نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
الأحد 12 نيسان 2020
العدد 15
أحد الشّعانين
أعياد الأسبوع: *12: باسيليوس المُعترف أسقف ڤارية، أكاكيوس الآثوسيّ *13: الإثنين العظيم، مرتينوس المُعترف بابا رومية *14: الثّلاثاء العظيم، أريسترخس وبوذس وتروفيمس وهم من الرُّسل السَّبعين *15: الأربعاء العظيم، الشَّهيد كريسكس *16 :الخميس العظيم، الشَّهيدات أغابي وإيريني وشيونيَّة الأخوات العذارى، القدّيسة غالينيه *17: الجمعة العظيم، الشّهيد في الكهنة سمعان الفارسيّ ورفقته *18: سبت النّور، البارّ يوحنَّا تلميذ غريغوريوس البانياسيّ.
كلمة الرّاعي
هوشعنا في العُلَى
"إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُحِبُّ الرَّبَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ فَلْيَكُنْ أَنَاثِيمَا! مَارَانْ أَثَا" (1 كورنثوس 16: 22)
"مَارَانْ أَثَا" عبارة آرامية معناها: "تعال أيّها الرّبّ" أو "تعال يا ربّنا" أو "ربّنا قد أتى" أو "الرّبّ يأتي". هل يمرّ يوم علينا لا يأتي فيه الرّبّ؟! ... الرّبّ آتٍ باستمرار ودومًا إلينا. السّؤال هو: هل نحن ننتظر الرّبّ؟ هل نتحضَّر لاستقباله؟ ما الَّذي نقوم به لنكون مستعدِّين لمجيئه؟ ... الجواب على الأسئلة السّالفة هو: هل نحبّ الرّبّ؟. نعم الجواب هو هذا السّؤال الَّذي ينتظر إجابة منَّا. من لا يحبّ الرّبّ كيف ينتظره؟ كيف يطلبه؟ ...
سؤال آخَر توضيحيّ: كيف نعرف أنّنا نحبّ الرّبّ؟ كيف نقول للرّبّ بأنّنا نحبّه؟ الرّبّ يسوع المسيح هو يُجيبنا: "اَلَّذِي عِنْدَهُ وَصَايَايَ وَيَحْفَظُهَا فَهُوَ الَّذِي يُحِبُّنِي، وَالَّذِي يُحِبُّنِي يُحِبُّهُ أَبِي، وَأَنَا أُحِبُّهُ، وَأُظْهِرُ لَهُ ذَاتِي (...) اَلَّذِي لاَ يُحِبُّنِي لاَ يَحْفَظُ كَلاَمِي" (يوحنّا 14: 21 – 24).
ما هي وصايا الرّبّ؟ من يقرأ العظة على الجبل (أنظر متّى 5 - 7) يجد إجابات. من هذه الوصايا، يطيب لي أن أذكر الآتية فقط: "لاَ تَدِينُوا لِكَيْ لاَ تُدَانُوا، (...) وَلِمَاذَا تَنْظُرُ الْقَذَى الَّذِي فِي عَيْنِ أَخِيكَ، وَأَمَّا الْخَشَبَةُ الَّتِي فِي عَيْنِكَ فَلاَ تَفْطَنُ لَهَا؟ (...) لاَ تُعْطُوا الْقُدْسَ لِلْكِلاب، وَلاَ تَطْرَحُوا دُرَرَكُمْ قُدَّامَ الْخَنَازِيرِ، لِئَلَّا تَدُوسَهَا بِأَرْجُلِهَا وَتَلْتَفِتَ فَتُمَزِّقَكُمْ" (متّى 7: 1 - 6). أهمّيّة هذه الآيات-الوصايا أنّها تسلِّط الضّوء على أخطر خطيئة عند الإنسان تكشف كبرياءه وأنانيّته ألا وهي روح الدّينونة المُترافِقَة مع عدم الإدراك لنعمة الله الّتي يمنحها الرّبّ للمؤمنين به والاستهتار بها ... هذا هو الإنسان الَّذي لا يحبّ الرّبّ يسوع، لأنّه ابن دينونة الآخَر ...
* * *
من يريد أن يستقبل الرّبّ يسوع المسيح ملكًا على حياته وسيِّدًا، لا بدّ له أن يكون ابن الطّاعة للوصيّة. هذا هو الطّريق الوحيد لنفتح للرّبّ أبواب أورشليم- قلوبنا. بالطّاعة نفرش مشيئتنا أمام الرّبّ ليدوس عليها، أي لنُعَبِّرَ عن تَخَلِّينا الكلّيّ عنها وإسلامنا الطَّوعيّ التّامّ لحياتنا إلى المعلِّم. مؤلمٌ إتّباع المخلِّص، لأنّه يريد أن يخلّصنا من إنساننا العتيق، "لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا قَدْ صِرْنَا مُتَّحِدِينَ مَعَهُ بِشِبْهِ مَوْتِهِ، نَصِيرُ أَيْضًا بِقِيَامَتِهِ" (رومية 6: 5). هذا هو الطّريق المؤدِّي إلى الحياة، أي إلى دخول الرَّبّ ملكًا ظافرًا على قلوبنا. من يتمسَّك بذاته كما هي في ضعفاتها وعقدها وشرورها لا يريد المسيح، هو يريد سلطةً مبنيَّةً على الرّياء مُتَجلبِبَةً برداء التّقوى والبّرّ والتّكريس الظّاهريّ للرّبّ أمام أعين البشر، لأنّه يطلب مجد النّاس ... وهذا خطير جدًّا ... وَلاَ عَجَبَ. لأَنَّ الشَّيْطَانَ نَفْسَهُ يُغَيِّرُ شَكْلَهُ إِلَى شِبْهِ مَلاَكِ نُورٍ! فَلَيْسَ عَظِيمًا إِنْ كَانَ خُدَّامُهُ أَيْضًا يُغَيِّرُونَ شَكْلَهُمْ كَخُدَّامٍ لِلْبِرِّ. الَّذِينَ نِهَايَتُهُمْ تَكُونُ حَسَبَ أَعْمَالِهِمْ" (2 كورنثوس 11: 14 – 15).
* * *
أيُّها الأحبّاء، في هذا الظّرف التّاريخيّ الَّذي نمرّ به في بلادنا ويمرّ فيه العالم أجمع، مطلوب منّا التّعاون والتّعاضد لنعبر هذه المرحلة الدّقيقة. مطلوب منّا التّجاوب مع إجراءات الجهات الرّسميّة لخيرنا وخير المجتمع. نحن دخلنا مسيرة آلام الرّبّ منذ بدء تدابير حظر التّجمّعات، ولكن، فلنسلك هذه المسيرة مع الرّبّ عبر سعينا لنحبّه أكثر من خلال تعلّم كلمته الإلهيّة الّتي في الإنجيل، وبتقبّلنا واحدنا للآخَر، بدخولنا في عمق الصّلاة، وبوُلوجنا جهاد التّوبة الجِدّيّ، بتحسُّسنا لضعفات بعضنا البعض من خلال الرّأفة والتّعاطف ليسند القويّ الضّعيف، ولنُطِع الكنيسة وآباء مجمعها المقدَّس "لأَنَّهُمْ يَسْهَرُونَ لأَجْلِ نُفُوسِكُمْ كَأَنَّهُمْ سَوْفَ يُعْطُونَ حِسَابًا، لِكَيْ يَفْعَلُوا ذلِكَ بِفَرَحٍ، لاَ آنِّينَ، لأَنَّ هذَا غَيْرُ نَافِعٍ لَكُمْ" (عبرانيين 13: 17). من يطيع لا يُحاسَب. من يسلك بعناد قلبه يُفْسِدُ طريقه.
ألا منحنا الرّبّ جميعنا صبرًا جميلًا بتعزية روحه القدّوس، لنستقبل المسيح سيّدًا وملكًا يتربّع على عرش قلوبنا، ولنتبعه في مسيرة آلامه بخلعنا إنساننا العتيق لنستحقّ أن نشاركه قيامته في الحياة الجديدة الّتي وهبنا إيّاها إذ قام من بين الأموات ...
ومن له أذنان للسّمع فليسمع ...
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما
طروباريّة الشّعانين الأولى (باللّحن الأوّل)
أيّها المسيحُ الإله لمّا أقمتَ لعازرَ من بين الأمواتِ قبلَ آلامك حقَّقتَ القيامةَ العامّةَ لذلك ونحن كالأطفال، نحملُ علامات الغلبة والظّفر صارخينَ نحوكَ يا غالبَ الموت: أوصنّا في الأعالي، مباركٌ الآتي باسمِ الرَّبّ.
طروباريّة الشّعانين الثّانية (باللّحن الرّابع)
أيها المسيحُ الإله، لمَ دُفنّا مَعكَ بالمعموديّة إستأهلنا بِقِيامتكَ الحياة الخالدة، فنحنُ نُسبّحُكَ قائلين: أوصنّا في الأعالي مُباركٌ الآتي باسم الرَّبّ.
قنداق أحد الشّعانين (باللَّحن السّادس)
يا مَنْ هُوَ جالِسٌ على العَرْشِ في السَّماء، وراكِبٌ جَحْشًا على الأرض، تَقَبَّلْ تَسابيحَ الملائِكَةِ وتماجِيدَ الأطفال، هاتِفينَ إليكَ أَيُّها المسيحُ الإله: مبارَكٌ أنتَ الآتي، لِتُعِيدَ آدَمَ ثانِية.
الرّسالة (في 4: 4– 9)
مُبَارَكٌ الآتِي باسْمِ الرَّبّ
اِعْتَرِفُوا للرَّبِّ فإنَّهُ صالِحٌ، وإنَّ إِلى الأبَدِ رَحْمَتَهُ
يا إخوةُ، افرَحُوا في الرَّبِّ كلَّ حينٍ، وأَقولُ أيضًا افرَحُوا. وَلْيَظْهَرْ حِلْمُكُم لجميعِ النَّاسِ فإنَّ الرَّبَّ قَرِيبٌ. لا تَهْتَمُّوا البَتَّةَ، بَلْ في كلِّ شيءٍ فَلْتَكُنْ طَلِبَاتِكُم مَعْلُومَةً لدى اللهِ بالصَّلاةِ والتَّضَرُّعِ مع الشُّكْرِ. وليَحْفَظْ سلامُ اللهِ الَّذي يَفُوقُ كُلَّ عقلٍ قلوبَكُم وبَصائِـرَكُم في يسوعَ المسيح. وبَعْدُ أَيُّها الإخوةُ، مهما يَكُنْ مِنْ حَقٍّ، ومهما يَكُنْ من عَفَافٍ، ومهما يَكُنْ من عَدْلٍ، ومهما يَكُنْ من طهارَةٍ، ومهما يَكُنْ من صِفَةٍ مُحَبَّبَةٍ، ومهما يَكُنْ من حُسْنِ صيتٍ، إِنْ تَكُنْ فَضِيلَةٌ، وإِنْ يَكُنْ مَدْحٌ، ففي هذه افتَكِرُوا. وما تَعَلَّمْتُمُوهُ وتَسَلَّمْتُمُوهُ وسَمِعْتُمُوهُ ورَأَيْتُمُوهُ فِيَّ فَبِهَذا اعْمَلُوا. وإلهُ السَّلامِ يكونُ مَعَكُم.
الإنجيل (يو 12: 1– 18)
قبلَ الفصحِ بستَّةِ أيَّامٍ، أَتَى يسوعُ إلى بيتَ عنيا، حيثُ كانَ لَعَازَرُ الَّذي ماتَ فأَقَامَهُ يسوعُ من بينِ الأموات. فصَنَعُوا لهُ هناكَ عشاءً، وكانت مرتا تخدِمُ، وكان لَعَازَرُ أَحَدَ الـمُتَّكِئِينَ معه. أَمَّا مريمُ فَأَخَذَتْ رِطْلَ طيبٍ مِن نارَدِينٍ خالِصٍ كثيرِ الثَّمَن، ودَهنَتْ قَدَمَيْ يسوعَ، ومَسَحَتْ قدمَيْهِ بشعرِها، فامْتَلأَ البيتُ من رائِحَةِ الطِّيب. فقالَ أَحَدُ تلاميذِه، وهو يهوذا بن سمعان الأسخريوطيُّ الَّذي كانَ مُزْمِعًا أَنْ يُسْلِمَهُ: لِمَ لَمْ يُبَعْ هذا الطِّيبُ بثلاثِمئةِ دينارٍ ويُعْطَ للمَساكين. وإنَّما قالَ هذا لا اهتمامًا منهُ بالمساكين، بل لأنَّهُ كانَ سارِقًا وكانَ الصُّنْدُوقُ عِندَهُ، وكانَ يحمِلُ ما يُلقى فيه. فقالَ يسوعُ: دَعْهَا، إنَّما حَفِظَتْهُ ليومِ دفني. فإنَّ المساكينَ هم عندَكُمْ في كلِّ حين وأمَّا أنا فلستُ عندَكُمْ في كلِّ حين. وعَلِمَ جمعٌ كثيرٌ من اليَهُودِ أنَّ يسوعَ هناك، فجاؤوا، لا مِنْ أَجْلِ يسوعَ فقط، بل لينظُرُوا أيضًا لَعَازَرَ الَّذي أقامَهُ من بينِ الأموات. فَائْتَمَرَ رُؤَسَاءُ الكَهَنَةِ أنْ يقتُلُوا لَعَازَرَ أيضًا، لأنَّ كثيرين من اليهودِ كانوا بسبَبِهِ يذهبونَ فيؤمِنُونَ بيسوع. وفي الغَدِ لـمَّا سَمِعَ الجَمْعُ الكثيرُ الَّذينَ جاؤوا إلى العيدِ بأنَّ يسوعَ آتٍ إلى أورشليمَ أَخَذُوا سَعَفَ النَّخْلِ وخرَجُوا للقائِهِ وهم يصرُخُونَ قائِلِينَ: هُوشَعْنَا، مُبَارَكٌ الآتي باسمِ الرِّبِّ ملكُ إسرائيل. وإِنَّ يسوعَ وَجَدَ جَحْشًا فَرَكِبَهُ كما هوَ مَكتوبٌ: لا تخافي يا ابنةَ صِهْيَوْن، ها إِنَّ مَلِكَكِ يأتيكِ راكِبًا على جحشٍ ابنِ أَتان. وهذه الأشياءُ لم يَفْهَمْهَا تلامِيذُهُ أوَّلًا، ولكن، لـمَّا مُجِّدَ يسوعُ حينَئِذٍ تَذَكَّرُوا أنَّ هذهِ إنَّما كُتِبَتْ عنهُ، وأنَّهُمْ عَمِلُوها لهُ. وكانَ الجمعُ الَّذينَ كانوا معهُ حين نادَى لَعَازَرَ من القبرِ وأقامَهُ من بين الأمواتِ يَشْهَدُونَ لهُ. ومن أجلِ هذا استقبَلَهُ الجَمْعُ لأنَّهُم سَمِعُوا بأنَّهُ قد صَنَعَ هذهِ الآيَة.
حول الإنجيل
"مباركٌ الآتي باسم الرَّبّ. الرَّبُّ هو الله وقد ظهر لنا".
عيد الشَّعانين هو عيدُ استقبال يسوعَ أيضًا في المدينة المُقدَّسة، في أورشليم، حيث الهيكلُ الحاوي حضورَ الله بين شعبَه، ليُصبح هيكلُ جسده على الصّليب المكانَ الّذي تتّحدُ فيه آلامُ الإنسانيّة بقيامة فاديها إذ يأخذُ ما هو لها ويعطيها ما هو له. الرُّوحُ القدسُ الّذي علّم الرُّسلَ النُّطق بألسنةٍ غريبةٍ، ألْهَمَ أطفال العبرانيّين الّذين لا يعرفون الشَّرّ أن يُدركِوا حقيقة الضّيف الكبير ويستقبلوه بأغصان الزّيتون والنَّخيل. اليوم يُوافي المُخلِّص إلى مدينةِ القُدس ليُكمّل النُّبوءات المقولةِ بشأنهِ، فحَمَلَ الجميعُ بأيديهم سَعَفًا وفرشوا له ثيابهم، عالمين أنّ الرّاكب على جحش هو عينُه الرّاكبُ على الشّيروبيم والمسبَّحُ من السّيرافيم! لقد قَبِلَ يسوعُ الخطأة والعشّارين والزُّناة والمرضى، وقَبِلَ أن يُضيفه زكّا العشّارُ في منزله… وقد اعتبر أنَّ من قَبِلَ أحد هؤلاء المُحتاجين وقدّم لهُ الخدمة الّتي يحتاجها إنّما قبلَهُ هو وخدمهُ…
وفي الإنجيل المُقدَّس، يسوعُ يلبّي دعواتِ النّاس إلى زيارتهم ويزور دار العازر وأختَيه وسمعان الأبرص ولكنّه يدعو آخرين إلى الحضور إليه أيضًا وزيارتهِ والسَّيْرِ معه على الدّروب بل والسّهرِ إلى جانبه في أوقات الحُزن والانفصال. معرفةُ وقتِ قدوم يسوعُ ومكانِ تواجُدِهِ شرطٌ أساسيٌّ لبناء صداقةٍ حقيقيّةٍ معه، فحينما طرح عليهِ أندراوسُ ورفيقُه ذاك السُّؤال الشَّهير:”رابّي، أين تقيمُ؟“ أجاب قائلًا: ”هَلُمّا فانظرا!“ وقد ”أقاما عنده ذلك اليوم“، وكانت تلك المبادرةُ بداية علاقةٍ متينةٍ بيسوع الّذي أرسله الآبُ لخلاصِ البشر. هذا وقد أوصانا الرَّبُّ غيرَ مرَّةٍ في الكتاب المقدَّس، بالسَّهرِ واليقظةِ وانتظارِ قدومهِ هو الحاضرُ والغائبُ في آنٍ.
اليوم أيُّها الاخوة نستقبلُ يسوعَ داخلًا إلى قُدس أقداسنا، إلى أورشليم الدّاخليّة، إلى قلوبنا وضمائرنا… عسانا نفرشُ له ثيابنا ونحيّيه بالفرح والبهجة… عساهُ يقلبُ موائد الكذب والرِّياء الّتي تملأ ساحاتِ هيكل قلبنا… عساهُ يطردُ باعة الهيكل الّذي يكثرُ فيه الفرّيسيّون والكتبةُ والمُراؤونَ!
صلاتُنا إلى الآتي باسم الرَّبّ، أن يُلَيّن أفئدتنا المتصلّبة بالخطيئة وعبادة الذّات ويمنحنا جُرأة أولئك الأطفال الّذين استقبلوه في دخوله إلى آلامه وقيامته.
الشّعانين
كلمة "الشَّعانين" تأتي من (هوشعنا) أوصنّا وتعني "يا ربُّ خلِّص" (متّى9:21). في أحد الشَّعانين تمَّتْ نبؤة النّبي زكريّا: "ها هو مَلِككِ (يا أورشليم) يأتيك راكبًا على أتان وجحش ابن أتان". الأتان ربّما ترمز للأمّة اليهوديّة حاملةً الشّريعة المُوسَوِيّة ولَوْحَيْ الوصايا (السَّيِّد المسيح)، وابن الأتان رمز للأمم الوثنيّين. هكذا سيَمْلُك الرَّبَّ على الكلّ يهودًا ووثنيّين. استقبل السَّيِّد بأغصان الزّيتون رمزًا للسَّلام الّذي جاء ينشره أثناء فترة تجسّده على الأرض، والزَّيتون يُذكِّرُنا أيضًا بحمامةِ نوح (تكوين 11:8). وحَمْلُ سعف النَّخيل كانت العادة عند عودة الملك بعد انتصاره على الأعداء. فكان هذا المنظر رمزًا للانتصار الّذي سيحقِّقهُ السَّيِّد على الشَّيطان وأعوانه حينما سيرتفع على الصّليب. هذا الأمر كان مَخْفِيًّا على الجموع الّتي لاقَتْ السَّيِّد حينها، لأنّ نظرتها للأمر كانت لا تتعدّى كون الرَّبّ سيمنحهم صَكًّا بأنّه سيَملُك عليهم ملكًا زمنيًّا أرضيًّا مُحرِّرًا إيّاهم من سلطة الرُّومان. وللمُفارَقَة نجد أنّ هؤلاء الّذين كانوا قد أظهروا ودًّا للسَّيِّد المَسيح وتحالُفًا معه ضِدَّ الرُّومان يوم الشَّعانين، سنراهم ينقلبون عليه يوم الأربعاء ثمّ يهتفون "اصلُبْهُ اصلبه" وسيتوسَّلون لدى الرُّومان لتنفيذ هذا الحُكم. في يوم الشَّعانين كان موقف الأطفال المُستقبلين له بين الجموع، هو الموقف السَّليم البَريء الحقيقيّ: "إن لم ترجعوا وتصيروا كالأطفال لن تدخلوا ملكوت السّماوات" (متّى 3:18). أعطنا يا ربُّ براءة الأطفال وعُنفوان الشّباب وحكمة الشّيوخ. السَّيِّد يسند رأسه في القلوب الطّاهرة البريئة النَّقيّة "شماله تحت رأسي ويمينه تعانقني" (نشيد الأنشاد 3:8). الدَّرس الرُّوحيّ الّذي نستقيه من عيد الشّعانين أنَّ السَّيِّد المسيح يريد أن يملك على قلبك دون أن يزاحمه فيه إلهٌ آخَر أو صنم (الذّات، السُّلطة، الكبرياء، المال، الأنانيّة...)، وأنت لن تُفْسِح له الدُّخول إلى هذا القلب ما لم تتَّصف بالسَّلام مع الله ومع نفسك والآخرين، وتحمل براءة الطّفل، وتقتني التَّواضع الحقيقيّ الّذي قال عنه أحد الرُّهبان الشُّيوخ "أن تكون متواضعًا خير لك من أن تقيم أمواتًا".