Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد 16 تمّوز 2023     

العدد 29

الأحد (6) بعد العنصرة

اللّحن 5- الإيوثينا 6

أعياد الأسبوع: *16: آباء المجمع المَسكونيّ الرّابع، الشَّهيد في الكهنة أثينوجانس ورفقته *17: القدِّيسة مارينا العظيمة في الشَّهيدات *18: الشَّهيد إميليانوس، البارّ بمفو *19: البارّة مكرينا أخت باسيليوس الكبير، البارّ ذيّس *20: النّبيّ إيلياس التّسبيتيّ *21: البارّان سمعان المتباله ويوحنّا رفيقه في النُّسك *22: القدِّيسة مريم المَجدليّة الحاملة الطّيب المُعادلة الرُّسُل، الشّهيدة في العَذارى مَركيلّا.

كلمة الرّاعي

صادقةٌ هي الكَلِمةُ

”وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْدًا كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ، مَمْلُوءًا نِعْمَةً وَحَقًّا“ (يو 1: 14)

كلمة الله حقّ. هي صادقة. لا مجال لمُناقَضَتِها، ولو تفلسف البشر بسبب أهوائهم. كلمة الله يقبلها الإنسان ويُطيعها لتصير له حياةً أبديَّة وقوّة الله في العالم. كلمة الله فاعلة مُحَقَّقَة. الله أتانا بـ ”الكلمة“ الابن الوحيد الَّذي صار إنسانًا لأجلنا. هو أَتْحَدَ في أقنومه الطَّبيعتَيْن الإلهيَّة والبشريّة، فتألَّهت طبيعتنا فيه وصار لنا وَحدَة مع الله بيسوع المسيح.

كلّ حياة الإنسان أُكْمِلَت في يسوع لأنّه حقَّق إنسانيّتنا الكاملة هو الإنسان الكامل والإله الكامل. هو كلمة الله الصَّادقة إلى العالم، "لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ" (يو 3: 16).

تجسُّد الكلمة هو تجسُّد الله المحبَّة غير المَحدودة ولا المَحصورة ولا المَشروطة. لا يوجد سوى محبَّة واحدة وهي سرُّ الله، ”اَللهُ مَحَبَّةٌ، وَمَنْ يَثْبُتْ فِي الْمَحَبَّةِ، يَثْبُتْ فِي اللهِ وَاللهُ فِيهِ“ (1 يو 4: 16). وكيف نحقِّق محبّتنا لله؟ يجيبنا يسوع: ”اَلَّذِي عِنْدَهُ وَصَايَايَ وَيَحْفَظُهَا فَهُوَ الَّذِي يُحِبُّنِي، وَالَّذِي يُحِبُّنِي يُحِبُّهُ أَبِي، وَأَنَا أُحِبُّهُ، وَأُظْهِرُ لَهُ ذَاتِي“ (يو 14: 21). محبَّةُ الله هي حفظ وصايا يسوع، ومَنْ يحبُّ يسوع يحبّه الآب ويكشف له يسوع نفسه أي يعرِّفه سرّ الحبّ الإلهيّ...

*          *          *

بيسوع المسيح صار لنا شركة مع الله. لكن، ”إِنْ قُلْنَا: إِنَّ لَنَا شَرِكَةً مَعَهُ وَسَلَكْنَا فِي الظُّلْمَةِ، نَكْذِبُ وَلَسْنَا نَعْمَلُ الْحَقَّ“ (1 يو 1: 6)، أي لا نسلك في كلمة الله الصّادقة الَّتي هي خلاص لنا من العبوديَّة والموت وحياة في الرُّوح لا نهاية لها؛ ”يَا رَبُّ، إِلَى مَنْ نَذْهَبُ؟ كَلاَمُ الْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ عِنْدَكَ“ (يو 6: 68).

كلمة الله متجسِّدة دائمًا أي هي جوهر حياتنا لأنَّنا بها ”نَحْيَا وَنَتَحَرَّكُ وَنُوجَدُ“ (أع 17: 28). المسألة بالنِّسبة للمؤمن ترتبط بتفاعله مع كلمة الله وروحه القدُّوس. الله قد أعطانا ذاته في المسيح  الكلمة المتجسِّد فهل نعطيه ذواتنا في تجسيدنا لكلمته حياة لنا؟!...

لا خلاص للإنسان من آلامه إلّا بقوّة الكلمة الإلهيَّة الفاعِلة بنعمة الرُّوح القدس. هكذا تتجدَّد طبيعة الإنسان، وبغير هذا لا جِدَّة بل أوهام نفسانيَّة.

قد يتوهّم الإنسان أنّه يحيا في الرُّوح في حين أنّه يحيا حياة إيمانيَّة عاطفيَّة مبنيَّة على مشاعر خدّاعة قد تدغدغ الإنسان وتحرفه عن الحقّ.

ما سبيل التّمييز بين النّفسانيّ والرُّوحيّ؟ كلمة الله الَّتي يختبر الإنسان قوّتها التّغييريَّة في كيانه بالسّلام الدّاخليّ المتولِّد منها بالنّعمة...

*          *          *

أيُّها الأحبّاء، إنّ تجسُّد الكلمة كان لكي يثبِّت الخليقة في مشيئة الله الكاملة للإنسان الّتي هي أن يصير الإنسان ”مثل الله“ أي أن يتألّه.

غاية وجودنا أن يصير الله حياتنا، أن نحيا به وفيه وله ومنه. أعطانا الله وجودنا منه بمشيئته، إذْ خَلَقَنا مِنَ العَدَم ولكن لا لكي نصير إلى العَدَم بل إلى الوجود الأبدي فيه بمشيئته. أنا أستطيع أن أرفض الله ومشيئة الله، وهذا هو السُّقوط، لكن هذا لا يعني أنَّ الله غير موجود وأنَّ مشيئتَه لن تتحقَّق. مشيئة الله بالحياة الأبديَّة للإنسان ثابتة، ونتيجة خياري أن أكون معه أو ضدّه يُحدِّد مصيري أي أن أكون في ملكوته ابنًا ووارثًا لحياته بالنِّعْمَة أو أن يصير لي ملكوته وحياته جحيمًا لأنّي اخترت أن أرفضه نهائيًّا، فحرارة حبّه لي تصير حارقة بدل أن تكون دفئًا وحنانًا، ونورُهُ يصير لي مؤلمًا وغير مُحتَمَل لأنّي فضّلت الظَّلمة عليه.

آباء المجمع المَسكونيّ الرّابع أوضَحوا إيماننا الأرثوذكسيّ بالنِّسبَة لمعنى التّجسُّد واتّخاذ الابن لنا باتّخاذه طبيعتنا، فعلَّموا أنّه بهذا الاتّحاد صار لنا الخلاص لأنّ نعمة الله أُعطيت لنا في المسيح وسكنت فينا بالرُّوح القدس فصرنا بها ”شُرَكَاءَ الطَّبِيعَةِ الإِلهِيَّةِ“ (2 بط 1: 4)، صرنا في طبيعتنا مشاركين ما هو لله بالنِّعمة الإلهيَّة عبر اتّحادنا بيسوع بالرُّوح القدس. هذا هو التَّألُّه، أنّ حياة الله سكنت فينا بالنِّعْمَة وصار الله حياتَنا وصارتْ أعماله أعمالنا وأفكاره أفكارنا وأقواله أقوالنا... بالمسيح نَصير مُسَحاء لله الآب بالرُّوح القدس...

هل نُدْرِك مِقْدار النِّعْمَة والسِّرَّ الحاصِلَيْن فينا؟!...

ألا وهبنا الله أن نُخْلي ذاوتنا له ليسكن فينا ويَصير هو حياتنا...

من استطاع أن يقبل فليقبل...

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

طروباريّة القيامة (باللَّحن الخامس)

لِنُسَبِّحْ نحنُ المُؤمنينَ ونسجُدْ للكلمة. المُساوي للآبِ والرُّوحِ في الأزَليّةِ وعدمِ الابتداء. المَوْلودِ مَنَ العذراء لِخلاصِنا. لأنّه سُرَّ أن يَعلُوَ بالجَسَدِ على الصَّليب. ويحتمِلَ المَوْت. ويُنهِضَ المَوْتى بقيامتِهِ المَجيدة.

طروباريّة الآباء (باللَّحن الثّامن)

أنتَ أيّها المَسيحُ إلهنا الفائق التّسبيح، يا مَن أسّستَ آباءَنا القدّيسين على الأرض كواكب لامعة، وبهم هَدَيتنا جميعًا إلى الإيمان الحقيقيّ، يا جزيل الرّحمة المجد لك.

القنداق (باللَّحن الثّاني)

يا شفيعَةَ المَسيحيّين غَيْرَ الخازية، الوَسيطةَ لدى الخالِق غيْرَ المرْدودةِ، لا تُعْرضي عَنْ أصواتِ طلباتِنا نَحْنُ الخَطأة، بَلْ تدارَكينا بالمعونةِ بما أنَّكِ صالِحَة، نَحنُ الصّارخينَ اليكِ بإيمان: بادِري إلى الشَّفاعَةِ وأسَرعي في الطّلْبَةِ يا والدَة الإلهِ، المُتشَفِّعَةَ دائمًا بمكرِّميك.

الرّسالة(تي 3: 8-15)

مباركٌ أنت يا ربُّ إلهَ آبائنا،

لأنَّك عدلٌ في كلِّ ما صنعتَ بنا

يا ولدي تيطُسُ، صادقةٌ هي الكَلِمةُ وإيَّاها أُريدُ أن تقرِّرَ حتَّى يهتمَّ الَّذين آمنوا باللهِ في القيام بالأعمال الحسنة. فهذه هي الأعمالُ الحسنةُ والنّافعة. أمّا المُباحَثات الهذَيانيَّةُ والأَنسابُ والخُصوُمَاتُ والمُماحَكاتُ النّاموسيَّة فاجتنِبْها. فإنَّها غَيرُ نافعةٍ وباطلةٌ. ورجُلِ البدعَةِ، بعدَ الإنذار مرَّةً وأُخرى أَعرِض عنهُ، عالِمًا أنَّ مَن هو كذلك قدِ اعتَسفَ وهُوَ في الخطيئةِ يَقضي بنفسهِ على نَفسِه. ومتَى أرسلتُ إليكَ أرتمِاسَ أوتِيخيكوسَ فبادِرْ أن تأتيَني إلى نيكوبولِس لأنّي قد عزمتُ أن أُشتّيَ هناك. أمّا زيناسُ معلِّمُ النّاموس وأبُلُّوسُ فاجتَهد في تشييعهما متأهّبَيْن لئلّا يُعوزَهما شيءٌ. وليتعلَّم ذوونا أن يقوموا بالأعمال الصّالِحةِ للحاجاتِ الضَّروريَّة حتَّى لا يكونوا غيرَ مثمرين. يسلّمُ عليكَ جميعُ الَّذين مَعي. سَلِّمْ على الَّذين يُحبُّوننا في الإيمان. النّعمةُ معكم أجمعين.

الإنجيل(متّى 5: 14-19)

قال الرَّبُّ لتلاميذه: أنتم نورُ العالَم. لا يمكنُ أن تَخفْى مدينةٌ واقعةٌ على جبلٍ، ولا يُوقَد سِراجٌ ويُوضَعُ تحتَ المكيال لكِنْ على المَنارة ليُضيءَ لجميع الَّذين في البيت. هكذا فليُضئ نورُكم قُدَّام النّاس ليَرَوا أعمالكم الصَّالِحَةَ ويُمَجِّدوا أباكم الَّذي في السَّماوات. لا تَظُنوا أنّي أتيتُ لأحُلَّ النّاموسَ والأنبياءَ، إنّي لم آتِ لأحُلَّ لكن لأُتمِّم. الحَقَّ أقول لكم، إنَّهُ إلى أن تَزولَ السَّماءُ والأرضُ لا يزولُ حَرْفٌ واحدٌ أو نُقطةٌ واحِدةٌ مِنَ النّاموس حتّى يَتمَّ الكلُّ. فكلُّ مَن يَحُلُّ واحدةً من هذه الوصايا الصِّغارِ ويُعَلِّمُ النَّاسَ هكذا، فإنَّهُ يُدعَى صغيرًا في ملكوتِ السَّماوات. وأمَّا الَّذي يعمَلُ ويُعلِّم فهذا يُدعى عَظيمًا في مَلَكوت السّماوات.

حول الإنجيل

"مَنْ يعمل ويُعَلِّم يُدعى عظيمًا في ملكوتِ السَّماوات"، هكذا يقولُ الرَّبُّ بما يخصُّ تطبيق الوصايا، وهو عنى بذلك أنَّ العمل يأتي قبل الكلام، فنحن لا نستطيع أنْ نتكلَّم عن الله أو القدِّيسين أو الكنيسة أو الإيمان الصَّحيح إنْ كنَّا لا نُضَحِّي، لا نُسامِح، لا نُساعِد، لا نُحِبّ...

لماذا أنا بحاجة إلى العمل قبل الكلام؟

لأنَّه مِنْ خِلال العمل نكتسب الخبرة عن كيف ومتى يجب أنْ نتكلَّم، وهذا ليس في الحياة الرُّوحيَّة فقط إنَّما يدخل ضمن نطاق حياتنا اليوميَّة أيضًا، على سبيل المثال، الطَّبيب الَّذي لديه خبرة في مجال الطُّبّ، يفوق الطَّبيب الَّذي ليس لديه خبرة فعليِّة إنَّما فقط نظريِّة، والنّاس يميلون بأغلبهم إلى مَنْ لديهم خبرة، والشَّيء عينه في الحياة الرُّوحيَّة، إذْ لا نستطيع نحن التَّكلُّم عن الله والإيمان، ما لم نفعل شيئًا ممّا أوْصانا به الرَّبّ؛ الكلام من دون العمل يأتي نتيجة تحاليل عقليّة غير مطبقة فعليًّا، وهذا الكلام، الَّذي لا يحوي على أيّ خبرة معيَّنة، يؤذي أكثر ممّا يُفيد، فعندما نعمل، نفهم بالخبرة، الَّتي تتكوَّن بفعل مؤازرة الرُّوح القُدُس لنا، ما معنى الحياة المسيحيَّة، وهذا يُنقيِّنا مِنَ الدَّاخل ويجعلنا نرى الأمور بطريقة مختلفة عمَّا يراه العالم، عندها نستطيع أنْ نتكلَّم.

نُعَيِّد اليوم لآباء المجمع المسكونيّ الرَّابع أي المطارنة والآباء القدِّيسين الَّذين دافعوا عن العقيدة بإزاء مجموعة أخرى أيضًا مِنْ المطارنة  والكهنة الَّذين دافعوا عن تعاليم مخالفة. ما الفرق بين الإثنين مع أنَّهم كلّهم تكلَّموا عن المسيح وتكلَّموا بالمنطق، الفرق أنَّ فريق القدِّيسين لديه خبرة الحياة الرُّوحيَّة الحقيقيَّة المنسجمة مع تراث الكنيسة والآباء الَّين سبقوهم، إذْ إنّ هؤلاء عَمِلوا قبل أن يُعلِّموا. أمَّا الفريق الثّاني فقد تكلَّم مِنَ النّاحية العِلْميّة الفلسفيّة البَحْتَة مِنْ دُون وجود لخبرة الحياة روحيَّة، أو من خبرة لا تنسجم مع تراث الكنيسة، لذلك أخطأوا وهرطقوا أي علّموا تعاليم مخالفة للحقّ والحقيقة. "الكلمة صار جسدًا وحَلَّ بيننا" لكي يعلِّمَنا كيف يجب أنْ نَسْلُكَ لذلك مَن يُريد أنْ يُدعى عظيمًا في ملكوت السَّماوات، كما يقول الرَّبّ يسوع في الكتاب، عليه أن يعمل بمقتضى خبرة الكنيسة المتواصلة والمُسَلَّمة من جيل إلى جيل قبل أن يُعَلِّم. آمين.

الإيمان الحقيقيّ

ليس الإيمان هو أنْ يُولَد الإنسان مِنْ أُسْرَةٍ متديِّنَة تؤمِن بوجود الله، فيَصيرَ مُؤمِنًا تِلقائيًّا بوجود الله. إنَّما الإيمان الحقيقيّ له معنىً أعمق مِنْ هذا بِكَثير. قد يشمل الحياة الرُّوحيَّة كلّها، وله معنىً قد يصنع الأعاجيب. في إحدى المَرّات لم يستطيع تلاميذ الرَّبِّ أنْ يُخْرِجوا شيطانًا من إنسانٍ مَصـروع، فسألوا الرَّبَّ عَنْ سِرِّ ذلك، فقال لهم: "لِعَدَمِ إيمانكم"، ووبَّخ الجمع قائلًا: "أيُّها الجيلُ غيرُ المُؤمِن المُلْتَوي". ويُتابِع المسيح قائلًا لتلاميذه: "الحَقَّ أقولُ لكُم لو كان لكم إيمانٌ مِثْلَ حَبَّةِ خردل، لكنتم تقولون لهذا الجبل انتقل مِنْ هنا إلى هناك، فينتقل". حقًّا، ما هو هذا الإيمان، الَّذي حبَّةُ خردلٍ منه، تستطيع أن تنقل الجبل؟!...

في موضعٍ آخَر يقولُ الرَّبُّ: "كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم: يا ربّ يا ربّ، أليس باسمك تنبّأنا، وباسمك صنعنا قوّاتٍ كثيرة؟ فحينئذ أصرِّح لهم أنّي لم أعرفكم قطّ. اذهبوا عَنّي يا فاعليّ الإثم" (متّى 7: 22، 23). ربَّما يكونُ هذا إيمانًا ظاهريًّا، إيمانًا شكليًّا، أو إيمانًا بالإسم، أو مُجَرَّد إيمانٍ عَقليّ، ولكنَّه ليس إيمانًا حقيقيًّا مَقبولًا أمام الله! فما هو إذن الإيمان الحقيقيّ المَقْبُول أمام الله؟

نسألُ الرَّبّ فيُجيب: "ليس كلُّ مَنْ يَقُولُ لي يا ربُّ يا ربّ... بل الَّذي يفعل إرادة أبي الَّذي في السّماوات". وهناك العديد مِنَ الأمثلة في الكتاب المُقَدَّس عن أناسٍ استطاعوا أنْ يَرَوْا أعمالّ الله العَجيبة، وأنْ يَنالوا بَرَكَةً مِنْ قِبَلِهِ بسبب إيمانهم. آمَنَ مُوسى بالله، ومِنْ خِلال طاعته استطاع أنْ يتغلَّب على عَوائِقِ فرْعَوْن وقيودِهِ الَّتي لا تُعَدّ ولا تُحْصَى، وقادَ بَني إسرائيلَ بنجاحٍ في خروجِهِم مِنْ مِصْر. آمَنَ إبراهيمُ بالله، وكان على استعدادٍ لأنْ يُضَحّي بابنه الوَحيد إسحَق مِنْ أجْلِ الله، وفي النَّهاية بارَكَهُ الله، سامِحًا لِنَسْلِهِ بأنْ يُكثِروا وأنْ يُصْبِحُوا أمَمًا عَظيمةً. آمَنَ أيُّوب بالله، واستطاع أنْ يتَمَسَّكَ بالشَّهادةِ له في تجربتَيْن؛ فبارَكَهُ اللهُ أكثر، وظهر له وكلَّمَهُ مِنْ عاصفة. آمَنَتْ المرأة الكنعانِيَّة في إنجيل متَّى بالرَّبِّ يسوع، وآمَنَتْ بأنَّه يستطيع أنْ يُخْرِجَ الرُّوح الشِّرِّيرة من ابنتها؛ فاسترحَمَتْ الرَّبّ يسوع وبرأت ابنتها من مرضها. مِنَ الضَّروريّ لنا كمسيحيّين أن نفهم الحَقّ المُتعَلِّق بماهِيَّة الإيمان الحَقيقيّ، حتّى نَكون قادرين على الاعتماد على إيماننا واتّباع الله ثابتين، مهما كانت الصُّعوبات الَّتي نواجِهُها في حياتنا؛ إخفاقات في العمل، انتكاسات في الحياة، أحداث عائليّة مؤسِفَة، ونَصيرَ شُهودًا له نُقَدِّم شهاداتٍ مُدَوِّيَة وفي النِّهاية ننال رضاه.

الإيمان يُخْتَبَر بحياةِ الطَّاعَة لِوَصايا الله. والَّذي لا تَكون له هذه الطَّاعَة لا يُعتَبَر مؤمِنًا بالحقيقة. ليس أبطال الإيمان هم فقط أبطال الدِّفاع عن العقيدة، إنَّما أيضًا أولئك الَّذين صَدَّقوا الرَّبَّ، وساروا معه، وصنعوا بِرًّا (عب 11: 33).

كلمة منفعة

من أقوال القدّيس باييسيوس الآثوسيّ

* عندما تأخذ شيئًا تفرح بشريًّا، لكن عندما تعطي شيئًا تأخذ فرحًا إلهيًّا.

* عندما، وبِدَاعي محبَّتنا، لا نَفني أنفسنا فمَحبَّتنا مهما كبرت لا تكون خالصة هي مضروبة، لكن عندما ننكر أنفسنا عندها تلمع المحبَّة بنقاوتها.

* من اللَّحظة الَّتي يضع فيها الإنسان نفسه مكان الآخر يستطيع بعدها أن يحبَّ الكلّ.

* لا يطلبنَّ الواحِد مِنَ الله، لا أنوارًا ولا مواهب ولا شيئًا آخَرَ سوى التَّوبة فقط: توبة وبعدها توبة.

* علينا ألَّا نكتسب الرُّوح العالميَّة. يُريد أهل العالم عَمَلًا قًليلًا وحتّى بطالةً كلّية مع مالٍ كثيرٍ، والتَّلاميذ أن يأخذوا علاماتٍ جيّدة مِنْ دونَ أن يدرسوا. حاوِلُوا أن تُجاهِدوا. حياتنا كلّها تعب.

* لا أنصح بأن نطلب إعلانًا مِنَ الله، طالما نستطيع الحصول على إرشادٍ آخَر. هكذا يُريد الله أنْ نفعل من أجل التَّواضع، لأنَّه إنْ لم نعمل بهذه الطَّريقة، فبإمكاننا أنْ نقع أحيانًا في الضّلال.

* بالنَّسبة لتربية الأولاد كان القدِّيس باييسيوس يوصي بالتّالي: ”يحتاج الأولاد إلى الصَّلاة الكثيرة لكي يسلكوا طريقًا حسنة. علينا ألَّا نتساهل معهم لئلّا يكتسبوا مُيُوعةً ولا نقسو عليهم لئلّا ينفروا. السِّرّ هو أن نعرف إلى أيِّ حَدٍّ علينا أن نشدّ الحَبْل. لا يحسن أنْ يدخل الأولاد في نقاش مع الكبار“.

* ما يُعيق الإنسان في التَّقدُّم الرُّوحيّ هو أنَّ عقلَه لا يعمل في ما ينفعه روحيًّا بل في أمُورٍ أخرى.

* مِنَ الأحْسَن أثناء سيرك، أنْ تُردِّدَ صلاة يسوع وألَّا تنظر يُمْنَةً أو يُسْرَةً حتّى ولو أساء فهمك الأقرباء الأخصّاء مُتذرِّعين بأنَّك تزدريهم بصمتك.

* إذا كان أحدٌ تتلقّى نفسه حربًا كبيرة من الجسد بسبب طبيعتها الحيويَّة فعليه حتمًا أن يُضاعف جهاده لكي يضبطها.

أنقر هنا لتحميل الملفّ