نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
الأحد 30 تمّوز 2023
العدد 31
الأحد (8) بعد العنصرة
اللّحن 7- الإيوثينا 8
أعياد الأسبوع: *30: القدِّيسين سيلا وسلوانس ورفقتهما *31: تقدمة عيد زيّاح الصَّليب، القدّيس إفذوكيمس الصِّدِّيق، القدّيس يوسف الرّامي *1: بدء صوم السَّيّدة، عيد زيَّاح الصَّليب، القدِّيسين الفتيان المكابيُّين السّبعة الشُّهداء وأمُّهم صَلموني ومعلِّمهم لعازر *2: تذكار نقل عظام استفانوس أوَّل الشُّهداء ورئيس الشَّمامسة *3: الأبرار اسحاقيوس وذلماتس وففستس، والقدِّيسة سالومة حاملة الطِّيب *4: الشُّهداء الفتية السَّبعة الَّذين في أفسس *5: تقدمة عيد التّجلّي، تذكار الشَّهيد إفسغنيوس، القدّيسة نونة أمّ القدِّيس غريغوريوس اللّاهوتيّ.
كلمة الرّاعي
الحشمة والعفَّة
"قَدْ ظَهَرَتْ نِعْمَةُ اللهِ الْمُخَلِّصَةُ، لِجَمِيعِ النَّاسِ، مُعَلِّمَةً إِيَّانَا أَنْ نُنْكِرَ الْفُجُورَ وَالشَّهَوَاتِ الْعَالَمِيَّةَ، وَنَعِيشَ بِالتَّعَقُّلِ وَالْبِرِّ وَالتَّقْوَى فِي الْعَالَمِ الْحَاضِر" (تيطس 2: 11—12)
الحشمة هي حياء ورزانة ووقار وأدب وتواضع، هذا هو معناها لغويًّا. والكلمة المُستعملة في العهد الجديد هي باليونانيَّة "kosmios" وتأتي بنفس المعاني، وتستخدم لوصف الملابس غير الخليعة، "لِبَاسِ الْحِشْمَةِ" (1 تيموثاوس 2: 9)، كما أنَّها أيضًا تصف التَّصرُّف والسُّلوك بِلَياقَة "عاقِلًا مُحتشمًا" (1 تيموثاوس 3: 2).
وترتبط الحشمة بالتّقوى وتاليًا بالعفَّة، إذ عدم الحشمة هو كشف الجسد وإبرازه، ممّا يُعرِّض غير المحتشم إلى أن يَعرُضَ جسدَه كأداة شهوة بإزاء الآخَرين (راجع 1 تي 2: 9 و10). وهذا مرتبط بحبّ الظّهور والشّهوانيَّة في حياة الإنسان، وبالتَّالي هو مدمِّرٌ للشَّخص على المستوى الرُّوحيّ إذ يُظهرُ عدم وعي إيمانيّ بما يختصُّ بالحرب الرُّوحِيَّة القائمة في قلب الإنسان وفكره تجاه الأهواء.
* * *
عكس الحشمة الخلاعة أو كشف الجسد أو العري، وأمّا الاحتشام فهو من صفات السَّاعِين للسُّلوك في طريق الرَّبّ. عندما سقط آدم وحوّاء (راجع: تكوين 3) تعرَّيا لذلك تغطّيا بورق التِّين وألبَسَهُما الرَّبُّ أقمصةً من جِلْد. مجنون كورة الجدريّين "كَانَ لاَ يَلْبَسُ ثَوْبًا" (لو 8: 27) إذ عَرَّاه الشَّيطان لكنّ الرَّبّ يسوع خلّصه فصار "لابسًا وعاقلًا" (لو 8: 35). أيضًا قيل عن الشَّعب العبرانيّ وهو يعبد العجل أنّه تعَرَّى "للهُزء بين مقاوميه" (خروج 32: 25). العري كتابيًّا، إذًا، رمز لخسارة نعمة الله والحرمان منها، وتاليًا تُعرِّض الخلاعة صاحبها للعنةٍ يستجلبها على ذاته إذ يكون مُخدَّرًا بنشوة العُجب والإغراء.
في هذا الإطار، يدعونا الكتاب إلى الهروب "مِنَ الْفَسَادِ الَّذِي فِي الْعَالَمِ بِالشَّهْوَةِ" (2 بط 1: 4)، وإلى الجهاد في عيش إيماننا لنقدّم بواسطة سلوكنا فيه" فَضِيلَةً، وَفِي الْفَضِيلَةِ مَعْرِفَةً، وَفِي الْمَعْرِفَةِ تَعَفُّفًا، وَفِي التَّعَفُّفِ صَبْرًا، وَفِي الصَّبْرِ تَقْوَى، وَفِي التَّقْوَى مَوَدَّةً أَخَوِيَّةً، وَفِي الْمَوَدَّةِ الأَخَوِيَّةِ مَحَبَّةً" (2 بط 1: 5 – 7). علينا أن ندرك أنّنا في هذه الدُّنيا أمام حربٍ مباشَرَة مع أهوائنا وشهواتنا الَّتي يوقظها أو يؤجّجها فينا العالم بوسائله المختلفة، وما أكثرها اليوم، لا سيّما الإعلام والإعلان والبرامج المتعدِّدَة ووسائل التَّواصل وغيرها... لذلك، ترتبط العِفَّة بالمعرفة، والعِفَّة توطّد الإنسان في معرفة الله ومعرفته لذاته، لكنّها لا تُقتَنى بدون الصَّبر الَّذي هو تعبير عن البّرّ في طاعة الوصيّة الَّتي ترى في الإنسان "هيكل الله" (راجع: 1 كو 3: 17 و2 كو 6: 16)، في حين أنّ الخلاعة تجعله هيكل أوثان...
* * *
أيُّها الأحبّاء، "حضارة اليوم"، هي حصان طروادة الَّذي من خلاله يجتاحنا العالم ليسوقنا عبيدًا لشهوات الجسد وأفكار الخطيئة الَّتي يحرّكها فينا من خلال الأنا والكبرياء عبر عرضها علينا في جلباب "حرية الفرد" الّتي تُستَعمل مَطيَّة لكلّ تعليم مناقض لحرية أبناء الله (راجع رو 8: 21).
لا شكّ أنَّنا نَعيش في زمنٍ صارت فيه العِفَّة صعبة العيش جدًّا وتُرْبَط بالتَّخَلُّف لإخجال الَّذين يلتزمونها، وأمّا الحشمة فرُبِطَت بمفاهيم متزمّتة حول الإنسان. الحقيقة الإيمانيَّة تعلّمنا أنّ الْكَلِمَةَ "صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا" (يو 1: 14)، أي أُظهِرَتْ فيه الإنسانيّة الكاملة النَّقِيَّة وتحقَّقتْ. تاليًا، لم تَعُد النَّظرة إلى الجسد والحِشمة والعِفَّة، فيما بعد، مرتبطة بمفاهيم ناموسيَّة تتعلَّق بالنَّجاسة أو الطَّهارة، بل بمفهوم الإنسان حول حقيقته الأنطولوجيَّة الإيمانيَّة، إذ "كُلُّ شَيْءٍ طَاهِرٌ لِلطَّاهِرِينَ، وَأَمَّا لِلنَّجِسِينَ وَغَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ فَلَيْسَ شَيْءٌ طَاهِرًا، بَلْ قَدْ تَنَجَّسَ ذِهْنُهُمْ أَيْضًا وَضَمِيرُهُمْ" (تي 1: 15).
المسألة هي هل يطلب الإنسان القداسة أم لا. أمّا القداسة فهي اتّحادنا بالله بواسطة المسيح في نعمة الرُّوح القُدُس. القَدَاسَة يرفضها العالم ويَسْخَر من كلّ ترجماتها في حياة المؤمنين، فيحاول إظهارهم كمتخلّفين أو رجعيين مُحارِبًا فيهم اِلتزامهم عيش الكلمة الإلهيَّة، هذا من جهة. أمّا الَّذين لم يعرفوا المسيح بعد فيُشَوِّشُ ضميرهم مضلِّلًا إيّاهم عن الحقّ بإغراء هوى العُجب من خلال وَهْمِ تحقيق وجودهم وأهمّيّتهم عبر أجسادهم المعروضة كطُعْمٍ لاستقطاب مَنْ حَوْلِهِم إليهم أو لاقتناء ”السعادة“ أي ”اللذّة“. وقد سبق الرَّسُول بولس فأنبأنا قائلًا "أَنَّهُ فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ سَتَأْتِي أَزْمِنَةٌ صَعْبَةٌ، لأَنَّ النَّاسَ يَكُونُونَ مُحِبِّينَ لأَنْفُسِهِمْ، مُحِبِّينَ لِلْمَالِ، مُتَعَظِّمِينَ، مُسْتَكْبِرِينَ، مُجَدِّفِينَ، غَيْرَ طَائِعِينَ لِوَالِدِيهِمْ، غَيْرَ شَاكِرِينَ، دَنِسِينَ، بِلاَ حُنُوٍّ، بِلاَ رِضًى، ثَالِبِينَ، عَدِيمِي النَّزَاهَةِ، شَرِسِينَ، غَيْرَ مُحِبِّينَ لِلصَّلاَحِ، خَائِنِينَ، مُقْتَحِمِينَ، مُتَصَلِّفِينَ، مُحِبِّينَ لِلَّذَّاتِ دُونَ مَحَبَّةٍ للهِ..." (2 تي 3: 1 - 4).
المؤمن يعرف أنّ "الْجَسَدَ لَيْسَ لِلزِّنَا بَلْ لِلرَّبِّ، وَالرَّبُّ لِلْجَسَدِ" (1 كو 6: 13)، وأنّه "صورة الله" (تك 1: 27) و"هيكل الله"، لذلك، شابًّا كان أم فتاة، رجلًا أم امرأة هو مدعوّ ليتعاطى جسده وكيانه على هذا الأساس، عالمًا أنّ كلّ ما يصنعه هو "لكي يتمجّد الله في كلّ شيء بيسوع المسيح" (1بطرس4: 11) ...
ومن له أذنان للسَّمع فليسمع...
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما
طروباريّة القيامة (باللَّحن السّابع)
حطمْتَ بِصَليبِكَ المَوت. وفتحتَ للِّصِّ الفِرْدَوس. وحوَّلتَ نَوْحَ حامِلاتِ الطّيب. وأمَرْتَ رُسلَكَ أن يَكرزِوا. بأنَّكَ قد قُمتَ أَيُّها المسيحُ الإله. مانِحًا العالمَ الرَّحمةَ العُظمى.
قنداق التَّجَلِّي (باللَّحن السَّابِع)
تَجَلَّيْتَ أيُّها المسيحُ الإلهُ في الجبل، وحَسْبَمَا وَسِعَ تلاميذُك شاهَدُوا مَجْدَك، حتَّى، عندما يُعَايِنُوكَ مَصْلُوبًا، يَفْطَنُوا أنَّ آلامَكَ طوعًا بـﭑختيارِك، ويَكْرِزُوا للعالم أنَّكَ أَنْتَ بالحقيقةِ شُعَاعُ الآب.
الرّسالة (1 كو 1: 10-17)
الرَّبُّ يُعطي قوَّةً لشعبِه
قدِّموا للرَّبِّ يا أبناءَ الله
يا إخوةُ، أطلُبُ إليكم باسم ربِنّا يسوعَ المسيح أن تقولوا جميعُكم قَوْلًا واحدًا وأنْ لا يكونَ بينكم شِقاقاتٌ بل تكونوا مُكتَمِلين بفكرٍ واحدٍ ورأيٍ واحد. فقد أخبرني عنكم يا إخوتي أهلُ خُلُوي أنَّ بينَكم خصوماتٍ، أعني أنَّ كلَّ واحدٍ منكم يقول أنا لبولُسَ أو أنا لأبلُّوسَ أو أنا لِصَفا أو أنا للمسيح. ألعلَّ المسيحَ قد تجزَّأ؟ ألعلَّ بولسَ صُلبَ لأجلكم أو باسم بولسَ اعتمدتم؟ أشكر الله أنّي لم أعمِّد منكُم أحدًا سوى كرِسبُس وغايوس لئلّا يقولَ أحدٌ إنّي عمَّدتُ باسمي. وعمَّدتُ أيضًا أهلَ بيتِ استفاناس. وما عدا ذلك فلا أعلَمُ هل عمَّدتُ أحدًا غيْرَهم. لأنَّ المسيحَ لم يُرسلْني لأُعمِّدَ بل لأبشِّرَ لا بحكمةِ كلامٍ لئلّا يُبطَلَ صليبُ المسيح.
الإنجيل(متّى 14: 14-22)(متّى 8)
في ذلك الزَّمان أبصر يسوعُ جمعًا كثيرًا فتحَّنن عليهم وأبرَأ مَرضاهم. ولمَّا كان المساءُ دَنا إليهِ تلاميذُهُ وقالوا إنَّ المكانَ قَفْرٌ والسَّاعةُ قد فاتَتَ، فاصْرِفِ الجموعَ ليذهبوا إلى القرى ويبتاعوا لهم طعامًا. فقال لهم يسوع لا حاجةَ لهم إلى الذَّهاب، أَعْطوهُم أنتم ليأكلوا. فقالوا لهُ ما عندنا ههنا إلَّا خمسةُ أرغفةٍ وسمكتانٍ. فقال لهم هلمَّ بها إليَّ إلى ههنا. وأمر بجلوسِ الجُموع على العِشْب. ثمَّ أخذ الخمسَةَ الأرْغِفَةَ والسَّمَكتَيْنِ ونظر إلى السَّماءِ وباركَ وكسرَ وأعطى تلاميذه الأرغِفَةَ والتَّلاميذُ أعطَوا الجموع، فأكلوا جميعُهم وشبعوا ورفعوا ما فَضَلَ من الكِسَرِ إثنَتيْ عَشْرَةَ قُفَّةَ مملوءةً. وكان الآكِلونَ خمسَةَ آلافِ رجلٍ سوى النِّساءِ والصِّبيان. وللوقتِ اضْطَرَّ يسوعُ تلاميذَهُ أن يدخلوا السَّفينَةَ ويسبقوهُ إلى العَبْرِ حتّى يصرِفَ الجموع.
حول الإنجيل
بعدما سمِع الرَّبُّ يسوع بمَقْتَلِ يوحنَّا المَعمدان، انصرف في سفينةٍ إلى البريَّة. فالجُموع لمّا عَرَفُوا أنَّه غادَرَ أورشليم، تقاطَروا إليه مَشْيًا مِنَ القُرى المُجاورَة غير خائفين ممّا جرى ليوحنّا. وقد سارعوا غيرَ آبِهين بالمَخاطر، راكضين وراءَهُ برغبةٍ كبيرةٍ وشوْق، حتّى أنّهم لم يأخذوا معهم طعامًا. فلمّا وجدهم الرَّبُّ يسوع كخرافٍ لا راعيَ لها، وعاينَ نشاطهم وقوّة إيمانهم، تحنّن عليهم. وابتدأ يعلّمهم، ثمَّ دُونَ أنْ يطلب منه أحدٌ أبرأ جميع مَرضاهم، ولم يشترط تصريحًا إيمانيًّا منهم، إذ عبَّروا عن إيمانهم بِسَعْيِهِم وشوْقِهِم وما كابدوه مِنْ عناءِ المَسير خلفَه.
فلمَّا مضى النَّهار، والرَّبُّ يسوع يعلّمُ ويَشفي، والجُمُوع لَمْ يَكُونوا بعدُ قد تناولوا طعامًا والمكانُ قفرٌ، طلب التَّلاميذُ إلى الرَّبِّ أنْ يُطلِقُ الجُمُوع ليذهبوا ويبحثوا عن طعامٍ لهم في القُرى المُجاوِرَة. فقال أعطوهم أنتم ليأكلوا. أجابوه أن ليس عندنا في هذه البرِّيَّة إلّا خمسة أرغفة وسمكتان. وهل تكفي لخمسةِ آلاف رَجُلٍ عدا النِّساء والأولاد! هذا يَدُلّ على أنَّهم سَبَقُوا وفحصوا إذا كان الشَّعب قد أحضر معه طعامًا. لكنَّهم لِضُعْفِ إيمانهم وعدم كمالِهم الرُّوحيّ، لم يفكّروا حتّى بإمكانيّة حصول أعجوبةٍ كهذه.
مع ذلك، أتوا بالطَّعام المُتَوَفِّر لمَّا طلب إحضاره. ولم يجرؤ أحدٌ أنْ يسألَ كيف ستُطْعِم الآلاف مِنْ هذا الطَّعام القليل. وكان الرُّسُل لا يَزالون يعتبرونه إنسانًا. وبعدما طلب الرَّبُّ أن يُجْلِسُوا النّاس مَجموعاتٍ مجموعات، ما جعلَ الكلَّ يُعاين الأعجوبة، أخذ الخبزات وكَسَرَها إلى أجزاءٍ وكثّرها في أيدي الرُّسُل وقسَّم السَّمَكَتَيْن للجميع، فتدفّقتْ في أيديهم كما يتدفّق الماءُ مِنَ اليَنبوع. فالتَّلاميذ صاروا شهودًا لهذا الحدث، إذ لمسوا الطَّعام بأيديهم ووزَّعوه على الشَّعب. هذا الطَّعام القليل المتوفّر قادهم إلى الإيمان لمَّا صار يتدفّق في أيديهم. وقد رفع التَّلاميذُ مِنَ الكِسَر اثنتَيْ عشرة قفّةً ومِنَ السَّمَك. ليست أرغفةً كاملة، بل فضلات من الخبزات، تؤكّد للجميع حدوثَ المعجزة.
هذا الفصل الإنجيليّ بُرهانٌ على تحنِّنِ الله، وتأكيدٌ على قوَّةِ الرَّجاء. فالمُتَّكلون على الله لن يُحرَمُوا مِنْ مَواهِبِهِ الإلهِيَّة ومراحِمِه الغنيّة.
أنا هو الطَّريق والحَقّ والحياة
الطَّريق: المسيح هو المُخَلِّص الأوْحَد "لأنْ ليس بأحدٍ غيره الخلاص" (أعمال الرُّسُل ١٢:٤)، ومِنْ خلاله نأتي إلى الله الآب خالقنا وجابلنا، "لا أحد يأتي إلى الآب إلَّا بي" (يوحنَّا ٦:١٤). لأنَّه هو والآب واحد (يوحنَّا٣٠:١٠). المسيح هو الَّذي صالح الإنسان مع الله لمّا بَذَلَ ذاته عن هذا الإنسان على الصَّليب وبالتَّالي صار للإنسانِيَّة إمكانيَّة العَوْدَة إلى الأحضان الأبَوِيَّة والوُصول إلى عُمْقِ العِشْرَة القَوِيَّة مع الله، هذه العِشْرَة الَّتي فقدها الإنسان حين أخطأ .
الحَقّ: المَسيح هو المَعْرِفَة الكامِلَة غير النَّاقِصَة. الحَقّ في المَعْنى الحقيقيّ هو الشَّيء الواضِح الغَير مَخْفي عَنْ الكلّ. مثل قرص الشَّمس الوَاضِح والمَرْئيّ للجَميع. وليس فيه غِشٍّ وكَذِب وأيّ عَيْب. وهكذا نسمع عَنْ المَسيح في دستور الإيمان أنَّه "إلهٌ حَقٌّ مِنْ إله حَقّ". وتقف أمامنا الآيَة الكتابِيَّة الرَّائعة الَّتي تميِّز المَسيح عَنْ موسى وسائر الأنبياء "لأنَّ النَّاموس أُعْطِيَ في موسى أمَّا النِّعْمَة والحَقّ فبِيَسوع المَسيح حَصَلا" (يوحنّا ١٧:١).
الحياة: المَسيح هو الحَياة وَمُعْطِيَ الحياة. بالخطيئة أتى المَوْت وسادَ على البَشَرِيَّة وبالخلاص الَّذي جاء بالمَسيح مِنْ خلال بذل ذاته كفّارةً عن خطايا العالم عادَتْ الحَياة لِتَسري في الطَّبيعةِ البشرِيَّة. هو قال "أنا خبز الحياة" (يوحنّا ٣٥:٦) وهو مُعْطِيَ الحياة "الحَقَّ الحَقَّ أقولُ لَكُم أنَّه تأتي ساعة وهي الآن حاضِرَة حين يسمع الأموات صوتَ ابْنِ الله والَّذين يسمعون يَحْيَون" (يوحنَّا ٢٥:٥).
أقوال من كتاب بستان الرُّهبان
* للقدِّيس أنطونيوس الكبير
+ أتى إخوة إلى الأنبا أنطونيوس وقالوا له: ”يا أبانا، قُلْ لنا كيف نَخْلُص؟“. فقال لهم: ”هل سمعتم ما يقوله الرَّبّ؟“. فقالوا: ”مِنْ فَمِك أيُّها الأب“. فأجابهم قائلًا: ”مَن لَطَمَكَ على خَدِّك الأيمن حَوِّل له الأيسر“ (مت 5: 39). فقالوا له: ”ما نطيق ذلك“. قال لهم: ”إن لم تطيقوا ذلك، فاصبروا على اللَّطمة الواحدة“. فقالوا له: ”ولا هذه نستطيع“. فقال لهم: ”إن لم تستطيعوا، فلا تجازوا مَن يظلمكم“. فقالوا له: ”ولا هذا نستطيع!“.
فما كان من القديس إلَّا أنْ دعا تلميذه وقال له: ”أَعْدِد لهم مائدة واصرِفْهُم، لأنَّهم مَرْضى. إن هذا لا يطيقون، وذلك لا يستطيعون، ووصايا الرَّبّ لا يريدون. فماذا أصنع لهم؟“.
* للقدِّيس مكاريوس الكبير
+ ”لا تقبلوا في فكركم، ولا تَصِفوا في كلامكم أيّ إنسان أنَّه نجسٌ أو رَجِس. فالقلب الطّاهر ينظر كلَّ النّاس أطهارًا. فقد كُتِبَ: 'كلُّ شيءٍ طاهرٍ للأطهار، أمّا القلب النَّجِس فهو يُنجِّس كلَّ شيء' (تيطس 1: 15)، لأنَّ كلَّ شيءٍ هو للأعمى ظلام“.
+ ”لنعملْ ما دام لنا زمان، لنجد عزاءً في وقت الشِّدَّة. فمَن لم يعمل ويتعب في حقله في أوان الشِّتاء، لن يجد في الصَّيف قمحًا يملأ به مخازنه لِيَقتاتَ به. فلْيَحْتَرِصْ كلُّ واحِدٌّ على قدر طاقته، فإنْ لم يمكنه أن يربح خمس وزنات، فليُجاهِد كي يربح اثنتين. أمّا العبد الكسلان الَّذي لا يعمل ولا يربح، فمَصِيرُه العَذاب“.
* للقدِّيس باخوميوس أب الشّركة
+ ”يا ابني إذا جعلتَ توكُّلك على الله، فإنَّه يصير لك ملجأً ويُخلِّصك مِنْ جميع شدائدك. إنْ سَلَّمتَ كلَّ أمورك إلى الله، فآمِن أنَّه قادرٌ أنْ يُظهر عجائبه لقدِّيسيه. جميع المعلِّمين والآباء والكتب المُقَدَّسَة تأمر بالصَّبر الكثير وتحثُّ عليه“.
+ وعن الادِّعاء برؤية رؤى، أو الاشتياق إلى ذلك قال أيضًا: ”سألني أحد الإخوة مَرَّةً قائلًا: قُلْ لنا منظرًا من المناظر الَّتي تَراها لنستفيد منه. فأجبتُه قائلًا: إنَّ مَن كان مِثلي خاطئًا لا تُعطَى له رؤى. ولكن إن شئتَ أن تنظر منظرًا بَهيًّا يُفيدك بالحَقّ، فإنّي أُدِلُّك عليه وهو: إذا رأيتَ إنسانًا متواضع القلب طاهرًا، فهذا أعظم من سائر الرُّؤى، لأنَّك بواسطته تشاهد الله الَّذي لا يُرَى. فعن أفضلِ مِنْ هذه الرُّؤيا لا تسأل“.
* للأب إيسيذوروس قسّ الإسقيط
+ قيل عن الأب الكبير إيسيذوروس قسّ الإسقيط، إنَّ كلّ مَن كان عنده أخ صغير النَّفْس أو شتَّامًا أو عَلِيلًا فيطرده من عنده، كان القسّ إيسيذوروس يأخذه إلى عنده ويُطيل روحه عليه، ويُخلِّص نفسه.
+ سأله الإخوة مَرَّةً قائلين: ”لماذا تفزع منك الشَّياطين؟“. فقال لهم: ”لأنّي منذ أنْ صُرْتُ راهبًا حتّى الآن، لم أَدَعِ الغَضَب يَجوزُ حَلقي إلى فوق“.