Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد 29 تشرين الأوّل 2023

العدد 44

الأحد (21) بعد العنصرة

اللّحن 4- الإيوثينا 10

أعياد الأسبوع: *29: الشَّهيدة أنستاسيَّا الرُّومِيَّة، البارّ أبراميوس ومريم ابنة أخيه *30: الشّهيدين زينوبيوس وزينوبيا أخته، الرَّسول كلاوبا *31: الرّسول سطاشيس ورفقته *1: القدّيسَين قزما وداميانوس الماقتَي الفضّة وأمُّهما البارَّة ثيوذوتّي، البارّ داود (آفيا) *2: الشّهداء أكينذينوس ورفقته *3: الشّهيد أكبسيماس ورفقته، تجديد هيكل القدّيس جاورجيوس في اللّدّ *4: القدِّيس إيوانيكيوس الكبير، الشّهيدين نيكاندرس أسقُف ميرا، و القدِّيس أرميوس الكاهن.

كلمة الرّاعي 

المؤمن وشؤون الأرض

”أتيتُ لتكون لهم الحياة ولتكون أفضل“ (يوحنّا 10: 10). هذه غاية التَّجسُّد، أن ينتقل البشر إلى حياةٍ أفضل من الَّتي حصلوا فيها ببُعدهم عن الله ورفضهم له كمصدر لحياتهم. الانفصال عن الله أدَّى إلى تباعُد البشر عن بعضهم البعض، لا بل إلى اعتبار كلّ إنسان الآخَر تهديدًا له، ودخول الخوف والشَّكّ في العلاقات بين البشر كعنصرَين أساسيَّين، سواء بالوعي أو باللّاوعي، وفي نظرتهم إلى بعضهم البعض ...

*          *          *

لماذا قتل قايين هابيل؟! ... لماذا استعبد الرُّؤساء شعوبهم واغتصبوا حقوقهم؟! ... لأنّهم تركوا الرَّبّ! ... عندما طلب بنو إسرائيل ملكًا عليهم من صموئيل النّبيّ واستاء النّبيّ من هذا الأمر أجابه الرَّبّ قائلًا: ”اسْمَعْ لِصَوْتِ الشَّعْبِ فِي كُلِّ مَا يَقُولُونَ لَكَ، لأَنَّهُمْ لَمْ يَرْفُضُوكَ أَنْتَ بَلْ إِيَّايَ رَفَضُوا حَتَّى لاَ أَمْلِكَ عَلَيْهِمْ ...“ (1 صموئيل 8: 7). ولكن ما هو ثمن خيار الشّعب هذا؟ ”هذَا يَكُونُ قَضَاءُ الْمَلِكِ الَّذِي يَمْلِكُ عَلَيْكُمْ: يَأْخُذُ بَنِيكُمْ وَيَجْعَلُهُمْ لِنَفْسِهِ ...“ (أنظر: 1 صم 8: 11—18). العبودِيَّة للمَخلوق، هذه هي النّتيجة. لماذا؟ لأنّ الله رأى الأرض: ”فَإِذَا هِيَ قَدْ فَسَدَتْ، إِذْ كَانَ كُلُّ بَشَرٍ قَدْ أَفْسَدَ طَرِيقَهُ عَلَى الأَرْضِ ...“ (تكوين 6: 12). كلامٌ مُخيف، هذه الإطلاقيّة الَّتي يتحدَّث بها الوَحي الإلهيّ في سفر التّكوين. لا يوجد بشر خالٍ من الفساد، لأنّ الفساد ثمرة الخطيئة، ولا يوجد بشر خالٍ من الخطيئة. لذلك، بشارة الرَّبّ يسوع كانت: ”قَدْ كَمَلَ الزَّمَانُ وَاقْتَرَبَ مَلَكُوتُ اللهِ، فَتُوبُوا وَآمِنُوا بِالإِنْجِيلِ ...“ (مرقس 1: 15).

*          *          *

بناءً على ما سبق، يعرف المؤمن ما في الإنسان (راجع: يوحنا 2: 25) لأنّه يعرف نفسه خاطئًا، ويدرك كم هو صعبٌ الصّراع مع الذّات ضدّ الخطيئة الكامنة في تعلُّق الإنسان بنفسه كمحورٍ للوُجود عِوَضًا عن الله. مِنْ هنا، ينطلق المؤمن من صراعه مع ذاته في سبيل عَيْشِ البِرِّ الّذي بطاعة الكلمة الإلهيَّة وهو متيقِّن أنّه غير قادر على الغلبة بدون قوّة المسيح الّتي بنعمة الرُّوح القدس. من لم يدخل في هذه الحرب اللّامنظورة الّتي تدور رحاها في القلب والكيان الدّاخليّ الخفيّ ويغلب بالأمانة لله أو على الأقلّ يرى ضعفه ومعطوبيّته وحاجته الجوهريّة لله لا يستطيع أن يتعاطى العالم وشؤون الأرض باستقامة بنّاءة، لأنّ المبدأ الأساسيّ للمؤمن في كلّ عمل هو التّالي: ”إِنْ لَمْ يَبْنِ الرَّبُّ الْبَيْتَ، فَبَاطِلًا يَتْعَبُ الْبَنَّاؤُونَ. إِنْ لَمْ يَحْفَظِ الرَّبُّ الْمَدِينَةَ، فَبَاطِلًا يَسْهَرُ الْحَارِسُون ...“ (مزمور 127: 1). كلّ شيء للمؤمن من الله يأتي وبه يُتَمَّم وإليه يؤول، هذا معنى ”أَنَا هُوَ الأَلِفُ وَالْيَاءُ، الْبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ ’يَقُولُ الرَّبُّ الْكَائِنُ وَالَّذِي كَانَ وَالَّذِي يَأْتِي، الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ...“ (رؤيا يوحنّا 1: 8). بدون الله لا تتحقَّق حياة الإنسان! ... مَنْ لم يفهم هذا الأمر سيبقى تائهًا في بحر العمر يخبّط خبط عشواء مبدِّدًا طاقاته وحياته لأجل العدم! ...

*          *          *

انطلاقًا من حبِّ الخالق للإنسان، ومن قيمة هذا الأخير الّتي أُعطيتْ له كَوْنَه على صورة الله وكَوْن ابن الله اتَّخذه حين تجسَّد ليرفعه ويوصله إلى هدف وجوده وهو أن يصير على ”مثال الله“، يتَّخذ المؤمن العالم كما اتَّخذه سيّده الّذي وحّد نفسه مع ”صغار“ (راجع: متّى 25: 31—46) هذا العالم ليكون هو خادمًا لهم في محبّيه. تصير ”الحياة أفضل“ حين يُنصَف المسكين ولا يعود من محتاج، حين يُغلَب الخوف من الآخَر بالحبّ (راجع: 1 يوحنّا 4: 18)، وحين تُبنى الثّقة بين البشر بتعهُّد الإنسان كلّ إنسان بغضّ النّظر عن دينه ومعتقداته وفلسفاته في إطار الحقّ والنّظرة الأنطولوجيّة المسيحيّة للآخَر سواء آمن هذا الآخَر بها أم لم يؤمن ...

*          *          *

واجبنا كمسيحيّين أن نبني الإنسان لنبني المجتمعات والأوطان. القوانين الوضعيّة رهن لكيفيّة تعاطي البشر معها، الأساس ليس هو القانون مع ضرورته الّتي لا بديل عنها في العالم السّاقِط، فالقانون وُضِع ليكشف الخطيئة،  ولكنّ البِرّ يأتي بالنّعمة الّتي من فوق الّتي تغيّر كيان الإنسان وتخلقه من جديد بالموت عن روح النّاموس والعيش في سرّ المحبّة الباذلة.

لهذا أتى المسيح، لتكون الكنيسة أيقونة ملكوت الله والحياة الجديدة في الحبّ المبذول لتشدَّ العالم إلى سرّ الفرح الحقيقيّ ...

نحن كمؤمنين مسؤوليّتنا أمام الله أن نكون شهودًا لتجسُّده أي لحضور ملكوت الله في العالم بمبادئنا بأفكارنا بأقوالنا بأعمالنا بحياتنا بتعهّدنا للإنسان ليسود الحبّ ... ويصير الله ”الكلّ في الكلّ“ (1 كورنثوس 15: 28) في الوطن وفي كلّ صقع من أصقاع الدّنيا ...

 ومن له أذنان للسَّمع فليسمع ...

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

طروباريّة القيامة (باللَّحن الرّابع)

إنَّ تلميذاتِ الرَّبّ تعلَّمنَ مِنَ الملاكِ الكرْزَ بالقيامةِ البَهج. وطَرَحنَ القَضاءَ الجَدِّيَّ. وخاطبنَ الرُّسلَ مُفتَخِراتٍ وقائِلات. سُبيَ المَوتُ وقامَ المَسيحُ الإله. ومنحَ العالمَ الرَّحمةَ العُظمى.

القنداق (باللَّحن الثّاني)

يا شفيعَةَ المَسيحيّين غَيْرَ الخازية، الوَسيطةَ لدى الخالِق غيْرَ المرْدودةِ، لا تُعْرضي عَنْ أصواتِ طلباتِنا نَحْنُ الخَطأة، بَلْ تدارَكينا بالمعونةِ بما أنَّكِ صالِحَة، نَحنُ الصّارخينَ اليكِ بإيمان: بادِري إلى الشَّفاعَةِ وأسَرعي في الطّلْبَةِ يا والدَة الإلهِ، المُتشَفِّعَةَ دائمًا بمكرِّميك.

الرِّسالَة (غلا 2: 16-20)

ما أعظمَ أعمالَكَ يا ربُّ كلَّها بحكمةٍ صنَعتَ.

باركي يا نفَسي الرَّبّ 

يا إخوة، إذ نعلم أنّ الإنسان لا يُبرَّر بأعمال النَّاموس بل إنّما بالإيمان بيسوع المسيح، آمنَّا نحن أيضًا بيسوع لكي نُبَّرر بالإيمان بالمسيح لا بأعمال النَّاموس، إذ لا يُبرَّر بأعمال النَّاموس أحدٌ مِنْ ذَوِي الجسد. فإنْ كنّا ونحن طالبون التَّبرير بالمَسيح وُجدنا نحن أيضًا خطأةً، أفيَكون المسيح إذًا خادِمًا للخطيئة؟ حاشا. فإنّي إنْ عدتُ أبني ما قد هَدَمْتُ أجعل نفسي متعدِّيًا، لأنّي بالنَّاموس متُّ للنَّاموس لكي أحيا لله. مع المسيح صُلبتُ فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ. وما لي من الحياة في الجسد أنا أحياه بابن الله الَّذي أحبَّني وبذل نفسه عنّي.

الإنجيل (لو 8: 41-56)(لوقا 7)

في ذلك الزَّمان، دَنا إلى يسوع إنسانٌ اسمه يايْرُسُ، وهو رئيسٌ للمجمع، وخَرَّ عند قَدَمَيْ يسوع، وطلب إليه أن يدخل إلى بيته، لأنّ له ابنة وحيدة لها نحوُ اثنتي عشْرَة سنة قد أشرفتْ على الموت. وبينما هو منطلقٌ كان الجموع يزحمونه. وإنّ امرأةً بها نزفُ دمٍ منذ اثنتي عشرَة سنة، وكانت قد أنفقتْ معيشتَها كلَّها على الأطبّاء، ولم يستطعْ أحدٌ أن يشفيَها، دَنَتْ مِنْ خَلفه ومَسَّتْ هُدبَ ثوبه، وللوقت وقف نزفُ دمِها. فقال يسوع: "مَن لَمَسَني؟" وإذْ أَنكر جميعهم قال بطرس والَّذين معه: يا معلّم، إنّ الجموع يضايقونك ويزحمونك، وتقول مَن لمسَني؟ فقال يسوع: "إنّه قد لمسَني واحدٌ، لأنّي علمت أنّ قوّةً قد خرجتْ منّي". فلمّا رأت المرأة أنّها لم تَخْفَ جاءت مرتعدة وخرَّتْ له وأخبرت أمام كلِّ الشَّعب لأيّة علّةٍ لمسته وكيف برئت للوقت. فقال لها: "ثقي يا ابنةُ، إيمانُك أبرأكِ، فاذهبي بسلام". وفيما هو يتكلّم جاء واحدٌ من ذوي رئيس المَجمع وقال له: إنّ ابنتَك قد ماتت فلا تُتعبِ المُعَلِّم. فسمع يسوع، فأجابه قائلًا: لا تَخَف، آمِن فقط فتبرأَ هي. ولمّا دخل البيت لم يدَع أحدًا يدخل إلّا بطرس ويعقوب ويوحنّا وأبا الصَّبِيَّة وأمّها. وكان الجميع يبكون ويلطمون عليها، فقال لهم: لا تبكوا، إنّها لم تمُتْ ولكنّها نائمة. فضحكوا عليهِ لِعِلْمِهم بأنّها قد ماتت. فأمسك بيدها ونادى قائلًا: يا صبيّة قومي. فرجعتْ روحُها في الحال. فأمر أن تُعطى لتأكل. فدَهِشَ أبواها، فأوصاهما أن لا يقولا لأحدٍ ما جرى.

حول الرّسالة

يتوجَّه الرَّسُول بولس في هذه الرِّسالة إلى بطرس الرَّسُول أوَّلًا وبمَسْمَعٍ مِنَ الجميع (غلا 2 : 14) "... قُلْتُ لِبُطْرُسَ قُدَّامَ الْجَمِيعِ: «إِنْ كُنْتَ وَأَنْتَ يَهُودِيٌّ..."، وثانيًا إلى أهل غلاطية ليُفهمهم أنَّ الإنسان لا يتبرَّر بأعمال النَّامُوس الموسَوِيّ، إنَّما بالإيمان بيسوع المسيح، الَّذي هو غاية الشَّريعة القديمة. مُستندًا على ما وَرَدَ في المزمور (143 : 2): "وَلاَ تَدْخُلْ فِي الْمُحَاكَمَةِ مَعَ عَبْدِكَ، فَإِنَّهُ لَنْ يَتَبَرَّرَ قُدَّامَكَ حَيٌّ". ظنَّ المتهوِّدون – فئة شدَّدتْ على حفظ النَّاموس الموسَوِيّ، مع الإيمان بالرَّبِّ يسوع كشَرْطٍ ضروريّ للخَلاص- أنّه بتطبيق النَّاموس يَحْيَوْن لله، ويسلكون بحسب إرادته. لكنَّ الرَّسُول بولس يؤكِّد لهم أنَّ الحياة لله تتحقَّق عندما يحيا المسيح فينا، فالمسيح يحيا فينا، إنْ قام فينا، وهذا يتطلَّب منّا مَوْتًا عن الخطيئة، وامتلاءً من الرُّوح القُدُس. الشَّريعة الموسَوِيَّة قد ماتَتْ بالنِّسبة لبولس: "لأَنِّي مُتُّ بِالنَّامُوسِ... الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ"، فَلَوْ كان بالنَّاموس برٌّ وخلاص فيكون المسيح قد مات سُدىً "لأَنَّهُ إِنْ كَانَ بِالنَّامُوسِ بِرٌّ، فَالْمَسِيحُ إِذًا مَاتَ بِلاَ سَبَبٍ" (غلا 2 : 21). "كَانَ النَّامُوسُ مُؤَدِّبَنَا إِلَى الْمَسِيحِ، لِكَيْ نَتَبَرَّرَ بِالإِيمَانِ" (غلا 3 : 24). يقول بولس إنَّ كلَّ من اعتَمَدَ ليسوع المسيح اتّحَدَ معه بشبه موته، "عَالِمِينَ هذَا: أَنَّ إِنْسَانَنَا الْعَتِيقَ قَدْ صُلِبَ مَعَهُ لِيُبْطَلَ جَسَدُ الْخَطِيَّةِ.." (رو 6 : 6). "مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا، بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ.." (غلا 2: 20). صِرْتُ أحيا بقوَّةِ فداء المسيح وقيامته ومفاعيلها الَّتي تُلازمني كلَّ حياتي، إنْ بقيتُ على الإيمان بيسوع المسيح رَبًّا وإلهًا "الَّذِي أَحَبَّنِي وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي" (غلا 2 : 20). يُريد بولس الرَّسُول أنْ يبيّن لنا أنّ المخلِّص يحبّ كلَّ واحِدٍ منّا حتّى الموت، وبأنّه مُشترىً بثمنٍ كبير (دمه المهراق على الصَّليب)، كما يعني أيضًا أنّي لستُ وحدي في الوُجود، ولكنَّه هنا في وجودي أنا، معي في كلِّ حركةٍ، في الصِّحَّة والمرض... فقد جعلني بحبِّهِ مركز الوجود، حتّى أصْبَحَ لِزامًا علينا كمؤمنين القَوْل: "لا أَنَا أحيا، بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ"، آمين.

في التَّهاوُن

وَرَدَ في سيرة حياة القدِّيس سمعان اللَّاهوتيّ الحَديث أنّه لم يطل الوقت بالقدِّيس حتّى تَلَقّى عربون الحظوة عند الله في مُعايَنَة عجيبة للنُّور غير المخلوق نقلته خارج العالم وخارج جسده. ملأته الفرحة الكبرى وسبح في الدَّمع حارًّا وأخذ يردّد بلا توقُّف ولا كَلَل: "يا ربُّ ارحم". وإذ لم تكن خبرته الأولى في معاينة المجد الإلهيّ مؤسَّسة على ركائز اللَّاهَوَى، فإنّه ما لبث أنْ سَقَطَ في الفُتور والتَّراخي، أمضى مِنْ بعدها سنواتٍ عديدة في الجهاد والتَّوْبة.

إنَّ ما مَرَّ به القدِّيس سمعان اللّاهوتيّ الجديد ما هو سِوَى مَثَلٌ عن "التَّهاوُن" يُعرَف بلغة الآباء أيضًا بالإهمال والكَسَل، وهذه التَّعابير كلّها تعني الشَّيء نفسه: الموت الرُّوحيّ! وهو مِنْ بَيْن الأهواء الثَّمانية الرَّئيسيَة الَّتي تشكّل عيوبًا شاملة. التَّهاوُن هو متآمرٌ رهيبٌ ضِدَّ حَياتنا، وقد أنزل بنا الأذى مرّاتٍ كثيرةٍ، وعلينا ألَّا نَكُفَّ عن اعتباره أكثر أعدائنا حقدًا.

على الصَّعيد الفرْديّ يمكننا المقارنة بين الغُرور والتَّهاوُن، وهما الرَّذيلَتان الأخطر بحسب الآباء. ففي حين أنَّ الغُرور يُفْسِدُ الكنوز الَّتي كَدَّسَها المُؤمِن، إلَّا أنّ التَّهاوُن لا يتركه يجمعها من الأساس. التَّهاوُن هو مثل الجفاف حيث لا ينمو شيء. الغرور يُؤذي مَن عنده ثمار، والَّذي قد أحرز بعض التَّقدُّم، بينما التَّهاوُن يؤذي الجميع، لأنّه يعترض سبيل الَّذين يرغبون بأن يصنعوا بداية، ويوقِف الَّذين تقدّموا، ولا يترك الجاهل يتعلّم، ويحول دون عودة الضَّالّين، ولا يسمح للسَّاقِط بالنُّهوض. بشكلٍ عام، التَّهاوُن يُملي الهلاك على كلّ الَّذين يحتجزهم.

أمّا على الصَّعيد الكنسيّ، فإنَّ التَّهاوُن يؤدّي إلى العديد من الآفات الخطيرة نذكر منها فقدان الهويَّة الدِّينيّة والثّقافيَّة إذ يصبح الإيمان مجرَّد تمثيل مِنْ دونِ قيمةٍ دينيّة عميقة. كما أنّه يؤدِّي إلى تشتيت الكنائس والأبرشيّات حيث يختلف الأفراد حول ما إذا كانوا يؤيِّدون ما يحصل مِنْ تَراخٍ أم لا، خاصَّةً ما قد يحصل من تغييرات في العبادة واللِّيتورجيا يمكن أن يؤدّي إلى تخفيف الارتباط بالتَّقاليد الدِّينيَّة، والأخطر مِن هذا هو التَّغييرات في العقائد الَّذي قد يشمل تجاهل أو تجاوز العقائد الأصليَّة والقِيَم الدِّينيَّة. وهذا ما يَؤول بالرَّعايا إلى الهلاك.

في الصَّباح عند النُّهوض مِنَ النَّوْم، كان الشَّيخ الأب كلاوبا إيليّا الرُّومانيّ يُنادي: "لا تكونوا كسالى أيُّها الفتيان لئلَّا تقعوا في أيدي اللُّصوص. لأنَّ التَّهاوُن هو الخطر الأعظم على نفْسِ كلِّ إنسان. ألَم تُنْهِ قانون صلاتك؟ يخبرك التَّهاوُن "لا يَهُمّ". أنت لم تَصُم؟ يَشي لك التَّهاوُن "لا يَهُمّ". أرتكبتَ الزِّنى؟ ينمّ الإهمال لك: "لا يَهُمّ". علينا أن نجاهد قدر استطاعتنا والله سوف يساعدنا على الخلاص. بقدر ما تتعاظم التَّجارِب، تتزايد نعمةُ الرَّبّ ويكبر معها الإكليل".

في الختام، يتوجّه ربّنا يسوع المسيح إلى كلّ واحد منّا قائلًا: "لك أقولُ قُمْ!" وهي دعوة مُستَمِرَّة لِعَدَمِ التَّهاوُن، وللتَّوبة والعودة حتّى نستَحِقَّ بالفعل أنْ نُدْعَى أبناءً لله، ونستَحِقَّ الملكوت، آمين!

أنقر هنا لتحميل الملفّ