقال التَّلاميذ فيما بينهم: ألعلّ أحدًا جاءه بما يأكل؟ قال لهم يسوع: إنّ طعامي أن أعمل مشيئة الَّذي أرْسَلَني وأتَمِّم عَمَلَه. ألستم تقولون أنتم إنّه يكون أربعةَ أشهرٍ ثمّ يأتي الحصاد؟ وها أنا أقول لكم اِرفَعُوا عيونَكم وانظروا إلى المَزارع إنّها قد ابيضّت للحَصاد. والَّذي يحصد يأخذ أجرةً ويَجْمَعُ ثَمَرًا لحياةٍ أبَدِيَّةٍ لكي يَفْرَحَ الزّارعُ والحاصِدُ مَعًا. ففي هذا يصدُقُ القَوْل إنَّ واحِدًا يَزْرعُ وآخَر يحصُد. إنّي أرسلتكم لتحصدوا ما لم تتعبوا أنتم فيه، فإنّ آخَرين تَعِبُوا وأنتم قد دخلتم على تعبهم. فآمن به من تلك المدينة كثيرون من السَّامريِّين بسبب كلام المرأة الَّتي كانت تَشْهَدُ: إنّه قال لي كلّ ما فعلت. ولـمّا أتى إليه السّامريّون سألوه أن يُقيمَ عندهم، فمكث هناك يومَيْن. فآمَنَ جمعٌ أكثر مِنْ أولئك جدًّا من أجل كلامه. وكانوا يقولون للمرأة لسنا بعد من أجل كلامِكِ نؤمن الآن، لأنّا نحن قد سمعنا ونعلم أنّ هذا هو بالحقيقة المسيح مخلّص العالم.

حول الرِّسالة

لمَّا عَلِم اليهود المتنصرون في أورشليم بوجود الرَّسُول بطرس عند كورنيليوس الرُّومانيّ وآكله مع الأمم قاطعوه وخاصموه فشرح لهم رؤياه الرَّمزيَّة (الملّاءة العظيمة المدلَّاة)، وأنَّ الرُّوح القُدس قد حَلَّ في بيت كورنيليوس واعتمد أهله وأصحابه، وأنَّ الله منحهم الموهبة كاليهود الَّذين آمَنوا. كان ردُّ القدِّيس بطرس المنطقيّ سببًا لسكوتهم وتمجيد الله الَّذي فتح باب الخلاص لكلِّ أجناس العالم.

بسبب الضِّيق الَّذي نتج عن الاضطّهاد اليهوديّ الَّذي حصل بسبب كلام واستشهاد الشّمّاس استفانوس تشتَّت المؤمنون فاجتازوا إلى فينيقية (لبنان) وقبرص وأنطاكية السُّوريّة. الخدَّام الَّذين من أصلٍ يهوديّ بَشَّروا اليهود بينما قام الخدَّام القبرصيُّون والقيروانيُّون (سكان قيرين في ليبيا) بوعظ اليونانيّين فآمَن كثيرون. لعلّ الآية الأهمّ في هذا النَّصّ هي: "وكانت يَدُ الرَّبِّ معهم فآمَن عددٌ كثير ورجعوا إلى الرَّبّ" (أع ٢١:١١). العامل الأساس الضَّامِن لنَجاح كُلِّ خدمةٍ هو أن تكون يَدُ الرَّبِّ وبركته داخِلَيْن في العمل، لأنّه: "إنْ لَم يَبْنِ الرَّبُّ البيت فباطِلًا يتعب البنَّاؤون وإنْ لَم يَحْرِس الرَّبُّ المدينة فعبثًا يحرس الحارسون"، مقياس النَّجاح يكمُن في مدى اِتِّكال الخادم على نعمة الله لإنجاح العمل لا على ذراعه البشريَّة. عندما تنجح الخدمة في مكانٍ ما تفرحُ الكنيسةُ كلُّها أينما كانت، لأنَّ خلاصَ كُلَّ نفسٍ بشريَّة يُفَرِّحُ السَّماء والأرض وكلَّ المسكونة، ويؤولُ بالتَّالي إلى تمجيد الرَّبّ: "فرحٌ كبيرٌ في السَّماء يكون بخاطئٍ واحِدٍ يتوب". دُعي التَّلاميذ مسيحيّين أوَّلًا في أنطاكية أي أنَّهم صاروا أتباعَ المسيح كما تَدُلُّ الكلمة اليونانيَّة، كانت أنطاكية المعقل الأوَّل للمسيحيِّين الَّذين من الأمم وثالث أهمّ مدينة في الإمبراطوريَّة بعد روما والإسكندريَّة.

اِستنارة السَّامِريِّين

في الأحد الرَّابع بعد الفصح يَروي لنا الإنجيليّ يوحنّا (5:4-42) حدث عبور يسوع السَّامرةَ في طريقه نحو الجليل، وقد توقَّف عند بئرِ يعقوب، ليقتنصَ امرأةً جاءَتْ تَسْتَقِي وَسْطَ حَرِّ النَّهار. الرَّبُّ وحدَه يعرفُ استعدادَ قلبها وقلب السَّامريِّين للتَّوْبة. هؤلاء جميعًا اعتبرهم اليهود خاطئين وكُفّارًا بسبب اختلاط نَسْلِهِم وعبادَتِهم بالوثنيِّين. فاليهودُ لا يُخالطونهم ولا يأكلون أو يشربون معهم.

بالرُّغم مِن ذلك طَلَبَ الرَّبُّ مِنَ المرأة أنْ تَسْقِيَهُ، فقالت له مُتعجِّبَةً كيف تطلبُ منّي لتشرب! قال لها: "لو كنتِ تعلَمين عَطِيَّةَ الله ومَن هو الَّذي يقول لك أعطيني لأشرب لطَلَبْتِ أنتِ منه فأعطاكِ ماءً حَيًّا" (يو 10:4). فتحيَّرَت وقالت له: "ألعَلَّك أعْظَمُ مِنْ أبينا يعقوب الَّذي أعطانا البئر..." (يو 12:4). إنّ الرَّبَّ مَنَحَها فَرَحًا وراحَةً وسَلامًا لم تَذُقْهُم مِنْ قَبْلُ، لذلك لمّا قال لها: "أنا أُعْطيكِ ماءً حيًّا لا يجعلك تعطشين أبدًا"، صَدَّقَتْهُ وطَلبَتْ إليه هذا الماء الحَيّ، مع أنّه لم يَصنع أمامَها أيّ معجزة.  فاستنارَ قلبها المُظْلِم بسبب خطيئتها.

لم يَرْفُض الرَّبُّ طَلَبَها، بل طلبَ إليها أن تأتي برَجُلِها ليُخلِّصَهما من خطيئتهما. فاعتَرَفَتْ بأنَّها غيرُ مُتزوِّجة. فكَشَفَ لها يسوع أنَّه كان لها خمسةُ أزواج والَّذي لها الآن ليس هو زوجُها، للحالِ آمَنَتْ واعترفَت به نبيًّا. ولمّا اطمأنّت إلى أنّه مُرسَلٌ من الله الآب سألته في أمور العبادة، فعلّمَها أنَّ الله روحٌ، وأنَّ الَّذين يعبدونه يَسجدون له بالرُّوحِ والحَقّ، ولما وَصَلت إلى حُرِّيَّةِ الإيمان أدركته أنَّه المسيّا المخلِّص.

 هذا هو الإلهُ المنْتَظَر ليَرْفَعَ الشُّعوب من ظلماتهم وأدناسهم. المرأةُ السَّامريَّةُ الَّتي اتَّخَذَتْ فيما بَعْدُ اسم فوتيني الَّذي يَعني مُنيرة أو مُستَنيرة، رَكَضَتْ مُسْرِعَةً تُبشِّرُ أهل مدينتها وتَشهدُ لهم أنَّه قالَ لها كلَّ ما فعلت، فأسرَعوا هم بدورِهم إليه ليُجالِسُوه ويتعلَّموا مِنه، وألزَمُوه أن يبقى عندهم فآمَنوا به وقالوا للمرأة: "ليس مِنْ أجلِ كلامِكِ نُؤمنُ نحن الآن، بل لأنَّنا قد رأينا وسمعنا، ونعلَم أنَّ هذا هو بالحقيقة المسيحُ مُخلِّصُ العالَم".

لنفتح نحن قلوبنا أيضًا ونسمع للمسيح ونُنادِي للنَّاس بالمخَلِّصِ النَّاهِضِ مِنْ بين الأموات والحَيّ إلى الأبد.