Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد 13 آب 2023     

العدد 33

الأحد (10) بعد العنصرة

اللّحن 1- الإيوثينا 10

أعياد الأسبوع: *13: وداع عيد التجلِّي، نقل عظام القدّيس مكسيموس المُعترف، القدّيس دوروثاوس أسقف غزَّة وتلميذه دوسيثاوس، القدّيس تيخن زادونسكي *14: تقدمة عيد الرُّقاد، النَّبيّ ميخا *15: عيد رقاد سيّدتنا والدة الإله الفائقة القداسة *16: تذكار نقل المنديل الشّريف من الرَّها، الشَّهيد ديوميدوس *17: الشَّهيد ميرُن *18: الشَّهيدان فلورُس ولَفرس، القدّيس أرسانيوس الجديد الَّذي من باروس *19: القدّيس أندراوس قائد الجيش والـ 2593 المستشهَدون معه.

كلمة الرّاعي

رقاد وانتقال والدة الإله

”جُعِلَتِ الْمَلِكَةُ عَنْ يَمِينِكَ بِذَهَبِ أُوفِيرٍ“

 (مز 45: 9)

نعيِّد في الخامس عشر من شهر آب، لعيد رقاد وانتقال والدة الإله إلى الأخدار السّماويّة بالنّفس والجسد. لا نعرف بالتّحديد متى بدأ الاحتفال بهذا العيد، لكنّنا نعلم بأنّه قبل العام 500 م. كان يُحتفل به في الأراضي المقدّسة في 28 آب، أمّا في مصر فبتاريخ 18 كانون الثّاني. انتقل هذا العيد إلى بلاد الغال في القرن الرّابع من مصر. وقد حُدِّد العيد في الثّامن والعشرين من آب على أيّام الإمبراطور البيزنطيّ موريكيوس (حكم من 582 إلى 602 م.). وفي وقتٍ لاحِقٍ، دخل الصّوم التّحضيريّ للعيد من 1 إلى 14 آب وصار يعيّد في 15 منه لرقاد وانتقال والدة الإله، وقد صدر قرار عن الإمبراطور أندرونيكوس الثّاني بليولوغوس يحدّد شهر آب كلّه لوالدة الإله.

*          *          *

بحسب التّقليد، أعلم الرَّبُّ يسوع والدته برقادها، بواسطة ملاك، قبل ثلاثة أيّام. فتوجّهت إلى جبل الزّيتون لتُصَلّي بحسب عادتها. فلمّا وصلت القمّة انحنت لها الأشجار. بعد ذلك، رجعت إلى بيتها أخبرت النّسوة اللّواتي أتين إليها بخبر رقادها وصعودها إلى السَّماوات. واستودعتهنّ غصن نخيل، رمز الغلبة وعدم الفساد، الَّذي زوّدها به الملاك. وطلبت إليهنّ ألَّا يحزنّ ستبقى تَذُودُ عنهنّ وعن كلّ العالم، بِصَلاتِها. وفي حين رقادها، امتلأ البيت بالغمام، وأُحضر الرُّسُل من أطراف الأرض، ومعهم الرَّسُول بولس، أيضًا. وقيل أنّ حنّة، أم والدة الإله، مع أليصابات وإبراهيم وإسحق ويعقوب وداود كانوا حاضرين. وبحسب القدّيس يوحنّا الدّمشقيّ، حضر عدد من أنبياء العهد القديم. كما ورد بأنّ أساقفة قدّيسين نظير القدّيس إيروثيوس الأثينائيّ، وديونيسيوس الأريوباغيّ، وتيموثاوس الأفسسيّ، كانوا أيضًا حاضرين.

 الكنيسة كلّها، انْوَجَدَتْ، سِرِّيَّا، احتفاءً بجنازة والدة الإله. أُودع جسد والدة الإله في قبر في بستان الجثسمانيّة. هناك بقي الرُّسُل يصلُّون مع الملائكة لثلاثة أيّام، بحسب التَّقليد. لم يكن توما الرَّسُول معهم، بتدبيرٍ إلهيّ، وتاليًا لم يحضر الجنازة. وصل توما إلى الجثسمانيّة في اليوم الثّالث، وامتلأ حزنًا كبيرًا لكونه لم يرَ أمّ الحياة قبل رقادها. محبّته الكبير لها دفعته ليطلب أن يلقي نظرة أخيرة على والدة الإله الرّاقدة ليتبرّك منها. رضوخًا لإلحاحه قرّر الرُّسل فتح الرَّمْس ليتسنّى لتوما أن يُكرّم الجسد المقدّس. فلمّا رفعوا الحجر عن باب القبر لم يجدوا الجسد المطلوب. كان  الكفن الّذي لُفَّت به والدة الإله فقط هناك، وقد اتّخذ شكل الجسد. كان هذا دليلًا على انتقال والدة الإله إلى السّماء إلى جوار ابنها وإلهها.

*          *          *

ما هي أهميّة هذا العيد بالنّسبة لنا اليوم؟ لا شكّ، أنّ كلّ عيد هو مناسبة فرح. المهمّ أنْ نعرف ما هو مصدر الفرح في العيد. والدة الإله مريم هي شخص فريد في البشريّة جمعاء من بدئها إلى نهايتها، لم يكنْ ولن يكون مثلها أحد. لماذا؟ لأنّها حملت في أحشائها أقنوم ابن الله، الَّذي تجسَّد من الرُّوح القدس ومنها، وتأنّس أي شاركنا ببشريّتنا كاملةً ما خَلا الخطيئة. لهذا السّبب صارت مريم والدة الإله، هي ليست أمّ يسوع الإنسان فقط، بل الإله-الإنسان. من هنا يأتي سرُّها في الله ومكانتها أمام الله والنّاس. هي لم تعد كباقي النّاس، مع أنّها منهم ومثلهم، لكنّها صارت مسكن الله ”حرفيًّا“.

قداسة مريم فائقة على كلّ القديسين، لا أحد منهم مثلها. ولكنّها لكونها إنسانة مثلنا، تعرف حالتنا البشريّة وتتحنّن علينا، ليس لذلك فقط ولكن بالأكثر لكونها صارت أمّ البشريّة والكون بولادتها لابن الله المتجسِّد.

*          *          *

شفاعة مريم ”الحارَّة“، لا تُحدّ عند الله، لذلك فهي ”ملجأنا بعد الله“، كأمّ لنا وله، و”طلبتها لا تُردّ“، والرَّبّ بشفاعاتها يخلّصنا كونها ”لا تكفّ عن الابتهال إليه لأجلنا“. مريم ترافقنا بشفاعاتها وتسير معنا إلى أمام عرش العليّ لتطلب من أجلنا أن يسمع الرَّبّ صلواتنا ويغفر ذنوبنا وخطايانا ويهبنا القوّة لمواجهة أرواح الشّرّ وتجارب إبليس باستعطافها إيّاه من أجلنا كونه لديها ”الدّالّة الوالديّة“ عليه.

مريم حضن يعزّينا بحنانه، كونها تحملنا كما حملت ابنها وإلهها، لترفعنا نحوه بشفاعاتها فيحرِّرنا ويشفينا ويهبنا ذاته. أن نلجأ إلى مريم هو أن نطلب يسوع ربًّا ومخلّصًا لنا، لأنّها دائمًا ترشدنا إليه وتوصينا قائلة: ”مَهْمَا قَالَ لَكُمْ فَافْعَلُوهُ“ (يو 2: 5)، ونحن علينا أن نطيعها لأنّها كانت لنا نموذجًا في طاعته لمّا قالت لجبرائيل: ”هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ“ (لو 1: 38).

لهذا كلّه، صارت مريم ”أسمى من كلّ المخلوقات“، ومن حملت الحياة في أحشائها نقلها ابنها، بالجسد، إلى الحياة الأبديّة وإلى ملكوت السّماوات. مريم صارت أوّل إنسان، بعد الرَّبِّ يسوع المسيح، يقوم بالجسد، ويسكن ملكوت الدّهر الآتي. لذلك، هي خارج الدّينونة العامّة لأنّها أُقيمت بالجسد، وها هي عن يمين ابنها في ملكوته.

*          *          *

أيّها الأحبّاء، فلنهتف نحو والدة الإله بهذه التّرنيمة الرّائعة قائلين لها: ”جميعُ الأجيالِ تغبِّطُكِ يا والدةَ الإله وحدها. أيَّتها البتول الطّاهرة إنّ حدودَ الطّبيعة قد غُلِبَت فيكِ، لأنّ المولدَ بتوليّ والموتَ قد صارَ عربونًا للحياة. فيا من هي بعدَ الولادةِ بتول وبعدَ الموتِ حيَّة يا والدةَ الإله أنتِ تخلِّصين ميراثك دائماً“ (تاسعة العيد)، فلا تزالي متشفّعةً من أجل العالم لإبعاد الأوبئة والأمراض الرّوحيّة والجسديّة، ولشفاء المرضى وتعزية المتألّمين وانصاف المظلومين، ولقيامة هذا البلد من موته الرّوحيّ ليعود وطن رسالة الحبّ والحياة الّتي في الحقّ... وتشفّعي إلى الرّبّ من أجل المسيحيِّين ليرجعوا إلى الله بالتّوبة ويصلحوا طرقهم بحسب كلمة ابنك وإلهك وإلهنا القائل: ”وَتَعْرِفُونَ الْحَقَّ، وَالْحَقُّ يُحَرِّرُكُمْ“ (يو 8: 32).

ومن له أذنان للسَّمَع فليسمع...

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

طروباريّة القيامة (باللَّحن الأوّل)

إنَّ الحجرَ لما خُتِمَ مِنَ اليَهود. وجَسَدَكَ الطّاهِرَ حُفِظَ مِنَ الجُند. قُمتَ في اليومِ الثّالثِ أَيُّها المُخلِّص. مانِحًا العالمَ الحياة. لذلكَ قوّاتُ السّماوات. هتفوا إليكَ يا واهبَ الحياة. المجدُ لقيامتِكَ أَيُّها المسيح. المجدُ لِمُلكِكَ. المجدُ لتدبيرِكَ يا مُحبَّ البشرِ وحدك.

طروباريَّة التَّجَلِّي (باللَّحن السَّابِع)

لمَّا تَجَلَّيْتَ أَيُّهَا المسيحُ الإلهُ في الجبل، أَظْهَرْتَ مجدَك للتَّلاميذِ حسبَمَا ﭐسْتَطَاعُوا، فأَشْرِقْ لنا نحنُ الخَطَأَة نورَكَ الأزَلِي، بشفاعاتِ والدةِ الإله، يا مانِحَ النُّورِ المجدُ لك.

قنداق التَّجَلِّي (باللَّحن السَّابِع)

تجَلَّيْتَ أيُّها المسيحُ الإلهُ في الجبل، وحَسْبَمَا وَسِعَ تلاميذُك شاهَدُوا مَجْدَك، حتَّى، عندما يُعَايِنُوكَ مَصْلُوبًا، يَفْطَنُوا أنَّ آلامَكَ طوعًا بـﭑختيارِك، ويَكْرِزُوا للعالم أنَّكَ أَنْتَ بالحقيقةِ شُعَاعُ الآب.

الرِّسالَة (1 كو4: 9-16)

لتكُنْ يا ربُّ رحمتُكَ علينا

ابتهجوا أيُّها الصِّدِّيقون بالرَّبّ 

يا إخوةُ، إنَّ الله قد أبرزَنا نحنُ الرُّسُلَ آخِرِي النّاسِ كأنَّنا مجعولونَ للموت. لأنَّا قد صِرنا مَشهدًا للعالم والملائكةِ والبشر. نحنُ جهَّالٌ من أجلِ المسيحِ أمَّا أنتمُ فحكماءُ في المسيح. نحنُ ضُعَفاءُ وأنتم أقوياءُ. أنتم مُكرَّمون ونحن مُهانُون. وإلى هذه السَّاعةِ نحنُ نجوعُ ونَعطَشُ ونَعْرَى ونُلطَمُ ولا قرارَ لنا، ونَتعَبُ عامِلين. نُشتمُ فَنُبارِك. نُضطَهدُ فنحتمل، يُشنَّعُ علينا فَنَتضَرَّع. قد صِرنا كأقذارِ العالم وكأوساخٍ يستخبِثُها الجميعُ إلى الآن. ولستُ لأخجِلَكُم أكتبُ هذا وإنَّما أعِظُكُم كأولاديَ الأحبَّاءِ. لأنَّه، ولو كانَ لكم ربوةٌ منَ المُرشِدينَ في المسيح، ليسَ لكم آباءٌ كثيرون، لأنّي أنا وَلَدْتُكم في المسيحِ يسوعَ بالإنجيل. فأطلبُ إليكم أن تكونوا مقتَدِينَ بي.

الإنجيل(متّى 17: 14-23)(متّى 10)

في ذلك الزَّمان دنا إلى يسوعَ إنسانٌ فجثا لهُ وقال: يا ربُّ ارحمِ ابني فإنَّهُ يُعذَّبُ في رؤوسِ الأهِلَّةِ ويتالَّم شديدًا لأنَّهُ يَقَعُ كثيرًا في النّار وكثيرًا في الماءِ، وقد قدَّمتُهُ لتلاميذِك فلم يستطيعوا أنْ يَشْفُوهُ. فأجاب يسوعُ وقال: أيُّها الجيلُ غَيرُ المؤمنِ الأعوجُ، إلى متى أَحتملكم؟ هلَّم بهِ إليَّ إلى ههنا. وانتهرهُ يسوعُ فخرجَ منهُ الشَّيطانُ وشُفيَ الغلامُ من تلكَ السَّاعة. حينئذٍ دنا التَّلاميذُ إلى يسوعَ على انفرادٍ وقالوا: لماذا لم نستطِعْ نحن أنْ نُخْرِجَهُ؟ فقال لهم يسوع لِعَدمِ إيمانِكم. فإنّي الحقَّ أقولُ لكم: لو كانَ لكم إيمانٌ مثلُ حبَّةِ الخردلِ لكنتُم تقولون لهذا الجبلِ انتقِلْ من ههنا إلى هناك فينتقِلُ ولا يتعذَّرُ عليكم شيءٌ. وهذا الجِنس لا يخرجُ إلَّا بالصَّلاة والصَّوْم. وإذ كانوا يتردَّدون في الجليل قال لهم يسوع: إنَّ ابنَ البشر مزمِعٌ أن يُسلَّمَ إلى أيدي النَّاس فيقتلونهُ وفي اليوم الثَّالث يقوم.

حول الإنجيل

تَرِدُ حادثة شفاء الممسوس لدى الإنجيليّين الثّلاثة، متّى ومرقس ولوقا (مت 17: 14-21 ومر9: 14-29 ولو 9: 37-43)، والرِّواية بعناصرها الكاملة ومراحلها المُتسلسلة يسردها الإنجيليّ مرقس بإسهاب حيث يصف حالة المَمسوس بالتَّفصيل وكيف يُحْكِمُ الشَّيطان قبضته عليه ويتقاذفه بين حافَتَيْ الموت، إذ يرميه تارَّةً بالماء وتارَّةً بالنّار، ويَصِفُ أيضًا عناد الشَّيطان ومحاولته مقاومة أمر الرَّبّ يسوع إذْ يصرع المَمْسُوس بنوْبَةٍ خطيرة عندما استُحضر أمام الرَّبّ يسوع. لذلك عندما نقارن رواية متّى برواية مرقس نستنتج أنَّ متّى لا يشدّد على عجيبة الشِّفاء بحدّ ذاتها، بمقدار ما يريد إلقاء الضَّوْء على اخفاق التّلاميذ من جهةٍ، والسَّبب الَّذي أدّى إلى هذا الإخفاق من جِهَةٍ ثانية واستخلاص أمثولة تفيد المؤمنين عامَّة.

كان التّلاميذ الثّلاثة، بطرس ويعقوب ويوحنّا، برفْقَةِ يسوع على جبل ثابور حيث عاينوا تجلّيه. في حين كان التَّلاميذ الآخرون يحاولون، بغياب معلّمهم، شفاء المَمْسوس وطرد الشَّيطان، لكنّ مُحاولاتهم اسفرت عن إخفاقٍ ذَريع جَعَلهم عرضة للتَّعيير من الجموع الحاضرة. هذا الإخفاق غير مُبرَّر، لأنّ الرّبّ يسوع سبق أن منح تلاميذه موهبة شفاء الأمراض وطرد الشَّياطين عندما اختارهم وأرسلهم للبشارة وقال لهم حينها: "اشفوا مرضى، طهّروا برصًا، أقيموا موتى أخرجوا شياطين" (مت 10: 8، مر6: 7، لو 9: 1)، وقد نجح التّلاميذ بمهمَّتهم بشهادة الإنجيليّ مرقس الَّذي أفاد بأنّهم "خرجوا وصاروا يكرزون أنْ يتوبوا وأخرجوا شياطين كثيرة ودهنوا بزيت مرضى كثيرين وشفوهم" (مر 6: 12-13 ولو9: 6). لم يرضَ الرَّبّ يسوع بهذا الإخفاق وتذمّر قائلًا "أيّها الجيل غير المؤمن المُلتوي إلى متى أكون معكم إلى متى أحتملكم". حدّد الرَّبّ بكلامه، الصَّارِم هذا، موقع الخَلَل وسبب الإخفاق وهو انعدام الإيمان وأكّد على الأمر عندما عاد التَّلاميذ وسألوه قائلين: "لماذا لم نقدر نحن أن نخرجه؟" فأجابهم بصريح العبارة "لعدم إيمانكم". هكذا يسلّط الإنجيليّ متّى الضَّوء، مِنْ خلال هذه الحادثة، على موضوع الإيمان وأهميّته ومحوريّته، لذلك ينفرد من بين الإنجيليّين الآخَرين، ويُورِد على إثْر هذه الحادثة إعلان الرَّبّ يسوع أنّ: ذرّة إيمان كافية لينال الإنسان القدرة على نقل الجبال (مت 17: 20).

إنَّ حادثة إنجيل اليوم تخاطب واقعنا الَّذي يتغلغل فيه ضعف الإيمان، وتدفعنا لاستخلاص الأمثولة من إعلان الرَّبّ يسوع بأنّ "هذا الجنس لا يخرج إلَّا بالصَّلاة والصَّوم"، أي بكلام آخر، لا يُستأصل الشَّيطان إلَّا بالتزام العبادة بكامل عناصرها –صلاة وثقافة ومطالعات روحيّة ونموّ بالرُّوح وانضباط جسديّ وأخلاقيّ واجتماعيّ واكتساب الفضائل وصوم وصدقة وإلخ...- هكذا عندما نحيا في الصَّلاة بحرارة واستقامة، مقرونة بعناصر العبادة الصَّحيحة، ننتقل إلى حضرة الرَّبِّ يسوع، حيث لا سلطة مطلقًا للشَّيطان، بل اكتساب قوّة اسم يسوع كسلاحٍ دائمٍ ضدَّ الشَّيطان وأدواته.

العِفَّة والبتوليّة

آمنت الكنيسة أنَّ المسيح هو كلمة الله، وُلِدَ من عذراء طاهرة نقيّة: "لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ " (غلا 4: 4) . هذه العذراء "مريم" بقيت عذراء قبل الولادة وفي الولادة وبعد الولادة. حيث أوضح كاتبو أيقوناتها ذلك برسمهم ثلاثة نجوم: اثنتان على كتفيها، وواحدة على جبينها للدَّلالة على بتوليّتها وعُذريّتها وعفافها.

أباء الكنيسة لم يتكلَّموا عن العِفَّة - الَّتي هي ثمرةٌ مِنْ ثِمار الرُّوح القُدُس: "ثمر الرُّوح... إيمان، وَداعة، تعَفُّف" (غلا 5: 22)، والَّتي لا تقوم على مستوى الجسد بل على مستوى القلب - بِقَدْرِ ما تَحَدَّثوا عن البتوليَّة الَّتي تُجسّدها مريم العذراء في حياتها.

استدلَّت الكنيسة في العديد من صور العهد القديم على بتوليّة مريم الدّائمة فهي العُلّيقة المُلتهبة غير المُحترقة الَّذي كان الله في وسطها (خروج 3: 2-4) وكذلكقياللُودًا تَحْتَ النَّامُوسِ. " ثم أرجعني إلى طريق باب المَقدِس الخارجيّ المُتَّجه لِلمشرق، وهو مُغلَقٌ. فقال ليَ الرَّبّ: هذا الباب يكون مُغلقًا، لا يفتحُ ولا يدخل منه إنسان، لأنّ الرَّبّ إلهَ إسرائيل دخل منه فيكونُ مُغلقًا» (حزقيال 44: 1-2).

 إنّ والدة الإله مريم هي نموذج للبتوليّة، لأنّها وحدها وُجدت غريبة عن الأهواء ونقيّة طاهرة: "إنّ بتولًا واحدة غذّت العالم بأسره ليس باللَّبن الجسديّ ولكن بكلمة الله" (القِدّيس أمبروسيوس).

كما يهتف القدّيس غريغوريوس النِّيصُصيّ: "يا لَلْمعجزة الرَّائعة: العذراء تصير أمًّا وتبقى عذراء. لا البتوليّة حالت دون الولادة ولا الولادة أزالت البتوليّة".

اختار الله أمًّا له بالجسد لكي تكون نموذجًا للعِفَّة، والَّذين يسعون لإقتنائها هم مَن ملأ حبُّ المسيح حياتَهم، وصار الجلوس عند قدميه مصدر فرحهم وسرورهم.

قال القدّيس باسيليوس الكبير: "لستُ أعرف امرأةً ومع ذلك فإنّي لستُ بتولًا". فالبتوليّة هي خصوبة روحيَّة وليست جسديَّة، خصوبة من أجل نموّ ذلك الملكوت الَّذي نسعى إليه. البتوليّة هي حالة من الطّهارة الدّاخليّة القلبيّة. فكلّ نفسٍ مكرَّسَة لله هي عذراء، وأمٌّ بالإيمان لغيره. بالرُّغم مِنْ صعوبة البتوليَّة إلّا أنّي: "أستطيع كلّ شيء في المسيح الَّذي يقوّيني" (في13:4).

أنقر هنا لتحميل الملفّ