نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
الأحد 10 تشرين الثّاني 2019
العدد 45
الأحد (21) بعد العنصرة
اللّحن 4- الإيوثينا 10
أعياد الأسبوع: *10: الرّسول أولمباس وكوارتس ورفقتهما، الشّهيد أوريستس، القدّيس البارّ أرسانيوس الكبادوكيّ الصّانع العجائب *11: الشّهداء ميناس ورفقته، الشّهيدان فيكتور و استفاني، القدّيس البارّ ثيودوروس السّتوديتي المعترف *12: يوحنّا الرّحوم رئيس أساقفة الإسكندريّة، البارّ نيلس السّينائيّ *13: يوحنّا الذّهبيّ الفم رئيس أساقفة القسطنطينيّة *14: الرّسول فيليبس،القدّيس غريغوريوس بالاماس *15: الشّهداء غورياس وصاموناس وأفيفس، (بدء صوم الميلاد) *16: الرّسول متّى الإنجيليّ.
كلمة الرّاعي
صوم الميلاد
ثبّت مجمع القسطنطينيّة المُنعَقِد عام 1166 م. تاريخ صوم الميلاد كما نمارسه اليوم في الكنيسة الأرثوذكسيّة، أي من الخامس عشر من شهر تشرين الثّاني إلى يوم عيد الميلاد حيث يُفكّ الصّوم بعد قدّاس العيد. يوجد ذكر لتحضير ما قبل عيد الميلاد في مجامع محليّة ولكنّ تثبيت هذا التّقليد الصّياميّ صار في المجمع الآنف الذّكر.
التّرتيب القانونيّ والرّعائيّ لصوم الميلاد كما نمارسه اليوم في كنيستنا الأرثوذكسيّة الأنطاكيّة هو كالتّالي:
- تمتدّ فترة صوم الميلاد من 15 تشرين الثّاني (اليوم التّالي لعيد الرّسول فيليبّس) لغاية 24 كانون الأوّل؛
- خلال هذه الفترة، يُمتَنَع عن الزَّفرَين كلّ أيّام الصّوم ويُسمح بأكل السّمك ما خلا يومي الأربعاء والجمعة.
- في التّقليد، يُسمح بأكل السّمك في الفترة الممتدّة بين 15 تشرين الثّاني لغاية عيد القدّيس اسبيريدون العجائبيّ في 12 كانون الأوّل.
- يكون الصّوم صارمًا ليلة عيد الميلاد أي في 24 كانون الأوّل، إلّا إذا وقع ليلة سبت أو أحد، حيث يُسمح بالزّيت والمأكولات البحريّة ولكن ليس بالسّمك.
- يوم عيد الميلاد، يُسمح بجميع المأكولات بغض النّظر في أي يوم وقع العيد.
- هناك فترة فسحة لمُدّة أسبوع بعد عيد ميلاد الرَّبّ يسوع، يُسمح خلالها بجميع المآكل.
* * *
يقول القدّيس سمعان التّسالونيكي: ”إنّ صوم الميلاد الأربعينيّ يرمز إلى صوم موسى، الّذي صام أربعين يومًا وأربعين ليلة ليتلقّى وصايا الله المكتوبة على ألواحٍ حجريّة. ونحن بصومنا أربعين يومًا نتأمّل ونتلقّى من العذراء الكلمة الحيّ، الغير المكتوب على حجارة، بل مولودًا، متجسِّدًا، الّذي نتناول جسده المُقدَّس“.
صوم موسى الأربعينيّ كان استعدادًا للقاء الرَّبّ في الكلمة والنّور، وعند نزول موسى بالشّريعة من الجبل كان كيانه مُستنيرًا من الدّاخل والخارج بمعرفة الله في خبرةٍ فريدة. وصيّة الله لموسى أُعطِيت على لوحَيْ حجر للشّعب ولكنّها كُتبَت في كيانه بالنّور الإلهيّ غير المخلوق. هذا كان استباقًا لتجسُّد الكلمة الإلهيّ وسكناه في البشر بالنّعمة في النّور. هذا السّرّ حُضِّرَت له البشريّة منذ السّقوط وتحقَّق في ”ملء الزّمان“ بـتَّجسُّد السّيّد وميلاده من البتول.
صحيح أنّ كلّ شيء قد تمّ وتحقَّق في المسيح، ولكنّنا لكيما ننعم بما وُهب لنا في ”السِّرّ المكتوم منذ الدّهور“ علينا أيضًا أن نتحضَّر لتلقّف خلاص الرَّبّ بالتّنقية المتأتّية من التّوبة من خلال الصّوم والصّلاة وتأمُّل السّرّ الحاصل فينا بالنّعمة ...
* * *
ليس الصّوم عمليّة أوتوماتيكيّة النّتائج ولا الصّلاة كذلك، الأساس هو حركة القلب نحو الله والشَّوق إليه. مسألة التّغيير والتّحوُّل من ”لحم ودم“ من إنسان جسدانيّ إلى إنسان روحيّ تتطلَّبُ موتًا وقيامة. لنولَد في المسيح، ليكون لميلاد المسيح من تجسيد في حياتنا لا بدَّ لنا أن نتحرَّك بروح الوصيّة الإلهيّة نحو المسيح أي نسير وراءه، ”مَنْ أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعْنِي“ (مرقس 8: 34).
لكي يكون لصيامنا التّحضيريّ لعيد الميلاد قيمة ودور في استقبال المسيح حياةً لنا وللدُّخول في سرّ الولادة الجديدة علينا أن نطلبه، أوَّلًا، كلمةً لحياتنا منطوقة بالرّوح القدس من الله لتقودنا في ”الطّريق“ نحو التّواضع والوداعة وإفراغ الذّات بالتّوبة. صوم بدون توبة ليس صومًا. ولا يوجد توبة خارج الصّلاة. علينا في هذا الزَّمن المُبارَك أن نُعيد جدولة أولويّاتنا اليوميّة لنزيد فيها حصّة الله من الوقت لمعرفة الله والذّات بمعاشرة الكتب المقدّسة وللاهتمام بالآخَر. هذا يتطلّب عملًا وخطّة على الصّعيدَيْن الشّخصيّ والجَماعيّ، في البيت وفي العمل وفي الكنيسة ...
الرَّبّ يسوع أتى إلينا ليشدّنا إليه، أنحدر إلينا ليرفعنا إليه ... هذا كلّه ترجمة حبّه لنا لكي نترجم حبّنا له بالطّريقة الّتي بها أحبّنا ...
مسيرتنا في هذا الصّوم المبارك هي رحلة في الفرح بروح الشّركة والشّعور مع الآخر من خلال ما نعبّر له به عن حبّنا إذ نتقشّف ونصلّي ونصوم لنشارك خيرات الله الرّوحيّة والمادّيّة مع الّذين يضعهم الرَّبّ في طريقنا فنولد بالعطاء المتأتّي من إحساسنا بالآخَر وحاجاته في المسيح على صورة الله الّتي خلقنا الله عليها لنصيرها ونكونها بالحبّ الّذي من فوق ...
ومن أراد أن يصوم حقًّا فليصنع كذلك ...
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما
طروباريّة القيامة (باللَّحن الرّابع)
إنَّ تلميذاتِ الرَّبّ تعلَّمنَ مِنَ المَلاكِ الكَرْزَ بالقيامةِ البَهج. وطَرَحنَ القَضاءَ الجَدِّيَّ. وخاطبنَ الرُّسلَ مُفتَخِراتٍ وقائِلات. سُبيَ المَوتُ وقامَ المَسيحُ الإله. ومنحَ العالمَ الرَّحمةَ العُظمى.
قنداق دخول السّيّدة إلى الهيكل (باللّحن الرّابع)
إنّ الهيكل الكُلّيُّ النّقاوَة، هيكلَ المُخلِّص، البتولَ الخدرَ الجزيلَ الثّمَن، والكنزَ الطّاهرَ لمجدِ الله، اليوم تَدخُلُ إلى بيتِ الرَّبّ، وتُدْخِلُ معها النّعمةَ الّتي بالرُّوحِ الإلهيّ، فلتُسَبِّحْها ملائكةُ الله، لأنّها هي المظلّةُ السّماويّة.
الرّسالة (غل 2: 16– 20)
ما أعظمَ أعمالَكَ يا ربُّ كُلَّها بحكمةٍ صَنَعتَ
باركي يا نفسي الرَّبَّ
يا إخوةُ، إذ نعلَمُ أنَّ الإنسانَ لا يُبرَّرُ بأعمالِ الناموسِ بل إنَّما بالإيمانِ بيسوعَ المسيح، آمنَّا نحنُ أيضاً بيسوعَ المسيحِ لكي نُبرَّرَ بالإيمانِ بالمسيح لا بأعمالِ الناموسِ، إذ لا يُبرَّرُ بأعمالِ الناموس أحدٌ من ذوي الجَسَد. فإن كنَّا ونحنُ طالِبونَ التبريرَ بالمسيحِ وُجدنا نحنُ أيضاً خطأةً أَفَيَكُونُ المسيحُ إذنْ خادِمًا للخطيئة؟ حاشى! فإنّي إن عدتُ أبني ما قد هَدَمتُ، أجعَلُ نفسي متعدّياً، لأنّي بالناموسِ مُتُّ للناموس لكي أحيا لله. مع المسيح صُلبتُ، فأحيا لا أنا بل المســــــــيحُ يحيا فيَّ. وما لي من الحياةِ في الجسدِ أنا أحياهُ في إيمانِ ابنِ الله الذي أحبَّني وبذلَ نفسَهُ عني.
الإنجيل (لو 10: 25– 37)(لوقا 8)
في ذلك الزّمان دنا إلى يسوعَ ناموسيٌّ، وقال مُجَرِّبًا لَهُ: يا مُعَلِّم، ماذا أَعمَلُ لِأَرِثَ الحَياةَ الأَبَدِيّة؟ فقال لَهُ: ماذا كُتِبَ في النّاموس؟ كيف تقرأ؟ فأَجابَ وقال: أَحْبِبِ الرَّبَّ إِلهَكَ مِن كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ وَمِنْ كُلِّ قُدرتِكَ وَمِن كُلِّ ذِهْنِكَ، وَقَرِيبَكَ كَنَفْسِك. فقالَ لَهُ: بِالصَّوابِ أَجَبْتَ، اِعْمَلْ ذلك فَتَحيا. فأَرادَ أنْ يُزَكِّيَ نَفسَهُ، فقال لِيَسُوعَ: وَمَنْ قَريبي؟ فَعادَ يَسُوعُ وَقال: كان إنسانٌ مُنحَدِرًا مِن أُورَشليمَ إلى أَريحا، فَوَقَعَ بَينَ لُصُوصٍ فَعرَّوهُ وَجَرَّحُوهُ وَتَركُوهُ بَينَ حَيٍّ وَمَيت. فَاتَّفقَ أنَّ كاهِنًا كان مُنحَدِرًا في ذلك الطّريق، فَأَبصرَهُ وَجازَ مِن أَمامِه، وَكذلك لاوِيٌّ وَأَتى إلى المكانِ فَأَبصرَهُ وَجازَ مِن أمامِه. ثُمَّ إنَّ سامِريًّا مُسافِرًا مَرَّ بهِ، فَلمّا رآهُ تَحَنَّنَ فَدَنا إليهِ وَضَمَّدَ جِراحاتِه وَصَبَّ عَلَيها زَيتًا وَخَمْرًا، وَحَمَلَهُ على دابَّتِه، وَأتى بهِ إلى فُندُقٍ، وَاعْتَنى بِأَمرِه. وفي الغَدِ، فِيما هو خارجٌ، أَخرَجَ دِينارَينِ وَأعطاهُما لِصاحِبِ الفُندُق، وقالَ لَهُ اعْتَنِ بِأَمْرهِ. وَمَهما تُنفِقْ فَوقَ هذا فأنا أَدفَعُهُ لَكَ عند عَودَتي. فأيُّ هؤلاءِ الثلاثةِ تَحْسَبُ صارَ قَريبًا لِلّذِي وَقَعَ بَينَ اللُّصُوص؟ قال: الّذي صَنَعَ إلَيهِ الرّحمة. فقال لَهُ يَسُوع: امْضِ فَاصْنَعْ أنتَ أيضًا كذلك.
حول الإنجيل
قال الرّبّ يسوع في نهاية حديثه مع النّاموسيّ الماكر: "اذهب أنت أيضًا واصنع هكذا" (لوقا 37:10). هذه الكلمات ترنّ لنا وكأنّها فعل أمرٍ مباشر لا مجرّد اقتراح أو كلماتٍ جميلةٍ للتّأمّل بها. هذا التّنبيه الّذي وجّهه المسيح للنّاموسيّ ولنا كلّنا يمكن تلخيصه في كلمات ميخا النّبيّ: "قد أخبَرَك أيّها الإنسان ما هو صالحٌ، وماذا يطلبه منك الرّبّ، إلّا أن تصنع الحقّ وتُحِبّ الرّحمة، وتسلك متواضعًا مع إلهك" (ميخا 8:6).
نحن نعيش في عصر الانهماك وهاجس الذّات. فحيثما نظرنا نرى أدلّةً على هاجسنا باهتماماتنا وصورتنا وتطوّرنا واكتفائنا ومحبّتنا لذاتنا وثقتنا بنفسنا وغيرها. إنّنا منهمكون بحقوقنا وخياراتنا وآرائنا، أي بكلّ ما هو لنا. كما أنّنا نقضي أوقاتنا على وسائل التّواصل الاجتماعيّ الّتي فيها نسوّق لأنفسنا عارضين صورنا وأفكارنا ومنتظرين من الآخرين إبداء إعجابهم أو عدم إعجابهم بها.
هذه دون شكٍّ مشاكل كبرى لا يمكن تجاهلها، ولكن مع ذلك لا يكفي أبدًا البدء بحملةٍ ضدّها معتبرين أنّها ستزول بهذه الطّريقة. ما يجب أن نقوم بها هو أن نصير قدّيسين، والسّبيل إلى ذلك هو في قول القدّيس بورفيريوس: "لا تصير قدّيسًا بمحاربة الشّرّ. فليكن الشّرّ. أنظر إلى المسيح وستخلص. ما يجعل الشّخص قدّيسًا هو المحبّة". لا نستطيع القيام بالأمور الكبيرة قبل البدء بالصّغيرة. وإذا ما بدأنا، بمعونة الله، بتغيير ذواتنا وأن نحبّ الآخرين حولنا، عندها سيبدأ العالم بالتّغيّر.
إنّ الرّبّ يسوع في مثل السّامريّ الصّالح، ومن خلال طلبه من النّاموسيّ أن يذهب ويصنع كذلك، يطلب منّا أن ننسى ذواتنا ونضع من هو محتاجٌ إلى مساعدتنا المادّيّة أو الرّوحيّة في صلب حياتنا. على هذا يقول القدّيس أنطونيوس الكبير: "تتعلّق حياتنا وموتنا بأخينا. إن ربحنا أخينا فقد ربحنا الله".
يجب أن نشكر الله على كلّ الأمور الجيّدة في حياتنا، ولكن لا يجب أن ننسى أبدًا كلّ شخصٍ محتاجٍ لمحبّتنا ومساعدتنا. هكذا لا نكون مثل الكاهن واللّاويّ المتديّنين في الظّاهر وهما في الحقيقة ميّتان روحيًّا، بل مثل السّامريّ الّذي عمل الصّلاح من أعماق قلبه.
في الصّلاة والصّوم
"هذَا الْجِنْسُ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَخْرُجَ بِشَيْءٍ إِلاَّ بِالصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ" (متى 17: 21). هكذا كان ردّ الرَّبّ يسوع على تلاميذه حينما سألوه لماذا لم يستطيعوا أن يطردوا الرّوح الشّرّير.
كلمة "صوم" في اليونانيّة هي "έγκρατεια" وتُتَرجَم عادةً بكلمة "إمساك"، وهي تعني أن يُمسِكَ الإنسان نفسه وهو صائم، هي عمليّة ضبط النّفس وهي عمليّة عِفَّة أو تعفُّف وفيها يمنع الإنسان نفسه من بعض الأمور التي ليست بالضرورة غير مُوافِقَة، بل بالعكس يمتنع عن ما هو مسموح كالأطعمة مثلًا أمّا الشّرّور فهي من طبيعة جهاده الدائم في الصوم وخارجه. في القاموس، كلمة إمساك تعني أن يكون الواحد سيّدًا على أهوائه وعلى رغباته.
هَل أنت صائم؟ أعطني البُرهان على صومك بأعمالك!... لا تصوِّم فمك فقط، ولكن صوِّم عينيك وأُذنَيك ورجلَيك ويدَيك وكلّ أعضاء جسدك أيضًا.
صوِّم يدَيك عن الأخذ والجشع وعن أعمال الشّرّ.
صوِّم رجليك عن الجري وراء الذّنوب والمَعاصي.
صوِّم عينيك عن السّرور برؤية كلّ ما هو شرّير.
صوِّم أذنيك عن سماع كلام الشّرّ والنَّميمة.
صوِّم فمك عن كلمات الكراهية والنَّقد المدمّر والظُّلم.
جميل جدًّا أن تحرم نفسك من أكل لحوم الطّيور والحيوانات، لكن الوَيْلُ لِمَن يستمرّ بأكل لحم إخوته.
أمّا كلمة "صلاة" فهي تأتي من "صِلَة" و"وصال"، أي يجب أن أكون على تواصل مع الرَّبّ يسوع والتصاق به. يدعونا القدّيس بولس أن نصلي بلا انقطاع (راجع 1 تسالونيكي 5: 17)، وهنا تأتي أهميّة "الصَّلاة القلبيّة" أو "صلاة الرَّبّ يسوع" الّتي تنقل التّواصل من الفم والعقل إلى القلب "يا بنيّ أعطني قلبك" (أمثال 23: 26). الصّلاة التصاق بالله في جميع لحظات الحياة ومواقفها. هكذا تصبح الحياة صلاة واحدة بلا انقطاع ولا اضطراب. هي سجود أمام الله... هي مزامير تهليل وتمجيد... هي إرادة العيش مع الله. الصّلاة هي حركة توبة وارتماء في حضن الآب حيث يقع علينا ويُعانقنا ويقبّلنا.
يا أحبّة، بما أنّ "مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ الرُّؤَسَاءِ، مَعَ السَّلاَطِينِ، مَعَ وُلاَةِ الْعَالَمِ عَلَى ظُلْمَةِ هذَا الدَّهْرِ، مَعَ أَجْنَادِ الشَّرِّ الرُّوحِيَّةِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ" (أفسس 6: 12)، علينا أن نُجاهِد لنمتلئ من الرّوح القدس لكي نحفظ نفوسنا من روح هذا العالم الشّرّير بواسطة جناحَيْ الصّوم والصّلاة بنعمة الرَّبّ يسوع.
الشّيخ صوفروني إسكس
في 23 أيلول 1896 ولد سيرجي سيميونوفيتش سخاروف في عائلة بورجوازية أرثوذكسية ومتعددة الأولاد في روسيا. في حضن عائلته المتدينة تعلم سيرجي الصلاة منذ الصغر حتى كان يستطيع الصلاة 45 دقيقة دون توقف. تعلم الرسم في روسيا أولاً، ثم نظراً للأوضاع السياسية ولإكمال مسيرته الفنية استقرّ في باريس حوالي العام 1922. هناك استرعى انتباه الإعلام وكان يعرض لوحاته في "صالون الخريف" وفي "صالون التويليري". كان في هذه الفترة قد استرعت انتباهه الديانات الشرقية الصوفية. لكن عجز الفن عن تجسيد نقاء الآخر وعجز المنطق التحليلي من تفسير الموت أعادا سيرجي إلى كنف الكنيسة الأرثوذكسية. في السبت العظيم عام 1924، اختبر سيرجي النور الغير المخلوق الذي لازمه حتى اليوم الثالث من أسبوع الفصح. التحق بالمعهد اللاهوتي الأرثوذكسي في باريس. غير أن الدراسة في المعهد لم تشبع توقه إلى معرفة الله، لذلك انتقل عام 1926 إلى الجبل المقدس آثوس. هناك أمضى اثنتين وعشرين سنة من حياته. خمس عشرة منها في دير القديس بندلايمون حيث أصبح تلميذاً للقدّيس سلوان الآثوسي وسبعاً في منطقة الصحراء كاروليا بعد رقاد أبيه الروحي وبناءً لطلبه ومن ثم في كوخ قرب دير القديس بولس. عام 1941 سيم كاهناً وصار أباً روحياً لكثير من الأديرة في الجبل. تدهور صحته أجبره على مغادرة منسكه. رغب في نشر كتاب عن القدّيس سلوان الآثوسي (الذي لم تكن قد أعلنت قداسته بعد). مرض مرضاً شديداً أجبره على إجراء عملية جراحية في معدته. أصبح صعباً عليه الرجوع إلى جبل آثوس. بعد تعافيه، أُعطي أملاً ضئيلاً في العيش طويلاً. اجتمع حوله عدد من الشبان والشابات الملتزمين والراغبين في حياة التوحد. انتقل الأب صفروني وتلاميذه إلى بناء في إسكس إنكلترا تبرّع به أحد أولاده الروحيين مع العقار. هذا كان في منتصف العام 1959. هناك أسس ديراً شركوياً على اسم القدّيس يوحنا المعمدان ضمَّ رهباناً وراهبات من مختلف الجنسيات محور صلاتهم فيه تلاوة صلاة يسوع. وأيضاً على هذا النمط أنشأ أولاده الروحيّون ديرين في لبنان، واحداً للرهبان وواحداً للراهبات ضمن عائلة واحدة: عائلة الثالوث القدوس. رقد في 11 تموز عام 1993 عارفاً مسبقاً موعد رقاده. ترك كتابات روحية عديدة. وكان له الفضل في كشف كتابات القدّيس سلوان الآثوسي وتالياً إعلان قداسته.
منقول عن: http://www.holytrinityfamily.org/Monastic%20Life/father_sophrony.html