نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
الأحد (17) بعد العنصرة
العدد 40
الأحد 1 تشرين الأوّل 2023
اللّحن 8- الإيوثينا 6
أعياد الأسبوع: *1: الرُّسول حنانيا أحد السَّبعين، القدِّيس رومانوس المرنّم *2: الشّهيد في الكهنة كبريانوس، الشّهيدة يوستينة *3: الشّهيد في الكهنة ديونيسيوس الأريوباغيّ أسقف أثينا *4: القدِّيس إيروثيوس أسقف أثينا، البارّ عمُّون المصريّ *5: الشّهيدة خاريتيني، البارّة ماثوذيَّة، البارّ إفذوكيموس *6: الرّسول توما *7: الشّهيدين سرجيوس وباخُوس، الشّهيد بوليخرونيوس.
كلمة الرّاعي
الإنسان هيكل الله
”اخرُجوا من بينِهم واعتزِلوا يقولُ الرَّبُّ ولا تَمَسُّوا نَجِسًا، فأقبَلَكم وأكونَ لكم أبًا وتكونوا أنتمُ لي بَنينَ وبناتٍ يقولُ الرَّبُّ القدير“ (2 كو 6: 17—18)
الهيكل الحجريّ لا بُدَّ منه لتأدية العبادة، ولكن في حال لم ينوجد لسببٍ مِنَ الأسباب فهذا لا يمنع العبادة، لأنّ العبادة هي ارتقاء الرُّوح بالرُّوحِ القُدُس نحو الله في ملكوته.
الحياة الرُّوحيَّة هي خبرة أن تكون في الجحيم وفي الملكوت في آنٍ معًا لأنَّك تحتجُّ في نفسك على نفسك لانشدادها إلى أسفل، وبروح الرَّبّ تُرفع إلى حيث الملك يجلس على منبره النَّاريّ...
أنْ تَعِيَ ذاتك هيكلًا للرَّبِّ يَعني أنْ تقدِّس حياتك بجملتها وأن تجعلها كلّها مُكرَّسة لصاحب الهيكل أي لله. هيكل الرَّبّ كلّه للرَّبّ في كلِّ حينٍ، وهكذا الإنسان متى كان للرَّبِّ فهو له على الدّوام. أنت لا تستطيع أن تختار الأوقات الَّتي تكون فيها للرَّبّ والأوقات الَّتي تَختار أن تكون لِنَفْسِكَ أو لغيره. أن تكون مؤمنًا هو خيارٌ قاطع يترتّب عليه قرارات جوهريّة في حياة المؤمن وهي أنّه ”ليس من العالم“ مع أنّه في العالم... وأنّه يجب أن يكون مَطْرَحَ تجلِّي حضور الله وحبّه للعالم ليرفعه إلى فوق العالم...
* * *
شعب الله صار لله شعبًا في خروجه من مصر إلى الصَّحراء فأرض الميعاد. هذا رمزٌ بأنَّنا ونحن في العالم علينا أن نخرج منه إلى جهاد الصَّحراء والإيمان بالله والاتّكال عليه حيث حربنا ضدّ مَيْلِنا إلى عبادة الأوثان أي ذواتنا وأهوائنا، لكي بيشوع أي بيسوع ندخل أرض الميعاد أي ملكوت السَّماوات. الصَّحراء هي تحرُّرنا من العالم، لأنَّ العالَم هو المدينة والمدنيَّة. لذلك، الرُّهبان هَرَبوا إلى الصَّحراء، خرجوا مِنَ المَدينة. أمّا نحن العائشون في المدينة فيجب أن نجد لنا فيها صحراء نخرج إليها منها. هذه الصَّحراء هي في الخلوة كما يعلّمنا الرَّبّ نفسه، ”وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صَلَّيْتَ فَادْخُلْ إِلَى مِخْدَعِكَ وَأَغْلِقْ بَابَكَ، وَصَلِّ إِلَى أَبِيكَ الَّذِي فِي الْخَفَاءِ. فَأَبُوكَ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ يُجَازِيكَ عَلاَنِيَةً“ (مت 6: 6).
غاية خروجنا أن نعتزل أي ننصرف عن العالم ونبتعد عنه أي أن نتحرَّر من منطق العالم وتعلّقاته حتّى لا نَقَعَ في النَّجاسة أي وسخ الرُّوح بسبب من أهوائها.
كما أنَّنا نستقبح ونرفض وجود ”زبالة“ في الهيكل الحجريّ كونها نجاسة، كذلك علينا أن نرفض وجود ”زبالة“ في قلبنا وجسدنا وكياننا كونها تنجّس هيكل الله الَّذي هو الإنسان. المطلوب هو أن يكون هيكل الله نقيًّا وممَجَّدًا بزينة الفضائل والطَّهارة...
* * *
أيّها الأحبَّاء، في هذا الزّمن مطلوب منّا أكثر من أي وقت أن نشدِّد ونؤكِّد على قدسيّة الإنسان وجسده وعلى كونه هيكل الله. اليوم تُسَوَّق وتُنشَرُ أفكار مدمِّرة للإنسانيَّة عبر مماهات الحرّيّة بالتّفلُّت الجنسيّ خاصّة وبمحاربة القيم والأخلاق الإنسانيّة المُنْبَثقة من الإنجيل والمسيحيَّة بعامَّة. إنّها حرب على الإنسانيّة باسم حرّيّة زائفة تُشعل في الإنسان نار الأهواء الجسدانيَّة وتغذِّي فيه روح الكبرياء والأنانيَّة، وهذه أهواء مُدَمِّرة لصورة الله في الإنسان كشخصٍ وللإنسانيّة كجماعات.
واجبنا وشهادتنا ووجودنا كلّها تفرض علينا أن نكون جاهزين ومستعدِّين لمواجهة هذه الحرب الّتي هدفها تدمير صورة الإنسان عن نفسه كهيكلٍ لله أي إبعاده وجعله عدوًّا للقداسة كسيرة حياة مطلوبة ومتوق إليها.
وَعْيُنَا لإيماننا ولحقيقة الإنسان بحسب يسوع المسيح ولهدف الحياة، يفرضان علينا أن نبشِّر بدون كَلَل أو مَلَل وأن نقاوم روح العالم هذه بدون هَوادة ونحاربها. لا خلطة بين النُّور والظّلمة. أمّا نحن فإنّنا يجب أنْ نكون أبناء النُّور لأنّ معلّمنا أوصانا بذلك، وأنْ نكون ملح الأرض لتُصلح البسيطة بنعمة الله بواسطتنا كشهود للحقّ ولحقيقة أنّ الله صار إنسانًا بالجسد ليرفع الإنسان إلى مرتبة الألوهة بالنِّعْمَة...
بعد أن حرّرنا المسيح ورفعنا إلى السّماويّات فيه ببذله وسفكه دمه الإلهيّ على الصَّليب لأجل أن يُعتقنا من الموت ومن سلطان إبليس، هل يحقّ لنا أن نتخاذل أو نخاف أو نخجل بإيماننا؟!...
ماران أثا ...
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما
طروباريّة القيامة (باللَّحن الثّامن)
انْحَدَرْتَ مِنَ العُلوِّ أَيُّها المُتحنِّن. وقَبِلتَ الدَّفنَ ذا الثّلاثةِ الأيّام. لكي تُعتقَنا مِنَ الآلام، فيا حياتَنا وقيامتَنا يا رَبُّ المجدُ لك.
طروباريّة الرَّسُول حنانيا (اللّحن الثّالث)
أيُّها الرَّسول القدِّيس حنانيا، تشفَّع إلى الإله الرَّحيم، أن يُنعم بَغُفْرانِ الزَّلاَّت لِنُفوسنا.
طروباريّة للبارّ رومانوس المرنِّم (اللَّحن الثّامِن)
بِكَ حُفِظَتْ الصّوُرةُ بإحتراسٍ وثيق أيُّها الأب رومانُس. لأنَّكَ حمَلْتَ الصَّليب وتَبِعتَ المسيح. وعَمِلتَ وعَلَّمْتَ أن يُتغاضى عن الجَسَدِ لأنَّهُ يَزولُ. ويُهتَم بأُمور النَّفْسِ غَيرِ المائتة. فلذلك أيُّها البارّ تبتَهجُ روحُكَ مع الملائكة.
الرِّسالَة(2 كو 6: 16-18، 7: 1)
صَلُّوا وأَوْفُوا الرَّبَّ إلهَنا
اللهُ مَعْرُوفٌ في أرضِ يَهُوذا
يا إخوةُ، أنتمُ هيكَلُ اللهِ الحَيِّ كما قالَ اللهُ إنّي سأسكُنُ فيهم وأسيرُ فيما بينَهم وأكونُ لهم إلهًا وهم يكونونَ لي شعبًا. فلذلك اخرُجوا من بينِهم واعتزِلوا يقولُ الرَّبُّ ولا تَمَسُّوا نَجِسًا، فأقبَلَكم وأكونَ لكم أبًا وتكونوا أنتمُ لي بنينَ وبناتٍ يقولُ الرَّبُّ القدير. وإذ لنا هذه المواعِدُ أيُّها الأحبَّاءُ فلنُطهِّر أنفُسنا من كلّ أدناسِ الجسَدِ والرُّوحِ ونُكمِلِ القداسةَ بمخافةِ الله.
الإنجيل(لو 6: 31-36)(لوقا 2)
قال الرَّبُّ: كما تريدونَ أنْ يفعلَ النَّاسُ بكم كذلك افعلوا أنتم بهم. فإنَّكم إنْ أحببتُمُ الَّذين يُحبوُّنكم فأيَّةُ مِنَّةٍ لكم، فإنَّ الخطأةَ أيضًا يُحبُّون الَّذين يُحبُّونهم. وإذا أحْسنتم إلى الَّذين يُحسِنون إليكم فأيَّةُ مِنَّةٍ لكم، فإنَّ الخطاةَ أيضًا هكذا يصنعون. وإن أقرضْتُمُ الَّذينَ تَرْجُونَ أنْ تَسْتَوْفُوا منهم فأيَّةُ مِنَّةٍ لكم، فإنَّ الخطأة أيضًا يُقرضونَ الخطأة لكي يستوفُوا منهم المِثلَ. ولكن، أَحِبُّوا أعداءَكم وأَحسِنوا وأَقرِضوا غيرَ مؤَمِّلين شيئًا فيَكونَ أجرُكم كثيرًا وتكونوا بَنِي العَلِيّ. فإنَّهُ مُنعِمٌ على غير الشَّاكِرِينَ والأشرار. فكونوا رُحماءَ كما أنّ أباكم هو رحيمٌ.
حول الإنجيل
خصّص الرَّبُّ يسوع المسيح في عِظَتِهِ على الجَبَل، مَقْطَعًا (إنجيل لوقا 27:6-38) يتحدَّث فيه عن المحبَّة الَّتي هي وصيَّة التَّلاميذ الأولى. فاسْتَهَلَّ الرَّبُّ الإنجيل بهذه الآية "وكما تريدون أن يفعل النَّاس بكم افعلوا أنتم أيضًا بهم هكذا" (لوقا 31:6). الإنسانُ المؤمنُ لا يعيشُ بمفرده في المجتمع بل يتواصل مع الآخَر بمسؤوليَّة وبعلاقة حيّة في المحبَّة. المحبَّة هي أصل وينبوع كلّ شيء صالح، وأمّ تضمُّ إلى صدرها كلَّ الملتجئين إليها. لذلك خَصَّها الرَّسُول بولس بمزيّة قائلًا: "المحبَّة تكمّل النَّاموس" (رومية 10:13). اللهُ جعل لنا المحبَّة الامتياز الحقيقيّ لِتَسود بين البشر. كلّ أعمالنا زائلة أمّا ثمرةُ الرَّحمة لا تزول ولا تموت بل تذهب لِتُعِدَّ للإنسان منزلًا، "في بيت أبي منازل كثيرة" (يوحنا 2:14). إذا سألنا البعض عن درجات المحبَّة أجابوا بأنَّها رابطٌ قويٌّ ومقَدَّس في العائلة أو علاقةٌ اجتماعيّةٌ إنسانيّة رائعة... رغم عظمة وجمال هذين اللَّونَيْن مِنَ المحبَّة تبقى هذه المحبّة ناقصة لأنَّها تطلب في الحُبَّ شيئًا لِذَاتِها. المحبَّة الحقيقيّةُ هي "المحبَّة الرُّوحيَّة الكاملة" المَبْنِيّة على الرَّحمة والمُسامَحَة "يا أبتاه اغفر لهم، لأنَّهم لا يعلمون ماذا يفعلون" (لوقا 34:23). المَحبَّة الَّتي يُشير إليها الرَّبّ في الإنجيل هي محبَّةُ الأعداء. إنَّها محبَّةٌ يهبها الرُّوح القُدُس لنا ويملؤنا نعمةً وسلامًا. إنَّها المحبَّة الكاملةُ الَّتي ترى في كلّ إنسانٍ وجهًا محبوبًا وابنًا للعليّ وأخًا للابن الوحيد الحبيب. الإنسانُ المؤمنُ الَّذي بلغ هذه المحبَّة لا يرى في أيِّ إنسانٍ عدوًّا وإنْ أخطأ إليه، بل يعادي الخطيئة. خلق الله الإنسان حُرًّا لذلك هو مسؤول عن تصرُّفاته ومواقفه. المسيحيّ ينظر بمحبَّةٍ إلى أخيه الإنسان كأخٍ وابن الله ولو كانت مواقفه عدائيّة. نحن على صورة الرَّبّ يسوع المسيح الرَّحيم الَّذي أنْعَمَ بمحبَّتِهِ الفائقة على الأبرار والأشرار. "كونوا رُحماء كما أنَّ أباكم أيضًا رحيم" (لوقا 36:6). هكذا المحبَّة تفرضُ علينا مسؤوليّة كبيرة تجاه الآخَر القريب والحبيب المَدْعُو إلى الخلاص: "أيُّها الأحبّاء إنْ كان اللهُ قد أحبَّنا هكذا ينبغي لنا أيضًا أنْ يُحِبَّ بعضُنا بـــعـــضًــــا" (1يوحنّا 11:4). رسالتنا في هذا العالم اليوم أنْ نُجاهِد ضِدَّ الخطيئة، أي أن نُقاوم البُغْضَ، الكراهية، الحقد، الحسد، القتل، والاضطهاد... وأن نزرع المحبَّة والرَّحْمَة في نفوس جميع النَّاس.
أفكار القلب
يحسب الإنسان أنّه مظلومٌ من قِبل أُناسٍ خارجين عنه، أعداء، يرى فيهم بعضًا مِنْ رَذائل. إنّما هل مِنْ رذيلةً عند "عَدُوِّه" ليست عنده هو الآخَر؟ هل هو مِنْ مَعْدَنٍ أفضل مِنْ مَعْدَن عَدُوِّه؟ هل يرى قشّةً في عَيْنِ عَدُوِّه؟ وكيف لا يرى الخشبة الَّتي في عينه هو؟ أي في قلبه، مصدر أفكاره الصَّالِحَة والشِّرّيرة؟
الحقيقة أنَّه لا عَدُوَّ للإنسان إلَّا أفكاره النَّابِعَة مِنْ قَلْبِه، كفِكْرِ الزِّنَى، وفِكْرِ السُّلطة، وفِكْرِ الكبرياء وغيرها من الأفكار الَّتي تحرّكه نحو الشَّرّ. "لأنّ مِنَ القلْبِ تخْرُجُ أفكارٌ شرّيرةٌ: قتلٌ، زنًى، فسقٌ، سرقةٌ، شهادةُ زورٍ، تجديفٌ" (متّى ١٩:١٥). الأفكار الشِّرّيرة سريعة الانتشار. تجرّ الواحدة منها الأخرى. تُمرِّضُ القلبَ وبالتَّالي الجسد بكلِّيَّتِه. وسرعان ما نجد أنفسَنا قد أُصِبْنا بسرطانٍ قاتلٍ للرُّوح، يَزيدُ مِنْ ضُعفِ القلب شيئًا فشيئًا. لا يُداوي هذا السَّرطان إلَّا الطَّبيبُ الوحيد الشَّافي النُّفوس أوّلًا ثمّ الأجساد، الرَّبُّ يسوع المسيح. هو الَّذي بإمكانه إعادة قلوبنا إلى بياضها الأوّل الَّذي خُلِقْنا عليه.
إذا مَرَرْنا على مَعاجِمِ اللُّغَةِ العربِيَّة، نفهم أنَّ القلب هو "عُضْوٌ عَضَلِيٌّ يَنْبِضُ فِي الْجَانِبِ الأَيْسَرِ مِنَ الصَّدْرِ، يُنَظِّمُ الْحَرَكَةَ الدَّمَوِيَّةَ إِلَى أَطْرَافِ الْجِسْمِ". هذا دَوْرُ القلْبِ في حياة الجسد. أمّا مِنْ منظارِ الله، فلِلْقَلْبِ دورٌ أكبر بكثير في حياة الرُّوح، في حياتنا في المسيح. المبتغى هو نَقاوَةُ القلب الَّتي تُوَلِّدُ فينا حبًّا جمًّا. وهذا هو جهادنا الدَّائم وهذه هي حربنا الوحيدة. لا حرب نَخُوضُها في هذه الحياة سِوَى حربنا على أفكارنا الشِّرّيرة. فكما يقول سِفْرُ يَشوع بِنْ سيراخ (٣٧:٢١)، "أربعةٌ تَصْدُرُ مِنَ القَلْب: الخيْر والشَّرّ والحياة والموت". إذا اخترنا الخير، حينئذٍ يأخذ القلب معناه في اللُّغة وينبض فينا حياةً تكون مِرْآةً للرَّبِّ يسوع بين البَشَر، في الفِعْل والكَلام والنِّيَّة. وإذا كنّا بِيض القلب، يرتاح النَّاس إلى مجلسنا، إذ يُحسّون حينها بحضُورِ الرَّبِّ معنا وفينا. أثمن ما في حياتنا هو القلب الجديد. يُصْبِحُ قلبُنا جديدًا إذا دعونا الله إلى سُكناه. فالقلب خارجًا عن الله مجرّد عضلة.
هذا ليس بالأمر السَّهل، ولكنّه أيضًا ليس بالمستحيل. فأنا، كما يقول الرَّسُول بولس، "أستطيعُ كُلَّ شيءٍ في المسيح الَّذي يُقَوِّيني".
هو قال لي: "يا بُنيَّ، أعطِني قلبك". فَلْأُعْطِهِ قَلبي. ولْأَتَكَلّم معه في الصَّباح وفي المساء وفي كلِّ وَقْتٍ وفي كلِّ مَساء. ولْأَقُلْ له: أريد، يا رَبُّ، فَأَعِنْ عَدَمَ إرادتي. ولْآخُذْ كلَّ يومٍ نصيحة الكتاب الإلهيّ أَعِشْ بها يَوْمِي لتُغَيِّرَ بعضًا مِنْ أفكاري، فتُغَيِّر قلبي. ولْأراقِبْ نَفْسي يوميًّا، واضعًا نظّارات الرَّبّ، الَّتي تُوضح الرُّؤية أمامي وتُرشدني إلى الطَّريق الحَقّ. ولْأعْتَرِف عندما أُخْطِئ وأُصالِحْ مَنْ أسأتُ إليه، وأصالِحْ مَنْ أساء إليَّ قبل أنْ يأتيَ هو إليّ. ولْأتمنّى لِغَيْري ما أتمنّاه لِنَفْسي ولْأفْرَح عندَ تأَلُّقِهِ ولأحْزَنْ عند سقوطه. ولْأطْلُب منه أنْ يغسلَني بالتَّوبَة، ويُنَقِّيَني، هو العالِم بخفيّات القلب. ولْأسْتَوْدِع الرَّبَّ نفسي قبل النَّوْم كلَّ يوم. لا أُؤَجِّلَنَّ المواجهة فقد لا أرى الغد. ولْأتَّكِل عليه لأنّ كلَّ شيءٍ مِنْ لَدُنِه.
بيني وبين الرَّبّ مُواجهة، أي وَجهي إلى وجهه لِيَصْنَعَ وَجْهي ويخلق فيّ قلبًا نقيًّا. إذ ذاك أصيرُ إنسانًا جديدًا يَعْكِسُ النُّورَ الإلهيّ. أصير ناقِلًا للمَحَبَّة الإلهيّة. أصيرُ كلمةً إلهيّةً.
اليَقَظَةُ
عادةً ما تُقْرَنُ كلمة "اليَقَظَة" في ﭐلحياة ﭐلمسيحيَّة مع كلمة "الصَّلاة" لكونها لا تنفَصِلْ عن الصَّلاة الدَّائِمَة وهي وليدتها ومُوَلِّدَتها بآنٍ واحِد. اليقظة هي ﭐلحياة الرُّوحِيَّة، والتَّأَمُّل بـﭑلحياة السَّماوِيَّة وعيشها، هي السَّهَر على الذَّات وﭐلغَوْص في معرفتها، على ما يقول ﭐلقدِّيس باسيليوس ﭐلكبير.
نحن في عصرٍ ﭐليَقَظَةُ فيه هي ﭐلحاجة الأُولى للعَيْشِ بمُقْتَضَى ﭐلإنجيل، وللوصول إلى مِلْءِ قامة ﭐلمسيح.
نَعيش في عالمٍ مريضٍ ونتبنَّى مرضه. ونحن نتعلَّق بأمجاده ومُغرياته، نتعلَّق بطعامه ولباسه، نتقيَّد بتقنيَّاته وطرق تسليته. نحن دُعِينَا لنكون ملح الأرض فتخلَّيْنَا عن ملوحتنا، نحن دُعِينَا لنكون نور ﭐلعالم فأمْسَيْنَا ظلامًا ندعو النَّاس أن يستريحوا معنا في عتمته. وتناسَيْنَا السَّهَر على خلاص نفوسِنا.
ليس من السَّهْلِ أن ينتزعَ ﭐلإنسانُ ﭐلمسيحيُّ نفسه من أجواء ﭐلعالم، وبخاصَّة أنَّ الشَّيطان يُدرِك ويعمل على أن يُعيدَنا إلى وثنِيَّةٍ رَذَلْنَاهَا فنعود من جديد "أغبياء، كفرة، ضالِّين، مُسْتَعْبَدِين لشهواتٍ ولذّاتٍ شتَّى، نحيا على ﭐلخُبْث وﭐلحَسَد، مَمْقُوتِين يُبغض بعضُنا بعضًا" (أف 3:3).
"إنَّ إبليس خصمنا كـﭑلأسد يجولُ مُلْتَمِسًا مَن يفترسه" (1 بط8:5)، يسعى دائمًا إلى تشويش أذهاننا وتعطيل قدرة صلاتنا وتوجيه أذهاننا إلى اتِّجَاهَات لا تؤدِّي إلى منفعتنا ولا إلى خلاصنا. يستخدِمُ أساليبًا تُريح ﭐلإنسان ﭐلمُعَاصِر وتبعَثُ في نفسه السُّرُور ﭐلمُؤقَّت والرَّاحةَ ﭐلَّتي لا تَرْوِي النَّفس وﭐلَّتي تطلب ﭐلمزيد من ﭐلاِنغماس في ﭐلبحث عنها ليصطدم ﭐلمرء بَغْتَةً بـﭑلموت.
حالة من ﭐلفراغ وﭐلقلق الدِّائِم نحياها يومِيًّا بـﭑلإضافة إلى ﭐلهُمُوم ﭐلمَعِيشِيَّة وﭐلمَكْسَب الضَّئِيل وﭐلعمل ﭐلمُهَدَّد، فلا يجِدُ ﭐلمسيحيّ نفسه إلَّا ويبحث، كما باقي النَّاس، بفكرهم عن منفَذ للفرح والرَّاحَة، فيطرُق باب المسلسلات التِّلفزيونِيَّة الَّتي تَكُرُّ كـﭑلمَسْبَحَة، والَّتي يتساءل مُشاهِدُوها عن ﭐلوقت الَّذي أضاعوه في مشاهدتها؛ أو أن تعلق أنفاس النَّاس وعيونهم في مستطيلات شاشة التَّواصل ﭐلاِجتماعيّ الَّتي تقتلعهم من محيطهم لتضعهم في اللَّامَكَان لتبدو ﭐلعلاقات بين ﭐلبشر وكأنَّها تبدأ لتطال كلّ ﭐلبشر في لحظة واحِدَة وتنتهي أيضًا بلحظةٍ واحِدَة بدون ﭐكتِرَاث وبلا محبَّة.
اليقظة مطلوبة لتنجو من حبائل إبليس، ليس المطلوب أن تكون خارج ﭐلعالم، فليس ﭐلمكان هو السَّبب في النَّجاة أو عدمه. التَّشتُّت والرَّغبة ﭐلعالَمِيَّة ستتبعك أينما ذهبت حتّى لو كنت في قدس ﭐلأقداس، في هيكل الرَّبّ. السَّبيل ﭐلوحيد أن يكون قلبك ورغبتك ﭐلأولى "ﭐلحياة بمَعِيَّة الله"، عاكِفًا على ﭐلكلمة ﭐلإلهيّة، ومواظِبًا على الصَّلاة وﭐلعمل الصَّالِح وبدون ﭐنقِطَاع، مُلازِمًا ﭐلهيكل كلّ يومٍ بنفسٍ واحِدَة وعامِلًا بشَتَّى الطُّرُق مع مَن يَبْغُون ﭐلخلاص ﭐلآتي من الرَّبِّ ﭐلآتي، آمين.