Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد 3 كانون الأوّل               

العدد 49

الأحد (26) بعد العنصرة 

اللّحن 1- الإيوثينا 4

أعياد الأسبوع: *3: النّبيّ صوفونيا *4: الشّهيدة بربارة، البارّ يوحنَّا الدِّمشقيّ *5: سابا المُتقدِّس المتوشِّح بالله، الشَّهيد أنستاسيوس *6: القدّيس نيقولاوس العجائبيّ أسقف ميراليكيَّة *7: القدّيس أمبروسيوس أسقف ميلان، القدّيس عمُّون أسقف نيطريَّا *8: البارّ باتابيوس المصريّ *9: تذكار حبل القدِّيسة حنَّة جدَّة الإله، تذكار التَّجديدات، حنّة أمّ صموئيل النبيّ.

كلمة الرّاعي

الأعياد في الكنيسة

ينظر النّاس إلى الأعياد الكنسيّة، بعامّة، كمناسبات اجتماعيَّة. يوجد جهل وتقصير. أمّا الجهل فهو بسبب عدم المعرفة، وعدم المعرفة من التّقصير، والتّقصير هو من جانب الإكليروس والعلمانيّين.

واجب الإكليروس، بشكلٍ أساسيّ، هو التّعليم وهذا لا ينفصل عن الرِّعاية المُتعلِّقَة بالحاجات الرُّوحيَّة والماديّة للمؤمنين بل هو في صلبها، لأنّ كلّ رعاية هي شهادةُ حياة لتعليم الكنيسة وعقيدتها. حين يتقاعس الإكليروس عن واجب التّعليم يصير شعب الله، بعامّة، جاهلًا الإيمان. هذا كان الوضع، عمومًا، في القرون السَّابقة وحتّى حوالي منتصف القرن العشرين عندما نشأت حركة النّهضة في الكرسيّ الأنطاكيّ، حركة الشّبيبة الأرثوذكسيّة.

طبعًا، في كنيستنا ليس الشَّعب فقط متعلِّمًا، لكنّه أيضًا معلّم بحسب المواهب المُعطاة لكلّ شخص من روح الرّبَّ، ”لكِنْ لَنَا مَوَاهِبُ مُخْتَلِفَةٌ بِحَسَبِ النِّعْمَةِ الْمُعْطَاةِ لَنَا: أَنُبُوَّةٌ فَبِالنِّسْبَةِ إِلَى الإِيمَانِ، أَمْ خِدْمَةٌ فَفِي الْخِدْمَةِ، أَمِ الْمُعَلِّمُ فَفِي التَّعْلِيمِ، أَمِ الْوَاعِظُ فَفِي الْوَعْظِ، الْمُعْطِي فَبِسَخَاءٍ، الْمُدَبِّرُ فَبِاجْتِهَادٍ، الرَّاحِمُ فَبِسُرُورٍ...“ (رو 12: 6—8). فلا احتكار للتَّعليم أو لأيّة موهبة من الإكليروس، ولكن بالأولى إنّ دور الإكليروس هو التّعليم لأنّهم مؤتمنون على قيادة خراف المسيح النَّاطقة في درب الخلاص للحياة الأبديّة.

*          *          *

مشكلتنا في هذا الزّمن هي أنّ الأعياد بعامّة والكنسيّة بخاصّة صارت مواسم استهلاكيَّة، وكأنّنا عدنا إلى زمن ما قبل النّعمة، زمن الوثنيَّة والنَّاموس. وفي هذا الإطار يصحّ علينا قول الرَّبّ: ”أَعْيَادُكُمْ بَغَضَتْهَا نَفْسِي. صَارَتْ عَلَيَّ ثِقْلًا. مَلِلْتُ حَمْلَهَا. فَحِينَ تَبْسُطُونَ أَيْدِيَكُمْ أَسْتُرُ عَيْنَيَّ عَنْكُمْ، وَإِنْ كَثَّرْتُمُ الصَّلاَةَ لَا أَسْمَعُ. أَيْدِيكُمْ مَلآنَةٌ دَمًا.  اِغْتَسِلُوا. تَنَقَّوْا. اعْزِلُوا شَرَّ أَفْعَالِكُمْ مِنْ أَمَامِ عَيْنَيَّ. كُفُّوا عَنْ فِعْلِ الشَّرِّ. تَعَلَّمُوا فَعْلَ الْخَيْرِ. اطْلُبُوا الْحَقَّ. انْصِفُوا الْمَظْلُومَ. اقْضُوا لِلْيَتِيمِ. حَامُوا عَنِ الأَرْمَلَةِ...“ (إشعياء 1: 14—17).

لا معنى للتَّعييد ما لم يكن مُقترنًا بعيش البّرِّ الَّذي في الوصيّة الإلهيَّة. من هنا فالتّعييد ليس مسألة تخصُّني أنا وحدي أو أنا وعائلتي وأقربائي وجيراني وأصدقائي. إذا كانت حدود العيد محصورة في هذه الأُطُر فأنا ما زلت في أنانيّتي، لا بدّ للعيد من أن يكون مربوطًا ارتباطًا جوهريًّا بالآخَر المحروم والضّعيف والمُهمَل...

العيد فرصة لنا لكي نشترك في فرح النّعمة المتنزّلة علينا بحبّ الإله المتجلِّي لنا في العيد... وهذه الشَّركة لا تتمّ ما لم يكن صاحب العيد حاضرًا فيها معنا بأخصّائه الَّذين هم منسيّون في أزمنة التّعييد لأنّهم غير موجودين في ضمير المعيِّدين ووجدانهم...

*          *          *

أيُّها الأبناء الأحبّاء، لا فرحة تفوق فرحة لُقيا الله. فلا نفوّت علينا هذه الفرصة بتلهّينا بأنفسنا ومن وما لنا وحسب، بل فلنخرج من ذواتنا، ”فَلْنَخْرُجْ إِذًا إِلَيْهِ خَارِجَ الْمَحَلَّةِ حَامِلِينَ عَارَهُ. لأَنْ لَيْسَ لَنَا هُنَا مَدِينَةٌ بَاقِيَةٌ، لكِنَّنَا نَطْلُبُ الْعَتِيدَةَ. فَلْنُقَدِّمْ بِهِ فِي كُلِّ حِينٍ للهِ ذَبِيحَةَ التَّسْبِيحِ، أَيْ ثَمَرَ شِفَاهٍ مُعْتَرِفَةٍ بِاسْمِهِ. وَلكِنْ لاَ تَنْسَوْا فِعْلَ الْخَيْرِ وَالتَّوْزِيعَ، لأَنَّهُ بِذَبَائِحَ مِثْلِ هذِهِ يُسَرُّ اللهُ...“ (عب 13: 13 - 16).

نعيِّد، إذًا، يا أحبَّة في اللِّيتورجيا والتَّسبيح والاشتراك في الذّبيحة الإلهيَّة، وهذه اللِّيتورجيا والذَّبيحة ممدودة في حياتنا من خلال ذبيحة الحمد والشَّكر والمشاركة... بهذه يكتمل فرح العيد فينا حين نخدم سرّ المذبح في الأخ ”الصَّغير“ (راجع متّى 25: 31—46) الَّذي وإن كان ”صغيرًا“ لكنّه أخ لنا أي نحن مرتبطون به ارتباطًا عضويًّا.

ها نحن مستمرّون في مسيرة صيام الميلاد، فلنتحضَّر لتعييد هذا الموسم البهيّ بأفضل الطُّرُق، باحثين عن إرضاء الله في طاعة وصيّته الّتي هي ”كَلاَمُ الْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ“ (يوحنا 6: 68). التّعييد لا قيمة له ما لم يعطنا تذوّق فرح الدّهر الآتي وهذا الفرح ليس ثمرة عمل بشريّ بل هو عطيَّة النّعمة للَّذين يحبّون الله أوّلًا ويحبّون الآخر كأنفسهم بكلّ صدق ودون غايات ومصالح...

ومن له أذنان للسَّمع فليسمع...

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

طروباريّة القيامة (باللَّحن الأوّل)

إنَّ الحجرَ لما خُتِمَ مِنَ اليَهود. وجَسَدَكَ الطّاهِرَ حُفِظَ مِنَ الجُند. قُمتَ في اليومِ الثّالثِ أَيُّها المُخلِّص. مانِحًا العالمَ الحياة. لذلكَ قوّاتُ السّماوات. هتفوا إليكَ يا واهبَ الحياة. المجدُ لقيامتِكَ أَيُّها المسيح. المجدُ لِمُلكِكَ. المجدُ لتدبيرِكَ يا مُحبَّ البشرِ وحدك.

قنداق تقدمة الميلاد (باللّحن الثّالث)

اليومَ العذراءُ تأتي إلى المَغارة لِتَلِدَ الكلمةَ الَّذي قبل الدُّهور وِلادةً لا تُفسَّر ولا يُنطق بها. فافرحي أيّتها المَسكونةُ إذا سَمِعْتِ، ومَجِّدي مع الملائكةِ والرُّعاة الَّذي سَيَظْهَرُ بمشيئته طفلًا جديدًا، وهو إلهُنا قبلَ الدُّهور.

الرِّسالَة(أف 5: 8-19)

لِتَكُنْ يَا رَبُّ رَحْمَتُكَ عَلَيْنَا كمِثلِ اتِّكالِنا عليك

اِبْتَهِجُوا أَيُّهَا الصِّدِّيقُونَ بالرَّبّ

يا إخوةُ اسلُكُوا كأولادٍ للنُّور، فإنَّ ثَمَرَ الرُّوحِ هو في كلِّ صّلاحٍ وبِرٍّ وحَقٍّ، مُخْتَبِرينَ ما هو مَرْضِيٌّ لدى الرَّبّ، ولا تشتَرِكُوا في أعمالِ الظُّلْمَةِ غيرِ المُثْمِرَةِ بل، بالأحرى، وَبِّخُوا عليها، فإنَّ الأفعالَ الَّتي يفعلونها سِرًّا يقبُحُ ذِكْرُهَا أيضًا. لكنَّ كلَّ ما يُوبَّخُ عليهِ يُعلَنُ بالنُّور، فإنَّ كلَّ ما يُعلَنُ هو نورٌ. لذلكَ يقولُ: استَيْقِظْ أيُّهَا النَّائِمُ وقُمْ من بين الأمواتِ فَيُضِيءَ لكَ المسيح. فانظُرُوا، إذَنْ، أنْ تسلُكُوا بحَذَرٍ، لا كجُهَلاءَ بل كَحُكماءَ، مُفْتَدِينَ الوقتَ فإنَّ الأيَّامَ شِرِّيرَةٌ. فلذلك، لا تكونوا أغبِياءَ بل افهَمُوا ما هي مشيئَةُ الرَّبِّ. ولا تسكَرُوا بالخَمْرِ الَّتي فيها الدَّعارَة بلِ امْتَلِئُوا بالرُّوحِ مُكَلِّمِينَ بعضُكُم بعضًا بمزاميرَ وتسابيحَ وأغانيَّ روحيَّةٍ، مُرَنِّمِين ومُرَتِّلِينَ في قلوبِكُم للرَّبّ.

الإنجيل (لو 18: 35-43)(لوقا 14)

في ذلك الزَّمان، فيما يسوع بالقربِ مِن أريحا، كان أعمى جالسًا على الطَّريق يستعطي. فلمَّا سمع الجمعَ مجتازًا سأل: ما هذا؟ فأُخبِرَ بأنَّ يسوعَ النّاصريّ عابرٌ. فصرخ قائلًا: يا يسوعُ بنَ داودَ ارحمني. فزجَرَهُ المتقدِّمون لِيسكتَ فازداد صراخًا: يا ابنَ داودَ ارحمني. فوقف يسوع وأمر أن يُقدَّمَ إليهِ. فلمَّا قرُب سألهُ: ماذا تُريد أن أصنعَ لك؟ فقال: يا ربُّ، أن أُبصِر. فقال لهُ يسوع أَبصِرْ، إيمانك قد خلَّصك؛ وفي الحال أبصَرَ وتبعَهُ وهو يُمَجِّد الله. وجميعُ الشَّعب، إذ رأَوا، سبَّحوا الله.

حول الإنجيل

"في ذلك الزَّمان فيما يسوع بالقرب أريحا كان أعمى جالسًا على الطَّريق يَستعطي. فلمَّا سمع الجمع فسأل ما عسى أن يكون هذا". هكذا يبدأ إنجيل هذا الأحد، وهذه الآية تشير إلى حالتنا أجمعين؛ فكلمة "أريحا" المذكورة في الآية السَّابقة تعني القمر، وهذا يفيدنا بالآتي: مهما كنَّا أُناسًا مُهمِّين ومَعروفين أو أصحاب اسم ومِنْ عائلاتٍ عَريقة أو ذَوِي مَناصِبٍ اجتماعيّة، دون المسيح نحن عُميان؛ بالتّالي أيُّ تأثيرٍ نوَّلِدُهُ في المجتمع كبشر، الحَدّ الأقصى الَّذي سيبلغه هو مثل تأثير "أريحا" أو ضوء القمر على الأرض، مِنْ هنا نحن نُشابه أريحا بأفضل حالاتنا. لكن تأتينا لحظات معيَّنة في الحياة عندما نكون فيها ضُعَفاء أو لِنَقُل قابلين لأن نسمع، وهذا للأسف لا يكون إلّا عندما نعاني من مرضِ أو من موتِ أحبّائنا أو مِنْ صفعةٍ مادِّيَّة إلخ.، نقف ونسأل أنفسنا هل نحن سالكين بالتَّمام، ونسأل أنفسنا "ما عسى أن يكون هذا"؛ في هذه الحالة أي عند انكسار كبريائنا، نبدأ بالشُّعور باقتراب المسيح، فإن أكملنا الطَّريق سنصل لنصرخ كالأعمى "يا يسوع ارحمني". تبقى معضلة أساسيَّة علينا التّنبُّه لها، وهي أنّه عند اقتراب المسيح منّا واقترابنا منه سيتقدّم "المُتقدِّمون" علينا وينتهروننا (الآية 39). من هم هؤلاء المتقدِّمون؟ وماذا يريدون؟ هؤلاء هم شهواتنا المتمسِّكين نحن بهم، مِنْ لذَّةٍ جسدِيَّةٍ وشهوة بطن وظنون سيِّئَة وثرثرة وحبُّ السَّيْطَرة وحبُّ المَديح وتطول اللَّائحة... لكن إنْ فعلنا كما فعل الأعمى في هذه الحادثة وجاهدنا ضِدَّ تلك الخطايا المتملِّكَة فينا فسيعلو صراخنا أكثر: "يا يسوع ارحمني"، وسنصل بالتَّالي بالجهاد القويم إلى المسيح، وبمحبَّة المسيح سوف نرى الحقيقة كما هي.

بداية الطَّريق إذًا هي في سعينا بطرد الأفكار السَّيّئة من ذهننا حتى لو كانت صحيحة في نظرنا، هذا بدوره سيعزِّز صلاتنا ويُقوِّيها، ويضعف مرض الإدانة المستحوذ علينا، وهكذا ننطلق من الواجب الدّينيّ والمعرفة النَّظريّة للمسيح، إلى المحبّة الكاملة والمعرفة الفعليّة من خلال خبرة شخصيَّة مع المسيح ربُّ المجد، وعندها نستطيع أن نصرخ مع الأعمى : "يا سيِّد أنا أُبصر".

إخلاء الذّات

”لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ (...) وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ“ (في 2: 7 - 8)، الابن الوحيد أطاع الآب ليتمّم مشيئته من أجلنا نحن البشر لكي يخلّصنا. وحده من يحبّ هو الّذي يستطيع أن يُطيع، وحده مَنْ أخلى نفسه بالكلّيّة يستطيع أن يتمّم مشيئة المحبوب حتّى المُنتهى، لأنّه يعرف المحبوب ويثق به بالكلّيّة فيُعطِيهِ نفسه بتسليمٍ كاملٍ.

إخلاء الذّات هو موتٌ للإنسان عن كلّ ما في نفسه، لكي يستطيع أن يمتدّ نحو الآخَر ونحو الله. هذا الإخلاء لا يتمّ بدون تواضعٍ وانكسارٍ كبير، لأنّ مَنْ يبقى في ذاته مُتمسّكًا بها وبكلّ ما فيها، حتّى ولو بدا صالحًا في نظر نفسه، لا يُمكنه أن يُطيع إلّا ذاته وأفكاره وأهواءه، يرى نفسه مِحْوَر الكَوْن فيريد أن يجذب كلّ شيء إلى ذاته.

فلكي يَخرج من محوريّة ذاته، لا بُدَّ له أن يَموت ويَصلب إنسانه العتيق، وعندما يرى الله صِدقه وأمانته وسَعْيَه يمنحه القيامة، ولكن حركة الموت والقيامة هذه تستمرّ كلّ يوم في حياته حتّى آخر لحظة منها إلى انفصاله عن هذا العالم. ولكن هذا كلّه لا يتمّ بقوّة الإنسان، فإن لم تُعِنْه النّعمة الإلهيّة المُحيية يبقى الإنسان غارقًا في ضعفه ونَتَنِهِ يُصارِع للخروج ولكن دون جَدْوى.

الخطوة الأولى تبدأ عندما يُدرك الإنسان سقوطه وعدمه، فيسعى للخروج من واقعه عبر التّوبة وطاعة وصيّة المسيح حُبًّا به لأنّه قال: "الَّذِي عِنْدَهُ وَصَايَايَ وَيَحْفَظُهَا فَهُوَ الَّذِي يُحِبُّنِي، وَالَّذِي يُحِبُّنِي يُحِبُّهُ أَبِي، وَأَنَا أُحِبُّهُ، وَأُظْهِرُ لَهُ ذَاتِي" (يو14: 21). وحده المسيح قادر أن يرفعنا مِنْ آلامنا وعدمنا، فقط إن تواضعنا وأخلينا ذواتنا قدر طاقتنا لكي نطيع "الكلمة"، فيصبح هو حياتنا كلّ يومٍ.

سعينا لحفظ الكلمة الإلهيّة هو جهاد مضنٍ لنا، هو موتٌ كلّ يوم وكلّ لحظة، هو صلبٌ لذواتنا، وذلك لكي نحظى بالسُّكنى في نور وجه المسيح منذ الآن وفي الملكوت الآتي، لذلك قال لنا الرَّبّ: "مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ يُغْصَبُ، وَالْغَاصِبُونَ يَخْتَطِفُونَهُ" (مت11: 12). ولكن الّذي يُعانِد ويَختار البقاء في إنسانه القديم السّاقط، مُغلِقًا على نفسه في نفسه، سيختبر الجحيم في ذاته منذ الآن.

معجزة للقدِّيس نيقولاوس العجائبيّ

أعادَ البَصَر إلى الملك الصِّربيّ القدِّيس ستيفان ديانسكي.

عانى ستيفان من العمى وهو في شبابه، والمكان الَّتي حدثت فيه المعجزة صارت كنيسة لرئيس أساقفة المسيح القدِّيس نيقولاوس.

كان متألِّمًا وبالكاد نام قبل الفجر فرأى رؤيا عجيبة فإذ برجُلٍ يَقَف أمامَه. كان له مظهر كهنوتيّ مُتزيّن بثياب قدِّيس، يحمل على كفّه الأيمن كلتا عينيه قائلًا له:

"لا تقلق يا ستيفان. ها هي عينيك في راحة يَدَيّ".

ولمّا قال هذا أراه ما يحمله. فقال له: "من أنتَ يا سيّدي ، أيُّها الغَيُّور عليّ"؟

أجاب: أنا نيقولاوس أسقف ميراليكيّة.

"لمَّا استيقظ مِنْ نومه أرسل الشُّكر لله بقلبٍ متواضعٍ وشعر ببعض الرَّاحة مِنَ الألم. ثمَّ أُرْسِلَ مِنْ هناك إلى مدينة القسطنطينيَّة في الأسر (يُقال أنَّ والده مَنْ وَضعه في الأسر )...

كانت السَّنة الخامسة مِنْ إقامته هناك قد قاربت على الانتهاء، وجاءَتْ الذّكرى المُقَدَّسة للأب صانع المعجزات القدِّيس نيقولاوس.. أقِيمتْ الصَّلاة المسائيَّة وِفْقًا للتَّقليد المُعتاد للعائلة، وأضيئتْ الشُّموع والبَخُّور.

كان ستيفان يقف في مكانٍ ما حَوْل المائدة، يتنهَّد من أعماق روحه ويُصلّي بحزنٍ شديد. يَجلسون حسب العادة وتُقرَأ حياة ومعجزات هذا الأب العظيم، جلس ستيفان على المائدة ونام من تعبه الشَّديد فرأى بعيون قلبه ذلك الرَّجل القدِّيس الَّذي ظهر له مِنْ قبل فوَقَفَ أمامه وقال له هل تتذكَّر ما قلْتُهُ لكَ مِنْ قَبْل؟". قال له: أنّه يعرفه هو القدِّيس نيقولاوس العظيم...

فقال القدّيس: "قلت لك أن لا تحزن، لأنَّ عَيْناكَ في يَدَيّ وقد أرَيْتُكَ إيّاهُم". انْحَنى على قَدَمَيْ القدِّيس ليتوسَّل الرَّحمة. فقال: "أنا الآن قد أُرْسِلتُ لإتمامه"، ثمّ وَضَع علامة الصَّليب على وجهه مُلامِسًا أطرافَ أصابعه بِعَيْنَيِ المَلك ستيفان وهو يَقول: "ربّنا يسوع المسيح، الَّذي أعطى البَصَر للأعمى منذ ولادته يُعْطيكَ أيضًا الشُّعاع الأوَّل لعَيْنَيْك"، ثمّ اختفى.

وهكذا رجع البصر إلى الملك الصِّربيّ القدِّيس ستيفان ديانسكي.

أنقر هنا لتحميل الملفّ