نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
الأحد 15 كانون الثّاني 2023
العدد 3
الأحد (12) من لوقا (ال10 البرص)
اللّحن 6- الإيوثينا 9
أعياد الأسبوع: *15: البارَّين بولس الثِّيبي ويوحنّا الكوخيّ *16: السُّجود لسلسة بطرس المكرّمة، الشَّهيد دَمَسكينوس *17: القدِّيس أنطونيوس الكبير مُعَلِّمُ البَرِّيَّة، الشَّهيد جاورجيوس الجديد (إيوانينا) *18: القدِّيسَين أثناسيوس وكيرلُّس رئيسا أساقفة الإسكندريّة *19: البارّ مكاريوس المصريّ، القدِّيس مرقس أسقف أفسس *20: البارّ إفتيميوس الكبير، الشَّهيد إفسابيوس *21: البارّ مكسيموس، الشّهيد ناوفيطس.
كلمة الرّاعي
القدّيس أنطونيوس الكبير: الحكمة في التّواضع
”تَأْتِي الْكِبْرِيَاءُ فَيَأْتِي الْهَوَانُ، وَمَعَ الْمُتَوَاضِعِينَ حِكْمَةٌ“ (أمثال 11: 2)
تُعيِّدُ الكنيسة المقدَّسة، في هذا اليوم الواقع فيه السَّابع عشـر من شهر كانون الثّاني، للقدّيس أنطونيوس الكبير ”كوكب البريّة، ملاك الصّحراء وأبو الرّهبان“. نسك القدّيس أنطونيوس في الصّحراء الدّاخليّة في مصـر ما يقارب الخمس وثمانين سنة، سلكها بالتّخلِّي الكامل إذ وزّع أمواله وممتلكاته الطّائلة على المساكين والمحتاجين، ولم يترك لذاته شيئًا.
قاده الرَّبُّ في جهاده وعلّمه سبيل الحياة الرّوحيّة المستقيم، فصار مقصدًا لرهبان عصره وكبارِ مؤسِّسي نظامٍ جمعَ بين عيش الجماعة والتّوحُّد، بالإضافة إلى حركة شعبيّة.
لعب دورًا كبيرًا ومهمًّا في تشديد عزم المسيحيّين أثناء الاضطهاد الآريوسيّ ضدّهم، فنزل إلى الإسكندريّة بين النّاس في الشّوارع والمنازل يشدِّدُهم ويصلّي معهم. وعظَ وشَهِدَ قائلًا: ”الّذي يتكلّمون عنه أنّه ليس إلهًا هو غيرُ المسيحِ الّذي أنا أعرفُه ويعرفُني ويَعرفُ كلَّ واحدٍ منّا. فيسوعُ هو ”إلهٌ تامٌّ وإنسانٌ تامّ“، وأكمل: ”الكلام عن الرّبّ يسوع المسيح يأتي من القلب المجبول بالصّلاة، وليس مِن أفكارٍ عقليّةٍ محضة، وفلسفاتٍ واستنتاجاتٍ وتحاليل“.
حياته كانت إنجيلًا حيًّا يشهد للمسيح الرَّبّ، وقد كان مدرسة في عيش وتعليم الكلمة الإلهيَّة. انكفاؤه عن العالم كان لأجل العالم، ولذلك، كان ينزل إلى المدينة حين تدعو الحاجة ليُعزّي ويشدِّد ويثبِّت المؤمنين بالإيمان الفاعل بالمحبَّة والمثبّت بقوّة الرّوح القدس.
* * *
لعلَّ أهمّ ما كان يشدِّد عليه القدّيس أنطونيوس في حياته وتعليمه كان التّواضع. فهو عرف بتعليم من الله هذا الأمر حين قال: ”رأيت فخاخ العدوِّ في الأرض لامعةً، فقلت في نفسـي من ينجو منها؟ فأتاني صوتٌ من السَّماء يقول: المتواضع“. كان القدِّيس أنطونيوس يفتَتح جميع إرشاداته بذكر فضيلة التَّـواضع وضرورتها الجوهريّة للخلاص. كان يقول أنّه ”بدون التَّواضع لا نستطيع أن ننجوَ من حِيَل الشَّيطان أوَّل المتكبِّرين“. وأنَّ ”التَّـواضع هو السُّور المكين الّذي نحتمي به من سهام العدوّ الجهنـَّميّ؛ فإذا هُدِمَ السُّور أصبحنا هدفـًا لسهام الأعداء، وهو أساس كلّ الفضائل؛ فعليه يجب أن نرفع بناء الكمال“. هذه الحكمة تعلَّمها بجهاده في الصّلاة والتّأمُّل الدّائم بالكلمة الإلهيَّة والهذيذ بها. كان يلهج بكلمات الكتاب المقدَّس بعهديه القديم والجديد، ويستقي منها بروح الرَّبِّ الحكمة الإلهيَّة.
كان القدِّيس أنطونيوس أُمِّيًّا. غير أنَّ الله أنْعَمَ عليه بما هو أفضل من العلم البشـريّ، إذْ لسبب تواضعه مَنَحَهُ الحكمة الإلهيَّة. فكان له من العلم والفهم بالتّأمُّل، ما فاق به علماء عصره. وحصل القدِّيس أنطونيوس على هذه النِّـعمة بفيض الفضائل الإلهيَّة ونعمة التّمييز. وممَّا قاله في فضيلة التّمييز: ”إنـَّها سيِّدة جميع الفضائل“. ولما سُئِل يومًا عن الكمال المسيحيّ أجاب: ”للبلوغ سريعًا إلى الكمال المسيحيّ اِفتكر في أنَّـك تبدأ اليوم بخدمة الله. وافتكر في أنَّ هذا اليوم قد يكون الأخير من حياتك. إذا جرَّبك العدوّ فتذكَّر أنَّ الشَّيطان لا يقدر البتَّة أن ينتصـر على الصَّلاة والصَّوم وعلى محبَّة يسوع الحارَّة“.
* * *
أيُّها الأحبَّاء، القدِّيسون هم معلّمونا في طريق التَّقديس، وهم قدوتنا. صحيح أنّ القدّيس أنطونيوس الكبير كان راهبًا وناسكًا، ولكنّه عاش حياة الشّركة أيضًا مع الرّهبان ومع المؤمنين، وشاركهم اضطهاداتهم وضيقاتهم وأفراحهم بالرّبّ. وفي كلّ هذه الخبرة الطّويلة الّتي عاشها في حياة التّوحُّد، استخلص أنّ ”حياتنا وموتنا هما مع قريبنا، فإن ربحنا قريبنا نربح الله، وإن أعثرنا قريبَنا نخطئ ضدّ المسيح“. هـــــــذه هي خـــــــــــلاصــــة الحـــيـــاة المسيحيَّة والجهاد الرّوحيّ. هكذا نُرضي الله. كلّ نسكنا وتقشّفنا وصلواتنا وأعمالنا وخدمتنا غايتها أن نربح القريب. هكذا علينا أن نسلك لنكون مسيحيين في هذا العالم، هكذا نكون عاقلين في عيني الرَّبّ ومجانين في أعين البشر. هذا ما سبق فتنبَّأ عنه القدّيس أنطونيوس الكبير قائلًا: ”يأتي وقتٌ فيه يصاب البـشـر بالجنون، فإن رأوا إنسانًا غير مجنون، يهاجمونه، قائلين: أنت مجنون، إنّكَ لستَ مثلنا“... نعم!... نحن اليوم في هذا الزَّمن، لكن فلنثبت في الشهادة لحقّ الإنجيل كما ثبت، قبلنا، آباؤنا القدِّيسون والشُّهداء لينقلوا إلينا سرَّ الحياة الأبديَّة والغلبة على الموت والخطيئة في طاعة الكلمة الإلهيَّة حتّى المُنتهى...
ومن له أذنان للسّمع فليسمع...
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما
طروباريّة القيامة (باللَّحن السّادس)
إِنَّ القوَّاتِ الملائِكِيَّة ظَهَرُوا على قبرِكَ الـمُوَقَّر، والحرَّاسَ صَارُوا كَالأَموات، ومريمَ وَقَفَتْ عندَ القَبْرِ طَالِبَةً جَسَدَكَ الطَّاهِر، فَسَبَيْتَ الجَحِيمَ ولَمْ تُجَرَّبْ مِنْهَا، وصَادَفْتَ البَتُولَ مَانِحًا الحَيَاة، فَيَا مَنْ قَامَ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ، يَا رَبُّ المَجْدُ لَك.
الطّروباريّة للقدّيس يوحنّا الكوخيّ (باللَّحن الرَّابع)
لمّا صبوْتَ إلى الرَّبِّ منذُ الطّفوليّة بحرارةٍ، تركتَ العالم والمُطرِباتِ الَّتي في العالم، ونَسكتَ نُسْكًا فاضلًا ونصبْتَ الكوخ عند أبواب والدَيْك، فسَحَقْتَ مَكامِنَ الأبالسة يا يوحنّا الكُلِّيُّ الغبطة. فلذلكَ قَد شرَّفَكَ المسيحُ باستحقاق.
قنداق دخول السّيّد إلى الهيكل (باللَّحن الأوّل)
يا مَنْ بمَوْلدكَ أيُّها المسيحُ الإله، للمُستَوْدَعِ البَتوليّ قدَّسْتَ. ولِيَدَيّْ سمعانَ كما لاقَ بارَكْتَ. ولنا الآن أدركتَ وخلَّصْتَ. احفَظ رعيَّتَكَ بسلامٍ في الحروب وأيِّد المؤمنين الّذين أحببتَهُم، بما أنَّكَ وحدَكَ مُحبٌّ للبَشَر.
الرّسالة (كول 3: 4-11)
ما أعظمَ أعمالَكَ يا ربُّ. كلَّها بحكمٍ صَنَعْتَ
باركي يا نفسي الرَّبَّ
يا إخوةُ، متى ظهرَ المسيحُ الَّذي هو حياتُنا فأنتم أيضًا تَظهَرون حينئذٍ معهُ في المَجد. فأمِيتوا أعضاءَكم الَّتي على الأرضِ: الزِّنَى والنَّجاسةَ والهوى والشَّهوةَ الرَّديئَةَ والطَّمعَ الَّذي هو عبادةُ وثَن، لأنَّهُ لأجلِ هذه يأتي غضبُ الله على أبناءِ العِصيان، وفي هذه أنتم أيضًا سلكُتم حينًا إذ كنتم عائشين فيها. أمَّا الآن فأنتم أيضًا اطرحوا الكُلَّ: الغضبَ والسُّخطَ والخُبثَ والتَّجديفَ والكلامَ القبيحَ من أفواهِكم، ولا يكذب بعضُكم بعضًا بلِ اخلعوا الإنسانَ العتيقَ معَ أعماله والبَسُوا الإنسانَ الجديد الَّذي يتجدَّدُ للمعرفةِ على صورةِ خالقِه، حيثُ ليس يونانيٌّ ولا يهوديٌّ، لا خِتانٌ ولا قَلَفٌ، لا بربريٌّ ولا إسكِيثيٌّ، لا عبدٌ ولا حرٌّ، بلِ المسيحُ هو كلُّ شيءٍ وفي الجميع.
الإنجيل(لو 17: 12-19)
في ذلك الزَّمان، فيما يسوعُ داخلٌ إلى قريةٍ استقبلهُ عشَرةُ رجالٍ بُرصٍ، ووقفوا من بعيدٍ ورفعوا أصواتَهم قائلين: يا يسوعُ المعلّمُ ارحمنا. فلمَّا رآهم قال لهم: امضوا وأَرُوا الكهنةَ أنفسَكم. وفيما هم منطلِقون طَهُروا. وإنَّ واحدًا منهم لمَّا رأى انَّه قد بَرئ رجَعَ يمجِّد الله بصوتٍ عظيم وخرَّ على وجههِ عند قدَميه شاكرًا لهُ، وكان سامريًّا. فأجاب يسوع وقال: أليس العشَرةُ قد طهُروا، فأين التِّسعة؟ ألم يوجَدْ من يرجِع ليمجِّدَ اللهَ إلَّا هذا الأجنبيَّ؟ وقال له: قُمْ وامضِ إيمانُك قد خلَّصك.
حول الإنجيل
نلاحظ في إنجيل اليوم عتبًا من الرّبّ يسوع على البرص التّسعة الّذين لم يعودوا ويشكروه، وذلك عندما قال لهم: "أليس العشرة قد طهروا؟ فأين التّسعة؟". هذا السّؤال يطرح مسألةً جوهريّةً تمسّ حياتنا اليوميّة وطبيعة علاقتنا مع الله، وهي شكرنا لله.
اعتدنا أن نبني علاقتنا مع الله على أسسٍ عديدةٍ مثل الخوف، وكأنّ الله منتقمٌ، أو الحاجة، وكأنّ الله خادمٌ لحاجاتنا، نحبّه حين يحقّقها ونجدّف عليه حين لا يلبّيها. لذلك نطرح دائمًا على أنفسنا السّؤال التّالي: ماذا نصلّي حين لا نجد ما نطلبه من الله؟ هذا لأنّنا اعتدنا ربط الصّلاة بالطّلبات، مع أنّ الصّلاة غير ذلك، فهي عشرةٌ مع الله ووقفةٌ في حضرته، وهي إذن حياة علاقتنا به.
نستطيع أن نجد شكرًا لله في كلّ حياتنا كمسيحيّين لأنّ المبدأ هو أنّ كلّ شيءٍ في الدّنيا هبةٌ مجّانيّةٌ من الله نأخذها وليس بإمكاننا دفع أيّ ثمنٍ مقابلها، لذلك نعترف بالجميل ولا نقدر إلّا أن نشكره عليها.
هذه هي صلاتنا الحقيقيّة في الكتاب والطّقوس، ولكن غالبًا ما نفسدها ونحصرها في درجاتها الدّنيا. هناك أربع درجاتٍ للعبادة والصّلاة:
- درجة البرص التّسعة الّذين طلبوا حين احتاجوا (صلّوا) ولكنّهم مضوا مجرّد أن نالوا طلبهم ولم يعودوا شاكرين. هذا هو شكل صلاتنا مرّاتٍ عديدةً حين نضع الله في قفص خدمة حاجاتنا.
- درجة الأبرص العاشر الّذي لمـّا لاحظ أنّه برأ من مرضه عاد وشكر وسجد.
- درجة الّذي يعي إحسانات الرّبّ وهداياه المجّانيّة.
- الدّرجة الأخيرة هي حين نشكر ونحن في ضيقٍ وشدّة، حين نعرف أنّ الله محبٌّ ومعطٍ ليس فقط في ظهور عطاياه الجيّدة. نشكر حتّى في ساعات الألم والشّدائد لأنّ العطيّة من الله والبليّة ليست منه.
أليس العشرة قد طهروا؟ فأين التّسعة؟ أليس الجميع قد أخذوا كلّ شيءٍ فأين الشّاكرون؟ هذه هي صلاتنا: "الشّكر لله على كلّ شيء".
في الصَّلاة
المتروبوليت سابا اسبر
رافقت الصَّلاة الإنسان منذ القديم، ولطالما رافق الدُّعاء والتَّسبيح توجّهه نحو الإله. وفي الإنجيل المقدّس دعوات صريحة إلى الصَّلاة، توّجها الرَّبّ يسوع باختلائه مرّات عديدة لكي يُناجي أباه السَّماويّ.
لقد أنتجت حياة الصَّلاة غنى بديعًا في، ما يمكن أن نسمّيه، لاهوت الصَّلاة في الكنيسة المسيحيّة، وأنماطًا متعدّدة للصَّلاة ونصوصًا وأشعارًا رائعة.
ولأنّ الصَّلاة إحدى أركان الإيمان الأساسيّة، يُصلّي المؤمنون سويًّا في اجتماعهم معًا، كما يصلّي كلّ منهم صلاته الخاصّة فرديًّا. ولعلّ النَّصَّيْن الأقرب إلى أهميّة الصَّلاة الجماعيّة والصَّلاة الفَرديَّة هما "متى اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي أكون في ما بينهم" و "فإذا صلَّيْتَ فادخل غرفتك وأغلق بابها وصلِّ لأبيك الَّذي في الخفاء" (مت6/6).
تشمل الصَّلاة الطَّلب والتَّسبيح والشُّكر، لكنَّ الطَّلَب يحتلّ عند المبتدئين الحَيِّز الأكبر. وهذا بحدّ ذاته ليس خاطئًا ولا مَعيبًا، وإنّما يدلّ على درجة النّموّ الرّوحيّ للمُصلّي. سيبقى هذا الوجه الصَّلاتيّ مَوْجودًا طالما أنّ الإنسان في هذا العالم الأرضيّ، ولم يبلغ الملكوت، حيث لا يبقى سِوَى التَّسبيح، على غِرار الملائكة.
يطلب المؤمن من أجل خلاصه أوَّلًا، ومِنْ ثَمَّ مِن أجل خلاص الآخَرين. وقد بلغت المحبّة عند المتقدّمين روحيًّا حدًّا باتوا فيه لا يطلبون خلاصهم بمعزلٍ عَنْ خلاص العالم. هكذا كان القدّيس سلوان يُصلّي "ارحَمني وارحم عالمك... هَبْ جميع الشُّعوب أنْ تعرفَكَ بالرُّوح القُدُس". صلاة المؤمن مِنْ أجل الآخَرين والعالم واجب لا يمكن التَّهرُّب منه، تطبيقًا لوصيّة الرَّبّ "أحْبِب قريبَك كَنَفْسِك". إنْ أحببتَ خلاصَك فإنَّك تحبّه لقريبك أيضًا.
درجت الكنيسة على تعليم أبنائها أن يحملوا العالم في صلواتهم. نرفع الدُّعاء في صلواتنا الجماعيَّة: "مِنْ أجل سلام العالم، اعتدال الأهوية، المسافرين، المَرضىى، المشرَّدين، الَّذين هم في الضِّيق، الَّذين يحبّوننا والَّذين يبغضوننا، الحاضرين معنا والمتغيِّبين عنّا ... إلخ"، كما نرفع الدُّعاء من أجل الموجوعين، بأسمائهم الشَّخصيّة، في صلواتنا الفرديّة والجماعيّة.
يقودني الكلام في هذا السِّياق إلى أهميّة الصَّلاة اليوم من أجل الواقع الأليم الَّذي تحياه بلادنا. يعتبر المؤمنون الصَّلاة إحدى وسائل مقاومة الشرّير وشرّه. لا بل هي عند الأتقياء وسيلة لا غنى عنها أبدًا. هكذا عاش المؤمنون: يلتجئون إلى سيّد التَّاريخ ولا يكفّون عن التَّضرّع إليه من أجل رحمة العالم الَّذي يعيشون فيه؛ يصلّون ويتضرّعون واضعين عالمهم وحياتهم وحياة الآخرين بين يديه؛ يكفيهم التَّوجّه إليه سواء استجاب لطلبتهم أم لا. وعندنا في التّاريخ تدخلات عديدة له: فيكفينا تذكيرًا بأنّ مديح العذراء، الَّذي يحبّه جميع المؤمنين، قد نُظم شكرًا ومديحًا لها، بعد إنقاذ مدينة القسطنطينيّة، وذلك بعد تطواف تضرّعي بأيقونة السَّيّدة العذراء حول أسوار المدينة.
لطالما نبّه أنبياء العهد القديم شعبهم، الَّذي غالبًا ما رفض سماع كلامهم، إلى أهميّة العيش في التَّوبة حتّى يوقف الله الحرب، فلم يسمع شعبهم لهم. ينبّه الله الأتقياء من المؤمنين إلى دورهم في عيش روح الصَّلاة، أي التَّوبة خاصَّةً في زمن الضِّيق والأخطار. ترتبط الصَّلاة بالعيش المستقيم الَّذي يُرضي الله. و"طلبة البارّ تَقْتَدِر كثيرًا في فعلها" (يع 5: 16). إن كانت حياتنا متوافقة مع صلاتنا سيسمعها الله دون أيّ شك.
في خضمّ الآلام والأخطار والضِّيقات الَّتي نحياها منذ سنوات، أترانا نصلّي بدموع وترجٍّ ورجاء؟ لماذا لا نلجأ إلى الصَّلاة التَّضرُّعيَّة جماعيًّا؟ ولماذا لا تلقى المُبادرات الرُّوحيَّة التَّجاوُب المطلوب؟ - إذ أنّ الدَّعوة إلى هكذا مبادرات خجولة تصل إلى درجة يُخجل منها- أليس لأنّ ثمّة انفصامًا ما حقيقيًّا قائمًا بين ما نُعْلِن إيماننا به وسلوكنا الفعليّ؟
الصَّلاة الجماعيّة، بخاصّة، تعزّي المؤمنين، في زمن الشِّدّة، وتقوّيهم وتملؤهم حضورًا إلهيًّا يبثّهم أمانًا داخليًّا وقدرة على عدم الوقوع في التَّوتُّر والاضطراب اللَذَيْن غالبًا ما يقودان الإنسان إلى فقدان التَّعقٌّل والحكمة. إنّها سبيل الإنسان إلى السَّلام الدّاخليّ. واجب المؤمنين، سواء هم في قلب الضِّيق أم بعيدين عنه، أن يدعوا إلى سهرانيّات وصلوات سجود وأصوام خاصّةً، عسى الله يملأ الجوّ بروحه الإلهيّ فيطرد روح الشَّرّ ويُضعفه.
كفى الصَّلاة أن توّحدنا في التَّضرُّع لكي نَعِي أنّنا عائلة واحدة في السَّرّاء والضَّرّاء.
من أقوال القدّيس مكاريوس الكبير
+ افرحوا بكمال إخوتكم، وضعوا نفوسكم لهم وتشبَّهوا بهم، واحزنوا على بعضهم.
+ احفظوا أسماعَكم من كلام النَّميمة لتكون قلوبكم نقيّة، واهربوا مِن كلّ ما ينجِّس القلب.
+ كما أنَّ بُستانًا واحدًا يَستَقي مِن ينبوعٍ واحدٍ تنمو فيه أثمارٌ مختلفٌ مذاقها وألوانها، كذلك الرُّهبان فإنَّهم يَشربون من عَينٍ واحدةٍ، وروحٍ واحدٍ ساكنٌ فيهم، لكنّ ثمرهم مختلف.
+ إنْ غضِبَ أحدٌ على أخيه وإخوته فلا يستريحُ له بالٌ قبل أن يصلحه بحلاوة المحبَّة.
+ كونوا أبناء السَّلام، لِيَحُلَّ سلامُ الرَّبِّ عليكم.
+ كونوا بَني الطّاعة، لِتَنْجوا من الشّيطان.
+ لازِمُوا السَّهَر وقراءةَ الكتب، وثابِروا على الصَّلاة واسرعوا إلى الكنيسة.
+ اكرِمُوا بعضَكم بعضًا، لِتَكون السَّلامَة والمحبَّة بينَكم.
+ اتَّضِعُوا لإخوتكم واخدموهم حسب قوَّتِكُم لأجل المسيح لتنالوا منه الجزاء.
+ لا تقبَلوا في فكرِكُم ولا تصوِّروا في كلامكم أيّ إنسان بأنَّه شرِّير، فالقلب النَّقيّ ينظر كلّ النَّاس أنقياء.
+ اصبروا للتَّجارب الَّتي تأتي عليكم من العدوّ، واثبتوا في قتاله ومقاومته، فإنّ الله يُعينكم ويَهَبكم أكاليل النُّصرة.
+ عملُ الصَّلاحِ عَسِيرٌ وشاقٌ ولكنَّه يُنَجّي مِنَ النّار.