نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
أُنقُر على الملف لتصفُّح نشرة كنيستي
كما يمكن قراءة النص الكامل في المقطع أدناه.
الأحد (15) من لوقا (زكّا)
العدد 4
الأحد 26 كانون الثَّاني 2025
اللّحن 6- الإيوثينا 9
أعياد الأسبوع: *26: البارّ كسينُفوندس مع زوجته ماريَّا وولدَيه أركاديوس ويوحنَّا *27: تذكار نقل جسد القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم، القدّيسة ماركياني *28: البارّ أفرام السّريانيّ، البارّ بلاديوس *29: تذكار نقل بقايا الشَّهيد في الكهنة إغناطيوس المتوشِّح بالله *30: الأقمار الثَّلاثة مُعلِّمي المَسكونَة باسيليوس الكبير، غريغوريوس الثّيولوغوس، ويوحنّا الذَّهبيّ الفم وأمّهاتهم: آميليا- نونة- أنثوسة، إيبوليتُس الشَّهيد بابا رومية ورفقته *31: القدِّيسَيْن كيُرس ويوحنّا العادِمَيْ الفِضَّة، الشَّهيدة أثناسيَّا وبناتها *1: تقدمة عيد الدُّخول (دخول السَّيِّد إلى الهيكل)، الشَّهيد تريفن.
كلمة الرّاعي
الثَّالوث القُدُّوس: الجوهر والأقانيم الثَّلاثة
في تعليم الآباء الكبادوكيِّين والذَّهبيّ الفم
في تاريخ اللَّاهوت المسيحيّ، يُشَكِّلُ تَعليم الآباء الكبادوك، باسيليوس الكبير، غريغوريوس اللَّاهوتيّ وغريغوريوس النِّيصُصِي مع القدِّيس يوحنَّا الذَّهبيّ الفَم، ركيزةً أساسيَّةً لفهمنا العميق لسِرِّ الثَّالوث الأقدس. سنُحاول في هذه العجالة أنْ نُسَلِّطَ الضَّوْء على تعليمهم، باقتضاب، حول هذا الموضوع العقائديّ الأساسيّ والَّذي يُعتبر أوّل عقيدة تُمَيِّزُ الإيمان المسيحيّ وتطبعه بشكلٍ خاصّ، طبعًا، بالإضافة إلى سِرِّ التَّجَسُّد وسائر العقائد الأخرى الَّتي تنبثق من هذه العقيدة أو ترتبط بها.
* * *
قبل زمن الآباء الكبادوكيِّين لم يكن التَّمييز اللُّغَويّ واضحًا بين مُصْطَلَحَيْ ουσία أي جوهر، و υπόστασις أي أقنوم. فمصطلح οὐσία يُستَخدم في الفلسفة اليونانيَّة القديمة للإشارة إلى "الجوهر" أو "الماهِيَّة". إنَّه يُشير إلى الطَّبيعة الأساسيَّة أو الكينونة لشيءٍ ما. استخدمه الفلاسفة مثل أفلاطون وأرسطو لوَصْفِ ما هو الشّيء في ذاته، أي خصائصه الأساسيَّة. في أعمال أفلاطون، الـ"أوسيا" غالبًا ما تُشير إلى الأشكال المثاليَّة أو الحقيقة الحَقيقيَّة وراء الظَّواهر. بالنِّسبة لأرسطو، هي المادَّة الأساسيَّة الَّتي تدعم جميع الصِّفات والتَّغييرات. الهيبوستاسيس (باليونانيَّة: ὑπόστασις) تعني "الواقع الأساسيّ" أو "المادَّة". استخدمها فلاسفة مثل أرسطو للإشارة إلى المادَّة التَّحتيَّة أو الواقع الأساسيّ الَّذي يدعم كلّ شيء آخَر. في الأفلاطونيَّة المحدّثة، تشير "الهيبوستاسيس" إلى المستويات المختلفة من الواقع، مثل النَّفس، العقل (نوس)، والواحد.
قام الآباء بخطوةٍ جريئة في إظهار الفرق بين المصطلَحَيْن واستخدامهما كمصطلَحَيْن لاهوتِيَّيْن جديدَيْن. ما كان يهمّ الآباء هو ما تعنيه الكلمة والحقيقة الآتية منها، فاصطلحوا أنَّ عبارة ουσία تتماهى مع عبارة φύσις وهي تُستَعمل للدّلالة على وحدانيّة الله. وقالوا إنّ للثَّالوث القدُّوس جوهر أو طبيعة واحدة ويعنون بها substantia. من جهةٍ ثانية، مصطلح υπόστασις جعلوه يتماهى مع مصطلح πρόσωπον أي أقنوم أو شخص. ولكن عبارة πρόσωπον فقدت كلّ دلالة سابيلّوسيّة وأصبحت تعني الشَّخص وليس القناع. أي ما هو موجود حقًّا وليس ما هو ظاهر فحسب. تاليًا، أصبحنا ندلّ على ثلاثة كائناتٍ حقيقيّة. ما يهمّنا لاهوتيًّا هو نتيجة ما قام به الآباء أي شرح وإيضاح عقيدة الثّالوث القدُّوس للمحيط الفلسفيّ وأنّها غير عبثيّة، فقالوا إنّ الله واحدٌ في الجوهر أو الطّبيعة وثلاثة في الأشخاص أو الأقانيم. وهكذا للمرّة الأولى كان مصطلح واحد لعقيدة الثّالوث القدّوس ولغة واحدة يتكلّمها سائر اللّاهوتيّين. هكذا وحّد الآباء الكبّادوك مصطلح اللَّاهوت فوصلنا إلى عقيدة الثّالوث كما نؤمن بها ونعبّر عنها اليوم.
* * *
القدِّيس باسيليوس الكبير، يوضح في تعاليمه الفرق بين الأقنوم (Hypostasis) والجوهر أو الطَّبيعة (Ousia). يقول: "ليس هناك ثلاثة آلهة، ولكن إلهٌ واحدٌ في ثلاثة أقانيم، الَّذين لا ينقسمون في الجوهر ولكن يختلفون في الأقانيم". يُشدِّد باسيليوس على أنَّ الجوهر يُعَبِّر عن الطَّبيعة الإلهيَّة الواحدة المشتركة بين الآب والابن والرُّوح القُدس، بينما يُشير الأقنوم إلى الوجود الشَّخصيّ والفرديّ لكلٍّ منهم. الشَّخص يضمّ الطَّبيعة وليس العكس.
القدِّيس غريغوريوس اللَّاهوتيّ الَّذي يُعرَف بعمق تأمُّلاته اللَّاهوتيَّة حول سِرِّ الثَّالوث القدُّوس، يؤكِّد في أحد خطبه: "الآب هو الله، والابن هو الله، والرُّوح القدس هو الله، ولكنَّهم ليسوا ثلاثة آلهة بل إلهٍ واحد. في الثَّالوث، الوحدانِيَّة في الجَوهر، والتَّمايُز في الأقنوم". يُبَيِّن غريغوريوس أنَّ فهمَنا للثَّالوث يجب أن يكون شامِلًا يجمع بين وَحدة الجوهر والتَّنوُّع في الأشخاص.
القدِّيس يوحنَّا الذَّهبيّ الفَم، مِنْ جهّته، يُشدِّدُ في عِظاته على العلاقة العمليَّة النَّاتجة عن الإيمان بالألوهة الواحدة الَّتي للآب والابن والرُّوح القدس في تمايُز أقانيمهم وترجمتها في حياة المؤمن اليوميَّة. يقول: "كما أنَّ الشَّمس والنُّور والشُّعاع هي واحدة في الجوهر ولكن مختلفة في الوجود، هكذا الآب والابن والرُّوح القدس". يستخدم يوحنَّا الذَّهبيّ الفم أمثلة من الطَّبيعة لِتَوْضيح كيفيَّة الحفاظ على الوحدانيَّة في الجوهر مع التَّمايُز في الأقانيم.
* * *
أيُّها الأحِبَّاء، إنَّ العقائد ليست فلسفات أو نظريَّات لاهوتِيَّة لا تَمَسُّ حياتنا، بل هي جوهرُ ومعنى وجودنا، وإنْ لم نَعرفها ونؤمِن بها ونَعِشْها لا نحقِّق غاية خلقنا... فالله لأنَّه ثالوث فهو محبّة والمحبَّة شركة في وَحدةٍ وتمايُز، وَحدة الجوهر وتَمايُز الأقانيم، ولَوْلا هذا لما تجسَّد الله وأشْرَكَنا في ألوهِيَّتِهِ بابنه الوَحيد الجنس، ولما تحقَّقتْ لنا الشَّركة فيما بيننا والوَحدة في التَّمايُز، إذْ في الكنيسة جسد المسيح نتّحد مع الله الثَّالوث بالابن في الرُّوح القُدس، وندخل بالوَحدة مع يسوع في سِرِّ شركة الحياة الأبديَّة الَّتي هي حياة الثَّالوث القدُّوس، ونَتَألَّه، بالتَّالي، أيْ نَصيرَ شبيهين بالله مِنْ خِلال نعمة الثَّالوث القدُّوس بحسب مشيئة الآب في المسيح بالرُّوح القدس.
في الخلاصة، عَقيدة الثَّالوث ترتبط جوهريًّا بحياتنا وتُعطيها معناها، فإنْ لم يَكُن الله مثلَّث الأقانيم، فهو ليس محبَّة وشركة في وَحدةٍ وتمايُز وتاليًا لا تَجَسُّد ولا شركة لنا مع الله ولا وَحدَة. فلا كنيسة ولا روح قدس ولسنا مسكن الله ولا تعود النِّعْمة الإلهيَّة ساكنة فينا لأنّ الكنيسة ليست جسد ابن الله المتجسِّد ومطرح سكنى روحه القدُّوس في العالم. ممّا يعني بأنّه لا قداسة ولا حياة أبديَّة جوهرها الوَحدة مع الآب بالابن في الرُّوح القُدس والدُّخول في سِرِّ شركة المحبّة الإلهيَّة "Perichoresis" (περιχώρησις)... واقتناء حياة الله ومُشابَهَته... أي لا تألُّه... الإنسان يبقى في تُرابيّته وسُقوطه...
ومن استطاع أنْ يفهم فَلْيَفْهَم...
+ أنطونيوس
متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما
طروباريّة القيامة (باللَّحن السّادس)
إِنَّ القوَّاتِ الملائِكِيَّة ظَهَرُوا على قبرِكَ الـمُوَقَّر، والحرَّاسَ صَارُوا كَالأَموات، ومريمَ وَقَفَتْ عندَ القَبْرِ طَالِبَةً جَسَدَكَ الطَّاهِر، فَسَبَيْتَ الجَحِيمَ ولَمْ تُجَرَّبْ مِنْهَا، وصَادَفْتَ البَتُولَ مَانِحًا الحَيَاة، فَيَا مَنْ قَامَ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ، يَا رَبُّ المـَجْدُ لَك.
قنداق دُخول السَّيِّد إلى الهيكل (باللَّحن الأوّل)
يا مَنْ بمَوْلدكَ أيُّها المسيحُ الإله، للمُستَوْدَعِ البَتوليّ قدَّسْتَ. ولِيَدَيْ سمعانَ كما لاقَ بارَكْتَ. ولنا الآن أدركتَ وخلَّصْتَ. احفَظ رعيَّتَكَ بسلامٍ في الحروب وأيِّد المؤمنين الّذين أحببتَهُم، بما أنَّكَ وحدَكَ مُحبٌّ للبَشَر.
الرّسالة (1 تيمو 4: 9- 15)
الرَّبُّ يُعطي قوَّةً لشَعبِه
قدِّموا للرَّبِّ يا أبناءَ الله
يا إخوة، صادقةٌ هي الكلمةُ وجديرةٌ بكُلِّ قبُولٍ. فإنّنا لهذا نتعَبُ ونُعيَّر، لأننّا أَلْقَينا رجاءَنا على اللهِ الحَيّ، الَّذي هو مُخلِّصُ النّاسِ أجمعين، ولا سِيَّما المؤمنين. فَوَصِّ بهذا وعلّمِ به. لا يَسْتَهِنْ أَحَدٌ بِفُتُوَّتِك، بَل كُنْ مِثالًا للمؤمنينَ في الكلامِ والتَّصرُّفِ والمحبَّةِ والإيمان والعَفاف. واظِبْ على القراءةِ إلى حينِ قُدُومي، وعلى الوعظِ والتّعليم، ولا تُهمِلِ الموهبَةَ الَّتي فيك، الَّتي أُوتِيتَها بِنُبُوَّةٍ بِوَضْعِ أيدي الكهنة. تأمَّل في ذلك وكُنْ عليهِ عاكِفًا، لِيَكونَ تقدُّمُكَ ظاهرًا في كلِّ شيء.
الإنجيل (لو 19: 1-10)
في ذلك الزَّمان، فيما يَسُوعُ مُجتازٌ في أريحا، إذا بِرَجُلٍ اسمُهُ زكّا كان رئيسًا على العشّارينَ وكان غنيًّا، وكان يلتمسُ أن يرى يسوعَ مَن هُوَ، فلم يكن يستطيع من الجمع، لأنّه كان قصيرَ القامة. فتقدّمَ مُسرِعًا وصعدَ إلى جُمَّيزَةٍ لِيَنظُرَه، لأنّه كان مُزمِعًا أن يجتازَ بها. فلمّا انتهى يسوعُ إلى الموضع، رفعَ طَرْفَهُ فَرآه، فقال: يا زكّا أسرِعِ انزِل، فاليوم ينبغي لي أن أمكُثَ في بيتِك. فأسرعَ ونَزَلَ وقَبِلَهُ فَرِحًا. فلمّا رأى الجميعُ ذلك تذمَّرُوا قائلين إنّه دخلَ لِيَحُلَّ عند رَجُلٍ خاطئ. فوقف زكّا وقال ليسوع: هاءنذا يا ربُّ أُعطي المساكينَ نصفَ أموالي، وإن كنتُ قد غَبَنْتُ أحدًا في شيءٍ أردُّ أربعةَ أضعاف. فقال له يسوع: اليوم قد حصل الخلاصُ لهذا البيت، لأنّه هو أيضًا ابنُ إبراهيم، لأنّ ابنَ البشرِ إنّما أتى لِيَطلُبَ وَيُخَلِّصَ ما قد هَلَك.
حول الرّسالة
الآيات ٩ - ١١: ما هي الكلمة الصَّادِقَة والمستحقَّةً كلَّ قبول؟ كلمة الحَقّ، كلمة الإنجيل (البِشارَة الحَسَنَة)، كلام الوَعْظ والتَّبْشير والهِدايَة. وكلُّ مَن يَسير بمُوجَبِها ويَقْبَلها يكون سالكًا الطَّريق الرُّوحيّ الصَّحيح. "لهذا نتعب ونعيَّر" مَن يَخْتَار طريقَ الرَّبّ لا بُدَّ أنْ يَحْمِلَ مثله صليبَ الألم والتَّعيير والتَّعَب وما فيه مِنْ أشواك، فَوسْطَ الضِّيقاتْ المتَزايِدَة تَتلَذَّذ النَّفْس بالتَّعزيات الإلهيَّة الفائقة، لأنَّك ألْقَيْتَ رجاءَكَ على هذا الإله الَّذي لا يُخَيِّب طالبيه فهو مخلِّص جميع البشر ولا يستطيع أن يتلمس عمله الخلاصيّ سوى المؤمنين.
الآية ١٢: إنْ كان الرَّاعي حديث السِّنّ فلا يجب أن تصغر نفسه في عينيه. والشَّيْخ لا يُحسَب بِكِبَرِ السِّن وإنَّما باتِّسامَهُ بالحكمة ليس فقط مِنْ خلال المعرفة والوَعْظ والتَّعليم وإنَّما أيضًا في تدبير الأمور واتِّساع القلب لِيَضُمَّ كلَّ نَفْس.
الآية ١٣: يَليقُ بالرَّاعي أنْ يكونَ دائمَ النُّموّ والتَّقدُّم في حياته الرُّوحيَّة مِنْ خِلال الخلوات الرُّوحيَّة ولا سِيَّما حُبّ القراءة والتَّعليم واكتساب الخبرات الجديدة .
الآيتان ١٤ - ١٥: إنْ كان الله قد وهبَنَا مواهِب وفرزنا شمامسة وكهنة وأساقفة بِوَضْعِ اليَد مع غير استحقاق منّا، فيَليق بنا أنْ لا نَطْمرَ الوزنات بل نعمل بها رابحين النُّفوس إلى ملكوت الله. المواهِبَ المُعطاة للرَّاعي هي مجّانيَّة مِنَ الله ومُقَدَّمَة له بِلا فَضْلٍ مِنْ جانِبِه. فالله يستعمل الأواني الخزفِيَّة الضَّعيفة ويَضَع فيها نِعْمَتَهُ لِتَعْمَلَ بين البشر. على هذا الرَّاعي أنْ يَحْيَا أمينًا على ما استُؤمِنَ عليه وأن يُضْرِمَ المواهِبَ المُعطاةَ له بالعمل والجهاد حتّى لا تذبُل فيه فَيُدانُ أمام مَنْ وَهَبَه إيَّاها.
محبّة زكَّا
قصَّة زكَّا تُبرِز المثَل الأقوى لصورة المسيح في الإنجيل الَّذي يجري وراء الخاطئ والمنبوذ حيث أنَّ المسيح يأخذ المبادرة بذاتِه. هل إلى هذا الحَدّ يهمُّه الخاطئ؟ هل إلى هذا الحَدّ يتنازل ليُصادق الخطأة؟
زكَّا كان رئيسًا لجُباة العُشور وكان غنيًّا غنىً فاحِشًا باستخدام أساليب الغِشِّ الَّتي كانت مَعروفَةً لدى العَشَّارين جُباة الضَّرائب. اليَهود كانوا ينبذون العَشَّارين ويكرهونهم ويتجنَّبون مُخالَطَتِهم لأنَّهم كانوا يستَوْفُون منهم العُشور ليُعطونَها للسُّلْطَة الرُّومانِيَّة الوثَنِيَّة الحاكمة. الرَّبُّ يسوع أراد أن يكشِفَ لهم في هذه القصَّة أنَّه أتى ليفتِّشَ عن الضَّالّين والخطأة ليَقُودُهم إلى التَّوْبة. وأنَّ ملكوت السَّماوات ليس مُخَصَّصًا لفئَةٍ واحِدَة مُعيَّنَة للنَّاس بل هو للجميع ويَسَع الجميع .
كان لدى زكَّا مُحاوَلَة جادَّة لرُؤيَة المسيح إذْ سَمِعَ عَنْهُ أنَّه كان صَديقًا للعشَّارين وهذه فرصَتَه هو ليتوب وينالَ الخلاص. قِصْرُ قامَةِ زكَّا لم يَحُل دون رؤيته للمسيح فصعد إلى الجمَّيْزَة ليَراه. هذا يُعَلِّمُنا أنْ لا نُفسِحَ المجال لأيِّ عائِقٍ أنْ يَمنَعنا عن الالتِقاء بالله مهما كان. جواب المسيح له أثْلَجَ قلْبَهُ وأفْرَحَهُ بما لا يوصف .
قَدَّمَ زكَّا توبَةً فعلِيَّةً وليس بالكلام فقط مُظهرًا كيف كان يُصلِح خَطَأه ويُرْجِع ما أخذه من النَّاس أضعافًا. وهذا الحكم حكم به داود النَّبيّ على الرَّجُل الَّذي يغتصب نعجة غيره فهو أي داود أخذ نعجةً وهي بثشبع زوجة أوريّا الحثّي: "فحمي غضب داود على الرَّجل جدًّا (وهو نفسه) وقال لناثان النَّبيّ: حَيٌّ هو الرَّبُّ أنْ يُقتل الرَّجُل الفاعل ذلك ويردّ النَّعجة أربعةَ أضعافٍ لأنَّه فعل هذا الأمر ولم يُشفِق" (٢صم ١٢: ٥-٦).
عجيبٌ هو الرَّبُّ في محبَّتِهِ الَّتي تمتدُّ من الخاطئ إلى كلِّ أهل بيته فسَخَاء الله لا يُوازيه سَخاءٌ، إذْ للرَّبِّ أفكارٌ عَلَتْ عن أفكارِنا كعُلوِّ السَّماء عن الأرض (إش ٩:٥٥).