Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد ١٩ تشرين الثّاني ۲٠١٧

العدد ٣۲

الأحد (٩) من لوقا 

اللّحن ٧- الإيوثينا ۲

كلمة الرّاعي

عيد دخول السيدة إلى الهيكل

بحسب التّقليد الشّريف، كان يواكيم وحنّة عاقرين، وقد منحهما الرّبّ ثمرة البطن مريم والدة الإله وهما عجوزَين. اتّفق يواكيم وحنّة أن يكرِّسا مريم لهيكل الرّبّ، وأدخلاها الهيكل في عمر الثّلاث سنوات. هذا يذكّرنا بصموئيل النّبيّ الّذي كانت أمّه "حنّة" عاقرًا وقد نذرت أنّه إذا أعطاها الله ولدًا فسيكون مكرَّسًا لهيكل الرّبّ (١ صموئيل ١: ١١)، وهذا ما حصل، إذ بعد عطيّة الله لها أحضرت ابنها في عمر الثّلاث سنين ليكون نذيرًا ومقدَّسًا للرّبّ (١ صموئيل ١: ٢٠ – ٢٨). الرّبّ طلب من موسى في الشّريعة أنّ كلّ بكر هو مقدَّس للرّبّ لخدمة بيته (راجع: خروج ١٣: ٢ وعدد ٣: ١٢). إذًا، كان تكريس الأبكار لهيكل الرّبّ أمرًا مألوفًا عند اليهود، ما كان غير مألوف هو أن توضع فتاة في هيكل الرّبّ.

في كلّ الأحوال، التّقليد حول نذر مريم للهيكل ودخولها إليه يرجع إلى القرن الثاني ميلادي، وهو منسوب إلى القدّيس يعقوب أخي الرّبّ. يعود التقليد الليتورجي حول هذ العيد إلى تدشين "كنيسة العذراء الجديدة" في أورشـليم في تـشــرين الثاني من سنة ٥٤٣ م. وقد عمَّ الشرق كلّه في القرن السابع. وأدخله البابا غريغوريوس الحادي عشـر في أفينيون في أواخر القرن الرابع عشر، إلى أن شمل الغرب كلّه سنة ١٥٨٥م.  في عهد البابا سيكستوس الخامس.

*           *           *

مريم أُدْخِلَت إلى الهيكل بوحي من الله لأنّ الرّبّ شاءَها أن تصير هي هيكله. هي تربَّت على الكلمة الإلهيَّة تغتذي بها لتنمو في القامة والرّوح. "الكلمة الإلهيّ" اللّوغوس (Ο Λόγος) وَلَدَهَا منه أوَّلًا بكلمة ”موسى والأنبياء“ (لوقا ١٦: ٢٩ و٣١) لكي تصير إناءً يسكن هو فيه، وليولد منها في "ملء الزّمان" (غلاطية ٤: ٤). مريم هي رمز التّكريس والمكرَّسين للرّبّ. عيد دخولها إلى الهيكل هو عيد تكريسها وتقديسها وفرزها لتكون أمة لله صانعة مشيئته. في تراثنا كان الأهل يقدّمون أبكارهم للكنيسة عبر إيداعهم إيّاهم الأديار ليتربّوا فيها ويَنشَأوا على محبّة الله ويتكرَّسوا له. اليوم، هذه العادة قد زالَت تقريبًا.

*           *           *

أيُّها الأحبّاء، علينا كمسيحيين أن نشجِّع أولادنا على التّكرُّس لخدمة الرّبّ في كنيسته. لا شكّ أنّ كلّ من وُلِد من رحم الكنيسة بالمعمودية كُرِّس وقُدِّس للرّبّ، أي أنّنا كلّنا لله ولسنا لغيره، وكلّنا مطلوب منّا أن نكون شهودًا وخدَّامًا للبشارة السّارّة، أي القيامة والغلبة على الموت والخطيئة، الّتي هي أساس إيماننا. لكن، مطلوب منّا أيضًا أن نقدِّم للرّبّ خدَّامًا لهيكله، وهيكله ليس فقط البناء الحجريّ بل هو أنتم (راجع: ١ كورنثوس ٣: ١٧ و٢ كورنثوس ٦: ١٦).

في الكنيسة مواهب، فلنشجّع أولادنا لينمّوا مواهب الرّوح القدس فيهم بالخدمة والتّكرُّس، فيتجاوبوا مع دعوة الرّبّ لهم من خلال الكنيسة المحلّيّة بملاحظة أسقفها والكهنة ليصيروا كهنة وشمامسة، ورهبانًا وراهبات ومكرَّسين ومكرَّسات، لخدمة حقّ الإنجيل في الإنسان ولميراث الحياة الأبديّة.

كلّنا مدعوّون للخدمة في الكنيسة، وعلينا كلّنا أن نشدّ بعضنا البعض إلى الالتزام بإيماننا، بالمشاركة في الخدم الإلهيّة، لا سيّما القدّاس الإلهي، لأنّنا بهذه الطريقة نصير أبناء الله إذ نتّحد بالمسيح ومن خلاله فيما بيننا. وفي اتّحادنا قوّة لتحويل العالم إلى مكان أفضل، علينا أن ننير العالم بنور المسيح الّذي فينا. لذلك، علينا أن نجاهد روحيًّا في الصّلاة والصّوم (وها نحن قد دخلنا صوم الميلاد) والعطاء، وهذا الجهاد لا يستقيم دون توبة واعتراف حيث نغتسل ونتنقّى ونسترشِد.

*           *           *

فلنكن، يا أحبّتي، حارّين بالروح لا بارِدين ولا فاتِرين لأنّنا أبناء الرّجاء. العالم يغيّره الله بواسطتنا إذا تجاوبنا معه ليغيِّرَنا أوَّلًا بطاعتنا لكلمته حتّى نصير مسكنًا لله بنعمة روحه القدّوس فنصير نحن هيكل الله وحضوره المعزّي في هذا العالم البائس والحزين.

هذه رسالتنا، هذه شهادتنا، هذا تكريسنا، هذه دعوة الله لنا جميعًا. القداسة دعوة الكلّ في المسيح، "اَلرَّبُّ مِنَ السَّمَاءِ أَشْرَفَ عَلَى بَنِي الْبَشَـرِ، لِيَنْظُرَ: هَلْ مِنْ فَاهِمٍ طَالِبِ اللهِ؟ ..." (مزمور ١٤: ٢ و٥٣: ٢).

ها إنّ مريم والدة الإله نموذج لنان فَلْنَقْتَدِ بها كما هي بالمسيح...

+ أنطونيوس+

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما  للروم الأرثوذكس

طروباريّة القيامة (اللّحن السّابع)

حَطَمْتَ بصليبِكَ الموت. وفَتَحْتَ لِلِّصِّ الفِرْدَوس. وحَوَّلْتَ نَوْحَ حَامِلاتِ الطِّيب. وَأَمْرْتَ رُسُلَكَ أَنْ يَكْرِزُوا. بِأَنَّكَ قَدْ قُمْتَ أَيُّهَا المَسِيحُ الإله. مانِحاً العالمَ الرَّحمةَ العُظْمَى.

القنداق لدخول السيّدة إلى الهيكل (اللّحن الرّابع)

إنّ الهيكلَ الكلّيَّ النَّقاوة، هيكلَ المخلّص، البتولَ الخِدْرَ الجزيلَ الثَّمن، والكَنْزَ الطَّاهِرَ لْمجدِ الله، اليومَ تَدْخُلُ إلى بيتِ الرَّبّ، وتُدخِلُ معَها النِّعمةَ الَّتي بالرّوحِ الإلهيّ. فَلْتُسَبِّحْها ملائكةُ الله، لأنّها هي المِظلَّةُ السَّماويّة.

الرّسالة (أفسس ١٤:٢-٢٢)

الرَّبُّ يُعطي قوَّةً لشعبِه

قَدِّمُوا للرَّبِّ يا أبناءَ الله 

 يا إخوةُ، إنَّ المسيحَ هو سلامُنا، هو جعلَ الإثنينِ واحداً، ونقَضَ في جَسدهِ حائطَ السِّياجِ الحاجِزَ أي العداوة، وأبطلَ ناموسَ الوصايا في فرائِضِهِ ليخلُقَ الإثنينِ في نفسِهِ إنساناً واحِداً جديداً بإجرائِه السَّلام، ويُصالِحَ كِلَيْهِما في جَسدٍ واحدٍ معَ اللهِ في الصَّليبِ بقَتلِهِ العداوةَ في نفسِه، فجاءَ وبشَّـركُم بالسَّلامِ البَعِيدِينَ منكُم والقرِيبِين. لأنَّ بهِ لنا كِلَيْنا التَّوَصُّلَ إلى الآبِ في روحٍ واحِد. فلستُم غرباءَ بعدُ ونُزلاءَ بل مواطِنو القدّيسينَ وأهلُ بيتِ الله. وقد بُنِيتُم على أساسِ الرُّسُلِ والأنبياءِ. وحجرُ الزَّاويةِ هو يسوعُ المسيحُ نفسُهُ الَّذي بِه يُنسَّقُ البُنيانُ كُلُّهُ، فينمُو هيكَلاً مقدَّساً في الرَّبِّ، وفيهِ أَنتم أيضًا تُبْنَونَ معًا مَسكنًا للهِ في الرُّوح.

الإنجيل (لوقا ١٦:١٢-٢١)

 قال الرَّبُّ هذا المثَل. إنسانٌ غنيٌّ أَخْصَبَتْ أرْضُهُ* ففكَّرَ في نفسِهِ قائلاً ماذا أَصنع. فإنَّهُ ليس لي موضِعٌ أَخْزَنُ فيه أَثماري* ثمَّ قالَ أَصْنَعُ هذا. أَهْدِمَ أَهْرَائِي وأَبْنِي أَكْبَرَ منها وأَجْمَعُ هناكَ كلَّ غَلَّاتي وَخَيْراتي* وأقولُ لِنَفْسيْ: يا نفسُ إنَّ لكِ خيراتٍ كثيرةً موضوعةً لسنينَ كثيرةٍ فاستريحي وكُلِي واشْرَبي وافْرَحِي* فقالَ لهُ اللَّهُ يا جاهِلُ في هذهِ الليلةِ تُطلَبُ نفسُكَ مِنْكَ. فهذه الَّتي أَعْدَدْتَهَا لَمَنْ تَكُون* فهكذا مَنْ يَدَّخِرُ لنفسِهِ ولا يَسْتَغْنِي باللَّه* ولمَّا قالَ هذا نَادَى مَنْ لهُ أُذُنَانِ للسَّمْعِ فليَسْمَعْ.

حول الإنجيل

تكمن خطورة الطمع بالمال أنَّه يُنَسِّي الانسان حقائق الحياة الاساسية: الله والناس والأبدية. وصف الله الغني بأنّه غبيّ، والغبي في مفهوم الكتاب المقدّس هو الجاهل، وكلمة جاهل تعني من ينكر الله كما يقول صاحب المزامير "قالَ الجاهِلُ في قَلبه: لَيسَ إِله" (مزمور ١٤: ١٣). فالجاهل هو الذي يحذف الله من حياته ولا يحسب له حساباً. وعكس الجاهل هو العاقل الذي يلتمس الله كما يصرّح صاحب المزامير "أَطَلَّ اللهُ مِنَ السَّماءَ على بَني آدَم لِيَرى هل مِن عاقِل يَلتَمِسُ الله" (مزمور ٥٣: ٣).

فالإنسان الجاهل يظنُّ أنّ خيراته تُغنيه عن الله. فيجعل نفسه مركزاً لعالمه الصغير، كما هو حال الغني في المثل الذي ضربه يسوع. اعتنى الغني بحياته الماديّة وأغفل حياته الروحية، واستغنى عن الله. فكَّر في حياة الجسد ونسي حياة الروح، فقال "يا نَفْسُ، استَريحي وكُلي واشرَبي وتَنَعَّمي" (لوقا ١٢: ١٩). وضع الأكل والشرب والجسد في المرتبة الأولى على حساب الروح. والأخطر من ذلك نسب الغنى لنفسه لا لله، وذلك ظاهر بإكثاره من الضمير المفرد المتكلّم "غِلالي وأهرائي وقَمْحي وأَرْزاقي". ولم يدرك هذا الغني أنّ الله هو سّر حياة النفس البشريَّة، من يقتنيه في داخله يقتني الحياة على مستوى أبدي، بل حسب أنّ حياته تقيَّم بمقدار غناه، ويعلّق القديس اكليمنضس الإسكندري بقوله "لا تقوم حياة الإنسان على فيض ما يملكه من الأشياء". فليس الإنسان بما لديه، بل بما هو عليه .لذا، وصف يسوع ذاك الغني أنّه طمّاع "إِنَّهُ لم يغتنِ عندَ الله" (لوقا ١٢: ٢١)، لأنّه استسلم إلى الأنانيَّة المفرِطة. واحتفظ لنفسه بكُلِّ خيرات أرضه، ليتمتَّع وحده بالرّاحة وملذَّاتِ الحياة، فنسي الله. إذ انتصب المال سيِّداً له بلا رحمة، وأنساه الأمر الجوهريّ ألا وهو سيادة الله. وفي هذا الصدد يقول يسوع للفرّيسيّينَ، وهُم مُحِبُّونَ لِلمال " إِمَّا أَن يُبغِضَ أَحَدَهُما ويُحِبَّ الآخَر، وإِمَّا أَن يَلَزمَ أَحَدَهما ويَزدَرِيَ الآخَر. فأَنتُم لا تَستَطيعونَ أَن تَعمَلوا لِلّه ولِلمال "(لوقا ١٦: ١٣-١٥). وهنا يصدق المثل القائل "حُبّ المالِ أَصْلُ كُلِّ شَرّ" (١ تيموثاوس ٦: ١٠)، إذ يبلغ حب المال في عمقه حد الفاجعة عندما يختار الإنسان لنفسه إلهاً كاذباً، فينفصل عن الإله الواحد الحقيقي، فيتعرّض لمصير الهلاك (١ تيموثاوس ٦: ٩)، كما حدث مع يهوذا الإسخريوطي الطمّاع الغادر (يوحنا ١٢: ٦)، ابن الهلاك (يوحنا ١٧: ١٢). "فماذا يَنفَعُ الإِنسانَ لو رَبِحَ العالَمَ كُلَّه وخَسِرَ نَفْسَه؟" (مرقس ٨: ٣٦).

الطمع يؤدّي الى الهلاك، لأنه يخنق عند الغني كلمة الله كما جاء في إنجيل متّى (١٣: ٢٢)، ويعطّل الطمع أيضاً عن طريق الكمال أحسن القلوب استعداداً، كما حدث مع الشاب الغني الذي دعاه يسوع لاتّباعه (متى ١٩: ٢١-٢٢). ويجعل الطمع أتباعه في عداد الوثنيين كما يصرّح بولس الرسول (رومية ١: ٢٤)، إذ ينقاد الطمّاع وراء تيّار هذا العالم (تيطس ٢: ١٢) فيقع في براثن الشر، لذا يوصي بولس الرسول أن "أَميتوا إِذًا أَعضاءَكمُ الَّتي في الأَرض بما فيها مِن زِنًى وفَحْشاءَ وهَوىً وشَهوةٍ فاسِدَةٍ وطَمَعٍ وهو عِبادَةُ الأَوْثان" (كولسي ٣: ٥). فالرب يسوع تكلّم هنا مُحذِّراً إيانا حتى لا نُضيّع حياتنا في الركض وراء الأرضيات الفانية وننسى في بحثنا الله فنخسر بذلك علاقتنا الأبدية معه.

المال، إذاً، بمفهوم السيد المسيح، هو خصم لمن يريد أن يخدم الله ويغتني به، لأنه يجعل من يخدمه خائناً كما ورد في مثل الوكيل الخائن (لوقا ١٦: ٩)؛ ويُعلّق بولس الرسول أنَّ حبَّ المال هو عبادة أوثان بقوله "فاعلَموا أَنَّه لَيسَ لِلزَّاني ولا لِمُرتَكِبِ الفَحْشاءِ ولا لِلجَشعِ مِيراثٌ في مَلكوتِ المسيحِ واللّه" (أفسس ٥:٥). لذا يصرّح يسوع أنّ التخلي عن المال ضروري لمن يريد أن يتبعه (متى ١٩: ٢١). "وهكذا كُلُّ واحدٍ مِنكم لا يَتَخَلَّى عن جَميعِ أَموالِه لا يَستَطيعُ أَن يكونَ لي تِلْميذاً" (لوقا ١٤: ٣٣).

جبرائيل طالب الفلسفة المُلحد في الجبل المقدّس

(للمتروبوليت نيقولا مطران ميسوغا)

قبل عدة سنوات، تقرّب مني أحد الطلاب. أخبرني أنه كان ملحداً، على الرغم من كونه متردداً جداً كان عنده عزم الساعي الجدّي، كان يعرف أنه سوف يكون راضياً إن آمن لكنه لم يستطع. حاول لسنوات من دون نتيجة. لقد تحدّث إلى متعلّمين وأساتذة، من دون أن يشبع عطشه إلى شيء ما مهم. سمع عني وأراد أن يشاركني حاجته الوجودية. سألني عن برهان علمي لوجود الله.

سألته: أتعرف التكاملات (integrals) أو المعادلات التفاضلية (differential equations)؟

أجاب: للأسف لا، أنا أدرس الفلسفة.

فقلت له ممازحاً: هذا معيب! لأن البرهان الذي عندي هو من خلالها.

لم يرتَح لجوابي وصمت لبرهة. فقلتُ له: انتبه، أنا آسف أني مازحتك، الله ليس برهاناً حسابياً ولا هو معادلة. لو كان أيّ شيء من هذا القبيل لكان كل المتعلمين يؤمنون به. هناك طرق أخرى للتقرب من الله. أنت تعرف. هل سبق لك أن زرت الجبل المقدس (أي جبل آثوس)؟ أقابلتَ في حياتك أي راهب ناسك؟

أجابني: لا يا أبتي، لكني لأني سمعتُ الكثير، أنا أفكّر بالذهاب إلى هناك. حتّى باستطاعتي أن أذهب غداً، إذا طلبتَ مني ذلك. أتعرف أيّ شخص متعلّم أستطيع أن ألقاه؟

- ماذا تختار؟ متعلّم بإمكانه أن يصيب عقلك بالدوار أو شخص يمكن أن يوقظك وهو قديس؟

- أريد متعلّماً لأني أخاف القديسين.

فأجبته: علاقة الإيمان هي مع القلب، لِمَ لا تجرّب قديساً؟ ما اسمك؟ فقال: جبرائيل.

أخبرتُه كيف يذهب إلى راهب ناسك. أعطيته الطريق لإيجاده وكل التوجيهات الضرورية، حتّى أني رسمت له خريطة. وقلتُ له: عليك أن تذهب وتخبره بما أخبرتني. قلْ له أنا ملحد، لكني أريد الإيمان بالله، أريد برهاناً على وجوده.

فقال لي: أنا خائف وخجلان، فسألتُه: لِمَ أنت خائف وخجلان من الرجل المتقدّس وليس منّي؟

بعد أيام ذهب ووجد الناسك يتحدّث إلى شاب في فناء داره. على الجهة المقابلة كان أربعة آخرون ينتظرون على بعض جذوع الشجر. وجد جبرائيل بينهم مقعداً مؤقتاً. بعد أقل من عشر دقائق انتهى الشيخ من محادثته مع الشاب.

سأل: كيف حالكم يا فتيان؟ هل أخذتم بعض الحلوى التركية؟ أشربتم ماء؟  فأجابوا: شكراً أيها الشيخ.

قال لجبرائيل: تعالَ إلى هنا. مختاراً إياه من بين الآخرين. سوف آخذ الماء وأنت تأخذ علبة ​الحلوى التركية، وتقترب مني حتى أوشوش إليك بسـرّ: لا بأس أن يكون الإنسان ملحداً، لكن أن يكون لك اسم ملاك وملحد؟ إنها المرة الأولى التي أرى فيها شيئاً من هذا.

كاد جبرائيل أن يُصاب بنوبة قلبية عند سماعه هذا الكلام. كيف استطاع أن يعرف اسمه؟ مَن أخبره بمشكلته؟ بالنهاية، أهذا ما كان الشيخ يريد إخباره؟

فسأل وهو بالكاد يستطيع أن يتمتم: أبونا، أأستطيع التحدث إليك لبرهة؟

- استمع، الوقت متأخر. خذ الحلوى التركية، اشرب بعض الماء، واذهب إلى اقرب دير لقضاء الليل.

- أبونا، أرغب بالتحدث إليك، أليس ذلك ممكناً؟

- ما عسانا نقول، يا بنيّ؟ ما سبب مجيئك؟

أخبرني جبرائيل: عند طرحه هذا السؤال عليّ، أحسست بتنفسي يتسارع مباشرة. فاض الإيمان في قلبي. راح عالمي الداخلي يزداد حرارة. من دون أي محاججة، كانت الشكوك تزول. من دون أي كلام، من دون وجود جواب قاطع. كل العبارات ”إذا“، ”لماذا“ ، ”لكن“،  أبيدَت مباشرة، وكل ما تبقى كان ”كيف؟“  و ”ماذا الآن؟“.

نكزة خفيّة من قديس أعطتْ أفكاره ما عجز عن إعطائه إنسان متعلّم. قديس لم يتخرّج إلا من الصف الرابع في المدرسة الابتدائية. لدى القديسين الكثير من الاستنارة. إنّهم يعملون عليك، لكنكَّ لا تشعر بأي ألم خلال العملية. من دون أن يفتحوا أحشاءك يقومون بعملية الزرع. من دون أن يستعملوا سلماً، يرفعونك إلى قمم لم تطأها قدماك. من دون أن يُتعِبوا دماغك يزرعون بذار الإيمان في قلبك.

انقر هنا لتحميل الملف