Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد 9 تمّوز 2023           

العدد 28

الأحد (5) بعد العنصرة

اللّحن 4- الإيوثينا 5

أعياد الأسبوع: *9: القدِّيس بنكراتيوس أسقف طفرومانية *10: القدِّيس يوسف الدِّمشقيّ، الشُّهداء ال /45/ المستشهدين في أرمينية *11: القدِّيسة آفيميّة المعظَّمة في الشَّهيدات (لمّا ثبّتت حَدّ الإيمان)، القدِّيسة المَلِكَة أولغا المُعادِلَة للرُّسُل، القدِّيس صفروني الآثوسي *12: الشّهيدين بروكلس وإيلاريوس، القدِّيس فيرونيكي نازفة الدَّم، القدِّيس باييسيوس الآثوسي *13: تذكار جامع لجبرائيل رئيس الملائكة، القدِّيس استفانوس السَّابَوِيّ، الشَّهيدة مريم، البارَّة سارة *14: الرَّسُول أكيلا، القدِّيس نيقوديموس الآثوسيّ، القدِّيس يوسف رئيس أساقفة تسالونيك *15: القدِّيسيْن كريكُس وأمُّه يوليطة.

كلمة الرّاعي  

القدِّيس صُفروني الآثوسيّ (إسِكْس) 

وُلد القدِّيس صفروني ساخاروف سنة 1896 في موسكو. درس الفنون الجميلة وتفرّغ للرَّسم. مِنَ ثَمَّ درس في معهد القدِّيس سرجيوس اللَّاهوتيّ في باريس حتّى سنة 1925 حيث ترك بعد ذلك الدِّراسَة اللَّاهوتيَّة لِيَخْتَبر سِرَّ اللَّاهوت إذ انتقل إلى الجبل المُقَدَّس آثوس، حيث دخل دير القدِّيس بندلايمون. هناك التقى القدِّيس سلوان الآثوسيّ الَّذي صار له أبًا روحيًّا، وهو الَّذي كان له التَّأثير الكبير على نموّه في حياته الرُّوحيّة. اِلتَصَقَ بالقدِّيس سلوان حتّى رقاده. بعد ذلك، انتقل إلى صحراء الجبل المقدَّس. صار هناك أبًا روحيًّا لأديار القدِّيس بولس وغريغوريو وسيمونوبترا وكسنوفوندوس كما للكثير من القلالي والأساقيط. في 1948، نشر في فرنسا كتابًا حول سيرة القدِّيس سلوان وأعماله وأقواله وتعاليمه مع تفسير وتحليل لها (الكتاب موجود في اللّغة العربيّة، ترجمة الأم مريم زكّا). في سنة 1959 أسَّس دير القدِّيس يوحنّا المَعمدان التّابع لبطريركيّة القسطنطينيَّة في آسكس- بريطانيا وبقي فيه حتّى آخر رقاده. رقد بالرَّبّ في 11 تمّوز 1993. كتب بالرُّوسيّة وتُرجمَت أعماله إلى الإنكليزيَّة والعربيَّة والفرنسيَّة والألمانيَّة والإيطاليَّة والصِّربيَّة والسّويديَّة والفلمنكيَّة والإسبانيَّة، ونجد مقتطفات من أعماله في لغات أخرى متعدّدة.

*          *          *

يقول القدِّيس صفروني، ”إنّ كلام المسيح، المُطبَّق في الحياة، يجعل من الإنسان إلهًا“. كلمة المسيح هي كلمة الله، وكلمة الله فاعلة، ”هكَذَا تَكُونُ كَلِمَتِي الَّتِي تَخْرُجُ مِنْ فَمِي. لَا تَرْجعُ إِلَيَّ فَارِغَةً، بَلْ تَعْمَلُ مَا سُرِرْتُ بِهِ وَتَنْجَحُ فِي مَا أَرْسَلْتُهَا لَهُ“ (إش 55: 11). المهمّ أن يكون قلب الإنسان أرضًا صالحةً أي مستعِدًّا لتقبُّل الكلمة الإلهيَّة والعيش بموجبها، حينها يختبر الإسنان قوَّة الكلمة وطاقاتها الإلهيَّة في خبرة النّعمة المؤَلِّهَة.

كلمة المسيح نجدها في الإنجيل، في الكتاب المقدَّس ككلّ، ونجد ترجماتها وتفاسيرها في تعاليم القدِّيسين وأقوالهم وحياتهم. ونحن بدورنا كمؤمنين إذ نرى تجلِّيها في القداسة نتشجَّع لنسعى في عيشها مقتدين بالَّذين سبقونا وتقدَّسوا.

كلمة الله تحمل الطَّاقات الإلهيَّة (Energies Divines) فيها، هذا ما يؤكِّد عليه القدِّيس صفروني إذْ يَقول بأنّ ”كلّ فكر بشريّ، أو كلّ كلام بشريّ، إنّما هو طاقة وقوّة. وإذا كانت هذه حال الفكر والكلام البشريّين؛ فكم، بالأوْلى، ينطبق هذا على الكلام الإلهيّ، على كلام السَّيِّد المسيح نفسه“. هذه خبرة الكنيسة، وهذا ما نراه في كتاب الله إذ إنّ كلمة المسيح كانت مُحقَّقة بمجرَّد أنْ ينطقها. كلمة الله حَيَّة وفاعلة وتمنح الإنسان الَّذي يحيا بها ومنها وفيها حياةً أبديَّةً، هذا ما عبَّر عنه الرَّسُول بطرس حين قال للرَّبّ: ”يَا رَبُّ، إِلَى مَنْ نَذْهَبُ؟ كَلاَمُ الْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ عِنْدَكَ“ (يو 6: 68).

*          *          *

أيُّها الأحبَّاء، القداسة مستمرَّة في الكنيسة ولن تتوقَّف الكنيسة عن إنجاب القدِّيسين إذ كلّنا مدعوُّون للقداسة.

مصدر القداسة هو الله، ونحن نلتصق به يقدر ما نلتصق بكلمته أي بالرَّبّ يسوع المسيح. ونلتصق بالرَّبّ يسوع المسيح حين تصير كلمته الَّتي في الكتاب المقدَّس خبزًا جوهريًّا ويوميًّا لنا.

القدِّيس صفروني خَبِرَ الحياة العالميَّة ومجدها، وعرف علم اللّاهوت الأكاديميّ وتألّق فيه دراسةً، لكنّه ترك كلّ شيء وذهب إلى الجبل المقدَّس حيث وجد اللُّؤلؤة الثَّمينة الَّتي باع كلّ شيء من أجلها. لقد أحرز الكنز الإلهيَّ ونقله إلى العالم أجمع في حياته وتعاليمه ورهبنته...

هل نحن مستعدُّون أن نترك كلّ تعلّق لنتعلَّق بالرَّبِّ وبكلمته؟!...

سؤالٌ جوابه يحدِّد حياتنا...

ومن له أذنان للسَّمع فليسمع...

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

طروباريّة القيامة (باللَّحن الرّابع)

إنَّ تلميذاتِ الرَّبّ تعلَّمنَ مِنَ المَلاكِ الكَرْزَ بالقيامةِ البَهج. وطَرَحنَ القَضاءَ الجَدِّيَّ. وخاطبنَ الرُّسلَ مُفتَخِراتٍ وقائِلات. سُبيَ المَوتُ وقامَ المَسيحُ الإله. ومنحَ العالمَ الرَّحمةَ العُظمى.

القنداق(باللَّحن الثّاني)

يا شفيعَةَ المَسيحيّين غَيْرَ الخازية، الوَسيطةَ لدى الخالِق غيْرَ المرْدودةِ، لا تُعْرضي عَنْ أصواتِ طلباتِنا نَحْنُ الخَطأة، بَلْ تدارَكينا بالمعونةِ بما أنَّكِ صالِحَة، نَحنُ الصّارخينَ اليكِ بإيمان: بادِري إلى الشَّفاعَةِ وأسَرعي في الطّلْبَةِ يا والدَة الإلهِ، المُتشَفِّعَةَ دائمًا بمكرِّميك.

الرّسالة(رو 10: 1-10)

ما أعظمَ أعمالَك يا ربُّ كلَّها بحكمةٍ صَنعت،

باركي يا نفسي الرَّبَّ

يا إخوة، إنَّ بغيةَ قَلْبي وابتهالي إلى الله هما لأجلِ إسرائيلَ لخلاصِه. فإنِّي أشهدُ لهم أنَّ فيهم غَيرةً للهِ إلَّا أنَّها ليَست عن معرفةٍ، لأنَّهم إذ كانوا يجهَلون برَّ الله ويطلُبون أنْ يُقيموا برَّ أنفُسِهم لم يَخضَعوا لِبِرِّ الله. إنَّما غايةُ النَّاموسِ هي المسيحُ للبِرِّ لكلِّ مَنْ يؤمن. فإنّ موسى يصِفُ البِرَّ الَّذي مِنَ النَّاموسِ بأنَّ الإنسانَ الَّذي يعمَل هذه الأشياءَ سيحيا فيِها، أمّا البرُّ الَّذي مِنَ الإيمان فهكذا يقولُ فيهِ: لا تَقلْ في قَلبك مَن يصعَدُ إلى السَّماءِ، أي ليُنزلَ المسيحَ، أو مَن يهبطُ إلى الهاوية، أي ليُصعِدَ المسيحَ مِنْ بينِ الأموات. لكن ماذا يقول؟ إنَّ الكلمة قريبةٌ منكَ، في فمِكَ وفي قلبِك، أي كلمة الإيمان الَّتي نبشّر نحن بها، لأنَّك إنْ اعترفت بفمك بالرَّبّ يسوع، وآمنت بقلبك بأنّ الله قد أقامه من بين الأموات فإنَّك تَخلُص. لأنَه بالقلب يؤمَن للبِرِّ وبالفَم يُعتَرَف للخلاص.

الإنجيل(متّى 8: 28-34، 9: 1) (متى 5)

في ذلكَ الزَّمانِ، لمَّا أتى يسوعُ إلى كورةِ الجِرجِسيِّينَ استقبَلهُ مَجنونانِ خارجانِ منَ القبورِ، شرِسانِ جدًّا، حتّى إنَّهُ لم يُكنْ أحدٌ يقدِرُ أن يجتازَ من تلكَ الطَّريق، فصاحَا قائلَين: ما لنا ولكَ يا يسوعُ ابنَ الله؟ أجئتَ إلى ههُنا قبلَ الزَّمانِ لتعَذِّبَنا؟ وكانَ بعيدًا منهم قطيعُ خنازيرَ كثيرةٍ ترعى، فأخَذَ الشَّياطينُ يطلُبونَ إليهِ قائلينَ: إن كنتَ سُتُخرِجُنا فأئذِنْ لنا أن نذهبَ إلى قطيع الخنازير. قال لهم: اذهبوا. فخرجوا وذهبوا إلى قطيع الخنازير. فإذا بالقطيع كلِّه قد وَثَبَ عن الجُرْفِ إلى البحرِ وماتَ في الميَاه، أمَّا الرُّعاة فهرَبوا ومَضوا إلى المدينةِ وأخبروا بكلِّ شيءٍ، وبأمر المجنونَيْن. فخرَجَتِ المدينَةُ كُلُّها للقاءِ يسوع. ولمَّا رأوهُ طلبوا إليهِ أن يتحَوَّلَ عن تُخُومهِم، فدخَلَ السَّفينَةَ واجتازَ وأتى إلى مدينِتهِ.

حول الرّسالة

بِرُّ النّاموس وبِرُّ الله

في رسالته إلى أهل رومية، يوضِح الرَّسُول بولس الفَرْق بين بِرّ النّاموس  وبِرّ الله.

فكلُّ مَنْ يلتزم بِوَصايا النّاموس، يتبرَّر بحسب النّاموس أي يصير بارًّا، وهذا ما نسمّيه بِرّ النّاموس. ولكن تظهر هناك مُشكلة وهي أنَّه لم يَستطِع إنسانٌ أنْ يَلتَزِم بكلِّ النَّاموس وذلك بسبب "الإنسان العَتيق" الَّذي فينا والَّذي نرثه بالطَّبيعة مِنَ الأهل.

أمَّا بِرُّ الله فتعني أنَّ الله عادل في أحكامه، وبارٌّ في وُعودِه. ولكنّ بولس الرَّسُول استعْمَلَ هذا التَّعبير ليشرح أنَّ الله وَجَدَ لنا طريقَةً لنتبَرَّر بها إذ كنّا عاجزين أن نلتزم بكلِّ وصايا النّاموس، وكان هذا بفداء المسيح. وهكذا يقول الرَّسُول: "لأنَّه جعل الَّذي لم يعرف خطيَّةً، خطيَّة لأجلنا، لنصير نحن بِرُّ الله فيه" (2 كو 5: 21). فصار معنى بِرُّ الله أنَّ الله هو مَن قدّم الفداء بالمسيح لنصير خليقةً جديدةً في المَسيح بالمعمودِيَّةِ، ويَصير لنا حياة المسيح. وبحياةِ المسيح فينا نسلك في البِرِّ، والرُّوح القدس يُعِين بالنِّعمة. إذًا في السِّياق ذاته نفهم عبارَةَ بِرّ الله بالمسيح، أي التَّدبير الإلهيّ الَّذي صنعه الله الآب لأجلنا وهو أنَّه أرسل ابنه الوَحيد يسوع المسيح الَّذي مات ثمّ قام. ونحن بالمعموديّة نتَّحِد مع المسيح القائم، فيَمُوت الإنسان العتيق فينا ونلبس الإنسان الجديد "المُتَجَدِّد للمَعْرِفَة على صورة خالقه" (كو 10:3).

لم يكن هناك أمل في أن تلتزم الخليقة القديمة أو ما قال عنه بولس الرَّسُول "الإنسان العَتيق" بالنَّاموس، إذْ فسدت هذه الخليقة وأصابها الضُّعف والوَهْن، بل أصبحتْ مُنْفَتِحَة على الخطيَّة. فرأى الله أنَّ هذه الخليقة القديمة يجب أنْ تَموت وتَقوم خليقة جديدة لها إمكانيّات جديدة بِمَعُونَة الرُّوح القُدُس وهذا ما أسماه بولس الرَّسُول "النِّعْمَة". وهي عَطِيَّةَ الرُّوح القُدُس الَّذي يسكن فينا في سِرِّ المَيْرُون، ويُعين ضعفاتنا (رو 8: 26). ولكنّ هذه النِّعْمَة لا تعمل مع المُتراخي الَّذي لا يسهر على خلاص نفسه، بل مع مَنْ يُجاهد (كو 3: 5) و (متّى 11: 12). فالله يُريد أنْ يُبَرِّرنا، ولكنَّه لا يُلْزِمُنا بِشَيء لا نريده، فهو خلقنا على صورته أحرارًا، لذلك هو يسأل كلٌّ مِنَّا: "هل تريد أن تبرأ؟". وكلُّ مَنْ يسأل الله المَعونَة يُعطيه الله نِعْمَةَ تُعِينه أنْ يَسْلُكَ في البِرّ.

السُّلوك في النّور

يحتلُّ موضوع النُّور مَكانةً متأَلِّقةً في الكتاب المُقَدَّس بعَهْدَيْه القَديم والجَديد. أوَّل عَمَل قام به الخالق هو الفصل بين النُّور والظَّلام (تك 1: 3 – 4)، فالله خلق النُّور في اليوم الأوَّل، وخلق الشَّمس والقمر في اليوم الرَّابع، وهذا دليل على أنّ الله هو مصدر النُّور لا الشَّمس والقمر. نقرأ في سفر المزامير "الرَّبُّ يُضيء سراجي، إلهي يُنير ظلمتي" (مز 18: 29). وكما حدَّثَنا أوَّل سِفِر في الكتاب المُقَدَّس عن النُّور، كذلك يُحدِّثنا السِّفر الأخير من الكتاب المُقَدَّس عن النُّور الأبديّ الَّذي يُشعُّ على نفوس الموتى المؤمنين. "فلن يكون ليل بعد الآن، ولن يحتاجوا إلى نور سراجٍ ولا ضياء الشَّمس، لأنَّ الرَّبَّ الإله سيضيئ لهم" (رؤ 22: 5).

 الله نور: "إنَّ الله نور، وليس فيه ظلمة البتَّة". هكذا يقول القدِّيس يوحنّا في رسالته الأولى. (1 يو 1: 5). وبما أنَّ الله نور، فوصاياه نور وكلامه نور. كما يقول صاحب المزامير: "سراجٌ لرجلَيَّ كلامُك ونورٌ لسَبيلي" (مز 118: 105)، المسيح نور العالم: جاء السَّيِّد المسيح نورًا إلى العالم: "فكلّ مَنْ يؤمِن به لا يَمْكُث في الظَّلام" (يو 46:12). المسيح هو "شمس البِرّ" (ملا 2:4). هو نور يشرق، ومِنَ الشَّرق يبدأ النُّور لذلك تُبنى الكنائس نحو الشَّرق، فهو الَّذي أعلن عن نفسه قائلًا: "أنا نور العالم، مَنْ يتبعُني فلا يَمْشِي في الظَّلام، بل يكون له نور الحياة" (يو 8: 12) البعض يسأل هنا: لقد قال الرَّبُّ لنا: "أنتم نور العالم" (متّى 4:5)، وقال عن نفسه: "أنا نور العالم" (يو 8: 12)، فما الفرق إذًا في المَعنى؟ الفرق يظهر كما في مثال الشَّمس والقمر، هكذا، السَّيِّد المسيح هو "النُّور الحَقيقيّ الَّذي يُنير كلَّ إنسانٍ آتٍ إلى العالم". أمّا نحن فنصير نورًا بقدر ما نستمدّ مِنْ نورِهِ البَهِيّ "أي بنوره نعاين النُّور". بما أن الله نور، فعلى المسيحيّين أن يكونوا أبناء النُّور. يقول الرَّسُول يوحنّا في رسالته الأولى: "إنَّ اللهَ نورٌ، وليس فيه ظلمةٌ البَتَّة، فإنْ نحنُ قُلنا، إنّ لنا شركة معه وسلكنا في الظُّلمة، فإنّا نكذب ولا نعمل الحَقّ" (1 يو 5:1-6). الحياة مع الله نور، أمّا العَيْش في الخَطيئة ظلمة. وبالتَّالي علينا أنْ "نَسْلُكَ سلوك أبناء النُّور" لِنَكون في شِرْكةٍ مع الله الَّذي هو نور. يشرح يوحنّا الرَّسول هذه الحقيقة فيقول: "مَنْ أحَبَّ أخاه فهو ثابتٌ في النُّور، أمّا مَن أبغض أخاه فهو في الظُّلمة، وفي الظُّلمة يسلك، ولا يدري أين يتَّجِه، لأنَّ الظُّلمة أعْمَتْ عينيه" (ا يو 2: 1-11). المحبَّة نور، والبُغض ظلمة. يشدّد الرَّسول بولس قائلًا بأنْ "نخلع أعمال الظُّلمة، ونلبس أسلحة النُّور" (رو 12:13). خلع "أعمال الظُّلمة" يعني التَّوبَة عن الأعمال الشّرِّيرة، و"لبس أسلحة النُّور" يعني ممارسة الأعمال الصَّالِحَة.

يؤكِّد بولس الرَّسول أنّ حياة المَسيحيّ هي سلوكٌ في النُّور وهذا هو جوهر حياتنا أن نكون مع المسيح في البِرِّ والحَقِّ والصَّلاح فيقول: "فاسلكوا سلوكَ أبناءِ النُّور، فإنَّ ثمر النُّور هو في كُلِّ صَلاحٍ وبِرٍّ وحَقٍّ" (أف 5: 8-9).

الامتِلاء مِنَ المَسيح

للقدِّيس بورفيريوس الرّائي

عندما يكون الإنسان فارغًا مِنَ المَسيح، عندئذٍ يمكن لأيِّ شيءٍ أنْ يملأه: الغيرة، الكره، الملل، الكآبة، المعارضة، التَّفكير العالَميّ، والأفراح العالمِيَّة. حاوِلُوا أنْ تَمْلأوا نفُوسَكم مِنَ المَسيح، كي لا تكون فارغة. نفوسنا تشبه خزّانًا مليئًا بالماء فإذا سَكَبْتَ هذا الماء على الأزهار أي على الفضائل الَّتي هي طريق الصَّلاح، سوف تعيش في فرحٍ حقيقيّ وتَضْمُر فيكَ الأشواك والشُّرور. ولكنَّكَ إذا سَكَبْتَ الماء على الأشواك، فسوف تنمو وتخنقك وتذبُل كلّ الأزهار. عليكم أن تواجهوا كلَّ شيء بمَحبَّةٍ وخيرٍ ووَداعَة وصَبْر وتواضع.

كونوا صُخورًا يتحطَّم عليها كلَّ شيء، ويعود أدراجه كالأمواج، وابقوا أنتم عديمي الاضطراب. ولكنَّكم ستقولون: "وهل هذا ممكن؟". نعم، بنعمة الله يمكن أن يتمّ ذلك دائمًا. إذا نظرنا إلى الأمور بشريًّا، فهذا غير ممكن، ولكن بدل أنْ تؤثر الأمور فيكم بشكلٍ سيّء، من الممكن أن تنفعكم وتثبِّتَكم في الصَّبر والإيمان.

هناك حياةٌ غير منظورة، هي حياةُ النَّفْس. وهي قويّةٌ جدًّا وتستطيع أن تؤثّر على الآخَر وإن فصلتنا عنه الكيلومترات. ويحصَل هذا مع اللَّعنة، الَّتي هي قوّةٌ تصنع الشَّرّ.

ولكنْ إنْ صلّينا لأحدٍ بمَحَبَّةٍ، ينتقل إليه الخير مهما بَعُدَت المَسافة. إذًا لا يتأثّر الخير والشَّرّ بالمَسافات. نستطيع أن نُرسِلَهما إلى مسافات لا حدودَ لها.

إذا سلَّمْنا ذواتِنا إلى روح الله، وإذا سلَّمنا ذواتِنا إلى محبَّة المسيح، يتبدَّل الكلّ، يتحوَّل الكلّ، يتغيَّر الكلّ.

الغيظ، الغضب، الغيرة، الحسد، الحنَقْ، الإدانة، نُكران الجميل، التَّعاسة، الكآبة، يصيرُ الكلّ محبَّةً، فرحًا، رغبةً وعشقًا إلهيًّا وفردوسًا..!!

أنقر هنا لتحميل الملفّ