نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
الأحد 3 نيسان 2022
العدد 14
أحد القدّيس يوحنّا السُّلَّميّ
اللّحن 8- الإيوثينا 8
أعياد الأسبوع: *3: (البارّ يوحنّا السّلّميّ)، البارّ نيقيطا، القدّيس يوسف ناظم التّسابيح *4: البارّ جرجس (مالاون)، البارّ زوسيماس *5: الشّهداء كلاوديوس وديودورس ورفقتهما، البارّة ثيوذورة التّسالونيكيّة *6: القدّيس أفتيشيوس بطريرك القسطنطينيّة، القدّيس غريغوريوس السِّينائيّ *7: (خميس القانون الكبير)، الشّهيد كليوبيوس، القدّيس جرجس أسقف ميتيلين *8: (المَديح الكبير)، الرّسول هيروديون ورفقته وهم من السّبعين *9: (سبت الأكاثِستون: المديح الكبير الَّذي لا يُجلَس فيه)، الشّهيد أفبسيشيوس، القدّيس رفائيل ونيقولاوس وإيريني (ميتيليني).
كلمة الرّاعي
السُّلَّم إلى الله
نعيِّد في هذا الأحد المبارك الرَّابِع من الصَّوم الكبير للقدّيس يوحنّا السُّلَّمي. وقد دُعي كذلك لأنّه كتب مؤلَّفًا أسماه ”السُّلَّم“ يُفصِّل فيه مَراحِل الجهاد الرُّوحيّ ودَرَجاته الَّتي حَدَّدها بثلاثين إشارة إلى عمر الرَّبّ يسوع المسيح قبل ظهوره العلنيّ وبدء بشارته. وقد استوحى اسم مؤلَّفه هذا من رؤيا ”سلّم يعقوب“ (راجع: تكوين ٢٨)، حيث يرى يعقوب في الحلم ”وَإِذَا سُلَّمٌ مَنْصُوبَةٌ عَلَى الأَرْضِ وَرَأْسُهَا يَمَسُّ السَّمَاءَ، وَهُوَذَا مَلاَئِكَةُ اللهِ صَاعِدَةٌ وَنَازِلَةٌ عَلَيْهَا. وَهُوَذَا الرَّبُّ وَاقِفٌ عَلَيْهَا ...“ (تك 28: 12 و13).
وترمز السُّلَّم، بعامّة، إلى مَسيرَةِ الارتقاء الرُّوحيّ نَحْوَ الله كما قد ترمز إلى صليب الرَّبّ الَّذي يجمع بين الأرض والسّماء. كما أنّ الكنيسة تمدح العذراء صارخةً نَحْوها ”إفرحي أيَّتها السُّلَّمُ المُصْعِدّةُ الكُلَّ بالنِّعْمةِ مِنَ الأرضِ إلى السَّماء. إفرحي يا جسًـرا ناقلًا بالحقيقة من الموت إلى الحياة جميعَ الَّذين يُسَبِّحونَكِ“، كَوْنَها بِصَيْرورَتها والدة للإله أعطت ابن الله وكلمته المسيح يسوع جسدًا منها فصار كإنسانٍ الوَسيط الوَحيد بين الله والنّاس، ”لأَنَّهُ يُوجَدُ إِلهٌ وَاحِدٌ وَوَسِيطٌ وَاحِدٌ بَيْنَ اللهِ وَالنَّاسِ: الإِنْسَانُ يَسُوعُ الْمَسِيحُ“ (1 تي 2: 5)، ومَنَحَ المؤمنين به نعمة روحه القدُّوس المتنزِّل عليهم به والَّذي يرفعهم إلى ملكوت الله.
كتب القدّيس يوحنّا كتابه بناء على طلب الأب يوحنّا رئيس دير رايثو وذلك لمنفعة الرُّهبان. طبعًا، لا يستطيع المؤمن الَّذي ليس راهبًا أن يقرأه ويعتمده منهجًا له كالرُّهبان دون أن يميِّز ما هو مُفيدٌ لِنَفْسِهِ وتَقَدُّمه الرّوحيّ، إذ قد يجد فيه ما هو فوق طاقته أو ما هو يختلف عن حياته اليوميّة، ولكن مع مرافقة إنسانٍ مُختَبَرٍ روحيًّا يمكنه أن يقطف منه ثمارًا مُفيدة لبُنيانه في جهاده ونموّه الرّوحيّ، لأنّ جوهر التّعليم هو واحد ولكن لكلّ إنسانٍ أن يعيش روح التّعليم بحسب ما يناسب واقعه.
* * *
إنّ القدّيس يوحنّا السُّلَّمي يعتبر أنّ الجهاد الرّوحيّ هو مسيرة تنقية وتوبة وحرب روحيّة ضدّ أهواء الإنسان والَّتي يعتبر أنّ الأساسيّة منها هي: الغيظ والضَّجر، الشّراهة والزّنى وحبّ المال، عدم الإحساس والكبرياء. من هذه الأساسيّة يتفرَّع أهواء ثانويّة. الطّريق الَّذي على المجاهد سلوكه ليرتقي في حياته الرّوحيّة ويتطهَّر فكره وقلبه وجسده يمرُّ بالزُّهد في العالم كغربة خارجيّة وداخليّة. هذا يعيشه الإنسان اليوم عبر عدم التّعلُّق لا بالبشر ولا بالحجر ولا بأيّة تعزيات مرتبطة بأنانيّة الشّهوات أو كبرياء الإنسان. بل بالسَّعي الدّائم لطاعة وصيّة المحبَّة الّتي هي إخلاء للذّات وخروج من قوقعة الأنا واستهلاكيّتها إلى الانفتاح على الآخَر كمحبوب بالبذل والعطاء للذّات.
لكي ينجح الإنسان المعاصر في جهاد الغربة عليه أن يسلك في العمل (praxis) الرّوحيّ عبر الطّاعة للوصيّة الإلهيَّة وللكنيسة وتعليمها وخبرة آبائها لكي يتعلّم أن يواضِع نفسه، فيعرف خطاياه ويمشي في درب التّوبة عبر فحص الضّمير والسّيرة بكلمة الله متأمِّلًا بالموت ليتقوَّى في محاربة الأهواء بغسل دموع التّوبة والرّغبة بالتّحرُّر من قيودها. السّلوك الجِدّيّ في هذا الطّريق يوصل الإنسان إلى انفتاح كيانه أكثر فأكثر على النّعمة الإلهيّة الّتي تصير أفعَلَ فيه فيحصل على ثمار الوداعة والتَّواضع والتَّمييز الَّتي تقوده إلى السُّكون والصّلاة النّقيَّة حيث واللَّاهوى والمحبَّة. البداية جهاد مُتْعِب وألم ودموع حزن والنِّهاية نعمة تؤول إلى سُكنى روح الله في الإنسان وراحة وفرح وغبطة.
* * *
أيُّها الأحبَّاء، من يتعلَّق بالدّنيا يعيش فيها ولها، ومن يتعلَّق بالملكوت والحياة الأبديَّة يكون حُرًّا من العالم، هو يكون في العالم ولكنّه لا يكون من العالم، لأنّه يطلب حياة الدّهر الآتي. إذا لم ينطلق الإنسان في تعاطيه الوجود من الإيمان بالقيامة والحياة الأبديَّة فلن يستطيع أن يعيش إلّا لهذا العالم، وبالتّالي سيكون مُستسلمًا للأهواء الَّتي جوهرها الأنانيّة والكبرياء أي تأليه الإنسان لذاته في نظرته لنفسه وعلاقته بالآخَرين، ممّا يجعله يحيا لملذّات الجسد وشهواته طالبًا سلطة المال وما تستتبعه من عيش لأجل الفانيات. الإنسان المؤمن، يعرف أنّ الحياة لا تتوقّف عند هذا العالم، ولذلك يعمل في هذا العمر ليقتني كنوزًا لا تفنى أي نعمة الرُّوح القدس الَّتي هي عربون حياة الدّهر الآتي.
الكنيسة المقدَّسة تذكّرنا في هذا الأحد الرّابع من الصّيام بأنّ صيامنا وصلاتنا وجهادنا ضدّ الأهواء وتوبتنا ومحبّتنا الفاعلة هم طريقنا نحو الفصح، وأنّنا لنعبر إلى القيامة لا بدّ لنا من الموت عن إنسان هذا الدّهر عبر هذه المسيرة الرّوحيَّة الّتي يفصِّلها القدّيس يوحنّا السّلّمي في مؤلَّفه، والّتي ليست هي مسيرة مرحلة من حياتنا بل هي مسيرة حياتنا، لأنّ ارتقاءنا نحو اللّاهوى والكمال أي المحبّة الَّتي هي ”التّشبّه بالله على قدر ما يتيسَّـــــــر هذا للبشر“ (درجة 30، مقطع 7)، من خلال هذه الوَحدة بيسوع في نعمة روحه القدّوس.
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما
طروباريّة القيامة (باللّحن الثّامن)
انحدَرْتَ مِنَ العُلوِّ أَيُّها المُتحنِّن. وقَبِلتَ الدَّفنَ ذا الثَّلاثةِ الأيّام. لكي تُعتقَنا مِنَ الآلام، فيا حياتَنا وقيامتَنا يا رَبُّ المجدُ لك.
طروباريّة القدّيس يوحنّا السُّلَّمي (باللّحن الثّامن)
للبرِّيّة غَير المُثمرة بمَجاري دُموعِكَ أمْرعتَ. وبالتَّنهُّداتِ الَّتي مِنَ الأعماق أثمرْتَ بأتعابِكَ إلى مئةِ ضِعفٍ؛ فَصِـرتَ كَوكَبًا للمَسْكونةِ مُتلألئًا بالعجائب يا أبانا البارَّ يوحنّا. فتشفَّع إلى المسيحِ الإله في خلاصِ نفوسِنا.
القنداق (باللّحن الثّامن)
إنّي أنا عبدُكِ يا والدةَ الإله، أكتبُ لكِ راياتِ الغَلَبة يا جُنديَّةً مُحامية، وأُقَدِّمُ لكِ الشُّكرَ كمُنقِذَةٍ مِنَ الشَّدائد. لكنْ، بما أنَّ لكِ العِزَّةَ الَّتي لا تُحَارَب، أَعْتِقِينِي من صُنوفِ الشَّدائد، حتّى أَصْرُخَ إليكِ: اِفْرَحِي يا عروسًا لا عروسَ لها.
الرّسالة (عب 6: 13-20)
الرَّبُّ يُعطي قوّةً لشَعبه
قدِّموا للرَّبِّ يا أبناءَ الله
يا إخوة، إنَّ اللهَ لمّا وَعَدَ إبراهيمَ، إذ لم يُمكِن أن يُقسِمَ بما هُوَ أعظَمُ منهُ، أقسَمَ بنفسِهِ قائلًا: لَأُباركَنَّكَ بركةً وأُكثِّرنَّكَ تكثيرًا. وذاك، إذ تَأنّى، نالَ الموعد. وإنّما النّاسُ يُقسِمونَ بما هُوَ أعظَمُ منهمُ، وتنْقضي كلُّ مُشاجرةٍ بينَهم بالقَسَم للتَّثْبيتِ. فَلِذلك، لمَّا شاءَ اللهُ أنْ يَزيد وَرَثةَ الموعِد بَيانًا لِعَدَمِ تَحوُّل عزْمِهِ، توسَّط بالقسَم حتّى نَحصُلَ، بأمْرين لا يتحوّلان ولا يُمكِن أن يُخِلف اللهُ فيهما، على تعزيَةٍ قوَّية نحنُ الَّذين التجأنا إلى التَّمَسُّكِ بالرَّجاءِ الموضوع أمامَنا، الَّذي هو لنا كَمِرساةٍ للنَّفْسِ أمينةٍ راسِخة تَدْخُلُ إلى داخلِ الحِجاب حيث دَخَل يسوعُ كسابقٍ لنا، وقَدْ صارَ، على رُتبةِ مليكصادَق، رئيسَ كهنةٍ إلى الأبَدِ.
الإنجيل (مر 9: 17-31)
في ذلك الزَّمان، دنا إلى يسوع إنسانٌ وسَجدَ له قائلًا: يا مُعَلِّمُ قد أتيْتُك بابْني بِه روحٌ أبْكَمُ، وحيثما أخذهُ يصرَعُهُ فيُزبِدُ ويصرِفُ بأسنانه وَييبَس. وقد سألتُ تلاميذَكَ أن يُخرجوهُ فلم يَقدِروا. فأجابَهُ قائلًا: أيُّها الجيلُ غيرُ المؤمِن، إلى متى أكونُ عِندَكُم، حتّى متى أحتمِلُكُم؟ هَلمَّ بهِ إليَّ. فأتَوهُ بهِ. فلما رآهُ للوَقتِ صَرَعَهُ الرُّوحُ فسَقَطَ على الأرض يَتَمَرَّغُ ويُزبدُ. فسأل أباهُ: منذ كَمْ مِنَ الزَّمان أصابَهُ هذا؟ فقالَ: مُنذُ صِباهُ، وكثيرًا ما ألقاهُ في النَّار وفي المياهِ ليُهلِكَهُ، لكنْ إنِ استَطَعْتَ شيئًا فَتَحَنَّنْ علينا وأَغِثنا. فقال لَهُ يسوعُ: إن استَطَعْتَ أن تُؤمِنَ فكُلُّ شيءٍ مُستطاعٌ للمؤمِن. فصاحَ أبو الصّبيّ مِنْ ساعَتِه بدموع وقالَ: إنّي أُومِنُ يا سيِّدُ، فأغِث عَدَم إيماني. فلمّا رأى يسوعُ أنَّ الجميعَ يتبادَرون إليهِ انتهَرَ الرُّوحَ النَّجِسَ قائلًا لَهُ: أُّيُّها الرُّوحُ الأبْكَمُ الأصَمُّ، أنا آمُرُكَ أَنِ اخرُج مِنهُ ولا تعُدْ تَدخُلُ فيه، فصرَخَ وخبَطهُ كثيرًا وخرجَ مِنهُ فصارَ كالميت، حتّى قال كثيرون إنَّه قد ماتَ. فأخذَ يسوعُ بيده وأنهضه فقام. ولمّا دخل بيتًا سأله تلاميذه على انفراد: لماذا لم نستطع نحن أن نُخرجه؟ فقال لهم: إنّ هذا الجنس لا يمكن أن يخرج بشيء إلّا بالصّلاة والصّوم. ولمّا خرجوا من هناك اجتازوا في الجليل ولم يُرِد أن يدري أحد، فإنّه كان يعلِّم تلاميذه ويقول لهم: إنّ ابن البشـر يُسلَم إلى أيدي النّاس فيقتلونه وبعد أن يُقتَل يقومُ في اليوم الثّالث.
حول الانجيل
يُشَدِّد إنجيل اليوم على أربعة عناصر هي:
- الشَّيطان الَّذي يأخذ من الإنسان منزلًا له،
- إعلان الإيمان انطلاقًا من مُصيبة،
- الصَّلاة والصَّوم سِلاحان لِطَرد الشَّيطان ومُحارَبَة الخطيئة.
نرى الرَّبّ يسوع في إنجيل اليوم أمام رجلٍ يعرض ابنه المَسكون بالشَّيطان على يسوع، بعد أن كان عرضه على تلاميذه دون جدوى. كان الشَّيطان يُمزِّق نفس وجسد الابن فيُزبد ويُصِرّ بأسنانه ويَيْبَس، وهي من علامات الصَّرَع، ولكن ما يؤكّد علامات الشَّيطان هي محاولة إهلاكه بالماء والنَّار. عندما يلبس الشَّيطان إنسانًا يُصبح هذا الأخير في الأسْرِ ليُهلِكَه ويُميتَه، ليُصبح غيرَ قادرٍ بمفرده على التَّحرُّر منه.
وضع الرَّبُّ يسوع سِرَّ المعموديَّة لتحرير الإنسان من الشَّيطان، "أنتم الَّذين بالمسيح اعتمدتم المسيح قد لبستم" (غلا ٣: ٢٧).
إذا حرَّرتْ المعموديّة الإنسان من الشَّيطان، فهي تطهِّره من الخطيئة ولكنها لا تحرِّرَه منها غذ هذا مرتبط بحرّيته، ولأنّ حياة الإنسان هبة من الله وجهاد ضِدَّ الخطيئة والشَّرّ. تجسّد وصُلِب الرَّبُّ يسوع عنّا أي لأجلنا وافتدانا بدمه، لتكون حياتنا بقوّة صليبه خالية من الخطايا. في كلّ مرّةٍ يفعل الإنسان الخطيئة يدعو الشَّيطان بشكلٍ غير مباشر لزيارة نفسه المُلَوَّثة، أمّا هدف الشَّيطان فهو أن يُهلك الإنسان بأهوائه وآثامه إن لم يتعلّم هذا الإنسانُ أن يتّضع.
كان جواب المسيح توبيخًا عامًّا للحاضرين، لم يقتصر فقط على تلاميذه بل يشمل الكتبة الَّذين جادَلوهُم والأب الَّذي قصّر في إيمانه. أثَّر هذا التّوبيخ في الأب ليتواضع ويُعلِن إيمانَه بيسوع، فكان له ما أتى من أجله. عذاب الأب ومُصيبة ابنه ولّد الإيمان في قلبه. إنَّ طلب يسوع أنْ يقدِّموا الابن إليه، هو أشبه بما يفعله الوالدون عندما يأتون بأولادهم القاصرين إلى المعموديّة المسيحيّة، ويُعلِن العَرَّاب إيمانَه عن الطِّفل، كما فعل الأب وأعلن إيمانه عن ابنه.
لم يستطع تلاميذ يسوع أن يُخرِجوا الشَّيطان الأبكم، كما أُخبر يسوع، هذا النَّوْع من الشَّياطين لا تريد للإنسان أن يسمع كلمة الله، ولا أن يمجّده في العبادة والبشارة، فهي عنيدة جدًّا. عِلْمًا أنّ التَّلاميذ، في مناسباتٍ سابقة، أعْطِيوا القوّة ليُخرِجوا الشّياطين باسم "يسوع". حدثت هذه المعجزة بعد واقعة التَّجلّي على الجبل، حيث تَجَلّى مجد يسوع أثناء الصَّلاة.
الإنسان يُصَلِّي ويَصوم كي يرتفع عن الأرض، عن أهوائه ويَرْتَقي لِمَصافِ الملائكة حتّى يستطيع التَّغلُّبَ على الشَّيطان.
في الكبرياء
الكبرياء هي أصل كلّ الشُّرور. فهي الخطيئة الَّتي أحدَرَتْ كوكب الصُّبحِ - أي إبليس - إلى جهنَّم، وهي أوَّل خطيئة واجهت الإنسان الأوَّل في الجنّة وجعلته يسقط من الفردوس. فالكبرياء خطيئة فظيعة: "إعصم عبدك من الكبرياء فلا تتسلّط عليّ، حينئذ أكون بلا معاب وأتبرّأ من خطيئة عظيمة" (مز 13:19).
الكبرياء منبع كلّ الخطايا والله نفسه يُعلن أنّه يقاوم المستكبرين، الأمر الَّذي لم نسمع عنه بخصوص أيَّة خطيئةٍ أخرى! وقد جاء السَّيّد المسيح ليُقاوم الكبرياء ويَشفي المُستكبرين باتّضاعه… فما نطق به إبليس من كبرياء، كما نقرأ عند إشعياء النّبيّ: "وأنت قلتَ في قلبك أصعد إلى السّماوات، أرفع كرسيَّ فوق كواكب الله وأجلس على جبل الاجتماع ... وأصير مثل العَلِيّ" (13:14 – 14)، مقابل ذلك تصرّف المخلِّص ضدّه بروحٍ مُتَضعٍ: "تعلّموا منّي لأنّي وديع ومتواضع القلب" (مت 29:11). هكذا نتعلّم ضرورة الهُروب من الكبرياء والالتجاء إلى الاتِّضاع.
الكبرياء خبيثة لأنّها تتلطّى في ظلّ الفضائل الَّتي نحرزها. عاتب شيخ أحد الإخوة على تكبّره، فأجاب الأخ: " إغفر لي يا أبي فإني لستُ متكبّرًا"، فقال له الشَّيخ: "يا ولدي، أيّ برهان تعطينا على تكبّرك أوضح من قولك: لست متكبّرًا"!
يمكننا أن نهرب من فخ الكبرياء، إذا كنّا عندما نشعر بأنّنا أحرزنا نجاحًا أو تقدُّمًا في أيّة فضيلة نقول كلمات بولس الرَّسول: "لستُ أنا بل نعمة الله الَّتي معي“، "ولكن بنعمة الله أنا ما أنا" (1 كو 10:15)، و"أنّ الله هو العامل فينا أن نريد وأن نعمل من أجل مسرته" (في 13:2). يقول الرَّبّ يسوع: "الَّذي يثبت فيّ وأنا فيه هذا يأتي بثمرٍ كثير لأنّكم بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئًا" (يو 5:15) "وإن لم يَبنِ الرَّبُّ البيت فباطلًا يتعب البنّاؤون، وإن لم يحرس الرَّبُّ المَدينة، فباطلًا يسهر الحارسون، وباطلٌ هو لكم أن تُبَكِّروا إلى القيام" (مز 1:127، 2)، "إذن ليس لمن يشاء ولا لمن يسعى بل الله الَّذي يَرْحَم" (رو 16:9). فليرحمنا الله من هذه الخطيئة وليُعطِنا روحَ التَّواضع، آمين.