Menu Close
221224

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

أُنقُر على الملف لتصفُّح نشرة كنيستي

كما يمكن قراءة النص الكامل في المقطع أدناه.

الأحد قبل عيد ميلاد ربّنا يسوع المسيح (أحد النِّسبة)

العدد 51

الأحد 22 كانون الأوَّل 2024

اللّحن 1- الإيوثينا 4

أعياد الأسبوع: *22: أحد النّسبة، تذكار الآباء وجميع الَّذين أرضوا الله منذ الدَّهر من آدم إلى يوسف خطيب مريم الفائقة القداسة، بحسب أنساب الأجيال كما أوردها لوقا الإنجيليّ ومتّى الإنجيليّ على نسقٍ تاريخيّ، وتذكار الأنبياء والنّبيّات ولا سيَّما النّبي دانيال والفتية الثّلاثة القدِّيسين، وأيضًا تذكار الشَّهيدة الشَّافية أنستاسيَّا *23: الشُّهداء العشرة المستشهدين في كريت *24: بارامون ميلاد المسيح، الشّهيدة في البارَّات أفجانيّا *25: ميلاد ربّنا وإلهنا ومخلّصنا يسوع المسيح بالجسد *26: عيد جامع لوالدة الإله، الشَّهيد في الكهنة آفثيميوس *27: القدِّيس استفانوس أوّل الشُّهداء ورئيس الشَّمامسة، القدِّيس ثيوذورس الموسُوم *28: الشُّهداء العشرون ألفًا الذين في نيقوميذيَّة.

كلمة الرّاعي 

ميلاد عِمَّانوئيل

"هُوَذَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا، وَيَدْعُونَ اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ» الَّذِي تَفْسِيرُهُ: اَللهُ مَعَنَا" (مت 1: 23)

البَشَرِيَّة كانت تَحْيَا في انتظار الله مُخَلِّصِها، والوَعْد كان للإنسان الأوَّل أنَّ الَّذي سيَسْحَق رأس الحيَّة يأتي (راجع تك 3: 15). هو وَعد لكُلِّ البَشَرِيّة اختار الله أنْ يُتَمِّمه مِنْ خِلال الشَّعب العِبْرَانيّ سليل إبراهيم خليل الله والَّذي جُدِّد له الوَعْد والعَهْد من الله (ر اجع تك 12: 3) ولِسُلالَته من بعده. وَعْدُ الله كان أنّه هو نفسه سيأتي لِيَسْكُنَ بين النَّاس، وهذا ما قاله إشعياء النَّبيّ: "وَلكِنْ يُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً: هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ «عِمَّانُوئِيلَ" (إش 7: 14). البشريّة كلّها كانت تنتظر تحقيق هذا الوعد الَّذي تمّ "لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، (و) أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُودًا تَحْتَ النَّامُوسِ، لِيَفْتَدِيَ الَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ، لِنَنَالَ التَّبَنِّيَ" (غل 4: 4 و5). غاية الولادة للطِّفل الإلهيّ مِنَ البَتول مريم هو أنْ نَصيرَ أبناءَ الله بالتَّبنّي في المسيح يسوع. هذا هو مشروع الله الخلاصيّ لخليقته، إنّه يريد أن يُتْحِدَها فيه ليمنحها أن ترِثَهُ أي أن تقتني حياتَه الأبديَّة بالنِّعْمَة...

*       *       *

المسيح وُلِد "وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْدًا كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ، مَمْلُوءًا نِعْمَةً وَحَقًّا" (يو 1: 14). التَّلاميذ رأوْا وعاينوا ولمسوا وشَهِدوا (راجع 1 يو 1: 1)، فشهادتهم حقّ لأنّها شهادة خبرة وعِيان ويَقين، وثمرة شهادتهم هم الَّذين آمنوا ويؤمنون وسيؤمنون بيسوع المسيح ربًّا ومخلِّصًا... طفل المغارة غيّر وجه الكون والخليقة، ومازال وسيستمرّ إلى أن يأتي يوم حضوره "بمجد لِيَدين الأحياء والأموات". الآن في عيد الميلاد يأتينا طفلًا متواضعًا فقيرًا يوضع في مذود تُدفئه البهائم، هذا من جهة، ومجده يُستعلن للرِّعاة والمجوس من جهةٍ أخرى. التَّواضع أكليل مجده والعَذراء كُرْسيّ عرشه والرُّعاة والمجوس والبَهائِم رمز رعيّته. هو سيّد كلّ الخليقة، ويأتي لكلّ البشريّة اليَهود والأمم، وها هم مجتمعون حول مذوده الحقير يسبِّحون الله ويمجِّدُونَه ويعترفون بأَنَّهُ "يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْنًا، وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيبًا، مُشِيرًا، إِلهًا قَدِيرًا، أَبًا أَبَدِيًّا، رَئِيسَ السَّلاَمِ. لِنُمُوِّ رِيَاسَتِهِ، وَلِلسَّلاَمِ لاَ نِهَايَةَ عَلَى كُرْسِيِّ دَاوُدَ وَعَلَى مَمْلَكَتِهِ، لِيُثَبِّتَهَا وَيَعْضُدَهَا بِالْحَقِّ وَالْبِرِّ، مِنَ الآنَ إِلَى الأَبَدِ" (إش 9: 6 و7). ملك السَّلام أتى وصار الكلّ به مدعوًّا إلى بنوّة الله وتشكيل شعبه...

*       *       *

أيُّها الأحبَّاء، إنَّ عيد الميلاد ليس حدثًا تاريخيًّا وحسب، بل هو النّقطة الفاصلة في التَّاريخ، فما قبل المسيح ليس كما بعده، المسيح نقل البشريّة والكَوْن إلى مرحلة جديدة وإلى تحقيق غاية الخلق، إذ به وفيه يتجدّد كلّ مَنْ وما هو مخلوق. الإنسان الجديد أتى والعتيق مضى، "إِذًا إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ: الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ، هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا" (2 كو 5: 17). مع ميلاد طفل المغارة الإلهيّ فلنُولَد معه على صورته بمشيئتنا إذ نطيعه ونصنع مشيئته، فمن يؤمن بالمسيح يسوع مخلِّصًا يخلع، كما يوصي الرَّسُول بولس أهل أفسس في الإصحاح الرَّابع من رسالته إليهم، "مِنْ جِهَةِ التَّصَرُّفِ السَّابِقِ الإِنْسَانَ الْعَتِيقَ الْفَاسِدَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِ الْغُرُورِ" (22) ويعمل على التَّجدُّد بروح ذهنه (23) أي جوهر تفكيره ومنطلقاته ومبادؤه مصدرها كلمة الرّبّ وروحه القدّوس، ويلبس " الإِنْسَانَ الْجَدِيدَ الْمَخْلُوقَ بِحَسَبِ اللهِ فِي الْبِرِّ وَقَدَاسَةِ الْحَقِّ" (24). التَّغيير الَّذي يحصل في المؤمن بالمسيح هو تغيير كيانيّ وجوهري، طبيعته كإنسان تتغيَّر عن شكل آدم العتيق الأوَّل وهي تقتني قوّة آدم الجديد الثَّاني أي نعمة الرُّوح القدس الَّذي يمنح المؤمن تحقيق الكلمة الإلهيّة وتجسيدها حياة جديدة في العالم القديم الَّذي نعيش فيه والمنتظر خلاص الله، "لأَنَّ الْخَلِيقَةَ نَفْسَهَا أَيْضًا سَتُعْتَقُ مِنْ عُبُودِيَّةِ الْفَسَادِ إِلَى حُرِّيَّةِ مَجْدِ أَوْلاَدِ اللهِ. فَإِنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الْخَلِيقَةِ تَئِنُّ وَتَتَمَخَّضُ مَعًا إِلَى الآنَ..." (رو 8: 22).

المسيح وُلد ونحن نولد معه بنعمة روحه القدُّوس الَّذي سكبه علينا، لكي يَلِد بنا عالمه الجديد الَّذي هو الكنيسة جسده وتجسيد حبّه وفرحه وسلامه ومجده في هذا العالم. "نظام العالم الجديد" (New World Order) هو المحبّة الإلهيّة، وليس شيئًا آخَر، الَّتي هي سِرُّ الله الثَّالوث والَّتي كشفها لنا وجسّدها الله الآب بالابن المتجسِّد، في الرُّوح القدس، وكلّ ما عَدا ذلك عتيقٌ بعتيق، ومَن لم يعرف يسوع المسيح مازال فِي الظُّلْمَةِ وفِي أَرْضِ ظِلاَلِ الْمَوْتِ (إش 9: 2)...

المسيح وُلِدَ والله معنا، فلنمجّده في حياتنا وأعمالنا وأقوالنا شاهِدِين لحَقِّه وناقلين لِنُورِه وحامِلين لحُبِّه، لِيَصير العالمُ مَكانًا أفضل...

+ أنطونيوس

متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما

طروباريّة القيامة (بِاللَّحْنِ الأوَّل)

إِنَّ الحَجَرَ لَـمَّا خُتِمَ مِنَ اليَهُود، وَجَسَدَكَ الطَّاهِرَ حُفِظَ مِنَ الجُنْد، قُمْتَ فِي اليَوْمِ الثَّالِثِ أَيُّهَا الـمُخَلِّص، مَانِحًا العَالَمَ الحَيَاة. لِذَلِك قُوَّاتُ السَّمَاوَات هَتَفُوا إِلَيْكَ يَا وَاهِبَ الحَيَاة: الـمَجْدُ لِقِيَامَتِكَ أَيُّهَا الـمَسِيح، الـمَجْدُ لِمُلْكِكَ، الـمَجْدُ لِتَدْبِيرِكَ يَا مُحِبَّ البَشَرِ وَحْدَك.

طروباريَّة أحد الآباء (النِّسبة) (بِاللَّحْنِ الثّاني)

عَظِيمَةٌ هِيَ أَفْعَالُ الإِيمَانِ، لِأَنَّ الفِتْيَةَ الثَّلاثَةَ القِدِّيسِينَ قَدِ ابْتَهَجُوا فِي يَنْبُوعِ اللَّهِيبِ كَأَنَّهُمْ عَلَى مَاءِ الرَّاحَةِ، وَالنَّبِيَّ دَانِيَالَ ظَهَرَ رَاعِيًا لِلسِّبَاعِ كَأَنَّـهَا غَنَمٌ. فَبِتَضَرُّعِهِمْ أَيُّهَا الـمَسِيحُ خَلِّصْ نُفُوسَنَا.

طروباريَّة تقدمة عيد الميلاد (بِاللَّحْنِ الرّابِع)

إستعدّي يا بيت لحمُ فقد فُتِحت عدن للجميع، تهيَّئي يا أفراثا، لأنَّ عود الحياة قد أزهر في المغارة من البتول، لأنّ بطنها قد ظهر فردوسًا عقليًّا، فيه الغرس الإلهي، الّذي إذ نأكل مِنهُ نَحيا ولا نموت مِثل آدم يُلَد، منهضًا الصُّورة الَّتي سقطت منذ القديم.

قنداق تقدمة عيد الميلاد (باللَّحن الثّالِث)

اليَوْمَ العَذْرَاءُ تَأْتِي إِلَى الـمَغَارَةِ لِتَلِدَ الكَلِمَةَ الَّذِي قَبْلَ الدُّهُورِ وِلادَةً لا تُفَسَّرُ وَلا يُنْطَقُ بِهَا، فَافْرَحِي أَيَّتُهَا الـمَسْكُونَةُ إِذَا سَمِعْتِ، وَمَجِّدِي مَعَ الـمَلائِكَةِ وَالرُّعَاةِ الَّذِي سَيَظْهَرُ بِمَشِيئَتِهِ طِفْلًا جَدِيدًا الإِلَهَ الَّذِي قَبْلَ الدُّهُورِ.

الرِّسالة (عب 11: 9-10، 32-40)

مباركٌ أنتَ يا ربُّ إلهَ آبائنا

لأنَّكَ عدلٌ في كل ما صنعتَ بنا

يا إخوةُ، بالإيمانِ نَزَل إبراهيمُ في أرضِ الميعاد نزولَهُ في أرضٍ غريبةٍ، وسكَنَ في خيام معَ اِسحقَ ويعقوبَ الوارثَيْن معهُ للموعِدِ بعينهِ، لأنَّهُ انتظرَ المدينةَ ذاتَ الأُسسِ الَّتي اللهُ صانِعُها وبارئُها. وماذا أقول أيضًا. إنَّه يَضيق بيَ الوقت إن أخبرتُ عن جدعون وباراق وشمشون ويفتاح وداود وصموئيل والأنبياء، الَّذين بالإيمان قهروا الممالِكَ وعَمِلوا البِرَّ ونالوا المَواعِد وسَدُّوا أفواه الأسود وأطفأوا حِدَّة النّار ونَجَوْا مِنْ حَدّ السَّيْف وتقوَّوا من ضعف وصاروا أشِدّاء في الحرب وكسروا مُعسكرات الأجانب، وأخذتْ نساء أمواتهنَّ بالقيامة. وعُذِّب آخَرون بتوتير الأعضاء والضَّرب، ولم يقبلوا بالنَّجاة ليَحصلوا على قيامةٍ أفضل. وآخَرون ذاقوا الهُزْءَ والجَلْدَ والقيود أيضًا والسّجن، ورُجِموا ونُشِروا وامتُحِنوا وماتوا بِحَدِّ السَّيف، وساحوا في جُلُود غَنَمٍ ومَعِز وهم مَعوزون مُضايَقون مجهودون (ولم يكن العالم مستحقًّا لهم). وكانوا تائهين في البراري والجبال والمغاور وكهوف الأرض. فهؤلاء كلُّهم مَشهودًا لهم بالإيمان لم ينالوا المواعد، لأنَّ الله سبق فنظر لنا شيئًا أفضل أن لا يُكملوا بدوننا.

الإنجيل (متّى 1: 1- 25)

كِتَابُ مِيلاَدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِ دَاوُدَ ابْنِ إبْراهِيمَ، فإبْراهِيمُ وَلَدَ إسْحَقَ، وَإسْحَقُ وَلَدَ يَعْقُوبَ، وَيَعْقُوبُ وَلَدَ يَهُوذَا وَإِخْوَتَهُ. وَيَهُوذَا وَلَدَ فَارَصَ وَزَارَحَ مِنْ تَامَارَ. وَفَارَصُ وَلَدَ حَصْرُونَ، وَحَصْرُونُ وَلَدَ أَرَامَ، وَأَرَامُ وَلَدَ عَمِّينَادَابَ، وَعَمِّينَادَابُ وَلَدَ نَحْشُونَ، وَنَحْشُونُ وَلَدَ سَلْمُونَ، وَسَلْمُونُ وَلَدَ بُوعَزَ مِنْ رَاحَابَ، وَبُوعَزُ وَلَدَ عُوبِيدَ مِنْ رَاعُوثَ، وَعُوبِيدُ وَلَدَ يَسَّى، وَيَسَّى وَلَدَ دَاوُدَ الْمَلِكَ، وَدَاوُدُ الْمَلِكُ وَلَدَ سُلَيْمَانَ مِنَ الَّتِي كَانَتْ لِأُورِيَّا، وَسُلَيْمَانُ وَلَدَ رَحَبْعَامَ، وَرَحَبْعَامُ وَلَدَ أَبِيَّا، وَأَبِيَّا وَلَدَ آسَا، وَآسَا وَلَدَ يُوشَافَاطَ، وَيُوشَافَاطُ وَلَدَ يُورَامَ، وَيُورَامُ وَلَدَ عُزِّيَّا، وَعُزِّيَّا وَلَدَ يُوتَامَ، وَيُوتَامُ وَلَدَ آحَازَ، وَآحَازُ وَلَدَ حِزْقِيَّا، وَحِزْقِيَّا وَلَدَ مَنَسَّى، وَمَنَسَّى وَلَدَ آمُونَ، وَآمُونُ وَلَدَ يُوشِيَّا، وَيُوشِيَّا وَلَدَ يَكُنْيَا وَإِخْوَتَهُ في جلاءِ بَابِلَ، وَمِنْ بَعْدِ جلاءِ بَابِلَ يَكُنْيَا وَلَدَ شَأَلْتِئِيلَ، وَشَأَلْتِئِيلُ وَلَدَ زَرُبَّابِلَ، وَزَرُبَّابِلُ وَلَدَ أَبِيهُودَ، وَأَبِيهُودُ وَلَدَ أَلِيَاقِيمَ، وَأَلِيَاقِيمُ وَلَدَ عَازُورَ، وَعَازُورُ وَلَدَ صَادُوقَ، وَصَادُوقُ وَلَدَ آخِيمَ، وَآخِيمُ وَلَدَ أَلِيهُودَ، وَأَلِيهُودُ وَلَدَ أَلِعَازَارَ، وَأَلِعَازَارُ وَلَدَ مَتَّانَ، وَمَتَّانُ وَلَدَ يَعْقُوبَ، وَيَعْقُوبُ وَلَدَ يُوسُفَ رَجُلَ مَرْيَمَ الَّتِي وُلِدَ مِنْهَا يَسُوعُ الَّذِي يُدْعَى الْمَسِيحَ. فَكُلُّ الأَجْيَالِ مِنْ إِبْراهِيمَ إِلَى دَاوُدَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ جِيلاً، وَمِنْ دَاوُدَ إِلَى جلاءِ بَابِلَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ جِيلاً، وَمِنْ جلاءِ بَابِلَ إِلَى الْمَسِيحِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ جِيلاً. أَمَّا مَولِدُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَكَانَ هكَذَا: لَمَّا خُطِبَتْ مَرْيَمُ أُمُّهُ لِيُوسُفَ وُجِدَتْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَـجْتَمِعَا حُبْلَى مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. وَإِذْ كَانَ يُوسُفُ رَجُلُهَا صِدِّيقًا وَلَـمْ يُرِدْ أَنْ يَشْهَرَهَا هَمَّ بِتَخْلِيَتِهَا سِرًّا. وَفِيمَا هُوَ مُتَفَكِّرٌ فِي ذَلِكَ إِذَا بِـمَلاَكِ الرَّبِّ ظَهَرَ لَهُ فِي الحُلْمِ قَائِلاً: يَا يُوسُفُ ابْنَ دَاوُدَ لا تَخَفْ أَنْ تَأْخُذَ امْرَأَتَكَ مَرْيَمَ. فَإِنَّ الـمَوْلُودَ فِيهَا إِنَّـمَا هُوَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَسَتَلِدُ ابْنًا فَتُسَمِّيهِ يَسُوعَ فَإِنَّهُ هُوَ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ، (وَكَانَ هَذَا كُلُّهُ لِيَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ الرَّبِّ بِالنَّبِيِّ الْقَائِلِ: «هَا إِنَّ الْعَذْرَاءَ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا وَيُدْعَى عِمَّانُوئِيلَ» الَّذِي تَفْسِيرُهُ اَللهُ مَعَنَا). فَلَمَّا نَهَضَ يُوسُفُ مِنَ النَّوْمِ صَنَعَ كَمَا أَمَرَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ. فَأَخَذَ امْرَأَتَهُ وَلَـمْ يَعْرِفْهَا حَتَّى وَلَدَتِ ابْنَهَا الْبِكْرَ وَسَمَّاهُ يَسُوعَ.

حول الإنجيل

أيُّها الأحبَّاء ماذا نرى في إنجيل اليوم أهو تعليم أو موعظة، حتّى أنَّنا لا نرى فيه كلام ليسوع ولا أعجوبة ولا حدث. نرى في إنجيل اليوم سرد أو كلام كثير وطويل ومُملّ بعض الشَّيء لأشخاصٍ غُرباء لا نعرف عنهم الشَّيءَ الكثير. ولكن ما هو قصد متَّى الإنجيليّ مِنْ هذا السَّرْدِ الطَّويل لِنَسَب أو لِشَجَرَةِ عائلة يسوع البشريَّة، الجسدِيَّة. ولماذا هذا الاهتمام في الإنجيل لهذا النَّسب ليسوع المسيح؟

هو تأكيد لِشَيْئَيْن، الأوَّل: ظَهَر هناك في تاريخ أُناسٍ كِبار مُتعلِّمين يأخذون من العلم والمعرفة نهجًا لحياتهم، متوكِّلين على المعرفة وليس على الله. هؤلاء نادوا أو أنكروا حقيقة تجسُّد المسيح، مُدَّعين أنَّ السَّيِّد المسيح لم يتجسَّد بصورةٍ بَشَريَّةٍ حقيقيَّة، إنَّما ظهر كخيالٍ أو وَهْمٍ مُنطَلِقين مِنْ عَقائدِهِم بأنَّ الجسد هو عُنْصُر ظلمةٍ وشَرّ. لهذا ذكر الإنجيل المقدَّس نَسَب يسوع للتَّأكِيد على حقيقة التَّجسُّد الإلهيّ أي بمعنى أنَّ المسيح أخَذَ شَكلًا إنسانيّ وأيضًا أخذ الطَّبيعة الإنسانيَّة الكامِلَة. أي أخَذَ المسيح طبيعتنا نحن البشر واشترك فيها ومعنا.

الأمر الثَّاني، هو تأكيد على أنَّ يسوع هو المسيّا المنتَظَر المنْحَدِر مِنْ بَيْتِ أو من سُلالَة داود الملوكِيَّة لهذا يفتح الإنجيليّ متّى سلسلة الأنساب بِقَوْلِه:كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود ابن ابراهيم، نحن نعرف أنَّ متَى الإنجيليّ كَتَب إنجيله لليَهود حتّى يؤمنوا بيسوع، ولذا فهو يقدِّم لهم المسيح بحسب كُتُبِهِم المقَدَّسة أي العهد القديم. أيضًا أظهر لنا متّى الإنجيليّ مِنْ خِلال هذا السَّرْدِ الطَّويل لِنَسَبِ يسوع على مدى أمانة الله في وُعودِهِ وتَحقِيقها بأنَّه سيأتي المسيح المنتظر المسيّا المخلِّص. لذلك فمَجيء المسيح وتجسُّدِهِ، لم يَكُن صِدْفَةً مِنْ أحداثِ التَّاريخ البشرِيّ أو قرارً فُجائيًّا مِنَ الله بل هو تدبيرٍ إلهيّ قَصَدَ اللهُ تَحقيقُه عندما يَحينُ الوَقت. إذا جاء الملك الحقيقيّ متجَسِّدًا كابنٍ لِداود، مع أنَّ داود في حقيقته كان عبدًا. لقد رَضِيَ داود أن يكون العبد أبًا للمَسيح حتَّى نقبل نحن العبيد الإله أبًا لنا. أيضًا أراد متَّى الإنجيليّ أنْ يؤكِّدَ بأنَّ المسيح هو مِنْ نَسْلِ ابراهيم أب جميع المؤمنين الَّذي نالَ المواعيد، إنَّه بنسله تتبارك جميع أمَمِ الأرض، وكأنَّ المسيح جاءَ مِنْ نَسْلِ ابراهيم ليكون بركةً لجميع الأمم وليس فقط لليهود، لأنَّ الأبُوَّة الكاملة والحقيقيَّة لا تقف عند حدود علاقةِ الجسد والدَّم كما حصرها اليهود في علاقاتهم مع ابراهيم، إنَّما قدَّمَتْ الأبوَّة السَّماويَّة لكلِّ مؤمنٍ من كلِّ أُمَّة. لأجلِ هذا، المسيح هو الإله والمخلِّص لكلِّ العالم، نَقُولُ في صَلواتِنا الميلاديَّة: اليوم البرايا وكلُّ الشُّعوب تمتلئ فرحًا لأنَّ المسيح قد وُلِد. نحن اليوم وقبل أنْ نأتي إلى المغارَة لنتمتَّع برؤية المولود الَّذي مِنْ خِلالِه يتمُّ فرحنا، علينا أن نتهيَّأ لتغيُّراتٍ كبيرة، يجب أن تحدث في حياتنا كلِّها لكي نكون مستحقِّين حقًّا ومتأهِّلين لهذا الاستقبال يوم مولد يسوع الأسبوع القادم. لذلك علينا أن نكمل استعداداتنا بالمزيد من الصَّلاة، أن نصلِّي بدون تذمُّر أو امتعاض وبالمزيد من الصَّوم والتَّأمُّل بهذا السِّرِّ العظيم، الإله يَصير إنسانًا والإنسانُ يصير إلهًا.

نَحارُ أمام سِرَّك يا ربّ.!!.

"ميلادك أيّها المسيح إلهنا قد أطلع نور المعرفة في العالم"...

لا معرفة العقل: "لأنّ السّاجدين للكواكب به تعلّموا من الكوكب السّجود لك يا شمس العدل"... بل معرفة السّجود، السّجود "لشمس العدل". سجود نُقبل به من الظّلام إلى النّور، "نور العالم": "لأنّك استنارة نفوسنا وأجسادنا". سجود نشخص به ونرتقي إلى نبع الوجود، إلى المشارق: "وأن يعرفوا أنّك من مشارق العلوّ أتيت يا ربّ المجد لك". سجود كلّ الكيان.

 إنّ سجودنا هذا يتمّ أمام سرّ: سرّ من أسرار الله الفائق الإدراك. ولذلك فالعقل يجب أن ينسحب. أن يتوقّف عند عتبة السرّ وينسحب. ما هذا العجب الصّائر.؟!.. كيف الإله يصير طفلًا.؟!.. الإله الخالق، اللّامحدود، القدّوس، يولد في مغارة للبهائم، يتخلّى عن مجده وسلطانه وكيانه.!.. ملك الملوك يتّخذ صورة عبد.!.. إنّه السرّ الّذي يُسجد امامه، سرّ اتّضاع الله حبًّا بالنّاس، سرّ كيان "الله-المحبّة". في الاتّضاع كرامة كيانيّة، لا يستطيعها إلّا من له الكيان... أو من يتشبّه بمن له الكيان. الاتّضاع فضيلة إلهيّة، تفترض تجاوز الذّات وتتطلّبه، أي تبتغي كيانًا أوفر... مزيدًا من الكيان. في الاتّضاع كرامة وعزّة ملوكيّة: فالمغارة تصير محلًّا للملكوت... وفيه ضياء: في الخفاء يسطع نور الله....

إنّ واقع الإنسان، منذ خطيئة آدم، واقع سقوط وحاجة إلى خلاص. وهذا ليس فقط على صعيد تاريخيّ. إنّ الحاجة إلى الخلاص حقيقة إنسانيّة، آنيّة أبدًا. حقيقة قائمة في كلّ إنسان لا بدَّ أن يشعر بها عاجلًا أم آجلًا. والميلاد هو ميلاد المخلّص "الّذي يخلّص شعبه من خطاياهم". الّذي يستطيع أن يخلّص والخلاص بيده على الدّوام، بل أتى ليخلّص... لأنّه الإله الّذي يحبّ ويبذل نفسه في سبيل من يحبّ. الميلاد هو ميلاد عمّانوئيل "الله معنا"...

فإذا كان الرّبّ يسوع، الطّفل المولود، أتى ليخلّصني، فإنّ تعييدي للميلاد لا يستقيم ولا يكتمل إلّا إذا فكّرت بخطيئتي وشعرت بها. إذا كان أتى يخلّصني فعليَّ أن أعرض نفسي لهذا الخلاص وأتقبّله: فأتطلّع إليه من عمق خطيئتي وأتقبّله بإيمان وشكر وفرح... لقد تنازل الله اليوم إلى المذود، ولكنّه تنازل أكثر أيضًا من المذود: إذ تنازل إليَّ أنا الخاطىء. فإذا بقي الميلاد عندي على الصّعيد التّاريخيّ أو الكنسيّ ولم يتمّ على الصّعيد الشّخصيّ فماذا أستفيد.؟!.. يجب أن يتمّ الميلاد لي، أن يبزغ خلاصه فيَّ، أن يدخل الله إليَّ، أن يولد المسيح فيَّ بندى الطّهارة كما ولد من البتول، كقول القدّيس يوحنّا السلّمي.

المسيح يولد في التّاريخ كلّ يوم. إنّ العالم في تخبّط وتفكّك وبلبال، ولكنّه من وسط شرّه الرّهيب، في عمقه غير المنظور، في كيانه الجوهريّ، يتوق إلى الإله المتجسّد فيه، بل يحوي المسيح في طيّاته الخفيّة، ويصبو إلى طهره وعدله وسلامه. لأنّه إنّما خُلق بالمسيح، الّذي "كلّ شيء به كان"(يو1: 3).

وقوّة المسيح الخفيّة هذه، إذا ما استقرّت ونمت في القلوب المتّضعة والنّفوس الملتزمة، هي الرّادع الوحيد لكلّ شر، والمقيم الأخير لكلّ عدل ومحبّة وسلام.

نسجد لميلادك أيّها المسيح، نسجد لميلادك ونعبدك أيّها الإله المتأنّس، الطّفل الغريب، الإله الخفيّ. نحار نحن أمام سرّك مضجعًا في مذود، يا من لا تسعه السّموات... ونؤمن خاشعين.

كيف لا تكون الإله الحقّ، وقد أتيت إلينا لا بالسّلطان والجبروت بل بالامّحاء والتّفاني.؟!.. لم تفرض ذاتك على النّاس يا يسوع لكنّك جئتَ لهم أخًا بل عبدًا خادمًا وبالدمّ فاديًا. همّك كلّه خلاص النّاس، وخلاص النّاس أجمعين.

نحار أمام سرّك يا ربّ. كيف تخلّيتَ عن قدرتك ومجدك، عن ملكك ولاهوتك.؟!.. أنت الكائن كيف صرتَ إلى ما لم يكن.؟!.. لقد ارتضيتَ أن تصير من عالم المخلوقات لأجلنا، وخضعتَ لنواميس الأرض في كلّ شيء وأنت لم تزل الإله القدير الخالق. أفرغتَ ذاتك وأخليتها لتساوي نفسك بخليقتك. أنت أردت وبسلطانك جرّدتَ ذاتك من سلطانك، حتّى تفدينا بحبّك.

نَحارُ أمام سرّك يا ربّ... ونؤمن خاشعين...

(المرجع: "آمنوا بالنّور لتصيروا أبناء النّور". الأرشمندريت الياس مرقص. (2003)).