نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
الأحد 3 تشرين الثّاني 2019
العدد 44
الأحد (20) بعد العنصرة
اللّحن 3- الإيوثينا 9
أعياد الأسبوع: *3: الشّهيد أكبسيماس ورفقته، تجديد هيكل القدّيس جاورجيوس في اللّد *4: القدّيس إيوانيكيوس الكبير، الشّهيدان نيكاندروس أسقف ميرا وإرميوس الكاهن *5: الشّهيدان غالكتيون وزوجته ابيستيمي الحمصيّان، القدّيس هرماس ورفقته *6: القدّيس بولس المُعترف رئيس أساقفة القسطنطينيّة *7: الشّهداء ال/33/ المستشهدون في ملطية، البارّ لعازر العجائبيّ *8: عيد جامع لرئيسَي الملائكة ميخائيل وجبرائيل وسائر القوّات السّماويّة العادِمَة الأجساد *9: الشّهيد أونيسيفورس وبورفيريوس، البارّة مطرونة الحمصيّة، القدّيس نكتاريوس أسقف المدن الخمس، القدّيس البارّ يوحنّا القصير، البارّة ثيوكتيستي.
كلمة الرّاعي
المؤمن وشؤون الأرض
”أتيتُ لتكون لهم الحياة ولتكون أفضل“ (يوحنّا 10: 10). هذه غاية التَّجسُّد، أن ينتقل البشر إلى حياة أفضل من الّتي حصلوا فيها ببعدهم عن الله ورفضهم له كمصدر لحياتهم. الانفصال عن الله أدَّى إلى تباعد البشر عن بعضهم البعض، لا بل إلى اعتبار كلّ إنسان الآخَر تهديدًا له، ودخول الخوف والشَّكّ في العلاقات بين البشر كعنصرَين أساسيَّين، سواء بالوعي أو باللّاوعي، وفي نظرتهم إلى بعضهم البعض ...
* * *
لماذا قتل قايين هابيل؟! ... لماذا استعبد الرّؤساء شعوبهم واغتصبوا حقوقهم؟! ... لأنّهم تركوا الرَّبّ! ... عندما طلب بنو إسرائيل ملكًا عليهم من صموئيل النّبيّ واستاء النّبيّ من هذا الأمر أجابه الرّبّ قائلًا: ”اسْمَعْ لِصَوْتِ الشَّعْبِ فِي كُلِّ مَا يَقُولُونَ لَكَ، لأَنَّهُمْ لَمْ يَرْفُضُوكَ أَنْتَ بَلْ إِيَّايَ رَفَضُوا حَتَّى لاَ أَمْلِكَ عَلَيْهِمْ ...“ (1 صموئيل 8: 7). ولكن ما هو ثمن خيار الشّعب هذا؟ ”هذَا يَكُونُ قَضَاءُ الْمَلِكِ الَّذِي يَمْلِكُ عَلَيْكُمْ: يَأْخُذُ بَنِيكُمْ وَيَجْعَلُهُمْ لِنَفْسِهِ ...“ (أنظر: 1 صم 8: 11—18). العبوديّة للمخلوق، هذه هي النّتيجة. لماذا؟ لأنّ الله رأى الأرض: ”فَإِذَا هِيَ قَدْ فَسَدَتْ، إِذْ كَانَ كُلُّ بَشَرٍ قَدْ أَفْسَدَ طَرِيقَهُ عَلَى الأَرْضِ ...“ (تكوين 6: 12). كلام مخيف، هذه الإطلاقيّة الّتي يتحدَّث بها الوحي الإلهيّ في سفر التّكوين. لا يوجد بشر خالٍ من الفساد، لأنّ الفساد ثمرة الخطيئة، ولا يوجد بشر خالٍ من الخطيئة. لذلك، بشارة الرَّبّ يسوع كانت: ”قَدْ كَمَلَ الزَّمَانُ وَاقْتَرَبَ مَلَكُوتُ اللهِ، فَتُوبُوا وَآمِنُوا بِالإِنْجِيلِ ...“ (مرقس 1: 15).
* * *
بناءً على ما سبق، يعرف المؤمن ما في الإنسان (راجع: يوحنا 2: 25) لأنّه يعرف نفسه خاطئًا، ويدرك كم هو صعبٌ الصّراع مع الذّات ضدّ الخطيئة الكامنة في تعلُّق الإنسان بنفسه كمحور للوجود عِوَضًا عن الله. من هنا، ينطلق المؤمن من صراعه مع ذاته في سبيل عيش البِرِّ الّذي بطاعة الكلمة الإلهيَّة وهو متيقِّن أنّه غير قادر على الغلبة بدون قوّة المسيح الّتي بنعمة الرُّوح القدس. من لم يدخل في هذه الحرب اللّامنظورة الّتي تدور رحاها في القلب والكيان الدّاخليّ الخفيّ ويغلب بالأمانة لله أو على الأقلّ يرى ضعفه ومعطوبيّته وحاجته الجوهريّة لله لا يستطيع أن يتعاطى العالم وشؤون الأرض باستقامة بنّاءة، لأنّ المبدأ الأساسيّ للمؤمن في كلّ عمل هو التّالي: ”إِنْ لَمْ يَبْنِ الرَّبُّ الْبَيْتَ، فَبَاطِلًا يَتْعَبُ الْبَنَّاؤُونَ. إِنْ لَمْ يَحْفَظِ الرَّبُّ الْمَدِينَةَ، فَبَاطِلًا يَسْهَرُ الْحَارِسُون ...“ (مزمور 127: 1). كلّ شيء للمؤمن من الله يأتي وبه يُتَمَّم وإليه يؤول، هذا معنى ”أَنَا هُوَ الأَلِفُ وَالْيَاءُ، الْبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ ’يَقُولُ الرَّبُّ الْكَائِنُ وَالَّذِي كَانَ وَالَّذِي يَأْتِي، الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ...“ (رؤيا يوحنّا 1: 8). بدون الله لا تتحقَّق حياة الإنسان! ... من لم يفهم هذا الأمر سيبقى تائهًا في بحر العمر يخبّط خبط عشواء مبدِّدًا طاقاته وحياته لأجل العدم! ...
* * *
انطلاقًا من حبِّ الخالق للإنسان، ومن قيمة هذا الأخير الّتي أُعطيت له كونه على صورة الله وكون ابن الله اتَّخذه حين تجسَّد ليرفعه ويوصله إلى هدف وجوده وهو أن يصير على ”مثال الله“، يتَّخذ المؤمن العالم كما اتَّخذه سيّده الّذي وحّد نفسه مع ”صغار“ (راجع: متّى 25: 31—46) هذا العالم ليكون هو خادمًا لهم في محبّيه. تصير ”الحياة أفضل“ حين يُنصَف المسكين ولا يعود من محتاج، حين يُغلَب الخوف من الآخَر بالحبّ (راجع: 1 يوحنّا 4: 18)، وحين تُبنى الثّقة بين البشر بتعهُّد الإنسان كلّ إنسان بغضّ النّظر عن دينه ومعتقداته وفلسفاته في إطار الحقّ والنّظرة الأنطولوجيّة المسيحيّة للآخَر سواء آمن هذا الآخَر بها أم لم يؤمن ...
* * *
واجبنا كمسيحيّين أن نبني الإنسان لنبني المجتمعات والأوطان. القوانين الوضعيّة رهن لكيفيّة تعاطي البشر معها، الأساس ليس هو القانون مع ضرورته الّتي لا بديل عنها في العالم السّاقِط، فالقانون وُضِع ليكشف الخطيئة، ولكنّ البِرّ يأتي بالنّعمة الّتي من فوق الّتي تغيّر كيان الإنسان وتخلقه من جديد بالموت عن روح النّاموس والعيش في سرّ المحبّة الباذلة.
لهذا أتى المسيح، لتكون الكنيسة أيقونة ملكوت الله والحياة الجديدة في الحبّ المبذول لتشدَّ العالم إلى سرّ الفرح الحقيقيّ ...
نحن كمؤمنين مسؤوليّتنا أمام الله أن نكون شهودًا لتجسُّده أي لحضور ملكوت الله في العالم بمبادئنا بأفكارنا بأقوالنا بأعمالنا بحياتنا بتعهّدنا للإنسان ليسود الحبّ ... ويصير الله ”الكلّ في الكلّ“ (1 كورنثوس 15: 28) في الوطن وفي كلّ صقع من أصقاع الدّنيا ...
ومن له أذنان للسَّمع فليسمع ...
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما
طروباريّة القيامة (باللَّحن الثّالث)
لِتفرحِ السَّماوِيَّات. ولتَبتَهِجِ الأرضِيَّات. لأنَّ الرَّبَّ صنعَ عِزًّا بساعِدهِ. ووَطِئَ المَوْتَ بالمَوْت. وصارَ بِكرَ الأموات. وأنقذَنا من جَوفِ الجحيم. ومَنَحَ العالمَ الرَّحمةَ العُظمى.
طروباريّة القدّيس جاورجيوس اللّابس الظّفر (باللَّحن الرّابع)
بما أنّك للمأسورين محرّرٌ ومُعتقٌ، وللفقراء والمساكين عاضدٌ وناصرٌ، وللمَرضى طبيبٌ وشافٍ وعن المؤمنين مكافحٌ ومُحاربٌ، أيّها العظيم في الشّهداء جاورجيوس اللّابس الظّفر، تشفّع إلى المسيح الإله في خلاصِ نفوسِنا.
القنداق (باللَّحن الثّاني)
يا شفيعَةَ المَسيحيّين غَيْرَ الخازية، الوَسيطةَ لدى الخالِق غيْرَ المرْدودةِ، لا تُعْرضي عَنْ أصواتِ طلباتِنا نَحْنُ الخَطأة، بَلْ تدارَكينا بالمعونةِ بما أنَّكِ صالِحَة، نَحنُ الصّارخينَ اليكِ بإيمان: بادِري إلى الشَّفاعَةِ وأسَرعي في الطّلْبَةِ يا والدَة الإلهِ، المُتشَفِّعَةَ دائمًا بمكرِّميك.
الرّسالة (غل 1: 11– 19)
رَتِّلُوا لِإِلهِنا رَتِّلُوا
يا جَميعَ الأُمَمِ صَفِّقُوا بِالأَيادي
يا إخوة، أُعْلِمُكُم أنَّ الإنجيلَ الّذي بَشَّرتُ بهِ ليسَ بحسبِ الإنسانِ، لأنّي لم أتسلَّمْه أو أتعلَّمْهُ مِن إنسان، بَل بإعلانِ يَسوعَ المسيح. فإنَّكم قد سَمِعُتُم بِسِيرَتِي قَديمًا في مِلَّةِ اليهود، أنّي كنتُ أضطَهِدُ كنيسةَ اللهِ بإفراطٍ وَأُدَمِّرُها، وَأَزِيدُ تَقدُّمًا في مِلَّةِ اليهودِ على كثيرين من أَتْرابي في جِنسي، بِكَوْني أَوفَرَ مِنهُم غَيرةً على تقليداتِ آبائي. فلمّا ارتضَى اللهُ الّذي أَفرَزَني مِن جَوفِ أُمّي وَدَعاني بِنِعمتِهِ أَنْ يُعلِنَ ابنَهُ فيَّ، لِأُبَشِّرَ بِهِ بَينَ الأُمَمِ، لِساعتي لَم أُصْغِ إلى لَحمٍ وَدَمٍ، وَلا صَعِدْتُ إلى أُورَشليمَ إلى الرُّسُلِ الّذِينَ قَبْلي، بَلِ انطَلَقتُ إلى دِيارِ العَرَب. وبعدَ ذلك رَجعَتُ إلى دِمشق. ثُمَّ إنّي بَعدَ ثلاثِ سِنينَ صَعِدتُ إلى أورشليمَ لِأَزُورَ بُطْرُس، فَأَقَمْتُ عِندَه خَمسةَ عَشَرَ يومًا، وَلَم أرَ غَيرَهُ مِنَ الرُّسُلِ سِوى يَعقُوبَ أَخي الرّبّ.
الإنجيل (لو 16: 19– 31) (لوقا 5)
قال الرّبّ: كانَ إنسانٌ غَنِيٌّ يَلْبَسُ الأُرْجُوانَ وَالبَزَّ وَيَتَنَعَّمُ كُلَّ يَومٍ تَنَعُّماً فاخِرًا. وكانَ مِسكينٌ اسمُهُ لَعازَرُ مَطرُوحًا عِندَ بابِهِ مُصابًا بِالقُرُوح، وكانَ يَشتَهي أنْ يَشبَعَ مِنَ الفُتاتِ الّذي يَسقُطُ مِن مائدةِ الغَنِيّ، فكانَتِ الكِلابُ تَأتي وَتَلْحَسُ قُرُوحَهُ. ثُمّ ماتَ المِسكينُ فَنَقَلَتْهُ المَلائكةُ إلى حِضنِ إبراهيم. وماتَ الغَنيُّ أيضًا فَدُفِن. فَرَفَعَ عَينَيهِ في الجحيم، وَهُوَ في العَذاب، فَرَأى إبراهيمَ مِن بَعيدٍ وَلَعازَرَ في حِضْنِه. فنادى قائلًا: يا أَبَتِ إبراهيمُ ارحَمْني وأَرْسِلْ لَعازَرَ لِيَغْمِسَ طَرَفَ إصبَعِهِ في الماءِ وَيُبَرِّدَ لِساني لأنّي مُعَذَّبٌ في هذا اللّهيب. فقال إبراهيمُ: تَذَكَّرْ يا ابْني أنّكَ نِلْتَ خَيراتِكَ في حَياتِكَ وَلَعازَرُ كذلكَ بَلاياه. وَالآنَ فهو يَتَعزّى وأنتَ تَتعذَّب. وَعِلاوَةً على هذا كُلِّه فَبَينَنا وَبَينَكُم هُوَّةٌ عظيمةٌ قد أُثبِتَتْ، حتّى أنَّ الّذِينَ يُرِيدُونَ أن يَجتازُوا مِن هُنا إلَيكُم لا يَستَطِيعون، ولا الّذِينَ هُناكَ أن يَعبُرُوا إلَينا. فقال: أَسأَلُكَ إذًا يا أَبَتِ أنْ تُرسِلَهُ إلى بَيتِ أبي، فإنَّ لِي خَمسةَ إخوةٍ حتّى يَشهَدَ لَهُمْ لِكَي لا يَأتُوا هُم أيضًا إلى مَوضِعِ العَذابِ هذا. فقال لَهُ إبراهيم: إنَّ عِندَهُم مُوسى وَالأنبياءَ فَلْيَسْمَعُوا مِنهُم. قالَ: لا يا أَبَتِ إبراهيم، بَل إذا مضى إلَيهِمْ واحِدٌ مِنَ الأمواتِ يَتُوبُون. فقال لَهُ: إنْ لَم يَسمَعُوا مِن مُوسى والأنبياء، فَإنَّهُم ولا إنْ قامَ واحدٌ مِنَ الأمواتِ يُصَدِّقُونَهُ.
حول الرّسالة
يوضح بولس في هذا المقطع أنّه رسول منذ البداية وأنّه استلم رسالته هذه من السّيّد المسيح مباشرةً وبطريقة معجزيّة (على طريق دمشق)، وليس أثناء خدمة السّيّد على الأرض كباقي الرُّسُل الإثني عشر والتّلاميذ السّبعين. في الآيتين 13 و14، يعترف بماضيه السّابق الأسود المتمثّل بغيرته العمياء على الدّيانة اليهوديّة ومُطاردته للمسيحيّين واضطهاده لهم وإفراطه في كلّ هذا أكثر من سائر اليهود، كيف لا وهو المتتلمذ على يديّ المعلّم الأوّل للنّاموس والشّريعة غمالائيل. في الآيات 15 و16 و17، يتكلّم عن التّحوّل العجيب الّذي حصل له في حياته واستنارته بنور المَسيح مُبْعِدًا عن ذهن القارئ أيّ فضل شخصيّ له في كلّ هذا، وناسِبًا إيّاه لنعمة الله وفضله عليه. هذه الدّعوة المجّانيّة أتته بسبب لطف الله ومسرّته في خلاص النّفوس، الله الّذي "لا يشاء موت الخاطئ إلى أن يرجع ويحيا". هذا الاختيار الإلهيّ له رسخ في ذهنه وقلبه وأعطاه قناعة أنّ الدَّعوة واستعلان المسيح لا يقومان قط على أيّ استحقاق يهوديّ أو ناموسيّ لكي يبشّر الأمم. ولأنّ الله أفرزه من بطن أمّه ودعاه بنعمته، فهو لا يشعر بحاجةٍ لأن يتعلّم من أحد ولا أن يستشير أحدًا في إرساليّته الّتي استلم من الرَّبّ مباشرةً خطّ سيرها وقوّة عملها. فانطلق ليبشّر الأمميّين والوثنيّين في بلاد متعدِّدَة في حين انحصر باقي التَّلاميذ والرُّسل في أورشليم أو حتّى خارجها لا يخدمون إلّا أهل الختان. في الآيتين الأخيرتين يتكلّم عن ذهابه إلى أورشليم وتعرُّفه على بطرس ويعقوب للتّباحث معهما في شؤون الكرازة وهذا دليل واضح على ضرورة التّنسيق بين الرُّعاة لخير الخدمة ونجاحها واستفادة كلّ واحدٍ منهم من خبرة الآخرين. كانت خمسة عشر يومًا كافية لكي يستمع من بطرس ويعقوب إلى كلّ قصّة المسيح مع التَّلاميذ والنّاس إلى أن رأوه بعد القيامة وأكلوا وشربوا معه .
إخلاء الذّات
”لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ .... وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ“ (فيليبي 2: 7 و8). الابن الوحيد أطاع الآب ليتمّم مشيئته من أجلنا نحن البشر لكي يخلّصنا. وحده من يحبّ هو الّذي يستطيع أن يُطيع، وحده مَنْ أخلى نفسه بالكلّيّة يستطيع أن يتمّم مشيئة المحبوب حتّى المُنتهى، لأنّه يعرف المحبوب ويثق به بالكلّيّة فيُعطِيهِ نفسه بتسليمٍ كاملٍ.
إخلاء الذّات هو موتٌ للإنسان عن كلّ ما في نفسه، لكي يستطيع أن يمتدّ نحو الآخر ونحو الله. هذا الإخلاء لا يتمّ بدون تواضعٍ وانكسارٍ كبير، لأنّ مَنْ يبقى في ذاته مُتمسّكًا بها وبكلّ ما فيها، حتّى ولو بدا صالحًا في نظر نفسه، لا يُمكنه أن يطيع إلّا ذاته وأفكاره وأهواءه، يرى نفسه محور الكون فيريد أن يجذب كلّ شيء إلى ذاته.
فلكي يخرج من محوريّة ذاته، لا بُدَّ له أن يَموت ويَصلب إنسانه العتيق، وعندما يرى الله صدقه وأمانته وسعيه يمنحه القيامة. ولكن حركة الموت والقيامة هذه تستمرّ كلّ يوم في حياته حتّى آخر لحظة ... إلى انفصاله عن هذا العالم. ولكن هذا كلّه لا يتمّ بقوّة الإنسان، فإن لم تعنه النّعمة الإلهيّة المُحيية يبقى الإنسان غارقًا في ضعفه ونتنه يُصارِع للخروج ولكن دون جَدْوى.
الخطوة الأولى تبدأ عندما يدرك الإنسان سقوطه وعدمه، فيسعى للخروج من واقعه عبر التّوبة وطاعة وصيّة المسيح حُبًّا به لأنّه قال: "الَّذِي عِنْدَهُ وَصَايَايَ وَيَحْفَظُهَا فَهُوَ الَّذِي يُحِبُّنِي، وَالَّذِي يُحِبُّنِي يُحِبُّهُ أَبِي، وَأَنَا أُحِبُّهُ، وَأُظْهِرُ لَهُ ذَاتِي" (يو14: 21). وحده المسيح قادر أن يرفعنا من ألمنا وعدميّتنا، فقط إن تواضعنا وأخلينا ذاتنا قدر طاقتنا كلّ حين لكي نطيع "الكلمة"، فتصبح هي حياتنا كلّ يومٍ.
سعينا لحفظ الكلمة الإلهيّة هو جهاد مضنيّ لنا، هو موتٌ كلّ يوم وكلّ لحظة، هو صَلبٌ لذاتنا، وذلك لكي نحظى بالسُّكنى في نور وجه المسيح منذ الآن وفي الملكوت الآتي. لذلك، قال لنا الرَّبّ: "مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ يُغْصَبُ، وَالْغَاصِبُونَ يَخْتَطِفُونَهُ" (مت11: 12). ولكنّ الّذي يُعانِد ويَختار البقاء في إنسانه القديم السّاقط، مُغلقًا على نفسه في نفسه، سيختبر الجحيم في ذاته منذ الآن ...
البطريركيّة المسكونيّة تُعلن قداسة أربعة قدّيسين آثوسيّين جُدُد
أعلنت البطريركيّة المسكونيّة قداسة أربعة من آباء الجبل المقدّس (آثوس) في ٢١ تشرين الأوّل ٢٠١٩، وهم:
القدّيس دانيال كاتوناكيا (1929+)،
القدّيس إيرونيموس سيمونوبيترا (1957+)،
القدّيس يوسف الهدوئيّ (1959+)،
القدّيس أفرام كاتوناكيا (1998+)،
فبشفاعاتهم اللّهمّ ارحمنا وخلّصنا، آمين.