نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
الأحد 20 كانون الأوّل 2020
العدد 51
الأحد قبل عيد الميلاد
اللّحن 3- الإيوثينا 6
أعياد الأسبوع: *20: تقدمة عيد الميلاد، أغناطيوس المتوشّح بالله أسقف أنطاكية مدينة الله العظمى *21: الشّهيدة يولياني وثاميستوكلاوس *22: الشَّهيدة أناستاسيَّا *23: الشّهداء العشرة المستشهدون في كريت *24: بارامون ميلاد المسيح، الشّهيدة في البارّات أفجانيّا *25: ميلاد ربّنا وإلهنا ومخلّصنا يسوع المسيح بالجسد *26: عمّانوئيل الإلهيّ، عيد جامع لوالدة الإله، الشّهيد آفثيميوس.
كلمة الرّاعي
رسالة الميلاد
”لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْنًا، وَتَكُونُ الرِّئَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيبًا، مُشِيرًا، إِلهًا قَدِيرًا، أَبًا أَبَدِيًّا، رَئِيسَ السَّلاَمِ...“ (إشعياء 9: 6)
تنبَّأ إشعياء عن ميلاد الرّبّ، وأخبرنا الكثير عن الآتي ”عمّانوئيل“ ليسكن بيننا ويكون لنا إلهًا ونحن شعبه. كلّ ما تحدَّث به الأنبياء عنه قد أتمّه. هو جاء ليهبنا ملكه الأبديّ وحياته وحبَّه... ”اَلشَّعْبُ السَّالِكُ فِي الظُّلْمَةِ أَبْصَرَ نُورًا عَظِيمًا. الْجَالِسُونَ فِي أَرْضِ ظِلاَلِ الْمَوْتِ أَشْرَقَ عَلَيْهِمْ نُورٌ“ (إشعياء 9: 2). لقد أشرق النّور فهيَّا يا مؤمنون، فلننهض من سُبات عبوديّتنا لـ ”شَهْوَةَ الْجَسَدِ، وَشَهْوَةَ الْعُيُونِ، وَتَعَظُّمَ الْمَعِيشَةِ“ (1 يوحنّا 2: 16). لا نَنَامَنَّ فيما بعد إلى ظلمة هذا الدَّهر. هذا النّور ليس موضوعًا فيزيائيًّا نتكلّم عنه، إنّه نور الحقّ في الحبّ الإلهيّ الّذي انكشف لنا في يسوع المسيح الإله المتجسَّد الظّاهر لنا طفلًا مضجعًا في مذود حقير في مغارة. بعيدًا عن نور المسيح الكون ظلام دامس لأنّ الله هو النّور والحياة. للأسف، ما زال الكثيرون يسلكون في الظّلمة ويجلسون في أرض ظلال الموت. البشرية تئنّ من المواتيَّة الّتي تحيا فيها. لا تجدُّد في حياة النّاس، بل انغماس من موت إلى موت بسبب انحراف البوصلة الوجدانيّة الكيانيّة الإنسانيّة في الإنسان المعاصِر. طغت روح الدَّهريَّة وقُتِلَت حياة القلب بحجة الحبّ نفسه، إذ تحوَّل الحبّ في منظومة الحياة الاستهلاكيّة إلى طلب للَّذَّة الذَّاتيَّة لأنّ الغاية هي إرضاء الإنسان نفسه، ومن خلال إرضائه لنفسه يتعاطى مع الآخَر. لم يعد موضوع الحبّ هو المحبوب بل الأنا. الأنا هي المحبوب، والـ“محبوب“ هو أداة استهلاكيّة لأجل الأنا.
* * *
المسيح أتى وأظهر لنا الآب والحقّ كلّه. من يؤمن بالإله المتجسِّد، بـ ”سرّ التواضع الأقصى“ وبـ ”سرّ التقوى“، لا تعود محبّته منغلقة على ذاته بل يكون منفتح الكيان لتلقُّف حضور الله وتجلّياته في الخليقة كلّها، وبالتّالي يصير مرتبطًا بسرّ الوحدة مع كلّ من وما هو موجود، لأنّ الله تجسَّد وهو متَّحد بخليقته في سرّ حبّه غير المدرك، من الَّذين يرفضون أن يقبلوه ملكًا على قلوبهم...
المسيح هو رأسنا ونحن جسده. لا قرار لنا من عندنا، بل ما يعطينا إيّاه نفعله. هو الفاعل فينا والعامل لأنَّنا ”به نحيا ونتحرَّك ونوجد“ (أعمال 17: 28). هو علّمنا بتجسُّده الاتّضاع الكلّيّ، وأنّ الحبّ لا قيود تكبّله لأنّه مصدر الحريّة الحقيقيّة والحقّانيّة. العالم بحاجة إلى الرّبّ يسوع لأنّه بحاجة إلى الحبّ. فما هو دورنا كمؤمنين بالمسيح الإله؟ أوصانا الرّبّ قائلًا: ”وَتَكُونُونَ لِي شُهُودًا فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى الأَرْضِ“ (أعمال 1: 8). شهودًا له بماذا؟!... بأنّه هو الإله وقد تنازل وأتى إلينا وشاركنا طبيعتنا البشريّة وعلّمنا كيف نصير بشرًا على قلب الله، ووهبنا القوّة والنعمة الَّتي تؤهّلنا لنحقِّق مشيئته فينا ونسلك بوصاياه الَّتي هي ”كلام الحياة الأبديّة“ (يو 6: 68).
* * *
أيُّها الأحبَّاء، يأتينا عيد الميلاد، هذه السّنة، ونحن محاطون بضيقات متعدِّدة من وباء كوفيد 19 إلى الوضع الاقتصادي والمالي المتدهور في البلد إلى خطر انهيار الدّولة والوطن ... هذا كلّه بسبب فساد الحكام والشّعب، بسبب بعد البشر عن الحقّ والإيمان ومخافة الله ومحبّته. الخطيئة تجلب الدَّمار، ومن يتعلَّق بحبّ الدّنيا يخسر إنسانيّته لأنّه يعيش لأجل التّراب والرّماد.
نحن لسنا يائسين، إنّنا أبناء الرّجاء. المسيح الإله لم يأتِ إلَّا ليهبنا حياة أفضل في سرّ الحبّ الَّذي كشفه لنا في ذاته من المذود إلى الصَّليب في سرّ التّواضع والبذل الكلّيّ إلى أن مجَّدنا في ذاته بالقيامة والصُّعود والعنصرة، وسيمجّدنا أيضًا معه في مجيئه الثاني الرّهيب. من يختبر الحياة بدون المسيح ويعطيه الرّبّ أن يعرفه، يدرك أنّ الحياة لا تقوم إلّا في يسوع المسيح الظّاهر لنا طفلًا في مذود حقير ليرفعنا من واقعنا السّاقط ويهبنا حياته الأبديّة في سرّ اختبارها منذ الآن في سرّ المحبَّة الفاعلة بالّصلاة والعطاء والاتّضاع والوداعة والتّعهُّد ومشاركة الخيرات الرّوحيّة والمادّيّة والمسامحة والاستغفار والتّوبة...
الرَّبُّ يغلب فينا ويجدِّد عالمنا حين نقبل أن نولد منه في سرّ ظهوره لنا طفلًا، أي حين نقبل أن نُفرِغَ أنفسنا ممّا ليس منه لنتقبّل نعمته الَّتي تلدنا فيه على صورته ثابتين وأمناء للحقّ الإلهيّ أي لكلمته ووصيّته في أن نحبّ بعضنا بعضًا ليعرف العالم أنّنا تلاميذه (راجع يو 13: 35).
العالم يحتاج إلى المسيح، العالم يحتاج إلى المسيحييِّن ليصير مكانًا أفضل. فقط يسوع عَلَّمَنَا الحبّ ووهبنا سرَّه بنعمته الإلهيّة. من ينغلق على ذاته وحاجاته وملذّاته ومقتنياته وأفكاره وجماعته يكون كهيرودس الَّذي يطلب قتل المسيح الملك المولود طفلًا لأنّه يخاف على ملكه.
ميلاد المسيح حرَّرَنا، وأطلقَنا في حياة جديدة ملؤها نور الحبّ الّذي يطرد ظلمة البغضاء ومعرفة الحقّ الّتي تعتق الإنسان من شرّ الباطل ونعمة التّواضع الّتي تطهِّر القلب والكيان من رجاسة الكبرياء.
دعاؤنا، اليوم، إلى طفل المغارة أن يرفع، عنّا وعن بلادنا وعن العالم أجمع، كلّ ضيقة ويَهدي الحكّام إلى السّلوك في الحقّ وإنصاف المسكين والبائس واليتيم والأرملة والموظّف والعامل وصاحب المؤسّسة...، وأن يقوموا بما أُعطي لهم من فوق أن يتمّموه لئلّا يجلبوا على أنفسهم وذريتهم هلاكًا وتأديبًا بسبب عنادهم وصلفهم وأنانيّتهم.
ميلاد مجيد بتجدُّد قلوبنا وأفكارنا وسلوكنا وحياتنا وعالمنا على صورة ومثال الإله المتجسِّد ...
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما
طروباريّة القيامة (باللَّحن الثّالث)
لِتفرحِ السَّماوِيَّات. ولتَبتَهِجِ الأرضِيَّات. لأنَّ الرَّبَّ صنعَ عِزًّا بساعِدهِ. ووَطِئَ المَوْتَ بالمَوْت. وصارَ بِكرَ الأموات. وأنقذَنا من جَوفِ الجحيم. ومَنَحَ العالمَ الرَّحمةَ العُظمى.
طروباريّة تقدمة عيد الميلاد (باللحن الرّابع)
استعدّي يا بيت لحم، فقد فُتِحَتْ عدنُ للجميع، تهيَّإي يا إفراثا، لأنّ عود الحياة قد أزهر في المغارة من البتول، لأنّ بطنها قد ظهر فردوسًا عقليًّا، فيه الغرس الإلهيّ، الّذي إذ نأكل منهُ نحيا ولا نموت مثل آدم، المسيحُ يولَدُ مُنهضًا الصّوَرة الّتي سقطتْ منذ القديم.
طروباريّة أحد الآباء(باللحن الثاني)
عظيمةٌ هي أفعالُ الإيمان، لأنَّ الفتيةَ الثَّلاثةَ القدّيسين قد ابتهجوا في يَنبوعِ اللَّهيب كأنّهم على ماءِ الرَّاحة، والنَّبيَّ دانيال ظهر راعيًا للسِّباعِ كأنّها غنم. فبتوسّلاتِهم أيّها المسيحُ الإلهُ خلّصْ نفوسَنا.
قنداق تقدمة الميلاد (باللّحن الثّالث)
اليومَ العذراءُ تأتي إلى المَغارة لِتَلِدَ الكلمةَ الّذي قبل الدّهور ولادةً لا تُفسَّر ولا يُنطق بها. فافرحي أيّتها المَسكونة إذا سمعتِ، ومَجِّدي مع الملائكة والرُّعاة الّذي سيظهر بمشيئته طفلًا جديدًا، وهو إلهُنا قبلَ الدُّهور.
الرّسالة (عب 11: 9– 10، 32– 40)
مباركٌ أنتَ يا ربُّ إلهَ آبائنا
لأنَّكَ عدلٌ في كلّ ما صنعتَ بنا
يا إخوةُ، بالإيمانِ نَزَل إبراهيمُ في أرضِ الميعاد نزولَهُ في أرضٍ غريبةٍ، وسكَنَ في خيامٍ معَ إسحقَ ويعقوبَ الوارثَينِ مَعَهُ لِلموعِدِ بِعَينِه، لأنَّهُ انتظرَ المدينةَ ذاتَ الأُسُسِ الّتي الله صانِعُها وبارئُها. وماذا أقولُ أيضًا. إنّه يَضيقُ بِيَ الوقتُ إنْ أَخبرتُ عن جِدعَونَ وباراق وشمشونَ ويَفتاحَ وداودَ وصموئيلَ والأنبياء، الّذينَ بالإيمانِ قَهَرُوا الممالِكَ وعَمِلُوا البِرَّ ونالُوا المواعدَ وسَدُّوا أفواهَ الأُسُود، وأَطفأُوا حِدّةَ النّارِ وَنَجَوا مِن حَدِّ السّيف، وتَقَوَّوا مِن ضعفٍ وصاروا أَشِدّاءَ في الحرب، وكَسَرُوا مُعَسكَراتِ الأجانب، وأَخذَتْ نساءٌ أمواتَهُنَّ بالقيامة. وَعُذِّبَ آخَرُونَ بِتَوتيرِ الأعضاءِ والضَّرب، ولم يَقبَلُوا بالنَّجاةِ لِيَحصُلُوا على قِيامةٍ أفضل. وآخرون ذاقوا الهُزءَ والجَلْدَ والقُيودَ أيضًا والسِّجن، ورُجِمُوا وَنُشِرُوا وامتُحِنوا وماتوا بِحَدِّ السّيف، وساحوا في جُلودِ غَنَمٍ ومَعَزٍ، وهم مُعْوَزُونَ مُضايَقُونَ مَجهُودُون، (ولم يكن العالم مُستحقًّا لهم). وكانوا تائهين في البراري والجبال والمغاورِ وكهوفِ الأرض. فهؤلاء كلُّهم، مَشهُودًا لهم بالإيمان، لم ينالوا الموعد، لأنّ الله سَبَقَ فنظرَ لنا شيئًا أفضل، أن لا يَكمُلُوا بِدُونِنا.
الإنجيل (مت 1: 1– 25)
كتابُ ميلادِ يسوعَ المسيحِ ابنِ داودَ ابنِ إبراهيم. فإبراهيمُ وَلدَ إسحقَ وإسحقُ ولدَ يعقوبَ ويَعقوبُ ولد يهوذا وإخوتَه، ويهوذا ولدَ فارصَ وزارحَ من تامار. وفارصُ ولد حصرونَ وحصرونُ ولد أرامَ وأرامُ ولدَ عَمّينادابَ، وعَمّينادابُ ولد نَحْشُونَ ونحشونُ ولدَ سَلْمُونَ وسَلْمُونُ ولد بُوعَزَ مِن راحاب، وبُوعزُ ولدَ عُوبِيدَ مِن راعوث، وعُوبِيدُ ولدَ يَسّى، ويَسّى ولدَ داودَ الملك، وداودُ الملكُ ولدَ سليمانَ مِن الّتي كانَت لِأُورِيّا، وسليمانُ ولدَ رَحْبَعامَ ورَحْبَعامُ ولدَ أَبِيّا، وأَبِيّا ولد آسا، وآسا ولدَ يُوشافاطَ ويُوشافاطُ ولد يُورامَ ويُورامُ ولد عُزِّيّا، وعُزِّيّا ولد يُوتامَ ويُوتامُ ولد آحازَ، وآحازُ ولد حَزقِيّا، وحَزقِيّا ولد منسّى ومنسّى ولد آمون، وآمونُ ولد يُوشِيّا، ويُوشِيّا ولد يَكُنْيا وإخوتَهُ في جَلاءِ بابل. وَمِن بَعدِ جَلاءِ بابل، يَكُنْيا ولد شألتَئيلَ وشألتئيلُ ولد زَرُبابلَ وزَرُبابلُ ولد أبيهودَ وأبيهودُ ولد أَلْياقيمَ وألياقيمُ ولد عازورَ وعازورُ ولد صادوقَ وصادوقُ ولد آخيمَ وآخيمُ ولد أليهودَ وأليهودُ ولد ألعازارَ وألِعازارُ ولد مَتَّانَ ومَتَّانُ ولد يعقوبَ، ويعقوبُ ولد يوسفَ رجلَ مريمَ الّتي وُلد منها يسوعُ الّذي يُدعَى المسيح. فكلُّ الأجيالِ مِن إبراهيمَ إلى داودَ أربعةَ عشرَ جيلًا، ومن داودَ إلى جلاءِ بابلٍ أربعةَ عشرَ جيلًا، ومِن جَلاءِ بابلَ إلى المسيحِ أربعةَ عشرَ جيلًا. أمّا مولدُ يسوعَ المسيحِ فكان هكذا: لمَّا خُطبت مريمُ أمُّهُ ليوسفَ وُجدتْ من قبلِ أنْ يجتمعا حُبلى من الرّوح القدس. وإذ كان يوسفُ رجلُها صدّيقًا ولم يُرِد أنْ يَشْهَرَها همَّ بتخْلِيَتِها سِرًّا. وفيما هو مُتَفَكِّرٌ في ذلك، إذا بملاكِ الرَّبّ ظَهَرَ لهُ في الحُلم قائلًا: يا يوسفُ ابنَ داود، لا تَخفْ أنْ تأخذَ امرأتَك مريم، فإنَّ المولودَ فيها إنَّما هو من الرّوح القدس، وستلِدُ ابنًا فتُسميّهِ يسوع، فإنَّهُ هو يخلِّصُ شعبهُ من خطاياهم. (وكان هذا كلُّهُ ليتمَّ ما قِيلَ مِنَ الرَّبّ بالنَّبيِّ القائل: ها إنَّ العذراءَ تَحبَلُ وتَلِدُ ابنًا ويُدعى عِمَّانوئيل، الّذي تفسيرُهُ الله معنا)، فلمَّا نهض يوسفُ مِنَ النّوم صَنعَ كما أَمَرَهُ ملاكُ الرَّبّ، فأخَذَ امرأتَهُ، ولم يعرِفْها، حتَّى وَلَدَتِ ابنَها البكرَ وسمَّاهُ يسوع.
حول الإنجيل
في هذا الأحد الّذي يسبق ميلاد ربّنا يسوع المسيح بالجسد، تتلو الكنيسة المقدّسة على مسامعنا مجموعة من أسماء النّساء والرّجال الّذين كانوا أوفياء لوعد الله، كما هو مسلَّم إلينا من العهد القديم. نقرأ نسب السّيّد المسيح في إنجيل متّى (متى 1: 1-25)، ونتعرّف على بعض هؤلاء النّاس من العهد القديم الّذين كانوا جزءًا من تدبير الله وتحضيره البشريّة لسرّ التّجسّد الإلهيّ. أجيال وأجيال يمهّدون الطّريق للرّبّ، ورغم ذلك لم ينالوا الموعد! نعم، نقرأ في رسالة اليوم إلى العبرانيّين (عبرانيّين 11: 9-10 ، 17-23 ، 32-40) أنّ هؤلاء الأشخاص الّذين كانوا مخلصين لله، رغم معاناتهم وجهاداتهم، فإنّهم لم ينالوا ما وعدهم به الله، لم يعش أحد منهم ليرى تحقيق الوعد، ومع ذلك ظلّوا أوفياء لله. يتكلّم القدّيس غريغوريوس بالاماس على هذا النّسب أنّه نوع من تنقيةٍ للبشريّة، تنقلنا ببطء من العصيان الجدّيّ لحوّاء وآدم إلى زمن العذراء المقدّسة الّتي يتجسّد منها الكلمة الابن.
وإذا ما درسنا حياة هؤلاء الأشخاص المذكورين في نسب يسوع، سوف نتعلّم عن أسلافنا الرّوحيّين مدى صعوبة الجهاد للبقاء على الوعد والإيمان به، فهؤلاء الأشخاص الّذين كانوا مزارعين ورعاة وأغنياء وعبيدًا ونجّارين وجنودًا ومُلوكًا وحُكماءَ وموسيقيّين وشعراءَ وأغنياءَ وفقراءَ ورسلًا ومرتدّين، مؤمنين وخائنين وزناة وخطاة وقدّيسين... كلّهم آمنوا بالوعد، فصبر الله عليهم ليتوبوا ويتقرّبوا منه أكثر فأكثر، حتّى وصلنا إلى المفاجأة العظيمة: أنّ الله نفسه تجسّد من مريم العذراء! لقد صار الله مثلنا في التّجسُّد، صار واحدًا منا، اتّخذ شكلًا بشريًّا، لينتشلنا من خطايانا ويغيّر شكل إنسانيّتنا لنصير مثله، ونصير أبناءً له بالتّبنّي، فهل نحن سننال هذا الموعد؟
يعتبر المؤمنون أنّ عيد الميلاد هو عيد عائليّ، وهذا صحيح، ولكن لا ننسينّ أنّ العائلة تشمل كلّ أولئك الّذين آمنوا بالله ومهّدوا الطّريق لنا أيضًا للإيمان! فلنتذكّر تلك العائلة في عيد الميلاد، ولنعمل أن نبقى نحن ضمن هذه العائلة بإيماننا، وتوبتنا، وجهادنا المستمرّ، وعملنا الدّؤوب على جعل قلوبنا مذودًا طاهرًا يستقبل السّيّد لنستحيل على مثال والدة الإله "عرشًا شيروبيميًّا"، ومذودنا "محلًّا شريفًا" يقدّسنا ويخلّصنا بحلول ملك المجد فيه، "فلنسبّحه معظّمين" هاتفين "المسيح يولد فمجّدوه، المسيح يأتي من السّمَوات فاستقبلوه، المسيح على الأرض فارتفعوا"!
عيد ميلاد ربّنا وإلهنا ومخلّصنا يسوع المسيح بالجسد
قال القدّيس أثناسيوس الكبير: "الله صار إنسانًا"، (بالتّجسّد) ليصير الإنسان إلهًا. هدف الميلاد الأساس هو الخلاص، وشفاء الطّبيعة البشريّة الّتي فسدت ومرضت بخطيئة الجدَّيْن الأوَّلَيْن آدم وحوّاء. الملاك قال للرُّعاة "وُلد لكم اليوم مُخلِّص هو المسيح الرَّبّ". وفي قصّة زكا العشّار نسمع هذا القول "ابن الإنسان جاء يطلب ويخلّص ما قد هلك". هذا الخلاص كان إتمامًا للوَعد الإلهيّ بعد السّقوط مباشرةً بأنْ "سيأتي (المسيح) من نسل المرأة (والدة الإله مريم) من يسحق رأس الحيّة (الشّيطان)". وظلَّت البشريّة تنتظر هذا الخلاص مئات السِّنين والحيّة رافعة رأسها إلى أن "حان ملء الزّمان". هذا الخلاص المنتظر من زمنٍ بعيدٍ أوحى به سمعان الشّيخ حين تقبّل المولود الإلهيّ بين ذراعيه وقال "الآن تطلق عبدك أيّها السّيّد بسلام لأنّ عينيّ قد أبصرتا خلاصَكَ...". ولئن كان هذا الخلاص قد تمّ على الصّليب، لكنّ موكب هذا الخلاص بدأ بالميلاد. النّقطة الثّانية في عيد الميلاد التّواضع العظيم وإخلاء الذّات. لمّا كانت الخطيئة الّتي أسقطت الإنسان الأوّل هي الكبرياء (تصيران مثل الله عارفين الخير والشّرّ) كانت الفضيلة الأبرز في حدث الميلاد تواضع آدم الثّاني وإخلائه لذاته كيف؟ أخذ صورة العبد وولد في إسطبل البهائم كأحقر النّاس إذ لم يكن له موضع في البيت، ولد من إمّ فقيرة متّضعة "لأنّه نظر إلى تواضع أمَتِهِ" في قريةٍ صغيرة اسمها بيت لحم "وأنتِ يا بيت لحم لست الصّغرى في مدن يهوذا"، هي صغرى لكن الرَّبّ جعلها كبيرة حين وُلِدَ فيها. وُلِدَ بغير مظاهر الرّفاهيّة والعظمة على الإطلاق في الوقت الّذي كان يستطيع فيه لو أراد أن يأتي على مركبة شاروبيم وأجنحة ملائكة وسحاب السّماء. حتّى الّذين أتوا للتّهنئة بهذا الميلاد جماعة بسيطة من الرّعاة الفقراء المساكين وبعض الغرباء كالمجوس. بالخُلاصة قصّة الميلاد هي قصّة حبّ. حبّ الخالق لخليقته الضّائعة والتّائهة لإرجاعها إليه "هكذا أحبّ الله العالم حتّى إنّه بذل ابنه الوحيد لكي لا يُهلِك كلّ من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبديّة". المسيح أحبّ الإنسان المحكوم عليه بالموت فشاء وبسبب هذا الحبّ أن يأتي ليحمل خطيئته ويموت نيابة عنه لكي يُعيده من جديد لرتبة البُنُوَّة، "أنظروا أيّة محبّة أعطانا الآب حتّى نُدعى أولاد الله" (١ يوحنّا ١:٣).
أخبارنا
X برنامج صلوات صاحب السّيادة في عيد الميلاد المجيد في كاتدرائيّة القدِّيس نيقولاوس العجائبيّ
الخميس في 23/12/2020: بارامون العيد أي صلوات السّاعات والغروب مع قدّاس القدّيس باسيليوس الكبير. تبدأ الخدمة السّاعة 9.00 صباحًا.
الجمعة في 25/12/2020: عيد ميلاد ربّنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح بالجسد. تبدأ السّحريّة السّاعة 8.30 صباحًا ويليها القدّاس الإلهيّ السّاعة 10.00.
X معايدة وإعتذار عن استقبال المهنئين في الأعياد
يُعايد صاحب السّيادة راعي الأبرشيّة المتروبوليت أنطونيوس (الصّوري) إكليروس ورهبان وراهبات الأبرشيّة وجميع أبناء الرّعايا بعيدَي الميلاد والسّنة الجديدة، داعيًا للجميع بالخير والبركة وأن يرفع الرّبّ عن عالمه وبلادنا الضّيقات الحاضرة ويهبنا زمنًا جديدًا في سلام وازدهار.
وبهذه المناسبة، يعتذر سيادته عن استقبال المهنّئين بعيدَي الميلاد المجيد والسّنة الجديدة نظرًا لظروف الوباء الرّاهنة.
X رسامة الشّماس نكتاريوس إبراهيم كاهنا للرَّبّ
”كَهَنَتُكَ يَا رَبُّ يَلْبَسُونَ الْبِرَّ، وَأَبْرَارُكَ يَتَهَلَّلُون“ (مزمور 132: 9)
بنعمة الله ومشيئته، وبوضع يد صاحب السّيادة راعي الأبرشيّة المتروبوليت أنطونيوس (الصوري) الجزيل الاحترام، ستتم رسامة الشّماس نكتاريوس (إبراهيم) كاهنًا لله العليّ على مذبح كاتدرائيّة القدّيس نيقولاوس العجائبيّ-الميدان، وذلك خلال القدّاس الإلهي بمناسبة العيد الجامع لوالدة الإله، وذلك يوم السبت الواقع فيه 26 كانون الأول 2020. تبدأ السّحريّة السّاعة 8.30 صباحًا يليها القدّاس الإلهيّ عند العاشرة.
نظرًا للظّروف الرّاهنة، وحفاظًا على السّلامة العامّة وسلامة المؤمنين، وبناء على قرار وزير الدّاخليّة الّذي يحدِّد إمكانيّة تواجد ما يوازي الثّلاثين بالمئة من القدرة الاستيعابيّة للكنيسة، فإنّنا نرجو من المؤمنين الأحبّاء متابعة الخدمة على صفحة الأبرشيّة للفايسبوك. على أن يلتقي الكاهن الجديد بالمؤمنين في القداديس اللّاحقة بحسب النّظام المُتَّبَع في هذا الظّرف.
ليكن اسم الرّبِّ مباركًا من الآن وإلى الدّهر...