نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
الأحد ۲٥ تشرين الثّاني ۲٠١٨
العدد ٤٧
الأحد (۲٦) بعد العنصرة
اللّحن ١- الإيوثينا ٤
أعياد الأسبوع: *25: وداع عيد الدّخول، الشّهيدة كاترينا عروس المسيح، الشّهيد مركوريوس *26: البارّان أليبيوس العاموديّ ونيكن المستتيب، البار أكاكيوس، ستيليانوس. 27: الشّهيد يعقوب الفارسيّ المقطّع *28: الشّهيد استفانوس الجديد، الشّهيد إيرينرخُس *29: الشّهيدان بارامونوس وفيلومانس *30: الرّسول اندراوس المدعوّ أوّلًا *1: النّبيّ ناحوم، فيلاريت الرّحوم.
كلمة الرّاعي
المَحبّة والعلم والأخلاق
يقول بولس الرّسول: "الْعِلْمُ يَنْفُخُ، وَلكِنَّ الْمَحَبَّةَ تَبْنِي" (1 كورنثوس 8: 1) وأيضًا: "إِنَّ الْمُعَاشَرَاتِ الرَّدِيَّةَ تُفْسِدُ الأَخْلاَقَ الْجَيِّدَةَ" (1 كورنثوس 15: 33). ويوجد مقولة شائعة: "الذَّوق فضّلوه عن العلم".
ما هـــي الـــغـــاية مــن العلم (science)؟ الــــمــعرفـــة (knowledge)؟! ...
أيّة معرفة إذا كان الإنسان لا يعرف نفسه؟!...
"بَاطِلُ الأَبَاطِيلِ، قَالَ الْجَامِعَةُ: بَاطِلُ الأَبَاطِيلِ، الْكُلُّ بَاطِلٌ (...) وَوَجَّهْتُ قَلْبِي لِمَعْرِفَةِ الْحِكْمَةِ وَلِمَعْرِفَةِ الْحَمَاقَةِ وَالْجَهْلِ، فَعَرَفْتُ أَنَّ هذَا أَيْضًا قَبْضُ الرِّيحِ. لأَنَّ فِي كَثْرَةِ الْحِكْمَةِ كَثْرَةُ الْغَمِّ، وَالَّذِي يَزِيدُ عِلْمًا يَزِيدُ حُزْنًا ..." (سفر الجامعة 1: 2 و17 - 18).
ما الّذي يطلبه الإنسان وما رجاؤه من العلوم؟! تحسين الحياة وظروفها، العناية الأفضل صحيًّا بالإنسان، أن يعيش البشر بكرامة أفضل، التّطوّر الثّقافي والفنّي إلخ. ما قيمة هذه كلّها إذا كان الفرد لا يحترم الفرد ودول تتحكّم بِدُوَل وقلّة من البشـر يزيد غناها ومعظم البشريّة تفتقر، شعوب تموت جوعًا ودول تتلف القمح والغذاء، شركات أسلحة تطوّر وسائل القتل والدّمار ودول تبيع دولًا كلّ ما يدمّر الوجود البشريّ برمّته...
إلى ماذا أَوْصَلَنَا العلم؟!... أإلى رفع كرامة الإنسان أم إلى إنقاصها؟!... أإلى تحسين نوعيّة الحياة أم إلى تخريبها؟!... أإلى مزيد من الإنسانيّة والتّعاون والشّـراكة والاحترام أم إلى تفكّك العائلات والمجتمعات وازدياد الفردانيّة والتّسلّط والكبرياء؟!... أإلى مزيد من الرُّقيّ في حلّ الخلافات بين البشر أم إلى مزيد من الاستكبار والانحطاط في التّخاطب؟!...
* * *
هل العلم يزيد من أخلاق الإنسان؟ عمومًا، لا أظنّ ذلك، لأنّ ما يتحكّم بالإنسان سواء كان متعلّمًا أم أمّيًّا هو أهواؤه، وهذه، بصورة إجماليّة، تقوى وتزيد إذا كان الإنسان متعلِّمًا وكلّما زادت معارفه لأنّه يصير أكثر عرضة ليتحكّم فيه الكبرياء والعُجْب وحبّ المديح وتعظُّم المعيشة والتَّسلُّط والتَّملُّك ومحبّة المال، وهذه كلّها أهواء قتّالة للرّوح ما لم يكن الإنسان مُتواضعًا ثابتًا في الإيمان ومجاهدًا روحيًّا جِدِّيًّا.
التّربية هي أساس الأخلاق، والأخلاق الحقيقيّة الثّابتة هي وليدة الإيمان، أمّا الأخلاق المتأتّية من المجتمع والبيئة فهي عرضة للتَّغَيُّر لا بل إلى الانقلاب كلّيًّا، بدليل ما حدث في الغرب عندما تخلّى عن إيمانه من إباحة للفلتان الجنسـيّ وتشريع لكلّ ما يعطي الإنسان اللَّذَّة البدنيّة وانقلاب المفاهيم حول ماهيّة الإنسان. فاليوم، في الغرب، يعلّمون الأطفال في المدارس أنّه لا وجود لما يُسمّى "الــــعـــائـــلــــة" (family) يــــوجــــد ما يــــدعـــــونــــه "أهــــل"(parents) وهم قد يكونون من الجنس نفسه أو من جنسين مختلفَين على حدٍّ سواء، كما يعلّمون الأطفال أنّ لهم الحرّيّة باختيار هويّتهم الجنسيّة وهم ما زالوا لا يدركون حقيقة إنسانيّتهم. هذا ما تفعله التّربية في الدّول المدعوّة "متحضِّرة"، هذه الدّول مَسَخَتِ الإنسانيّة حتّى العمق وصارت مسوقة من الشّيطان لتدمير البشريّة الّتي خلقها الله على صورته ووضع لها قوانين وجودها الثّابتة وأهدافها الواضِحة.
* * *
لا قيمة للعلم والأخلاق من دون المحبّة الإلهيّة لأنّهما متحوِّلَان غير ثابتَين ما لم يكونا في روح الإيمان وهَدْيِهِ. الإيمان وحده ثابت لأنّ الله ثابت لا يتغيَّر ولا يتحوّل وبالتّالي فالأخلاق المُنبثقة من الإيمان لا يتغيَّر جوهرها لكن قد تتغيَّر طريقة عيشها بحسب الظّروف والبيئة والتّطوّر، أي أنّ الأخلاق الإيمانيّة ليست طريقًا آخَر للقداسة بل هي ثمرة الحياة الرّوحيّة والالتصاق بالله، فهي لا تنطلق من مبادئ نسبيّة بل من وصايا إلهيّة ممّا يعني أنّها مُرتبطة بالفضائل الّتي هي صورة صفات الله في الإنسان. من هنا، تنبع كلّ الفضائل من المحبّة وتؤول إليها كما تنبع كلّ الأهواء من الأنانيّة وتؤول إليها.
خلاصةً، المحبّة الإلهيّة، أي الله نفسه، هو ما يعطي لكلّ عمل قيمته الحقيقيّة المنطلقة من ارتباطه بحقيقة الله-المحبّة وبمحبّة الله للإنسان وبالتّالي من محبّة الإنسان لنفسه وللإنسان والخليقة على صورة محبّة الله لكلّ ما أوجده من العدم. خارج هذه المحبّة الإلهيّة الّتي استُعلِنَت لنا في الرّبّ يسوع المسيح على الصَّليب بأجلى بَيان يصير العلم والأخلاق أدوات لدمار الإنسان باسم الرّقيّ والحضارة. لا حقيقة للوجود ولا معنى ولا قيمة حقيقيّة إلّا في الرَّبّ يسوع المسيح القائم من بين الأموات، وما عدا ذلك لَغْوٌ وفساد وإفساد للبشريّة باسم كذبةٍ كبرى اسمها التّرقّي البشـريّ بالعلم والأخلاق ...
ومن استطاع أن يقبل فليقبل...
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما
طروباريّة القيامة (باللّحن الأوّل)
إنَّ الحجرَ لما خُتِمَ مِنَ اليَهود. وجَسَدَكَ الطّاهِرَ حُفِظَ مِنَ الجُند. قُمتَ في اليومِ الثّالثِ أَيُّها المُخلِّص. مانحاً العالمَ الحياة. لذلكَ قوّاتُ السّماوات. هتفوا إليكَ يا واهبَ الحياة. المجدُ لقيامتِكَ أَيُّها المسيح. المجدُ لِمُلكِكَ. المجدُ لتدبيرِكَ يا مُحبَّ البشرِ وحدك.
طروباريّة القدّيسة العظيمة في الشّهيدات كاترينا عروس المسيح (اللّحن الخامس)
لنمدحْ عروسَ المسيح الكليّة المَديح كاترينا الإلهيّة حافظةَ سيناء، الّتي هي عونُنا وسنَدُنا، لأنّها بقوّة الرّوح قد أفحمتْ نبلاء المنافقين ببهاء، والآن إذ كُلِّلَتْ كشهيدة، فهي تَستمدّ للجميع الرّحمة العُظمى.
قنداق دخول السّيّدة إلى الهيكل (باللَّحن الرّابع)
إنّ الهيكل الكلّيَّ النَّقاوة، هيكلَ المخلّص، البتولَ الخِدْرَ الجزيلَ الثَّمن، والكَنْزَ الطاهرَ لِمجدِ الله، اليومَ تَدْخُلُ إلى بيتِ الرَّبّ، وتُدخِلُ معَها النِّعمةَ التي بالرّوح الإلهيّ. فَلْتُسَبِّحْها ملائكةُ الله، لأنّها هي المِظلَّةُ السَّماويَّة.
الرّسالة (غلا 3: 23– 29، 4: 1-5)
عجيبٌ هو الله في قدّيسيه.
في المجامع باركوا الله.
يا إخوةُ، قبلَ أن يأتيَ الإيمانُ كنَّا محفوظين تحتَ الناموس مُغلَقًا علينا إلى الإيمان الذي كان مزمَعاً إعلانهُ. فالناموسُ إذَنْ كانَ مؤدِّيًا لنا يُرشِدُنا إلى المسيحِ لكي نُبرَّرَ بالإيمان. فبعدَ أن جاءَ الإيمانُ لسنا بَعدُ تحتَ مؤدِّبِ لأنَّ جميعَكم أبناءُ الله بالإيمان بالمسيحِ يسوع. لأنَّكم انتمُ كُلَّكم الذينَ اعتمدتُم في المسيحِ قد لبِستُم المسيح. ليسَ يهوديٌ ولا يونانيٌ. ليسَ عبدٌ ولا حُرٌّ. ليس ذكرٌ ولا أنثى. لأنَّكم جميعَكم واحِدٌ في المسيح يسوع. فإذا كنتمُ للمسيح فأنتم إذَنْ نسلُ ابراهيمَ وورَثَةٌ بحسَبِ الموعِد. وأقولُ إنَّ الوارِثَ ما دامَ طِفلاً فلا فَرقَ بينَهُ وبين العبدِ مَعَ كونِهِ مالكَ الجميع، لكنَّهُ تحتَ أيدي الأوصياءِ والوكلاءِ إلى الوقتِ الذي أَجَّلهُ الآب. هكذا نحنُ ايضًا حينَ كُنَّا أطفالاً كنَّا مُستَعْبَدِين تحتَ أركانِ العالم، فلمَّا حانَ مِلءُ الزمانِ أرسَلَ اللهُ ابنَهُ مولوداً من امرأةٍ مولوداً تحتَ الناموس ليفتديَ الذين تحتَ الناموس لننالَ التبنيّ.
الإنجيل (لو 18: 18– 27 (لوقا 13))
في ذلك الزمان دنا إلى يسوعَ إنسانٌ مجرِّبًا لهُ وقائلاً: أيُّها المعلّم الصالح، ماذا أعمَلُ لأرثَ الحياةَ الأبدَّية؟ فقال لهُ يسوع: لماذا تدعوني صالحاً وما صالحٌ إلاَّ واحدٌ وهو الله. إنّك تعرِفُ الوصايا: لا تزْنِ، لا تقتُل، لا تسرق، لا تشهد بالزور، أكرِمْ أباك وأمَّك. فقال: كلُّ هذا قَدْ حفِظْتَهُ منذُ صبائي. فلمَّا سمِعَ يسوعُ ذلك قال لهُ: واحدةٌ تُعوزُك بعدُ. بعْ كلَّ شيءٍ لك وَوَزِّعْهُ على المساكين فيكونَ لك كنزٌ في السماءِ وتعال اتبعْني. فلمَّا سمع ذلك حزِن لأنَّه كان غنيًّا جدًّا. فلمَّا رآه يسوعُ قد حزِن قال: ما أعسَرَ على ذوي الأموال أن يدخلوا ملكوتَ الله! إنَّهُ لأسهلُ أن يدخُلَ الجَمَلُ في ثقب الإبرَةِ من أنْ يدْخُلَ غنيٌّ ملكوتَ الله. فقال السامِعون: فمن يستطيع إذنْ أنْ يَخلُص؟ فقال: ما لا يُستطاعُ عند الناسِ مُستطاعٌ عند الله؟
حول الإنجيل
يا أحبّاء، قرأنا في إنجيل اليوم عن ذلك الغنيّ الّذي ذهب إلى الرَّبّ يسوع طالبًا أن يعرف كيف يرث الحياة الأبديّة. ولربّما يتمنّى كلّ واحدٍ منّا أن يكون مثل هذا الشّابّ، أي غنيًّا ومتمّمًا للوصايا الإلهيّة، لكنّنا نرى أنّه في النّهاية ذهب حزينًا ولم يحصل على مُبتغاه.
الأمر الـمُلفت في هذا النّصّ هو ما خاطب به الشّابّ يسوع قائلًا: "أيّها المعلّم الصّالح"، بالإضافة إلى جواب يسوع: "لماذا تدعوني صالحًا، ولا صالح إلّا الله وحده؟"، ولم يقل: "إلّا الآب وحده". بالتّالي يقول يسوع لهذا الشّابّ: "أهذا يعني أنّك تعترف بي أنّني الله"؟.
تكمن المشكلة في تحديد الصّلاح، فكلّ شخصٍ ينسب لنفسه "صلاحًا" معيّنًا يتماشى مع مبادئه الخاصّة، لو كانت مجرّدةً أحيانًا من أيّ معيارٍ أخلاقيّ. فالبعض يرى في الصّلاح إشباع المتعة أو المنصب المرموق أو العمل الّذي يدرّ المال. والبعض الآخر يرى في الصّلاح ما يؤمّن له راحةً نفسيّةً وجسديّةً مثل إنجاب الأولاد أو العلاقات الاجتماعيّة الجيّدة. أمّا على صعيد الأديان، فيتحدّد الصّلاح في تنفيذ الوصايا. وهذا ما نجده حتّى في العهد القديم حيث كان ثمّة ربطٌ بين حفظ الوصايا والرّاحة الجسديّة، لذلك نرى كيف ربط التّلاميذ بين الأعمى والخطيئة، أو كيف كان يتمّ الرّبط بين رضى الله على الإنسان وما يعطيه إيّاه الله من الخيرات والأولاد.
غير أنّ جواب الرّبّ يسوع بأنّه "لا صالح إلّا الله وحده" ينقض كلّ الفرضيّات تلك. لقد حدّد أنّ مصدر الصّلاح هو واحدٌ، وكلّ قياسٍ يتمّ على هذا الأساس. بالتّالي ليست مشكلة ذلك الشّابّ في غناه، بل بتعلّقه بذاك الغنى. وقصّة أيّوب النّبيّ خير مثالٍ على ذلك، فقد بقي أمينا محبًّا لله في غناه وفقره. يمكن للإنسان أن يكون فقيرًا ومتعلّقًا بشيءٍ يملكه فيصير مثل ذلك الغنيّ. الخيرات والعوز والصّحّة والمرض ليست صالحةً أو سيّئةً بحدّ ذاتها، بل بحسب طريقة استخدامها والتعاطي معها.
نرى يا أحبّاء في القدّيس زوسيما ما يشبه هذا الشّابّ، لكن مع موقفين مختلفين. فهذا القدّيس الّذي عاش في الدّير منذ مولده جاءه فكرٌ شرّيرٌ عندما بلغ الثّلاثة والخمسين من العمر. فقد اعتبر ذاته كاملًا في كلّ شيءٍ، ولا يحتاج إلى أيّ تعليمٍ، سائلًا إن كان يوجد أيّ راهبٍ أو إنسانٍ على وجه الأرض أفضل منه. لكنّه بدّل فكره عندما سمح الله بأن يلتقي هذا القدّيس بالقدّيسة مريم المصريّة، فتواضع وعلم أنّه لم يصل إلى الكمال، ولم يحزن مثل ذلك الشّابّ الّذي عندما علم أنّه ينقصه أمرٌ أخير مضى حزينًا.
يجب علينا يا أحبّاء أن نتواضع، وأن نتخلّى عن أنانيّتنا لأجل الآخرين، وأن نعلم أنّ ما ينقصنا هو المسيح، والباقي يُزاد لنا. "لا صالح إلّا الله وحده" يعني أنّ "كلّ شيءٍ بدون الله غير صالحٍ"، وأنّ "كلّ شيءٍ بالله وحده صالح".
لا تَدينوا
"إن كنتَ للآثامِ راصدًا يا ربّ، يا ربّي مَن يثبت، لأَنّ من عندكَ هو الاغتفار"!
"إغفر لهم يا أَبتاه... لأَنّهم لا يدرون ماذا يفعلون"...
"لا تَدينوا... لكي لا تُدانوا! فبالكيل الّذي به تكيلون يُكال لكم"...يا سيّد، تَعِبَتْ أَجسادُنا... أُزهِقت أَرواحُنا... يَئِسنا من خلاصنا!!. أَمِنْ خلاص للّذين يحلفون بإسمِكَ؟! يذكرون معاصيهم أَمامك في وقفات صلاتهم! والشّكُّ يندرج هنا، لأَن الحبّ الحقيقيّ يطرد كلّ شكّ... ونحن كلُّنا، بل بعض البعض منّا ما زال يدين ولو بالفكر قريبه!
في الحبّ، لُصوقٌ بروح الآخر، ليتعلَّم الإنسان كيف يحبّ! الحبّ ليس في قربى الجسد... فالّذي لا تستطيع أن تضمّهم بذراعيك، أَطبقهم على الصّلاة ليسوع ولوالدته وقدّيسيه وقل: إحْفَظْ واحمِ يا ربّي الأَخ الفلان... أَو إشفِ الأُخت فلانة... قوِّم مسيرة إخوتي في الرّوح... ولا تبتَئِسْ، إن عَرَفْتَ أَنّ أَحد الأَشخاص الّذين تحبُّهم قال عنك ما ليس مناسبًا لقربى الرّوح والصّلاة والجهاد بينكم، أي للمحبّة!
في وقفتنا متهيِّئين لورود "نجم الصُّبح" مُشِعًّا من نوافذ الشّتاء المُغْلَقَةِ أَبوابُهُ، علينا بل يبقى لنا منفذًا، "الصّلاة وإيقاع التّوبة"، الّذي نحياه بحبّنا للرّبّ في الأَخ وبحثنا عنه في تضاريس هذه النّفس الشّقيّة بأَمراضها الّتي تتكاثر لدرجة أَنّنا بتنا لا نعرف بعد إلى أيّ طبيب علينا الذّهاب حتّى يشفينا!
ها سُمِعَت أَصواتُ الأَجراس تُنبِئُ العابرين والمنتظرين في بيوتهم: أَن قوموا... لأَنّ الملك سيصل ليدخل إلى بيته... إلى خِدْر كنيسة حياته... ليُصْلَبَ مرّة جديدة أُخرى... يُذْبَح حمَلًا حوليًّا لإطعام شعوب الأَرض كلّها، العارفين أَنّ الخلاص هو فيه ومنه...
مبدأ الحياة مع المسيح هو "الحبّ": "أَحبب الرّبّ إلهك من كلّ قلبك ونفسك وقدرتك وقريبك كنفسك"... هكذا أَوصانا بدءًا... هذه كانت وما زالت الوصيَّة الأُولى الّتي يستتبعها الرّبّ يسوع بإنعطافه على الأَمر الأَوّل... "أَحْبِبْ"... إلى الوصول حتّى "قريبك كنفسك"!...
ويبقى السّؤال... كيف ونحن ما زلنا تحت معصية السّقوط، لا نسمع أَجراسَ الفجر تُنبئ قائلة: ها الرّبّ أَتى ليصير هو الحبّ الأَوّل والأخير وأَكْلُ الآخَرِ؟!. لأَنّ الرّبّ يسوع المسيح نفخ روحه في عجنة كلّ تراب الأَرض، ليولد برحمته وحبّه قلبَ كلّ إنسان... أَبيضَ أَو أَسود أَو أَصفر أَو أَحمر... لكن إن عرفوه!
مَن يقول النّاس إنّي أَنا هو؟!...
وأَتاه الجواب الوحيد الصّحيح الحقيقيّ: أَنتَ يسوع المسيح!!.
يا لتلك الغبطة الّتي لا ثمنَ لها... ولا كَلِمَةَ تنطقُ أَمامها... أنّ "الحياة" البازغة من حشا الثّالوث لتملأ الكون بكلّيّته، هي معنا!
إنّها رحيق الحبّ، إذ يَطالُ الإنسان المعرفة فيصرخ: "يا أَيّها الثّالوث القدّوس إرحمنا... يا ربّ إِغفر خطايانا... يا سيّد تجاوز عن سيّئاتنا... يا قدّوس، إطّلع واشف أمراضنا... من أَجل اسمِكَ يا ربّ ارحم... يا ربّ ارحم... يا ربّ ارحم...".
وتبقى لطخة عار السّقوط مكبِّلَةً أَرواح ويوميّات ومقاصد كلّ العائشين على هذه الأَرض، لنسمَعَ الصّوتَ الصّارخ في أَحشائنا...
"لا تدينوا... لكي لا تدانوا"...
"لا تُجازِ... لكَ ربٌّ يجازي"...
"أَحبّوا بعضكم بعضًا... ليعرف العالم أَنّكم تلاميذي"... آمين!