نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
الأحد ١٦ حزيران ۲٠١٩
العدد ۲٤
أحد العنصرة العظيم
أعياد الأسبوع: *16: صلاة السّجدة، تيخُن أسقف أماثوس *17: إثنين الرُّوح القُدُس، الشُّهداء إيسفروس ورفقته، الشُّهداء مانوئيل وصابل واسمعيل *18: الشُّهداء لاونديوس ورفقته*19: الرَّسول يهوذا نسيب الرَّبّ، باييسيوس الكبير *20: مثوديوس أسقف بتارُن، الأب نيقولاوس كباسيلاس *21: الشَّهيد يوليانوس الطّرسوسي *22: وداع العنصرة، الشَّهيد آفسابيوس أسقف سميساط، البار إيسيخيوس رئيس دير العلّيقة في سيناء.
كلمة الرّاعي
الماء الحَيّ
الماء الحَيّ هو المياه الجارِيَة الّتي تَتَجدَّد مع أنّها واحِدَة. بدونِ ماء لا يوجَد حياة، مِنْ هنا رَمزيّة المِياه بالنّسبة لعلاقتها بالحياة الأبديّة. أعلَنَ الرَّبّ يسوع المَسيح لليهود: "مَنْ آمَنَ بي، فكما قالَ الكتاب ستَجْرِي من بطنِهِ أنهارُ ماءٍ حَيٍّ" (يو ٧: ٣٨). الحياةُ الإلهيّة مُتجدِّدَة دونَ تحوُّل أو تَغيّر وثابتة دون ركود. الإنسانُ الأوّل بعد أن صنعهُ الله من طين الأرض نفخَ في أنفهِ نَسَمَة حياة فَصارَ نَفْسًا حيّة (تكوين ۲). لولا نسَمَة الرّوح القدس لما كان الإنسان سوى طين وتُراب ورَماد. بالمَعصِيَة، أي بمُخالَفة الكلمة الإلهيّة، خسِرَ الإنسان سُكنى الرُّوح القدس فيه. الإنسان يسوع المسيح الّذي لم يُخالِف لله وَصيّة وأطاعَ حتّى المَوت موت الصّليب (فيليبّي ۲)، صارَ هو مَسكِن روح الرَّبّ في العالم على غِرارِ استقرارِ الرُّوح في الابن بِحَسَبِ سِرِّ الثّالوث. مِن هنا يأتي الرُّوح إلى العالم بالكلمة الإله ويَستَقِرُّ الكلمة في العالم بالرُّوح الإله...
* * *
"وأمّا متى جاء ذاكَ، روحُ الحَقِّ، فهو يُرشِدُكُم إلى جميع الحَقّ (...) ذاكَ يُمجّدُني لأنّه يأخُذُ ممّا لي ويُخبرُكُم. كلّ ما للآب هو لي..." (يو ١٦: ١٣- ١٥)، الآب هو مَصدَرُ كُلِّ وُجود وهو بالابن يصنع مَشيئتهُ الّتي يُكمّلُها ويُحقّقها ويَمدُها الرّوح القُدُس للعالَم. بدون الرُّوح القُدُس لا تُستَعلَنُ الحياة ولا تُعرَف. لأنّ المسيح هو الحياة أي أنَّهُ يُشرِكُنا بالوُجود الإلهيّ الصّادر عن الآب فيهِ بالرُّوح القُدُس. هكذا كان في البَدء لمّا خَلَقَ الله السَّماوات والأرض بالكلمة الأقنوم وتحقَّقَ الخَلق بفعلِ عَمَلِ الرُّوحِ القُدُس (راجع تكوين ١ و۲). بدونِ الرُّوح القُدُس لا وُصولَ لنا إلى المَسيح وخارج المَسيح لا شرِكَة لنا معَ الله الآب. الرُّوح القُدُس يقودُنا بالحَقِّ وفيهِ وإليهِ مِن خلال إتْحادِنا بالمسيحِ يسوع ابن الله المُتجسّد، حيث نَرى ونُعايِن الله الآب: "مَن رآني فقد رأى الآب" (يو ١۲: ٤٥). عندما خسرَ الإنسان سُكنى روحُ الرَّبّ فيه خسرَ إمكانيّة الحصول على الحياة الأبديّة. الله لم يَخلُقنا للفَناء لأنّهُ بَرَأنا بحسبِ مَشيئتِهِ على "صورَتِهِ ومِثالِهِ" (تك ١: ۲٦). إذًا، بما أنَّنا نتمتَّعُ بالصّورةِ الإلهيَّة أساسًا لِطَبيعتِنا فَلَن تَستقيمَ إنسانيَّتُنا ما لم نَحيا هذه الحقيقة كامِلَةً، أي ما لم نَقتَني روحَ الحياة.
* * *
"أؤمنُ (...) بالرُّوحِ القُدُس الرَّبّ المُحيي..." (دستور الإيمان). في تَعليمِ الكنيسة المُقَدَّسَة أنّ الرُّوحَ القُدُس هو صانِعُ الحياة. الحياة الّتي من الآب بالابن في الرُّوح القُدُس تُحيي كلَّ مَوجود وتأتي بهِ مِنَ العَدَم إلى الكَيْنونَة. الله شاءَ منذ البَدء أن يُعطِيَنا ذاتَهُ فخَلَقَنا على صورَتِهِ. وصورَتُهُ هي ابنُه "الّذي وهو بَهاءُ مَجدِهِ ورسمُ جوهَرِهِ وحاملُ كلّ الأشياء بكلمةِ قُدرتِهِ، بعدما صَنعَ بنفسِه تطهيرًا لخطايانا، جلس في يَمينِ العَظَمَةِ في الأعالي..." (عبر ١: ٣). وأرسلَ لنا روحَهُ القُدُّوس الّذي "مِنَ الآبِ يَنبَثِق" (يو ١٥: ۲٦) ليستقرَّ في الابن وفي جسدِهِ الكنيسة الّتي تَصيرُ هي بدَورِها يَنبوعًا لِرُوحِ الرَّبِّ في العالم، يَروي العِطاشَ إلى المَعرفةِ الحَقّ النَّقِيَّة لجَوهَرِ الوجود في استعلانِ سِرِّ الله، بِكَشفِ الإله الواحِد في الجَوهَر والمُثلَّث الأقانيم غير المُنفصِل. الرّوح القدس يَشهَدُ في القلوب والضَّمائر والخَليقة للابن الكلمة الّذي يَقودُ البَرِيَّة قاطِبَةً إلى الله مَصدَر وُجودِها وغايتهُ.
العيدُ الحاضِر، العَنصَرَة هو سرُّ تجديدِ خَلقِنا بحسبِ مشيئةِ الآب بالابن في سُكنى الرُّوح القُدُس فينا ليُوَحِّدنا بالمسيح في الكنيسة ويُجلِسَنا عن يَمينِ الآب في مَجدِ ملكوتِهِ السّماويّ.
الطّريق بسيط اقبَلْ يسوع مُخَلِّصًا، اتبَعْهُ بتسليمِكَ مشيئتَكَ لهُ ليَستقِرَّ فيكَ الرُّوح القُدُس ويَجعَلَكَ وإيّاهُ واحِدًا مُختَبِرًا منذُ الآن سرَّ الحياةِ الجديدة في البُنوَّة لله بالمسيح...
اطلبوا تَجِدوا، اقرَعوا يُفتَح لكُم...
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما
طروباريَّة العَنْصَرَة (باللَّحن الثَّامِن)
مُبَارَكٌ أَنْتَ أَيُّهَا المسيحُ إِلهُنَا، يا مَنْ أَظْهَرْتَ الصَّيَّادِينَ غَزِيرِي الحِكْمَة إِذْ سَكَبْتَ عَلَيهِمِ الرُّوحَ القُدُس، وبِهِمِ ٱصْطَدْتَ الـمَسْكُونَة، يا مُحِبَّ البَشَرِ، المجدُ لك.
قنداق العَنْصَرَة (باللَّحن الثَّامِن)
عندما نَزَلَ العَلِيُّ مُبَلْبِلًا الأَلْسِنَة كانَ للأُمَمِ مُقَسِّمًا. ولمَّا وَزَّعَ الألسِنَةَ النَّارِيَّة دَعَا الكُلَّ إلى اتِّحَادٍ واحِد. لذلك، باتِّفَاقِ الأَصوات، نُمَجِّدُ الرُّوحَ الكُلِّيَّ قُدْسُهُ.
الرِّسالَة (أع 2: 1-11)
إِلى كُلِّ الأَرْضِ خَرَجَ صَوْتُهُم
السَّمَاواتُ تُذِيعُ مَجْدَ الله
لمَّا حَلَّ يومُ الخمسِينَ، كانَ الرُّسُلُ كُلُّهم معًا في مكانٍ واحِد. فَحَدَثَ بَغْتَةً صوتٌ من السَّماءِ كصوتِ ريحٍ شديدةٍ تَعصِفُ، ومَلأَ كلَّ البيتِ الَّذي كانُوا جالِسِينَ فيهِ، وظَهَرَتْ لهم أَلْسِنَةٌ مُنْقَسِمَةٌ كأنَّها من نار، فٱسْتَقَرَّتْ على كُلِّ واحِدٍ منهم، فامْتَلأُوا كلُّهم من الرُّوح القُدُس، وطَفِقُوا يَتَكَلَّمُون بلغاتٍ أُخرى، كما أعطاهُم الرُّوحُ أَنْ يَنْطِقُوا. وكانَ في أُورَشَلِيمَ رجالٌ يهودٌ أتقياءُ من كلِّ أُمَّةٍ تحتَ السَّماءِ. فلمَّا صارَ هذا الصَّوْتُ اجْتَمَعَ الجُمْهْورُ فتحيَّرُوا لأنَّ كلَّ واحِدٍ كانَ يَسْمَعُهُم يَنْطِقون بِلُغَتِه. فدُهِشُوا جميعُهُم وتَعَجَّبُوا قائِلِينَ بعضُهُم لبعضٍ: أليسَ هؤلاءِ المتكلِّمُونَ كلُّهُم جَلِيلِيِّين؟ فكيفَ نَسْمَعُ كلٌّ مِنَّا لُغَتَهُ الَّتي وُلِدَ فيها، نحن الفرتيِّينَ والمادِيِّينَ والعيلامِيِّينَ، وسُكَّانَ ما بين النَّهرَيْن واليهوديَّة وكبادوكِيَةَ وبُنْطُسَ وآسِيَةَ وفرِيجِيَّةَ وبَمْفِيلِيَة ومِصْرَ ونواحي ليبِيَةَ عند القَيْرَوَان، والرُّومانِيِّين الـمُسْتَوْطِنِينَ، واليهودَ والدُّخَلاءَ والكْرِيتيِّين والعرب، نسمَعُهُم يَنْطِقُونَ بأَلْسِنَتِنَا بعظَائِمِ الله!.
الإنجيل (يو 7: 37-52)
في اليومِ الآخِرِ العظيمِ من العيد، كانَ يسوعُ واقِفًا فصاحَ قائلاً: إِنْ عَطِشَ أحدٌ فَلْيَأْتِ إِلَيَّ ويشرَب. من آمَنَ بي، فكما قالَ الكتاب ستَجْرِي من بطنِهِ أنهارُ ماءٍ حَيٍّ. (إِنَّمَا قالَ هذا عن الرُّوحِ الَّذي كانَ المؤمنونَ به مُزْمِعِينَ أَنْ يَقْبَلُوهُ إِذْ لم يَكُنِ الرُّوحُ القُدُسُ قد أُعْطِيَ بعدُ، لأنَّ يسوعَ لم يَكُنْ بعدُ قد مُجِّدَ). فكثيرونَ من الجمعِ لمَّا سمعُوا كلامَه قالُوا: هذا بالحقيقةِ هو النَّبِيُّ. وقال آخَرُون: هذا هو المسيح، وآخَرُون قالوا: أَلَعَلَّ المسيحَ من الجليل يأتي! أَلَمْ يَقُلِ الكتابُ إنَّه من نسلِ داودَ، من بيتَ لحمَ القريةِ حيثُ كانَ داودُ، يأتي المسيح؟ فحَدَثَ شِقَاقٌ بينَ الجمعِ من أَجْلِهِ. وكانَ قومٌ منهم يُريدُونَ أن يُمْسِكُوهُ، ولكِنْ لم يُلْقِ أَحَدٌ عليه يدًا. فجاءَ الخُدَّامُ إلى رؤساءِ الكهنَةِ والفَرِّيسِيِّينَ، فقالَ لهُم: لِمَ لم تأتوا بهِ؟ فأجابَ الخُدَّامُ: لم يتكلَّمْ قطُّ إنسانٌ هكذا مثلَ هذا الإنسان. فأجابَهُمُ الفَرِّيسِيُّون: أَلَعَلَّكُم أنتم أيضًا قد ضَلَلْتُم! هل أحدٌ مِنَ الرُّؤساءِ أو مِنَ الفَرِّيسيِّينَ آمَنَ بِهِ؟ أمَّا هؤلاء الجمعُ الَّذينَ لا يعرِفُونَ النَّاموسَ فَهُم ملعُونُون. فقالَ لهم نِيقودِيمُس الَّذي كانَ قد جاءَ إليه ليلاً وهُوَ واحِدٌ منهم: أَلَعَلَّ نامُوسَنَا يَدِينُ إنسانًا إن لم يسمَعْ مِنهُ أوَّلاً ويَعلَمْ ما فَعَلَ! أجابوا وقالوا لهُ: أَلَعَلَّكَ أنتَ أيضًا من الجليل! إِبْحَثْ وٱنْظُرْ، إنَّهُ لم يَقُمْ نبيٌّ منَ الجليل. ثُمَّ كَلَّمَهُم أيضًا يسوعُ قائلاً: أنا هوَ نورُ العالَم، من يَتْبَعْنِي لا يمشي في الظَّلامِ، بل يَكُونُ لهُ نورُ الحياة.
حول الإنجيل
قرأنا في إنجيل اليوم الآية التّالية: "وفي اليومِ الأخيرِ العظيمِ مِنَ العيدِ وقفَ يسوعُ ونادى قائلًا: "إنْ عطشَ أحدٌ فلْيُقبلْ إليَّ ويشربْ. مَنْ آمنَ بي، كما قالَ الكتابُ، تجري من بطنِهِ أنهارُ ماءٍ حيٍّ" (يو6: 37-38). ولهذه الآية دلالات كثيرة حول العيد الّذي نعيّد له اليوم ألا وهو عيد العنصرة أي عيد حلول الرُّوح القُدُس على التّلاميذ كما نقرأ في رسالة اليوم.
الّذين التصقوا بموسى النّبيّ قديمًا شربوا ماءً من الصّخرة في البرّيّة حيث كانت الصّخرة تتبعهم وتفيض عليهم بما يرويهم، أمّا مَنْ يؤمن بربّنا يسوع المسيح ويحلّ عليه الرُّوح القُدُس فيحمل الصّخرة في داخله، وينطلق الفيض لا من الخارج بل من بطنه، أي من إنسانه الدّاخليّ حيث يُقام ملكوت الله.
يدعو اليهود الماء الجاري ماءً حيًا، لأنّه دائم الحَرَكة، لن يتوقّف عن الحركة. هكذا إذ يوجد الله في القلب يتمتّع المؤمن بنعمة فوق نعمة، وتفيض هذه النِّعَم على مَن هم حوله (أم 10: 11). فلا يكفينا أن نشرب من المجرى الّذي في داخلنا، لنستريح بالنِّعمَة الإلهيّة المُعطاة لنا، وإنّما يلزم أن يفيض هذا المجرى الدّاخليّ ليروي الكثيرين. بحلول الرُّوح القُدُس، لا تتحوّل الأرض الجافّة المُقفرة إلى فردوسٍ فحسب، وإنّما تفيض بمياهها على نفوس جافّة كثيرة لتشاركها الطّبيعة الفردوسيّة الجديدة وهذا بالفعل ما حصل مع التّلاميذ في اليوم الخمسين.
للفصح والعنصرة قاسم مشترك ألا وهو التَّحوُّل. في الفصح، نولد من جديد وننزع إنساننا العتيق بقيامتنا مع الرَّبّ يسوع الغالب الموت، فتُطرَد من أجسادنا الرُّوح النَّجِسَة ليَحلّ مكانها في العنصرة روح الله، الله بذاته، برحمته العظيمة ومحبّته اللّامتناهية، مقدَّسًا إيّانا من الدَّاخل إلى الخارج، مُعيدًا إيّانا إلى صورته ومثاله، ومُطلقًا إيّانا مُسَحاءَ محصَّنين شاهدين له ولتدبيره الخلاصيّ من أجلنا.
فيا له من يوم عظيمٍ، يا له من تحنّن أبويّ لا يوصف، ويا لها من مسؤوليّة كُبرى تُلقَى على عاتقنا إن نحن قبلناها... أمرٌ عجيب يحصل اليوم، أمرٌ مستغرَبٌ نشهده. لقد تجسّد الله وصار ليس فقط بيننا بيسوع المسيح بل فينا بروحه القدّوس. ذلك الوعد أن نتّحد بالله مجدّدًا بات على قاب قوسين أو أدنى... فهَل من يقبل؟!
العنصرة
"أيّها المَلِكُ السَّماويُّ المُعَزّي روحُ الحَقّ الحاضِر في كُلِّ مكان والمالئ الكُلّ، كَنْزُ الصّالِحات ورازِقُ الحياة هَلُمَّ واسكن فينا وطَهِّرنا مِنْ كُلِّ دَنَسٍ وخَلِّص أيّها الصّالِح نفوسَنَا"، ما أعذب وأحَنَّ كلماتِكَ أيّها الرُّوح القُدُس!
"يا لكرامة هذا اليوم المَجيد، إنّ عيد العنصرة يذكّرنا بالنِّعَمِ الإلهيّة الّتي فاضَتْ علينا مِنْ لَدُنِ إلهِنا المُحِبُّ، بالرُّغم مِن أنّنا نحتفل بعيد الرُّوح القُدُس مَرَّةً واحِدَةً في السّنة، إلّا أنّ بركاته تفيض علينا كالبحر الزّاخِر طول السّنة، فالرُّوح القُدُس هو حياة الكنيسة، إنّه النّهر الّذي يروي الكنيسة وليس له أوانٌ يجِفُّ فيه، إنّ كلّ نشاط وعمل في الكنيسة مُستَمَدٌّ من النِّعَم الدّافِقَة الّتي تنبع من بركات هذا اليوم" (المغبوط اغسطينوس)
في هذا اليوم يتمّ وَعْدُ الرَّبّ يسوع: "إن لم انطلق، لا يأتيكم المُعَزِّي، ولكن إن ذهبت أرسله إليكم" (يو ١٦: ٧)، انظروا إلهنا كم يحمل همَّنا، كم يُحبُّنا، كم هي رأفاته عظيمة علينا، منذ أيّام قليلة صعد إلى السَّماء وها هو الآن يُرسِل لنا الرُّوح القُدُس ومعه ألوف المَواهب السَّماوِيَّة، الّتي تهدف إلى خلاص نفوسنا" (يوحنّا الذّهبيّ الفَم).
إنّ بعد العنصرة، ليس كمثل قبل العنصرة، من تلاميذٍ خائفين، مُختبئين هَرَبًا من اليهود، إلى رُسُلٍ تكلّموا بألسِنَةٍ وبَشَّروا المسكونة بأسرها، لم يَهابوا شيئًا من أجل إيصال البشارة.
في بابل شتَّتَ الرَّبُّ العالم القديم بسبب الخطيئة، وأمّا اليوم يجمع الرَّبُّ شتات العالم المنقسم، يجمعها بثمار الرُّوح، "وَأَمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ: مَحَبَّةٌ فَرَحٌ سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ لُطْفٌ صَلاَحٌ، إِيمَانٌ ودَاعَةٌ تَعَفُّف" (غلا ٥: ۲۲)، إذًا أوّل ثمار الرُّوح هي المحبَّة ومن بعدها يأتي الباقي، إذا امتلكتُ المحبّة في قلبي، أكون أطعتُ مَنْ أوصاني بالمَحبَّة، أكون قد بَدَّدتُ أشنع الخطايا، أنهَيْتُ أفكار الذِّهن المُشَوّشة.
مِنْ أجلِ هذا أتوسَّلُ إليكم، فلنُسْرِع كلّنا إلى المَحبَّة، ولنتمسَّك بها بِلا رَخاوَة، ولنُعَيِّد بالمَحبَّة في هذا العيد، لكي تمتلئ أيادينا مِنْ أفراحِ نعمة الله بوفرة... واحدٌ ثلاثين، واحدٌ ستّين والآخَر مِئَة ضعفٍ، عسا أن نُقابِل ملك السَّماء بِدالَّة حينما يَجيء، ويمنحنا بنعمته الخلاص. آمين